تجلِّيات الفتوَّة في التصوُّف الإسلامي
تجلِّيات الفتوَّة في التصوُّف الإسلامي
قراءةٌ في التنظير والممارسات
أ.د قويدري الأخضر¨
تمهيد:
لا يمكن للتصوُّف، بمَا هو منهجٌ روحيٌّ، يروم التواصل مع الحقِّ عزَّ وجلَّ، إلاَّ أن يكون مسلكاً تراحميَّاً مع الخلق كافَّة، إذ يستحيل أن يتّصل الصوفيُّ مع الحقِّ، وفي قلبه من الضغائن والأحقاد ما يفصله عن الخلق.
بعبارة أخرى، إنَّ السفرَ عبر مقامات العرفان، وصولاً إلى المعرفة بالله تعالى، لابدَّ من أن تصحبه – وبشكل دائم- أخلاقٌ عليَّة تفيض بمعاني الرحمة والمحبَّة للمخلوقات كلِّها، ذلك أنَّ المخلوقات ما هي إلاَّ آثارٌ لأسماء الحقِّ وصفاته، فمَنْ أحبّها وأحسن إليها اتَّصل به، ومن أبغضها وأساء الأدب معها انفصل عنه.
وبما أنَّ الأخلاق متشعِّبة ومتداخلة، بحيث يُحيل كلُّ خلُق منها إلى الآخر، نودُّ في هذه الدراسة أن نتحدَّث عن خلُق الفتوَّة كأحد المرتكزات الجوهريَّة التي يتأسَّس عليها علم التزكية عند الصوفيَّة، وكأحد المداخل الأساسيَّة للمعرفة بالله، وذلك من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- ما هو مفهوم الفتوَّة ؟
2- وما هي القيمُ الأخلاقيَّة المرتبطة بها؟
- وكيف تجلَّت هذه الفضيلة في تنظيرات الصوفيَّة وممارساتهم اليوميَّة؟
- الفتوَّة… مدخل مفاهيمي:
الفتـوَّة في اللُّغة هي صفة الفتى، اشتُقَّت منه، كالرُّجولة من الرجل، والأبوَّة من الأب، والأمومة من الأم، والأخوَّة من الأخ، وقد استُعيرت منذ أيام الجاهليَّة للدلالة على الشجاعة والسخاء[1].
والفتوَّة تطلق في الاصطلاح على صفات محمودة اتُّسم بها شخص على وجه مخصوص وامتاز بها عن أبناء جنسه، فأوجبت له اسم فتى[2] .
وقد ورد هذا اللَّفظ في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى عن أهل الكهف: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً﴾ (سورة الكهف: الآية 13) ، وقوله: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ [سورة الكهف: الآية 10]. وقوله عن قوم سيدنا إبراهيم عليه السلام إنهم قالوا:﴿ سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [سورة الأنبياء: الآية 60] . وقوله تعالى عن سيدنا يوسف عليه السلام:﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ [سورة يوسف: الآية 36] وقوله عزَّ وجلَّ:﴿ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ﴾ [يوسف:62] [3]
وقد تعدَّدت تعريفات الفتوَّة، في المُدوّنة الصوفيَّة تعدُّدا بيـّـنًا، يعكس أحوال معرِّفيها، وزوايا النظر التي نظروا من خلالها إلى هذا الخُلُقِ، بحيث سنجد أنفسنا – ونحن نفحص دلالاتها- أننا نتكلَّم عن جملة من الفضائل الخيِّرة، كالمروءة والرَّحمة و السخاء والعفو والإيثار، والسماحة، والنبل والشهامة، وغيرها من مكارم الأخلاق، وهذا ما سيتَّضح لنا من خلال التعريفات الآتية:
الفتوّة بمعنى حُسن الصُّحبة:
يقول الشيخ عبد الرحمن السُلَمي( ت 74 هـ) ” ومن أصولهم (أي الصوفيَّة) حُسن الصُّحبة. فظاهره أن توسِّع على أخيك من مال نفسك ولا تطمع في ماله، وتنصفه ولا تطلب منه الإنصاف. وتكون تبعاً له ولا يكون تبعاً لك، وتتحمّل منه الجفوة ولا تجفوه، وتستكثر قليل برِّه، وتستقلَّ ما منك له “. [4]
ومن دلالتها الوفاء بحقِّ الصُّحبة بحيث ” لا تربح على صديقك “[5]، وبهذا تنتفي بينك وبينه كلِّ المطامع والمصالح الضيّقة التي تفسد المودَّة.
والصوفيَّة يتكلَّمون كثيرًا عن فتوَّة سيدنا علي كرَّم الله وجهه، حيث أنَّه جاد بنفسه، ونام على فراش النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فداءً له ووفاءً بحقِّ الأخوَّة، يوم الهجرة [6].
الفتوَّة بمعنى العفو وكفّ الأذى:
والفتوَّة تعني أيضاً العفو والتجاوز عن عثرات الناس. وقد أشار الإمام القشيري(376-465 هـ) إلى هذا المعنى فقال:” الفتى من لا يكون خصماً لأحد”[7]. كما عُرِّفت بأنَّها ” العفو عن زلل الإخوان”[8] .
وعرَّفها الفضيل بن عياض(107-187هـ) بأنّها: ” الصفح عن عثرات الإخوان”[9]. وإلى هذا المعنى أشار الأمام أبو بكر الورَّاق(ت 240هـ) فذهب في تعريف الفتى إلى أنه:” من لا خصم له”[10]. أما الجنيد(215-298هـ) فعرَّفها بأنَّها ” كفُّ الأذى وبذل الندى”[11].
وهي عند عبد الرحمن السّلمي” رؤية أعذار الخلق وتقصيرك، وتمامهم ونقصانك، والشفقة على الخلق كلِّهم، بَرّهم وفاجرهم”[12]. كما عُرِّفت بأنَّها ” العفو عن زلل الإخوان”[13] .
وإلى الوصف ذاته ذهب الشيخ أبو محمد رُويم بن أحمد (ت303ه) فقال عنها: “هي أن تعذر إخوانك في زللهم، ولا تعاملْهم بما يُحوِجك إلى الاعتذار منهم” [14]. وأنشد أحدهم أبياتاً بديعة تؤسّس لفضيلة الصفح عن عثرات الأحباب، وتذكِّرُ بواجب حفظ المودَّة بينهم، يقول فيها:
هَبْني أسأتُ كما زعمْتَ فأيــــــــْـــن عاقبةُ الأُخُوَّه
وإذا أسأتُ كما أســــــــــأتَ فأين فضلك والمُرُوَّه [15].
الفتوَّة بمعنى التواضع:
ومن معاني الفتوَّة التواضعُ وعدم التميُّز عن المخلوقات بحيث أنْ لا يرى الإنسان لنفسك فضلاً عن غيره[16]. و” ألا يُظهِر الإنسان العُجْب والكِبر” [17]، بالإضافة إلى ” حسن الخلق وترك التميّز في العطاء” [18].
ومن دلالاتها في هذا السياق، ما ذكره أبو حفص عمرو بن سلمة (ت270 وقيل 267) من أنها ” أداءُ الإنصاف، وترك مطالبة الإنصاف”[19]، فينصف المرء غيره، ولا يطالبُهم بأن ينصفوه، ويكون موصوفاً بالإيثار معترفاً بالتقصير [20]، زيادة على عدم التفاخر بالفتوَّة حتى في حال إتيانها بحيث “يأتيها ولا يرى نفسه فيها[21].
الفتوَّة بمعنى خدمةُ الغير:
والفتوة من وجهة أخرى تعني خدمة الإنسان للآخرين حبّاً فيهم، من دون أن ينتظر منهم جزاءً على ذلك، أو حتى أن يبادلوه الخدمة على ما قدَّمه لهم، وفي ذلك يقول الإمام القشيري: “الفتوَّة أنّ يكون العبد ساعياً أبداً في أمر غيره” [22]. وقال أبو بكر محمد بن محمد بن جعفر الشبهي(ت قبل 360 هـ):” الفتوَّة حُسن الخلق وبذل المعروف”[23].
وهذا الخلق الراقي وبهذا المعنى” لا يكون كماله إلاَّ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنَّ كلَّ أحد في القيامة يقول نفسي نفسي، وهو صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: أمّتي أمّتي”[24].
الفتوة بمعنى الكرم والجود:
والفتوَّة تشير أيضاً إلى معاني السخاء والكرم والجود، فيكون صاحبها كريماً مع جميع مخلوقات الله، فلا يحتجب عمَّن قصَدَهُ [25]، ولا يميّز” بيْن أن يأكل عنده وليٌّ أو كافر”[26]. بل إنَّ من الفتوَّة أن يفعل صنائع ولا يردِّدها عند من صنعها معه[27].
وقد جاء في قَصَصِ الأنبياء أن مجوسيَّاً نزل ضيفاً على سيّدنا إبراهيم عليه السلام، فاشترط عليه سيدنا إبراهيم أن لا يطعمَه إلاَّ إذا أسلم. فرفض المجوسيُّ هذا الطلب وانصرف. فأوحى الله تعالى إليه أنْ يا إبراهيم منذ خمسين سنة نُطعمه على كُفره، فلو ناولتَه لقمةً من غير أن تطالبه بتغيير دينه؟
فمضى سيدنا إبراهيم عليه السلام، على أثَرِه، حتى أدْركه واعتذر إليه. فسأله المجوسيُّ عن السبب. فذكر له القصة، فأسلم المجوسي[28].
ومما رَوَى عاصم بن ضمرة¨عن فتوّة أمير المؤمنين الإمام سيِّدنا علي(عليه السلام)، أنه دخل عليه يوماً فوجده يبكي. فقال: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: سَبعٌ أتتْ عليَّ، ولم يَرِدْ عليَّ ضيفٌ ولا سائلٌ[29].
الفتوّة بمعنى تعظيم المخلوقات وستر عيوبهم:
ومن هذه الزاوية عرَّفها بعضهم بأنَّها “التِماس المَعاذِير عِند رؤية القَبيح إذا صدَر عن الغَير” .[30] وهي تشير إلى الارتقاء من ستر عيوب الأحباب إلى ستر عيوب الأعداء، بحيث “تستر عيب عدوِّك، كما تستر عيب نفسك” [31].
وفي هذا السياق حُكي أن رجلاً عقَدَ القِران على امرأةٍ، ولكن قبل الدخول عليها، أصيبت بداءِ الجِدري. فهاله أمرها وأشفق عليها. وحتى لا يجرح مشاعرها و يكشْفَ عيبها، أشاع بين الناس أنه أُصيب بمرض في بصره، ثم أشاع أنه عَمِي، وزُفّتْ إليه، ولم يبح بسرِّه إلاَّ عندما ماتت المرأة، بعد عشرين سنة من العشرة الطيّبة معها. فلما سُئل عن هذا التصرُّف فقال: لم أعْمَ ولكن تعامَيتُ حذَرَ أن تحزنَ[32].
الفتوّة بمعنى مخالفة النفس:
ومن معاني الفتوّة ما يحيل إلى مجاهدة النفس ومخالفتها، وتطهيرها من كلِّ حظوظها. ولذا عُرِّفتْ بأنَّها “احتقار النفس، وتعظيم حرمة المسلمين” [33]. و قيل عنها إنَّها : “فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها” [34]. وهي” أن تكون خصماً لربّك على نفسك”[35]. وذهب بعضهم – تأكيداً على هذا المفهوم- إلى أنَّ الفتى من كَسّر الصنم، كما فعل سيدنا إبراهيم عليه السلام. وصَنم كلِّ إنسانٍ نفسه الأمارة بالسوء. ” فمن خالف هواه فهو فتًى في الحقيقة” [36].
2- تطوُّر حركة الفتوَّة في التاريخ الإسلامي:
كانت الفتوَّة -كما أوردنا سابقاً- تمثّل جماع الفضائل والأخلاق، وكان للصوفيَّة الدور الأبرز في ترسيخها، تنظيراً وممارسة، بحيث أوجدوا لها أصلاً و سنَداً يتَّصل بالإمام عليٍّ بن أبي طالب كرّم الله وجه[37] وعَدّوها فضيلة لا يكتمل سلوك الصوفيِّ إلاَّ إذا اتَّصف بها.
وهكذا استمرَّت هذه الفضيلة، في ثوبها الصوفيِّ، يتنعَّم بها أصحابها، وينتفع بهم كلُّ من يحيطون بهم، إلى أن دَبّ فيها سوس الانحراف، فادَّعاها قومٌ ليسوا من أهلها. وذلك أنه مع نهاية القرن الثاني للهجرة، وبعد أن كانت الفتوّة سلوكاً راقياً نُخبويّاً، نشأت في المقابل لها، فُتوّةٌ أخرى لاعبة باغية تدين بالشطارة والعَيَّارة[38]، لها أتباع أكثرهم من الرعاع النهّابة الثائرين على المجتمع والدولة[39]، فانحرفت عن مسارها القويم، وصارت وصفاً لكلِّ متمرِّد أثيم وقاطع طريق لئيم، وخُلقاً لكلِّ راغب في الدنيا متشوِّق إلى اللَّهو والمتعة[40]. وباتت ثقافةُ شرب الخمر والألعاب والغناء والتشطّر والإرهاب، هي التي تطبع صفات الفتوَّة، مع شيء من الصفات الحميدة الأصليَّة كالوفاء والنجدة والسخاء[41].
وظهر مجرمون متمرِّدون، يزعمون الفتوَّة، وهم ناقمون على الناس، لا يخضعون لقانون، ولا يرتدعون بشرع، فكانوا يُعينون كلَّ من يخرج على المِلّة، ويتباهون بقتل الشرطة، ويتفاخرون بالخروج عن الوُلاة الذابِّين عن حرمة المسلمين، بل تجدهم يثنون على كلِّ من يتعاطى عظائم الأمور من العِيارة والتلصُّص على أموال الناس، والقتل بغير حقّ، ويعتبرون من يُجانبُ تلك الأعمال، جباناً وبخيلاً[42].
وممَّا رُوي عن سلوكيَّاتهم المشينة أنَّ بعضاً منهم كانوا يأتون قبر أبي الهندي غالب بن عبد القدوس (ت 180هـ) وهو من مُخضرَمِي شعراء الدولتين، الأمويَّة والعباسيَّة، وأوّل من استفرغ شعره في وصف الخمر في الإسلام، فيشربون الخمر ويصبُّون القدح إذا وصل إليه، على القبر[43].
أمَّا في القرن الثالث للهجرة فقد انغمس من يدَّعون الفتوَّة، في الرذائل و مفاسد الأخلاق إلى أذقانهم [44]، فلم يختلفوا فيما يأتون به من قبائح الأفعال عن طبقة الصعاليك في الجاهليَّة[45].
وما إن دخل القرن الرابع للهجرة، حتى صار لفظ الفتى والفتوَّة يقابلان الشاطر والشطَارة. وصار البعض منهم يقطعون الطريق ويقتلون وينهبون. وتذْكُر الرواياتُ أنَّ الفيلسوف أبا نصر الفارابي(260هـ- 339هـ) قُتل على أيديهم عن عُمرٍ يناهز الثمانينَ، وهو في طريقه إلى عسقلان، فنُقِلَ إلى دمشق وصلَّى عليه سيفُ الدولة الحمداني، ودُفن بظاهر دمشق[46].
وفي أوائل القرن الخامس للهجرة ظهرت في البلاد الشاميَّة فتوّةٌ يُعرف أصحابها بالأحداث والواحد منهم الحدث، وهو مرادف للفتى. وأشهرهم أحداث مدينةُ حلب. وقد تدخَّل هؤلاء في الحياة السياسيَّة طلباً للرِّياسة، وشاركوا في الحروب والفتن، وكانوا ينصرون أميراً ويخذلون آخر[47].
ولكن بالرغم ممَّا كانوا عليه من فساد الأخلاق، فإنَّ قوماً منهم قليلين كانوا على جانب كبير من الثقافة الأدبيَّة والدينيَّة والظرافة[48].
وقد شاعت الفتوَّة بين المماليك في القاهرة، وهُم الذين حاربوا خلال الحروب الصليبيَّة الأخيرة، كما شاعت أيضاً في الأندلس. ولا يُستبعد أن يكون نظام الفروسيَّة (الفتوَّة) الذي نشأ في أوروبا الغربيَّة في ظلِّ النظام الإقطاعيِّ، قد استمدَّ جذوره من اتصال الشعوب الأوروبيَّة بالعرب المسلمين[49]، فإنَّ نظام الفروسيَّة(الفتوَّة) لم يظهر عند الأوروبيين إلاَّ زمن الحروب الصليبيَّة، وقد أستفادوا منه فائدة كبرى حيث نقلهم من مجتمعات متخلِّفة تعاني من ظلم الإقطاعيين ومن الحروب المستمرَّة، إلى حالة من المدنيَّة يسود فيها الاستقرار والسلم والخصال الحميدة كالنجدة في الحروب واحترام المرأة [50].
ومن اللاَّفت للانتباه أنَّ الفروسيَّة( La chevaleri ) بأوروبا في العصور الوسطى، كانت عبارة عن مجموعة من المواقف الأخلاقيَّة والممارسات الاجتماعيَّة الضروريَّة للفروسيَّة كالولاء والكرم والتفاني والشجاعة[51]، وقد أصبحت ظاهرة ثقافيَّة وعسكريَّة، وكان أقصى تطوُّرها في عصر الفروسيَّة الكلاسيكيِّ بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر، وهي فترة تطوُّر الحملات الصليبيَّة[52].
واستمرَّ وجود حركة الفتوَّة حتى عصرنا الحالي، وقد عاينها الأستاذ أحمد أمين(1886-1954) بمصر، وفي ذلك يقول: “كثيراً ما يكونون(أي الفتيان) حشَّاشين أو سُكَرِيَّة على حدِّ تعبيرهم. وإذا لعب بهم السُكْر أفسدوا ما شاءوا…ثم ضجَّت الحكومة من هذه الأحوال، خصوصاً بعد أن دخلها الإنكليز واجتهدت في القضاء على الفتوَّات… وكان هؤلاء الفتوَّات يُسمَّوْن أيضاً البلطجيَّة. وفي الإسكندريَّة يسمَّى كلُّ واحد منهم «أبا أحمد»، وفي سوريا «قبضايا»”[53].
ورغم ما كان عليه أولئك الفُتوَّات من انحراف وفساد خُلُقيٍّ، فإنَّهم كانوا هم الدعاة إلى الوطنيَّة والحُماة للبلاد، فقد أتعبوا الفرنسيين مدَّة احتلالهم، وكانوا لهم مصدر قلق واضطراب. ولمَّا حلَّ الإنكليز بمصر، وعلموا ما فعله أولئك مع الفرنسيين، خطَّطوا للقضاء عليهم فضيَّقوا عليهم كلَّ المسالك، وأذلّوهم بجميع أنواع الذلِّ، حتى زالت هيبتهم[54].
2- مظاهر الفتوَّة في حياة آل البيت عليهم السلام:
لا شكَّ في أنَّ الفتوَّة – بكلِّ تلك المعاني المذكورة- هي خُلُق الأنبياء. فقد كان سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، أبا الفتيان حيث كسَّر الأصنام، وأعرض عن الأنام، وحين ألقوا به إلى النار قال له جبريل هل لك حاجة؟ فقال: أما لك فلا. فتولَّى الله قضاء حاجته بنفسه[55].
ورُوي عن سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ” لقد كان أخي يوسف أفْتى الفتيان حيث قال: لإخوته لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم[يوسف 92] )”[56].
ولم تزل الفتوَّة تتَّصل بالأنبياء والصدّيقين، وتنتقل منهم حتى وصلت إلى نبيّنا عليه الصلاة السلام، وهو أفْتى الفتيان، لكونه – حين يصمت كلُّ الأنبياء يوم القيامة- يقول هو: أمَّتي أمَّتي. فيشتغل بأمر غيره عن نفسه في ذلك اليوم المهول[57].
ونحن حينما نتكلَّم عن الفتوَّة في تاريخنا الإسلاميِّ سنجدها ماثلة بشكل مثير للإعجاب في أئمَّة أهل البيت عليهم السلام.
فمن فتوَّة سيدنا عليٍّ كرّم الله وجهه، أنَّه جاد بنفسه على فراش النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَم يوم الهجرة[58].
وقد أظهر عليه السلام منتهى صفات الفتوَّة أثناء فترة حكمه التي امتدَّت بين سنتي 36 -41هـ، ومنها أنَّه تخاصم مع يهوديٍّ على درع، وحين حضر مع الرجل اليهوديِّ إلى شُريح القاضيª ليقضي بينهما، أظهر الإمام (عليه السلام) عدم رضاه من تصرُّف شريح الذي كان يناديه بكنيته، بينما كان يخاطب اليهودي باسمه. وهذا الانتصار للخصم لا يصدر إلاَّ من نفس عادلة، و قلبٍ رحيم، يقدّر قيمة الآخر حتى و لو كان مختلفاً عنه ديناً وعرقاً[59].
وعندما أعلن جماعةٌ من أصحابه الخروج عليه، لم يضمن حياتهم فحسب، حينما همَّ من أصحابه بقتال هؤلاء الخوارج، ولكنه ضمن حقوقهم من بيت المال. وفي هذا يُروَى أنَّ مجموعة من أصحابه جاءوه – عند تفرُّق الناس عنه وفرار بعضهم إلى معاوية – طلباً لما في يديه من الدنيا، فقالوا : يا أمير المؤمنين أعطِ هذه الأموال، وفضِّلْ هؤلاء الأشراف على الموالي والعجم ومن تخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية. فقال لهم: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور، لا والله ما أفعل، ما طلعت شمس، ولاح في السماء نجم، والله لو كان مالُهم لي لساويتُ بينهم، وكيف وإنما هي أموالهم[60].
أمَّا مواقفه في العفو عن ظالميه، فهي لا تُعدُّ ولا تُحصى. فقد حدَّثنا التاريخ أنَّه في إحدى حروبه مع جيش معاوية، اشتدَّ العطش بجيشه، وكان جيش معاوية هو الذي يسيطر على شريعة· الفرات، فسألهم الإمام عليٌّ وأصحابُه أن يسمحوا لهم بالشرب. فقالوا: لا والله لا قطرة حتى تموتوا ظمئاً كما مات بنُ عفَّان. فحمل الإمام عليٌّ (عليه السلام) على جند معاوية حملات كثيفة حتى أزالهم عن مواقعهم، وسيطر على ماء الفرات. فصار أصحاب معاوية لا ماء لهم. فقال أصحاب الإمام: يا أمير المؤمنين امْنعْهم حتى يموتوا عطشاً كما منعوك، وبذلك لا حاجة لك بالحرب. فقال عليه السلام: لا والله، لا أكافئهم بمثل فِعلتهم، أفسحوا لهم عن بعض الشريعـــة ففي حدِّ السيـــف ما يكفي عن ذلك[61].
وإذا ما انتقلنا إلى حياة بقيَّة الأئمَّة (عليهم السلام) وجدنا أنَّ منهج أبيهم وجدّهم متجسِّداً في واقعهم بصورة جليَّة تثير الإكبار. فقد عُرِف الإمام الحسن عليه السلام (03- 50 هـ) بفضيلة الحِلم، حتى سُمّي حليم آل البيت(عليهم السلام).
وظهرت أسمى آيات الفتوَّة في أفعاله أنَّه رأى غلاماً أسود يأكل من رغيفٍ لقمةً، ويُطعم كلباً أمامه، لقمةً. فأخذتْه الشفقة عليه وقال: ما حملك على هذا؟ فقال: إنّي استحيت منه أن آكل ولا أطعمه. فقال له الإمام الحسن: لا تبرحْ من مكانك حتى آتيك. فذهب إلى سيّده فاشتراه، واشترى الحائط(البستان) الذي هو فيه، فأعتقه وملَّكه الحائط[62].
وَكان، رضي الله عنه، يقول: لَوْ أَنَّ رَجُلاً شَتَمَنِي فِي أُذُنِي هَذِهِ، وَاعْتَذَرَ إلَيَّ فِي أُذُنِي الأخْرَى، لَقَبِلْتُ عُذْرَهُ. وفي هذا المعنى أنشدَ بعضهم(من الخفيف).
قيل لي قد أسَا إليكَ فــــلانٌ وقعودُ الفتى عن الضـــــيمِ عارُ
قلتُ قد جاءنا فأحدث عذرا ديَّة الذنبِ عندنا الاعـــــــــــــــــتذارُ[63].
ومن عظيم فتوَّته أنه تنازل عن الخلافة لصالح معاوية، وذلك أنَّه لمَّا “سار مُعَاوِيَة مِنْ الشَّام إِلَى الْعِرَاق، وَسَارَ هُوَ إِلَى مُعَاوِيَة، فَلَمَّا تَقَارَبَا. رَأَى الإمام الْحَسَن، رَضِيَ الله عَنْهُ، الْفِتْنَة، وَأَنَّ الأمْر عَظِيم، تُرَاق فِيهِ الدِّمَاء، وَرَأَى اِخْتِلاف أَهْل الْعِرَاق، وَعَلِمَ، رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّهُ لَنْ تُغْلَب إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ حَتَّى يُقْتَل أَكْثَر الأخْرَى، فَأَرْسَلَ إِلَى مُعَاوِيَة يُسَلِّم لَهُ أَمْر الْخِلافَة”[64].
وقال أحد مبغضيه ويدعى عصام بن المصطلق:” دخلتُ المدينةَ، فرأيتُ الحسن بن علي رضي الله عنهما، فأعجبني سَمْتُهُ(هيئته ووقاره) وحسن رُوَائِه(حُسْن منظره). فأثار مني الحسد ما كان يَجِّنُّه(يخفيه) صدري لأبيه من البغض فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ قال: نعم. فبالغتُ في شتمه وشتم أبيه. فنظر إليَّ نظرةَ عاطفٍ رؤوفٍ، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم :((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)) فقرأ إلى قوله: (( فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)) ثم قال لي: خفّضْ عليك، أستغفرُ اللهَ لي ولك، إنك لو استعنْتَنا أعنَّاك، ولو استرْفدتنا أرْفدناك، ولو استرشدتنا أرشدناك. فتوسّم فيَّ الندمَ على ما فرط مني فقال: ((لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)) [سورة يوسف: الآية 92]. أمِنْ أهل الشام أنت؟
قلتُ: نعم. فقال: شِنشنَةٌ أعْرفُها من أخْزمِª، حيَّاك الله وبيّاك، وعافاك وآداك. انبسطْ إلينا في حوائجك وما يعرض لك، تجدْنا عند أفضلِ ظنِّك إن شاء الله.
قال عصام بن المصطلق: فضاقتْ عليَّ الأرض بما رحُبت، ووددتُ أنَّها ساخت بي. ثم تسلّلتُ منه لواذاً، وما على وجه الأرض أحبّ إليَّ منه ومن أبيه”[65].
أمَّا الإمام الحسين عليه السلام(3 هـ – 61 هـ) فقد أظهر يوم عاشوراء بكربلاء أنبل صفات التسامح والفتوَّة. ففي صبيحة ذلك اليوم المشؤوم وقف عليه السلام داعياً الله كي يهدي أعداءه إلى طريق الصواب، حتى لا يأثموا بسببه. كما تصرَّف بمنتهى قيم الفتوَّة معهم، ممَّا يَنِمُّ عن سمُوِّ نفسه وطيب عنصره .
وقد ذكرت الرواياتُ أنَّ الحُرَّ بنَ يزيدٍ التميميِّ¨ وقف بجيشه البالغ ألف فارس مقابل الإمام الحسين في حَرِّ الظهيرة وهم يشكون من العطش، فلما رآه الإمام وقد أشرف على الهلاك من شدَّة العطش، قال لفتيانه: اسقــوا القــــومَ، واروُوهـــم، وارشفـــوا الخيل. ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس(أواني من النحاس لغسل اليدين) من الماء ثمَّ يدنونها من الخيل ويرشفوها ترشيفاً حتى سقوهـــا عن آخرها[66].
والغريب أنَّ الإمام لم يأمر بسقي الخيل فحسب، بل بترشيفها، أي رشّ الماء عليها لأن الخيل لا ترتوي إلاَّ إذا فُعل لها ذلك. وربّما كان ذلك الماء الذي سقى به جيش الحُرِّ بن يزيد هو الماء الاحتياطيَّ الذي تسبَّب نفادُه في عطش الإمام الحسين عليه السلام وأهله.
وهذه الصورة العجيبة من صور الفتوَّة لا نجد لها مثيلاً في قواميس حقوق الإنسان ولا في الصراعات الحربيَّة بين الجيوش. ففي الحروب عادةً ما يحاول كلُّ طَرَف أن يستفيد من أيِّ فرصة للإيقاع بخصمه، وهزيمته، و لكن الإمام الحسين لم يفعل ذلك، وإنما سار مع القوم سيرة جدِّه وأبيه من العفو والتسامح. ومع ذلك فإنَّ القوم لم يبادلوه بالإحسان إحساناً، بل حاصروه هو وآلَ بيته ومنعوا عنهم الماء، حتى استشهدوا وهم يحترقون عطشاً.
ومن فتوَّة الإمام جعفر الصادق عليه السلام(80- 148ه) أنَّ رجلاً كان نائماً بالمدينة، ولما انتبه ظنَّ أنَّه ضيع هِمْيَانَهُ (كيسٌ تُجعل فيه النقود ويُشدُّ على الوسط). فرأى الإمامَ جعفر الصادق عليه السلام قائماً يصلّي، تعلّق به. فقال له الإمام: ما شأنك؟ فقال: هِمياني سُرق وليس عندي سوَاكَ. فقال له الإمام جعفر: كم في هميانك؟ فقال: ألف دينار. فقال له الإمام: أذْهَبُ إلى البيت حتى أعطيَك ألف دينار. فانطلق معه، فأعطاه ألف دينار خيراً من ذهبه. فلمَّا جاء الرجل إلى رفقته أخبرهم بقصَّته. فقالوا: هميانك عندنا. فسأل الرجل عن الإمام، فأخبروه بأنَّه ابن بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فجاء إليه ووقع يقبِّل رجليه، ويعتذر إليه. وردَّ الألف الدينار عليه. فلم يقبلها منه الإمام، وقال له: ما أخرجناه لله فلا يرجع إلينا”[67].
ومن النماذج المثلى في مدرسة آل البيت نذكر الإمام علي زين العابدين السجَّاد(38-95 هـ) عليه السلام، الذي كان غصناً من أغصان الشجرة النبويَّة العظيمة، المُلقِية بظلالها على رؤوس الخلق إلى أبد الآبدين. فقد كان يوصي أتباعه بأن يتواصلوا مع من يختلف معهم، وأن يُعطوهم حقوقهم، وأن يتجنَّبوا التعدّي عليهم، وعدم إظهار ما يوغر صدورهم.
هذا من دون أن نغفل ذكر الإمام الرضا عليه السلام(148-203هـ) الذي عبَّر في وصيَّته لأحمد بن أبي نصير البيزنطي، عن أسمى معاني الفتوَّة، بقوله: ” وإياك ومكاشفة الناس، فإنَّا أهل البيت نصِل منْ قطعنا، ونحسن إلى من أساء إلينا، فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنَةَ”[68].
إنَّ ما ذكرناه عن فتوَّة آل البيت ما هو إلاَّ غيضٌ من فيض، وقطرةٌ من بحر، فالفتوَّة نشأت فيهم، وأشرقت بسناها -على الناس- من مرابعهم، والشيء من مَأتاهُ لا يُستغرب. ولو أردنا بسط الحديث عن مكارمهم، وجميل خصالهم لاحتجنا إلى مؤلَّفات، وإنما كانت الإشارة إليهم، مؤانسة للقارئ، وتأسِّياً بحُسن أخلاقهم.
الفتوَّة عند الصوفيَّة:
بعد هذا العرض التاريخيِّ حول تطوُّر حركة الفتوَّة، ننتقل إلى الحديث عن بعض ممارسات هذه الفضيلة لدى الصوفيَّة. ولتكن بدايتنا مع الشيخ أحمد الرفاعي[69] قدِّس الله سرُّه.
- الفتوَّة عند الشيخ أحمد الرفاعي:
اشتهر بأحوال من الفتوَّة، ما يبهر العقول، حيث كانت تعتريه حالات من التواضع والانكسار لا يرى فيها نفسه إلاَّ عبْداً ذليلاً، فيخاطب مريديه قائلاً: “أيْ سادة، أنا لستُ بشيخ، لستُ بمقدَّم على هذا الجمع، لست بواعظ، لست بمعلِّم. حُشِرتُ مع فرعون وهامان إن خطر لي أنّي شيخ على أحد من خلق الله، إلاَّ أن يتغمَّدني الله برحمته فأكون كآحاد المسلمين”[70].
وكان من شدَّة تواضعه يشعر بأفضليَّة مريده عليه، فيقول مخاطباً إيَّاه:” أيْ أخي، أنت أحسن منّي لحَملِك ذِلَّة التلقّي، وأنا أخذَتني سكرة التعليم”.[71]
ولطالما كان يقول رحمه الله :” دخلت على الله من كلِّ باب، فرأيت على الكلِّ ازدحاماً عظيماً، فجئته من باب الذلِّ والانكسار فرأيته خالياً، فوصلتُ وحصلتُ على مطلوبي…وأعطاني ربّي من فضله ومواهبه ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر من أهل هذا العصر”[72].
إنَّ طُرق الوصول إلى الله كثيرة في دائرة الشريعة الإسلاميَّة، ولكن الإمام الرفاعي يُقرُّ بأنَّه لم يجد طريقاً ” أقرب وأوضح وأيسر وأصلح وأرجى من طريقَيْ الذلِّ والانكسار”[73].
ولا شكَّ في أنَّ هذه المبادئ تتضمَّن، إلى جانب بُعدها الأخلاقيِّ، أبعاداً إنسانيَّة عميقة المعنى، وذلك أنَّ ما نراه من صراع بين البشر إنَّما باعثُه ترفُّع الإنسان على أخيه الإنسان، وذلك ما حذَّر منه الإمام الرفاعي في قوله: “… لا تزعُمْ أخا الحجاب[74] أنَّ أخاك الإنسان الآخر، عبدك بدريهماتك، بوقتك، بحظّك، بشأنك، بما أنت فيه من أمرك. هو فوق ذلك، وأنت دون ذلك. كلُّ من ساواك بتركيب الهيكل، أو ماثَلَك بالصورة والنَّسق فهو أخوك بجنسيَّتك، وشريكك بآدميَّتك، لا هو مملوكك، ولا أنت مالكه”[75].
هذا عن أبناء الجنس الواحد من البشر، أمَّا عن الأجناس الأخرى من الكائنات، فليس للإنسان الحقُّ في احتقارها لأنَّ ” كلَّ من خالفك بتركيبك فهو ملحق بجنسه، حَقُرَ أو عَظُمَ، وأنت ملحق بجنسك. فاعرف حدَّك”[76].
من هذا المنطلق، دعا الشيخ الرفاعي مريديه إلى أن يتحلَّوا بالفتوَّة، فيوقِّروا أصناف الكائنات من ذوات أرواحٍ، وجمادات، بارزاتٍ، ومطويَّاتٍ، عُلويَّاتٍ وسُفليَّاتٍ[77]. و لا يقف الحدُّ عند توقيرها فحسب، بل المطلوب أيضاً منهم إيصال النفع إليها قدر الاستطاعة ” لقوله صلَّى الله عليه: الخَلْق كلُّهم عيال الله، فأحبُّهم إلى الله أنفعُهم لعياله”[78].
هكذا، وبهذه اللُّغة المتسامية، وعلى هذا النهج الروحانيِّ، ربَّى الإمام الرفاعي مريديه، وكذلك فعل كلُّ شيوخ التصوُّف عبر العصور. وإن جاز لنا أن نقيس هذا الخطاب التربويَّ بالموازين المعاصرة، لوجدناه أعمق بكثير ممَّا تنادي به المواثيق الدوليَّة، من احترام حقوق الإنسان والرِّفق بالحيوان، وتوقير البيئة. لأنَّه خطاب لا ينحصر في حدود ما هو دنيويٌّ أو سياسيٌّ، كحال تلك المواثيق الدوليَّة، بل إنَّه يتعدَّاها ليصبح واجباً دينيّاً، ومطلباً روحيَّاً على المسلم بوجهٍ عامٍّ، وعلى الصوفيِّ بوجه أخصَّ، أن يؤدّيَه تجاه الكائنات بأكملها.
وبهذا يتبيَّن لنا أنَّ التصوُّف ينأى بطبيعته عن أخلاق التعصُّب والعنف والغلوِّ والتطرُّف، ويتَّجه اتجاهاً رحيماً تسامحيّاً، تتواصل فيه ذات العارف ببارئها، وبسائر الكائنات في هذا الوجود في فضاء رحيب يفيض بمعاني الفتوَّة والمحبَّة والرَّحمة والتسامح.
- الفتوَّة عند الشيخ محي الدين بن عربي:
من الأشعار الجميلة التي أنشدها ابن عربي في مدح الفتوَّة قوله من(البسيط):
إنَّ الفتوَّة ما ينــــــفكُّ صاحبــــــــُـــــها مُقدّماً عـــند ربِّ الناس والنـــــــــــــــاسِ
إنَّ الفتى من لــــــه الإيثار تحليةً فحيث ما كان محمولاً على الراسِ
ما إنْ تزلزلـــــــــه الأهواءُ بقوَّتــــــــها لكونه ثابـــتاً كالشامخِ الــــــــــــــــــــــراسي
لا حزن يحكمُه لا خوف يشغلُه عن المكارمِ حـــــــال الحَرب والباسِ[79].
والفتوَّة عنده هي أن يعمل المرء في حقِّ الغير إيثاراً على نفسه[80]، و الفتى هو الماشي في الأمور بأمر غيره لا بأمر نفسه، وفي حقِّ غيره لا في حقِّ نفسه، لكن بأمر ربّه[81].
وهي نعتٌ إلهيٌّ قبل أن تكون نعتاً بشريّاً، فإنَّه سبحانه تصدَّق علينا بالوجود والمعرفة به، وما مَنّ علينا بذلك. وشرح هذا أنَّه أوجد العالَم من أجلِ العالَم، إيثاراً له، ولم ينفرد هو بالوجود، وهذا عين الفتوَّة. ثم علم سبحانه وتعالى أنَّ الامتنان يقدح في النعمة عند المنعَم عليه(المخلوقات)، فستر ذلك إيثاراً لهم بقوله:(وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدون). فأظهر أنَّه خلقهم من أجله لا من أجلهم، كلُّ ذلك ليستر صنيعه الجميل في حقنا[82].
وإذا كان الله عزَّ وجلَّ قد نزل مع عباده إلى هذا الحدِّ من الفتوَّة، وهو الغنيُّ عنهم، فالعبد أولى أن يتخلَّق بهذه الصفة[83].
وابن عربي يقدِّم معياراً شرعيّاً يقي المرء من الانحراف وهو يباشر هذا الخلق، بحيث ” لا يتفتّى على الخلق إلاَّ بصفة حقٍّ أو أمر حقّ، فيكون الحقُّ المتفتِّي لا هذا العبد”[84].
فالإنسان قد تشتبه عليه الأمور حين التفتّي، فيقوم بفعل من أجل إرضاء شخص، ولكنه قد يسخط به آخر، وفي هذه الحالة لا مهرب له سوى الاحتكام إلى الشريعة ” لأنَّ الأغراض مختلفة والأهواء متقابلة… فما مِن حالة يرضاها زيدٌ منك، إلاَّ ويسخطها عمرو، فإذا كان الأمر هكذا فاترك الخلق بجانب، إن أردتَ تحصيل هذا المقام، وارجع إلى الله في أصل الفتوَّة، فإنَّ أصلها أن تخرج عن حظِّ نفسك إيثاراً لحظِّ غيرك”[85].
وترسيخاً لهذا المبدأ الشرعيِّ في ممارسة الفتوَّة، أورد ابن عربي قصَّة حدثت مع مريد وشيخه، ثم بيَّن رأيه فيها بما يخالف رأي ذلك الشيخ. فيقول: ” يُحكى أن شيخاً من المشايخ جاءه أضياف فأمر تلميذه أن يأتيه بسُفرة الطعام، فأبطأ عليه. فسأله ما أبطأ بك؟ فقال: وجدتُ النمل على السفرة، فلم أرَ من الفتوَّة أن أخرجهم. فتربَّصتُ حتى خرجوا من نفوسهم. فقال الشيخ: لقد دقَّقتَ. فجعل هذا الفعل من تدقيق باب الفتوَّة، ونِعْم ما قال، ونِعم ما فاته”[86].
والذي فات هذا الشيخ – حسب ابن عربي- أن تقديم الطعام للضيوف كان أولى من والشفقة على النمل، لأنَّه ليس من الفتوَّة أن نشفق على النمل (وذاك من الفتوَّة طبعاً) ونترك الضيوف متألِّمين بالتأخير والانتظار، لأنَّ الشارع أمر الشارع بتعجيل تقديم الطعام للضيوف.
ولو أنَّ هذا الخادم تفتَّى وترك السفرة للنمل، واستأذن الشيخ وعرَّفه بالقصَّة، ونظر في تقديم أمرٍ آخر للضيوف، لكان أولى وأدقَّ في الفتوَّة[87].
وعليه، فإنَّ ممارسة الفتوَّة لا بدَّ من أن تكون مؤطِّرة بقواعد الشريعة ” فحقيقة الفتوَّة أن يؤثر الإنسانُ العلم المشروع الوارد من الله على ألسنة الرُّسل، على هوى نفسه، وعلى أدلَّة عقله وما حكَم به فكره ونظره”[88].
هذا عن الجانب التنظيريِّ لمقام الفتوَّة، أمَّا فيما يتعلَّق بالممارسة الميدانيَّة، فإنَّ الشيخ الأكبر كان ينهل – في معاملاته مع غيره – من الميراث المحمَّديِّ قرآناً وسنَّةً.
ومن مواقفه المشرقة في ذلك ما قصَّه أحد رواة سيرته من أنَّ ” رجلاً من دمشق فرض على نفسه أن يلعنه كلَّ يوم عشر مرَّات، فمات. وحضر ابن عربي جنازته، ثمَّ رجع فجلس في بيته، وتوجَّه للقِبلة، فلما جاء وقت الغداء، أُحْضِر إليه الأكلُ فلم يأكل. ولم يزل في حاله إلى بعد العشاء، فالتفت مسروراً، وطلب العَشاء وأكل، فقيل له في ذلك، فقال: التزمتُ مع الله أن لا آكل ولا أشرب حتى يُغفر لهذا الذي يلعنني، وذكرتُ له سبعين ألف لا إله الله، فغُفِر له”[89].
تلك هي إحدى الصور المشرقة من سيرة ابن عربي، في تعامله مع خصومه، عرضناها لنؤكِّد على التصوُّف ما هو إلاَّ أخلاقٌ عليَّة، ومعاملات سَنيَّة، قبل أن يكون ثقافة وتنظيراً، إذْ من السهل جدّاً أن يكتب المرء عن التصوُّف آلاف الأوراق، ويلقيَ حوله مئات الدروس والمحاضرات، ولكنه ليس من السهل أن يُترجمه إلى أعمال وأحوال، إلاَّ إذا وفَّقه الله لذلك.
ولأجل هذا السبب اتفق الصوفيَّة على أن علمهم لا يؤخذ من الأوراق، بل بصحبة أهل الأذواق. ولا يعني هذا أنَّهم يتنكَّرون للعلم، وهُم أهله وذووه، ولكنهم يحثّون مريديهم على اكتساب محامد الأخلاق، أحوالاً وأقوالاً، من أهلها، بمرافقتهم، وإخلاص الودِّ لهم، والتأدُّب في حضرتهم. ولذلك لمَّا سئل أبو حفص عمرو بن سلمة(ت270 وقيل 267) عن الفتوَّة ما هي؟ فقال:” الفتوّة تؤخذ استعمالاً ومعاملة لا نطقاً”[90].
وابن عربي ينبــِّهنا إلى معنى لطيف في التعامل مع خصومنا، مبيّناً أنَّ المسيء إلينا – وإن كان قد أساء ظاهراً – فإنَّه أحسن إلينا باطناً من دون أن يشعر، لأنَّه أعطانا بإساءته خيراً كثيراً نجده ثمرته في الآخرة. وبالتالي فلا يجب أن نكافئه، على ما قدَّمه لنا من إحسان (في صورة إساءة)، بالإساءة، بل يقتضي الأمر منَّا مكافأته إمَّا بالعفو عنه، أو بالإحسان إليه بحسب ما تسمح به نفوسنا. يقول في هذا: “(…) المسيء في حقّنا الذي خيَّرنا الله بين جزائه بما أساء وبين العفو عنه، أنَّه لمَّا أساء إلينا أعطانا من خير الآخرة ما نحن محتاجون إليه، حتى لو كشف الله الغطاء بيننا وبين ما لنا من الخير في الآخرة، في تلك المساءة، حتى نراه عياناً، لقلنا إنَّه ما أحسن أحدٌ في حقِّنا، ما أحسن هذا الذي قلنا إنَّه أساء في حقّنا. فلا يكون جزاؤه عندنا الحرمان. فنعفو عنه، فلا نجازيه، ونحسن إليه مما عندنا من الفضل على قدر ما تسمح به نفوسنا”[91] .
ويحدِّثنا ابن عربي في إحدى إشاراته عن سرِّ حِلْمه وعفوه على خصومه، فيقول : ” كنتُ نائماً في مقام إبراهيم، وإذ بقائل من الأرواح، أرواح الملإ الأعلى، يقول لي عن الله: ادخُلْ مقام إبراهيم إنه كان أوّاهاً حليما، فعلمتُ أنَّه لا بدَّ أن يبتليَني بكلام في عِرضي من قومٍ، فأعاملهم بالحِلمِ… فيكون أذًى كثيرا، فإنه جاء بـ (حليم) بصيغة المبالغة، ثمَّ وصفه بالأوَّاه، وهو من يكثر من التأوُّه لما يشاهد من جلال الله”.[92]
لقد تحقَّق – رحمه الله – من أنَّ الكون بكلِّ تمظهُراته، ما هو إلاَّ تجلٍّ للحقِّ عزَّ وجلَّ، وأثرٌ لصفاته وأسمائه العُلى، بل ما هو إلاَّ مظهر للحقيقة المحمَّديَّة السارية في الوجود. فكان يدعو إلى التعامل مع الكون كلِّه، بخلُق المحبَّة والرَّحمة والفتوَّة، وتمكَّن من تأسيس بَراديغم¨ إنسانيٍّ بديع، يندر أن نجد له نظيراً عند غيره. وذلك هو دين الحبِّ الذي دعا إليه وعاش يبشِّر به.
الخاتمة:
لعلَّه قد تبيَّن للقارئ الكريم، أنَّ أخلاق الفتوَّة – وإن كانت قد ظهرت ببعض صورها في الجاهليَّة- فإنَّها لم تتألَّق بمباهجها المشرقة إلاَّ في حياة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي حياة آل بيته الأطهار، وصحابته الأخيار، بل وتوالى تألُّقها عبر التاريخ الإسلاميِّ، لأنَّها – وبكلِّ بساطة- خُلُقٌّ إسلاميٌّ لا يكتمل إيمان المسلم إلاَّ إذا اتَّصف بها.
ولعلَّه قد اتضح للقارئ أيضاً أنَّ الفتوَّة عند الصوفيَّة على وجه الخصوص، لم تكن مجرَّد تنظير مثاليٍّ مفارق للواقع، بل كان ممارسات يوميَّة، وأحوالاً عمَليَّة ارتبطت عندهم بأصول روحيَّة عميقة الغَور.
وعليه، فإنَّ الخطاب الصوفيَّ يمكن أن يكون مصدراً تربويَّاً لمن يريد أن يؤسِّس لثقافة الفتوَّة وأرضيَّة للحوار لمن يبتغي أن ينفتح على الآخر[93]، ومنبراً للدعوة لمن يريد أن يعرِّف بالإسلام، بعيداً عن التطرُّف والغلوِّ وخطاب الكراهية.
ولهذا، فإنَّ بعض الدراسات العلميّة المتخصِّصة سواء الغربيَّة منها أم العربيَّة[94]، قد تنبَّهت إلى القيم التربويَّة التي يتضمَّنها الخطاب الصوفيُّ الإسلاميُّ، فراحت تبرز مزاياه، وتظهر محاسنه، ممَّا أدَّى إلى إنتاج وعيٍ معرفيٍّ، واهتمام متزايدٍ بهذا القطاع العرفانيٍّ الذي أراد البعض طرده من القطاعات الفكريَّة، وتقديمه للمثقَّف المسلم المعاصر، تارة في صورة بِدع وضلالات تناقض الدين الإسلاميِّ(السلفيَّة الوهابيَّة)، وتارة في صورة أفكار للَّاعقلانيَّة بعيدة عن الواقع(العقلانيَّة العربيَّة المعاصرة).
ولذا، فإنَّ هذه الدراسة جاءت، لا لتدَّعي أنَّ التصوُّف وحده يمتلك قيم الفتوَّة، ولكن لترشد من يبحثُ عن هذا الخلُق الراقي(الفتوَّة)، بأنَّه سيعثر عليه، وبصوَره النقيَّة المشرقة، عند العارفين بالله، حيث تفيض في مرابعهم ينابيع الرَّحمة والمحبَّة والصفاء.
- مراجع الدِّراسة:
- القرآن الكريم برواية ورش.
قائمة المراجع باللُّغة العربيَّة:
- أحمد أمين: الصعلكة والفتوَّة في الإسلام، مؤسَّسة هنداوي، القاهرة ،2012 م.
- الأصفهاني أبو نعيم: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، دار الفكر، بيروت، 1996م، ج 10.
- إيريك جوفورا: المستقبل الروحاني للإسلام، ترجمة هاشم صالح، المركز الوطني للترجمة، القاهرة، 2016 م.
- ابن كثير أبو الفداء إسماعيل الدمشقي: البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، دار إحياء التراث العربي،1988 م، ج8 .
- الصدّيقي العظيم آبادي محمد أشرف بن أمير: عون المعبود شرح سنن أبي داود، دار الكتب العلميَّة، بيروت ط2- 1415ه، ج11.
- السُّلمي أبو عبد الرحمن : (رسالة الملامتيَّة) ضمن كتاب أبو العلا عفيفي: الملامتيَّة والصوفيَّة وأهل الفتوَّة، درا إحياء الكتب العربيَّة، القاهرة، 1945
- السُّلمي أبو عبد الرحمن: طبقات الصوفيَّة، تحقيق أحمد الشرباصي، طبعة كتاب الشعب، القاهرة، ط2، 1998م
- السُّلمي أبو عبد الرحمن: المقدِّمة في التصوُّف، تحقيق يوسف زيدان، دار الجيل، بيروت، ط1- 1999م .
- القشيري أبو القاسم: الرسالة القشيريَّة، دار الكتب العلميَّة، بيروت،2001م.
- القرطبي عبد اللهمحمد بن أحمد الأنصاري: الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي بيروت، 1985 م، ج7 .
- الطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد: المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد، مكتبة ابن تيميَّة، القاهرة، ج10.
- السّيد الصدر: أخلاق أهل البيت، قم، ط1، 2004م.
- الرِّفاعي أحمد: النظام الخاص لأهل الاختصاص، تحقيق عبد الغني نكه مي، دار الكتاب النفيس، حلب، سورية، ط2- 1414هـ.
- الرّفاعي أحمد: البرهان المؤيّد، تحقيق إبراهيم الرفاعي، دار آل الرفاعي، القاهرة، 1998 م.
- أبو العلا عفيفي: الملامتيَّة والصوفيَّة وأهل الفتوَّة، درا إحياء الكتب العربيَّة، القاهرة، 1945م.
- ابن عربي محي الدين: الفتوحات المكيَّة، تحقيق أحمد شمس الدين، دار الكتب العلميَّة، بيروت، لبنان ط1، 1999م، المجلّدان 3-
- العاملي ياسين حسين عيسى: أصول التعايش مع الآخر، دار الهادي ، ط1 – 2008م.
- المجلسي أبو عبد الله مُحَمَّد بَاقِر: بحار الأنوار، تحقيق محمد الباقر البهبودي، ط2، 1983م، ج44.
- ابن معمار البغدادي (أبو عبد الله محمد بن أبي المكارم): كتاب الفتوَّة، تحقيق مصطفى جواد وآخرين، مطبعة شفيق، مكتبة المثنى، بغداد، ط1، 1958م.
- محمود قمر: التسامح والإخاء الإنساني في الإسلام، عين للدراسات والبحوث الإنسانيَّة والاجتماعيَّة ط1 – 2013 م.
- المقدسي عبد الله محمد بن مفلح: الآداب الشرعيَّة، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وعمر القيّام، مؤسَّسة الرسالة، بيروت ط3 -1999، ج 1 .
- المُنّاوي محمد عبد الرؤوف: الكواكب الدُّريّة في تراجم السادة الصوفيَّة، تحقيق محمد أديب الجادر، دار صادر، بيروت،ط1- 1999م، ج2.
- منير ورمزي البعلبكي: قاموس المورد الحديث(إنكليزي عربي)، دار العلم للملايين 2008.
المراجع باللُّغة الفرنسيَّة:
- Bariza Khiari : Le soufisme ; spiritualité et citoyenneté .fondation pour l’innovation. politique fodapol.org .février 2015.
- Éric Geoffroy : L’Islam sera spirituel ou ne sera plus. Edité par Le Seuil, Paris, 2009.
- Jean Flori:Chevaliers et chevalerie au Moyen Âge, Hachette, Paris, 1998, avant-propos.
- Montserrat Planelles Ivañez: Les mots de la guerre au Moyen Âge: étymologie, usage et évolution sémantique. in Linguistica, 2019, vol. 58, p. 9-21
¨ أستاذ محاضر بقسم الفلسفة، جامعة عمار ثليجي، الأغواط- الجمهوريَّة الجزائريَّة.
[1]– مصطفى جواد: مقدِّمة ابن معمار البغدادي (أبو عبد الله محمد بن أبي المكارم): كتاب الفتوَّة مطبعة شفيق، مكتبة المثنى، بغداد، ط1، 1958، ص05.(بتصرف)
[2]– ابن معمار البغدادي: كتاب الفتوّة، تحقيق مصطفى جواد وآخرين، مطبعة شفيق، مكتبة المثنى، بغداد، ط1، 1958، ص130.
[3]– المرجع نفسه.
[4]– السلمي أبو عبد الرحمن:( رسالة الملامتيَّة) ضمن كتاب أبو العلا عفيفي: الملامتيَّة والصوفيَّة وأهل الفتوَّة، درا إحياء الكتب العربيَّة، القاهرة، 1945 ص119.
[5]– ابن معمار البغدادي: كتاب الفتوّة، ص156.
[6]– المرجع نفسه، ص142 ( بتصرُّف ).
[7]– القشيري أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن: الرسالة القشيريَّة، دار الكتب العلميَّة، بيروت،2001م ، ص261.
[8]– السلمي أبو عبد الرحمن: المقدِّمة في التصوُّف، تحقيق يوسف زيدان، دار الجيل، بيروت، ط1. 1999م ص 48.
[9]– القشيري: الرسالة القشيريَّة ص261.
[10]– المرجع نفسه.
[11]– المرجع نفسه، ص262.
[12]– السلمي أبو عبد الرحمن: طبقات الصوفيَّة، تحقيق أحمد الشرباصي، طبعة كتاب الشعب، ط2، 1998م، ص 255.
[13]– السلمي أبو عبد الرحمن: المقدِّمة في التصوُّف، تحقيق يوسف زيدان، دار الجيل، بيروت، ط1. 1999م ص 48.
[14]– الأصفهاني أبو نعيم: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، دار الفكر، بيروت، 1996م، ج 10، ص 296. وكذا ابن المعمار البغدادي: كتاب الفتوَّة، ص 153.
[15]– السّلمي أبو عبد الرحمن: المقدِّمة في التصوُّف، ص 48. والأبيات للخليل بن أحمد الفراهيدي(100- 170 هـ).
[16]– القشيري: الرسالة القشيريَّة، ص261.
[17]– أبو العلا عفيفي: الملامتيَّة والصوفيَّة وأهل الفتوَّة، ص41 .
[18]– ابن المعمار البغدادي: كتاب الفتوة، ص 154- 155.
[19]– السلمي أبو عبد الرحمن: طبقات الصوفية، ص37.
[20]– أبو العلا عفيفي: الملامتيَّة والصوفيَّة وأهل الفتوّة، ص41
[21]– ابن المعمار البغدادي: كتاب الفتوَّة، ص 154-155.
[22]– القشيري: الرسالة القشيريَّة، ص260.
– السلمي أبو عبد الرحمن: طبقات الصوفيَّة، ص 175.[23]
[24]– القشيري: الرسالة القشيريَّة، ص261.
[25]– القشيري: الرسالة القشيريَّة، ص263.
[26]– المرجع نفسه، ص262.
[27]– أبو عبد الرحمن السلمي: المقدِّمة في التصوٌّف، ص 48( بتصرُّف).
[28]– القشيري: الرسالة القشيريَّة، ص262 (بتصرُّف).
¨ عاصم بن ضمرة السلولي، صدوق حسن الحديث، روى عن سيّدنا علي رضي الله عنه. عاش في الكوفة. توفّي سنة 74ه.
[29]– ابن معمار البغدادي: كتاب الفتوّة، ص157 (بتصرف)
[30]– أبو العلا عفيفي: الملامتيَّة والصوفيَّة وأهل الفتوَّة، ص41 .
[31]– ابن المعمار البغدادي: كتاب الفتوَّة، ص 154، 155.
[32]– القشيري: الرسالة القشيرية، ص263.(بتصرف)
[33]– أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج10 ص 381.
[34]– القشيري: الرسالة القشيريَّة، ص262.
[35]– المرجع نفسه، ص261.
[36]– المرجع نفسه، ص261.
[37]– مصطفى جواد: مقدِّمة كتاب الفتوَّة لابن معمار البغدادي، ص13.
[38]– العيارة : بالإنكليزيَّة Vagrancy) ) وهي إحدى أحوال التشرُّد والاكتساب من التسوُّل والسرقة. والعَيَّارُ من الرجال: هو الذي يُخَلِّي نفسَهُ وهَواها لا يردعُها ولا يزجُرُها.
[39]– مصطفى جواد: مقدِّمة كتاب الفتوَّة لابن معمار البغدادي، ص13(بتصرُّف).
[40]– المرجع نفسه، ص13 (بتصرُّف).
[41]– المرجع نفسه، ص14(بتصرُّف).
[42]– ابن معمار البغدادي: كتاب الفتوَّة، ص ص289 – 290.(بتصرُّف).
[43]– المرجع نفسه، ص16.
[44]– المرجع نفسه، ص22.
[45]– المرجع نفسه، ص27
[46]– المرجع نفسه، ص 28، ص 37.
[47]– مصطفى جواد: مقدِّمة كتاب الفتوَّة، لابن معمار البغدادي، ص 37.
[48]– المرجع نفسه، ص 29.
[49]– أحمد أمين: الصعلكة والفتوَّة في الإسلام، مؤسَّسة هنداوي، القاهرة ،2012م، ص54.
– المرجع نفسه، الصفحات،39-40-54. (بتصرُّف).[50]
[51] . Jean Flori, Chevaliers et chevalerie au Moyen Âge, Hachette, Paris, 1998, avant-propos)
[52]. Montserrat Planelles Ivañez, “Les mots de la guerre au Moyen Âge: étymologie, usage et évolution sémantique” in Linguistica, 2019, vol. 58, p.
[53]– أحمد أمين: الصعلكة والفتوَّة في الإسلام ، ص47.
[54]– المرجع نفسه، ص 55.
[55]– ابن معمار البغدادي: كتاب الفتوَّة، ص140.
[56]– المرجع نفسه، ص 135
[57]– ابن معمار البغدادي: كتاب الفتوَّة، ص141(بتصرُّف).
[58]– المرجع نفسه، ص142.
ª شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي: ت 78 هـ. وهو صحابي، أصله من اليم ، وكان مأموناً في القضاء، له باع في الأدب والشعر، قال عنه الإمام علي، عليه السلام :” شريح أقضى العرب”. بقي في القضاء نحو ستين سنة حتى خلافة عبد الملك بن مروان.
[59]– السيد الصدر: أخلاق أهل البيت، قم، ط1، 2004، ص409.
[60]– المرجع نفسه.
[61]– محمود قمر: التسامح والإخاء الإنسانيّ في الإسلام، عين للدراسات والبحوث الإنسانيَّة والاجتماعية ط1 ، 2013م، ص 85.
[62]– ابن كثير أبو الفداء اسماعيل: البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، دار إحياء التراث العربي،1988 م، 8/ 42.
[63]– المقدسي عبد الله محمد بن مفلح: الآداب الشرعيَّة، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وعمر القيّام، مؤسَّسة الرِّسالة، بيروت ط3- 1999 ج1، ص319
[64]– الصديقي العظيم آبادي محمد أشرف بن أمير: عون المعبود شرح سنن أبي داود، دار الكتب العلميَّة ، بيروت ط2- 1415ه، 11ج، ص 127.
ª الشِنْشِة (بكسر الشين): العادة والطبيعة. قال الأصمعي وهذا بيت رجز لأبي أخزم الطائي وهو: إن بني زمّلوني بالدم * شِنشةٌ أعْرفُها من أخزم . وكان أخزم عاقاً لأبيه، فمات وترك بنين عقّوا جدهم وضربوه وأدموه، فقال ذلك، أي إنهم أشبهوا أباهم في العقوق.
[65] – القرطبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري: الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي بيروت – 1985 ، 7/351.
¨ الحر بن يزيد الرياحي: أحد زعماء أهل الكوفة وساداتها. كان شريفاً في قومه جاهليّةً وإسلاماً، وقد أرسله عبيد الله بن زياد ليراقب تحرُّكات الإمام الحسين، وقد ندم في اللَّحظات الأخيرة في يوم عاشوراء، فالتحق بركب الإمام الحسين، وقُتلَ معه بكربلاء سنة 61ه
[66]– المجلسي أبو عبد الله مُحَمَّد بَاقِر: بحار الأنوار، تحقيق محمد الباقر البهبودي، ط2، 1983م، ج44، ص376 .
[67]– ابن معمار البغدادي: كتاب الفتوّة، ص ص 263- 264.
[68]– العاملي ياسين حسين عيسى: أصول التعايش مع الآخر، دار الهادي، ط1، 2008 م، ص 12.
[69]– الإمام أحمد الرفاعي مؤسِّس الطريقة الرفاعيَّة، ولد سنة 512 هـ في العراق. كان شافعيَّ المذهب أشعريَّ العقيدة. وكان رضي الله عنه يُضرَب به المثل في الفتوَّة والتواضع والانكسار ولين الجانب والتسامح والرَّحمة بالناس والشفقة عليهم. توفّي سنة 578ه.
[70]– الرفاعي أحمد: البرهان المؤيّد، تحقيق إبراهيم الرفاعي، دار آل الرفاعي، القاهرة، 1998 م، ص20.
[71]– المرجع نفسه، ص20.
[72]– المرجع نفسه، ص ص91 – 92.
[73]– الرفاعي أحمد: النظام الخاصُّ لأهل الاختصاص، ص57.
[74]– أي المحجوب عن الله .
[75]– المرجع نفسه، ص ص 10- 11.
[76]– المرجع نفسه، ص11.
[77]– المرجع نفسه.
[78]– المرجع نفسه، ص ص66- 67. وروى الطبراني في معجمه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (( الخلق كلُّهم عيال الله فأحبُّ الخلق إلى الله أنفعُهم لعباده)). أنظر: الطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد، مكتبة ابن تيميَّة، القاهرة، ج10، حديث رقم 10033.
[79]– ابن عربي محي الدين: الفتوحات المكيَّة، تحقيق أحمد شمس الدين، دار الكتب العلميَّة، بيروت، لبنان ط1، 1999، المجلَّد 3. الباب 146 ، ص 349
[80]– المرجع نفسه، ص353.
[81]– المرجع نفسه، ص354.
[82]– المرجع نفسه، ص ص 349 – 350.
[83]– المرجع نفسه، ص 350.
[84]– المرجع نفسه، ص 351 .
[85]– المرجع نفسه، ص 351 .
[86]– ابن عربي محي الدين: الفتوحات المكيَّة، المجلَّد 3، الباب 146 ، ص354. والقصَّة وردت أيضاً في الرسالة القشيريَّة: ” فقال الرجل لما أبطأْتَ بالسفرة؟ فقال الغلام: كان عليها نمل فلم يكن من الأدب تقديم السفرة إلى الفتيان مع النمل، ولم يكن من الفتوَّة إلقاء النمل من السفرة. فلبثتُ حتى دبّ النمل. فقالوا له دقَّقت يا غلام، مثلك من يخدم الفتيان”. أنظر القشيري: الرسالة القشيريَّة، ص 264.
[87]– المرجع نفسه.
[88]– المرجع نفسه. ص352.
[89]– المناوي محمد عبد الرؤوف: الكواكب الدُّريّة في تراجم السادة الصوفيَّة، تحقيق محمد أديب الجادر، دار صادر، بيروت، ط1، 1999م، ج2 ،ص 520 .
90- السلمي أبو عبد الرحمن: طبقات الصوفيَّة، ص ص37 -38 .
[91]– ابن عربي: الفتوحات المكيَّة، المجلَّد 7، الباب 435 ، ص ص68-69 .
[92]– المرجع نفسه، ص ص 520- 521.
¨ البراديغم: يعني النموذج الفكريَّ أو النموذج الإدراكيَّ، واللَّفظة من الأصل اليونانيِّ (paradeigma ). باللَّاتينيَّةParadigma) ). أنظر: منير ورمزي البعلبكي، قاموس المورد الحديث (إنكليزي عربي)، دار العلم للملايين 2008، ص166.
[93] Voir Bariza Khiari .Le soufisme: spiritualité et citoyenneté ;fondation pour l’innovation politique fodapol.org .février 2015.pp40 ;41
[94]– من أجل التوسُّع في إمكانيَّة حلول التصوُّف الإسلاميِّ وما يرتبط به من قيم شاملة محلَّ روح الحداثة المادّيَّة التي تهيمن على العالم المعاصر، يُرجى العودة إلى كتاب البروفيسور Éric Geoffroy الموسوم بـ (plus L’Islam sera spirituel ou ne sera ). Edité par Le Seuil, Paris, 2009. وقد ترجمه الأستاذ هاشم صالح بعنوان المستقبل الروحاني للإسلام، المركز الوطني للترجمة القاهرة، 2016 . لكن المفكِّر الفرنسي إيريك جوفورا أخبرني في أحد المؤتمرات بفاس بأنَّه مستاءٌ من ترجمة العنوان بهذا الشكل، إذ الترجمة الأصحُّ هي: (الإسلام سيكون روحانيّاً أو لا يكون).