الدراسات والبحوث

دور التصوُّف في تمتين وتوطيد العلاقات المغربيَّة الأفريقيَّة (السنغال نموذجاُ)

انغير بوبكر

دور التصوُّف في تمتين وتوطيد العلاقات المغربيَّة الأفريقيَّة (السنغال نموذجاُ)

انغير بوبكر

1 – مقدمة:

 استأثر التصوف المغربي بشكل دائم باهتمام الباحثين والمهتمين بالعلاقات المغربية الافريقية عموما والسنغالية على وجه الخصوص ، حيث من الصعب فهم تميز و استدامة العلاقة المغربية السنغالية في سياقات تاريخية مختلفة بدون استحضار دور العلاقات الدينية والثقافية والروحية في قوة العلاقات المغربية السنغالية على جميع الأصعدة والمستويات ، وان كانت العلاقات الاقتصادية ماتزال تحتاج الى ضخ المزيد من الجهود لتواكب العلاقات الدينية والسياسية المتميزة عبر التاريخ .فرغم كل المحاولات الاستعمارية الرامية تاريخيا لقطع أواصر العلاقات الثقافية والدينية بين المغرب والسنغال ، ورغم كل حملات التنصير و سياسات التذويب الثقافي التي مارسها الاستعمار الفرنسي في حق الدين الإسلامي في السنغال كحلقة وصل رئيسية بين البلدين ، الا ان التصوف بمدارسه واتجاهاته ورجالاته في البلدين استطاع ان يكسر كل أحلام المستعمر على صخرة الانتماء الحضاري والتاريخ العريق الذي يجمع البلدين. لذلك يتبادر الى ذهن كل باحث ومهتم عن سر تميز العلاقات المغربية السنغالية السؤال المحوري التالي : كيف استطاع التصوف المغربي ان يصمد ويستميت وبل ويصبح ثابتا في البنية الثقافية والفكرية والدينية بل والسياسية السنغالية ، رغم كل المحاولات الاستعمارية وغيرها الرامية الى القضاء على العلاقات المغربية السنغالية ، عبر مداخل التغريب والتنصير؟

 

2 – لمحة تاريخية عن التصوف المغربي :

تميز المغاربة منذ القرون الأولى للهجرة ، باختيار التصوف الإسلامي الجنيدي مع العقيدة الاشعرية و المذهب المالكي كتأصيلات مرجعية واسانيد شرعية ، ويتميز هذا الاختيار الصوفي المغربي بانه تصوف مستنير بالكتاب والسنة و مستند الى قول الجنيد نفسه : “علمنا مضبوط بالكتاب والسنة ، من لم يكن يحفظ القران ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به ” أي انه تصوف ينسجم مع التدين الإسلامي الذي من غاياته الاسمى تهذيب النفوس وتزكيتها و التحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة ، التصوف المغربي يندرج اذا ضمن ثنائية التحلية بالأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة والتخلية أي التخلي عن كل المفاسد و الآثام و المنكرات. فاذا كان التصوف المشرقي قد غلب عليه التفلسف و الزهد و التنافس الأيديولوجي بين الفقهاء والمتصوفة ، بل وعانى المتصوفة في المشرق معاناة شديدة من اجل إيصال أفكارهم وشرح توجهاتهم الفكرية والفلسفية امثال الحلاج الذي اعدم سنة 309 ه والسهروردي صاحب كتاب عوارف المعارف الذي قتل سنة 586 ه واخرون من عانوا و قاسوا من اجل أفكارهم ومعتقداتهم فان من الخصائص المتميزة للتصوف المغربي وسماته البارزة هي التكامل بين الفقه والتصوف ،بل نجد اكثر المتصوفة المغاربة فقهاء و اكثر الفقهاء متصوفة واكثر ابتعادا عن علم الكلام والمنطق و التوجه نحو التصوف العملي ،أي تعظيم وظيفة التصوف الأخلاقية والعملية على المساجلات الكلامية والظنون الفلسفية.

سيعرف المغرب الفكر الصوفي عبر الرحلات الحجية وعبر الرحلات العلمية ومع التأثر الفكري بالثقافة البغدادية التي ذاع صيتها في القرنين الرابع و الخامس الهجري وخصوصا في علم الكلام ، ولكن سمته في ذلك انه تصوف فردي متأثر بدعاة ومتصوفة من المشرق وقد برز التصوف المغربي على ايدي رواد التصوف الأوائل أمثال:أبو يزيد البسطامي وأبو الخير الاقطع التيناتي و أَبُو عُثْمَان سعيد بن سَلام المغربي القيرواني، وجاج بن زلو اللمطي و عمران الفاسي …، ويكفي ان نرجع الى المؤلف الهام “التشوف الى معرفة رجال التصوف “لابن الزيات لنرى حجم الاقبال المغربي على التصوف في هذه المرحلة التاريخية ، فقد اورد صاحب التشوف طائفة من العلماء الذين غلبت عليهم النزعة الصوفية في العهود التاريخية الأولى مثل : ، أبو الحجاج يوسف بن موسى الكلبي وأبو العباس الهواري ، وأبو عبد الله ابن سعدون القيرواني ، والقاضي أبو محمد بن إسماعيل الإشبيلي وأبو بكر محمد بن الحسن الحضرمي ، وأبو محمد عبد العزيز التونسي، والقاضي أبو محمد بن علي اللخمي، سبط أبي عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن عمر السلمي، والد أبي حفص الأغماتي الأديب المشهور، وأبو محمد عبد الجليل ابن ويحلان ،وأبو الأمان بن يلاررح، وأبو محمد عبد العزيز الباغاتي، وأبو حسن بن شبونة ، وأبو محمد المليحي . لكن التصوف المغربي انبلج فجره بشكل منقطع النظير مابين القرنين 7 و 10 ه فيما يعرف مغربيا بعصر التصوف ، اذ سينتقل التصوف من ممارسة تعبدية فردية محدودة الى ظاهرة دينية جماعية ستتوج بانشاء الطرق الصوفية . ففي هذه المرحلة وصل الفكر الصوفي مداه مع متصوفة كبار بصموا تاريخ التراث الصوفي المغربي ونذكر منهم على الخصوص احمد زروق و الجزولي ومحمد بن عبد الكريم المغيلي .. الى ان يصل الذروة مع احمد التجاني الذي ملات طريقته كل الاصقاع و باتت الطريقة التجانية لبنة أساسية من لبنات التصوف الإسلامي الافريقي .

وقد امتاز التصوف المغربي تاريخيا ، بانه ممارسة دينية شعبية اقرب الى اذهان الناس من اي تعقيدات تشريعية ومذهبية لاقت في الكثير من الاحيان رفضا ونفورا خاصة في العهد المرابطي الذي عرف فيه التصوف انتشارا شعبيا وترحيبا رسميا سرعان ما انحسر في بداية العصر الموحدي الاول اي التومرتي حيث انحصر التصوف في نخبة متعلمة واغرق في علوم الكلام واعتمد بالأساس على منطق العقل والتفلسف . لكن التصوف المغربي سيعرف تحولا جذريا عندما تحولت الطرق الصوفية الى زوايا خاصة في العهد السعدي ، حيث برزت كقوة سياسية تم الاعتماد عليها في تأطير المواجهة وتوحيد الرؤى حول الموقف من التدخل الاجنبي البرتغالي في هذه الفترة، حيث برزت خلال معركة المخازن زاويتان رئيسيتان هما زاوية ابي المحاسن يوسف الفاسي ، وزاوية الشريف مولاي محمد بن علي بن عيسى بن ريسون كاطاران كبيران موجهان للقوة الجبلية في مواجهة التدخل البرتغالي .

 

 

 

3– أهم المدارس الصوفية المغربية :

كما قلنا سابقا يعتبر المنهج الصوفي الذي اختاره المغاربة واستمروا عليه واشتهر بيـنهم هو: منهج وطريق الإمام الجنيد (تـ ـ: 297ه) لكونه يعد أول من صاغ المعاني الصوفية وهذبها و جعل الاخلاق في مرتبة عالية في ميزان التدين ، كما ان طريق الجنيد اعتمد على روح الإسلام السمحة التي تقوم على الفضيلة والتقوى و التسامح . لقد كان التصوف المغربي، لصيقا بحياة الناس في كل مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية ، اذ لا صحة لمن يعتبر التصوف المغربي مقتصرا على العبادات وعلى الانقطاع التام عن شؤون الحياة ومتعها ، بل ان التصوف المغربي في تحولاته التاريخية ، مارس التربية والتعليم و الاطعام و الإصلاح والجهاد وتوحيد كلمة المسلمين ، بل كان له دور جهادي في مراحل تاريخية في مواجهة التدخل الأجنبي . هذه الأهمية المتعاظمة التي لعبها التصوف في المغرب ما كان ليحظى بها لولم ينتظم في مدارس واتجاهات كانت مشتلا حقيقيا في تكوين الاتباع والمريدين ، و فضاء للاستقطاب والتكوين و التعبئة . فالتصوف في المغرب عرف تحولا بعد مرحلة تمايز العلوم و الاتجاه نحو التخصص ، حيث أصبح التصوف علما قائما بذاته له رجاله، ومصنفاته، وخصائصه، وكثر الإقبال عليه. ثم أنتقل الى مرحلة مميزة هي مرحلة انتشار الطرق والزوايا، لكن الاتجاه الذي ساد، وبقي ممثلا لطريقة الجنيد هو: تصوف الإرشاد والعمل و التربية الخلقية ، لذلك سمي التصوف المغربي بالتصوف العملي. واشتهر بطرق ومدارس شكلت العمود الفقري للتصوف المغربي ، وهي مدارس مستقلة قائمة بذاتها لها أعلامها ومعالمها.

أولاً – المدرسة القادرية:

هي مدرسة وطريقة تنسب إلى الإمام أبي صالح محي الديـن عبد القادر الحسني الجيلاني، ولد رحمه الله عام 470هـ بكيلان، ويتصل الشيخ عبد القادر من جهة والده بالحسن بن علي بن ابي طالب ، فهو محي الدين أبو محمد عبد القادر بن ابي صالح جنكي دوست وقيل جنكا دوست موسى بن ابي عبد الله بن يحي الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى بن الجون بن عبدالله المحصن بن الحسن بن المثنى بن امير المؤمنين ابي محمد الحسن بن امير المؤمنين ، تلقى الشيخ الجيلاني تعليمه بمسقط راسه بجيلان ثم انتقل الى بغداد سنة 488 ه وعمره لا يتجاوز 18 سنة حيث التقى عددا كبيرا من العلماء والفقهاء والمشايخ والمربيين لعل اهمهم هو أبو حامد الغزالي صاحب كتاب احياء علوم الدين الذي تأثر به كثيرا و قد كتب كتابه “الغنية لطالبي طريق الحق” على منوال كتاب احياء علوم الدين من حيث طريقة تقديم الموضوعات وكذا الموضوعات نفسها التي عالجها. توفي الشيخ رحمه الله في بغداد في رمضان سنة 561هـ ، وانتقلت الطريقة الى المغرب حسب بعض المؤرخين على يد الصوفي الكبيـر الأندلسي الأصل ،المغربي النشأة والدراسة، الجزائري المدفن الشيخ أبو مديـن الغوث، وقيل إن أول من أدخلها: الشيخ أحمد اليمني، من أهل السودان وهو مدفون في باب الفتوح بفاس. ومن عوامل دخولها كذلك احفاد الشيخ الذيـن استوطنوا مديـنة فاس حيث عملوا على نشر طريقة جدهم. ترتكز الطريقة على الأسس التالية :اعتماد التعليم المنظم والتربية الروحية عبر الكتاتيب القرآنية او عبر المؤسسات التي تشرف عليها الطريقة حيث يتم الاعداد الديني والثقافي للمريدين والاتباع عبر حلقات الذكر الجماعي المنظمة وعبر اللقاءات التي يشرف عليها كبار المتصوفة من الطريقة وحيث يتم تصحيح العبادة للعامة ودراسة انحرافات التعبد وتقويمها ويعتبر كتاب الغنية لطالبي طريق الحق للمؤسس عبد القادر الجيلاني الكتاب المرجعي الذي يجب على كل افراد الطريقة الاطلاع عليه و محاولة اتباع تعاليمه .

الاعداد الروحي : حيث تقوم المدرسة على تربية المريدين على الصفاء والصدق والمعاملات الحسنة والايثار و مجاهدة النفس و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر وقد تضمن كتاب فتوح الغيب للقطب الصوفي عبد القادر الجيلاني اهم معالم هذا الاعداد الروحي للاتباع وللمشايخ.

الاعداد الاجتماعي : تقوم المدرسة بالتركيز على ضرورة توثيق العلاقات بين الافراد فيما بينهم وبين جميع مكونات المجتمع حيث تقوم المدرسة بتنظيم لقاءات ومواسم دينية وانشطة اجتماعية الهدف منها تقوية الاواصر بين المنتسبين للمدرسة او الطريقة القادرية وتحفيز الناس على الانضمام لصفوفها.

بالإضافة الى هذه الأسس والمرتكزات التي تقوم بها المدرسة القادرية ، نجد اهتمام اقطابها بالوعظ والإرشاد و الصلح بين الناس و انتقاد الحكام والعلماء و جميع من تبين في نظرهم انه يخالف طريق الشرع او يزيغ عن الطريق المستقيم ، كما ان الطريقة توصف بانها نصيرة الفقراء والمحتاجين ، كما انها بذلت جهودا كبيرة في اصلاح التصوف وابعاده عن الخرافات و البدع التي لاحقته و لازمت بعض مارسي التصوف .

 

ثانياً – المدرسة الشاذلية:

الطريقة الشاذلية من الطرق الصوفية الهامة والمؤسسة للتصوف الإسلامي عموما والمغربي خصوصا وذلك لما تتميز به من كثرة مريديها واتزان مواقفها المتسمة بالاعتدال والوسطية والالتزام بالكتاب و السنة بدون مغالاة ولا تطرف ولا تقيد اعمى بالنصوص الدينية ، هي طريقة قريبة من هموم الناس و مشاغلهم عاكسة للعالم الذي يحيونه ،لذلك انفتحت الطريقة على كل الفئات الاجتماعية من مختلف المستويات العلمية ، فاحتضنت العلماء والفقهاء والحرفيين والصناع والتجار… ، ترتكز الطريقة الشاذلية على محورية الكتاب والسنة والاعتماد على التربية الخلقية و نشر الفضائل والاخاء بين الناس وتقويم الممارسات الدينية الخاطئة والدعوة الى الله تعالى بالموعظة الحسنة . مؤسس الطريقة بالمغرب هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي في القرن السادس الهجري ، ولد القطب الشاذلي بقبيلة الاخماس السفلى بشمال المغرب سنة 571 ه وانتقل الى بلدة شاذلة التونسية بتوجيه من شيخه ابن مشيش لتربية المريدين واستقطاب الاتباع والعمل على نشر الطريقة التي ظلت تعرف بالشاذلية رغم ان شيخها مغربي ولادة ونشأة وتكوينا . . كان للإمام عبد السلام ابن مشيش فضل كبيـر عليه حيث ساعده على اجتياز عقبات الطريق وما فيها من مقامات وأحوال بسهولة ويسر، كما زوده بالعديد من الوصايا التي بهرته وجعلته يقبل على التمسك بالشريعة والفناء في محبة الله سبحانه، وقد ظل الشيخ في جهاده ودعوته يدرس ويعظ ويتعهد مؤيديه بالتـربية والتوجيه إلى أن توفي رحمه الله سنة 656هـ وتتميز هذه المدرسة بانتشارها الواسع، فهي الطريقة التي تفرعت عنها عدة طرق في المغرب والمشرق، مثل الجزولية، والزروقية، والوفائية، والناصرية وغيـرها من الطرق وتطرق غيـر واحد من الباحثيـن، على أن ظهور الشاذلية بالمغرب كطريق ومدرسة كان متأخرا عن عصر الإمام الشاذلي صاحبها ،بما لا يقل عن قرنيـن بعد موته، حيث كانت نشأة زواياها الرئيسية ما بعد منتصف القرن التاسع. ولعل السر في ذلك: كونه رحمه الله تعالى لم يؤسس طريقة، نعم كانت الطريقة المشيشية – وهي أصلها – موجودة، لكن المغرب عرف الفكر الشاذلي في عصره وقد استفادت الشاذلية كثيرا من الانفتاح الثقافي و الحركية الفكرية التي تميز بها العهد الأول من الدولة المرينية التي شجعت التصوف و تقربت من شيوخه و انتسبت الى مدارسه ، حيث بدأت الزوايا في الظهور في هذا العهد بشكل ملحوظ كما ان المرينيين كانوا بحاجة الى شرعية دينية لبسط نفوذهم على المجتمع ، كما تزامنت هذه المرحلة مع وجود تراكم كبير من حيث الكتابات الصوفية التي تبين بجلاء وجود حركية صوفية قوية بالمغرب في القرنين 5 و 6 الهجريين ،فنجد كتابات مؤسسة مثل كتاب :”المستفاد في مناقب العباد بفاس وما يليها من البلاد ” للتميمي والذي يتحدث بوضوح عن انتقال التصوف من الممارسات الفردية الى تنظيمات دينية أي الزوايا التي لعبت فيما بعد دورا مهما في الجهاد ومقاومة التدخل الأجنبي ، كذلك نجد الكتاب الهام والمرجعي الذي لا يمكن لأي باحث في التصوف المغربي اغفاله وهو “التشوف الى رجال التصوف لابن زيات التادلي الذي يقال بان تاريخ كتابته ترجع الى سنة 617 ه وكتب أخرى لا تقل أهمية مثل “دعامة البهجة في زعامة المتقين” لابي العباس احمد العزفي و”السر المصون” لطاهر الصدفي و”المقصد الشريف ” لعبد الحق الباديسي ،كما ان هذه المرحلة التاريخية المغربي أي القرنين 5 و 6 للهجرة عرفت بروز متصوفة ذاع صيتهم وأصبحت أعمالهم و “كراماتهم” تتداول بين العامة والخاصة في تلك المرحلة ومنهم : علي بن محمد بن حرزهم دفين فاس عام 559 ه وأبو يعزى بن ميمون يلنور الهسكوري المتوفى سنة 572ه و المتاثر بالافكار الغزالية لابي حامد الغزالي. و ابوداود المزاحم المتوفى سنة 578 ه تلميذ ابي مدين الغوث .

 

 

ثالثاً – المدرسة التيجانية:

