الدراسات والبحوث

راهنية التصوُّف من الخطاب الفلسفي إلى الخطاب الاجتماعي

د. جعفر نجم نصر

راهنية التصوُّف من الخطاب الفلسفي إلى الخطاب الاجتماعي

د. جعفر نجم نصر

أستاذ متخصص في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية- الجامعة المستنصرية- العراق.

 

في ظل التحولات العالمية المتسارعة تحت وطأة موجة الحداثة العاتية، تغيرت أشياء كثيرة داخل العالم الاسلامي، وكان يعتقد للوهلة الاولى ان العرفان الاسلامي والتصوف الاسلامي سيكونان بمعزل أو بمنأى عن هذه التغيرات بوصفهما يمتلكان نظاماً معرفياً متماسكاً يحول أو يمنع هذه التأثيرات أو على اقل تقدير يعيدا امتصاصها وغربلتها، ومن ثم تكييفها وبما يتلاءم ومنظوميتهما المعرفيتين.

وعلى الرغم من ذلك فأن الذي حصل أننا ازاء تحديات كبيرة طالت أمورا كثيرة بخصوص العرفان والتصوف لاسيما من جهة الاجيال الشبابية:

أولاً: أصبحت المجتمعات في العالم الاسلامي تعيش ثقافة استهلاكية لا حد لها، فضلاً عن طغيان الفردانية لدى أجيالها الشبابية الجديدة، وهذا ما انعكس على العرفان والتصوف بأن أصبحا بوصفهما يمثلان حدثٌا غريبا أو نشازا امام عالم الماديات المهيمن هذا، تحت مظلة الحداثة والعولمة.

ثانياً: بعد اليأس والتجريب في ظل هذه الثقافة الاستهلاكية، وفي ظل ضياع البوصلة المعرفية الروحية والاخلاقية للجيل الجديد (جيل الحداثة والعولمة)، الذي كان يبحث عن متنفس أو ملجأ للقلق الوجودي وحالة الفراغ المعنوي والروحي الذي يعيشونه مما دفعهم نحو البحث أو السعي حثيثاً نحو عالم روحي، ولكن هذه المرة ليس الارتماء في احضان التصوف والعرفان الاسلامي، انما في احضان الموجات الروحية الوافدة من الغرب، والتي هي روحانية/مشرقية أعيد تمثلها ومن ثم إنتاجها داخل المنظومة الغربية، من تقنيات روحية تأملية أو تذوقية للروحانية البوذية والتاوية، فضلاً عن ما يعرف بعالم الطاقة ونحو ذلك وهذا الامر قاد في المآل النهائي بطبيعة الحال إلى التعالي على الميراث الروحي الاسلامي والابتعاد عنه بنحو أو بآخر.

ثالثاً: أن قوة وهيمنة الاسلام الفقهي الذي ارتمى الكثير من المتحمسين له في احضان السلفية الاسلامية، كان بمثابة إحدى العلامات الفارقة على التوجهات الدينية الاخرى أو النقيضة للمسألة التي تقدم ذكرها (لأولئك الذين يبحثون عن الروحانية بمصادر غربية حصراً)، وهذا يعني اننا امام جيل أعيد توجيهه لاحقاً نحو العنف والجهادية الاسلامية تحت عنوان أو ذريعة أنه إسلام السلف الصالح، والذي يمثل محور الاسلام الاصيل، الذي يمكن ان يواجه الحداثة الغربية!!.

رابعاً: أمام كل هذا التفاوت بين الاجيال يقف جيل العرفانيين والصوفيين الذين ما زالوا يمثلون ورثة (الاسلام الطرقي)، الطرق الصوفية المغاربية أو في شمال افريقيا وبعض ورثة مدارس العرفان في المشرق، ذات الخطاب الفلسفي التقليدي الذي يتحول عبر صيرورته الاجتماعية إلى خطاب اجتماعي عبر تجسيداته وممارساته الاجتماعية المتنوعة داخل المجتمع.

على وفق ما تقدم ذكره نحن أذن ازاء أزمة جيلية حقيقية ينبغي لفت الانتباه إليها، والتي تمثلت في أربعة اجيال هي:

١- جيل متماهي مع الغرب وحداثته بنحو المماثلة والمطابقة الكلية.

٢- جيل يعيش الروحانية الوافدة ظناً منه انها الملاذ والخلاص الديني للازمات الذاتية والموضوعية.

٣- جيل يعتقد أن الاصولية/ السلفية هي الهوية والذاكرة التي يمكن من خلالها مواجهة سائر التحديات، بل ومواجهة الغرب بشتى السبل.

٤- في جيل عرفاني وصوفي يعيش عزلته وغربته في ظل عالم ما عاد يعبأ كثيرا بالمنطق الروحي الخالص.

(أننا لا يمكن ان نواجه التحديات العالمية من حروب اهلية وحركات سلفية دموية، ومواجهة تحديات الحداثة على الصعد كافة من دون اصلاحات ومعالجات داخلية وخارجية لمنظومة الخطابين العرفاني والصوفي).

المعالجة الاولى: في الازاحة الداخلية: تجديد الخطاب الصوفي والعرفاني.

المعالجة الثانية: في ملئ الفراغ الخارجي ومواجهة تحدياته .

وهي تتركز في استيعاب:

١) الموت السريري للحداثة ومنطق ما بعد الحداثة وآليات استغلال ذلك لخصوصية العقل العرفاني والصوفي.

٢) التدين الفردي تحت وطأة المجتمع الشبكي وتحولات جيل الشباب في العالم الاسلامي.

٣) الروحانية المزيفة وخطابها الداعم للتصوف لأجل تزييف حقيقة التوحيد والاستيلاء على الميراث الروحي وتوجيه العالم (الحركات والمنظمات الصوفية الأمريكية أنموذجا).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى