الوحي والتجربة الدينيَّة من وجهة نظر المستشرقين
الوحي والتجربة الدينية من وجهة نظر المستشرقين
د. محمد جواد إسكندرلو
ملخّص
يتطرّق الباحث في هذه الدراسة إلى مقولة المستشرقين فيما يتعلّق بمصدر القرآن وأنّه غير إلهي، وأنّه ليس بوحي ولا معجزة بل هو نتاج بشريّ، ومحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي ألّفه واعتقد أنّه وحي منزل من قبل الله. وهو مايتنافى مع قواعد ومنهجيّة التحقيق والبحث العلمي؛ كونها في الغالب تستند، بل وتبنى على خلفيّات فكريّة وفلسفيّة ماديّة وغربيّة، لم يتّفق أهلها على حقّانيّتها. هذا بالإضافة إلى ما ذهب إليه أغلب المستشرقين والعلماء الغربيّين من تبديل للوحي الرسالي بالتجربة الدينيّة البشريّة، وأنّه من فكر محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ما يناقشه هذا البحث، إذ يعرض في تقسيمات ستّة آراء المستشرقين ويفنّدها وينقدها، كما يتناول بالبحث والمناقشة قضيّة التجربة الدينيّة لناحية مفهوم وأرضيّة ظهور التجربة الدينيّة، وأنواعها، ونسبة الوحي الرسالي والتجربة الدينيّة.
المحرِّر
المقدّمة
تعدّ مسألة وحيانيّة القرآن الكريم من القضايا المهمّة والأساسيّة التي وجّه المستشرقون انتقاداتهم وإشكالاتهم بها على الإسلام، ولهذا فهم يروّجون مقولة أنّ القرآن ليس بوحي أو معجزة، بل هو من صناعة البشر، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي ألّفه وادّعى أنّه وحي من الله سبحانه وتعالى، ولهذا السبب يعتقد أغلب المستشرقين بأنّ مصادر القرآن غير إلهيّة، وأنّ النبيّ أخذ قسمًا من المعارف القرآنيّة من بيئة الجزيرة العربيّة، وأخذ القسم الآخر عن اليهود والمسيحيّين، إضافة إلى أخذه قسمًا ثالثًا عن عقائد وأعراف وتقاليد بعض الأمم[2].
وإلى جانب افتراءات المستشرقين وعدم موضوعيّتهم العلميّة في قضيّة مصدر القرآن، سعى أغلب المستشرقين والعلماء الغربيّين إلى أن يبدلوا الوحي الرسالي بالتجربة الدينيّة البشرية، ويظهروا بأنّ القرآن كتاب غير إلهي ونتاج فكر النبيّ، وبجهود متواصلة يسعون إلى توجيه اتّهامات غير علميّة وغير معقولة ومتعصّبة إلى القرآن وإلى شخصيّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم).
المبحث الأوّل
مصدر القرآن عند المستشرقين
تبيّن البحوث الكليّة أنّ المستشرقين يعتقدون أنّ النبيّ أخذ جميع المعارف القرآنيّة من مصدرين: أحدهما، محيطه الجغرافي والحياة الاجتماعيّة والدينيّة والثقافيّة للجزيرة العربيّة، والجزء الآخر أخذه من اليهود والمسيحيين وعقائد وتقاليد الشعوب الأخرى. ومن هنا قسّموا مصادر القرآن إلى مصدرين وعاملين أساسيين، وهما: المصادر الداخليّة والمصادر الخارجيّة[3]. وقد طرح المستشرقون والمروّجون للاستشراق نظريّات عدّة في مجال تعيين الآيات القرآنيّة، واستند كلّ واحد منهم إلى واحدة من النظريّات الآتية في آرائه، وجعلها أساسًا لكلامه وأفكاره حول الوحي والقرآن. وتتلخّص[4] آراؤهم في مصدر القرآن في الموارد الستّة الآتية:
وحيانيّة القرآن
أنّه الهي غير وحياني
نظريّة النبوغ
اقتباس القرآن من التوراة والكتب القديمة
أنّه متأثّر بثقافة عصره
وبما أنّ موضوع هذه الدراسة (الوحي والتجربة الدينيّة من وجهة نظر المستشرقين) فإنّنا نبحث بداية آراءهم في هذه الموارد الستّة، ومن ثمّ نتطرّق إلى قضيّة التجربة الدينيّة وعلاقتها بالوحي.
أوّلًا: القرآن وحي إلهي: يعتقد البعض من علماء الغرب بأنّ القرآن الكريم مصدره الوحي الإلهي الذي نزل به جبرائيل الأمين على النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن الواضح أنّ هذه الطائفة من العلماء -ومن بعد دراسات مكثّفة- قد تبيّنت لهم الحقائق، فتركوا الديانة اليهوديّة أو المسيحيّة ودخلوا في الإسلام، وكتبوا مؤلّفات عدّة في هذا المجال، ومن بين هؤلاء نذكر المستشرق الفرنسي الدكتور موريس بوكاي، والمستشرق البريطاني جان ديفن بورت، والشهيد الدكتور إدواردو أنييلي.
ثانيًا: القرآن إلهي وغير وحياني: ذهبت جماعة من علماء الديانات الأخرى المتخصّصين بدراسة القرآن، وبناء على ما وجدوا من العلوم والمعارف القرآنيّة الراقية والمتطابقة مع التعاليم الإلهيّة، أنّ هناك نوعًا من الترابط مع الله، وأنّ القرآن بنحو ما تحيطه العناية الإلهيّة؛ ولذلك كان سببًا في نجاة الناس في الجزيرة العربيّة، وسببًا في سعادة المسلمين على طول التاريخ. ولم يصرّح هؤلاء بشكل مباشر بوحيانيّة القرآن ونزول الوحي على النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ لم يعتبر هؤلاء بأنّ القرآن كتاب وحي من الله تعالى، وأنّ الدين الإسلامي آخر دين للبشريّة؛ ولذلك لم يعتنقوا الإسلام وبقوا على معتقداتهم في الدين المسيحي واليهودي، ولكنّهم تطرّقوا في كتاباتهم بإجلال إلى التعاليم والكمالات القرآنيّة التي تسعد الإنسان، والفضائل الأخلاقيّة للنبيّ الأكرم وأصحابه، وإنجازات الإسلام والمسلمين للبشريّة، ودور المسلمين في إقامة أسس الحضارة الجديدة في الغرب، نذكر من بين هؤلاء المستشرق الفرنسي هنري كوربين، والياباني إيزوتوسو، والإسكتلندي توماس كارليل، واللبناني جرجي زيدان.
كما جاء في كتاب «المستشرقون والقرآن» بعض العبارات والاعترافات ضمن عنوان (وجه القرآن الجميل وصدق النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من وجهة نظر علماء الغرب المنصفين).
ثالثًا: نظريّة النبوغ: اضطر بعض المستشرقين من الذين لم يستطيعوا أو لا يريدون فهم أنّ المعارف القرآنيّة والإلهيّة وحي من الله، حينما رأوا سعة المعارف القرآنيّة وشمولها لمختلف الأبعاد؛ من الفلسفة، والعقيدة، والعرفان، والأخلاق، والاقتصاد، والأسرة، والمجتمع، والتربية، والسياسة…وهي ما جاء بها إنسان أمّي لا يقرأ ولا يكتب، إلى طرح نظريّة النبوغ، وقالوا إنّ النبيّ محمّد عبقري كبير، بل أكبر عبقري في تاريخ البشريّة؛ ولهذا استطاع من دون الاستناد إلى وحي سماوي أن يؤسّس ثاني أكبر دين في العالم، ويلبّي جميع متطلّبات أمّته وأتباعه من العقيدة والشريعة والآداب والسنن…
وعند البحث في خلفيّة هؤلاء نجد أنّ البعض منهم وبسبب عدم حصوله على مصادر كافية، وعدم تماسه بشخصيّات علميّة مسلمة علميّة، قد توصّل في أبحاثه إلى هذه النتيجة. ولكن ليس كلّ مدّعيي هذه النظرية هم كذلك، فالبعض منهم ورغم توصّلهم يقينيًّا إلى تفوّق القرآن على جميع الكتب السماويّة الموجودة، والإقرار بإعجاز القرآن في العصر الجاهلي الذي جاء به إنسان أمّي لا يقرأ ولا يكتب، ومع الالتفات إلى بطلان التوراة والإنجيل الحالية، وما تحتويه من الأباطيل وعدم مشروعيّتهما، إلّا أنّهم يصرّون على أحقّية العهدين، وأنّ القرآن غير إلهي، وقد بذلوا كلّ الجهد لإثبات نظريّة النبوغ بالنسبة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّ القرآن بشريّ المنشأ، وتوسّلوا بإلقاء التهم والشبهات[5] حول الدين الإسلامي، ومنها أنّهم أطلقوا عليه:
المحمّديّة: وهي من الخدع التي استخدمها المستشرقون في هذا الصدد، إذ أطلقوا اسم (المحمّديّة بدلًا من الإسلام) وبهذه الطريقة يلقون في الأذهان أنّ منظومة التعاليم الإسلامية لم تكن سوى تعاليم شخصيّة وإفرازات ذهنيّة للنبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبهذه الطريقة يقطعون اتصال الدين بالله والوحي الإلهي[6]. والحال أنّ الدين الإسلامي في جميع اللغات، وفي كتابات المسلمين وغير المسلمين في أنحاء العالم، يسمّى بـ (الإسلام)، ولم يستعمل أحد من المؤلّفين المسلمين اسم (المحمّديّة أو الاتجاه المحمّدي). ويرجّح هاملتون جب، وهو من المستشرقين الذي استخدموا كلمة (mohammad ianism) بدلًا من الإسلام، يرجّح استعمال هذه الكلمة، فيقول: (الحقيقة أنّ الإسلام يقوم على فكرة الخلافة والوراثة المتعلّقة بالحواريين والبابا التي تبلغ ذروتها في النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)).
