“القصير” في البحر الأحمر مدينة عشقها أولياء الله الصالحين
علي الطيري
بالطبع لم يشهد من يعيشون على أرض المحروسة الآن –مهما اختلفت أعمارهم- جنازات “المشاهير” من أولياء الله الصالحين، الذين عشقوا مصر وأهلها، وسمت فيها أرواحهم، وعاشوا بين الناس بذكراهم العطرة، فلم تتقدم فنون التصوير وقتها، لتنقل لنا ما كان يحدث وقتئذ، إلا أن الفرصة مازالت سانحة لمشاهدتها في “يوم معلوم” لأهالي مدينة القصير وضيوفهم.
في يوم النصف من شعبان من كل عام، وفي صبيحة عيد الفطر المبارك، ينظم أهالي المدينة التي تقع جنوب محافظة البحر الأحمر احتفالية، يرفعون فيها “المحامل” –توابيت- لكل وليّ من أولياء الله التي تنتشر في مدينة القصير أضرحتهم، ويتجاوز عددها نحو العشرين ضريحا، ويتم وضع “المحمل” على سنام الجمال وتخرج مجتمعة في مشهد احتفالي، ويسير خلفها مئات من أبناء المدينة الجنوبية تطوف أرجاءها، وتظل هذه الاحتفالية حتى المساء.
مدن محافظة البحر الأحمر، تحتضن عددا غير قليل من أضرحة أولياء الله الصالحين، من الصوفية والعارفين بالله، رسمها الدكتور كاري بنيامين كولونسجر-أحد الرحالة الأجانب- عندما زار المنطقة عام 1875 على خريطة.
لكل ضريح قصة وحكاية عجيبة عن صاحب الضريح، ولكن تظل السيرة العطرة لحياة العارف بالله أبو الحسن الشاذلي، أحد أشهر السير، حيث امتدت شهرته إلى جميع الدول العربية والإسلامية.
ينتهي نسب سيدي أبو الحسن الشاذلي من جهة أمه وأبيه إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خال القطب إبراهيم الدسوقي القرشي، وقد شارك في الحروب ضد الصليبين أثناء تواجده في المنصورة، وذهب إلى الإسكندرية ودمنهور، ودرس في مسجد العطارين.
خرج سيدي أبو الحسن الشاذلي من الإسكندرية للحج، على حماره، وسلك طريقا صعبا حتى سال الدم من ظهره، وفاضت روحه وهو على جبل “حُميثرة” قبل وصوله إلى مكة بنحو ثلاث ساعات ودفن فيها، وتتوافق ذكرى وفاته السنوية مع وقفة عيد الأضحى المبارك، ويحتفل بها الآلاف من مريديه ومحبيه في قرية “حُميثرة” جنوب مدينة مرسى علم.
وفي ملابسات وفاته، ذكر ابن بطوطة في رحلته عن شيخه أبى العباس المرسي، أن أبا الحسن الشاذلي كان يحج كل عام، فلما كان في آخر سنة خرج فيها، قال لخادمه قبل خروجهم “استصحب فأسا وقُفة وحنوطاً، فقال له: لماذا؟ قال فى حميثرة سوف ترى”، فلما بلغا حُميثرة اغتسل أبو الحسن الشاذلي، وصلى ركعتين، فقبضه الله في آخر سجدة، ودفن هناك عام 656هـ، وتم بناء ضريح له في القرن التاسع عشر، وتم تجديده في العصر الحديث، ثم بُني مسجدا كبيرا يحمل اسمه، في منتصف قرية حديثة يقصدها الزائرون.
وإن كان أبو الحسن الشاذلي، قد ذاع صيته باعتباره أحد أشهر الأولياء الصالحين، إلا أن المدينة الجنوبية لم تخل بعد من مشاهير الأولياء، حيث تحتضن أرضها ضريحا –رمزيا- للشيخ عبدالقادر الجيلاني، المدفون في الهند، إلا أن مريديه بنوا له ضريحا في القصير لشدة حب الشيخ الجيلاني للمدينة، وتكرار زيارته لها.
كما تحتضن القصير، ضريح الشيخ عبد الغفار اليماني، وهو يمني الأصل، ووافته المنية ودفن في القصير وبُني له ضريح، وضريح الشيخ عبد الله الهندي، وهو من الهند، وطُبع على ضريحه رسومات ونقوش، قال عنها أحد الزائرين الأجانب، إنها لا تنتمي إلى أسلوب الرسم المصري والعربي، بل موجود مثلها في الهند.
وتوجد أضرحة الشيخ الزيلعي من مدينة زيلع في الصومال، والشيخ الفاسي، نسبة إلى مدينة فاس في مراكش، والشيخ التكروري، من تكرور في مالي، والشيخ سليم، والشيخ أحمد السيسي، والشيخ جاد الله، والشيخ سليمان، والشيخ الطربمبي، والشيخ أبو ريالات، والشيخ أبو فراج.
________________________
*نقلًا عن موقع ” بوابة الأهرام”.