مشاهد ومراقد

مرقد وجامع عمر السهروردي.. العارف ورجل الدين والدولة

مرقد وجامع عمر السهروردي.. العارف ورجل الدين والدولة

عامر جليل إبراهيم – تصوير: حسين طالب /

يتوسط جامع ومرقد الشيخ عمر السهروردي شارع الشيخ عمر وسور بغداد القديم من جهة الباب الوسطاني برصافة بغداد. ويستطيع المار على طريق محمد القاسم السريع أن يستمتع بمنظر الجامع بقبَّته السلجوقية الطراز التي تقف شامخة في مركز العاصمة وكأنها تحكي تاريخ عاصمة الدولة العباسية..
والجامع يعد ثالث أهم جوامع بغداد بعد جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان وجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني.
“مجلة الشبكة العراقية” في سعيها للتعريف بالأماكن الدينية السياحية في العراق زارت هذا المكان والتقت الشيخ قصي عبد الكريم أحمد مسؤول إدارة الجامع.
يقول الشيخ قصي: صاحب المرقد هو الشيخ عمر بن محمد بن عمويه السهروردي، شهاب الدين أبو حفص، ولد سنة 539هـ -1144م، على رأي أغلب المؤرخين، في بيت كريم اشتهر بالتقوى والورع في سهرورد (قرية من قرى جبال زنجان) وإليها ينسب، وعندما بلغ السادسة عشرة غادر قريته إلى بغداد صحبة عمِّه الشيخ أبي النجيب السهروردي والشيخ عبد القادر الجيلي اللذين أخذ عنهما وعن غيرهما من العلماء علوم عصره، اشتهر بين علماء عصره بعقد مجالس وعظ كانت تحظى باستحسان كثيرين، بعدها تولى مشيخة رُبط عدة للصوفية كرباط الزوزوني ورباط المأمونية.
قرَّبه الخليفة العباسي الناصر لدين الله وأصبح سفيراً له لدى الملوك والأمراء الذين يرد عليهم وكانوا يبالغون في تكريمه وتعظيمه واحترامه اعتقاداً فيه وتبركاً.
يقول عنه ابن النجار: شيخ وقته في علم الحقيقة وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين ودعاء الخلق إلى الله وتسليك طريق العبادة والزهد.
كان الشيخ السهروردي رجل دين ودولة، وله تصانيف أشهرها (عوارف المعارف في أحوال الصوفية)، وتنسب إليه حالياً الطريقة النقشبندية السهروردية.
يكمل الشيخ قصي: توفي الشيخ عمر السهروردي عام 632هـ عن عمر ناهز 93 عاماً ودفن في هذا المكان.

في الجامع
يشرح لنا الشيخ قصي: عندما تتوجه إلى الجامع تلوح لك من بعيد الجدران الخارجية العالية التي تعزله عن المنطقة الصناعية المحيطة به والتي تكاد أن تشوِّه المنطقة، وعندما تدخل إلى حرم الجامع تصادفك باحة واسعة تتوسطها مجموعة من النخلات، وعلى اليسار مصلى ثم غرفة الضريح المبنية من الخشب الأسود، وهناك بمواجهة الداخل قبر الشيخ عمر، مقام عليه صندوق خشبي حديث مفتوح من الأعلى.
المساحة الكلية للمرقد 1200م وباحة الحرم الداخلي 450م، يتسع إلى أكثر من 400 مصلٍ, أما الباحة الخارجية فمساحتها نحو 550م تقريباً من ضمنها حرم للنساء، شُيدت القبّة على بناء مربع تقريباَ تتراوح أبعاده بين 85،4 – 95،4 متر، والمدخل الآخر للقبّة غرفة تعود إلى عصر بناء القبّة وتلاصق البناء من جهته الغربية وهي مقبرة خاصة بآل السهروردي لا تفتح إلا أيام المناسبات.
وللجامع مدخل رئيس تعلوه كتابات موجودة فوق مدخل القبّة وعلى قاعدتها الحاملة لها مكتوبة بخط الثلث تقول “بسم الله الرحمن الرحيم، ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، جدد هذه العمارة المباركة…. لضريح الشيخ القدوة الرباني قطب الأولياء والعارفين شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي، روض الله مرقده، محمد بن الرشيد.”
ثمة نص آخر على قاعدة القبّة يقول: “بسم الله الرحمن الرحيم، فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الله الأرض بعد موتها، إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير، أمر بتجديده بعد دثوره”،…… واندرست عبارة “محمد بن الرشيد سنة 735”.

الجامع من الداخل
يُرى من الداخل وعلى ارتفاع ستة أمتار صف من الانحناءات تدور حول الجدران الأربعة يبلغ عددها اثنتي عشرة انحناءة، في كل جدار ثلاث انحناءات؛ الوسطى متوَّجة بعقد مفصص ومحمول على عمودين مندمجين من الجص، أما الأخريان المحيطتان بها فهما متوَّجتان بعقدين مدبَّبين.
يعلو صف الانحناءات هذه نص قرآني يلفّ حول جدران القاعدة الأربعة وبموازاة الانحناءات.
تلي النص القرآني انحناءات منطقة انتقال القبّة، في الصف الأول تجد في كل زاوية انحناءة عميقة، وبين زاوية وأخرى انحناءة كبيرة مسطحة يليها صف آخر من الانحناءات، واحدة في كل زاوية ترتكز على سابقتها وبين كل انحناءة زاوية والثلاث التي تليها، جُعلت الوسطى نافذة. يلي هذا الصف شكل نجمي ذو ستة عشر رأساً حيث تقوم بعده القبّة القريبة الشكل من نصف كرة تتوسط باطنها دائرة قسمت إلى مناطق تتضمن الآية القرآنية نفسها.

الجامع من الخارج
إن تخطيط القبّة من الخارج مربع تقريباً أبعاده تتراوح بين 20،7 -50،7 متر وارتفاعها نحو 70،7 متر، وما تزال بعض الزخارف موجودة أعلى جدران المدخل الرئيس، وهي عبارة عن انحناءات مُلئت بزخارف هندسية وخطوط متكسرة تتألف من أشكال زخرفية، كما أن هنالك زخارف نباتية عملت بواسطة الحفر في الآجر، يعلوها شريط كتابي عرضه 65 سنتمتراً والنص معمول بالآجر على أرضية من الزخارف النباتية الدقيقة الصنع.
تنتصب القبّة المخروطية المقرنصة على القاعدة، وهي تتألف من عشرة صفوف، الصفوف الستة الأولى تتألف من ست عشرة انحناءة محدّبة من الخارج، وبين كل انحناءة وأخرى نصف منشور رباعي، كما يفصل بين كل صف وآخر صف من المنشورات الرباعية.
تلي الصف السابع ثماني انحناءات، وهي أشبه ما تكون بمنطقة انتقال من الشكل ذي الستة عشر رأساً إلى الثمانية رؤوس في الصفوف الثلاثة الأخيرة، ثم لتنتهي في القبة المضلَّعة.
يضيف الشيخ قصي: قبّة السهروردي واحدة من أهم القباب في تلك الفترة السلجوقية، وقد حدث فيها ميل نحو الجنوب الشرقي بسبب طبيعة التكوينات الأرضية واتجاه الريح التي تهب من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي، وهو أمر يحصل في كثير من المآذن والقباب المماثلة.
وهذ القبّة المخروطية يوجد ما يشابهها في بغداد كضريح الست زبيدة ومرقد ذي الكفل في بابل وقبّة الحسن البصري في البصرة.
يكمل الشيخ قصي: تحيط بالجامع المقبرة الوردية، وهذه المقبرة تجمع رفات كثير من الذين توفاهم الله ومن دفن فيها من أكابر العلماء والأدباء، وأبرز المدفونين في هذه المقبرة، من المعروفين في القرن العشرين، الأستاذ حقي الشبلي عميد المسرح العراقي.
يتابع الشيخ حديثه بالقول: للجامع أهمية دينية وأخرى سياحية, وتأتي أهميته الدينية من الزوار الذي يفدون من كل بقاع العالم، ولاسيما من باكستان وإيران والهند وأفغانستان، وحتى من دول أوروبا لزيارة مرقد العارف بالله الشيخ عمر السهروردي, وأهمية سياحية تتجلى في القيمة التاريخية لهذا المَعلم التاريخي والحضاري ووجود القبّة المخروطية التي يبلغ عمرها أكثر من 690 سنة.
يضيف الشيخ قصي: في بدايات بناء الجامع كانت تقام فيه صلاة الجمعة والعيدين فقط بسبب عدم وجود مناطق مسكونة قربه, وعندما أصبحت المنطقة آهلة بالسكان بدأت تقام فيه الصلوات الخمس وإحياء ليالي رمضان، وكان هذا الجامع مأوى الفقراء وإطعام المساكين ودار استراحة لقربه من باب الظفرية.
يُردف الشيخ قائلاً: كان للجامع في زمن العثمانيين جدول فتحه والي بغداد “حسين باشا” لإيصال الماء إلى هذه المنطقة من نهر دجلة مروراً بمنطقة الميدان ومن ثم منطقة الفضل وبعدها منطقة الجوبة حتى يصل إلى الجامع.
توالى على خدمة الجامع كثيرون من عائلة السهروردي كان آخرهم الشيخ كمال الدين السهروردي المتوفى سنة 1979م، وكان أبرز المتولين في العهد العثماني هو الشيخ عبد الرحمن السهروردي، وكان شيخاً محترماً من الجميع، وكانت الحكومة العثمانية تلجأ إليه لحل النزاعات العشائرية وكذلك السفر إلى الدول لنشر ثقافة العلماء العراقيين في مجال الشريعة.
سلَّم الشيخ كمال السهروردي الجامع بمقتنياته والوقفيات المتمثلة بأغلب المحال الموجودة في المنطقة إلى وزارة الأوقاف آنذاك، وانتهت مهمة المتولي وتسلمت الأوقاف إدارة الجامع واعتُمد نظامٌ رسمي لتعيين الأئمة والخطباء والقرّاء والخدم لإدارة هذا الجامع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى