فنون و آداب

فبصرك اليوم حديد

د. سدي علي ماء العينين

فبصرك اليوم حديد…

المقال :(25) ؛ اكتوبر .
خاطرة بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ، أكادير فجر الجمعة 7 اكتوبر 2022.
لا اعرف كم مرة انتبهت فيها إلى سلوك بسيط وهو ان ترفع عينيك الى السماء لتتأمل نجوم الليل او حتى لتعاكس قدراتك و تنظر الى الشمس ؟
وهذا طبعا لا يعني بالضرورة انك مشغول برؤية الارض و ما عليها ، فيمكن ايضا ان لا تكون نظرتك للارض سوى لتجنب ما يمكن ان يعرقل سيرك ،
ولكن من المؤكد ان عينيك تهيم في رؤية كثير من الامور حولك ،متفاعلا مع الأماكن و الناس و الاشياء ،
النظر الى السماء او الارض أشبه بثنائية النسر و الدجاج ، فالنسر يحلق في العلالي و الدجاج ينقب في الارض ولا يطير !!!
السماء قد تعني لك الفضاء الفسيح الذي تهيم فيه بالتأمل في ملكوت الخالق،او اعطاء عينيك فسحة للراحة و الاسترخاء ، وقد يكون النظر الدائم إلى السماء مع عنق ممدودة من علامات التعالي و التكبر و السمو ،
اما الارض فهي لصيقة بك ، و لانك تمشي عليها ،فانك مطالب بالنظر امامك لتضمن مسيرك حتى لا تسقط في حفرة او يعيق سيرك ويربك خطواتك امر ما ، وقد يكون المشي بعينين تطيلان النظر الى الارض علامة عن الخجل و التواضع.
وبين السماء و الارض ،يمكنك ان تنسج علاقة كونية وفق معتقد ديني متوارث ،يجعلك انت المخلوق تسير وتهيم في الارض ،و هناك في السماء خالق يرقبك و يصونك ،
لذلك تجد المخلوق يرفع يديه و عينيه الى السماء يشكر او يناجي الخالق ، و لان المسلم يصلي في اليوم خمس مرات ،فالمفروض ان يكون يدعي و عينيه في السماء ،
لكن الغريب في هذا السلوك ان الصلاة في ركوعها و سجودها تدعو المصلي ان لا يرفع عينيه الى السماء ،ولا ان ينظر الى ما حوله ،بل يجب على عينيه ان تبقيا مسمرتين الى الارض علامة على الخشوع و الخنوع للخالق .
الغريب في نظرة الانسان الى العلو و سطح الأرض ، انه كلما وجد نفسه في منطقة عالية ،جبلا او طائرة او طبقة سكنية الا و يجد متعة في النظر الى الاسفل ،و تعجبه الاشياء التي على سطح الارض وهي تبدو صغيرة وانت تشاهدها من شرفة “البالكون” او نافذة الطائرة او من قمة الجبل ،
ما يسري على العين قد يسري على باقي الحواس ،فالاستماع الى اصوات الطبيعة من زقزقة العصافير و خرير المياه ،و الى موسيقى هادئة او ترتيل للمصحف الكريم ، يعطيك الانطباع بالهدوء و السكينة ،عكس الأصوات الصاخبة كموسيقى الرقص ،و اصوات منبهات السيارات و صراخ الناس في الاسواق …
اما الشم فإن رائحة الأماكن المغلقة مهما عطرتها بعطور العالم لن تعطيك نفس الإحساس وانت تشم رائحة الارض في الحقول ،و رائحة الندى و المطر و الارض ، عكس وقوفك في المناطق الملوثة أو التي بها ضجيج…
وبين السماء و الارض مسارات و حكايات تنتهي بك الى صعود روحك الى السماء ،ودفن جسدك تحت الارض !!!
لا اعرف الحكمة في كل الديانات ان يكون مكان الروح في السماء ، ومكان الجسد تحت الارض ،و لا اعرف ما معنى ان كل ما تحت الارض يعني الفناء ،و ما في السماء يعني الخلود و البقاء ،
عندما نضع البذور تحت الارض لا نقبرها ولا ندفنها وإنما نزرعها ،لكن عندما نضع موتانا تحت الارض فنحن نقبرها ولا ننتظر انبعاثها كما تنبعث النباتات من تحت الارض بعد زرعها ،
و عكس ذلك فإن الجنة في السماء ، و النفس تصعد من الجسد الفاني الى خالقها في العلالي ، ولا اعرف من حدد الجنة و النار على أنهما في السماء ، مع ان الجنة التي اعرفها حددوا مكانها تحت اقدام الامهات على الارض !!!
ان الناجحين في حياتهم على هذا الكوكب بين السماء و الارض ، ليس بالضرورة هم من يطيلون النظر الى السماء يناجون ربهم ،ولا هم من الهتهم امور الرزق وجعلت عيونهم في الارض ينقبون رزقهم كالدجاج ،
لكن الناجحين هم من يسكن الله في قلوبهم ،و يجعلهم يفهمون ان نجوم السماء هي كواكب و مستوطنات اخرى قد يسكنها غيرنا ، و ان البصيرة هي ان تحس بكل ما حولك بدل استهلاك نعمة البصر في البكاء او في تعقب الاخرين ،
إن البصر يرتقي إلى مرتبة البصيرة بالتأمل وليس بغض البصر عن كل ما حولك ، فالله جميل يحب الجمال ،فمتع نفسك برؤية كل ما هو جميل من حولك ، فالاولى لك و الثانية ايضا لك وليس عليك !!!!
مادام الله في قلوبكم فهو قادر ان يرفعكم و يسمو بكم الى درجات البصيرة و إلى القمم و الى السماء و الى ما تحت الارض ،
عندما تنتهي من قراءة هذا المقال ،ارفع عينيك الى السماء و تأمل الفضاء الفسيح ولا تفكر في الجنة و النار ،ومن يسكن السماء ، فقط استنشق الهواء بعينين مغمضتين ،تم عد بنظرك و جل به في رؤية كل ما حولك ،ساعتها ستدرك ان لا شك أن حكمة الله اقتضت تحديد نطاق الرؤية للعين البشرية، كي يعيش الإنسان عمره المحدود القصير، في تنفيذ ما هو مطلوب منه خلالها في سلام واستقرار نفسي، غير منزعج أو مرتعدة فرائصه بسبب كائنات أو مخلوقات ليس للقلب البشري طاقة لرؤيتها، فضلاً عن التعايش معها.
لذلك ارتبط رحيل الروح بغمض العينين ، ومادامت روحك بين ضلوعك فلا تنسى قول الله عز وجل:” لقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فبصرك اليوم حديد ” سورة ق : آية 22 .
فهل تعتبرون ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى