مشاهد ومراقد

من جبال “شفشاون” في المغرب إلى جبل لبنان : رحلة البحث عن قبر العارف بالله علي بن ميمون الغماري

عبد الله البشواري

من جبال “شفشاون” في المغرب إلى جبل لبنان : رحلة البحث عن قبر العارف بالله علي بن ميمون الغماري 

عبد الله البشواري

شاءت الأقدار أو الصدف أن تتزوج السيدة رفيقة بن ميمون المنحدرة من مدينة “شفشاون” الساحرة، النائمة في حضن الجبال بشمال المغرب، من لبناني، لتكتشف بعد ذلك، صدفة أيضاً، أن جدها الأكبر العلامة المتصوف والفقيه والقاضي علي بن ميمون الغماري الذائع الصيت، مدفون في إحدى المناطق الجبلية بلبنان. ورغم أنها لم تتحمس للموضوع في بداية الأمر، إلا أن تأكيد أحد أفراد العائلة هو الفنان الموسيقي عبد الخالق بن ميمون، الذي أوصاها بضرورة زيارة قبر الجد الأكبر المدفون في مكان ما بلبنان، حفَّزها على أن تبدأ رحلة البحث.

كل ما كانت تعرفه رفيقة هو أن الجد الأكبر لعائلة بن ميمون ذهب في رحلة إلى الشام منذ ما يزيد عن 500 سنة، لسبب سياسي على الأرجح، ولم يعد الى أرض الوطن. انطلقت رحلة البحث في صيف 2014، تقول رفيقة، موضحة أن الأمر في البداية كان “مجرد فكرة”، ليتحول إلى هاجس، ثم إلى رحلة شيقة و “مغامرة”، لاسيما أنها لم تكن تتوقع أي نتيجة لطول الفترة الزمنية على وفاة الجد.

كانت البداية بين دفتي الكتب والمؤلفات والمجلدات، حيث بدأ البحث والتقصي في المصادر التي كتبت عن علي بن ميمون، ليبدأ غبار الزمن ينجلي رويداً رويداً  “وبعض ملامح القصة تتضح” بحسب السيدة رفيقة، التي تحضر شهادة ماجستير في الإخراج المسرحي في كلية الفنون الجميلة بالجامعة اللبنانية (الحدث). وتلقفت أخيراً إشارة مهمة، عبارة عن “فقرة في أحد المراجع والمصادر” التي وقعت بين يديها والتي تؤكد وصول علي بن ميمون إلى الشام، لكن لم يخطر على بالها، تقول جازمة ، أن يكون قبره على بعد خطوات منها غير بعيد عن بيروت إلا ببضعة كيلوميترات، تماماً كما أخبرها ابن العم.

ومن المؤلفات التي تشير إلى مكوث بن ميمون في دمشق قول ابن طولون الدمشقي في كتابه “التمتع بالإقران بين تراجم الشيوخ والأقران”، إن علي بن ميمون الغماري قدم إلى دمشق (…)” وقد  عقد للتسليك مجلساً في منزله، فتلمذ له خلق من المذاهب الأربعة (…)، وشاع ذكره وبعد صيته، وصار كلامه مسموعاً عند الأمراء (…).

وقالت رفيقة إن بعض المخطوطات تذهب إلى التأكيد أن بن ميمون رأى في منامه “رؤية” تخبره بأنه سيدفن بمنطقة جبلية تطل على سهول، وأنه قص على تلامذته ومريديه أنها تشبه بالضبط المنطقة التي دفن بها الولي الصالح والقطب مولاي عبد السلام بن مشيش. والمنطقة غير البعيدة عن بيروت، أو الضيعة بمصطلح اللبنانيين، تسمَّى بحسب رفيقة “مجدل المعوش”، وهي ضيعة ما زالت تحتفظ بالاسم نفسه حالياً وغالبية سكانها، الآن، مسيحية، مضيفة أن كل الدلائل تشير إلى أنه وصل هذه الضيعة مع عدد من طلبته. وهنا تبدأ المرحلة الصعبة، تقول رفيقة، إذ لابد من التأكد من الأمر، فكانت القِبلة جبل لبنان بحثاً عن الضيعة لتكون المفاجأة في انتظارها . فبعد بحث وتقصٍّ كان المقصد مقر البلدية لتكتشف أن كتاباً يؤرخ لتاريخ البلدة ذكر فقرة عن الجد العلامة والفقيه الصوفي القاضي علي بن ميمون بن أبي بكر بن يوسف. بل هناك دليل على قبر الجد تقول، رفيقة بابتهاج، إنه بحقل للتفاح يملكه أحد المواطنين. ولكثرة احترامهم وتبجيلهم لبن ميمون يزرع الحقل إلا المكان الذي يتواجد فيه القبر وسط الحقل. ووصفت رفيقة الفرحة العارمة للمواطن اللبناني صاحب الحقل لمَّا علم بأنها من أحفاد العلامة، متباهياً بأنه كان شديد الحرص على القبر ويوليه اهتماماً خاصاً رغم أنه مسيحي، ومؤكداً أن هذا لا يوفي لهذا الفقيه إلا نزرا قليلا من حقه لما قدمه للضيعة أيام كان غالبية سكانها مسلمين.

وتبقى الجهود الآن، تقول رفيقة، منصبَّة على كيفية إحياء ذكرى الجد على شكل يوم دراسي مثلا ببيروت يحضره المهتمون من المغرب ولبنان، وربما تكون فرصة أيضاً للباحثين لاكتشاف علماء ومغاربة حطوا رحالهم ذات يوم بأرض الشام ولبنان وبلدان أخرى في المنطقة  لاسيما تركيا، ونقلوا صورة مشرّفة ومشرقة عن الفكر المغربي والطريقة الصوفية المغربية إلى الشرق الأوسط. والدليل على أن بن ميمون مر كذلك بتركيا قبل الوصول إلى دمشق، هو نص لمحمد بن عبد العزيز الدباغ في كتابه “من أعلام الفكر والأدب في العصر المريني” الذي أشار فيه إلى أن بن ميمون لما قرر “مغادرة مدينة فاس والتوجه إلى المشرق، طالت رحلته التي قام بها فكانت رحلة إلى الأبد (…)، مذكراً بأن “عدداً من الأتباع مالوا إليه ورغبوا في طريقته التي سموها “الطريقة الميمونيَّة” نسبة إليه، ورضوا بتربيته، ووفدوا من مختلف البقاع.. حينما كان مقيماً بمدينة “بورصة” بتركيا أيام السلطان بايزيد الثاني، فوجدوا فيه ضالتهم (…). والظاهر أن بن ميمون لقي في تلك المدينة ترحاباً من السلطان الذي كان يحب العلم ويشجع أهله ويحب أهل التصوف”.

ويذكر أن العلامة الفقيه الصوفي القاضي علي بن ميمون بن أبي بكر بن يوسف، ولد في غمارة بجبال الريف سنة 854 هـ، ودرس في جامع القرويين بفاس، وتولى القضاء لفترة بمدينة شفشاون في عهد أبي الحسن على بن راشد الأكبر، وشارك في الجهاد ضد الغزو الأوروبي للسواحل المغربية. ويصفه المؤرخون والباحثون بأنه أحد المغاربة الذين عملوا على تحقيق التواصل العلمي والثقافي بين مشرق العالم الإسلامي ومغربه.

ترك بن ميمون مؤلفات كثيرة مهمة منها “بيان غربة الإسلام بواسطة صنفين من المتفقهة والمتفقرة من أهل مصر والشام وما يليهما من بلاد الأعجام”، و “رسالة الإخوان من أهل الفقه وحملة القرآن”، و”تنزيه الصديق عن صفات الزنديق”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى