مشاهد ومراقد

قبـــاب الأضــــرحــــة والمقــامــات

عبد اللطيف فاخوري

قبـــاب الأضــــرحــــة والمقــامــات

عبد اللطيف فاخوري

  • محامٍ ومؤرخ

 

انتقل إنشاء القباب من المساجد والزوايا إلى بنائها فوق الأضرحة،  وقد ظهر الأمر بداية كتكريم لصاحب الضريح ثم أصبح هذا الصاحب من أصحاب الكرامات سواء كانت لهم علامات أم لم تكن لهم ما  يعرف  بالخوارق  وصولاً الى توسلهم والتبرك بأضرحتهم ومقاماتهم طلباً لشفاعـــــــــة أو تحقيقاً لأمنية فعمّت البدع المختلفة . وقد يزعم  البعض ان فائدة لجوء أصحاب الحاجات إلى أصحاب الأضرحة  لا تتمثل بقضاء الحاجات المادية بل بما يتركه التمسح بحجارة  الضريح وشبابيك المقام من طمأنينة وسكينة نفسية عبّر عنها بمقولة أن الشيخ أو الولي أو المكرّم يحمل عبء المرض عن المريض.

وكلما كثرت مشاكل الناس وهمومهم ومخاوفهم الاجتماعية والاقتصادية وعجزت السلطة الحاكمة عن تأمين الأمن والغذاء والدواء (فضلاً عن الماء والكهرباء) لجأت العامة الى بعض شيوخ الطرق الصوفية المتحالفين مع الحكام للقيام بتسكين أوجاعهم وتزهيدهم بالدنيا وتأجيل معاقبة المتسلطين والفاسدين الى يوم الحساب . ومع تمادي الزمن وانتشار العلم وسيادة العقل وازدهار المجتمع أخذ شيخ الضريح يفقد دوره وفائدته، ويخف مع الوقت تقديم النذور أو تخفيفها لانتفاء التوازن بينها وبين ما  يصيب صاحب الحاجة من منفعة. وتتم عندها إزالة المقام والضريح وهدمهما بذرائع مختلفة لا تثير أي اعتراض، وقد كتب أحد المفكرين يوماً مقالة بعنوان «سخافة الخلود» يدل عنوانها على مضمونها.

 

بناء القباب فوق الأضرحة

 في مقبرتي الباشورة والمصلى

 

وقد عرف العالم الإسلامي عدة قباب فوق الأضرحة منها قبة ومقام الإمام الشافعي وعليها سفينة يوضع فيها قمح تأكل منه الطيور. وكذلك مقام الإمام أبي حنيفة وقبة مقام السيد البدوي في طنطا والقبة التي أقامها أتباع جلال الدين الرومي فوق ضريحه وعرفت بالقبة الخضراء وغيرها.

ولم تشذ بيروت عن ذلك. فقد شاهد النابلسي قبتين في مقام الخضر الكبيرة فوق المقام والصغيرة فوق البئر. أما  دارفيو الذي زار بيروت سنة 1660م فذكر أن مسجد الخضر يضمّ ضريح ولي مسلم تزوره النساء مرّة في السنة وهن بكامل أناقتهن وزينتهن رغبة بالحمل أو تسهيل الولادة. وقد لاحظ دومنيل  دو بويسون سنة 1927م هبوطاً في أرضية الجامع المذكور توحي بوجود ضريح.

جاء في الوثيقة الشرعية المؤرخة في 29 رجب الفرد سنــــــة 1293 هـ / 1877م أن محمد عطا أفندي محاسب جي أوقاف بيروت أفاد بأن الجامع الجديد أضيف الى شمس الدين لوجود تربته فيه وهو من الغزاة والمجاهدين.

إلاّ أن أكبر قبة حجرية هي التي بنيت فوق ضريح والي سورية أحمد حمدي باشا أقيمت شمالي المدرسة السلطانية (كلية البنات المقاصدية) يذكر ان الوالي توفي في البيت الذي كان بتملك أسرة العريس وأصبح اليوم حديقة عامة فيما عرف بمحلة حوض الولاية (يذكر ان الدار التي يسكنها الوالي تسمى دار الولاية)  وتم بعد فتح طريق البسطة لتسهيل مرور الترام نقل الضريح والقبة الى داخل مقبرة الباشورة بحذاء سورها الغربي.  والقبة غرفة سداسية حجرية يبلغ ارتفاعها عشرة أمتار وقبتها مزخرفة والضريح من الرخام.

وفي مقبرة الباشورة أيضاً قبة صغيرة فوق ضريح مجهول دفينه، إضافة الى ما ذكر عن قبة على ضريح الشيخ المجذوب، وبجوار الباب الغربي العلوي للمقبرة غرفة بقبة وقناطر نسب القبر فيها لأحد الشهداء وغدت مستودعا.

ومما يلفت النظر ما ذكره دارفيو سنة 1660م عند حديثه عن مقبرة بيروت القريبة من المرفأ عند باب المدينة والمقصود بها مقبرة الخارجة أو المصلى. فقال «مقبرة إسلامية كبيرة فيها أضرحة ضخمة كثير منها فوقه قباب أو عقود من أحجار قديمة وان موعد زيارة النساء لها هو يوم الجمعة يأتين مع خدم يحملون جفنة نحاسية مليئة  بالأرز واللحم يوزعنها عن أرواح موتاهن”.

 

القبة المستحدثة في زاوية الأوزاعي  وسط بيروت

يذكر أنه تمّ بنتيجة  إعمار وسط بيروت إعادة بناء جامع صغير بدل جامع الأوزاعي القديم في السوق الطويلة الذي كان في الطابق الأول  فوق المحلات وقد أنشئت للجامع الجديد قبة صغيرة لم تكن موجودة سابقاً (وجعلت صغيرة كي  لا تشاهد من الخارج) كما انه تمت تغطية  الجدار الخارجي الشرقي للجامع من نفس بلاط جدران ما يعرف الآن بأسواق بيروت كي لا يتمكن  المارة من التمييز بين السوق والجامع؟

 

قبة مقام النبي يحيى في الجامع العمري

توجد في الجامع العمري الكبير  مقصورة عرفت بمقام النبي يحيى وهي عبارة عن قفص حديدي مزخرف بالنقوش كالهلال والنجمة الخماسيـــــة (شعار الدولة العثمانية) وفوق المقصورة قبة نصفية يعلوها سهم أثبت فيه هلال تتوسطه نجمة وداخل المقام بناء بعلو ذراع عليه كسوة من المخمل الأخضر طرزت فيها آية الكرسي. وهذا القفص الحديدي قدم سنة 1305 هـ /1887م من  قبل السلطان عبد الحميد الثاني فتم نقل القفص الخشبي (من الخشب المخروط) الذي كان فوق المقام  ووضع على ضريح الإمام الأوزاعي ولا يزال.

يذكر أن الفرنجة عندما احتلوا البلاد أنشأوا كنائس على اسم يوحنا المعمدان (النبي يحيى عليه السلام) ووضعوا فيها ما قيل انه من ذخائره فرأسه في مشهد النبي يحيى في الجامع الاموي بدمشق. ومن الشائع أن مقام النبي يحيى في الجامع العمري ببيروت يحتوي الكف اليسرى ليوحنا المعمدان، وقد ثبت لنا هذا التواتر من خلال ديوان مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله وديوان مفتيها وقاضيها الشيخ أحمد الأغر. ففي سنة 1813م زار الشيخ عبد الرحمن الكزبري بيروت وحل ضيفاً  على المفتي فتح الله فمدحه هذا الأخير بقصيدة جاء فيها على ذكر الاماكن والمزارات التي زارها الكزبري  ومما قال:

وزار بها يحيى الحصور يساره

بجامعها المشهور بالذكر يرغبُ

اما الشيخ الاغر فقال:

إن في بيروت كفاًلنبي الله يحيى

من غدا براً بوالد          يه في الدارين يحيى

 

قبة شيخ السربة فوق ضريحه

لم يبق في سجلات بيروت من زاوية شيخ السربة سوى اسم محلة منسوبة الى الشيخ المذكور. وقد وردت أول إشارة اليه سنة 1814م عندما زار بيروت الشيخ عبد الرحمن الكزبري ونزل ضيفاً في بيت مفتي بيروت فـــــــي حينـــــــــــه الشيخ عبد اللطيف فتح الله المفتي ، فمدحه المفتي بقصيدة (نشرت في ديوانه) ذكر فيها الأماكن والمزارات التي زارها الكزبري في بيروت ، فقال فيها:

وزار  بها شيخاً يُضافُ لسربة

بسورٍ عليها للحماية يُضربُ

وقد وردت في سجلات محكمة بيروت الشرعية وثائق عديدة تذكر محلة شيخ السربة ومقام شيخ السرية وتربة شيخ السربة وقبة شيخ السربة. منها الوثيقة المؤرخة في السابع عشر من شهر جمادى الثانية سنة 1282هـ/1865م التي باع بموجبها «جرجس شاهين طراد وجرجس نعمة سابا الى عمدة العلماء الكرام محمد افندي مفتي بيروت وهو اشترى منهما اثنتي عشر دكاناً متلاصقات كائنات في جوار شيخ السربة لصيق باب يعقوب داخل المدينة يحد الدكاكين قبلة طريق الكروسه (Carrosse العربة) وشمالاً طريق سالك وفيه ابوابها وشرقاً طريق محدث ملاصق لقبة شيخ السربة… بيع وفاء حكمه حكم الرهن بمبلغ 197 ليرة عثمانية”.

ولا تتوفر معلومات اضافية عن تلك القبة غير ما ذكر من ان مساحة الزاوية تبلغ 37 مترا مربعا.

 

قبة شيخ الضهرة

قال النابلسي في الرحلة الكبرى انه وفي طريقه من بيروت الى زيارة مقام الامام الأوزاعي «مررنا على قبة في رأس جبل عالي يقال له شيخ الظهرة دفن فيها رجل من أهل النوبة  وأرباب  الكمال والأوبة». وشيخ الظهرة (يلفظها البيارتة الضهرة) هو سهل بن مهاجر وموقعه في موقع المدينة الرياضية اليوم . روى والدي ان الذاهب الى مقام الأوزاعي كان عندما يصل الى نقطة شيخ الظهرة يقول «شي لله يا سيدي الضاهر”.

 

قبة غرفة الأثر الشريف

توجد نقيشة في الحجرة الكائنة في الزاوية الغربية الجنوبية من الجامع العمري، عليها قبة جميلة مزخرفة وكانت هذه الغرفة مخصصة للتدريس وأصبحت تعرف بحجرة الأثر الشريف وفيها محراب صغير وضع فيه الصندوق الذي حفظت فيه الشعرات النبوية الشريفة. والنقيشة في ثلاثة سطور نصها «أهدى هذا الأثر الشريف ساكن الجنان السلطان عبد المجيد خان وعهد بخدمته الشريفة لآل فاخوري أهدي سنة 1276 هـ حرر في رمضان المبارك سنة 1328هـ».

وتقتضي الإشارة الى  أنه في سنة 1909 م جيء بقبر من مصر مصنوعاً من الرخام ومنقوشاً عليه آيات قرآنية ليوضع على قبر المرحوم مصطفى بك الخرسا. وقد وضعت قطع الرخام في جبانة الباشورة ليباشر بتعمير القبر غير أنها وجدت في الليلة السابقة  لذلك مكسرة كلها وقيل أن ثمنها بلغ 150 ليرة.  وعزي السبب الى أحقاد قديمة إلا أن الشيخ أحمد طبارة  استنكر إسراف المال في هذا السبيل   فقد روي أن خير القبور الدوارس وأنه لوعمل  للمتوفي في هذا المال أثرُ خيري أو وزع علــــــــى الفقراء لكان أولى وأنفع.

_________________________

*نقلًا عن جريدة ” اللواء” اللبنانية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى