“الخانقاه” في بيت المقدس
نعمان داود أحمد الأشقر
أستاذ الاجتماعيات في مدرسه ذكور قلقيلية الأساسية الأولى
الخانقاه، بالقاف والكاف، جمعها خوانق ، لفظة فارسية* تعني البيت وهي بناء ديني أقيم على نظام الصحن الذي يحيطه إيوان واحد أو أكثر فبعضها تضم بابا ً واحداً وبعضها أربع ، وهي بلا مئذنة وبلا منبر وتضم مسجداً لا تقام فيه صلاة الجمعة ، ويلحق أحياناً به ضريح أو مدرسة أو سبيل ، تُدرس في مدرسة الخانقاه العلوم الدينية على المذاهب الأربعة ، قامت الخانقاه أحياناً ، بدور أوسع من المدرسة في نشر الوعي الديني الموجه.
يعود تاريخ الخانقاه في مطلع القرن الثاني الهجري حسب بعض الروايات التي تقول إن أول خانقاه أقيمت بمدينة الرملة بفلسطين ، إلا أن هذه الرّواية لم تُؤكد، وأغلب الظن أنها وجدت في القرن الخامس الهجري وكان أول من أسسها السلاجقة ونالت إهتماما ً خاصا ً في العهد الأيوبي واستمرت تُؤدي دورها في العهد المملوكي ،وما أن حل القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي حتى اَفل نجمها وبدأت تتراجع . يُعتقد أن أقدم مثال للخانقاه ما يزال قائماً في مصر على مخطط المدرسة هو خانقاه الجاشنكير التي تأسست عام 606هـ / 1307م ولا شك أن هناك أسباباً سياسية وأخرى دينية وراء ظهور الخانقاه وتطورها ، وهذه الأسباب مجتمعة تخدم ترسيخ أركان الدولة وشّد أزرها في الجهاد ضد الإفرنج الصليبيين الذين احتلوا الأرض المقدسة ، فلسطين ، القدس ، وبلاد الشام الأخرى وهددوا مصر والعالم الإسلامي منذ نهاية القرن الحادي عشر.
الوظيفة الاجتماعية للخانقاه :
كان للخانقاوات وظيفة اجتماعية إضافة إلى الوظيفة الدينية والعلمية فهي وإن رَعَت الراغبين في التثقف بالدين الذي كانوا في غالبيتهم من الفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل حيث قدمت لهم الزاد الفكري بمفهوم العصر الذي نشأت فيه وقدمت لهم إلى جانب ذلك الغداء والكساء والمأوى ، وقد ضمت تلك للخانقاوات جميع أصناف الناس والمحتاجين الذين أقبلوا عليها للتفقه بالدين ، كما ضمت أيضاً كثيراً من صغار التجار والفعلة الذين رأوا في اللجوء إلى الخانقاوات الراحة الفكرية والنفسية والجسدية إضافة إلى إبعاد شبح العرى والجوع عنهم وبذلك ساهمت هذه الخوانق في تخفيف وطأة الجوع عن المحتاجين وفي هذا خدمة للسلطان الذي قد يخطر في باله أن يتفاخر بأنه لا يوجد جائع أو محتاج في سلطنته .والسؤال الذي يبرز إلى الذهن هو من أين كانت تنفق تلك الخانقاوات ؟ لقد كانت هناك أوقاف كثيرة من أراضٍ ودور وأشجار أوقفها ذَوو اليسار من أجل بنائها والإنفاق عليها ودفع مرتبات شيوخها والإنفاق على روادها من التلاميذ والمحتاجين وعمل الإضاءة والتدفئة الخ.
الوظيفة الدينية والعلمية للخانقاه:
تعني الخانقاه أو الخانكاه بيت أو دار للتعبد والاستغفار أو المكان الذي يشعر فيه الإنسان بضعفه وضآلته أمام الخالق ، أُطلقت التسمية في باديء الأمر على المنشأت الدينية المخصصة لانقطاع الصوفية بغرض العبادة وممارسة التصوف أي إقامة الصلوات الخمس وقراءة القرآن وإقامة الذكر والتسبيح والاعتكاف والاستغفار**. حدث تطور في العصر المملوكي في حركة التصوف وأسلوب العمارة فقد تطور مفهوم الخانقاه حيث أصبحت في عصر المماليك مسجداً وبيتاً للصوفية المجاهدين والشيوخ المحاربين أو مسجداً ومدرسة ومساكن للطلبة الذين يمارسون التصوف . تُدرس في الخانقاه العلوم الدينية كالحديث والشريعة والفقه والتفسير حسب المذاهب الأربعة رغبة في نشر الفكر الديني السني .
الخانقاه الصلاحية:
الموقع : في الجانب الشمالي الغربي من المدينة القديمة
المنشئ : السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب تاريخ الإنشاء : 585هـ /1189م.
الوظيفة : هذه أول ما شيد بالقدس من منشآت التصوف وقد ظلت مخصصة للمنقطعين لوظائف التصوف حتى قرب نهاية القرن الثاني عشر للهجرة.
المدخل : هذه الخانقات واجهة شمالية رئيسية بواسطها المدخل إلى مشيد على هيئة دخلة عميقة متوجهة بعقد مدبب وقد استخدم النظام المشهر في صف مداميك أحجارها الحمراء والبيضاء بالتبادل. وفي نهاية الداخلة نجد فتحة الباب المتوجه بعقد مداني بسيط (ثلاثي) يوجد النص الإنشائي أسفل منه مباشرة. ويؤدي المدخل إلى دركاه صحن المدرسة.
التخطيط العام : تشابه الخانقاه في تخطيطها العام مثيلاتها من خوانق هذه الفترة إذ تتألف من صحن أوسط مكشوف يحيط إيوانا أحدهما إيوان القبل وبه المحراب، ويستخدم هذا الطابق الأرضي كمسجد للصلاة.
الطابق الثاني: يتم الوصول إليه بواسطة سلم حجري يبدأ من الدركه وبه ايوان للصلاة بصورة محراب رخامي قام بتشييده عيسى بن أحمد بن غانم ” في عام 741هـ ، 1340م). وحول هذا الإيوان الذي كان مخصص لوظائف التصوف ودروس العلم توجد مجموعة الخلاوي التي كانت مخصصة لسكنى المتصوفة وشيوخ الخانقاة وتجدر الإشارة إلى أن الخانقاه زودت بمئذنة أمر بتشييدها من ريع أوقاف الخانقاة شيخها برهان الدين بن غانم في عام 840هـ (1417م). وهي ذات بدن متعامد يشابه صوامع بلاد المغرب العربي وللمئذنة شرفة آذان يعلو جوسقها قبة صغيرة.
الخانقاه الداودارية:
الموقع : في مواجهة الحرم القدسي الشريف من جهة الشمال.
المنشئ : علم الدين سنجر بن عبد الله بن الدوادار أحد مماليك الصالح نجم الدين أيوب.
تاريخ الإنشاء : 695هـ/1295م
الوظيفة : جمعت هذه المنشأة بين وظيفتي التصوف والتدريس، فالي جانب تخصيصها للثلاثين من المتصوفة الوافدين إلى القدس فقد كانت تلقى فيها دروس الفقه على المذهب الشافعي بالإضافة إلى علم القراءات والحديث النبوي الشريف وكان عدد طلبة القراءات عشرة طلاب ومثلهم يدرسون الحديث
وتستخدم اليوم، كمدرسة ابتدائية تعرف بالمدرسة البكرية
المدخل : للخانقاة واجهة بحرية شيدت بمداميك متبادلة من الأحجار لبيضاء والحمراء وبها مدخل في حجر قليل العمق متوج بعقد ميداني زخرفت طاقيته بصفوف من المقرنصات الحجرية البديعة الصنع وفيما بين هذه المقرنصات وعتب الباب يوجد النص التأسيسي الذي يحوي اسم المنشئ وتاريخ الإنشاء فضلا عن الأوقاف التي عينها لهذه الخانقة.
التخطيط العام :تتألف الخانقاه من طابقين بوسطهما صحن أوسط مكشوف في الطابق الأول إيوان القبلة ومجموعة من خلاوى المتصوف، أما الطابق الثاني فيه أيضا خلاوي وغرف لإقامة المتصوفة وطلبة العلم.
الخانقاه الفخرية:
الموقع :عند الركن الجنوبي من الحرم القدسي بجوار المتحف الإسلامي.
المنشئ :القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله.
تاريخ الإنشاء : 730هـ /1329م
الوظيفة :شيدت في الأصل لتكون مدرسة نظرًا لعناية القاضي فخر الدين بالعلم وأهله ثم تحولت لوظيفة التصوف بعد عدوان حزيران 1967 قامت قوات الاحتلال الاسرائيلي بهدم جزء كبير منها فيما حول بعض ما تبقي البناء إلى مقر لقسم الآثار الإسلامية وأصبح الآن مقرًا لموظفي المتحف الإسلامي المجاور له، وبقيت بعض الغرب المأهولة بالسكان.
المدخل : مدخل حجري بسيط قليل العمق وقد توجد بعقد مدبب.
التخطيط العام : ما تبقي من الخانقاة هو إيوان القبلة وثلاثة غرف هي كل ما تبقي من أصل البناء الذي كان يضم مسجد للصلاة وخلاوي للمتصوفة وأماكن لإقامة الذكر ويبدو أن إيوان القبلة قد تم تجديده كليا في العصر العثماني إذ توجد به ثلاثة أعمدة تمتد بطول الإيوان (من الشمال إلى الجنوب) ترتكز عليها وعلى جدران الإيوان ثلاث قباب ضخمة. وفي هذا الإيوان الذي فرشت أرضيته بألواح من الرخام الملون على طراز العصرالمملوكي يوجد محراب حجري عقده المدبب محمول على زوج من الأعمدة الرخامية وقد زخرف بأشرطة من حجارة حمراء وبيضاء.
___________________
*نقلًا عن موقع “دنيا الوطن” – بتصرُّف.