أقطاب الصوفيَّة: قصص من التقوى والزهد والاعتكاف
أقطاب الصوفيَّة: قصص من التقوى والزهد والاعتكاف
بين كتابى «الطرق الصوفية فى مصر نشأتها ونظمها، وروادها للدكتور عامر النجار، و«السيد أحمد البدوى، شيخ وطريقة» للدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور، نقف على تاريخ الصوفية فى مصر وأصولها.. ومصادرها وأعلامها.
الدكتور عامر النجار يقول فى كتابه: «إن أول من غرس بذور التصوف فى مصر هو «ذو النون المصرية» المتوفى سنة 245 هجرية، يعد أول من تكلم من الصوفية عموماً فى علوم المقامات والأحوال، وشاركه فى غرسها فى القرن الثالث الهجرى أيضاً صوفيان آخران لهما مكانتهما، وهما أبوبكر الدقاق المصرى وأبوالحسن بن بنان الحمال المتوفى سنة 336.
ومن أبرز رجالها أبوعلى «الروذ بارى» المتوفى سنة 332هـ و«أبوالخير الأقطع التينانى» المتوفى سنة 343هـ و«أبوالقاسم الصامت» المتوفى سنة 427هـ.
وهذا التصوف العملى بصورته الجمعية لم ينشأ فى مصر قبل النصف الثانى من القرن السادس الهجرى.
وسجل المقريزى تاريخ نشأته لعام 569هـ، وهو تاريخ إنشاء أول «الخانقاوات» فى عهد صلاح الدين الأيوبى، ومن أهم المدارس الصوفية التى ظهرت فى مصر خلال القرن السادس الهجرى مدرسة صوفية كبيرة بصعيد مصر أسسها الشيخ عبدالرحيم القنائى قام عليها من بعده صوفى له مكانته فى عصره، وهو الشيخ أبوالحسن الصباغ المتوفى سنة 613هـ، الذى أخذ عنه كثيرون جداً من صوفية الصعيد فى ذلك العصر.
الرفاعي:
كان القرن السابع الهجرى فى مصر عصر ازدهار لتصوف أصحاب الطرق، فقد وفد إلى مصر من العراق الشيخ أبوالفتح الواسطى، وأقام بالإسكندرية التى بشر فيها بالطريقة الرفاعية وقد انتشرت الطريقتان الجيلانية والرفاعية اللتان ظهرتا فى العراق فى مصر فى القرن السابع الهجرى، والجيلانى هو صاحب الطريقة القادرية.
والرفاعى مولود بقرية حسن المعروفة بأم عبيدة من أعمال واسط فى العراق سنة 512هـ ومات سنة 578 هجرية ودفن فى أم عبيدة.
وخلف الرفاعى خاله الصوفى الكبير منصور البطائحى الربانى، وكان الرفاعى متصوفاً سنياً يقول إن كل الآداب منحصرة فى متابعة النبى قولاً وفعلاً وحالاً وخلقاً وكثيراً ما نصح أتباعه بقوله «إياكم والرجالة وإياكم والشيطانية».. ويضيف: «طريقى دين بلا بدعة وهمة بلا كسل وعمل بلا رياء ونفس بلا شهوة».
الجيلاني:
أما عبدالقادر الجيلانى صاحب الطبقة القادرية عراقية الأصل فقد انتقلت طريقته من العراق إلى أرض مصر، والجيلانى اهتم بالإصلاح وتوجيه العباد، وكان يقول: اتباع الشرع موجب لسعادة الدارين.. أما السيد البدوى فقد عاش فى القرن السابع الهجرى وأسس واحدة من أكبر الطرق الصوفية فى مصر «الطريقة البدوية».
البدوي:
والسيد البدوى عربى خالص ينحدر أصله من أشرف وأكرم البيوت العربية، وينتهى نسبه للإمام على بن أبى طالب، وكان أجداده انتقلوا إلى مدينة قاس مع اضطراب أحوال الجزيرة العربية وولد أحمد فى زقاق الحجر فى عام 596هـ واتفق جميع المؤرخين على أن فى أجداد أحمد البدوى تسعة أئمة من الأئمة الإثنى عشر.
واسمه ونسبه طويل جداً ينتهى عند على بن أبى طالب، وكان سادس إخوته وعرف منذ صغره بصمته الطويل ونظره الطويل إلى السماء.
وبدأت ميوله للزهد مبكراً، حينما هاجرت أسرته من فاس إلى مكة فى رحلة استغرقت أربع سنوات ومروا بمصر وعاشوا فيها فترة تقدر بثلاث سنوات، وفى عام 635هـ – عام 1238م قرر السيد البدوى الرحيل إلى مصر تحديداً «طندا» أى طنطا، وفق ما أمره الهاتف فى منامه واستقر بها حتى توفى سنة 675هـ.
وفضل الإقامة فوق سطح الدار ليرى السماء فعرف باسم السطوحى وأتباعه السطوحيين.
وامتلأت كتب المناقب بكرامات لا تحصى له فهو الشخصية الصامتة الملثمة، كما وصف بأنه جلاب الأسرى، ويرى البعض أن البدوى كان داعية للشيعة والفاطميين فى مصر، وهكذا يرى أحمد أمين فى كتابه ضحى الإسلام ويعتبر مولد السيد البدوى من أكبر موالد مصر.
الشاذلي:
أما الإمام أبو الحسن الشاذلى، فهو مولود فى 593 هجرية (1197م) وتوفى عام 656هـ (1258م).
وينتهى نسبه أيضاً إلى سيدنا الحسن بن على بن أبى طالب، وكتب السيرة والطبقات أكدت هذا النسب، وكان مولده فى قرية «غمارة» المغربية من مدينة سبتة، وعاش سنوات عمره مثالاً للشيخ العالم الصوفى الحق ومن تلاميذه أبو العباسى المرسى.
نشأ فى قريته وتعلم القرآن والحديث على يد شيوخها واتجه لشيخ من شيوخ الصوفية الكبار وهو عبدالله بن أبى الحسن بن حرازم، ولبس منه خرقة التصوف ورحل إلى مدينة «زويلة» ثم تونس وتفقه على مذهب الإمام مالك ودرس الفقه والأدب.
وفى غار بجبل «زغوان» المطل على «شاذلة».. سكن الشاذلى الجبل وبصحبته تلميذه الحبيبى وظل فى مغارته متعبداً وذاع صيته، وعرضه إقبال الناس عليه لأحقاد ودسائس قاضى الجماعة بتونس واتهمه بأنه جاسوس فاطمى، فأمر السلطان بعقد مجلس علماء يحضره الشاذلى ليناقشوه، وكانت النتيجة أن قال السلطان: دعوه عنكم هذا رجل من أكابر الأولياء.
ولما أخذ الشاذلى وجهته إلى مصر ظل يطارده قاضى القضاة بالمكيدة لدى سلطان مصر، الكامل محمد الأيوبى، وقبض علىالشاذلى بمجرد وصوله للإسكندرية وقيد إلى القلعة وعقد له سلطان مصر مجلس علماء فاكتشفوا ورعه وصدق إيمانه، وعرف السلطان أن ما وصله كان مكيدة وأكرم وفادته وسافر لأداء فريضة الحج ومر بتونس فى عودته، ثم عاد إلى الإسكندرية مصطحباً معه تلميذه أبو العباسى المرسى واتخذ له داراً بالقرب من كوم الدكة وبدأ دعوته فى مسجد العطارين.
أما عن اختياره للإسكندرية فلرؤية رآها وظل الشاذلى بمصر 14 عاماً إلى أن توفى فى 656هـ بـ«حميثرا» صعيد مصر فى صحراء «عيذاب»، وهو فى طريقه للحج، وبهذا المكان كان قبره ومزاره ويؤكد الشاذلى ضرورة الالتزام بمتابعة السنة والطريقة الشاذلية مبنية على الذكر مع الافتكار.. واليقظة مع الاصطبار وترك التدبير والاختيار والجمع على الله مع عدم التفرقة.
الدسوقي:
سيدى إبراهيم الدسوقى صاحب الطريقة الدسوقية البرهامية، ينتهى نسبه إلى الحسين، وقد ولد فى 29 شعبان عام 653 هجرية وتوفى عام 696 هجرية وتقول الأسطورة إن أمه لما وضعته فى الليلة التالية للتاسع والعشرين من شعبان اتفق وقوع الشك فى هلال رمضان، قال ابن هارون: «انظروا هذا الصغير، هل رضع فى هذا اليوم». فقالت أمه: «إنه من الأذان فارق ثدييها ولم يرضع» فأرسل لها ابن هارون يقول «لا تحزنى فإنه إذا غربت الشمس شرب».
لقد عنى أبوإبراهيم الدسوقى بتربيته منذ صغره وكان نبوغه واضحاً وتفقه على المذهب الشافعى وبنيت له خلوة فى دسوق وظل فى خلوته متعبداً إلى أن مات أبوه فخرج يصلى عليه فحال الناس دونه ودون الرجوع إلى خلوته وانشغلوا بالنظر إليه فأرخى له برقع على وجهه.
______________________
*نقلًا عن موقع صحيفة “المصري اليوم”.