شهدت فترة أواخر القرن 12ه / 18 م، ميلاد طريقة صوفية ستنضاف الى الطرق الصوفية الأخرى التي عرفها المغرب وبقية شمال افريقيا ، وهي الطريقة التجانية ، تأسست هذه الطريقة بشكل واضح بعد هجرة الشيخ احمد فاس عام 1798 بعد ما ضاق الشيخ درعا بمضايقات السلطة العثمانية بالجزائر ، مؤسسها هو الشيخ أبو العباس احمد بن محمد التجاني ، ولد بعين ماضي ، قرب الاغواط بالجزائر سنة 1737 م وسط عائلة جل افرادها كانوا على مستوى رفيع من العلوم الدينية والدنيوية ، فأبوه محمد بن المختار كان عالما متمكنا من العلوم الدينية واخوه ابن عمر كان حافظا للقران واجداده كانوا بدورهم علماء وصلحاء .ترعرع ونما مؤسس الطريقة التجانية في وسط يشع بالعلم والمعرفة الدينية ، فحفظ القران وهو ابن سبع سنوات تحت اشراف محمد بن حمو الماضوي . في عام 1753م توفي والداه في يوم واحد بالطاعون ، فخلف اباه على راس زاويته وهو ابن ست عشر سنة ،درس خلال ذلك القران والسنة ،وكبر طموحه المعرفي و مكانته الاجتماعية التي تتقوى يوما بعد يوم ،مما اهله لتوسيع دائرة علاقاته خارج بلدته في عين ماضي ، فاستأنف رحلاته العلمية التي استهلها بزيارة فاس عام 1758 لشهرتها العلمية آنذاك وكان يحضر مجالس العلماء وحصل منها على اجازات تسمح له بالتدريس ، ثم رحل الى مصر حيث اتصل بالشيخ محمود الكردي ، ولاحظ فيه حماسا كبيرا للوصول الى اعلى المراتب الصوفية ومن مصر توجه الى الحجاز سنة 1773م ، و اتصل بالمدينة المنورة بالشيخ محمد بن عبد الكريم السمان ، بعد تأدية فريضة الحج ، انتقل الى تونس واستقر فيما بعد برهة من الزمن بتلمسان حيث قضى ثلاث سنوات وفي عام 1777 م غادرها الى فاس والتقى في طريقه بعلي حرازم برادة لأول مرة ، وتوجها معا الى فاس التي عاد منها الى تلمسان و استقر بقصر ابي سمغون بداية من عام 1782 م . مهد الشيخ احمد التيجاني للإعلان عن طريقته الجديدة بمجموعة من المرائي “جمع رؤيةاو حلم” ، التي أراد من خلالها ان يثبت للناس انه كان موعودا بالقطبانية و ان يعطي لطريقته أساسا من الشرعية الدينية اقتداء بالرسول صلى الله وعليه وسلم ، الذي ظهرت لديه الرؤية الصالحة والصادقة قبل ان يبشر بالنبوة. ينقل عنه اتباعه ومريديه انه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في حلمه ، راكبا على حصان و حاول ان يسلم عليه حين ينزل منه ، غبر ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل بستان رجل من عين ماضي وبدأ الصلاة ولم يدركه الشيخ احمد التجاني الا في الركعة الثانية ، وفسر ذلك انه لن يبلغ مراده في القطبانية الا بعد نصف عمره . كما يذكر اتباع ومريدو الشيخ احمد التجاني انه راى الرسول صلى الله عليه وسلم ،يقظة لا مناما ، واخبره بعلو مقامه وامره بترك جميع الطرق التي اخذها من قبل وعين له الورد الذي يلزم طريقته الجديدة وامره بتلقينه للناس من غير خلوة ولا اعتزال حتى يصل الى ما وعد به. تنقسم اوراد الطريقة التجانية الى نوعين : لازمة وعددها ثلاثة: الاستغفار بصيغة (استغفر الله ) 100 مرة والصلاة على رسول الله 100 مرة وتكون احسن بصلاة الفاتح لمااغلق … والهيللة وهي لاله الا الله الله 100 مرة ثم قراءة جوهرة الكمال 11 مرة وهي اللهم صلي وسلم على عين الرحمة الربانية … اما الاوراد الاختيارية فكثيرة نذكر من بينها : -ياقوتة الحقائق في التعريف بحقيقة سيد الخلائق وهي واردة كاملة في المصادر التيجانية وخاصة “الرماح” و “أحزاب واوراد” وتبدأ بعبارة (الله الله الله اللهم انت الذي لا الا اله الا انت) وتنتهي بالصلاة على الرسول ص – الصلاة الغيبية في الحقيقة الاحمدية وتبدأ بعبارة (اللهم صل وسلم على عين ذلك العلية ) وتنتهي ب (عدد احاطة علمك) – قراءة الحزب المغني و سورة القدر و سورة الإخلاص و اخر سورة الحشر … .

انتشرت الطريقة التجانية على مرحلتين أساسيتين هما :

-المرحلة الأولى مرحلة الانتشار على عهد المؤسس الأول : (1782-1815) ، بينما تبدا المرحلة الثانية بخلافة الشيخ الحاج علي التماسيني وتنتهي بتاريخ وفاة احمد عمار ابن محمد الصغير التجاني ، لان الطريقة بوصولها الى هذه المرحلة كانت قد بلغت اوج ازدهارها وانتشارها في المغرب و شمال افريقيا عموما ، بعد وراثة الحاج علي التامسيني لمقاليد الطريقة التجانية ،اثر وفاة الشيخ احمد التجاني سنة 1815 م ، شهدت الطريقة في عهده انتشارا واسعا في جانبها المادي ، حيث تأسست الكثير من الزوايا في مناطق استراتيجية أصبحت تؤمن الطريق للقوافل التجارية العابرة للصحراء إضافة الى تموضعها في طريق الحج مما أهلها لتقوم بأدوار دينية واقتصادية واجتماعية . قضى الشيخ احمد التجاني 17 سنة بالمغرب ساعيا لنشر تعاليم طريقته ، بعزيمة قوية لم تقتصر طريقته على فاس بل شملت جميع المناطق حيث نظم الشيخ مجالس للطريقة في كل مناطق المغرب ، كما اشرف شخصيا على تعيين المقدمين و يراقب أعمالهم بكل حزم ويبعث الرسائل الى كل المناطق ساعيا في استقطاب الاتباع وشارحا اوراد واذكار الطريقة ومنبها الناس الى ضرورة التقيد بالإسلام الحق الذي لا يقوم بالنسبة له ، الا بحب أولياء الله أي المتصوفة ، لم يقتصر تأثير الطريقة التجانية على الطبقات الشعبية بل كان من منتسبيها، الامراء والوزراء و أصحاب المال والجاه، و على سبيل المثال ،كان اغلب منتسبي بلاط السلطان مولاي سليمان من مريدي الطريقة التجانية حتى ان بعض المؤرخين نسب السلطان نفسه للطريقة وان يكن الثابت تاريخيا هو علاقة الشيخ و السلطان التي كانت علاقة جد وطيدة.ويمكن الرجوع لعدد من الكتابات التاريخية التي فصلت في العلاقة بين التيجانية والسلطة السياسية .

يتفق اغلب المؤرخين على ان الطريقة التجانية انتشرت في غرب افريقيا من خلال الدور الذي لعبته القبيلة الموريتانية ،”اداو علي ” واصبح لها عدد كبير من الاتباع وقد تميزت هذه المرحلة بوجود قبائل زاوية تتبناها وتدافع عنها وتقوم بنشر تعاليمها ، ويتفق اغلب المؤرخين على ان اول من ادخل الطريقة الى غرب افريقيا هو الشيخ محمد الحفيظ بن المختار بن الحسين الشنقيطي ، حيث انه لما رجع من البقاع المقدسة سنة 1801م، التقى الشيخ احمد التجاني بمدينة فاس ولقنه الورد وعينه مقدما للطريقة الصوفية بموريتانيا والسودان الغربي وبقي ينشط في المنطقة ملقنا تعاليم التجانية لاهل موريتانيا الى غاية وفاته سنة 1830م وقد احتضت قبيلة اداو علي الموريتانية الطريقة التجانية ونشرتها في اصقاع افريقيا الغربية حتى وصلت الى السنغال بفعل الاحتكاك المباشر بين الموريتنايين والسنغاليين وظهرت عدة زوايا تجانية بالسنغال وكان من ابرز من نقل التعاليم التجانية الى هذه المناطق مولود فال وعبد الكريم الناقل ، اللذان منحا بدورهما ورد الطريقة الى الحاج عمر الفوتي سنة 1820 م ، ولما اتجه الحاج عمر الى الحج احتك بتجانيين اخرين ومنهم محمد الغالي احد الرفقاء المباشرين للشيخ احمد التجاني ، والذي علمه بدوره مبادئ الطريقة بين سنوات 1828 م و 1830 م وعينه خليفته بافريقيا الغربية.

 

4– التأثير الصوفي المغربي في السنغال عن طريق المدارس الصوفية والعلماء و والادبيات الفقهية :

 

ا-المدارس الصوفية السنغالية ذات الأصل المغربي :

إن الاختيار الجنيدي للمغاربة قد امتد إفريقيا إن على مستوى المدارس أو الممارسة او ان على مستوى العلاقات بين العلماء والفقهاء من الجانبين ، وهو ما تُزكيه كتب التاريخ والتـراجم والفهارس. حيث أن حلقات التواصل الصوفي انتظمت بيـن المغرب وإفريقيا في وقت مبكر منذ الزمن المرابطي على الأقل مستفيدة من روابط التجارة الصحراوية التي كانت مزدهرة ، وتنص المصادر التاريخية ، على أن بلاد شنقيط –موريتانيا الحالية- شكلت جسرا لعبور المدارس الصوفية المغربية من المغرب إلى إفريقيا مرورا بالسنغال. يقول الأستاذ الخليل النحوي في كتابه “بلاد شنقيط المنارة والرباط: ” وقد دخلت عدة طرق صوفية بلاد شنقيط، والتحم التصوف بالعلم في رحاب المحضرة، وكانت الزوايا بالبلاد سندا للمحاضر في تدريس علوم القرآن والحديث والفقه المالكي أصولا وقواعد وفروعا، والعقائد الأشعرية والتصوف والسيـرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، وعلم اللغة العربية، وعلم أسرار الحروف”

وستناول فيما أبـرز الطرق الصوفية التي استقطبت الناس في السنغال :

 

القادرية:

تنسب الطريقة القادرية إلى سيدي عبد القادر الجيلاني دفيـن بغداد(تـ ـ561هـ/1177م)، وكانت من أوسع الطرق انتشارا، ومنها تفرعت طرق كثيـرة. وقد انتقلت القادرية إلى المغرب عن طريق أبي مديـن شعيب الأنصاري الأندلسي (تـ : 594هـ/1198م)، فنشرها هناك، وجاء من بعده عبد السلام ابن مشيش، فازدادت انتشارا على يده.واتسعت خريطة انتشارها على يد الشيخ محمد عبد الكريم المغيلي التلمساني التواتي(تـ 940هـ/1533م( الذي زار السودان والنيجر ، وعنه أخذ الطريقة الشيخ سيدي اعمر بن الشيخ سيد أحمد البكاي بن سيدي محمد الكنتي الشنقيطي (تـ 959هـ/1552م)، وتفرعت الطريقة القادرية في بلاد شنقيط إلى شعبتيـن كبيـرتيـن:

البكائية الكنتية والفاضلية ولها تقريبا نفس الفروع في السنغال .تعود جذور القادرية في السنغال إلى عام 1886 عندما ورث صبي يبلغ من العمر 15 سنة عن والده الشيخ الموريتاني “محمد فاد الله” مهمة التعريف بالإسلام وبطريقته الجديدة لسكان السنغال.. ذاك الصبي كبر ليصبح الشيخ “ساديبو شريف أيدارا”، الذي يعتبر سليل العالم الإسلامي “عبد القادر ديالاني” أو عبد القادر الجيلاني (470 هـ – 561 هـ)، هذه الطريقة القادرية الصوفية ذات المسار الطويل والضاربة في القدم لا تزال في المقابل تبحث عن المكانة الرفيعة داخل السنغال. وتعتبر قرية غويول عاصمة الطريقة “القادرية” في السنغال و هذا ما يرفع غويول إلى مرتبة العاصمة غير الرسمية للقادرية في السنغال ،ليس لانتماءات سكانها الدينية فقط بل لتاريخها المرتبط بهذا المذهب، إذ تم اللقاء بين هذه القرية وهذا المذهب السني عن طريق الشيخ “ساديبو شريف إيدارا”، إبن الشيخ “محمد فاد الله”. يقول إيدارا: “غادر والدي موريتانيا إلى السنغال بطلب من جده شايا قصد الإبقاء على الإرث العائلي وتزوج سينغاليات ونحن ثمرة هذه الزيجات”. وتابع: “على إثر موت والدي في 5 يونيو 1981 خلفه أبي وسار على المنهج المسطر سابقا: “تعليم القرآن، الالتزام الحرفي بهدي الإسلام والإبقاء على الطريقة القادرية”. ويضيف شايا “في البداية اعترضت طريقنا عدة عراقيل لأن البعض يعتبرنا أغرابا لاختلاط أصولنا: موريتانيون-سينغاليون، لكن ليس هذا الأهم في نظرنا، لأن الإسلام لا جنسية له ولا حدود، نقول للناس أننا من السلالة المباشرة للرسول الأكرم، من هذا المنطلق، يمكننا أن نقوم بتقديم النصح لأي كان في شؤون الإسلام، التيجانية، المريدية والقادرية، نحن في وضعية وسط، لكن هذا أمر شديد الصعوبة لأن البعض لا يقبـل الحقيقــة”. ويعتبر الشيخ “شايا” أن الدولة تقيم وزنا أكبر للطرق الأخرى مقارنة بالقادرية، والسبب وراء ذلك أن الخلفاء العامين (القادة الدينيون للقادرية) موريتانيون، كما يرى أن للقادرية ممثلين في كامل البلاد، في سانت لويس وفي داكار ولوغا وليوونا وداهرا و دجولوف ونداندي وكيبيمير و ساغاتا وتياس ومبور ودجوفيور، ولدينا قواعد مهمة لكن الناس يعتبروننا أغرابا في بعض الأحيان”.

 

البكائية:

أسس الشعبة البكائية الشيخ سيدي أعمر بن الشيخ سيدي أحمد البكاي، في القرن العاشر هو الشيخ سيد أحمد “البكاي” بن الشيخ سيدي محمد الكنتي الكبير بن سيدي اعل ، و هو الجد الجامع لقبيلة كنتة.

ولد في الثلث الأول من القرن الهجري التاسع ، في منطقة واد نون ببلاد المغرب .

وهناك تلقى الشيخ تعليمه الأولي على والدته الجكنية ذات العلم الجم والخلق الكريم ، ثم أكمل تعليمه العالي في زاوية والده الشيخ محمد الكنتي الكبير ذات الشهرة والصيت .

اختلفت المصادر التاريخية لتلك الحقبة في ضبط وتحديد تاريخ وفاة الشيخ أحمد البكاي، فمنهم من يجعل الوفاة في حدود : 920 هـ ، ومنهم من يؤرخ لها بـ : 934 هـ ، ومنهم من يعطي تواريخ أخرى غير ذلك ، وكان قد سافر إلى الشمال مرارا ولقي الشيخ محمد عبد الكريم المغيلي في توات وأخذ عنه. وبلغت هذه الطريقة أوج مجدها مع ظهور الشيخ المختار الكنتي (تـ 1226هـ/1821م.) وإلى هذه الشعبة يـنتسب الشيخ سيديا الكبيـر الذي تلقى العلم والتـربية الصوفية في حضرة الشيخ سيدي المختار الكنتي، ثم في حضرة ابنه الشيخ محمد وعاد (تـ 1242هـ/1825م)، فنشر القادرية في مناطق تمتد من جنوب بلاد شنقيط إلى السنغال والسودان وغيـنيا. وعنه أخذ الشيخ أحمد بن سليمان من علماء أولاد ديمان، والشيخ أحمد بن حبيب الرحمن من تندغه. وعن الشيخ سيدي المختار أخذ الشيخ القاضي بن الحاج الأجيجي (تـ 1241هـ/1825م)، والشيخ المصطفى بن العربي الابييـري.وإلى نفس الفرع يـنتسب العلامة الشيخ محمد المامي الشمشوي- تلميذ القطب الصوفي المغربي ابي العباس احمد بن مبارك اللمطي السجلماسي – ومجموعة أهل بارك الله في الساحل ولمرابط بن عبد الفتاح التـركزي في لبـراكنة وأهل الشيخ بن امني في تكانت.

 

الفاضلية :

الفاضلية: نسبة إلى مؤسسها الشيخ، محمد فاضل بن مامينا (توفي 23 أبريل1869) الذي سلَّم رايتها إلى أبنائه الذين توزعوا في إفريقيا والمغرب، وامتد صيتهم الرُّوحي إلى أصقاع عديدة، حيث كان الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل (توفي 25 أكتوبر 1910) مؤسس رباط وجهاد وحراك سياسي وفكري ورُوحي عميق في صحراء المملكة المغربية، فيما كان أخوه الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل (توفي 12 يوليوز 1917) على موعد مع ثورة روحية وانتشار واسع في الصيت والتأثير في غرب موريتانيا ومناطق واسعة من السنغال، وإذا كان الشيخان الأخوان قد تباينا في دائرتي المكان والأتباع فقد تباينا أيضًا في الموقف من الاستعمار الفرنسي، فكان الشيخ ماء العينين وأبناؤه وتلاميذه أبرز رموز المقاومة ضد الفرنسيين، وكان الشيخ سعد بوه -على الضفة الأخرى- من أبرز رموز المهادنة ومسالمة الفرنسيين.

وللفاضلية تأثير قوي في السنغال عبر مشربين صوفيين، هما: مشرب الشيخ المحفوظ بن الطالب أخيار (توفي في نوفمبر1919) في مدينة دار السلام، ومشرب الطريقة السعدية، نسبة للشيخ سعد بوه، التي جعلت من قرية النمجاط الموريتانية محجة يفد إليها آلاف المريدين في نهاية رمضان من كل عام، حيث يقيمون شعائر الاحتفاء والتقديس حول ضريح الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل، وللفاضلية أيضًا حضور قوي في غامبيا وساحل العاج ودولة غينيا
الشاذلية بالسنغال :

تنسب هذه الطريقة إلى أبي الحسن الشاذلي (تـ 939هـ/1532م)، وكان قد ظهر في مصر، وبـرز في مريديه في المغرب شيخ العلميـن أحمد زروق (تـ 963هـ/1493م)، ثم محمد ابن ناصر الدرعي (تـ 1036هـ/1626م)، وبهذيـن الشيخيـن الجليليـن تمر السلسلة الشنقيطية.فقد أخذ عن محمد ابن ناصر الدرعي عدد من الشناقطة، منهم: محمد بن عثمان بن عمر الولي المحجوبي و عبد الله التنواجيوي ومختار بن المصطفى، وكانوا قد اتصلوا به في زاوية تمكروت.

وذكر صاحب شجرة النور الزكية محمد الشنقيطي الآخذ عن الشيخ زروق مباشرة، وأخذ عنه أبو الرضى رضوان بن عبد الله الجنوي الفاسي (تـ 991هـ/1491م)، ومن العلماء الشناقطة المنتسبيـن إلى الطريقة الشاذلية عبد الله بن الحاج إبـراهيم، تلقاها خلال إقامته بفاس، وكان لا يلقن أذكارها إلا لمن درس أحكام الشرع، وعنه تلقاها تلميذه الطالب أحمد بن طويـر الجنة، ويحتمل أن يكون قد أخذها هو الآخر خلال رحلته للحج عندما مرّ بالمغرب. وقد أخذ الفقيه الخطاط عن أحمد التواني بزاوية تامكروت، وعن الخطاط تلقاها حمدي بن المختار بن الطالب أجود الحاجي، وكان لحفيده المرابط بابا بن محمد بن حمدي دور متميز في نشر هذه الطريقة بالسنغال. وعن حمدي أخذها زائد المسلميـن التاشدبيتي.

ومن أعيان الطريقة الشاذلية الموريتاني محمد فال بن متالي صاحب ،كتاب الحق وقد ترجم له صاحب الوسيط في تراجم ادباء شنقيط ،ويحظيه بن عبد الودود الجكني المتوفى سنة1939م وكان منهم أيضا عبد الجليل بن الحاج ، ذكره صاحب النفحة الأحمدية كما جاء في ترجمة الطالب أخيار بن الشيخ مامينا له، والذي عرفه بقوله:هو عبد الجليل بن الحاج بن الكتَّاب بن محمْد بن الطالب ألامينْ القناني. كان من العلماء الزهاد، وفد على الشيخ ماء العينين في “تيرس”، وأخذ عنه الطريقة.

 

التيجانية :

هذه الطريقة هي أحدث الطرق السائدة في بلاد السنغال وأوسعها انتشارا في إفريقيا الغربية، وهي تنتسب إلى أحمد بن محمد سالم التيجاني نزيل فاس، (تـ 1150هـ/1757م – 1230هـ/1815م)، تلقاها عدد من الشناقطة، منهم محمد الطالب جد الشيخ العلوي قاضي شنقيط وإمامها والشيخ محمد الحافظ بن المختار بن حبيب الذي لقي الشيخ التيجاني في عودته من رحلة الحج، فتعلم منه وتـلقى الاوراد على يديه وعاد إلى بلاد شنقيط (تـ 1220هـ/1805م)، فنشر الطريقة فيها ونشرها لدى أتباعه في إفريقيا، فإليه تـرتفع جل أسانيد الطريقة التيجانية إفريقيا. وعن الشيخ محمد الحافظ أخذ سيدي مولود فاد وعنه أخذ عبد الكريم الناقل الذي هو الشيخ الأول الذي التقاه الشيخ عمر بن سعيد الفوتي .

ويـنتسب الشيخ عمر بن سعيد الفوتي والحاج مالك سي، وهما من أبـرز زعماء التيجانيةفي مناطق السنغال والسودان وإفريقيا الغربية إلى الطريقة التجانية، بواسطة مولود فال ، ويتمسك الشيخ إبـراهيم الكولخي بالسند الحافظي (نسبة إلى الشيخ محمد الحافظ الشنكيطي (ويقول عنه انه السند العالي الغالي عندي).

وقد بلغت الطريقة التيجانية قمة انتشارها في إفريقيا على يد الشيخ إبـراهيم هذا ومريديه من الشناقطة، خصوصا الشيخ الهادي بن مولود فال الذي نشر الطريقة والمعارف في نيجيـريا.

وفي مطلع القرن العشريـن تشكلت في شرق بلاد شنقيط وغرب السودان شعبة جديدة من الطريقة التيجانية، هي الشعبة الحموية نسبة إلى الشيخ أحمد حماه الله التيشتي الشنقيطي.

 

ب-نماذج من العلماء والشيوخ المغاربة والسنغاليين الذين كان لهم تاثير كبير في العلاقات الدينية بين المغرب والسنغال :

 

 

* الحاج عمر بن سعيد الفوتي تال (حوالي 1797-1864):

تبين معظم المصادر والمراجع التاريخية ان العلاقات الدينية بين المغرب والسنغال مرت عبر العلماء الشناقطة ، وبوساطة التجارة الصحراوية ، خاصة وان شنقيط قد شهدت منذ القرن العاشر الهجري خاصة ،نهضة ثقافية شاملة ، فانتشرت ( الجامعات الاهلية) في ارجاء البلاد ، واقبل الناس عليها بشغف فكان لهم في رحابها ” رهبانية علم و جهاد ثقافي كبير وعطاء ثر: شعرا ونثرا .لكن القوم ، وقد انصرفوا الى ما هو عندهم اجدى وانفع من ضروب النشاط المعرفي لم يهتموا بتدوين حركتهم العلمية والتاريخ لها ، وتوثيق احداثها الا شذرات قليلة متفرقة كادت الأيام تلوي بها..لقد مهدت حركت القوافل عبر الصحراء السبيل امام الذين يرغبون في استيطانها فوصلت مجموعات بشرية مختلفة ، استوطنت بلاد شنقيط وكان منهم علماء ساهموا في نشر العلم واخرون اقتصروا الطريق اليه بنشر اللغة العربية وان بواسطة اللهجات العامية ” من ضمن العلماء السنغاليين الذين استفادوا من النهضة الشنقيطية نجد الحاج عمر الفوتي وهو عالم سنغالي نشا في أحضان اسرة متعلمة احبت العلم وأهله و اختارت الإسلام عقيدة لها وقاومت الوثنية ، فحفظ القران واطلع على شروحه ومعانيه تحت اشراف أخيه الف احمدو ودرس اللغة العربية وعلوم القران بعناية والده وزوج اخته ودرس مسلم و صحيح البخاري وسعيا وراء المزيد من التحصيل العلمي ترك الحاج عمر بلدته حلوار لينتقل أولا بين مدن فوتاتورو قبل ان يشد الرحال الى ولاتة جنوب شنقيط التي كانت له بها إقامة طويلة ,اخذ خلالها عن الكثير من علمائها ثم سافر لقضاء مدة طويلة الى فوتاجالون -غينيا- حيث مارس التدريس الى سنة 1825 م ، حيث شد الرحال الى بلاد المشرق والديار المقدسة، من اجل زيارة قبر الرسول( ص ) والاستزادة من العلم والمعرفة ، واستكمال الخبرة في مختلف أصناف العلوم الإسلامية ، الظاهر منها والباطن .

واذا كان الاتصال الثقافي و الصوفي للشيخ عمر الفوتي مع علماء شنقيط قد اعتمد معظمه على الروايات الشفوية ومنها التي اعتمدت عليها الباحثة المالية “لي تال ماديني ” وهي الرواية التي تبناها عدد كبير من الباحثين ومنهم الأستاذ احمد الازمي ، الذي اعتبر دراسة المؤرخة المالية منطقية للاعتبارات التالية :

-انتماء الباحثة لي طال الى المنطقة والتربة التي انتجت الحاج عمر وترعرع فيها مما أهلها لفهم لغات شعوب المنطقة وجعلها في وضعية تمكنها من الاطلاع على مختلف المتاحف ودور الأرشيف وورشات الحفريات في عين المكان ، وكلها أدوات لا يستهان بها وخصوصا الرواية الشفوية التي استغلتها الأستاذة مادينا لي طال احسن استغلال.

-قرب موطن الحاج عمر من موريطانيا بحيث لا يفصل عن البلدين سوى نهر السنغال ، مما أتاح وجود جاليات كبيرة من الطرفين استوطنت هذا البلد ، لذلك من غير المستبعد ان ان يتردد الحاج عمر وغيره من الفوتيين على موريطانيا لاسباب تجارية او علمية.

-تفوق بلاد شنقيط على غيرها من بلدان فوتاتورو و فوتا جالون على المستوى العلمي والديني

فاذا كانت كتابات المؤرخين ومنهم لي تال و دافيد روبنسون وسيدي محمد مهيبو و نور الدين غالي و لويس برينون واخرون قد رجحوا فقط فرضية ان يكون الحاج عمر قد تلقى تدريسه في شنقيط ويؤكدون تاثره بالعلماء الشناقطة واخده السند التجاني من شيخه الفوتاجلوني عبد الكريم الناقل فان ،الأكيد جدا بحسب كل المؤرخين ان الشيخ عمر الفوتي التقى في رحلته الحجازية مع المتصوف المغربي و رفيق درب التيجاني محمد الغالي فلقنه الاذكار والاوراد ونظمه في سلك الطريقة واجازه وعينه خليفة على السودان الغربي وقد بين الشيخ عمر الفوتي علاقته بتجانيي المغرب في كتابه” رماح حزب الرحيم في نحور حزب الرجيم”.

 

*الفقيه محمد اكنسوس:

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الكنسوسي الهاشمي الجعفري، ولد بقبيلة تنمرت بسوس (المغرب) عام 1211 هـ ـ الموافـق لـ ـ( 1797-1796)هو وزير ومؤرخ ومحدث وشاعر، ويلقب بلسان الطريقة. تربى في عفاف وديانة، رحل إلى فاس عام 1229 م طلبا للعلـم ، فأخذ بالقرويين عن جماعة من أكابر أعلام فقهاء مدينة فاس منهم:العلامة محمد بن عبد السلام الناصري العلامة حمدون الشهير بابن الحاج العلامة أبو محمد عبد القادر الكوهن وكانت للعلامة أكنسوس معرفة تامة بعلم التفسير وبالحـديث والفقـه والتوحيد والأصول والتصوف واللغة وفن الكتابة والهيئة والهندسة وسائر العلوم الرياضية. اهم مؤلفاته : الجواب المسكت في الرد على من تكلم في طريق الامام التجاني بلا تثبت . وفي هذا الكتاب قام الفقيه و المتصوف الكنسوسي بالرد على بعض الفقهاء والعلماء الكنتين وتحديدا الشيخ أحمد البكاي بن الشيخ محمد الخليفة الكنتي ، لكن للشيخ محمد اكنسوس مساجلات ورسائل متبادلة مع علماء افارقة اخرين من السنغال.

 

*احمد السكيرج :

ولد العلامة احمد بن العياشي سكيرج بمدينة فاس عام 1295ه/1878م، التحق بالقرويين عام 1309ه/1892 م بعد حفظ القران ، ومنها كانت انطلاقته نحو المعارف والعلوم والفهوم ، كما قام بعدة رحلات طلبا للعلم والمعرفة ، فهو فقيه محدث ومفسر اصولي ومتكلم ومؤرخ ونحوي ولغوي واديب ، شاعر وصوفي، اخذ الطريقة التجانية سنة 1898 م/1315ه واذن له في ذكر اورادها العلامة سيدي محمد بن عبد السلام كنون ثم الفقيه العلامة سيدي عبد المالك الضرير ،ساهم الفقيه احمد السكيرج في توطيد العلاقات الثقافية والدينية بين المغرب والسنغال والدليل على ذلك هو مجموعة من المراسلات المتبادلة التي جمعته مع عدد من العلماء والفقهاء السنغاليين رغم الحصار الذي حاول الاستعمار الفرنسي ضربه على العلاقات المغربية السنغالية في عهده ، ويورد الأستاذ احمد اليزمي في مقال له مجموعة من الرسائل التي توصل بها الفقيه السكيرج من الشيخ الفاضل إبراهيم بن عبد الله بن نياس التجاني الكولخي و رسالة من محمد بن عبد الله بن نياس اخ إبراهيم …الخ من الرسائل التي تبين عمق العلاقات الدينية والروحية بين الفقيه التجاني سكيرج و تجانيي السنغال، وقد تناولت هذه الرسائل أغراض و قضايا مختلفة كالقضايا الدنيوية من تجارة وفلاحة ، كما تناولت قضايا دينية من طلب المشورة الدينية او الاستفسار عن نازلة معينة، كما تناولت بعض رسائل الفقيه سكيرج اجازات قام بها الفقيه لبعض الشيوخ والمتصوفة بالسنغال أمثال الحاج مالك سي . يصعب ايراد جميع العلماء والفقهاء و المتصوفة الذين كان لهم الفضل الكبير في توطيد وتمتين العلاقات الدينية والروحية بين المغرب والسنغال ، وذلك لكثرتهم و لغنى مساهماتهم في نشر التصوف والثقافة المغربية الإسلامية في السنغال ، المقام والمقال لايسمحان بذكر جميع المؤرخين والعلماء الذين كان لهم اسهام كبير في تمتين العلاقات المغربية السنيغالية والافريقية ، لذلك تستحق اعمال عمر الفوتي و الشيخ بممبا الخديم و موسى كمرا و اعمال الشيخ نياس وغيرهم من العلماء الافارقة الدراسة و التعمق من اجل فهم امثل لدور العلماء والفقهاء والادباء في في تطوير العلاقات التاريخية بين المغرب والسنغال .

ج-تاثير الادبيات الدينية المغربية على التصوف السنغالي :

انطلاقا من الكتب التي يتناولها ويتدارسها و يؤخذ بما فيها من طرف المتصوفة السنغاليين سنجد تشابها كبيرا وتطابقا مع الكتابات والمصادر الدينية المعتمدة في المغرب فنجدهم يعتمدون مثلا على :

-مختصر الشيخ عبد الرحمن الاخضري

-متن العشماوية للامام عبد الباري العشماوي

-المقدمة العزية للجماعة الازهرية ، للشيخ ابي الحسن علي المالكي الشاذلي

-المرشد المعين على الضروري من الدين ، المشهورة بمنظومة ابن عاشر لابي محمد عبد الواحد بن عاشر

-سراج السالك شرح اسهل المسالك للشيخ عثمان بن حسنين بري

-الرسالى لابي زيد القيرواني .

هذه نماذج من نفس الادبيات و الكتابات الأصولية المتداولة في نفس الوقت بين المغاربة والسنغاليين وهذا يدل على حجم التأثير الديني المغربي على ادبيات التدين في السنغال.

 

5 – خاتمة :

استطاع التصوف المغربي ان يساهم في تمتين العلاقات المغربية السنغالية و ان يجعلها متميزة عبر كل الأزمنة التاريخية الوسيطية والمعاصرة ، فرغم كل محاولات الاستعمار الفرنسي شل هذه العلاقات الروحية والدينية الوطيدة باستعمال أساليب مختلفة منها التنصير و محاولة فرنسة التعليم وبروز التجارة الأطلسية التي قللت من المبادلات التجارية بين البلدين في مرحلة تاريخية معينة وتغيير بنية الاقتصاد السنغالي والمغربي ليكونا تابعين كليا للمستعمر الفرنسي ، الان كل هذه المحاولات باءت بالفشل بفعل قوة العلاقة الدينية والروحية التي تجمع الشعبين المغربي والسنغالي ، وساهم التصوف في إرساء هذه العلاقة التاريخية المتميزة لتصبح علاقات البلدين نموذجية يحتذى بها في العلاقات الدولية .

 

المراجع :

– أحمد بن الشين ، الطريق التجانية بين الماضي والحاضر ، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في علم الاجتماع ، مختبر علم الاجتماع ، جامعة الجزائر 2000/2001

– https://www.fm6oa.org التصوف المغربي في المغرب وافريقيا زرت الموقع يوم 12/01/2022 الساعة 23.30
Octave DEPONT ,XAVIER COPPOLANI , les confréries religieuses musulmanes , gallica .bnf .fr / bibliothèque nationale de France

– أحمد الازمي دور رجالات الطريقة التجانية في تمتين الروابط بين المغرب و السنيغال ، مجلة المناهل عدد 92/91 ابريل 2012

– أحمد الازمي ، الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي ج1 دار فضالة المحمدية المغرب 2000
احمد الازمي نقلا عن LY TALL MADINI في كتابهاen afrique de l’ouest au 19 siecle un islam militant ، مجلة المناهل المغربية عدد 91/92 ابريل 2012

– أحمد شيخي، التصوف في الغرب الإسلامي ، مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة المغربية عدد 92/91 ابريل 2012

– التصوف في أفريقيا، خريطتة ووظائفه السياسية، https://www.islamanar.com/ زرته يوم 16 يناير 2022 الساعة الثالثة والنص

– الحسن الشاهدي، التاثير الشاذلي في التصوف المغربي لمجلة المناهل عدد 91/92 ابريل 2012

– الخليل النحوي، بلاد شنقيط : المنارة .. والرباط منشورات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تونس 1987

– الطريقة القادرية الضاربة في القدم تبحث عن المكانة الرفيعة في السنغال ، https://alarab.co.uk/ زرته يوم الاحد 16 يناير 2022 الساعة 14.30

– جمال الدين فالح الكيلاني ، الشيخ عبد القادر الكيلاني رؤية تاريخية معاصرة تقديم المؤرخ عماد عبد السلام رؤوف مؤسسة مصر مرتضى للكتاب بغداد

– زهير شمشوب، الزاوية الكتانية والمخزن 1900-1912،مطبعة افريقيا الشرق الدارالبيضاء 2010

– عبد الجليل بن الحاج القناني، https://www.cheikh-maelainin.com/ زرت الموقع يوم 16 يناير 2022 الثالثة والنصف.

– علي حرازم برادة، جواهر المعاني وبلوغ الاماني في فيض سيدي ابي العباس التجاني ،دار الكتب العلمية بيروت 1997.

______________________

*نقلًا عن موقع “السفير 24”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى