الدراسات والبحوث

الزمان و المكان ما بين  فلسفة الملا صدرا و كانط                      

 

الزمان و المكان ما بين  فلسفة الملا صدرا و كانط

مهدي محمد زاده1 و فاليو الله خُشتينات2

 ترجمة : كريم عبد الحميد محمد

        

 

 خلاصة البحث :

تلك الورقة العلمية تبحث في تصورات ملا صدرا و كانط  عن الزمان و المكان و تُقارن ما بين مواطن الاتفاق  والاختلاف ، فوفقآ لفلسفة ملا صدرا ، الزمان و المكان متواجدان في العالم الخارجي و ضمن العالم المادي كذلك ،  و لكن حضورهما ليس بمعزل عن الكائنات المحسوسة  ، و  يُستدل عليهما من خلال ماهيتهما ، الملا صدرا يعتبر أن  للكائنات  المادية امتدادات : امتدادات لازمة فى ثلاثة اتجاهات الطول و العرض و العمق و التي تُعرف بأسم المكان ، و الامتداد الرابع  وهو ما يطلق عليه  الزمان ،أما عند كانط فالزمان والمكان هما شيئان حقيقيان في العالم العقلى و لا وجود لهما في العالم الخارجي، فهما مجرد قوالب تنظم فيها المُدركات الحسية لتتحول إلى معرفة ، و لا يمكن معرفة الأشياء خارج إطار الزمان والمكان.

 

الكلمات المفتاحية : ملا صدرا  ، كانط  ، زمان ،  مكان ، إيران.

 

 

المُستهل

 

الإنسان كائن شمولى بطبعه يفكر في اللانهائيات و يسعى بإستمرار للقضاء على المعوقات في رحلته،  والزمان و المكان من ضمن تلك المعوقات التي حاول الإنسان القضاء عليها ، و لكن ليس بوسعه العودة إلى الماضي و لا يمكنه السفر إلى المستقبل ، فضلآ عن أنه لا يمكن أن يتواجد في أماكن شتى  في نفس اللحظة ، و لطالما لاحقت المرء هواجس تلك القيود : أود أن أرجع بالزمن عشر سنوات إلى الوراء و أن أبدأ مُجددآ…ودت لو كنت في مكان آخر الآن … لذلك يفكر الإنسان في الزمان و المكان مما قد يقوده أحيانًا إلى أوهام  كوهم آلة الزمن، أو إلى تصورات أعلى قدرآ في أحيان أخرى ، و لأن الزمان و المكان لا يمكن إدراكهما عن طريق الحواس ، بالإضافة إلى أنهما ليسا كائنآ مُحددآ مثل الشجرة أو الجبل ، فإن اكتشاف حقيقتهما  و طبيعتهما أمرآ عسيرآ، و لقد أدت تلك الصعوبة  إلى تباين و تضارب وجهات النظر  في هذا الصدد ، و في بعض الأحيان يتم التأمل في  هذين الأمرين و إستيعابهما ، وأحيانًا يُنظر إليهما  على أنهما وهميين و خارجيين ، لكن ما يبدو جليآ هو أنه في كل موضع يتم النظر إلى الزمن بدقة و عمق أكثر ، و قد أدى ذلك إلى إبداعات  و قام على حل العديد من المعضلات الفلسفية كما يتضح في فلسفات الملا صدرا و كانط ، لذلك تهدف تلك الورقة العلمية إلى البحث في أفكار هذين الفيلسوفين عن الزمان و المكان.

 

المكان وفقآ لفلسفة الملا صدرا

في الفلسفة الإسلامية ، تضح ضرورة  تفسير مفهوم المكان عندما ندرك بأننا في حاجة إلى فهم مُنضبط لفكرة المكان  لإستيعاب تصورات أخرى مثل المُجرد و المادي و ما إلى ذلك ، فقام الملا صدرا بالعثور على أربع سمات مُشتركة ، حينما نظر إلى  المكان بإعتباره تصورآ يقينيآ،  و من ضمنهم : أن المكان  مسألة واضحة  بموجب خصائصه و مميزاته المعروفة، أي الشيء الذي ينتقل بواسطته الجسم من و إلى ذلك و يبقى الجسم فيه و له مكان، هذا يعني أنه بمقدورنا الإشارة إليه هنا أو هناك ، و له مقدار، و يمكن قياسه، و يحتوى على أجزاء (كسور) ، و نصف، و ثلث ،و ربع ولا يخترقه جسمان.

 

يصرح الملا صدرا قائلآ بأن : “كل من لديهم خلاف حول المكان ، اتفقوا على الخصائص الأربع المذكورة أعلاه  ،حيث أن خلافهم ليس موضوعيآ فقط ، و لكن أيضآ تصوراتهم حول حقيقة المكان مختلفة (طباطبائى ، 1994) ،  فكما يشير الملا صدرا إلى خمسة شواهد حول حقيقة المكان و يعدد المُعضلات التالية لها :

  • المكان هو مادة الجسم
  • المكان هو مظهر الجسم (طباطبائى ، 1994)

لم يتلقى العلامة الطباطبائي Allameh Tabatabaee  هذين الشاهدين بأريحية  ، فعرفهما على نحو أخر من الأربع سمات  الرئيسية للمكان.

 

من تلك الشواهد و التصورات ، نستنتج أن مادة أو ظاهر المكان لا تتوافق مع الأربع خصائص ، لأن المكان الحركة تتطلبه أو تقوم على تركه،  بينما المادة و المكان  ليسا كذلك ، فيمكن إرجاع الجسم المُركب إلى المادة ، و على سبيل المثال ، يمكننا أن نقول : باب خشبي أو باب حديدى ، بينما لا يُعزى إلى المكان (طباطبائى ، 1994).

 

المكان هو ظاهر الجسم الذي يُمرر الشئ ، سواء كان محمولا أو حاملآ  (طباطبائى ، 1994)، فأهم انتقاد وجه لنظرية الظاهر هو أنه إذا كان الإحتمال هو  أن الظاهر (حامل أو محمول) ، فينبغى أن يكون متحركًا و غير متحرك في نفس اللحظة ، مثل الأسماك التي لا تتحرك  في المياه الجارية أو الطيور التي لا تتحرك في السماء عندما تهب الرياح  ، لأن جسدها المحمول يتبدل في كل لحظة ، فيجب أن تكون متحركة بينما نلاحظ  الثبات بأبصارنا ، كذلك ، نقوم بوصف ذلك المكان بأنه ممتلئ أو خاوٍ ،  وتلك الصفة  صحيحة  فيما يخص البُعد و ليس الظاهر (طباطبائى ، 1994).

 

المكان هو الظاهر الداخلي لجسم محمول يلامس الظاهر الخارجي للجسم الحاوى ، و صرح أرسطو بذلك و تبعه الفارابي و ابن سينا (طباطبائى ، 1994).

 

الانتقاد على تلك النظرية هو ما إذا قمنا بإفتراض أن هناك سمكة في المياه الجارية ، فإن سطح الماء الملامس لجسدها يتبدل  باستمرار ، و تبعآ لتلك النظرية ، يجب أن نقول أن مكانها يتبدل دائمآ، بينما قمنا نحن بإفتراض أن السمكة ساكنة و لم يحدث لها أي تغيير في المكان (مصباح ، 2004).

 

ملاحظة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار، ألا و هي أن هذا التعريف يتألف من تصورين أساسيين: أحدهما الظاهر الداخلي للجسم المحمول ، و الآخر هو كونه ملامس للظاهر الخارجي للجسم الحاوى، و لكن الظاهر ينتمي إلى فئة “الكم” و “التماس” ، و تبعآ لنظرية أرسطو هو فئة “إضافية” و مجموع هاتين الفئتين لا ينتجان فئة ثالثة، من جهة أخرى ، كون التماس هو الحالة الإضافية لذلك الظاهر ،فلا يمكن اعتباره من طبيعته ، و بالتالي فهو من فئة كمية (مصباح ، 2004).

 

المكان هو بعد مساوٍ لأبعاد الجسد و استنادآ على ذلك ، فهو بعد طبيعي و مجرّد ، يُعزى هذا الشاهد إلى أفلاطون و الرواقيين ، و مُحقق توصى Mohaqeq Toos i و الملا صدرا (الطباطبائى، 1994).

 

إن أهم انتقاد للبعد الطبيعي المُجرد هو أن ضروريته هي تنازع قيمتين و هو شيء مستحيل لأن تلك النظرية تعني أن الجسم ذو الأبعاد الثلاثة الممتدة في ثلاثة اتجاهات يؤدى بشكل دقيق إلى قيمة مُعينة أخرى و تتبدل هاتان القيمتان إلى قيمة معينة لا تخفى عن أي شخص، بإستثناء البرهنة عليها ، فإننا نعتبر سبب التفادى هو مادة ذات قيمة أو شكل أو كليهما (طباطبائى ، 1994).

 

يبدو أن ذلك  الاستشهاد عجيبآ، لأن الكائن المُجرد على الرغم من كونه عينى و برزخي ، لا علاقة له بالكائنات المادية و لا يمكن النظر إليه على انه حاوى، من الممكن أن يكون هناك خطأ في الحديث أو أن لفظ “مُجرد” ليس ذلك المفهوم الشائع و لكنه يُشدد على أن مرداماد Mirdamad قد قام بنفى انتساب هذا الاستشهاد إلى أفلاطون ، بالنظر إلى  تلك الإحتمالية ، يمكننا تأويل هذا النص كالأتى : المكان هو مقدار العالم إذا تم النظر إليه على أنه مُفارق (مصباح ، 2004).

 

يتضح أن التصور الأول للمكان ليس له صلة بمفاهيم مثل الإنسان ،أو الحيوان ،أو اللون ،أو الشكل ،و لكنه تصور مماثل يتضمن العزو و إضافة كائن لدية مكان  و لإستيعاب ذلك التصور ، يجب أن نقيس شيئين من منظور  مُحدد ، بهدف اعتبار أحدهما مكان للآخر و هذا يدل على أن المكان ليس تصورآ حقيقيآ لكى تتحدد فئته و لكنه تصور مُجرد (مصباح ، 2004).

 

المكان هو من عمل الكون و قبل انبثاقه أو بعد فساده، لا وجود للمكان بحيث لا يمكننا تناول المقدار  أو المكان ككائن مُستقل و النظر في خلقه المُستقل ، في الأصل ، تصورات مثل المقدار  و المكان تُشير إلى نواحى من الأجسام التي ينظر إليها العقل بشكل مُنعزل  و بذلك ، فإن تلك المواضيع تصبح  ذات طبيعة مادية ، عن طريق إمعان النظر ، تتضح علة انتساب المكان للأجسام و هي من خصائص الكائنات المادية ، لأن مصدر  التجريد ليس سوى كتلة الجسم (مصباح ، 2004).

 

 

 

الزمن وفقآ لفلسفة الملا صدرا

 

إبان تاريخ الفكر الإسلامي ، تم التعامل مع الزمن من وجهات نظر مُتباينة، إلى الحد الذى فيه العلماء و المدارس الفلسفية المختلفة قد تناولوه على محمل الجد ، و بما أن انبثاق  علم الكلام الإسلامى سابق  على ظهور الفلسفة الإسلامية ، يمكننا الإفصاح بأن العلماء تعاملوا مع الزمن قبل الفلاسفة،  في علم الكلام ، يُنظر للزمن  على أنه وجد مع خلق العالم و انبثاقه ، فبهدف معرفة العالم كما تبين أنه يحتاج إلى العلة و المعلول ، اعتبر العلماء الزمن  شيء وهمى وغير حقيقى و مُدرك ، و تبعآ  للعلماء ، فإن الزمن هو نتيجة لتضارب الأحداث المعلومة مع وجود علة مجهولة (كابيلستون Kapelston ، 2008).

 

هناك وجهات نظر مُتباينة عبر عنها ابن سينا في الشفاء و أشار إليها الملا صدرا في  الأسفار :

  • انكر البعض وجوده ، أى أنه ليس له مصدر خارجي و أصل مُجرد و لكن يُدرك
  • ليس له نموذج خارجي و لكن أصله مُجرد و هو ادراك فلسفي ثانوى
  • الزمن ليس له تواجد مٌنفرد ، فهو يحدث بين ظاهرتين
  • الزمن من طبيعة مادية
  • الحركة بما تتضمنه من ماضي ، و حاضر، و مستقبل هى الزمن
  • الزمن هو حركة السماء ، و ليس حركات أخرى
  • الزمن طواف تام من السماء ، و غير منقوص
  • يقول أبو البركات البغدي Abo-al-Barakat Baghddi: الزمن هو مقدار الوجود
  • قال بعض العلماء مثل أفلاطون و أنصاره: إن الزمن من طبيعة مختلفة مُكتفيآ بذاته

 

في وجهات النظر المذكورة أعلاه هناك وجهتان نظر شاملتان عن الزمن: الأولى: رأي من لا يعتقد بالزمن و يعتبره وهمآ ، و هناك من يعتقد بالزمن مع اختلاف وجوده و طبيعته.

 

قام الملا صدرا في الأسفار بطرح نقاشين حول الزمن: الأول نقاش حول الزمن المُثبت و نقاش أخر  حول طبيعة و نهج الزمن ، و قام  الملا صدرا بذكر أسلوبين للبرهنة على  الزمن : منهج العالم الطبيعي ومنهج العالم اللاهوتي.

 

و الذى قادنا إلى الزمن هو أننا نُشاهد أن أحدآ من الجسمين المتحركين على مسافة قام بقطع مسافة أطول من الآخر الذى قطع مسافة أقصر ، بالرغم من أن الجسمان انطلقا في نفس اللحظة و انتهيا سويآ ، و في بعض الأحيان نُشاهد  أن المسافة التي قطعها جسمان متطابقة و لكنهما يختلفان في بداية  و نهاية الحركة ، لذلك يبدو جليآ أنه يوجد في العالم كمية واحدة و مُتغير  يُطلق عليه الزمن ، و هو الذى يُحدد مقدار الحركة والتباين بينهما عن طريقه ،  و تلك الكمية هي كائن غير دائم ، لكن مقدار الأجسام  موضوعات مُستقرة و غير قابلة للتبديل (صدرا، 2012).

 

يقوم العلامة الطباطبائى بئكر نهج علماء اللاهوت للبرهنة على  وجود الزمن على النحو الأتى: نُقوم بمشاهدة حوادث من حولنا تقع بعضها وراء البعض الآخر بحيث ينقطع ما يجرى بعد ذلك عن الحوادث الماضية، ليجعل الجمع ما بين القبل و البعد مستحيلًا، تلك الفئة من التبديل تختلف عن التبديلات الأخرى في أمر واحد ، لأنه في تغير العلة أو بضعآ منها يؤثر ، فلا يكون الانقطاع هو الذي يوقف الجمع، و ذلك مُستهل جلى لا ريب فيه ، من جهة ، فإن الأمر المُتعارف عليه بأنه “قبلى” ينقسم إلى ما قبل و بعد بحيث تمت رؤيته في كل الحوادث، هذا يعني أنه يستحيل الجمع ما بين ما قبل و بعد ، و بناء على ذلك ، فكلما أكملنا التقسيم ، سيظل هناك قسمان “قبل” و “بعد” ، بالرغم من أن ذلك التقسيم لن ينتهى أبدآ، لذا  يتوجب أن تكون هناك كمية واحدة مترابطة إبان تلك الحوادث ،  لأنه إن لم يكن هناك كم ، فلن يكن  هناك وجود للتقسيم ، و إن لم يكن هناك ترابط ، فلن يمسك بعد بقبل وكانا منعزلين ، بشكل آخر ، إذا لم يكن هناك تواصل ، فلن توجد رابطة ما بين قبل و بعد و إن  لم تكن دائمة ، فقد وقع  الجمع ما بين ما قبل و بعد ، و ذلك ما نطلق عليه “الزمن” (طباطبائي ، 1994).

 

بعدما تمت البرهنة على وجود الزمن ، يقوم الملا صدرا بالتعامل مع طبيعة الزمن و مسلكه، فبالإستناد  إلى تصورات أسلافه يقوم الملا صدرا ببناء تصوراته الخاصة ، فبتقبل الملا صدرا للمواطن الإيجابية في نصوص الأسلاف عن الزمن و الاستناد إليها، يتم محو مواطن الضعف ،و يعوض التقصير ،و العجز في تصوراتهم ، و نتيجة لذلك يقدم منظور جديد يحل به معضلة الزمن  و الحركة في نفس الوقت ، و ذلك من أعظم إسهاماته في الفلسفة، إن المواطن الإيجابية تتلخص فى: أن الزمن هو  موضوع مُستمر و قابل للتقسيم و بصورة ما ينتمي إلى الشمولية ؛ ما بين الزمن و الحركة صلة وطيدة لا تنفصل ، فلا تحدث أي حركة بدون زمن،  بحيث يستحيل إدراك الزمن مُنفردآ بدون حركة و التغير المُستمر غير مسموح به، لأن جريان العناصر هو تغير تدريجي للشيء الذي لديه زمن (مصباح ، 2004).

 

لكن منظور الملا صدرا يختلف عن تصورات أسلافه ، فإن للزمن ارتباط وطيد بالتحول و الحركة ، و الاختلاف في ذلك الموضع يقود إلى اختلاف المنظور حول الزمن ،قبل الحكمة المتعالية، كانت الحركة و التغيير مقيدين بالعرض الرابع لكن الملا صدرا برهن على الحركة في الجوهر، و من ثم كل العالم المادي في حالة تبديل و الحركة و عدم التغيير يقع في المُجردات  و الطبيعة مثل الحركة، لقد نظر للزمن و الحركة على أنهما من المظاهر الخارجية للأشياء بينما بالنسبة لهما ، فهما يتضمنا مظاهر تحليلية ، ليس لها وجود مستقل و يستحيل عزلها  إلا في قالب تحليل العقل ، و عين الحركة للظاهريات و نفى إعتماد الزمن على الأشياء دونما وسيط ،بينما الحركة الرئيسية هي الحركة في الجوهر ، لأنه من المستحيل أن يعبر شيء بدون حركة من تلقاء نفسه،  عن طريق التوسط لموضوع أخر ؛ لذلك ، يجب أن يُعزى الزمن إليها بشكل مباشر و اعتبارها البعد الرابع بالنسبة له ، تبعآ للملا صدرا ، فإن الزمن  هو البعد و الامتداد لكل كائن طبيعى ، بجانب أبعاد المكان (الطول ، العرض ، الكثافة) (مصباح ، 2004).

 

 

الزمان و المكان وفقآ لفلسفة كانط

 

إن الحياة العلمية و الفكرية لكانط تضمن مرحلتين قبل النقد و بعده ، فكان كانط قبل النقد من أنصار لايبنيتز Leibniz ، و بجانب العمل على تأليف الكتب والأطروحات الفلسفية ، فقد تعلم و له كتابات علمية ، فيما بعد الحقبة النقدية الفلسفية، قام  كانط على تأسيس نسقآ فلسفيًا جديدًا انتهى بكتاب “نقد العقل الخالص”.

 

في تلك الفترة ، تأثر كانط بهيوم Hume و التى وجهت أعماله كانط لنواحى مُحددة في دراساته، تأثر بهيوم لكنه لم يكن من أنصاره ،في الحقيقة ، كانت فلسفة كانط إستجابة ضد تجريبية هيوم التي عطلت الإدراك وجعلت العلم بلا فائدة ، لكن كانط يعتقد بالإدراك ، لذلك  حاول تقديم خطة جديدة و دراسة لقياس قدرة العقل على الإدراك.

 

يقوم كانط بالإشارة إلى القضية التي ليست في الموضوع و يكشف عن علم جديد كقضية تركيبية و قضية متضمنة في الموضوع و لم يشير إلى أن  الموضوع الجديد هو قضية تحليلية ، في تصنيف آخر ، قام كانط بتسمية القضية التي تحتاج إلى تجربة لتكون صحيحة أو خاطئة باللاحقة أو بالمعرفة  البعدية و الحالة التي ليست بحاجة إلى التجربة مُسبقة أو قبلية .

 

يقوم هيوم Hume بالنظر  في القضايا البديهية في العلم  ، في الوقت الذى يؤمن فيه كانط بوجود تلك القضايا في العلم و في نسقه الفلسفي بواسطة تقسيم العلم إلى رياضيات و علوم  طبيعية و ميتافيزيقيا ، و التي تتعامل مع القضايا البديهية ذات الطابع التجريبي و الشمولى.

 

لكن يقوم كانط بعرض الزمان و المكان و سماتهما تحت عنوان “الإدراكات المتعالية” (هارتنوك ، 2013).

 

الزمان و المكان يقوما بالبرهنة على أن كل التعريفات و الأحكام ترتكز على الرياضيات لأن كل الأفكار الرياضية يجب أن يتم تصورها أولاً على هيئة براهين و مفاهيم رياضية محضة ، التي يجب تخيلها في إطار البراهين الخالصة (ابن سينا ، 2011) ، يقوم كانط بتقسيم الرياضيات إلى الهندسة و الحساب ، و بواسطة  تقديم الزمان و المكان على أنهما أوجه بديهية للبراهين  التي هي ركيزة الرياضيات ، فإنه يقدم أولاً طبيعة و صفات المكان على أنها هندسة أولية و الزمان كحساب أولى.

 

 

المكان وفقآ لفلسفة كانط

 

يؤكد كانط بأربعة أدلة أن المكان هو شكل أولى للبديهة ، أولاً ، المكان ليس تصورآ تجريبيًا ينبع من تجربة خارجية ، بجانب انه يرفض الفراغ .

ثانيًا ، المكان هو تصور ضروري و بديهى لأنه  أساس كل البراهين الخارجية ،لا يُمكن  أن يتصور أحد عدم وجود المكان على الإطلاق و لكن بوسعنا أن نتصور أنه لا يوجد شيء في ذلك المكان، ثالثًا ، المكان ليس تصورآ  ذهنيآ و لكنه محض حدس، و بإمكاننا تصور  مكان  واحد فقط ، بالرغم من قدرتنا على تقسيم ذلك المكان إلى أجزاء متنوعة بأحجام مختلفة، و تلك  الأجزاء هي مقتطفات من المكان و ليست من مقوماته، و رابعًا ، المكان ليس تصورآ  و لكنه حجة بديهية، قد يكون لهذا التصور تجليات مُختلقة ، بمقدورنا الكلام عن أقسام من المكان ، و لكن لا يُمثل شيء منها حقيقة المكان (هارتنوك ، 2013)، تم تصنيف الهندسة في تصور  كانط  على أنها أولية من حيث خصائص المكان لأنها العلم الذي يمكننا بواسطته إصدار  وجهات نظر مبدئية حول مفاهيم المكان مثل الخطوط المباشرة وأقصر المسافات ، إن إصدار هذا الحكم  مشروط  بمكان مُسبق.

 

 

الزمن وفقآ لفلسفة كانط

 

يقوم كانط بالتعامل على نحو مُشابه مع هذا الموضوع و يذكر أربعة  أدلة للتأكيد على  بديهية الزمن ، الزمن  لا يُعد تصورآ تجريبيا ، إننا لا نتحصل  على تصور للزمن بالاستناد إلى التجريد، و فى المُقابل ، لو لم نفترض زمنآ ، فلن نتحصل على أي خبرة، الزمن تصور الزامى ، لا يقدر أحد على تخيل العالم بلا زمن ،  الزمن ليس تصورآ عقلانيًا و لكنه حدس مبدئى ، بمقدورنا  التكلم عن أجزاء و نقاط متنوعة عن الزمن ، لكنها أجزاء من الزمن  و ليست من مقوماته ، إن الزمن لا يتشكل من أجزاء زمنية منعزلة ، إننا نعجز عن الحديث عن الزمن ما لم نفترض وجوده ، لذلك ، الزمن ليس تصورآ و لكنه أمر بديهى.

الزمن كحدس بديهى هو الشرط المُلزم لإصدار أحكام أولية في الحساب ، إن الرموز تتكون عند إضافة  و حدات متتالية ، تلك الرموز المتتالية قامت بتحديد  الحدس المُسبق (هارتنوك ، 2013).

تبعآ لكانط ، الزمان و المكان يُنظر إليها على أنهما من القضايا الغير موضوعية  ، و لكن حضورهما في العقل هو حضور مُنفرد ، فإن كل من هذين التصورين ليس سوى أمر بديهى،  لأنه إذا إستبعدنا الحدس التجريبي للأجسام و تحولاتها ، فسيتبقى الزمان والمكان ؛ لذا، فهما أمر حدسى محض ،و هما ركيزة للحدس التجريبي ولا يمكن إسبعادهما (كانط ، 2011).

 

 

الاستنتاج

إن مواطن التشابه الأساسية ما بين الملا صدرا  و كانط حول الزمان و المكان ، و تبعآ لهما ، هي أن الزمان و المكان ليسا قضايا متخيلة و أنهما حاضران ، لكن الملا صدرا يؤمن بأن الزمان و المكان في الظاهر الخارجي ، بينما يؤمن كانط بذاتية و إستقلالية الزمان و المكان ، و بحسب الملا صدرا ، المكان فكرة جلية ،  لكن الزمن مُبهم و في حاجة للبرهنة، و لكن تبعآ لكانط ، الزمان والمكان ليسا لهما أصل تجريدى.

 

يوجد ملاحظة هامة حول الزمان والمكان من أراء الملا صدرا و كانط  ،هي التباين ما بين تصوراتهما، فالمنظور الكانطى إبستمولوجى بمعنى ، أنه يؤمن بأن الزمان والمكان لا ينتميان للمفاهيم والتصورات العقلية ، و لكنهما جزء من تركيبة العقل المعروفة بالمُدركات الحسية  ، و أي شاهد من العالم الخارجي يقع في إطار الزمان والمكان لأنهما بنية ذهنية ،و لكن الزمان والمكان ليس لهما وجود حقيقى  في عالم الظواهر، إن الملا صدرا لديه رؤية معرفية تجاه الزمان والمكان، فالزمان والمكان أربعة أبعاد للكائنات الطبيعية ، أي أنها جزء من تكوينها ، بإمكاننا القول و تبعآ لكانط ، فإن الزمان والمكان هما جزء من بنية و ركيزة الوجود الفكرى للكائنات ، أما  بالنسبة للملا صدرا ، كلاهما ركيزة الوجود الخارجي للكائنات.

 

هوامش البحث الأصلية

Avicenna, 2011. Points and Remarks. Tehran University Publication, Tehran, Iran.
Hartnock, Y., 2013. Recognition Theory in Kant Philosophy. Hermes Publication, Tehran, Iran.
Kapelston, F., 2008. History of Philosophy. Vol. 6, Scientific-Cultural Publications, Tehran,Iran.
Mesbah, Y.M.T., 2004. Philosophy Education. 2nd Edn., International Publication, Tehran,Iran.
Sadra, M.M.I., 2012. Evidences of God. Soroush Publication, Tehran, Iran.
Tabatabee, M.H., 1994. Final Reason. University Publication Center, Tehran, Iran,.

 

هوامش الترجمة

1 . قسم الفلسفة ، كلية اللاهوت و الدراسات الإسلامية ، جامعة بايام نور ، إيران.

2 . قسم اللاهوت و العلوم الإسلامية ، جامعة بايام نور (PNU) ، إيران.

  1. Mahdi Mohammadzadeh and Valioallah Khoshtinat,2016,Time and Space in the Philosophy of Mulla Sadra and Kant ,The Social Sciences,11:6050-6054.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى