فريد الدين العطَّار : قطب الشعر الصوفي الإيراني
فريد الدين العطَّار : قطب الشعر الصوفي الإيراني
لم يعرف تاريخ الأدب الفارسي قطباً من أقطاب الشعر الصوفي احتجبت حياته تحت ركام من الغموض كما هو الحال مع العطار النيشابوري؛ فإن معلوماتنا التاريخية الموثقة عن جلال الدين الرومي تعادل مائة ضعف ما لنا من معلومات عنه، حتى إن ما نعرفه عن السنائي الغزنوي الذي سبقه بقرن من الزمان أكثر بكثير مما نعرفه عنه.
ورغم كثرة كتب التذاكر التي تناولت جانباً من حياته، وروت لنا أخباره إلا أنها لم تضبط تاريخا موحداً لمولده ووفاته، الأمر الذي جعل الشك يحوم حول ما ضبطوه. وهذا الشك ليس مقصوراً فقط على تاريخ ميلاده ووفاته بل لا مجال للقطع في أي صغيرة وكبيرة تتصل بحياته اللهم إلا ما أشار إليه الشاعر نفسه تصريحاً وتلويحاً في نتاجاته، شعراً ونثراً، فقد صرح في مواضع متعددة من أشعاره على أن اسمه محمد ولقبه العطار و فريد.
وبالنسبة إلى تاريخ مولده ووفاته، فقد حاول كثير من الباحثين المعاصرين تحديد ذلك وكانت النتيجة ان اتسعت شقة الخلاف بينهم. ومن أقرب الاحتمالات إلى الصحة تلك المعلومة التي توصل إليها الدكتور شفيعي الكدكني من خلال دراسته لما جاء في كتاب “تذكرة الشعراء” حيث أرّخ لمولد الشاعر سنة 553هـ ولوفاته سنة 627هـ.
مراحل الشعر العرفاني
مر الشعر العرفاني في مسيرة تطوره بثلاث مراحل رئيسة، تتمثل في شعر السنائي الغزنوي، و العطار النيشابوري وجلال الدين الرومي؛ وقد أشاد الأخير بالدور المهم الذي قام به كل من السنائي والعطار لدفع عجلة الشعر الصوفي إلى الأمام و تمهيد الطريق لغيرهما من الشعراء للخوض فيه، وأبان عن ذلك بقوله:
العطار كان روحاً والسنائي عينيه، و نحن قد جئنا بعدهما نقتفي أثرهما.
فالتراث الشعري الذي خلفه هؤلاء الشعراء يعد من أعلى النماذج في الأدب العرفاني والصوفي.
لطالما جذبت الأعمال الأدبية الإيرانية انتباه العلماء في جميع أنحاء العالم وقاموا بالعديد من الأبحاث حول هذه النصوص ومؤلفيها، وكانت هناك أعمال ترجع إلى رواية الفكر من خلال التفكرات والآراء الباطنية، ومنها قصص عطار النيشابوري، التي هي بصورة سرد قصصي؛ تم النظر فيه باستمرار من قبل الباحثين الإيرانيين والأجانب.
ونحن ندرس هنا كتاب “تذكرة الأولياء” الذي يحتوي على روايات مهمة وأدبية حيث يتطلب تحديدها واستخدامها مزيداً من اهتمام الأدباء والفنانين.
تذكرة الأولياء في الحقيقة هو كتاب يذكر فيه السير الذاتية وأعمال الناس من مجموعة. مثل الشعراء والكتاب والعلماء والصوفية. وقيل إن كتاب “تذكرة الأولياء” هو أقدم وأشهر كتاب كتب تحت اسم “تذكرة”.
وقد أعطى العطار أمثلة على سلوك وأفعال وأفكار وكلمات كل متصوف في تذكار الأولياء. طبعا تركيزه على الكلام، وهدفه جعل هذه الخطب درسا عمليا للآخرين.
تحتوي “تذكرة الأولياء” على مقدمة و 72 فصلاً ، كل منها مخصص لحياة الصوفي وأمزجته وأفكاره وكلماته. تناول الفصل الأول مواقف وكلمات الإمام الصادق (ع) والفصل الأخير مع حسين بن منصور بارسي المعروف بالحلاج.، ويحتوي هذا الكتاب أيضاً على ملحق يحتوي على خمسة وعشرين قسماً ويبدأ بــ “إبراهيم خواص” وينتهي بالإمام محمد الباقر (ع)، . يسمي الكتبة هذا حيث سماه الكتّاب بالقسم المتأخر.
وفي تذكرة الأولياء، بعد مقدمة موجزة لكل “وصي” في العبارة البليغة ، ذكر مكانته ودرجته بين الأولياء، ثم ذكر أمثلة على سلوكه وأفعاله وأفكاره ولا سيما حديثه.
يبدأ العطار كل سيرة ذاتية بخطبة موجزة من سطرين. في مقدمته، يتأمل في الحالة الروحية والأخلاقية لكاتب السيرة الذاتية، وفي السير الذاتية الطويلة، بعد المقدمة، يتم “اقتباس” بضع كلمات عن وضع المترجم ثم كتابة عينة مما يقول. تكون الأقوال عادة قصيرة ولا تتعدى بضع كلمات. طبعا هناك مقدمة طويلة وتصل احيانا الى نصف صفحة.
عطار في تذكرة الأولياء يقوم بسرد قصص قصيرة من حياة كل شخصية وسماته وخصائصه، بهذه الصورة بأنه في البداية يقدم السرد أولاً بمقدمة في اطار النثر المسجع، في هذه المقدمة حسب الموقف و المكانة الاجتماعية والروحية لشخصياته وصفاتهم يعبر عن أبعاد مختلفة لشخصيتهم.
ثم يروي قصة قصيرة عنه، حيث أن في الحقيقة، إنه ليس بأسلوب كلاسيكي، ولكنه يمثل جانباً بارزاً ومهيمناً من الشخصية؛ وبعد هذه المقدمة، يبدأ بالقصة، في تذكرة الأولياء لم نر قصة “رئيسية” ذات هيكل أرسطويي، بدلاً من ذلك ، فإن “الإشارة” لكل شخصية هي بنية عرضية، وتتكون من مجموعة روايات قصيرة، ومواقف موجودة في القصة وكلمات موجزة.
تحتوي جميع أعمال العطار على التعاليم الأخلاقية والصوفية والفلسفية، وفي تذكرة الأولياء أيضا أساس القصص، التعبير عن المفاهيم الصوفية والأخلاقية في السرد.
نرى أن الأساس في تذكرة الاولياء على رياضة النفس، والزهد وتحمل الآلام والبلاء في طريق الوصول الى الحق ،وهكذا، يمكن ذكرها في الإطار الدرامي.
ونرى الاسلوب المسرحي في تذكرة الأولياء لأن العطار كان يقصد الغرض من القصة بيان معاني صوفية وخلف ظهور كل سرد دليل.
مؤلفاته
بندنامه:أي كتاب النصيحة، وهو كتاب صغير مجمل مليء بالمواعظ الأخلاقية، منطق الطير وهو منظومة رمزية، تذكرة الأولياء، الهي نامه، مختارنامه، خسرونامه، مصيبت نامه، جواهر نامه، شرح القلب، اشترنامه، مظهر العجائب، الديوان: يجعلونه أعلى مرتبة من المثنويات من ناحية صياغته الشعرية ومعانية المبتكرة.
أما تاريخ وفاة الشيخ العطار، فقد اختلفت فيه آراء أصحاب التواريخ اختلافاً كبيراً، لكن القاضي نورالله التستري يجعله في سنة 589 هجرية.
____________________________
*نقلًا عن موقع ” الوفاق أونلاين”.