الإمام أبو القاسم القشيري
نهال نعواش
هو عبد الكريم بن هوزان بن عبد الملك بن طلحة بن محمد القشيري، ويُكنى بأبي القاسم، يلقب بـ”زين الإسلام” أو “جمال الدين”. احتل مكانة مرموقة في عصره، فقد كان أحد كبار علماء وفقهاء الشافعية في ذلك الوقت، وتولى إمامة الصوفية في بلده، كما كان من الرواد في العديد من العلوم مثل: الفقه، والتفسير، والحديث، والأصول، والأدب، والشعر، والكتابة، وعلم التصوف، ومما ساهم في سعة علمه وتعدد معارفه هو انتماؤه إلى أسرة مشهورة بالعلم والأدب، كما خرج من أهل بيته أبناء وأحفاد علماء، ومسندون معروفون.[١][٢]
مولده ونشأته:
وُلد أبو القاسم القشيري في شهر ربيع الأول، من عام 376 هجري، في منطقة أُستوا بالقرب من نيسابور، والقشيري ذو نسبٍ عربي خالص، فوالده هو هوازن بن عبد الملك بن طلحه القشيري، والذي ينتمي إلى قبيلة قشير العدنانية ذات السجل الغزير بالعلماء، وقد كان شديد الاهتمام بالأدب والشعر، إلا أن الأب قد توفي وابنه لا يزال طفلًا صغيرًا، فنشأ القشيري يتيمًا، أما والدته فهي سلمية، وتنتمي إلى قبيلة بني سليم العربية، وقد كانت سيدة فاضلة، وصاحبة علم أيضًا.[٣]
مسيرته العلمية والعملية:
بدأ أبو القاسم القشيري في طلب العلم في مقتبل العمر، فدرس الأدب، واللغة العربية، وتدرب على الفروسية، ومن ثم انتقل إلى نيسابور لتعلم الحساب؛ بهدف تهيئته لتولي منصب إداري في مسقط رأسه أُستوا، إلا أن القدر قد خبّأ له أمرًا آخر، فبعد انتقاله مال أكثر إلى دراسة علوم الفقه، والكلام، والحديث، والتفسير، والأدب، مما دفعه إلى حضور مجالس كبار العلماء في هذه المجالات، من أمثال: ابن فورك، ومحمد بن أبي بكر الطوسي، وأبي إسحاق الاسفراييني، وغيرهم الكثير، وقد نال القشيري إعجاب جميع شيوخه؛ لذكائه، ونبوغه، وقدرته الكبيرة على الحفظ والفهم.
علماء تأثَّر بهم:
ومن العلماء الذين كان لهم الأثر الكبير في حياة القشيري وانخراطه في الصوفية، هو الشيخ الصوفي أبو علي الدقاق، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة وقوية، فكان رائده، وملهمه، ومرشده، وصديقه، إذ وقف إلى جانبه أثناء مسيرته العلمية، ووجّهه إلى الطريق الصحيح، وساعده على مواجهة مشكلات الحياة، وقد نصحه بالتفرغ لدراسة العلوم الدينية والعربية، إلى أن يتقن مسائلها إتقانًا كاملًا، فاتبع نصيحة شيخه، فجمع بين الدراستين العقلية والنقلية والوجدانية، فكان لهذه الأمور كلها دورٌ كبير في تكوين شخصيته بشكلٍ سوي، واستقرارها نفسيًا، فامتاز بالاستقامة، والاعتدال، والوضوح، والصدق، والإخلاص، وكان من شدة إعجاب الدقاق به وبصفاته أن قام بتزويجه ابنته فاطمة، مفضلًا إياه على العديد من أقاربه الذين تقدموا لخطبتها.
وبعد أن تمكّن القشيري من العلم والمعرفة تمكنًا تامًا، أُذن له بالتدريس في مسجد المطرز، وهو لا يزال في الثلاثين من عمره، فكان مجلسه يُعقد يومين كل أسبوع، كما عكف على الكتابة والتأليف، فألّف كتابه “التيسير في التفسير” وذلك قبل عام 410 هجري، وكتاب “اللطائف” في عام 434 هجري، وكتاب “الرسالة” في عام 437 هجري، وقد قضى جلّ ما تبقى من حياته في التدريس والتأليف، واستمر على هذا المنوال إلى أن وافته المنية.[٤][٥]
الرسالة القشيرية:
تُعد “الرسالة القشيرية” من أشهر الكتب في مجال الصوفية، والتي ألّفها في سنة 437هـ، وقد حظيت بإعجاب وثناء عدد كبير من العلماء. ويعزو القشيري السبب الرئيسي لتأليفه لها إلى دفاعه عن المذهب الصوفي، ونفي البدع والضلالات التي ارتبطت فيه، مع ذكر الدليل على ذلك. وتقسم هذه الرسالة إلى أربعة فصول، حيث عرّف في الفصل الأول أكثر من 40 مصطلحًا من مصطلحات الصوفية، مثل الوقت، والمقام، والحال، وغيرها، وذكر في الفصل الثاني ما يقارب الخمسين مقامًا من مقامات أرباب السلوك، مثل التوبة، والمجاهدة، والتقوى، والورع وغيرها، وقد بدأ كل باب في هذا الفصل بآية أو حديث مع سنده العالي، وفي الفصل الثالث تناول خصائص الأولياء، وكراماتهم، وختمه ببعض الوصايا للمريدين، أما في الفصل الرابع والأخير، فقد ذكر فيه ترجمة لحياة 83 علم من أعلام الزهاد المتأخرين والصوفية، وقد تمت ترجمة الرسالة القشيرية إلى عدة لغات مختلفة منها: التركية، والفارسية، والألمانية، والإنجليزية، والفرنسية، وغيرها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهميتها ومكانتها العلمية الكبيرة.[٦]
مؤلفاته:
من أشهر مؤلفات أبو القاسم القشيري ما يأتي:[٧]
- لطائف الإشارات، وهو كتاب في تفسير القرآن.
- كتاب الفتوى.
- كتاب حياة الأرواح والدليل على طريق الصلاح والفلاح.
- كتاب التوحيد النبوي.
- كتاب ترتيب السلوك.
- كتاب التمييز في علم التذكير.
شيوخ القشيري:
تتلمذ أبو القاسم القشيري على يد عدد كبير من العلماء، نذكر منهم:[٨]
- الحافظ أبو عبدالله محمد بن عبدالله، والمعروف بابن البيع الحاكم.
- أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي.
- أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد.
- عبد الرحمن بن إبراهيم المزكّي.
- الأستاذ أبو علي الدّقاق النيسابوري، وهو أكثرهم تأثيرًا.
وفاته:
توفي أبو القاسم القشيري في صباح يوم الأحد من شهر ربيع الآخر، في عام 465 هجري، عن عمرٍ يناهز 89 عامًا، وقد دفن إلى جانب شيخه ومعلمه أبو علي الدقاق في المدرسة.[٩]
المراجع:
* ابن خلكان، وفيات الأعيان، صفحة 205. بتصرّف.
* عبدالله بن علي الميموني المطيري، التيسير في علم التفسير، صفحة 24 34. بتصرّف.
* محمد إبراهيم خليل، مرال هاشم جميل، الإمـام الـقـشيـري حياته ـ نشأته العلمية، صفحة 166 168. بتصرّف.
* القشيري ومنهجه في التربية الدعوية، صفحة 318-319. بتصرّف.
____________________
نقلًا عن موقع ” مفكّرون ” – بتصرُّف.