الدراسات والبحوث

عن “التدبيرات الإلهيَّة” لابن عربي.. الإنسان ـ العالَم الأصغر

مليحة مسلماني

عن “التدبيرات الإلهيَّة” لابن عربي.. الإنسان ـ العالَم الأصغر

مليحة مسلماني

 

دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ
وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ
أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير
فيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ
فَأَنتَ الكِتابُ المُبينُ الَّذي
بِأَحرُفِهِ يَظهَرُ المُضَمَرُ
وَما حاجَةٌ لَكَ مِن خارِجٍ
وَفِكرُكَ فيكَ وَما تُصدِرُ
لا تحيل هذه الأبيات، المنسوبة إلى الإمام علي ابن أبي طالب، إلى تشبيه مجازيّ أو شعريّ باعتبار الإنسان جرمًا صغيرًا ينطوي فيه العالم الأكبر، بل يقدّم العارفون الصوفيون هذا المعنى كحقيقة يستندون إليها في تكوين رؤيتهم للخلق والوجود، وللإنسان باعتباره نسخة صغرى من العالم تطابق العالم الأكبر بكل ما يحتويه من حقائق وموجودات. ولعل أكثر من أبان وفصّل تلك الحقيقة هو الشيخ الأكبر، محي الدين ابن عربي، وتحديدًا في كتابه “التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية”[1]، والذي يعرض فيه الإنسان كمملكة، أو دولة، لها خليفة يحكمها، ووزير وجنود وأعداء، ويصيب تلك المملكة ما يصيب الدول من حروب ونزاعات ومساعٍ للوصول إلى الرقيّ والسلام، ما يمثل بالنسبة إلى الإنسان صراعاته الداخلية بين خيره وشرّه، ومحاولاته التصالح مع الذات أو الوصول للسلام النفسي الداخلي، وبالمعنى الصوفي: الوصول للكمال، وهي مرتبة الإنسان الكامل.
يقول الشيخ الأكبر إن كتابه يُعرب عن حقيقة الإنسان وعلوّ منصبه على سائر الحيوان، فهو مختصَر من العالم المحيط، وينطلق ابن عربي من حقيقة أن المشيئة الإلهية اقتضت إبراز العالم في الشفعية، أي “الزوجية”، لينفرد الله بالوترية؛ “فيصحّ اسم الواحد الفرد ويتميز السيّد من العبد”. وهو يشير إلى آية من القرآن الكريم تدل على حقيقة الشفعية في كل شيء في الوجود؛ قال تعالى “وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الرعد، 3).
وبما أن الإنسان من جملة الثمرات، ينمو ويتغذّى ويتكاثر وينتهي مثلها، كان الإنسان الثمرة الصغرى التي قابلت العالم فتحققت بذلك الشفعية: “فتتبّعنا وجود الحكمة في الإنسان وتفضيله على سائر الحيوان، وتقصّينا أسراره وحكمَهُ ولطائفه، ورأيناها بأعيانها في العالم المحيط الأكبر قَدَمًا بقَدَم، فلم نزل نقابله حرفًا بحرف، ومعنىً معنى حتى وجدناه كأنه هو، فعلمنا أن الثمرة الواحدة العالم الكبير المحيط، والثمرة الأخرى الإنسان الذي هو العالم الصغير”.

العالم مرآةٌ للإنسان
فإذا نظر الإنسان إلى ما في العالم من حقائق وموجودات، وجد في نفسه ما يقابلها، ومن ذلك أمثلة كثيرة يذكر ابن عربي بعضًا منها: مثل الشعر في الإنسان الذي يقابل النبات وينمو كنموه، والماء كذلك موجود في الإنسان بمذاقاته المختلفة؛ فالمالح في عينيه، والزعاق (المرّ الغليط الذي لا يطاق شربه) في منخريْه، والمرّ في أذنيه والعذب في فمه. وكذلك احتوى الإنسان على العناصر الأربعة الموجودة في العالم، وهي الهواء والماء والنار والتراب، فهي كلها في الإنسان ومنها خُلق جسمه، ويدلّل الشيخ الأكبر على ذلك بالإشارة إلى آيات قرآنية بيّنت وجود هذه العناصر الأربعة في خلق الإنسان[2].
ويكمل ابن عربي في مطابقته بين الإنسان والعالم بقوله “وكما أن في الإنسان رياحًا أربعًا شمالًا وجنوبًا وصبًّا ودبورًا، ففي الإنسان أربع قوى جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة. وكما أن في العالم سباعًا وشياطينَ وبهائم، ففي الإنسان الافتراس وطلب القهر والغلبة والغضب والحقد والحسد والفجور والأكل والشرب والنكاح والتمتّع.. وكما أن في العالم ملائكة برَرَة سَفَرة، ففي الإنسان طهارة وطاعة واستقامة. وكما أن في العالم من يظهر للأبصار ومن يخفى، ففي الإنسان ظاهر وباطن: عالم الحسّ وعالم القلب، فظاهره مُلك وباطنه ملكوت. وكما أن في العالم سماءً وأرضًا، ففي الإنسان علوّ وسفل. وامشِ بهذا الاعتبار على العالم تجد النسخة الإلهية صحيحة ما اختلّ حرف ولا نقص معنى..”.

“يقول الشيخ الأكبر إن كتابه يُعرب عن حقيقة الإنسان وعلوّ منصبه على سائر الحيوان، فهو مختصَر من العالم المحيط، وينطلق ابن عربي من حقيقة أن المشيئة الإلهية اقتضت إبراز الشفعية، أي “الزوجية”، لينفرد الله بالوترية”

ويرشد ابن عربي القارئ في معرفة أسرار العالم باعتباره مرآةً للإنسان، وذلك أن ينظر إلى ما خرج عنه من الموجودات، فإذا ما وقعت عينه على موجود فليبحث عن الصفة الغالبة عليه، ثم ينظر في تلك الصفة فسيجدها في الإنسان لا محالة، مثل صفة البلادة، فهي الصفة الغالبة على الحمار، فيقال للإنسان حمار إذا كان بليدًا، ويقال له أسد إذا كان شديدًا أو قويًا. وهناك الكثير من الأمثلة مما يطلق على الإنسان من أسماء الحيوانات لصفات غلبت عليها والتقت مع صفات في الإنسان.
وكذلك الأمر مع الموجودات الأخرى، فيجعل ابن عربي الشمس مقابل الروح في الإنسان، فإذا صلح حال الروح أشرقت المملكة الإنسانية بنوره كما تشرق الأرض بنور الشمس. كما يجعل القمر مقابلًا للنفس، فالنفس كالقمر ذات كمال ونقص؛ فكمالها بالعقل والعلم ونقصها بالجهل والشهوات. يقول ابن عربي “وكما أن نقص القمر بالكسوف يكون سببه الأرض وهو الأسفل من العالم، كذلك نقص النفس إنما هو من ارتكاب الشهوات ومحلها أسفل سافلين، وكما أشرقت الأرض بنور الشمس، كذلك أشرقت الأجسام بنور الروح فكُشِفت الأشياء على ما هي عليه..”.

المملكة الإنسانية ـ الخليفة
يذكر ابن عربي أن الهدف من كتابه “التدبيرات الإلهية” هو الإبانة عن سبيل النجاة للإنسان المكّلف المسخّر. وهو يركز على أهمية الروح باعتباره حاكم تلك المملكة ورعيّتها من نفسٍ وعقلٍ وحواس وأعضاء. وكما جعل الله في الأرض خليفة، وهو الحاكم ظاهرًا، والقطب باطنًا[3]، فكان تحقيق ذلك الأمر في العالم الأصغر ـ الإنسان ـ استخلاف الروح في أرض البدن، وبذلك كان الروح هو الخليفة الحاكم للمملكة الإنسانية، ووزيره العقل، وكريمته النفس، وعدوّه الهوى.
يقول ابن عربي “فلمّا أوجد هذا الخليفة على حسب ما أوجده، قال له: أنت المرآة وبك ننظر إلى الموجودات، وفيك ظهرت الأسماء والصفات. أنت الدليل عليّ، وجّهتك الخليفة، تظهر فيهم بما أعطيتك، تُمدّهم بأنواري وتغذّيهم بأسراري، وأنت المُطالب بجميع ما يطرأ في الملك”.

“في حين قال آخرون إن موضعه الدماغ، يرى ابن عربي، ومن طريق التنبيه والاستقراء لا من جهة البرهان كما يقول، أن موضع الخليفة/ الروح هو القلب شرعًا، وهو يشير إلى الحديث القدسي “ما وسعني أرضي ولا سماء ووسعني قلب عبدي المؤمن””

والجسم هو مدينة الخليفة التي يُسكنها رعيّته وأرباب دولته، والقلب هو الموضع المعيّن من الجسم لهذا الخليفة ومسكنه. وفي حين قال آخرون إن موضعه الدماغ، يرى ابن عربي، ومن طريق التنبيه والاستقراء لا من جهة البرهان كما يقول، أن موضع الخليفة/ الروح هو القلب شرعًا، وهو يشير إلى الحديث القدسي “ما وسعني أرضي ولا سماء ووسعني قلب عبدي المؤمن”، وكذلك إلى الحديث الشريف “إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم”؛ فبما أن الخليفة هو موضع نظر الله إلى المملكة الإنسانية فيكون مكانه القلب كما هو مذكور في الحديث الشريف، فالمستخلِف نظره دائمًا إلى خليفته وما يفعله فيما استخلفه فيه، وقد استخلف اللهُ الأرواحَ على الأجسام.
ويوضح الشيخ الأكبر أن القلب المشار إليه في القرآن والأحاديث النبوية ليس هو القلب النباتي (أو اللحم الصنوبري الذي موضعه الصدر)، ولكن الإشارة هي إلى السرّ المودع فيه وهو الخليفة أي الروح، والقلب النباتي قصره. ويشير كذلك إلى الحديث الشريف “إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب”؛ فإذا صلح الإمام (أو الخليفة/ الروح) صلحت الرعية (النفس والجسد) وإذا فسد فسدت.

الوزير ـ العقل ومسكنه الدماغ
العقل هو وزير هذا الخليفة/ الروح، والدماغ مسكنه. ويبدع ابن عربي في تصوير الكيفية التي يعمل ويستقبل بها الدماغ ما تُدخله عليه الحواس بأفعالها، من سمعٍ ونظرٍ وشمٍّ وتلفّظٍ وتذوّقٍ وأكلٍ ولمسٍ، وكل حركة من حركات الحواس والأعضاء، مستخدمًا في عملياته المعقدة تلك قوى الخيال والفكر والحفظ أي الذاكرة، يقول ابن عربي “ثم بنى الله له (أي للخليفة) سبحانه متنزّهًا عجيبًا عاليًا مُشرفًا في أرفع مكان في هذه المدينة سمّاه الدماغ، وفتح له فيه طاقات وخوخات يشرف منها على ملكه وهي: الأذنان والعينان والأنف والفم. ثم بنى له في مقدمة ذلك المنتزه خزانة سمّاها خزانة الخيال، جعلها مستقرّ جباياته وموضع رفع ولاة الحسّ (أي الحواس)، وفيها يُخزَن جبايات المبصرات والمسموعات والمشمومات والمطعومات والملموسات وما يتعلق بها، ومن تلك الخزانة تكون المرائي والأحلام التي يراها النائم. وكما أن في الجبايات حلالًا وحرامًا، كذلك في المرائي مبشّرات وأضغاث أحلام. وبنى في وسط هذه المتنزّه خزانة الفكر الذي ترتفع إليه المتخيّلات، فيُقبَل منها الصحيح ويُرَدّ الفاسد. وبنى له في آخر هذا المتنزّه خزانة الحفظ، وجعل هذا الدماغ مسكن الوزير الذي هو العقل.. “.
يُستدل من ذلك أن عقل الإنسان يعمل بشكل سليم وصحي عندما تتجنّد الحواس والأعضاء لإدخال كل ما هو فعلٍ خيّر عليه، ويتعب ويضعف إذا انشغلت الحواس في جباية أفعال السوء، وضعف العقل يعني ضعف الوزير الذي هو أحد أهم أركان المملكة الإنسان بعد الروح.

“تقع في المملكة الإنسانية حرب بين العقل ـ وزير الخليفة من جهة، والهوى من جهة أخرى، بسبب أن كلًا منهما يطلب الرئاسة على الملك الإنساني. والهوى “أمير قوي” ينازع الخليفة في ملكه”

النفس ـ كريمة الخليفة
ثم أوجد الله للخليفة النفس التي هي محل التغيير والتطهير ومقر الأمر والنهي، وهي “كريمة الخليفة وحرّته”. وكان الإمام أبو حامد الغزالي قد أشار إلى النفس باعتبارها زوجة الروح بقوله إن الروح نكح النفس فتولد ما بينهما الجسم. ويرى العارفون الصوفيون أن كل فعل فيه حظّ (أي ليس مُخلَصا لوجه الله) هو من النفس، سواء كان محمودًا أو مذمومًا، وكل ما ليس فيه حظ إلا لله فهو روح. وأن للإنسان ثلاث أنفس: نفس نباتية يشترك بها مع الجمادات، ونفس حيوانية يشترك بها مع البهائم، ونفس ناطقة يتميز بها عن الحيوان والنبات، وبها يصحّ عليه اسم الإنسانية ويتميز في الملكوت، وهذه النفس الناطقة هي كريمة الخليفة أي زوجته.
وتقع في المملكة الإنسانية حرب بين العقل ـ وزير الخليفة من جهة، والهوى من جهة أخرى، بسبب أن كل منهما يطلب الرئاسة على الملك الإنساني. والهوى “أمير قوي” ينازع الخليفة في ملكه، ويصور ابن عربي ميل النفس للهوى بالخيانة التي تقع بين زوجة الخليفة والأمير القوي المتجوّل في بساتينه والذي يقوم بغواية النفس. في حين يدرك الوزير/ العقل ما يدور محاولًا إرجاع النفس عما هي عليه من انقيادٍ للهوى؛ يقول ابن عربي “فصارت النفس بين أميرين قويين مُطاعَيْن هذا يناديها وهذا يناديها.. “فألهَمَها فُجورَها وتقواها” (الشمس: 8)، ولهذا جعلناها محل التغيير والتطهير، فإن أجابت الهوى كان التغيير وحصل لها اسم الأمّارة بالسوء، وإن أجابت العقل كان التطهير وصحّ لها اسم المطمئنة شرعًا..”.
أخيرًا، يقدم كتاب “التدبيرات الإلهية” مرجعية هامة ليس للإنسان الفرد فحسب، باعتباره مملكة بذاته كما ذُكِر، تعينه على فهم ذاته وأجزائها وكيفيات عمل الحواس والأعضاء والنفس والعقل فيها، وإنما يمثل أيضًا مرجعية سياسية للحكّام والمسؤولين تبيّن سبل الحُكم العادل والسليم، إذ يقدم ابن عربي في أحد فصول الكتاب وصايا تصلح للإنسان الفرد الخليفة على نفسه، وللحاكم المسؤول عن شعب ودولة، ويبين كذلك وفي فصل آخر أهمية العدل باعتباره قاضي المملكة الإنسانية الفردية والجمعية على السواء، ويؤكد أيضًا على أهمية العقل باعتباره وزيرًا أي عمودًا رئيسًا تقوم عليه المملكة الإنسانية الفردية، وعلى أهمية الوزير باعتباره عقل المملكة الإنسانية الجمعية.

هوامش:

[1] محي الدين ابن عربي، التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية، تحقيق: محمد عبد الحي العدلوني الإدريسي الحسني، (الدار البيضاء: دار الثقافة، 2015).
[2] يقول ابن عربي: “وهو قوله تعالى “هو الذي خَلَقكم من تراب” (غافر: 67). ثم قال “مِنْ طِين” (الأنعام: 2)، وهو امتزاج الماء والتراب. ثم قال جلّ اسمه “من حمأٍ مسنون” (الحجر: 26) وهو المتغير الريح، وهو الجزء الهوائي الذي فيه. ثم قال تعالى “خلق الإنسان من صلصالٍ كالفخّار” (الرحمن: 14) وهو الجزء الناريّ.. “، المرجع السابق، ص 74.
[3] القطب عند الصوفيين هو عبارة عن رجل واحد هو موضع نظر الله من العالم في كل زمان ويسمى بالغوث، وقطب العالم، وقطب الأقطاب. يقول الشيخ الأكبر في “الفتوحات المكية”: فإن الله لما أحبَّ أن يُعرَف، لم يمكن أن يعرفه إلا من هو على صورته، وما أوجد الله على صورته أحدًا إلا الإنسان الكامل لا الإنسان الحيوان، فإذا حصل حصلت المعرفة المطلوبة فأوجد ما أوجد من الأسباب لظهور عين الإنسان الكامل.. وعلمت أن العلم بالله ــ المُحدَث ــ الذي هو على صورة العلم بالله ــ القديم ــ لا يتمكّن أن يكون إلا لمن هو في خَلْقِه على الصورة، وليس غير الإنسان الكامل، ولهذا سُمِّي كاملًا، وأنه روح العالم، والعالم مُسَخَّرٌ له علوّه وسفله، وأن الإنسان الحيوان من جملة العالم المُسَخَّر له، وأنه يشبه الإنسان الكامل في الصورة الظاهرة، لا في الباطن من حيث الرتبة، كما يشبه القرد الإنسان في جميع أعضائه الظاهرة، فتأمّل درجة الإنسان الحيوان من درجة الإنسان الكامل، واعلم أنّك العين المقصودة، فما وُجدت الأسباب إلا بسببك، لتظهر أنت، فما كانت مطلوبة لانفسها”. ويقول: “ولمّا لم يتمكّن أن يكون كل إنسان له مرتبة الكمال المطلوبة في الإنسانية ــ وإن كان يفضل بعضهم بعضًا ــ فأدناهم منزلة مَنْ هو إنسان حيواني، وأعلاهم من هو ظِلُّ الله، وهو الإنسان الكامل نائب الحقّ، يكون الحقّ لسانه وجميع قواه، وما بين هذين المقاميْن مراتب، ففي زمان الرسل يكون الكامل رسولًا، وفي زمان انقطاع الرسالة يكون الكامل وارِثًا، ولا ظهور للوارث مع وجود الرسول، إذ الوارث لا يكون وارثًا إلا بعد موت من يرثه، فلم يتمكّن للصاحب مع وجود الرسول أن تكون له هذه المرتبة، فالأمر ينزل من الله على الدوام لا ينقطع، فلا يقبله إلا الرسل خاصّة على الكمال، فإذا فُقِدوا حينئذ وُجِد ذلك الاستعداد في غير الرسل، فقبلوا ذلك التّنزّل الإلهيّ في قلوبهم، فَسُمّوا وَرَثة، ولم ينطلق عليهم اسم رسل مع كونهم يخبرون عن الله بالتّنزّل الإلهيّ..”.
_________________________
*نقلًا عن موقع “ضفة ثالثة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى