أبو عبد الله محمد بن سليمان الجزولي من أعلام التصوف المغربي
أبو عبد الله محمد بن سليمان الجزولي من أعلام التصوف المغربي
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمان بن أبي بكر بن سليمان السملالي السوسي الشهير بسيدي ابن سليمان، نسبة إلى جده الثاني سليمان. من أعلام التصوف المغربي، إليه انتهت الطريقة الشاذلية في عصره، وعنه تفرعت جملة من الطرق التي يكثر أتباعها في المغرب بصفة خاصة: كالطريقة التباعية والغزوانية والفلاحية والبكرية والعيساوية والشرقاوية والبوعمرية.
إننا إزاء تاريخ رجل، تتلاقى فيه مكانته العلمية، واجتهاده، وكفاءته، وقدرته الفائقة على التأثير والتلقين والتعليم…، كلها صفات أهلته ليصبح قطبا، يتحلق حوله المريدون، ويتكتل بين يديه الأتباع…، أتباع عجت بين أعدادهم آمال التغيير، وآفاق النهضة انسجاما مع مشروع الشيخ النابع من ثقافة دينية أسست للطريقة الجزولية، والتي أحدثت مسلكا جديدا في مجال التصوف داخل المغرب وخارجه…
كان رضي الله عنه من العلماء العاملين، والأئمة المهتدين، وممن جمع بين شرف الطين والدين، وشرف العلم والعمل، والأحوال الربانية الشريفة، والمقامات العلية المنيفة، والهمة العالية السماوية، والأخلاق الزكية الرحمانية، والطريقة السنية، والعلم اللدني، والسر الرباني، والتصريف النافذ التام، من الخوارق العظام والكرامات الجسام…[1]
قال عنه صاحب شجرة النور الزكية: الشريف الحسني الفقيه، الإمام شيخ الإسلام علم الأعلام، العالم الشيخ الكامل، العارف بالله الواصل، صاحب الكرامات الكثيرة، والمناقب الشهيرة…، أخذ عن أئمة علم الظاهر والباطن وانتفع بهم، وعنه أخذ خلائق لا يحصون كثرة، وانتفعوا به.[2]
شيوخه:
قصد الجزولي مدينة فاس لطلب العلم، فنزل بمدينة الصفارين، وكان يعيش حياة عزلة وتأمل، إذ لم يكن يُدخل أحدا إلى غُرفته التي كان يخلو فيها بنفسه، بعدما نقش على جُدرانها كلمات: الموت – الموت… وهذا مظهر من مظاهر عدم الإستقرار، والبحث عن شيخ مرب يمكن السلوك على يديه، لذلك أضطر الجزولي للسفر إلى المشرق للاتصال بالعلماء والشيوخ المربين، وتحدد الروايات المدة التي قضاها في سياحته بسبع سنوات، طاف فيها مدن الحجاز ومصر، ومدينة القدس وأخذ بالأزهر عن عبد العزيز العجمي.
ويبدو أنه لم يعثر على ضالته مع طول أمد جولته، وتنوع أماكن زيارته، فعاد إلى المغرب وحل بفاس من جديد، وإن كان الأمر قد اختلط على بعض المصادر، فلم تميز بين رحلته العلمية الأولى، وهذه السفرة الثانية إلى فاس…. التقى بالإمام زروق الذي أرشده إلى الشيخ المربي، والمُعين على سلوك الطريق؛ وهو أبو عبد الله محمد أمغار الصغير بتيط.[3]
تلامذته:
اجتمع بين يديه من المُريدين ما يزيد على الاثنى عشر ألفا، منهم أحمد بن عُمر الحارثي المكناسي، والشيخ عبد العزيز التباع، وأبو عبد الله الصغير السهيلي.
وهؤلاء الثلاثة أخذ عنهم: الولي المشهور العارف بالله القطب أبو عبد الله محمد بن عيسى المكناسي، وأبو العباس أحمد بن سعيد، وأخوه محمد بن سعيد.[4]
آثاره:
جاء في إظهار الكمال: ذُكر أنه جمع كتابه (دلائل الخيرات) من كُتب خزانة جامعة القرويين بفاس، وقصد رضي الله عنه فيه، كما قال الشيخ الإمام محمد العربي بن سيدي يوسف الفاسي فيما وجدته بخطه: جمع المروي من ألفاظ الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، عنه صلى الله عليه وسلم وعن غيره من فُضلاء أمته، والاقتداء بهم، والتبرك بأتباعهم، وذلك كله لحُسن نيته رضي الله عنه، ويذكر أن سبب جمعه له أنه شاهد من امرأة بفاس أمرا عظيما من خرق العادة، فسألها بم بلغت هذا؟ فقالت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك مبنى طريقه وطريق أتباعه، وخصوصا كتاب شيخهم (دلائل الخيرات) فقد كانوا مواظبين عليه، ومُعتنين به، ومُستصحبين له.[5]
وفاته:
توفي رحمة الله عليه ونفع به بآفوغال وهو ساجد في السجدة الأولى من الركعة الثانية من صلاة الصبح ليوم الأربعاء من ذي القعدة الحرام من عام تسعة وستين وثمانمائة، ودُفن لصلاة الظهر من ذلك اليوم بوسط المسجد الذي كان أسسه هنالك.
وقال الشيخ أحمد بابا في (نيل الابتهاج): (…مات مسموما في الركعة الأولى من صلاة الصبح، سادس عشر ربيع الأول عام سبعين وثمانمائة). وقال الشيخ زروق إنه مات مسموما في صلاة الصبح، إما في السجدة الثانية من الركعة الأولى أو في السجدة الأولى من الركعة الثانية، عام سبعين وثمانمائة. [6]
الهوامش:
[1]. إظهار الكمال في تتميم مناقب سبعة رجال، لعباس بن ابراهيم السملالي التعارجي،2/14، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى سنة 2010م.
[2]. نفسه.
[3]. نفسه.
[4]. شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف، 2/110، مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الأولى سنة 2007م.
[5]. إظهار الكمال، 2/18.
[6]. إظهار الكمال، 2/23.
_____________________________
*نقلاً عن موقع “الرابطة المحمدية للعلماء” في المملكة المغربية.