إبداعات الحكيم الغزنوي في الشعر العرفاني
إبداعات الحكيم الغزنوي في الشعر العرفاني
يمكننا اعتبار الشاعر العارف سنائي الغزنوي مبدعاً لأسلوب جديد في نظم الشعر هو الأسلوب الزهدي كما عبر عن ذلك الخاقاني الشاعر المعروف في القرن السادس الهجري.
وفي مثل هذا الشعر انصرف سنائي إلى بيان معاني الزهد، والتوحيد، والعرفان في قوالب التعبير الشعري، حيث يمثل التوحيد، والثناء على القرآن، ووصف النبي صلى الله عليه وآله المواضيع الأساسية لأشعاره الزهدية.
وقد خلق سنائي في مثل هذه الأشعار معاني جميلة فريدة من نوعها من خلال نظرته الثاقبة، والدقيقة لأوضاع زمانه.
فنحن نراه في أشعاره يطلق صرخات الغضب والاحتجاج على انهماك أهل زمانه في الملذات، وانكبابهم على ملاذ الدنيا وخصوصاً رجال وحاشية بلاطات الملوك والامراء.
ومع ذلك فقد عبر عن كل تلك الشكوى، والانتقادات ببيان جميل، وبتعابير عرفانية عذبة، فنراه يذكر الناس بانصرام العمر، وقرب الرحيل الى دار القرار، من خلال تجسيم صورة هادم اللذات أمامهم.
وهكذا فإننا نراه يميل في أشعاره إلى نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية في عصره، فيعظ، ويسلط الضوء على جميع نقاط الذروة والحضيض في مجتمعه، حتى يمكننا اعتباره في هذا المجال شاعراً ممتازاً لانظير له لا مِنْ قبل ولا من بعد.
(مُتْ أيّها الحكيم في هذه الحياة
فموتك في هذه الدنيا يعني بقاءك
لا تأمَلْ من هذه الحياة عيشاً
فهي ذئب، والرعي لا يصدر من الذئاب)
بمثل هذه الأبيات الزهدية شحن سنائي الغزنوي منظومته الرائعة (حديقة الحقيقة). وتعرف هذه المنظومة أيضاً باسم (الهي نامه) أي: الرسالة الإلهية، وتتألف من عشرة آلاف بيت تدور موضوعاتها حول التوحيد والعرفان والأخلاق.
وقد وضع سنائي نصب عينيه في هذا الكتاب هدفاً معيناً وهو تعليم المقاصد العرفانية حيث عبر عن هذه الأهداف، والأفكار بأسلوب مفعم بالصور المثيرة للخيال، والتي تحفل من الشاعرية بالشيء الكثير.
وهكذا فان بالامكان اعتبار (حديقة الحقيقة) نوعاً من الموسوعات العرفانية المدونة في قالب الشعر.
أيّها الملك لساني يلهج بذكرك دوماً
أنا لا أسير إلاّ في الطريق الذي أرشدتني اليه
الجميع يبحث عن حضرتك، ويأمل فضلك
والجميع يوحدك، فأنت مستحق للتوحيد
أنت الحكيم، وأنت العظيم، وأنت الكريم
أنت مظهر الفضل، وإن المستحق للثناء).
قلنا إن سنائي هو من جملة كبار الشعراء الذين يعدون من مبدعي الأساليب الجديدة في الشعر الفارسي، بحيث أن شعراء كباراً مثل: جلال الدين المولوي، وفريد الدين العطار، قد تأثروا إلى حدّ كبير بأسلوبه الشعري، وأفكاره ومعتقداته.
ويرى المتخصصون، والباحثون في مجال الادب ان النجاح في مجال الشعر يحالف دوماً الشعراء الذين يقدمون ابتكارات وابداعات جديدة في احد عمودَيْ الشعر، المضمون، والشكل.
ومن خلال نظرة إلى أشعار سنائي يمكننا أن ندرك أنه كان في عصره الشاعر الوحيد الذي استطاع أن يُدْخِل اجواء جديدة في التركيبة التقليدية للشعر الفارسي، وخصوصاً على صعيد القصيدة والغزل.
فلقد تمكن من إدخال الكثير من تجارب الزهد، وكمّ كبير من الأفكار العرفانية في مجال تركيبة، ونسيج الشعر الفارسي.
فقبله كانت التجارب الروحية للعرفاء والزهاد من القرن الثاني، وحتى القرن الخامس الهجري، تصاغ على شكل نثر في كتب من مثل: (الرسالة القشيرية) و(إحياء علوم الدين).
وقد أدخل سنائي هذه التجارب في مجموعة من التراكيب التقليدية المجربة في الشعر الفارسي مسهماً بذلك في إيجاد تحول اساسي في هذا المجال من الأدب الفارسي، ومغيراً الاجواء السائدة في الساحة الشعرية بشكل اساسي، حتى ان الكثير من الباحثين والناقدين المهتمين بدراسة اعمال سنائي انه يعد في هذا المجال نقطة انطلاق، ونقطة كمال وصعود الى الذروة في نفس الوقت.
( أنت معي، في حين أنني أبحث عنك في كلّ مكان
فأيّ وصال هذا يا شمعة حِسان الوجوه؟!
في وصالك تحيّر العقل، والروح كما تحيّرتُ أنا
فأيّ جمال هذا يا من تحيّرتْ فيك الأوهام؟ )
إن الحركة العرفانية التي بدأت بشعر سنائي، ودخلت الشعر الفارسي هي نفسها التي أوجدت فيما بعد، وبعد تغييرات طفيفة في أجزاء الكلام، المقطوعات والقصائد الغزلية العرفانية لحافظ الشيرازي وغيره.
وفي هذا النوع من الأشعار يتلاحم جانباً الوجود الإنساني، أي الجانبين الترابي، والسماوي، فالألوهية والعبودية تخلقان أكثر لحظات الشاعر طموحاً في تاريخ الشعر الفارسي وذلك من خلال الصور التي تمتزج فيه عوالم المُلْك، والملكوت.
والصور التي وجدت في شعر سنائي تجسداً ظاهرياً، هي صادرة عن التجربة الروحية للشاعر، وذهنيته الفلسفية، ومنظومته الفكرية، فمن وجهة نظره، جميع الكائنات تتمتع بالحياة، وتيار الحياة يسري في كل مكان.
وإذا ما أردنا التعرف على سنائي، ومعرفة منزلته، ومظاهر التجديد التي أوجدها في الشعر الفارسي وخصوصاً الغزل والقصيدة، فإن علينا مقارنته بالشعراء الذين سبقوه، بل وحتى الذين عاصروه.
فنحن نرى أجواء الغزل العرفاني قبله وحتى في عصره أجواء صامتة لا أثر فيها للحركة، والحياة، فجاء ليبعث روحاً جديدة في جسد هذا اللون من الشعر، لخلق من خلال العرفان، واللغة الموحدة والمتجانسة غزلاً جديداً أسهم في إنجاب الكثير من عمالقة الشعر العرفاني في الأدب الفارسي مثل حافظ، والمولويّ.
ممتاز جدا ان نقرأ ابيات و كلمات عن العرفان و الزهد و كأننا نعيشه شكرغ
الشكر لكم على اهتمامكم