ومن هذه الطائفة المستشرق الفرنسي هوبرت كريمه[7]، وعلى أساس هذا الإلقاء نسبوا الاتّهامات إلى النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبلغت هذه الاتهامات إلى حدّ أنّ الکاتب المسيحي إدوارد سعيد أشار في كتابه الاستشراق إلى هذا بقوله: (لقّبوا الإسلام بالدين المحمّدي أو الاتجاه المحمّدي، ولقّبوا النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بالمخادع).[8]
وأوضح المستشرق الفرنسي موريس بوكايوهو، مستشرق وطبيب، وقد اعتنق الإسلام من بعد أبحاث كثيرة قام بها حول الإسلام ودراسة الآيات الكريمة للقرآن، أوضح أحقّية الإسلام، وأشار إلى السرّ في تبديل اسم (الإسلام) إلى (محمّديّون) بقوله: (لم يكن لديّ حافز في فترة الشباب للبحث حول الإسلام؛ لأنّه في الغرب يستخدمون مصطلح (محمّديّون) بدلًا من (الإسلام) وأشاعوا بأنّ الدين الإسلامي نتاج الإنسان، وليس دينًا يستحق التحقيق، ولكن بعدما تعرّفت على القرآن…. أدركت أنّ هذا الكتاب لم يكن حاصل فكر إنسان، بل هو وحيٌ إلهي).
نظريّة النبوغ من وجهة نظر العلامة الطباطبائي (ره)
يرى العلامة الطباطبائي (ره) في منشأ نظريّة النبوغ أنّ أكثر الكتّاب الذين بحثوا في الأديان والمذاهب، قد استندوا في مقولاتهم إلى أنّ نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)كان نابغة عارفًا بالأوضاع الاجتماعيّة، وسعى إلى خلاص البشريّة من مهوى الوحشيّة والانحطاط الخلقي، ورفعها إلى أوج المدنيّة والحريّة، فدعا الناس إلى اعتناق آرائه الطاهرة، التي تجلّت بشكل دين جامع كامل. فكان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) -بحسب قولهم- يحمل روحًا نزيهة وهمّة عالية، وقد عاش في بيئة يسودها الظلام وتتحكّم فيها القوّة والأراجيف والهرج الاجتماعي، وتتّسم بحبّ الذات والسيطرة غير المشروعة على الأموال، وتتجلّى فيها كلّ مظاهر الوحشيّة المقيتة. ولهذا كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأوي إلى غار في أحد جبال تهامة، فيبقى فيه أيّامًا يخلو إلى نفسه، وكان يتوجّه بكلّ حواسه إلى السماء والأرض والجبال والبحار والأودية والآجام وما وضعته الطبيعة تحت تصرّف البشريّة من سائر النعم، وكان يأسف على الإنسان المنهمك في الغفلة والجهل، الذي قد أبدل حياته السعيدة الهانئة بحياة نكدة تضاهي حياة الحيوانات الوحشيّة. واستمرّ تألّم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأذّيه من تلك المفاسد والآثام الاجتماعيّة…، فلما بلغ الأربعين من عمره وفّق-بنظرهم- إلى كشف طريق للإصلاح يمكن بواسطته إبدال تلك الحياة الفاسدة بحياة سعيدة، فيها كلّ معاني الخير، وذلك الطريق هو «الإسلام»[9].
وبعد ذلك يذكر المرحوم العلامة الطباطبائي (ره) تبرير هؤلاء لكلامهم بقولهم: كان النبيّ يفرض أنّ أفكاره الطاهرة هي كلام إلهي ووحي سماوي يلقيها الله تعالى في روعه ويتكلّم بها معه. كما كان يفرض روحه الخيّرة التي تترشّح منها هذه الأفكار لتستقرّ في قلبه، هي «الروح الأمين» و «جبرائيل» والملك الذي ينزل الوحي بواسطته. وسمّى النبيّ بشكل عام القوى التي تسوق إلى الخير وتدلّ على السعادة بـ «الملائكة»، كما سمّى القوى التي تسوق إلى الشرّ بـ «الشياطين» و «الجن»، وقد سمّى أيضًا واجبه الذي أملاه عليه وجدانه بـ «النبوّة» و «الرسالة».
وخلاصة القول «النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يفترض أنّ هذه الافكار النظيفة الموجودة عنده كلام ووحي إلهي يتكلّم بها عن طريق روحه النظيفة وذهنه النظيف الذي تفرز منه هذه الأفكار وتستقرّ في القلب، روح الأمين، وجبرائيل يقال له ملك الوحي، وبصورة عامّة القوى الموجودة في عالم الطبيعة التي تدعو إلى الخير والسعادة هي الملائكة، والقوى التي تدعو إلى الشرّ والبؤس فهي الشياطين والجن، والعمل الذي يدعون إليه بمقتضى الوجدان للثورة، يقال له النبوّة والرسالة»[10].
وقد أورد العلماء والباحثون مناقشات عدّة وآراء ناقدة على نظريّة البلوغ، نستعرض جانباً منها:
- أنّه لم يقدّم المستشرقون دليلًا خاصًّا على إنكار النبوّة واستحالة نزول القرآن، فمن جهة هم يؤيّدون نزول الوحي على الأنبياء الماضين كالنبيّ موسى(عليه السلام) والنبيّ عيسى(عليه السلام)، فكيف ينكرون نزول الوحي على النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)[11]؟
- إنّ صدق النبيّ وأمانته كانت من صفاته الأخلاقيّة الواضحة جدًّا، حتّى إنّ مشركي قريش لقّبوه بـ (محمّد الأمين والصادق الأمين)، فإنّ صدقه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمانته كانتا واضحتين لدرجة أنّ يوسف الحدّاد الكاتب المسيحي المتعصّب الذي ألّف كتاب (القرآن والكتاب) تفنيدًا لنبوّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، يصرّح في كتابه باعتراف كبار قريش بصدق النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
- إنّ القدرات ومستوى الفهم الحاصل عن عبقريّة الجنس البشري يمكن منافستها من قبل سائر البشر أنفسهم، ولكنّ الآيات التي تلاها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي امتازت بتفوّق إعجازي، ضعف عن منافستها المعاصرون لها من العلماء وكلّ عباقرة التاريخ. ولهذا كان تحدي الله سبحانه وتعالى للآخرين ودعوتهم لمنافسة القرآن، هو لإثبات ارتباط القرآن بالله.
رابعًا: اقتباس القرآن من التوراة والكتب السماويّة الماضية
طرح جمع كبير من المستشرقين وتبنّى فكرة اقتباس الآيات القرآنيّة من التوراة والإنجيل والكتب السماويّة الأخرى، وبذلوا جهودًا كثيرة ومتنوّعة لإثبات هذه النظريّة، فكتبوا المئات من الكتب والمقالات. ومن هؤلاء الكاتب والمحقّق المسيحي اللبناني (يوسف درّة الحدّاد) الذي وقف 20 عامًا من عمره في البحث عن الشواهد من المتون القرآنيّة؛ لإثبات هذه النظريّة، وكتب في ذلك ثمانية كتب[12].
وفيما يلي نستعرض بعض هذه الآراء وأدلّتها ونقدها:
- يقول (اليهودي برنارد لويس bernardlewis): (من الواضح أنّ نبيّ الإسلام كان متأثّرًا بعقائد اليهود والمسيح والأفكار التوحيديّة، وما طرح في القرآن شاهدًا على ذلك. إضافة إلى ذلك، فإنّ القرآن نقل قصصًا موجودة في التوراة والإنجيل، وبالطبع فإنّ نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) تعلّم هذه القصص بصورة غير مباشرة من التجّار والمسافرين الذين تعلّموا هذه القصص من اليهود[13]).
- وكتب أستاذ اللغة العربيّة بجامعة أدينبرج: (مونتجمري وات Montgomery watt): (إنّ النبيّ محمّد يعرف التعاليم اليهوديّة جيّدًا، واستفاد من تعاليم الإنجيل، ولكنّه حاول أن يضع أكثر تعاليمه مشابهة لليهوديّة[14]). ويقول في مكان آخر: “كان النبيّ أمّيًا ولم يتعلّم من الكتب المسيحيّة واليهوديّة بصورة رسميّة، ولكن ليس ببعيد أن تكون علوم هذه الكتب وصلت إليه بصورة شفاهيّة، لأنّه كان على علاقة مع بعض المسيحيّين واليهود، وكان لديه حوار ونقاش معهم[15]“.
- ويقول المستشرق والباحث في الدين الإسلامي (لوت Loot) الذي ذهب إلى القول بأنّ الحروف المقطّعة مقتبسة من يهود المدينة، إذ قال: (يبدو أنّ النبيّ في تصميم الحروف المقطّعة مدين إلى يهود المدينة، لأنّه حينما هاجر إلى المدينة تعلّم منهم واستعملها في السور المدنيّة[16]).
- ويقول (ريتشارد بل Richard bell) المستشرق والباحث الإسلامي وأستاذ اللغة العربيّة في جامعة أدينبرج ومؤلّف كتاب (مقدّمة القرآن): “اتكأ القرآن في باب القصص على العهد القديم، فبعض قصص العقاب كقصص عاد وثمود مستمدّة من مصادر عربيّة، ولكنّ الجانب الأكبر من المادّة التي استعملها محمّد ليفسّر تعاليمه ويدعمها، قد استمدّها من مصادر يهوديّة ونصرانيّة، واستفاد من فرصة وجوده في المدينة للتعرّف على ما في العهد القديم، أفضل من وضعه السابق في مكّة، حيث كان على اتصال بالجاليات اليهوديّة في المدينة، وعن طريقها حصل على قسط غير قليل من المعرفة بكتب موسى على الأقل(عليه السلام)”.
- ينكر (رودي بارت rudi paret) المستشرق والباحث الألماني في الشؤون الإسلاميّة ومترجم القرآن، ومؤلّف كتاب (الدراسات العربيّة والإسلاميّة في الجامعات الألمانيّة) هذا النوع من التأثّر، ويعتبره ادّعاء باطلًا، ولكنّه حاول طرح قضيّة تأثّر النبيّ بالقصص المتعلّقة بالمسيحيّة بنحو آخر، إذ اعتبر أنّ نبيّ الإسلام قد (أعطى معلومات خاطئة عن عقائد المسيح وتاريخه، يرفضها الدين المسيحي مثل إنكار صلب النبيّ عيسى(عليه السلام)، وأنّ نظريّة التثليث النصرانيّة لا تعني الأب والابن وروح القدس، وإنما تعني الله وعيسى ومريم..، وأنّ المعلومات التي وردت في القرآن عن النصرانيّة وعن المسيح وأمه كانت المعلومات الشائعة آنذاك إما خاطئة أو محدودة..[17])).
- يقول بلاشيرblachere[18]: “التشابه الموجود في القصص القرآنيّة مع القصص اليهوديّة والمسيحيّة يقوّي نظريّة أنّ القرآن كتاب بشري ومتأثّر بعوامل خارجيّة، وعلى الخصوص في السور المكيّة التي يبدو تأثّرها بالمعارف المسيحيّة واضحًا جدًّا”.
- وحاول (سيدرسكي siderskey) في كتابه (أصل الأساطير الإسلاميّة في القرآن وفي سيرة الأنبياء) أن يرجع القصص القرآني إلى المصادر اليهوديّة والمسيحيّة، وتناول قصة خلق آدم ونزوله من الجنّة، وقصّة إبراهيم والتلمود، وقصّة يوسف، وقصّة موسى، وقصّة عيسى، وقصص داود وسليمان، وحاول إرجاع كلّ آية قرآنيّة تناولت إحدى هذه القصص إلى كتاب “الأغاداه aggadah” العبري والأناجيل المسيحيّة المختلفة[19].
- ويقول (جولد تسيهرgoldziher): إنّ المواضيع التي تكلّم بها القرآن حول أوضاع القيامة وأهوالها، وبشّر النبيّ العربي بها، لم تكن إلّا مزيجًا منتخبًا من معارف وآراء دينيّة عرفها بفضل اتصاله بالعناصر اليهوديّة والمسيحيّة التي تأثرّ بها تأثّرًا عميقًا، والتي رآها جديرة بأن توقظ في بني وطنه عاطفة دينيّة صادقة، وهذه العناصر التي أخذها عن العناصر الأجنبيّة كانت في وجدانه ضروريّة؛ لإقرار لون من الحياة التي يريدها الله، ولقد تأثّر بهذه الأفكار تأثرًا عميقًا، وأدركها بإيحاء التأثيرات الخارجيّة، فصارت عقيدة انطوى عليها قلبه، كما صار يعتبر هذه التعاليم وحيًا إلهيًّا[20].
- يقول (ثيودور نولدكه T. noldeke) في كتابه “تاريخ القرآن” الذي يعتبر أنّ للقرآن مصادر أجنبيّة: “إنّ النبيّ في نقله القصص القرآنيّة قد تأثّر بالمعارف المسيحيّة واليهوديّة وانتقلت إلى العرب بطريق شفهي[21]» وحسب عقيدة نولدكه أنّ الوحي ناشئ عن الانفعالات والتأثيرات الشديدة التي سيطرت على النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو في بيان منشأ وأرضيّة ظهور القرآن الكريم يوعز ذلك إلى أسباب مثل بيئة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ودور أهل الكتاب وخاصّة اليهود[22].
ووفقًا لآراء مجموعة من المستشرقين الذين يقولون بأنّ النبيّ أخذ المعارف القرآنيّة بطريقة شفهيّة من الديانات الأخرى[23] وقد استفاد من أشخاص عدّة، وهم ( ورقة بن نوفل) (عم خديجة) فقالوا إنّ النبيّ كان يعيش معه قبل بخمسة عشر سنة، وتلقّى عنه تلك المعارف. الثاني (الراهب بحيرا) وباعتقاد بعض المستشرقين أنّ النبيّ كان يلتقي به، وقد تأثّر به في سفره، وفي النتيجة يعتبرون منشأ المعارف القرآنيّة التي جاء بها النبيّ، بعضها من يهود ومسيحيي مكّة[24].
يقول آية الله معرفت (ره) في كتاب شبهات وردود حول القرآن: «وعلی هذا الغرار جری کلّ من «تسدال»و «ماسیه» و «أندریه» و «لامنز» و «جولد تسیهر» و «نولدکه»… إذ اعتبروا أنّ القرآن استفاد کثيرًا من زبر الأوّلين، وحجّتهم في ذلك محض التشابه بين تعاليم القرآن وسائر الصحف. فالقصص والحکم في القرآن هي التي جاءت في کتب اليهود، وکذلك بعض القضايا التي جاءت في الأناجيل وحتّی في تعاليم زرادشت والبرهميّة، من مثل حديث المعراج ونعيم الآخرة والجحيم والصراط والافتتاح بالبسملة والصلوات الخمس وأمثالها من طقوس عباديّة، وکذلك مسألة شهادة کلّ نبيّ بالآتي بعده، کلّها مأخوذة من کتب سالفة کانت معهودة لدی العرب، زعموا أنّ القرآن صورة تلموديّة وصلت إلی نبيّ الإسلام عن طريق علماء اليهود وسائر أهل الکتاب ممّن کانت لهم صلة قريبة بجزيرة العرب، فکان محمّد صلّی اللّه عليه وآله يلتقي بهم قبل أن یعلن نبوّته، ویأخذ منهم الکثیر من أصول الشریعة[25]».
ويستطرد في بحثه ناقلًا كلام ول ديورانت يكتب: «یقول «ول دیورانت»: وجدیر بالذکر أنّ الشریعة الإسلامیّة لها شبه بشریعة الیهود، القرآن من جهة يمدح الدين اليهودي ومن جهة أخرى يذمّه، ولكن في مجال المفاهيم كالتوحید والنبوّة والإیمان والإنابة ويوم الحساب والجنّة والنار، زاعمًا أنّها من تأثیر الیهودیّة علی دین الإسلام[26]».
خامسًا: ثقافة العصر ومصدر القرآن
يحاول بعض المستشرقين أن يعرّف مصادر الآيات القرآنيّة بأنّها نابعة من ثقافة ومعتقدات وعادات وتقاليد وأديان مجتمع الجزيرة العربية المعاصرة لنبيّ الإسلام. ويدّعي هؤلاء بأنّ النبيّ استطاع بذكائه أن يجمع العقائد المتبقّية من الأديان المختلفة التوحيديّة والإلحاديّة، والعلوم الموجودة عند القسّيسين المسيحيين وأحبار اليهود والتعاليم التوحيديّة للدين الحنيف وسنن الجاهليّة والقوانين السائدة عند العرب، مثل البيع والمضاربة والمساقاة وقوانين حقوق العائلة، مثل الظهار والإرث والعقد والطلاق، التي تعلّمها في طوال حياته، وبذكائه أدخل عليها بعض التغييرات، ثمّ طرحها للناس بأنّها دين الإسلام[27].
ويعتقد البعض الآخر أنّ في القرآن كثيرًا من تعابير تُوائِم أعراف العرب يومذاك، ممّا ينبو عنها أعرافٌ متحضّرة اليوم، وأخذوا مِن وصفِ نعيم الآخرة والحُور والقصور ممّا يلتئم وعِيشَة العرب القاحلة حينذاك، شاهدًا على ذلك، وكذا الإشارة إلى أُمورٍ خُرافَةٍ كانت تعتنقها العرب ولا واقع لها اليوم[28].
يقول المرحوم آية الله معرفت (ره): ودليلهم الأساس أنّ التكلّم بلسانِ قومٍ لَا يستدعي الاعتراف بما تحمله الكلمات من معان عندهم لاحَظُوها عند الوضع، فلا بدّ أنّها مَلحوظةٌ أيضًا لدى الاستعمال؛ لأنّ الألفاظ والكلمات المستعملة لكلّ شعب تحمل ثقافة المجتمع، واستعمالها من أيّ شخص لا يعني القبول بالثقافة الحاكمة على ذلك المجتمع. وفي جواب إجمالي يقول: إنّ المفردات المستعملة في كلّ لغة فقط تستعمل لذكر الاسم والعنوان للمفاهيم التي تتداول بين المخاطب والمتكلّم، ولم تكن كاشفة عن دوافع الواضع لأصل اللغة، فإنّ هذه الدواعي كانت ملحوظةً لدى الوضع ولا تُلحظ حين الاستعمال، وربّما كان مستعملو اللفظة في ذُهولٍ عن الأسباب الداعية للأوضاع الخاصّة الأَوّليّة[29].
المبحث الثاني
يوسف درّة الحدّاد ومصدر القرآن
يعتبر كتاب (القرآن والكتاب) تأليف يوسف درّة الحدّاد، الكاتب اللبناني المعاصر، من الأعمال التي بُذلت فيها جهود كبيرة لإثبات أنّ القرآن مقتبس من التوراة والإنجيل، وعدم وحيانيّة القرآن،. .فهو في مقدّمة كتابه يحاول إثبات اقتباس القرآن من التوراة، بل وذهب إلى أبعد من ذلك، إذ قال: إنّ القرآن نوع من الانعكاس وترجمة عربيّة للتوراة، والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أدخل تغييرات وإضافات فيه، وعلى هذا يعدّ القرآن امتدادًا للتوراة، والدين الإسلامي فرعًا من الدين اليهودي والمسيحي. وفي الفصل الحادي عشر من كتابه (القرآن والكتاب) ذكر اثنتي عشرة طائفة من الآيات لإثبات اقتباس القرآن من التوراة. وتجنّبًا للإطالة نشير إلى بعضها باختصار مع الإجابة عليها.
ـ الآيات التي تدلّ على أنّ جميع المعارف القرآنيّة كانت موجودة في الكتب القديمة، مثل آيات (18 و 19 من سورة الأعلى و 36 و 37 من سورة النجم).
ـ الآيات التي تدلّ على أنّ عند أهل الكتاب كتب فيها نفس المعارف القرآنيّة كانوا يدرسونها واستفاد منها المشركون. (القلم/ 36 و 37).
ـ الآيات التي تنفي الإفك والسحر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن لا تنفي تعلّم النبيّ عند أهل الكتاب (سبأ/ 43 إلى 47).
ـ الطائفة الخامسة: القرآن هو مصدّق ومفسّر لآيات التوراة فقط. (البقرة/ 41 والأنعام/ 92 ويونس/ 37 والأحقاف/ 12).
ـ إنّ الله سبحانه وتعالى أمر النبيّ في القرآن أن يقتدي بعلماء اليهود ويقبل نصيحتهم. (الأنعام/ 89 و 90).
ـ صرّح القرآن أنّ الشريعة الإسلاميّة ما هي إلا هي شريعة موسى والأنبياء الماضين. (الشورى/ 13)[30].
ـ القرآن يوصي المسلمين أن يؤمنوا بالكتب السماويّة الماضية. (البقرة/ 136).
مناقشة الشبهات
نعتقد نحن المسلمين في الشرائع الإلهیّة أجمع، أنّها منحدرة عن أصل واحد، ومنبعه من منهل عذب فارد، تهدف جميعًا إلی کلمة التوحيد وتوحید الکلمة، والإخلاص في العمل الصالح، والتحلّي بمکارم الأخلاق، من غير اختلاف في الجذور ولا في الفروع المتصاعدة. (الشورى/ 13)، إذًا، فالدين واحد، والشریعة واحدة، والأحکام والتکالیف تهدف إلی غرض واحد وهو کمال الإنسان.(آل عمران/ 19) يعني أنّ الدین کلّه -من آدم إلی الخاتم- هو الإسلام، أي التسلیم للّه والإخلاص في عبادته محضًا.. وهكذا تأدّب المسلمون بالإیمان بجمیع الأنبیاء (البقرة/ 136) وهذا منطق القرآن یدعو إلی کلمة التوحید وتوحید الکلمة، وأن لا تفرقة بین الأدیان ما دام التسلیم للّه ربّ العالمین، وبذلك یکون الاهتداء والاتحاد، وفي غیره الضلال والشقاق. (البقرة/ 137) وهذا ردّ وتشنیع بشأن الیهود والنصاری، أولئك الذین یدعون إلی الحیاد والانحیاز (البقرة/ 135) والقرآن یردّ علیهم جمیعًا، ویدعو إلی الالتفاف حول الحنیفیّة الإبراهیمیّة: قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِیمَ حَنِیفًا. (البقرة/ 138).
وبعد، فإنّ ائتلاف الأدیان السماویّة واتّحاد کلمتها لا بدّ أن یکون عن سبب معقول، وهذا یحتمل أحد الوجوه الثلاثة:
أ. وجود رغبة مشتركة.
ب. البعض مأخوذ من البعض الآخر.
ت. تشابههم ليس عن طريق المصادفة، ولم يكن هناك دليل واضح.
ولا شك أنّ الأخير مرفوض بعد مضادّة المصادفة مع الحکمة في عالم التدبير. وأمّا بالنسبة للوجهين الأوّل والثاني فمن البدهي أن نسأل المستشرقين لماذا تغافلتم عن الوجه الأول، ورجّحتم العمل بالوجه الثاني؟ وما هو المرجّح عندكم؟ أليس الترجيح مرجّح باطل عند العقلاء؟. وحتّى لا نقع فيما وقعتم به، إنّ ترجيح الخيار الأوّل هو الراجح بالاستناد إلى عدّة أدلّة وقرائن، وهي:
- صراحة القرآن نفسه بأنّه موحی إلی نبيّ الإسلام وحيًا مباشرًا نزل علیه لیکون للعالمین نذیرًا، فکیف الاستشهاد بالقرآن لإثبات خلافه؟ إنّ هذا إلّا تناقض في الفهم واجتهاد في مقابل النصّ الصریح.
- قدّم القرآن معارف عالية إلی البشریّة، بحثًا وراء فلسفة الوجود ومعرفة الإنسان ذاته، لم يکد يدانیها أیّة فکرة عن الحیاة، کانت البشریّة قد وصلت إلیها لحدّ ذاك العهد، فکیف بالهزائل الممسوخة التي شحنت بها کتب العهدین؟.
- عرض القرآن تعاليم راقية لا تتجانس مع ضآلة الأساطیر المسطّرة في کتب العهدین، وهل یکون ذاك الرفیع مستقی من هذا الوضیع؟!، وقد قارن المرحوم آية الله معرفت (ره) بعض المعارف والتعاليم القرآنيّة التي هي في قمّة العظمة مع ما ورد في المتون الأخرى أو مع أفكار بشريّة قاصرة حصل عليها الإنسان لتكون دليلًا قاطعًا على هذه الحقيقة، وهي أنّ هذه المضامين الضيّقة لم تكن مستندًا لهذا الكتاب العظيم[31].
- ليس هناك دليل يثبت أنّ الكتب السماويّة السابقة تمّ ترجمتها إلى اللغة العربيّة وتمّ تداولها في الجزيرة العربيّة، بل يذهب أكثر المؤرّخين إلى أنّ ترجمة هذه الكتب كانت بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدّة سنين، يعني في أواسط خلافة بني أميّة[32].
- لم يذكر المؤرّخون بأنّ هناك قبيلة يهوديّة تسكن مكّة المكرمة، حتّى اليهود الساكنون في المدينة المنورة لم يتم الاعتراف بيهوديّتهم من قبل اليهود؛ لأنّ أفكارهم لا تطابق اليهوديّة، ولا أحكامهم تطابق التلمود. وبالنتيجة عندما يكون العرب اليهود قبل الإسلام لا يملكون معرفة كافية من المعارف والشريعة اليهوديّة، ولم يعملوا بهذه المعارف، فكيف يمكن أن تكون القصص والمعارف القرآنية قد تأثّرت بها[33]؟.
- إذا كان الوحي من نتاج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لماذا لم يدّعي الوحي في المجالات التي تخدم مصلحته[34]؟.
- لقد ذكر القرآن أخبارًا كثيرة تتعلّق بالمستقبل، وكلّها تحقّقت على أرض الواقع، على سبيل المثال أخبر بانتصار الروم وهزيمة المشركين أو أخبر بهزيمة المشركين في السنة الثانية من الهجرة في معركة بدر. فإذا كان القرآن من صناعة البشر فكيف يمكن أن يتّصل بالوحي وعن أيّ طريق كان له ذلك؟.
- إذا ثبت أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في طفولته التقى بقسّيس، فهذا لا يثبت بأنّ القسّيس قد علّم للنبي الكتاب المقدّس أو علّمه بعض التعاليم الدينيّة. ولم يرد في كتب التاريخ ذكر الراهب المسيحي (بحيرا) سوى ما ورد في كتب السيرة. كما أنّ الذين أرّخوا سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يذكروا لقاء آخر بين النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وبحيرا سوى هذا اللقاء الذي لم يستغرق إلا بضع دقائق أو عدّة ساعات، فكم تعلّم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا اللقاء السريع والمختصر من الدين والمعارف المسيحيّة؟ ومع الأخذ بعين الاعتبار صغر سن النبيّ في تلك الفترة، فكم يمكنه أن يتعلّم دين وعقائد المسيح وبعد مرور ثلاثين سنة يجعلها دينًا جديدًا ويبلغها للناس؟ إضافة إلى ذلك، فإنّ عمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)كان حاضرًا في هذا اللقاء، فلماذا لم ينقل لأحد عن تعلّم النبيّ من بحيرا[35]؟
- إنّ ورقة بن نوفل قبل الإسلام كان يعتنق الدين المسيحي، وبعدما ظهر الإسلام اعتنق الإسلام وأثنى على النبيّ. وألّف أبو الحسن برهان الدين البقاعي كتابًا حول اعتناق ورقة للإسلام، وذكر فيه أحاديث عن النبيّ بشأن اعتناق ورقة بن نوفل للإسلام، ويبدو أنّه توفّي بعد ذلك ببضع سنين. الجدير بالذكر أنّ لقاءات النبيّ بورقة التي ذكرت في التاريخ لم تتجاوز الثلاث أو أربع مرّات، ولم يذكر في أي من هذه اللقاءات أنّ النبيّ استفاد علمًا ما من ورقة[36]. وإنّ الشيء البسيط الذي دلّت عليه الأدلّة التاريخيّة أنّ ورقة شهد بنبوّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبنزول الوحي عليه.
- إذا كان القرآن الكريم يعرّف التوراة والإنجيل والزبور وعلماءهم كشاهد على أحقيّة القرآن، فهذا لكونهم يدركون أحقّية المعارف القرآنيّة أفضل من المشركين. وبالإضافة إلى ذلك إنّ التوراة والإنجيل والزبور بشّرت بنبوّة خاتم الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا ندري ما هو الترابط بين الإقرار والتعليم[37].
- نظريّة اختلاف مواقف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في المراحل الخمس من حياته الشريفة في مكّة والمدينة من أهل الكتاب؛ أوّلًا: ليس لها مؤيّد تاريخي، ثانيًا: إنّ الآيات الشريفة التي تتحدّث عن أهل الكتاب في جميع الفترات كانت في اتجاه واحد[38].
- يدّعي يوسف الحدّاد أنّ الآيات القرآنيّة تدلّ على أنّ جميع المعارف القرآنيّة كانت موجودة في الكتب السابقة. فإذا كان قصده أنْ نجعل الآيات القرآنيّة المعيار الأساس لمعرفة مصادر القرآن، فالمناسب بخصوص مصدر القرآن أنْ نراجع جميع الآيات القرآنيّة التي تتعلّق بهذا الجانب؛ حتّى يعلم أنّ هذه الآيات تصرّ وتصرّح بأنّ القرآن وحيٌ إلهي[39].
- يستدلّ يوسف الحدّاد بآية (ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمة) على أنّ كتاب موسى يعني التوراة جاء قبل القرآن، وهو إمام القرآن، والقرآن مأموم له؛ لأنّه جاء من بعده. وفي الجواب نقول[40]:
مع الالتفات إلى هذه الملاحظة الأدبيّة، وهي أنّ الكلمتين (إمامًا ورحمة) حال لـ (كتاب موسى) وهو صريح مقيّد بظرف زمان قبل الإسلام (من قبله)، ومفهوم هذه الآية يوضح أنّ التوراة إمام وهداية للناس قبل الإسلام، وليس في هذه الآية دلالة على أنّ التوراة إمام القرآن حتّى من بعد الإسلام (ومن بعده….)كذلك إمامًا للناس، والأكثر من ذلك يكون إمام لكتاب سماوي يليه يعني (القرآن)، ولم يتّضح لنا بأي دليل أدبي خالف يوسف الحدّاد هذا القيد الزماني الصريح).
وتوضيح أدلّة يوسف الحدّاد على اقتباس القرآن من التوراة والكتب السماويّة القديمة والأجوبة المتعلّقة بذلك ذكرت في كتاب «المستشرقون والقرآن» من صفحة 152 إلى صفحة 164.
المبحث الثالث
التجربة الدينيّة
أوّلًا: تعريف التجربة الدينيّة
يعتقد البعض أنّ تعريف التجربة الدينيّة أمر صعب جدًّا، ويعتقد آخرون أنّه إلى يومنا هذا لم يوضع تعريف موحّد للتجربة الدينيّة يتّفق عليه الجميع، ولكن في الوقت نفسه عبّر البعض عن التجربة الدينيّة بأنّها (مواجهة ومقابلة مع الأمر الإلهي) والبعض الآخر عبّر عنها بـ (العلم المباشر بحضور الله سبحانه وتعالى).
يقول الأستاذ (لكنهاوسن) يمكن التعرّف على نموذج جيّد لبحث التجربة الدينيّة في كتاب (إدکار شيفيلد برايتمان) تحت عنوان (aphilosophyofreligious). في هذا الكتاب یقول برايتمان[41]: التجربة الدينيّة هي أيّ نوع تجربة لدى كلّ إنسان في ارتباطه بالله سبحانه وتعالى، التجربة الدينيّة هي ليست نوعًا أو حالة فریدة من التجربة، بل هي الأسلوب الوحيد لفهم التجربة.
كما يعتبر البعض أنّ التجربة زمان دينيّ متعلّق موجود فوق الطبيعة. فإذا كان موضوع التجربة هو الله أو تجليّاته، وبنحو ما لها علاقة مع الله، أو أن يكون الله فيها حقيقة غائيّة، فهذه تكون تجربة دينيّة. وطبقًا لهذه النظريّة ستكون تجربة الزمان الديني، والتي أوّلًا: تكون في نطاق ومجال الدين، وثانيًا: فاعل ذلك في وصف حالاته وتجاربه مستفاد من المفاهيم والتعابير الدينيّة[42].
وقالوا أيضًا: «التجربة الدينيّة، هي التجربة التي يكون فيها فاعل التجربة في وصف الظاهرة المعرفيّة يستعمل في المصطلحات الدينيّة[43]».
يقول فريدريك شلايرماخر: «التجربة الدينيّة لم تكن بالأساس تجربة معرفيّة، بل هي من مقولة الإحساسات؛ لأنّ الشخص تتكوّن لديه رغبة واحتياج مطلق لمصدر خارج عن العالم»[44].
ويقول ويليام آلستون: «التجربة الدينيّة هي نوع من التجربة الحسّيّة؛ لأنّ مثلها لها ثلاثة عناصر، (الإنسان صاحب التجربة -الشيء المجرّب- وظهور الشيء لدى الإنسان)»[45].
ويقول براود فوت: (التجربة الدينيّة هي تبيين لفوق التجربة).
التجربة الدينيّة من وجهة نظر (براود فوت): «التجربة الدينيّة هي تجربة يعتبرها فاعلها بأنّها دين، وهذه المعرفة لا تبتني على موضوع أو مفاد التجربة بل مبتنية على جنبة معرفيّة أو أهميّتها لصدق العقائد الدينيّة».
ثانيًا: ماهية وطبيعتها التجربة الدينيّة
في باب الماهية وطبيعة التجربة الدينيّة توجد ثلاث نظريّات:
1-التجربة الدينيّة هي نوع من الإحساس: حسب نظريّة فريدريك شلايرماخر أنّ التجربة الدينيّة لم تكن تجربة معرفيّة، بل هي من مقولة الإحساسات فهي (الشعور بالعلاقة والانجذاب المطلق لمصدر منفصل عن العالم) هذه التجربة هي نوع من الإحساس، وتكون مستقلّة عن المفاهيم والاعتقادات والأعمال الدينيّة. والاعتقادات والأعمال الدينيّة لم تكن في مقدّمة هذه التجربة بل في آخرها، وفي حقيقة الأمر تكون تفاسير تجربة؛ لأنّ التجربة الدينيّة تتقدّم على المفاهيم والمقولات الذهنيّة، لذا لم تكن تجربة معرفيّة، بل هي نوع من الحالات الانفعاليّة.
شلايرماخر بسبب نفوذه القويّ (الإيمان المسيحي) يدّعي بأنّ التجربة الدينيّة لم تكن تجربة معرفيّة وعقلانيّة بل (إحساس وانجذاب مطلق). والكثير من الأشخاص متأثّرون بهذه النظريّة ومن بين هؤلاء رودولف أوتو. نظريّة أوتو، التجربة الروحیّة حالة نفسيّة خاصّة بفرد وغير قابلة للإنقاص بأيّ أمر آخر.
وكان الفيلسوف لودفيغ فيتغنشتاين من بين الذين سلكوا أفكار شلايرماخر.
يدّعي شلايرماخر أنّ جوهر الدين هو الإحساس والتوجّه الباطني نحو اللامنتهي، وأنّ الدين بالأساس من مقولة الإحساس والشوق إلى الموجود اللامنتهي، والأفكار والعقائد والأعمال الدينيّة لها جنبة ثانويّة، وفي واقع الامر لم تكن إلّا تجليًّا للإحساسات الدينيّة. من وجهة نظر شلايرماخر أنّ للدين هويّة مستقلّة، ولا يمكن إرجاعه إلى الميتافيزيقيا أو الأخلاق، هويّة الدين ليست هي العقائد والمناسك الدينيّة، بل هي إحساس داخلي وأمر قلبي[46].
مناقشة هذه النظريّة ونقدها
– إنّ شلايرماخر والمؤيّدين لهذه النظريّة أخطؤوا فيما يتعلّق بماهيّة الإحساسات، وأدرجوها في مقولة مستقلّة عن المفاهيم والاعتقادات، ولكنْ في حقيقة الأمر الإحساسات متعلّقة بالمفاهيم والمعتقدات.
– بناء على هذه النظريّة تقع التدقيقات الفلسفيّة والكلاميّة في المرتبة الثانية، والمنبع هي التجربة، فإذا كانت التجربة غير قابلة للتوصيف وتتقدّم على جميع المفاهيم، فما هي الحقائق الدينيّة التي تترتّب على هذه التجربة؟
– تقدّم التجربة على المفاهيم والمعتقدات، بمعنى وجود تجربة محضة وخالية من المفاهيم والمعتقدات. ولكن في نصّ كلّ تجربة توجد هناك تفاسير، كما أنّ في كلّ مشاهدة كمًّا كبيرًا من النظريّات[47].
2- التجربة الدينيّة نوع من التجربة الحسّيّة
من وجهة نظر ويليام آلستون، التجربة الدينيّة نوع إدراك حسّي، ولها بنية مشتركة مع التجربة الحسيّة. في التجربة الحسّية توجد ثلاثة عناصر: المشاهد أو (المدرِك) بالكسر، الشيء الخارجي الذي تمّ مشاهدته (مدرَك) بالفتح، وهو متعلّق الإدراك الحسّي، وظهور الشيء للمشاهد (الإظهار). وفي التجربة الدينيّة أيضًا ثلاثة عناصر: المجرّب (القائم بالتجربة)، الله سبحانه وتعالى يُجرّب (تدور حوله التجربة)، وظهور الله تعالى لصاحب التجربة[48].
نقد هذه النظريّة
القبول بأنّ التجربة الدينيّة نوع من التجربة الحسّية صعب للغاية؛ لأنّ هناك أربعة فوارق بين التجربة الدينيّة والتجربة الحسّية، ويمكن القبول بالفارق الرابع وإن لم يكن في الفوارق الثلاثة الأولى اختلاف ماهوي بين التجارب الدينيّة والحسّية، وهذه الفروق عبارة عن:
ـ التجربة الحسّيّة عامّة، وكلّ إنسان يستفيد منها في حين أنّ التجربة الدينيّة قليلة ونادرة.
ـالتجربة الحسّيّة تعطينا معلومات كثيرة ومفيدة حول العالم الحسّي، ولكنّ التجربة الدينيّة تعطينا معلومات قليلة حول الله أو لا تعطينا.
ـ في الإدراك الحسّي ندرك الأشياء الخارجيّة بالأوصاف الحسّية، ولكنّ أوصاف الله لم تكن في التجربة الدينيّة أوصافًا حسّية، إذ كانت التجربة الدينيّة في الأوصاف الحسّية تختلف عن التجارب الحسّية، وهذا دليل واضح في اختلاف بنيتها مع بنية التجارب الحسّية[49].
3-التجربة الدينيّة تبيّن ما فوق طبيعي التجربة
النظريّة الثالثة في باب طبيعة التجربة الدينيّة ذكرها (براودفوت). يقول: إذا كانت التجربة الدينيّة هي نوع من التجربة الحسّية لا بدّ أن یصدق عليها: أوّلًا الأمر المدرك يكون له وجود في الخارج، ثانيًا هذا الأمر لا بدّ أن يكون السبب الحقيقي لتجربتنا. وإذا كنّا نأخذ التجربة الدينيّة حقيقة على أنّها من التجربة الحسّية وفي الوقت نفسه نعتبر بصورة تحرريّة أنّ أتباع الأديان الأخرى أصحاب تجربة دينيّة، ففي هذه الحالة سنواجه مشكلات عدّة؛ لأنّه لا بدّ أن نتقبّل بأن متعلّقات أو علل هذه التجربة الدينيّة موجودة حقًّا. وللتهرّب من هذا الإشكال يصف (براودفوت) التجربة الدينيّة على أنّها جامعة حتّى يستطيع اعتبار أتباع الديانات الأخرى أصحاب تجربة دينيّة، وبهذا الشكل لا يكون ملزمًا بتصديق متعلّقات فوق الطبيعي لهذه التجارب.
وعلى هذا الأساس يتطرّق إلى تعريف التجربة الدينيّة، وحسب ما يعتقده فإنّ (التجربة الدينيّة، هي التجربة التي يعتبرها فاعلها دينيّة. وهذه المعرفة لا ترتكز على الموضوع أو مفاد التجربة، بل هي ترتكز على جنبة معرفيّة أو أهميّتها لتصديق العقائد الدينيّة).
(العمل المهمّ الذي قام به براودفوت في بحث التجربة الدينيّة، هو أنّه أظهر بطريقة جيّدة في هذا البحث أدوات أصل المعرفة (عدم وجود تجربة بدون تفسير). التجربة الدينيّة هي تجربة التي فاعلها ينظر إليها من زاوية عقائده ومعتقداته. ويجد المتديّن هذه التجربة في موازين المفاهيم والمعتقدات التي ترتبط بأمر أسمى من الطبيعي، وعلى هذا الأساس التجربة الدينيّة التي يبيّنها فاعلها من وجهة نظره، مجموعة من المعتقدات التي تتعلّق بأمور ما فوق الطبيعة)[50].
نقد هذه النظريّة
بناء على ما تقدّم من الشرح وبالإجمال، إنّ واحدة من الإشكالات التي تطرح على هذه النظريّة هي (البنائيّة) التي يتبنّاها براودفوت، وهي تظهر أنّ عقائد المجرّب (صاحب التجربة) ومعتقداته هي نتاج تجربته، لا نتيجتها وفروعها، فهؤلاء مقدّمًا عيّنوا التجارب وأعطوها لونًا وطابعًا خاصًّا. إذا تقبّلنا هذه النظريّة بخصوص الوحي[51]ستكون نتيجتها أنّ الوحي معلول للمعتقدات وثقافة النبيّ، ولم يكن لها منشأ إلهيّ. في حقيقة الأمر إنّ ذهن النبيّ له فاعليّة في الوحي (التجربة الدينيّة) ولذلك لم تكن هناك تجربة ثابتة. على أساس (البنائيّة) التجارب الدينيّة المختلفة لم يكن لها اشتراك في جذر موحّد، وكلّ واحد يتأثّر بلغة ومعلومات وثقافة صاحب التجربة، وأنّ التجارب الوحيانيّة للأنبياء غير مستثناة من هذا الأصل، ولذا فإنّ معتقدات ومتطلّبات النبيّ لها دخل في ذلك، في حين أنّ تجارب الأنبياء من التجارب الخاصّة، وإذا قبلنا بالاتجاه البنائي في باب التجارب الدينيّة، فإنّه لا يمكننا قبولها في باب تجارب الأنبياء. تجارب الأنبياء هي مواجهة وإلهام محض وخالص، وهي لم تكن تجارب طبيعيّة وعاديّة فتقع في إطار أصول التجارب العاديّة[52].
من بين المفكّرين المعاصرين الذين وقعوا تحت تأثير هذه النظريّة، نصر حامد أبو زيد، ومحمّد أركون، وفضل الرحمان، وسروش. للإجابة على هؤلاء الأشخاص تكفي جملة منقولة عن د. نصر، فالدكتور نصر ربط مسألة (عدم تأثير الوحي) بأمّية النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: «إنّ طبيعة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمّية تبيّن كيف أنّ عادات البشر تنفعل مقابل الله سبحانه وتعالى (الأمر الإلهي). إذا لم تكن الروح بهذا الإخلاص والبكر لتلوثت الكلمة الإلهيّة بالمعرفيّة البشريّة المحضة، ولما عرضت على البشر في حالة الخلوص التي لم تصل إليها يد أحد. إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان منفعلًا في مقابل الوحي الذي نزل عليه من قبل الله سبحانه وتعالى، وهو لم يضف من عنده على الوحي، ولم يكتب كتابًا، بل هو بلّغ الكتاب القدسي للبشر[53])».
ثالثاً: التوجّه التجربي نحو الوحي (التجربة الدينيّة)
يحظى مفهوم الوحي في الأديان الإبراهيميّة بأهميّة ومكانة خاصّة، ويعدّ من أمّهات البحث الديني بشكل أنّه إذا حذف أو فسّر خطأ يفقد ماهيّته القدسية ويختفي محتواه؛ لأنّ الدين عبارة عن مجموعة من التعاليم صادرة من جهة مافوق البشر، وعن طريق الوحي تصل إلى الشخص المنتخب (النبيّ)، وبإنكاره أو تأويله بأنّه أمر غير إلهي ستظهر التجربة الشخصيّة للنبيّ بأنّ الدين أمر بشري صرف، وتنتفي عنه صفة القدسيّة والهداية. على الرغم من أنّ مفهوم الوحي في الأديان الإبراهيميّة مفهوم محوري وأساسي، فليس هناك معنى موحّد أو محوريّ للوحي في جميع الأديان، فعلى سبيل المثال في المسيحيّة يفصلون بين نوعين من الوحي، الأوّل: (تجلّي الله سبحانه وتعالى) وهو أنّ الله سبحانه وتعالى تجلّى في النبيّ عيسى(عليه السلام) بالنوع البشري، والثاني: (إلقاء الحقائق) من الله سبحانه وتعالى، يعني أنّ الله سبحانه وتعالى يلقي الحقائق بصورة قضايا.
ويعطي الإسلام تصوّرًا خاصًّا عن الوحي، وأساس هذا الدين الحقائق المنزّلة والمكتوبة عن طريق الوحي التي تجلّت في القرآن، والله سبحانه وتعالى لم يجعل التجلّي في شخص النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بل جعله في كلامه (القرآن). ففي كلام عن الإمام علي(عليه السلام) يدلّ على هذا المضمون بدقّة، إذ يقول(عليه السلام): «فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ وَخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ»[54].
وبصورة عامّة في باب طبيعة الوحي تُطرح نظريّتان: (القضایا) و (التجربة الدينيّة). في الفترة المعاصرة، تشكّل تيّارٌ مختلفٌ بالنسبة لظاهرة الوحي في مقابل النظريّة السابقة، وتبنّى هذا التيار نظريّة (التجربة الدينيّة) (الوحي التجربي). والمؤيّدون لهذه النظريّة يدّعون أنّ لهذه النظريّة جذورًا في فكر المصلِحَين الدينيَّين (لوثر وكالفن) في القرن السادس عشر، وأقدم من ذلك. وعلى أساس هذه النظريّة لم يكن الوحي عبارة عن مجموعة من الحقائق والقضايا، بل هو نوع من التجربة الدينيّة، وأنّ النبيّ لديه مواجهة مع الله وأوكل تفسير ذلك لنا. في حقيقة الأمر (رسالة الوحي) هو تفسير ينقله النبيّ من تجربته إلى الآخرين، ولذلك لم يكن هناك تبادل جمل بين الله سبحانه وتعالى والنبيّ.
- شلايرماخر والتجربة الدينيّة (1768-1834م)
أوّل سعي مدوّن في مجال البحث عن تجربة الوحي قام به فريدريك شلايرماخر. وهو يعدّ الوحي (انكشاف نفس الله في التجربة الدينيّة لشخص ما).
شلايرماخر الذي طرح نظريّة التجربة الدينيّة على أساس جوهر وأساس الدين، قضى سنين عمره الأولى في إحدى فرق البروتستانتيّة، واشترك في الحلقة الأساسيّة للشباب الرومانسي في برلين. وهو يعاني من تجاهل الدين من قبل الفنانين وبصورة عامّة من قبل الجيل الجديد. ومن جهة أخرى يرى مضامين الكتاب المقدّس تتضادّ مع العقل والفهم البشري والكرامة الإنسانية، وأنّ الغيرة والتعصّب الديني تردعه عن أن يضرب بالعقائد الدينيّة عرض الحائط ويعتبر دين الآباء والأجداد دينًا باطلًا. في الخصوص أنّه كان رجل دين قسّيسًا، فهذا التعارض وعدم التطابق شغل باله إلى زمن طويل، إلى أن خطر في باله فكرة، وبالتدريج أضفى عليها الصبغة الفلسفيّة، وأسّس مذهبًا، له مؤيّدون كثر إلى يومنا هذا[55].
والهدف الآخر لشلايرماخر جعل الدين في منأى عن انتقادات الفلاسفة مثل كانت، وهيوم، حينما تكون الاعتقادات والمباحث النظريّة غريبة عن حقيقة الدين، فحينما تكون الأحاسيس والعواطف هي الطريق الوحيد للوصول إلى الدين لا الفكر والعقل، فحينها لن تبقى هناك أدلّة لإثبات وجود الله، وبالطبع فإنّ نقد ونقض الفلاسفة الملحدين سوف لن يصل إلى نتيجة؛ لأنّ الدين عنصر مستقلّ عن المباحث النظريّة، ويقع في قمّة رفيعة وأبعد من أن تناله سهام الملحدين، وبصورة عامة فالمثبتون والنافون الذين أقاموا الأدلّة المتضادّة، ويسعون إلى إقناع الآخر بأنّ الله موجود، أو لا وجود لله، لا يصيبون الطريق، بل الدين لا بدّ من بحثه في مكان آخر. إنّ مكانة الدين مذخورة في القلب لا في الفكر والعقل البشري.
من وجهة نظر شلايرماخر، الدين لم يكن طريق التفكّر ولا طريق العمل، ولم يكن مجموعة من الاعتقادات، وليس مجموعة من المناسك الدينيّة، الدين فقط يتمّ كشفه عن طريق الوجود، يعني أنّ الشخص قادر على كشف الدين في وجوده، التديّن هو تلك التجربة والإحساس الموجود اللامتناهي وشهود وحدته مع العالم، ويأتي مباشرة عن طريق الخلق[56].
وعلى كلّ تقدير، مرّت السنون إلى أن كشف (ردولف اتو) شلايرماخر تأليف (ويليام جيمس) كتابه (تنوّع التجارب الدينيّة) في سنة 1902م. خطا خطوة أخرى في هذا الاتجاه، واستمرّ هذا التيّار بواسطة الفلاسفة مثل، براودفوت، استيفن كاتس، سوينبرن، ابلينك، كالينك وود، بل تيليش وكيرككارد، وعلى هذا الترتيب بدأت حركة اتجاه التجربة الدينيّة على شكل معرفة ظاهرة التجربة الدينيّة في القرن الحاضر، واستمرّ هذا العمل بتوسّع وانتشار متزايدين.
- أقسام التجارب الدينيّة
واجه فلاسفة الدين، وخاصّة الذين قاموا بأبحاث واسعة في التجارب الدينيّة، أقسامًا مختلفة من هذه التجارب، منها:
أ. التجارب التفسيريّة: المقصود بالتجارب التفسيريّة هي التجارب التي لم تكن دينيّتها بسبب خصائص التجربة، بل لكونها من قبل تعدّ دينيّة في ضوء التفسير الديني. في هذه الحالات فاعل التجربة ينظر إلى تجربته على أساس مجموعة من التفاسير السابقة، مثل أنّ المسلم يرى في موت ابنه عقوبة له على ما فعله من المعاصي، أو الشخص المسيحي يرى ذلك أنّه يشارك النبيّ عيسى(عليه السلام) فيما تحمّل من معاناة، ونتيجة الأمر يصبر في مقابل ذلك، وبسببه يحسّ بالحزن أو اللذة أو السرور. فهذه الحال يمكن اعتبارها تجربة دينيّة.
ب. التجارب شبه الحسّية: التجارب شبه الحسّية هي التجارب التي يوجد فيها نوع من الإدراك الحسي بواسطة الحواس الخمسة، من قبيل التصوّرات الدينيّة، والشعور بالألم حين التجربة الدينيّة، ومشاهد الملائكة، واستماع الوحي، وكلام النبيّ موسى مع الله.
ب. التجارب الوحيانيّة: حسب ما قاله ديفيسه: تجارب كهذه تشمل الوحي والإلهام. تجارب الوحي[57]بطريقة مفاجئة، ومن دون توقّع سابق، يخطر لفاعل التجربة وتكون دينيّتها بسبب محتواها. فالمقصود من الوحياني ليس ما يصطلح عليه في تجارب الأنبياء، بل هو مصطلح أوسع من ذلك، ويشمل المعنى الموجود في النبوّة أيضًا.
ث. التجارب الإحيائيّة: هذه المجموعة من التجارب من أوسع أقسام التجارب الدينيّة، وعلى إثرها يكبر إيمان فاعل التجربة ويبرز، وهي تبعث على إيجاد تحوّل مهمّ في الحالة الروحيّة والأخلاقيّة لصاحب التجربة. في هذه التجارب يشعر الشخص بأنّ الله سبحانه وتعالى هداه في ظروف خاصّة وساقه نحو الحقيقة.
ح. التجارب الروحيّة: هذا الاصطلاح جاء من (رودولف أوتو)، فمن وجهة نظره أنّ التجربة الروحيّة في السير التكاملي للأديان ممتزجة مع العناصر العقلائيّة، وتكوّنت بواسطة المفاهيم العقلائيّة حتّى أصبحت تعطي مفهومًا قدسيًّا مركّبًا ومعقّدًا.
خ. التجارب العرفانيّة: التجارب العرفانيّة تشمل طيفًا واسعًا من تجارب عرفاء التقاليد الدينيّة المختلفة النقولات التي أدلى بها العرفاء بخصوص حالاتهم العرفانيّة، وهي لا تتعدّى حدود التجارب العرفانيّة. وتجارب كهذه فيها خصوصيّات، وهي عبارة عن: الإحساس بالحقيقة المطلقة، الإحساس بالتحرّر من القيود الزمانيّة والمكانيّة والشخصيّة، الإحساس بالوحدة والسعادة أو الطمأنينة. فهذه الحالات والأبحاث لها جاذبيّة خاصّة لعلماء الدين.
- النسبة بين الوحي الرسالي والتجربة الدينيّة
هل يمكن اعتبار الوحي نوعًا من تجربة دينيّة؟ ونظرًا لتقسيمات الوحي إلى أنواع كالوحي التكويني للجمادات، والوحي الغريزي للحيوانات، والوحي الخاصّ للمؤمنين، والوحي الرسالي، أو يمكن تقسيمه إلى:
ـ الوحي بالمعنى الذي يناسب النبوّة والرسالة.
ـ الوحي بمعنى الإلهام.
ـ الوحي بمعنى الإشارة.
ـ الوحي بمعنى التقدير.
ـ الوحي بمعنى إلهام العزم.
ـ الوحي بمعنى إلقاء الكذب.
ـ الوحي بمعنى إلقاء الإرادة على فعل الخير[58].
في خصوص الوحي يطرح هذا السؤال: هل لنا أن نعتبر الوحي النبويّ والرسالي نوعًا من التجربة الدينيّة؟
يعتقد البعض إذا قلنا إنّ التجربة الدينيّة هي مفهوم مشكّك، فيكون ذلك أنّ المرتبة العليا فيه ممتزجة مع الحقّانية والصحة القطعيّة وتوأم الرسالة. إطلاق هذا المصطلح على الوحي الرسالي لا إشكال فيه، أمّا إذا كان مصطلح التجربة الدينيّة مفهوم نوع وخصائصه المشتركة مثل النقص، التشكيك، عدم القطع، قابلية التّكرار والتكامل… تطلق على جميع مصاديقه، فاصطلاح كهذا ليس من اللائق إطلاقه على الوحي الرسالي؛ لأنّ الوحي الرسالي منحصر بالأنبياء والرسل، والبعض قد نسب خصائص كالتكرار والتكامل و….والتجربة الدينيّة إلى الوحي الرسالي[59].
وبهذه الطريقة تأسّوا بالمستشرقين والعلماء الغربيين، وسنشير إلى بعض آرائهم.
فالمسلّم به أنّ الوحي الرسالي منحصر بالأنبياء والرسل، وقد انقطع من بعد النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يمكن تعميمه على التجارب الدينيّة البشريّة؛ لأنّ (ظهور نظرة التجرية للوحي في المسيحيّة بسبب مطالب خاصّة، وعلى هذه الحالة لا يمكن تعميمه على الوحي القرآني الذي يختلف عن الوحي المسيحي والتعاليم المسيحيّة)[60]. وقد أشرنا في المباحث السابقة إلى هذه الدوافع، وأرضيّة ظهور نظرة التجربة إلى الوحي، وإلى مفهوم اصطلاحه في الغرب.
ومن جهة أخرى فإنّ الاتجاه التجربي السائد في الغرب عن الوحي هو اتجاه مضادّ للعقل، ويقطع جميع الطرق العقليّة للوصول إلى الأسس الدينيّة، فأتباع هذا الاتجاه يحدّون الدين في إطار الأحاسيس الداخليّة. وكذلك فالنظرة التجريبيّة للوحي لها تبعات لا تنسجم مع الوحي القرآني، وأنّ الوحي القرآني أساسًا يختلف مع التجربة الدينيّة، وقد تطرّقنا إلى بعض منها[61].
الفرق بين الوحي الرسالي (القرآني) والتجربة الدينيّة
- يمكن القول بأنّ التجربة الدينيّة إحساس يمكن إدراكه بالعلم الحضوري، ومتعلّق الإدراك الإحساس الداخلي للشخص نحو الله ونوع العلاقة القلبيّة معه، ولكن من استعمال الوحي في القرآن نفهم بأنّ الوحي يطلق على الجوانب المعرفيّة وتلقّي معلوماتها، لا جنبة أحاسيس وعاطفة تلك التي تعدّ نوعًا من التجارب الدينيّة الداخليّة[62].
ب. تجربة النبيّ الدينيّة لم تكن خاصّة في زمان نزول الوحي، بل بسبب علوّ المقام الإلهي والمعنوي للنبيّ وبسبب رقيّه الروحي كان دائم الذكر لله سبحانه وتعالى، وفي حالة إحساس التجربة الدينيّة، ومع هذه الحالات لم يكن الوحي دائم النزول عليه، بل يتنزّل في مناسبات معيّنة وظروف خاصّة.
ت. الآيات القرآنيّة التي تتحدّث عن إرسال ونزول الوحي على النبيّ ومسؤوليّته في إبلاغ الوحي للناس، تبيّن أنّ الوحي لم يكن التجربة الدينيّة للنبيّ؛ لأنّ النسبة بين الله مع تجربة كهذه هو الإيجاد، ونسبة ذلك مع النبيّ هو الإحساس، فالله قادر على أن يجعل التجربة الدينيّة في قلب النبيّ والنبيّ يشعر بها، لا أن ينزلها ويرسلها، والنبيّ يتلقّاها ويبلّغها.
ث. تحدّثت بعض الآيات القرآنيّة عن كلام الله مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، والبعض الآخر منها تعدّ الوحي بأنّه من أقسام كلام الله سبحانه وتعالى مع بعض عباده، فهذه الآيات توضّح أكثر ماهية انتقال مفهوم الوحي[63].
خاتمة
بناءً على ما تقدّم في مجال الوحي والتجربة الدينيّة، إنّ قبول نظريّة مصطلح التجربة الدينيّة واختزال الوحي الرسالي في التجربة الدينيّة البشريّة، سيكون له تداعيات، فبعض هذه التداعيات تمّ ذكرها فيما تقدّم، ونعرض عن شرحها ونكتفي بذكرها.
عدم وحيانيّة البنية القرآنيّة (نفي الطبيعة اللغويّة).
نفي عصمة النبيّ، وقابليّة الوحي للخطأ.
عدم انقطاع الوحي وإنكار الخاتميّة.
نفي الخلود والشموليّة وعالميّة الدين الإسلامي.
إقصاء الشريعة ونفي شموليّة الفقه.
لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، القاهرة.
أبو خلیل شوقي، غوستاف لوبون في المیزان، دار الفکر، بیروت 1990.
اسكندرلو، محمّد جواد، القرآن من وجهة نظر المستشرقين، دروس جامعة الدراسات الإسلامية قم-1388هـ.ش.
بارت رودي، الدراسات العربیّة والإسلامیّة في الجامعات الألمانیّة، تعریب الدکتور مصطفی ماهر، دار الکتاب العربي، قاهرة، 1967.
البازركان، عبد العلي، نظم القرآن، طهران، منشورات القلم، الطبعة الثانية، 1371ش.
بستاني، کرم، المنجد في اللغة والأعلام، المطبعة الکاثولیکیّة، 1973.
بعلبکي، منیر، المورد، قاموس الإنجلیزي، دار العلم للملایین، بیروت، 1994.
جوادي آملي، عبد الله، التسنيم، قم، مركز نشر إسراء، الطبعة الثانية، 1379ش.
حجّتي، سيّد محمّد باقر، بحوث في تاريخ القرآن الكريم، طهران، مكتب نشر الثقافة الإسلامية، 1360ش.
الحسيني الطباطبائي، مصطفى، استعراض عمل المستشرقين، منشورات الطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1375هـ.ش.
حمد شرارة، عبد الجبار، الحروف المقطّعة في القرآن الكريم، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1414ق.
حسین ممدوح، الحروب الصليبیّة في شمال أفریقیة، دار عمان، الأردن 1998.
التوحيد، فرج الله، ثقافة المعارف، طهران،نشر الثقافة العصريّة، الطبعة الأولى، 1384هـ.ش.
خرمشاهي، بهاء الدين، ثقافة الاصطلاحات للعلوم والحضارة الإسلاميّة، منشورات العتبة المقدّسة الرضويّة.
دسوقي محمّد، الفکر الاستشراقي، تاریخه وتقویمه، دار الوفاء، مؤسّسة التوحید، بیروت، 1416.
رجي بلاشير، في رحاب القرآن، ترجمة: محمود راميار، طهران، مكتب نشر الثقافة الإسلاميّة، الطبعة الثانية، 1365هـ.ش.
رشاد الخليفة، إعجاز القرآن، التحليل الإحصائي للحروف المقطّعة في القرآن، ترجمة وضمائم:سيّد محمّد تقي آيت اللهي، جامعة شيراز، الطبعة الأولى، 1365هـ.ش.
رضوان، عمر بن إبراهیم، آراء المستشرقین حول القرآن الکریم وتفسیره، دار طیبة، الریاض، 1413.
زقزوق، محمود، الاستشراق والخلفیّة الفکریّة للصراع الحضاري، کتاب الأمّة، قطر، مکتبة الرسالة، بیروت 1405.
ساسي سالم الحاج، الظاهرة الاستشراقیّة وأثرها علی الدراسات الإسلامیّة، مرکز دراسات العالم الاسلامي، لیبيا، 1991.
ساسي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي، دار المدار الإسلامیّة، طرابلس، دار الفکر، بیروت ودمشق، 2002.
سباعي، مصطفی، الاستشراق والمستشرقون، ما لهم وعلیهم، المکتب الاسلامي، بیروت 1405.
سعید إدوارد، الاستشراق، المعرفة، السلطة، الإنشاء، تعریب: کمال أبو أدیب، دار الکتاب الإسلامي، قم، 1413.
السيوطي، جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن، قم، منشورات الرضى، واعي، 1363هـ.ش.
الصغیر، محمّد حسین علي، المستشرقون والبحوث القرآنیّة، ترجمة: محمّد صادق شریعت، مؤسّسة مطلع الفجر، طهران، 1372.
الطباطبائي،سيّد محمّد حسين، الميزان في تفسر القرآن، بيروت، منشورات الأعلمي للمطبوعات، 1393هـ.ق.
الطباطبائي،سيّد كاظم، الحروف المقطّعة من وجهة نظر باحثي القرآن الغربيين، جريدة الدراسات الإسلاميّة جامعة فردوسي، العدد 60.
الطبرسي، أمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن.
الطبري محمّد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1412هـ.ق.
الطوسي، أبو جعفر محمّد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
غزالي، محمّد، دفاع عن العقیدة والشریعة ضدّ مطاعن المستشرقین، نهضة مصر للطباعة، قاهرة، 1999.
الفخر الرازي، محمّد بن عمر الخطيب، التفسير الكبير.
فؤاد، عبد المنعم، من افتراءات المستشرقین علی الأصول العقدیّة في الإسلام، مکتبة العبیطان، الریاض، 2001م.
فوك یوهان، تاریخ حرکة الاستشراق، الدراسات العربیّة والإسلامیّة في أوروبا حتّی بدایة القرن العشرین، تعریب: عمر لطفي العالم، دار قتیبة، دمشق، 1417.
قطب، محمّد، المستشرقون والإسلام، مکتبة وهبة، القاهرة، 1999.
لابوم ژول، تفصیل آیات القرآن الکریم، تعریب: محمّد فؤاد عبد الباقي، کتاب فروشی إسلامیّة، طهران 1335.
محمّد رشيد رضا، تفسير المنار.
محمّد منصور، عبد القادر، الحروف النورانيّة في فواتح السور القرآنيّة، دار الفرقان، دمشق،1417هـ.ق.
فصلان من القرآن والمستشرقين، مركز تحقيقات القرآن الكريم المهدي، 1385هـ.ش.
نملة، علي بن إبراهیم الحمد، الاستشراق والدراسات الإسلامیّة، مکتبة التوبة، الریاض 1418.
نملة، علي بن إبراهیم الحمد، المستشرقون والتنصیر، مکتبة التوبة، الریاض 1418.
The encyclopaediaofislam. New editionleiden 195423-.
www. Peiknet.net
www.idna.ir. (قناة الأخبار القرآنية في إيران)
—————————-
[1]*- باحث وأستاذ في الدراسات القرآنيّة والاستشراق، من إيران.
ـ تعريب: رائد علي غالب.
[2]-تجدر الإشارة إلى أنّه مثل هذه المحاولات قد صدرت من قبل من المشركين، حيث ذكر القرآن بعضها وطرح إجابات لها، منها ما جاء في قوله تعالى: {يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} سورة الأنعام، الآية 25. وفي قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} سورة الفرقان، الآية4، وفي قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} سورة النحل، الآية103. وقد أجاب القرآن على جميع هذه الإشكالات في قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} سورة النساء، الآية82.
[3]– راجع : راشدي نيا، أكبر، التفكير في الإشكالات التي يردها المستشرقون على أنّ القرآن وحي إلهي، قبسات، رقم 29.
[4]– راجع: إسكندرلو، محمّد جواد، دروس في القرآن من وجهة نظر المستشرقين، ص23. زماني، محمّد حسن، المستشرقون والقرآن، ص126.
[5]– راجع: زماني، محمّد حسن، المستشرقون والقرآن، ص127-126.
[6]-راجع: المصدر نفسه، 129-128.
[7]-راجع: المصدر نفسه، ص128-127.
[8]– راجع: زماني، محمّد حسن، المستشرقون والقرآن، ص129.
[9]– راجع:الطباطبائي، محمّد حسين، القرآن في الإسلام، ص64-65.
[10]– راجع:الطباطبائي، محمّد حسين، القرآن في الإسلام، ص130.
[11]– المصدر نفسه، ص65-64.
[12]– راجع: زماني، محمّد حسن، المستشرقون والقرآن، ص143-142.
[13]– المصدر نفسه، 144.
[14]– المصدر نفسه، ص145.
[15]– راشدي نيا، التفكّر في الاستشكالات التي يردّها المستشرقون على وحي القرآن، الفصليّة قبسات، شماره 29.
[16]– زماني، محمّد حسن، المستشرقون والقرآن، ص145.
[17]– المصدر نفسه.
[18]– المصدر نفسه، ص146.
[19]– زماني، محمّد حسن، المستشرقون والقرآن، ص146.
[20]– راجع: المصدر نفسه.
[21]– المصدر نفسه.
[22]– راجع: إسكندرلو، محمّد جواد، المستشرقون وتاريخ كتابة القرآن، ص60-59.
[23]– سلطاني رناني، مهدي، دراسة نظريّة المستشرقين حول مصادر القرآن، فصلان لدراسة القرآن عن المستشرقين، رقم 4، ص133.
[24]– راجع: راشدي نيا، أكبر، التفكير في الإشكالات التي يردها المستشرقون على أنّ القرآن وحي إلهي، الفصليّة قبسات، رقم 29. ص200-189.
[25]– معرفت، محمّد هادي، نقد الشبهات حول القرآن الكريم، ص24.
[26]– المصدر نفسه، ص25-24.
[27]– راجع: فعالي، محمّد تقي، التجربة الدينيّة والمكاشفة العرفانيّة، ص354.
[28]– قائمي نيا، علي رضا، التجربة الدينيّة وجوهرة الدين، ص32.
[29]– راجع: معرفت، محمّد هادي، ردّ الشبهات حول القرآن الكريم، ص146.
[30]– راجع: زماني، محمّد حسن، المستشرقون والقرآن، ص150-152.
[31]– راجع: زماني، محمّد حسن، المستشرقون والقرآن، ص32-144.
[32]– راجع: راشدي نيا، أكبر، التفكير في إشكالات المستشرقين بأنّ القرآن وحي إلهي، فصليّة قبسات، ص189-200. سلطاني رناني، مهدي، دراسة نظريّة المستشرقين حول مصادر وحي القرآن، فصلان لدراسة القرآن من قبل المستشرقين، الرقم الرابع، ص137.
[33]– راجع: راشدي نيا، أكبر، التفكير في إشكالات المستشرقين على أنّ القرآن وحي إلهي، فصليّة قبسات رقم 29، ص189-200.
[34]– راجع: معرفت، محمّد هادي، ردّ الشبهات حول القرآن الكريم، ص25-32.
[35]– معرفت، محمّد هادي، ردّ الشبهات حول القرآن الكريم، ص25-32.
[36]– المصدر نفسه.
[37]– اسكندرلو، محمّد جواد، دراسات في القرآن من وجهة نظر المستشرقين، ص29.
[38]– المصدر نفسه، ص30.
[39]– المصدر نفسه، ص28.
[40]– المصدر نفسه.
[41]– راجع: جوادي آملي، عبد الله، الوحي والنبوّة في القرآن، ص88-90.
[42]– راجع: محمّد رضايي، محمّد، نظرة إلى التجربة الدينيّة، فصليّة وقبسات، رقم 26، ص22-23.
[43]– المصدر نفسه.
[44]– راجع: عباسي، ولي الله، الوحي والتجربة الدينيّة، فصليّة الحوزة والجامعة، رقم 38، ربيع83.
[45]– لنكهاوسن، محمّد، التجربة الدينيّة في استطلاعات الرأي عند الباحثين، فصليّة النقد والنظر، رقم 23 و 24، ص7.
[46]-براودفوت، وين، التجربة الدينيّة، ترجمة وتوضيح عباس يزداني، ص248.
[47]– راجع: قائمي نيا، علي رضا، التجربة الدينيّة وجوهرة الدين، ص36-37. الآذري، مسعود، علم الالمصدر نفسه الديني من وجهة نظر ويليام جيمز، ص185-186.
[48]– راجع: عبّاسي، ولي الله، الوحي والتجربة الدينيّة، فصليّة الحوزة والجامعة، رقم38.
[49]– راجع: المصدر نفسه، ص40.الآذري، مسعود، علم الالمصدر نفسه الديني من وجهة نظر ويليام جيمز، ص187-186.عباسي، ولي الله، الوحي والتجربة الدينيّة، فصليّة الحوزة والجامعة رقم 38.
[50]– قائمي نيا، علي رضا، التجربة الدينيّة وجوهرة الدين، ص46.
[51]-راجع:براودفوت، وين، التجربة الدينيّة، ترجمة وتوضيح عباس يزداني، ص243-254. قائمي نيا، علي رضا، التجربة الدينيّة وجوهر الدين، ص43-
[52]– راجع:عبّاسي، ولي الله، الوحي والتجربة الدينيّة، فصليّة الحوزة والجامعة، رقم38.
[53]– المصدر نفسه.
[54]– نهج البلاغة: الخطبة 147الفقرة 2 .
[55]– راجع: براودفوت، وين، التجربة الدينيّة ترجمة وتوضيح عبّاس يزداني، ص311-315.
[56]– المصدر نفسه، ص315-311.
[57]– راجع: شيرواني، علي، المباني النظريّة في التجارب الدينيّة، ص117-130. قائمي نيا، علي رضا، التجربة الدينيّة وجوهرالدين، ص46-74. فعالي، محمّد تقي، التجربة الدينيّة والكشف العرفاني، ص356-387.
[58]– راجع: جوادي آملي، عبد الله، الوحي والنبوّة في القرآن، ص76-77.
[59]– راجع: محمّدرضايي، محمّد، نظرة إلى التجربة الدينيّة، فصليّة وقبسات، رقم 26، ص22-23.
[60]– ساجدي، أبوالفضل، (زبان دين) والقرآن، ص267.
[61]– ساجدي، أبوالفضل، (زبان دين) والقرآن، ص267-268.
[62]– راجع: محمد رضايي، محمّد، نظرة إلى التجربة الدينيّة، فصليّة قبسات، رقم 26، ص22-23.
[63]– المصدر نفسه، ص268-270.