مشاهد ومراقد

مقامات “عورتا” – نابلس في مواجهة الاستيطان

مقامات “عورتا” – نابلس في مواجهة الاستيطان

 

تتميز بلدة عورتا بقضاء نابلس في فلسطين بأنها تبدو كمتحف كبير؛ فهي تحوي اثني عشر مقاماً تاريخياً في كافة أرجائها، الأمر الذي دفع الاحتلال للتخطيط لسرقتها ومحاولة تغيير طابعها الإسلامي والعمل على تهويده ليدعم روايته بملكية للأرض، وتكون مقدمة لتمدد استيطانه على أراضي البلدة.
تقع بلدة عورتا على بعد 8 كم جنوب شرق مدينة نابلس، يصل إليها طريق محلي يربطها بالطريق الرئيس (نابلس -القدس) وطوله 2 كم. بلغ عدد سكانها 13,765 نسمة في التعداد السكاني عام 2013.

أرض المقامات
سُكنت عورتا منذ عصور ما قبل الميلاد، وتعدّ بلدة كنعانية، وبقيت آهلة بالسكان طوال حكم فلسطين من الإمبراطورية البيزنطية والخلافة الإسلامية وخلال الحكم العثماني وحتى اليوم.
بين القرنين الرابع والثاني عشر، كانت القرية مركزاً سامرياً مهمّاً؛ لاحتوائها على أحد معابد الطائفة السامرية الرئيسة، وفيها غيره أحد عشر مقاماً أغلبها إسلامي، وهي: (الشيخ الزعبي في مقبرة عورتا، سبعون عزيرات (سبعون شيخ)، ويعتقد بأن سبعين نبياً أو سبعين شيخاً مدفونون فيها، والشيخ سرور، والشيخ العجمي، الأولياء العجم الأربعة، والعُزير – يُعتقد بأنه العازار بن هارون، المنصوري -بنياس بن اليعازر، قبر حوشا – ابن المنصور، المُفضل، يوشع بن نون، بنات الرفاعي – الرفاعيات، الشيخ ربّاع).

يقول سامي عواد رئيس مجلس قروي عورتا : “الخطورة في هذه الأمر هو عدم قدرتنا على ترميم هذه المقامات، وإبقاؤها تحت الوصاية الصهيونية، علماً بأن صراعنا مع الاحتلال صراع على الأرض؛ فالاحتلال يعمل على إيجاد أي رواية تثبت أحقيته بالأرض، وهو ما وجده بتزوير التاريخ، والمقامات جزء من هذا التاريخ”.
وعن الخلفية التاريخية لهذه المقامات؛ يقول عواد: “هذه المقامات تم تشييدها أو إعادة ترميمها بعد انتصار صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين وتحرير بيت المقدس، ويعتقد أن العمر الحجري لهذه المقامات هو ما بين 700-800 سنةٍ، وهي فترة العهد المملوكي- الصلاحي”.

تزوير للمقامات
ويؤكد حمزة ديرية الباحث في شؤون الآثار التاريخية بمحافظة نابلس : “أن كل المقامات تؤكد إسلاميتها من طبيعة البناء الإسلامي المملوكي، ومن شكل الأقواس والقباب، ومن المحاريب المتجهة نحو قبلة المسلمين، ومما عليها من كتابات وزخارف”.

ويضيف ديرية أن “الصهاينة بعد احتلالهم لهذه الأراضي، بدأوا بالبحث عن أماكن لها أسماء موجودة في التوراة لتثبيت أحقيتهم بالأرض، ولما فشلوا حاولوا ربط أسماء المقامات بعد تحريفها وتغييرها بشخصيات دينية صهيونية، لتأكيد ملكيتهم لهذه المقامات.. ولطمس طابعها العربي الإسلامي، عملوا على سرقة أو تحطيم الكتابات والزخارف العربية الإسلامية على المقامات كما حصل بمقام سبعين شيخ، لخلق صلة بين المستوطن القادم من شتات الأرض، ليربطوه بالأرض بالعنصر الديني، وكل ذلك لأهداف استيطانية”.

ذريعة للاعتداءات

وتشهد بلدة عورتا اقتحامات لمئات المستوطنين في ساعات منتصف الليل، وبحماية كبيرة من جيش الاحتلال، تفرض فيها القوات حالة من حظر التجول، وتسيطر فيها على كل أرجاء البلدة، بحجة القيام بطقوس دينية عند هذه المقامات.
ويؤكد محمد أمين قواريق، أحد سكان البلدة،  أن المستوطنين يأتون الساعة الواحدة والثانية ليلاً، ويعملون على إغلاق الشوارع، وإذا كانت هناك مركبة على جانب الشارع يقومون بتحطيمها، وأي مواطن يشعل ضوء منزله يبدأون بإلقاء الحجارة عليه لإجباره على إطفائه.
فيما يؤكد المواطن أحمد إبراهيم عواد، أحد السكان القريبين من مقام المفضل،: “أن وجود المستوطنين في البلدة يحرمني النوم، وأبقى متيقظا متنقلاً من نافذة إلى أخرى، لحماية أطفالي، من مغبة تكرار جريمة حرق عائلة دوابشة مع أبنائي وعائلتي، ولا يهدأ لي بال حتى انسحابهم”.
وطالب سامي عواد رئيس مجلس قروي البلدة بالمزيد من الرعاية لهذه المقامات شعبيا ورسمياً؛ لحمايتها من أطماع الاحتلال، محذرا من مغبة أن تكون هذه الزيارات مقدمة لإقامة بؤر استيطانية وسط منازل المواطنين، كما هو الحال في مدينة الخليل المحتلة، التي يتوسط مساكن الفلسطينيين فيها خمس مستوطنات.

وتعدّ “عورتا” نموذجاً لصراع الوجود على هذه الأرض، المحتدم بين التاريخ الإسلامي العربي، والعبري المزوّر، وهو تاريخ بحاجة إلى المزيد من الرعاية، للتصدي لكل محاولات سلب الأرض وما عليها من آثار.

_____________

*نقلًا عن موقع “عورتا في القلب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى