الفيزياء الصوفية: شعر ابن الفارض أنموذجاً
سمر الديوب
“كانت هناك امرأة شابة يسمونها المتألقة
كان في إمكانها أن تسافر أسرع من الضوء
أقلعت اليوم
في طريق نسبية
وعادت إلى دارها في الليلة الماضية”
أ.ه. بوللر Buller
1 – هدف البحث وأسئلته ومنهجه
نسعى هذا البحث إلى دراسة الفيزياء الصوفية، منطلقين من أن “أنا” الصوفي جزء صغير جداً من كوننا المتماسك، الذي لا يوجد فيه استقلال، فالكون كليّة متواشجة، ونستطيع تعرُّفه من أصغر وحدة فيه، وتقوم العلاقات فيه على التبادل، ويعني هذا الكلام أن العالم الفيزيائي يعتمد على العالم الشعري، ولا يقوم الشعر من غير مبادئ فيزيائية. إنها طبيعة الأشياء الكونية المترابطة. وقد أدرك الفيزيائيون الحديثون كلّية العلاقات الكونية بدءاً بالكوارك -عالم ما دون الذرة- إلى المجرات الكونية، فثمة شبكة من العلاقات الكونية القائمة على التبادل بين جزيئات الكون، والإنسان جزء بسيط في هذا التدفق الأبدي للطاقة.
وقد رتّب الشاعر الصوفي الكون ترتيباً شعرياً؛ لذا نفترض وجود تماثلات بين الفيزياء والشعر الصوفي؛ ذلك لأن الشاعر غدا جزيئاً متفاعلاً مع الكون بأبعاده، ونفترض أنه قد وصل بالحدس والتأمل إلى ما وصل إليه الفيزيائي بالفكر والتجربة.
ولا تبتغي هذه الدراسة نفي الدراسات السابقة، بل الاختلاف عنها، فالنص الشعري نصّ قابل للتعدد والاختلاف.
ولا تختلف النظرة الفيزيائية عن النظرة الشعرية، والتضاد بينهما مدعاة للتكامل، فالفيزياء علم الطبيعة الكامل الشامل، وقد أُطلق على الفيزياء تسمية “فلسفة الطبيعة” فللفيزياء علاقة بما هو طبيعي، فالنظرة الفيزيائية نظرة فلسفية حسية، ويرتبط الشعر بالرؤيا والجانب العاطفي؛ لذا نفترض أنه يستطيع الإفادة من الفيزياء، وتوسلها طريقة لرؤية العالم.
تركزت الدراسات السابقة على المقولات الصوفية والرمز: رمز الخمر والمرأة، ويكشف تناول الشعر الصوفي من زاوية التماثلات مع الفيزياء الحديثة جانباً من كيفية تشكّل الخطاب الصوفي المبني على الثقافة التقليدية ظاهراً، المخالف لها ضمناً، فللصوفي عالمه الخاص، عالم معرفة، ربط بين الكون والأنا، وقلب الاهتمام من الخارج إلى الداخل بهدف الوصول إلى عالم النور: المعرفة التي لا تكون إلا بالمحبة.
وقد تمكن الشاعر الصوفي من جعل الشعر فلسفة، والفلسفة شعراً، وتتكامل العلوم في الإطار العام لها: الفلسفة، فينطلق هذا الشعر من طبيعة ميتافيزيقية؛ لذا يحيل إلى الفيزياء الحديثة؛ الميتافيزياء، فهو شعر عرفاني يغوص في الرمزية.
إن قوانين الفيزياء أقرب إلى الشعر؛ لأنها مسائل فيزيقية وميتافيزيقية، وللشعر علاقة بالميتافيزيقا.
ويثير البحث جملة أسئلة من قبيل: ما حدود العلاقة بين الفيزياء والشعر الصوفي؟ هل تستقل قوانين الفيزياء الحديثة عن العالم؟ وهل لها وجود في ذاتها فقط؟ هل الزمان حقيقة ذاتية تخص الإنسان أو حقيقة موضوعية خارجة عنه؟ هل أعادت الفيزياء الحديثة اكتشاف الصوفية القديمة؟ وهل يمكن للإنسان بالتأمل أن يتوصل إلى ما يتوصل إليه الفيزيائي بالتجربة؟ إن الفيزيائي والشاعر الصوفي يستخدمان العقل والحدس استخداماً مفرطاً، وكلّ من الطرفين يتمم الآخر.
والخطاب الصوفي خطاب مشرّع على تجديد الأسئلة من منظور علمي فلسفي، فلم كتب الشاعر الصوفي وهو يشعر أن المطلق أوسع من اللغة؟ هل قدم نصه الشعري بارتياب أن يكون قادراً على الكشف عن المطلق؟ ما علاقة المعرفة الحدسية بالمعرفة العقلية؟
وسنطمئن في بحثنا هذا إلى مقولات التفكيك، فيمكن أن تفكك الدراسة الحالية الدراسات السابقة، وتضيف جديداً إليها، وسنهتم بتفكيك طريقة تفكير الشاعر الصوفي القائمة على أسس من الميتافيزيقا وتحويلها إلى سمة يقينية، فيزيح التفكيك المقولات الثابتة، ويشارك في لعبة المعاني في النص الشعري. إنه إزاحة لا نهائية للمعنى. وسننتقل مستعينين بالتفكيك من نظام الشعر إلى الفيزياء الحديثة معتمدين على فائض المعنى.
وإذا كان التفكيك قد هدم الثنائيات الضدية في البنيوية فقد هدمها بالثنائيات أيضاً، كالشك واليقين، والحضور والغياب. فما الفيزياء الصوفية؟ وما العلاقة بين الفكر والحدس، والعلم والمعرفة؟ وما علاقة شعر التصوف بالمقولات الفيزيائية الحديثة؟ وما علاقة الفيزياء الحديثة بالخيال؟
2 – – الفيزياء الصوفية: دراسة في المصطلح ودلالاته
2-1- ثنائيتا العلم/ المعرفة، العقل/ الحدس
يقابل البحث في الإنسانيات البحثَ في الطبيعيات، ويلتقيه، فتتكامل العلوم، ويعدّ كل فرع منها ضرورياً للعلوم الأخرى، ولا يوجد علم مستقل في ذاته؛ لأن المعرفة واحدة، لا تتجزأ.
وإذ تقوم الإنسانيات على أساس متواضع من العلم يقوم العلم على الخيال الذي يعدّ شرطاً لوجود الإنسانيات، فثمة وحدة في النظام الكوني.
وللشعر الصوفي علاقة بالجانب العلمي، فلغته مرتبة ترتيباً منظماً، ولا يقبل عقله الفراغ، بل يملأ فكره فراغ عقله، ويمكن القول: إن ما قدّمه الشعر الصوفي وسيلة لإظهار قوانين الكون الخاصة بالإنسان.
إن ثمة نوعين من المعرفة: معرفة عقلية، ومعرفة حدسية، وللمعرفتين طبيعة تكاملية، فهما طرفا ثنائية ضدية، والمعرفة العقلية معرفة محدودة بمعطيات العلم، ويهتم الشاعر الصوفي بالإدراك الحدسي، وهو أرفع من التفكير العقلاني، فلا تعتمد معرفته على التصنيفات العقلية، وهذه سمة مائزة لكل تجربة صوفية؛ لذا يعجز الصوفي عن وصف المطلق بالكلمات، فيلجأ إلى الرمز، فالمعرفة الحدسية معرفة غير عقلية للواقع، معرفة تأملية صوفية، وتبنى المعرفة العقلية على معارف سابقة، قد تنقضها، وقد تعدّل فيها. أما المعرفة الحدسية فثابتة.
إن ثمة فيزياء صوفية، وصوفية فيزيائية، فليست الفيزياء مستقلة عن الطبيعة، بل هي متأصلة فيها، فثمة جانب حدسي في العلم، وجانب عقلي في الشعر الصوفي، فالمعارف متداخلة، وحين قال النفَّري: “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”(1) لمّح إلى عجز اللغة عن التعبير عن البعد الأعلى من بعدنا الفيزيائي، وأكّد أن الرؤية لدى الصوفي أساس المعرفة، وتستحيل المعرفة من غير رؤية، وتعني الرؤية المعرفة الميتافيزيقية؛ ذلك لأن تجربة الصوفي تجربة غير حسية(2).
يعني الكلام السابق أن للتصوف علاقة بالحدس، وللفيزياء علاقة بالتفكير العقلاني، لكن الجانبين قطبان لحقيقة واحدة متحدة، لا يمكن فصل أحد جانبيها عن الآخر، وحين يصل التفكير العقلاني إلى الذروة يتراجع لصالح التفكير الحدسي، والعكس صحيح.
وتعد الفيزياء الحديثة أعلى درجات التفكير العقلاني، ويعني ذلك أن لها علاقة بالتفكير الحدسي تبعاً لقاعدة الثنائيات الضدية السابقة. ويمكن القول إن أشد أنواع التقارب بين العلوم الطبيعية والإنسانية يتجلى في الفيزياء الحديثة والشعر، ولا سيما الشعر الصوفي، فثمة تشابه كبير بين التصوّف الحدسي والفيزياء العقلية؛ لذا يمكن أن تكون الفيزياء الحديثة: الميتا فيزياء وسيلة لفهم المعرفة الروحانية الصوفية.
لقد انقسمت الفيزياء الكلاسية إلى ثنائية: مادة/ عقل(3)، فالإنسان بدن وروح، وقالت إن الذرة أبسط أشكال المادة. أما فلسفة الشعر الصوفي فترد الظواهر الكونية إلى كلّ متحد متناغم، وهذا فهم مضاد للمفاهيم الكلاسية القديمة.
وبما أن الأجزاء ترتد إلى الكل الواحد، فكل ما ندركه بالحواس يرتبط بعضه ببعض، ويرتد إلى الحقيقة المطلقة. ولا يرى الشاعر الصوفي العقل مصدراً للمعرفة، بل يراه وسيلة تفسير وتحليل فقط. ويقضي الفيزيائي مراحل تدريب طويلة في حين يحتاج الصوفي إلى مجاهدة للوصول إلى رتبة أعلى، فيلجم عقله، ويُعمِل حدسه بوصفه وسيلة للوعي. فكلا التجربتين: الصوفية والفيزيائية تحتاج إلى تدريب، يتخطى الصوفي تجربته بالتأمل العميق، وينقل الوعي من الطريقة العقلية إلى الطريقة الحدسية(4) وفي التأمل العميق يكون العقل شديد التيقظ.
إن العلم يقوم على العقل، ولا يرى العقل سوى الحدود، في حين يعرف الحدس الذي يقوم عليه التصوف الدربَ المختلف. فإن كانت الأذن تعشق قبل العين أحياناً فإن الحدس يعرف قبل العقل أحياناً.
ويستند العلم إلى أفكار الآخرين، أما المعرفة فتستند إلى مجاهدة النفس لدى الصوفي، ويقيد الفكر العالِم، أما العبور فيقوم على الإفراغ، فيتضاءل الحجاب بالمعرفة، ولكي يتم التدرج من العلم إلى المعرفة ثمة حاجة إلى جهد؛ لذا يمكن للغة أن تستوعب العلم، لا المعرفة(5)
إن عقل الصوفي عقل قابل للكشف، لا عقل مرتبط بالبعد Demission الفيزيائي، فينتج خياله معرفة، لا فكراً، لكن ذلك لا يمنع قراءة نتاجه بالفكر العلمي، إنه يقدم فكره بالرمز؛ لأن اللغة عاجزة عن التعبير بلغتنا عن المطلق.(6)
إن التصوف معرفة عقلية فائقة، ويكشف الحدس الصوفي البعد الميتافيزيقي بطريقة فردية تتخطى حدود مادية النوع البشري، والصحوة غير العقل، ذلك أن العقل يجب ألا يكتنز معلومات سابقة لكي تعمل الصحوة، ويبقى فيزياء الجسد والروحي تجليين لحقيقة واحدة(7)، فتحيل ثنائية المظهر المتجلي والمظهر اللا متعين إلى حقيقة واحدة.
2-2-ثنائية الفيزياء/الميتافيزياء والتصوف
ننظر إلى الفيزياء الكلاسية على أنها النظريات القابلة للاختبار، أما الميتا فيزياء فهي النظريات غير القابلة للاختبار، وسنختبر العلاقة بين الميتا فيزياء والشعر الصوفي بنظريتي الكم والنظرية النسبية(8)
والفيزياء كلمة يونانية تعني محاولة رؤية الطبيعة الجوهرية للأشياء(9) ويرى الفيزيائيون أن الكون حافل بالمادة الحية، وهي النظرة التي تماثل نظرة الشاعر الصوفي إلى الكون، فهو حافل بالروح. ويحكم الفيزياء الكلاسيكية السبب والنتيجة في حين تتجرد منهما الميتا فيزياء، وتصف الفيزياء الحوادث، وتفسرها، وقد تتنبأ بها، فنحن نستطيع تعريف الضوء لكننا عاجزون عن تفسيره بوصفه ظاهرة. ويحاول الميتا فيزيائي بناء عالم تخيلات خاص به، مسوّغاً ذلك بأن ثمة حقائق لا تُدرك بالحواس.
وتعدّ النظرية الكوانتية -ميكانيكا الكم- نظرية تقوم على الريبة Uncertainty Principle وعدم التعيين، فيتم التحول إلى الميتا فيزياء(10)فتقول الفيزياء إن تفسير العالم أمر ممكن في حقل ميتا فيزيائي، فالقوانين الفيزيائية أصداء للعقل البشري.
والميتا فيزياء هي الأصل للفيزياء، وكلاهما طالب معرفة، يؤمن بالتجربة. فلا تجد الفيزياء معناها إلا في الميتا فيزياء، وتطبق القوانين الفيزيائية في نمط معين نحوزه، فهي محكومة بالزمان والمكان خلاف الميتا فيزياء، ويمكن القول إن ثمة طبيعة ميتا فيزيائية للفيزياء، فيربط الفيزيائيون الأمور بموضوعات معينة، ويبحث الميتا فيزيائيون عن نهج معرفي تسقط منه الموضوعية.
ويتعامل الفيزيائيون مع الأجزاء ضمن إطار توحيد الكون، ويتعامل الميتا فيزيائيون مع الكل المتضمن الأجزاء في إطار توحيد الكون، فالتجربة الفيزيائية تجربة ميتا فيزيائية؛ ذلك أن هموم الفيزياء تحولت إلى شجون ميتا فيزيائية، فثمة طبيعة ميتا فيزيائية للقوانين الفيزيائية(11) فالأفكار الميتا فيزيائية ضرورية للفيزياء، وهي ليست تجريبية.
وترى الفيزياء الحديثة أن التغير الدائم سمة الكون الدينامي، كالزمن وغيره من التغيرات، ويرى الصوفي الكون كلاً واحداً، لا انفصال فيه، حركته دائمة روحية ومادية. والحركة التي هي سمة الكون موجودة في الأشياء، لا خارجها، فيقوم الفكر الصوفي على خلفية فلسفية تماثل الخلفية الفلسفية الفيزيائية الحديثة، فيرى الميتا فيزيائي في العالم ما دون الذري أن هذا العالم نظام من العناصر غير المنفصلة كالصوفي الذي يرى الكون وحدة متواشجة.
إن الفيزياء الحديثة تقودنا إلى نظرة قريبة جداً من نظرة الشاعر الصوفي، ويمكن القول إن النظرة الفيزيائية تعود إلى أصول صوفية؛ إذ تعود الفيزياء في أصولها إلى زمن قديم لم يكن العلم فيه منفصلاً عن الفلسفة والدين.
ولأن الكلام ناقص في التعبير عن التجربة الصوفية يكررون هذه التجربة والكلام عليها، والنظرية الفيزيائية نظرية تحتاج إلى برهان؛ لذا تتكرر التجارب لإثباتها.
وإذا انطلقنا من الغياب الذي يتحدث عنه التفكيك وجدنا أن الفيزياء الحديثة تختفي، ولا تغيب في عوالم النص الصوفي، فالأفكار تتوالد، فما علاقة الفيزياء الصوفية بشعر ابن الفارض الصوفي؟
2 – 3 – الشعر الصوفي: ابن الفارض أنموذجاً
يمثل النص الصوفي خروجاً عن المعهود دينياً وأدبياً (12) فللشاعر الصوفي معجمه الخاص، وتمرده الخاص على اللغة، ويعدّ شعر ابن الفارض علامة مهمة في هذه المنظومة الصوفية لما يمتاز به من نضج إبداعي وروحي، وقد شكل نقطة لقاء بالنصوص السابقة له، ونقاط خلاف مع بعضها الآخر حين تحدث عن مغادرة الزمن الفيزيائي إلى زمن يقع في منطقة الميتا فيزياء، فذهاب الحس سمة مازت تجربته الشعرية.
وقد تم اختيار شعر ابن الفارض(13) أنموذجاً للدراسة؛ لأن شعر التصوف قد بلغ حداً من النضج والاكتمال واتضاح المعالم في القرن السابع الهجري، وما قدمه ابن الفارض خطاب رمزي تختبئ خلفه حقيقة علمية، فهو نص أدبي، لكنه يفارق النص الأدبي العادي، وتجربته الصوفية كاملة؛ لأنه دائم المحاولة، وهي تجربة قائمة على النفي؛ لأن إثباتها يعني فشلها، فآلية الإرجاء مستمرة في محاولة لخرق حدود الفيزياء إلى الميتا فيزياء.
والغائب في النص الشعري حاضر دائماً، لكنه متخفٍّ يحتاج إلى كشف الحجب عنه، فالتغييب حضور قوي، وما تغيَّب في النص الشعري الصوفي البعد الميتا فيزيائي.
ننظر إلى التصوف على أنه خطاب ثلاثي الأبعاد: فلسفي ونفسي وديني، وقد وردت الصوفية في دائرة المعارف البريطانية بمعنى التوحد مع الإلهي والمقدس(14)
ولا يشترط أن يكون الشاعر متصوفاً، لكن كل صوفي شاعر بمعنى ما؛ لأنه يمتح من لغة رمزية بعيدة عن التصريح، ويعد الحدس ركيزة أساسية في التصوف(15)، والعقل ركيزة أساسية في العلم، وكلاهما يلجأ إلى لغة الرمز، وكلا اللغتين قاصرة عن التعبير عن واقع ميتا فيزيائي؛ لأن الرؤية واسعة والعبارة محدودة. فكيف تجلت الفيزياء الصوفية في شعر ابن الفارض؟
3 – الصوفية وفيزياء الكم
3 – 1 – وحدة الأشياء والتعدد في الوحدة
تعد ميكانيكا الكم من النظريات الميتا فيزيائية التي تقوم على فكرة الوحدة في الكون، والكثرة ضمن الوحدة، فالكون كلّ متماسك، وكل جزء فيه يؤثّر في غيره، ولا وجود لشيء منفصل فيه، فقد نحا العلم المعاصر نحو وحدة الوجود، فقطرة من الماء تحتوي على نسق الكون كله(16) ويرى ابن الفارض أن الجزء من الكون يشتمل على خصائص الوحدة، فالكثرة في الوحدة، والوحدة في الكثرة. يقول:
تراه إن غابَ عنّي كلُّ جارحةٍ
في كلِّ معنى لطيفٍ رائقٍ بهجِ
في نغمةِ العودِ، والناي الرخيمِ إذا
تألّفا بين ألحانٍ من الهزَجِ
وفي مسارحِ غزلانِ الخمائلِ في
بَردِ الأصائلِ، والإصباحِ في البَلجِ
وفي مساقطِ أنداءِ الغمامِ على
بساطِ نَوْرٍ من الأزهارِ منتَسِجِ(17)
يرى ابن الفارض أن الكثرة ترتد إلى وحدة، ولا ندرك الوحدة بالمقابل إلا بالكثرة، فالصور التي تتجلى أمام أعيننا صور متعددة لواحد، ولا وجود للمتعينات في حد ذاتها، بل بالواحد.
وهذه النظرة هي نفسها نظرة الفيزيائي الحديث إلى العالم، فالعناصر الأساسية للنظرة الفيزيائية عناصر صوفية، وأبرز سمات هذه النظرة تتجلى في وعي الوحدة والعلاقات المتبادلة بين الأشياء كلها، فما يراه من جمال تجلياتٌ لوحدة أساسية، هو المطلق الذي يتجلى في الأشياء كلها، فتقسيم الأشياء وانفصالها وهم، ويوهم العقل بهذا الانفصال والتقسيم؛ لذا نجده يهدّئ عقله، ويضبطه بالتأمل حين يختبر الوحدة الأساسية للكون في موضع آخر حين يقول:
هو الحبُّ. فاسلمْ بالحشا ما الهوى سهلُ
فما اختاره مضنىً به وله عقلُ(18)
إنه يعطل عقله؛ لأن معرفته حدسية عن طريق القلب لا العقل، لكن المعرفة الحدسية تعني العقل في أعلى درجات عمله.
وفي الفيزياء الحديثة ثمة مملكة الذرة، ومملكة ما دون الذرة، فلا تُفهم فيزياء ما دون الذرة بوصفها وحدات منفصلة، بل بوصفها أجزاء متكاملة لكل واحد، فتتضمن ميكانيكا الكم ترابطات الطبيعة(19)،
لقد أدرك ابن الفارض أن الاختلاف يضمر انسجاماً في الوحدة، وهو كلام يشبه ما يقوله أصحاب نظرية الشواش “الأنتروبيا”(20) Entropy من وجود نظام في الفوضى الكونية، وفوضى في النظام.
ويمكن القول إن الشاعر يرى صوراً متعددة لفوضى في الكون، لكن ثمة نظاماً في هذه الفوضى.
وتكشف ميكانيكا الكم عن الترابط الداخلي للكون، فلا يمكن تفكيك العالم إلى وحدات صغرى مستقلة في وجودها، وحين نتعمق في المادة نجد أنها مكونة من جسيمات لا يمكن تحديد خصائصها ومراقبتها إلا بتفاعلها مع الأنظمة الأخرى، وبذلك مكنتنا الكمومية من رؤية الكون بوصفه شبكة معقدة من العلاقات في الكل الواحد، وهذا ما أكده ابن الفارض في غير موضع:
وقد وقعَ التفريقُ، والكلُّ واحدٌ
فأرواحُنا خمرٌ، وأشباحُنا كرمُ(21)
لا فرق بين الأرواح والأبدان، فالكل في الكثرة، وليست الأشياء شيئاً في حد ذاتها، فالمطلق هو الخيط الموحّد للشبكة الكونية، والأساس المطلق لها. ولا نستطيع في الفيزياء دون الذرية أن نتحدث عن خصائص شيء ما، بل نتحدث عنه في تفاعله مع المراقب، ولن يستطيع المراقب أن يكون موضوعياً في العالم ما دون الذري لعدم اتضاح الصورة أمامه، وكذلك لا يمكن تحصيل المعرفة الصوفية بالمراقبة فقط، بل كما يرى ابن الفارض بالمشاركة “فأرواحنا خمر وأشباحنا كرم” وتعني المشاركة الاندماج بكينونة المطلق، وفكرة المشارِك فكرة أساسية في ميتا فيزياء ما دون الذرة، وفي الفلسفة الصوفية(22) فلا يمكن الفصل بين الذات والموضوع، ويرى ابن الفارض استحالة التفريق، وقد وقع تفريق واهم. إنها النقطة التي انصهرت فيها الذات بالموضوع.
يرى محمد مصطفى حلمي أن ابن الفارض ليس من أنصار وحدة الوجود، بل الاتحاد الصوفي(23)، لكننا نرى أن الاتحاد وحدة مجردة من الكثرة، والجمع وحدة مع الكثرة. ففي الشهود حقيقة موحدة، وفي الوجود تشتت وكثرة، ونرى أنه تكلم على وحدة الوجود الذي يحيل الكثرة إلى وحدة، ففي الاتحاد لا يرى إلا ذاته، أما في الجمع فيرى عامة الموجودات، ويحمل الجزء خصائص الكل.
تأمَّلْ مقاماتِ السّروجيِّ، واعتبرْ
بتلوينِه تحمدْ قبولَ مشورتي
وتدرِ التباسَ النَّفسِ بالحسِّ باطناً
بمظهرِه في كلِّ شكلٍ وصورةِ
فطيفُ خيالِ الظلِّ يهدي إليك في
كرى اللهوِ ما عنه الستائرُ شُقَّتِ
ترى صورة الأشياء تُجلى عليك من
وراءِ حجابِ اللَّبسِ في كلِّ خِلعةِ(24)
فلا وجود للمتعينات في حدّ ذاتها، ووحدة النفس تمثيل لوحدة الوجود، وتتمثل وحدة الوجود في المشاهد المتضادة المختلفة “ترى صورة الأشياء”، وفي الفيزياء يعدّ الهيدروجين من أبسط عناصر الطبيعة، منه تشكلت العناصر الأخرى ذات النوى الذرية الأثقل، فتشكل الهيليوم، وبالاندماج تشكلت عناصر أخرى، فالكثرة حاضنة للوحدة، وللجسيمات المختلفة جسيمات أولية، ومردّ هذا الاختلاف الوحدة، فيعود هذا التنوع إلى واحد. (25)
يرى الشاعر أن طيف خيال الظل يهدي صوراً مختلفة لكلّ واحد، وترى الفيزياء الحديثة أن ما يبدو جسيمات أولية مختلفة هو نغمات متباينة لوتر أساس واحد، وثمة عدد هائل من الأوتار المتذبذبة التي تمثل سيمفونية كونية، ولكل وتر نسق اهتزازي ينشأ عنه جسيمة ذات طبيعة محددة(26)
فالمادة الأولية مختفية، والعوالم الكونية مظاهر تسترها وتخفيها. وهذا يماثل قول ابن الفارض إن الله موجود وليس في الوجود سواه، وما عداه وهم باطل. فكل شيء يُفهم بالتبادل مع الآخر، والتأثير فيه، ولا يُفهم بالانفصال عنه، فصور الأشياء تتوالى، ويعني ذلك أن كل حادثة مؤلفة من جملة حوادث تؤسس لحوادث أخرى إلى ما لا نهاية، فالكوارك -وهو أصغر وحدة مكتشفة في عالم ما دون الذرة- حوادث تجتمع لتشكّله، وهو يشكّل غيره، فالكثرة وهمية تحيل إلى وحدة، وها هو ذا يعلن وحدة الأكوان قائلاً:
وألسنةُ الأكوانِ إن كنتَ واعياً
شهودٌ بتوحيدي بحالٍ فصيحةِ
فقد رُفعتْ تاءُ المخاطَبِ بيننا
وفي رفعِها عن فُرقة الفَرق رِفعتي(27)
فثمة وحدة في الكون، لكن للوحدة علاقة بمبدأ عدم التعيين، أو الريبة.
3-2-مبدأ الريبة لدى ابن الفارض
لغة نظرية الكم هي لغة الاحتمالات، فلا نستطيع أن نتنبأ أين سيكون جسيم ما دون الذرة في زمن معين مثلاً، فتتفكك جسيمات ما دون الذرة إلى جسيمات أخرى بعد زمن، ونستطيع أن نتنبأ باحتمال التفكك بعد زمن معين، فلا توجد جسيمات ما دون الذرة في مكان محدد في زمان محدد، بل تبدي ميلاً للوجود، ولا تقع الأحداث الذرية تأكيداً في أماكن معينة، بل تبدي ميلاً للحدوث(28)
ويعني الكلام السابق أن معلومات الفيزيائيين محدودة في ميكانيكا الكم؛ لأن طبيعة المادة في العالم دون الذري تجعل المهمة شبه عسيرة حالياً، فلا تحدد النظرية حركة جسيم ما في مكان محدد، وزمان محدد، وحين نحدد موضعه بدقة نفقد السيطرة على ضبط سرعته،وإن ضبطنا سرعته فقدنا السيطرة على تحديد مكانه بسبب طبيعة العالم الكمومي ما دون الذرّي، فلا يوجد قانون يحكم سلوك الذرة الفردي مع علمنا باستمرار حركتها.
ونجد في شعر ابن الفارض عبارات شطحية احتمالية تلتقي مبدأَ الاحتمالية في الكوانتم:
وتظهرُ للعشاقِ في كلِّ مظهرٍ
من اللّبسِ في أشكالِ حسنٍ بديعةِ
ففي مرةٍ لبنى، وأخرى بثينةً
وآونةً تُدعى بعزةَ عَزَّتِ
ولسن سواها، لا، ولا كُنَّ غيرها
وما إن لها في حسنها من شريكةِ
وما القومُ غيري في هواها وإنما
ظهرتُ لهم للَّبس في كلِّ هيئةِ
ففي مرَّةِ قيساً، وأخرى كثيِّراً
وآونةً أبدو جميلَ بثينةِ
تجلَّيتُ فيهم ظاهراً واحتجبت با
طناً بهم فاعجبْ لكشفٍ بسُترةِ(29)
تقول الفيزياء الكوانتية إن للجسم طبيعتين: موجية وجسيمية. إنها أمواج احتمالية، وجسيمات احتمالية(30) وتشبه هذه الحال التفكيك الذي يسرّب المدلولات من الدال، فالمعنى غائب والدال حاضر، والشطح مستمر، ونحن أمام حالة شطحية لا تعيينية، وثمة توال في الشطح كالتوالي في المدلولات. فالشطح مفردة كوانتيمية لأن طبيعتها احتمالية ميتا فيزيائية، ويمكن القول إن المعرفة قريبة جداً من بيت ابن الفارض، وإن العلم قريب جداً منه، فثمة تأجيل في المعنى، مرة تظهر لبنى، ومرة بثينة، ومرة هو قيس وآونة هو جميل، فقد تجلى ظاهراً، واحتجب باطناً. وهذا التأجيل حالة مستمرة الحدوث مع كل معنى، وهو مستمر الحدوث مع كل حالة، فلا توجد حقيقة ثابتة، والاحتمال موجود دائماً، ولا وجود لمركزية في التفكيك والكوانتم، وقد دخل ابن الفارض مرحلة الشطح في حال من اللا شعور، فالشطح شدة غليان الوجد، وله سمة التكرار، ويعني ذلك أنه تجربة ممكنة الحدوث(31)، وتعود هذه التجربة إلى مفهوم الحيرة(32) لديه، فهي تقوم على التردد بين شيئين، وهي ناجمة عن معرفة:
صادياً شوقاً لصدَّا طيفكم
جدَّ ملتاحٍ إلى رؤيا وريّ
حائراً فيما إليه أمرُه
حائرٌ والمرءُ في المحنةِ عيّ(33)
يشتمل الشاهد السابق على حقيقة مؤجلة، يسعى ابن الفارض إلى القبض عليها، فالقبض على المعنى النهائي وهم، لكنه وهم جميل، ولا توصله تجربته إلى النهاية، فهي تجربة حيوية مستمرة، ومكابدة مستمرة:
ذَهلتُ بها عني بحيث ظننتُني
سواي ولم أقصدْ سَوى مظنتي(34)
إنه مبدأ الريبة الذي يقودنا إلى الحديث عن مبدأ التشابك الكمي.
3 – 3 – التشابك الكمي Quantum Entanglement لدى ابن الفارض
يعدّ التشابك الكمي أكبر ألغاز ميكانيكا الكم، فإذا اقترب جسيمان مسافة كافية أصبحت لهما خصائص متشابهة، وإذا تم هذا التشابك بقي موجوداً دائماً. فإذا أبقينا أحدهما على الأرض، ونقلنا الآخر إلى القمر، وقمنا بشبكهما كمّياً فإن حركة الشخص الموجود على الأرض تقابل حركة البعيد في الوقت نفسه، وإذا شبكنا الكترونين فأي شيء سيؤثر في الالكترون الأول سيتأثر الثاني آنياً، وهي مسألة فيزيائية(35).
ونجد صدى لهذه الفكرة لدى ابن الفارض، فقد شبك نفسه بالمطلق، فإذا به يعطّر الوجود بعودته:
ومن أنا إياها إلى حيثُ لا إلى
عرَجتُ وعطّرتُ الوجودَ برجعتي
يشاهد مني حسنَها كلُّ ذرةٍ
بها كلُّ طَرفٍ جالَ في كلّ طَرفةِ
فعينيَ ناجت، واللسانُ مُشاهدٌ
وينطقُ مني السّمعُ، واليدُ أصغتِ
وسمعي عينٌ تجتلي كلَّ ما بدا
وعينيَ سمعٌ إن شدا القومُ تُنصِتِ(36)
يرنو ابن الفارض إلى الحصول على شيء من طبيعة المطلق، فالوجود لديه هو أنا وآخر معاً، لقد اشتبك معها، فحصّل شيئاً من خصائصها، فأجزاؤه تتبادل التأثير فيما بينها؛ لشدة وجده، وقوة تشابكه الكمّي. والمعراج انفلات من الجاذبية الأرضية، ومن الجهل إلى المعرفة، لقد تحوّل التفكك إلى وحدة، ومحيت الفواصل، وحلّ الباطن محلّ الظاهر، وتبادلت الحواس العمل، وذلك كله بفعل الحب، فيلتقي الحضور الغيابَ، وينساب إليه نور بعد نور.
وفي شعر ابن الفارض تماثلات مدهشة مع النظرية النسبية، ونظرية الأوتار والأبعاد الفيزيائية.
4 – – الصوفية والنظرية النسبية:
4 – 1 – ابن الفارض والأبعاد الفيزيائية والميتا فيزيائية:
يعرَّف البعد بأنه محور مستقل، أو اتجاه مستقل في الفضاء أو الزمكان “Space Time” وللفضاء المألوف حولنا ثلاثة أبعاد: يسار/ يمين، خلف/ أمام، أعلى/ أسفل. وللزمكان المألوف أربعة أبعاد: الثلاثة السابقة يضاف إليها الزمن(37)
وتعدّ رحلة الشاعر الصوفي رحلة متعددة الأبعاد؛ إذ يطوف في الأبعاد الكونية، فيفقد الزمان والمكان معناهما الحقيقي لأنه يطوف في الزمان الكوني الموحد، فالماضي والحاضر والمستقبل أزمنة موجودة في كل لحظة يعيشها، الماضي موجود في عالم الروح، ويرتبط الماضي والمستقبل حيوياً بالحاضر، والحاضر هو الذي يمكّن من فهم الماضي والمستقبل.
ويرى الميتا فيزيائيون أننا لا نستطيع تخيل البعد الأعلى لأننا موجودون في بعد أدنى فيزيائياً هو البعد الثالث، ويمكن أن ندرك البعد الأدنى من بعدنا، لكن لا نستطيع إدراك البعد الأعلى، لكننا نستطيع أن نرى انعكاس الأجسام من البعد الأعلى على عالمنا ثلاثي الأبعاد، فالبعد الخامس اصطلاحاً(38) مجموعة عوالم ثلاثية الأبعاد، وعالمنا ثلاثي الأبعاد متجاور مع عوالم متشابهة أخرى، ومكون من عوالم من الأبعاد، والزمان والمكان أصل لمعلم واحد رباعي الأبعاد(39).
ونجد تماثلاً مدهشاً لانعكاس البعد الخامس/ الأعلى على البعد الثالث/ الأدنى في قول ابن الفارض:
ولولا شذاها ما اهتديتُ لحانِها
ولولا سناها ما تصوّرها الوهمُ
ولو طرحوا في فيءِ حائطِ كرمِها
عليلاً وقد أشفى لفارقَه السقمُ
ولو جُليت سراً على أكمه غدا
بصيراً ومن راووقها تَسمع الصمُّ(40)
يتكلم ابن الفارض على الخمر الصوفية التي يقصد بها المطلق، ويرى أننا لا نستطيع إدراك البعد الأعلى، ولا نراه، لكننا نشعر بوجوده، فيرتبط البعد الأعلى بالتجربة الإدراكية، وهو بعد ديناميّ متجدد، وهذه سمة فيزيائية.
إن ثمة حال اغتراب في البعد الفيزيائي الذي يعيش فيه ابن الفارض، البعد الثالث، وينشد البعد الأعلى، فيسكر بالخمر المقدّسة، وهذه الخمر منزهة عن قيود الزمان والمكان، فهي الحضرة الدائمة المحيطة بالأزمنة كلها، فلا ماض، ولا حال، ولا استقبال، والسكر بها تغييب للعقل، وإعمال للحدس. ويمثل هذا السكر عودة إلى الأصل: الزمن الماضي حين كان متحداً بالنور، فيتجرد من بعده الفيزيائي إلى بعد أعلى، وتتمزق نفسه بين الماضي/ الروح، والحاضر/ الروح المقيدة بمادية الجسد، لكن شذاها يهديه إليها، فيرتقي في البعد، ويتمرد على ماديته، ويرى أن الناس كلهم غير قادرين على فعل ذلك، فالارتقاء مرتبط بالشرط، و”لو” حرف امتناع لامتناع، ففي البعد الثالث يمتنع جواب الشرط لامتناع الشرط؛ لأن هذا الأمر غير ممكن في بعدنا الفيزيائي، إنها تتجلى لكل شخص بمقدار استعداده؛ لذا لا يسري عليه الشرط؛ لأنه في حال سعي دؤوب للارتقاء في البعد وصولاً إلى هدفه. ارتقاؤه إلى بعد أعلى انتقال من المقيّد إلى المطلق، وتحويل المستحيل إلى ممكن، وليتحقق ذلك عليه أن يفرغ من كل شيء في بعده الثالث، لكن حلم الشاعر بالمستحيل يقترن بالديمومة وبتجدد الرحلة، وفي ذلك تذكير باستحالة الديمومة، وإلا فما مسوغ إعادة الحديث عن الرحلة؟ وهذا الارتقاء بين الممكن والمستحيل ارتقاء ميتا فيزيائي. وبدلاً من التعاقب الخطي للزمن اختبر الحاضر المطلق غير التابع للزمن، فلا وجود لتقسيمات زمانية كالحاضر والماضي والمستقبل:
ولا قبلَها قبلٌ ولا بعدَ بَعدِها
وقبليّةُ الأبعادِ فهي لها حتْمُ
وعصرُ المدى من قبله كان عصرَها
وعهدُ أبينا بعدها ولها اليتم(41)
ففي الحضرة الدائمة يكون هنالك إحاطة بالأزمنة كلها، فلا ماض، ولا حاضر، ولا استقبال:
وليس ألستُ الأمسَ غيراً لمَن غدا
وجنحي غدا صبحي ويومي ليلتي(42)
تنظر ميكانيكا الكم إلى الزمن بشكل سيجعل التقسيم الزمني مختفياً، ويتيح التصوف ذلك، فلا يوجد تقسيم للزمن كما في بعدنا الثالث، وفي الفضاء متعدد الأبعاد يصبح للزمن مفهوم مختلف، فيدخل في عالم السرمدية. ونتذكر جسيمات ما دون الذرة التي ليس لها وجود مستقر، فهي موجودة في زمكانات رباعية الأبعاد؛ إذ تبدي ميلاً للوجود، وميلاً للحدوث -كما سبق- وكذلك الظواهر لدى الشاعر، فهي ليست قائمة في ذاتها، بل في صور وتجليات للمطلق(43).
إن خرق القوانين لا يغير طبيعتها، ففي البعد الثالث سببية، وخطّية في الزمن، فكل حدث سبب لحدث لاحق، وثمة ماض وحاضر ومستقبل، أما البعد الأعلى فمختلف فيزيائياً؛ إذ يمكن أن تحدث النتيجة قبل السبب(44)
وقد صدئت عيني برؤيةِ غيرِها
ولثمُ جفوني تربَها للصدى يجلو
حديثي قديم في هواها وما له
-كما علمَت- بَعدٌ وليس لها قبلُ(45)
الشعر ميتا فيزياء الكون، فاللحظة الشعرية لحظة كشف وتنوير، وكذلك اللحظة الفيزيائية. وحين يستحيل العودة إلى الماضي في البعد الثالث يصبح التجول في الزمن ممكناً في البعد الأعلى:
فلي بعد أوطاني سكونٌ إلى الفلا
وبالوحشِ أُنسي إذ من الأنسِ وحشتي
فلي بين هاتيك الخيامِ ضنينةٌ
عليّ بجمعي سمحةٌ بتشتتي
محجبةٌ بين الأسنةِ والظُّبى
إليها انثنت ألبابُنا إذ تثنَّتِ(46)
يرى الميتا فيزيائيون أن الزمن في أصله عار عن الحركة(47) وخمره أزلية مجردة من الزمان والمكان:
شربنا على ذكرِ الحبيبِ مُدامةً
سكرنا بها من قبلِ أن يُخلق الكرمُ(48)
ليس هنالك قَبْلية وبَعدية، لكن المعرفة ترتبط بالبعد الذي نعيش فيه؛ لذا تبقى المعرفة بالبعد الأعلى ناقصة(49) لكن لكي يصف البعد الأعلى لا تسعفه لغة بعده الفيزيائي(50)، فتخونه اللغة:
ولطفُ الأواني في الحقيقةِ تابعٌ
للطفِ المعاني، والمعاني بها تنمو(51)
الأواني عالم الممكن، العالم الفيزيائي في البعد الثالث، وعالم المعاني هو البعد الأعلى، وتضيق اللغة عن التعبير، فمقدار الامتلاء بالخمر المقدّسة هو الذي يحدد القدرة على الارتقاء في البعد.
وتحيل الأواني إلى عناصر الطبيعة: التراب، والنار، والماء، والهواء، وتتضمن جمال الروح، فالمفردات المعجمية ضيقة عن أن تتحدث عن البعد الأعلى/ الروح الفياضة التي يأخذ منها بقدر ابتعاده عن بعده الفيزيائي، فكمية الخمر نامية، والأواني من منشأ لطيف يناسب لطف المعاني، وتوحدت الآنية والخمر، فأصبحتا نوراً واحداً متجرداً من حسيته، ولا يمكن للآنية أن تحيط بهذه الخمر النامية، ويفترض بها أن تبذل جهداً للتماهي معها. فالأنا الصوفية تنفتح على البعد الأعلى بقدر انفلاتها من الإناء/ الجسد، البعد الأدنى، فيتخطى حاجز المادة، ويخرج من الإناء.
لقد اختبر ابن الفارض العالم متعدد الأبعاد، وهي السمة التي تتحدث عنها الفيزياء الحديثة(52) ويرى الشاعر والفيزيائي أن الزمان والمكان قائمان على التجربة، ويتوحدان في زمكانات، فلا يوجد توال للزمن لدى الشاعر الصوفي، وثمة زمن مطلق يأخذ فيه موقعه، ويتخطى عالم السبب والنتيجة، فالصوفية هي التحرر من الزمان الفيزيائي في البعد الثالث، وهذا هو جوهر الفيزياء الحديثة.
ويقودنا الحديث عن الارتقاء في البعد إلى الحديث عن السفر عبر الزمن لدى الشاعر الصوفي.
–2-4 السفر عبر الزمن:
يرى الشاعر أن الزمن الفيزيائي في بعدنا وهمي، فربط المكان والزمان بحالة الوعي الخاصة لديه، وقد أدرك أنشتاين A. Einstein أن المواصفات الزمنية تعتمد على المراقب، فالمكان ثلاثي الأبعاد والزمان يشكلان وحدة، ويعدّ هذا المظهر التوحيدي أهم سمة للنسبية(53)
ويعدّ عالم جسيمات ما دون الذرة عالماً رباعي الأبعاد، فيتم السفر إلى الماضي باستخدام الجسيمات المضادة، فالبوزيترون جسيم مضاد للالكترون، له الكتلة نفسها، وشحنة معاكسة، يمكن عدّه الكتروناً متحركاً زمنياً إلى الوراء(54) فالبوزيترونات والالكترونات تتحرك إلى الوراء في الزمن، ولكي يسافر الإنسان عبر الزمن يجب أن يخلق شخصية مضادة له، فيسير كل طرف بزمن، وسيفني كل جسيم في الشخص المضاد الجسيم المناظر في الشخص الأول، وهذا ما تحقق لشاعرنا بالاغتراب عن ذاته:
أوميضُ برقٍ بالأبيرِقِ لاحا
أم في ربا نجدٍ أرى مصباحا
أم تلك ليلى العامريةُ أسفرت
ليلاً فصيَّرت المساءَ صباحا(55)
تسفر ليلى عن وجهها في الليل، ونلحظ الجناس بين ليلى وليل، فينقلب الليل إلى نهار، وليلى معرفة، غلب نورها أي نور، فقد قدّم البرق نكرة، وزاد في تنكيره، وتعود ليلى العامرية إلى الزمن المديد “عامر” فيتحوّل الظلام إلى نور، والليل إلى نهار.
يقوم الزمن على حركة دائرية(56) ويذوب زمن الشاعر الفردي في الزمن المطلق في تجربته العرفانية. ففي اللحظة الحاضرة تتلاشى عناصر البعد الزمكاني، ويصل إلى مرتبة الحَيرة، فيحدد الحاضر زمن التجربة، والوقوف على الديار بعث الماضي في الحاضر، ورغبة في ارتقاء الحاضر إلى مكانة الماضي، يحضر البرق إلى الطلل ليجعله مرتقياً في البعد، وينتصر الزمن في البعد الأعلى على الزمن الفيزيائي في البعد الثالث، فيغدو الليل نهاراً، ويجعله البرق مطلاً على الماضي من الحاضر، وتنتمي هذه الأشواق المهيجة إلى زمن قديم، والبرق توهج وانطفاء، ظهور واحتجاب، إشعاع يتخطى الزمن ويقاومه، فالبرق خرق للزمن الحاضر، واتصال بالزمن الآخر:
وكلّ مقامٍ عن سلوكٍ قطعتُه
عبوديةً حققتُها بعبودة(57)
لقد سافر، ووصل إلى المقام، ولا يأتي المقام إلا سالك في المجاهدتين الروحية والجسدية، وليس المقام حيزاً زمكانياً، ينشد ابن الفارض الإطلاق، وعدم التحدد، فيغدو زمنه لا زمنياً؛ لأنه يخرقه بالكشف والفناء.
يتحرك ابن الفارض زمنياً في البعد الثالث إلى الأمام، لكنه يخلق من نفسه شخصاً مضاداً يتحرك إلى الخلف، فيلاشي كل منهما الآخر على شكل جسيم يتحرك في حلقة من الزمكان. فالزمن نسبي، ويرى الفيزيائيون أن السفر عبر الزمن ممكن عن طريق ما سمّوه “الثقوب الدودية” وهي قمم بارزة، أو صغيرة في الكون، يتم القفز عبر الزمن من خلالها(58)
ولنتأمل في الأبيات الآتية لندرك تحقق السفر عبر الزمن صوفياً لدى ابن الفارض:
قف بالديار وحيِّ الأربُع الدُّرُسا
ونادِها فعساها أن تجيبَ عسى
وإن أجَنَّكَ ليلٌ من توحُّشها
فاشعَلْ من الشوقِ في ظلمائِها قَبسا(59)
خفّف السير، واتئدْ يا حادي
إنما أنت سائقٌ بفؤادي
ما ترى العيسَ بين سَوقٍ وشوقٍ
لربيعِ الربوعِ غرثى صوادي
لم تُبَقِّي لها المهامهُ جسماً
غيرَ جلدٍ على عظامٍ بوادي(60)
يعني طلب وقوف المطايا وجود زمن سابق، ووجود سبب يستدعي وقوفه عنده، فيتوقف الزمن الفيزيائي؛ ليسافر إلى زمن أرحب، فليس الوقوف سكوناً، بل ينطوي على حركة قوية، فيكون حاضراً بعدمه في البعد الفيزيائي، وبحضوره الأصيل في البعد الأعلى؛ لذا يقف على المسافة الفاصلة بين الزمنين، ويظهر الحادي في الزمن المضاد لابن الفارض، وها هو ذا يدمي ذاته، ويصدّعها ساعياً إلى الزمن الآخر، فالعبور في الرحلة عبور إلى الوجود الأصيل، إلى زمن له منطقه الخاص.
وزمن الرحلة ليلي، وزمن الوصول نهاري، فرحلة العبور حركة من الوجود المظلم إلى النهار، وتوازي هذه الرحلة في الصحراء رحلة روحية ارتقائية تنعتق من الزمن الفيزيائي، ولا تلغيه، بل تخفف منه، وبذلك لا ينتمي ابن الفارض إلى الزمن الفيزيائي، لكنه في الوقت نفسه لا ينتمي إلى البعد الأعلى، فالرحلة عبر الزمن تقلّب بين هذين الزمنين؛ لذا نجده في رحلة لا قرار لها، ونرى أنه يطيل المسافة لتبقى علاقته بالبعد الأعلى محكومة بالتمدد، فيشترط حب الأصل معاناة ومكابدة في سبيل الوصول إليه، ونراه يطيل الزمن ليغدو سعيداً بشقائه، ومستمتعاً بالكتابة عن ألمه. إنها رغبة في الوصول لكنه يسعى إلى تأجيل امتلاكها.
ويفتح طيُّ البيد بيداً غيرها؛ لذا يؤثّر الزمكان فيه وفي ظعائنه، فالارتحال في ليل الأكوان يماثل ارتحال المدلج في ليل نفسه، ويعني ذلك إشراقاً روحياً يتوازى مع العقبات التي يقطعها.
ويقودنا الحديث عن السفر عبر الزمن والأبعاد إلى الحديث عن الثنائيات الضدية التي تحكم البعد الثالث -بعدنا- وعالم ما وراء الأضداد.
5-– الثنائيات الضدية وما وراء المتضادات
البعد الثالث فيزيائياً محكوم بالثنائيات الضدية، فلا نستطيع أن ندرك الأبيض من غير استحضار الأسود في أذهاننا، ولا ندرك الجميل من غير استحضار القبيح. أما حين يتم الارتقاء في البعد فتتحول الثنائيات الضدية إلى وحدة متكاملة
ويرى الفيزيائي والصوفي العالم منظومة مكونات متفاعلة موحدة، فيعبران إلى ما وراء عالم الأضداد. وحين يعلن ابن الفارض أن الأشياء كلها تجليات للواحدية لا يعني أن هذه الأشياء متناظرة أو متساوية، بل ثمة ثنائيات ضدية ضمن الوحدة. لقد تخطى الشاعر مملكة الفكر، فأدرك أن المتضادين جانبان لواقع واحد، للكل المفرد:
فطيفُ خيالِ الظلِّ يُهدي إليك في
كرى اللهو ما عنه الستائرُ شُقَّتِ
ترى صورةَ الأشياءِ تُجلى عليك من
وراءِ حجابِ اللبسِ في كلِّ خِلعةِ
تجمعتِ الأضدادُ فيها لحكمةٍ
فأشكالُها تبدو على كلِّ هيئةِ(61)
تشكل الأضداد وحدة، فيستلزم الارتقاء إلى العالم الروحي تحقيق نظرة مطلقة واحدة لا تمييز فيها، فالمتضادات مظاهر مختلفة للظاهرة ذاتها.
ولا يغلب أحد الطرفين المتضادين الآخر، ففي الدائرة تتوحد المتضادات، ونجد تماثلاً لهذه الفكرة الصوفية في الفيزياء الحديثة، ففي عالم ما دون الذرة الجسيمات قابلة للتحطيم، وغير قابلة للتحطيم، والمادة مستمرة وغير مستمرة62 وفي البعد الرابع وحدة زمكان، ففي عالم الأبعاد تتوحد القوة والمادة، وقد اختبر الفيزيائيون عالم البعد الرابع بالصيغة الرياضية المجردة، لكن خيالهم محدود بعالم الأبعاد الثلاثة.
وقد استطاع ابن الفارض اختبار البُعد الأعلى في حالة تأمل عميق تخطى فيه عالم البعد الثالث؛ بُعد الثنائيات الضدية، واختبر العالم الذي تتكامل فيه المتضادات.
كذا كنت حيناً قبل أن يُكشف الغِطا
من اللَّبسِ لا أنفكُّ عن ثنويَّةِ
فوصليَ قطعي، اقترابي تباعدي
ووُدّي صدّي، وانتهائي بداءتي
وجاوزتُ حدَّ العشقِ فالحبُّ كالقِلى
وعن شأوِ معراجِ اتحادي رحلتي63
لقد تجاوز حد العشق بين طرفين، وفارق الفناء الحاصل من الحب، ووصل إلى ما وراء الاتحاد؛ مرحلة الجمع، فوجد أن المتضادات تتوحد، وتتكامل في البعد الأعلى.
وغُصتُ بحارَ الجمعِ بل خُضتُها على انـ
ـفرادي، فاستخرجتُ كلَّ يتيمةِ64
يرى ذاته مصدراً للفيض على الكون بصفاته وأفعاله، ويؤكد الجمعُ وحدة الأشياء كلها في إطار المطلق، أما الاتحاد فهو بين طرفين فقط، ونلاحظ التركيز المفرط على ضمير الـ”أنا”:
فبي دارت الأفلاكُ، فاعجبْ لقطبِها الـ
محيطِ بها، والقطبُ مركزُ نقطةِ
ولا قطبَ قبلي عن ثلاثٍ خَلفتُه
وقطبيةُ الأوتادِ عن بدليَّةِ65
القطب محيط بالكل، وقطبية ابن الفارض مطلقة، ليست كقطبية الطرفين المتضادين في البعد الثالث. فهل يكون الإلحاح على الأنا أنه في حال تكرار دائم لتجربته الفردية الخاصة أمام الممتد الدائم؟
يخشى أن يشعر بالعجز، فيلح على الأنا، يخشى أن يضل، ويظهر هذا الافتقار في حضور الأنا. إنه يزيح الأنا عن احتكار المعرفة مركّزاً على حال الوجد التي لازمته، فلا يركز على هويته، بل إن المطلق يسكن فيه، إنه يركز على صوته الداخلي الناطق بشهادة الحضور الممتلئ بالكلام الإلهي في شعوره الداخلي66
لا يحصل التكامل بمعزل عن التضاد، والتضاد الظاهر بين ذاته والمطلق يحيل إلى وحدة وتفاعل في لحظة شطحية “فبي دارت الأفلاك” ويذكّرنا هذا الأمر بالعالم ما دون الذري؛ إذ يمكن للذرات المضادة أن تتحد لتشكل جزيئات مضادة، بل تشكل كواكب ونجوماً مضادة مصنوعة من المادة المضادة، وتخلّف المادة والمادة المضادة عند لقائهما كمية هائلة من الطاقة67
وقد قدّم نيلز بور N. Bohr فكرة التتام، فصورة الجسيم، وصورة الموجة وصفان متتامان للواقع نفسه، وكل صورة ضرورية لتقديم الواقع الذري68 وقد أبصر ابن الفارض المفاهيم المتضادة التي تقوم على علاقة قطبية، أو متممة بين المفهوم والآخر.
لقد ذابت المتضادات في لحظة التجلي، فظهرت وحدة الكون به، ووصل إلى نور الأنوار، فخرج من ذاته، وبقي عين ذاته، وبُعده الثلاثي غائب في هذه القطبية، وهو حاضر في بعد آخر، فتصالحت الثنائيات الضدية في هذا البعد الذي يظهر فيه العاشق والمعشوق واحداً.
وترتبط محاولات ابن الفارض للوصول إلى البعد الأعلى وحركته الدائمة بالكون الديناميّ، والرقص الكوني.
6- – الكون الديناميّ والإيقاع الراقص:
الكون كله دينامي، سمته الحركة والتغير والتدفق، فالأشياء كلها في الكون تنخرط في رقص إيقاعي في شبكة لا تنفصم أجزاؤها. وتوصلت الفيزياء الحديثة إلى أن الكون شبكة دينامية من العلاقات، فجسيمات ما دون الذرة ذات طبيعتين: موجية وجسيمية، وحين يُحبَس الجسيم في نطاق محدد تزداد سرعته وحركته69 وهي النظرة التي نجدها لدى ابن الفارض:
هي النفس إن ألقَتْ هواها تضاعفت
قواها، وأعطت فعلَها كلَّ ذرةِ70
يتحدث عن المعرفة الروحية، وهي أعلى من الفكر في البعد الميتا فيزيائي، فحين تزيد كمية الطاقة تتضاعف القوة، وذلك حين يحرر نفسه من البعد الفيزيائي، فكل شيء نسبي، وكلما زادت الطاقة علا التردد71.
ينجذب ابن الفارض إلى البعد الأعلى، ويجذب إليه، فتزداد طاقته، ويصبح كلّ ما حوله كوناً حركياً راقصاً، وكلما كان التردد أعلى، ويشبه هذا الأمر نظرية الأوتار الفائقة Superstring Theory التي تقول إن ما في الكون مكوّن من أوتار، ولكل وتر نسق اهتزازي مختلف، وهنالك رنين للنسق الاهتزازي يحدثه الوتر، وكلما كان النسق الاهتزازي أكثر هيجاناً زادت الطاقة72 ويعني ذلك أن هنالك إيقاعاً موسيقياً كونياً، فتستطيع الأوتار أن تقوم بعدد لا نهائي من الاهتزازات، ونجد صدى لفكرة الإيقاع الكوني الراقص لدى ابن الفارض:
ويُحضِرني في الجمعِ مَنْ باسمِها شدا
فأشهَدُها عند السِّماعِ بجملتي
فينحو سماءَ النقحِ روحي ومظهري الـ
مسوِّي بها يحنو لأتراب تربتي
فمنّي مجذوبٌ إليها وجاذبٌ
إليه ونزعُ النزعِ في كلِّ جذبةِ
فحنَّت لتجريدِ الخطابِ ببرزخِ الـ
ترابِ وكلٌّ آخذٌ بأزمَّتي73
شهد محبوبته، وحدث الجمع، ورقص “فأشهدها بجملتي.. مني مجذوب وجاذب” فيتراقص جسده وروحه، ويلازم ذلك حركة واضطراب، ويتولد الوجد بما يتبعه من دهش وغيبة74
إن رقصه دليل على أن روحه تنجذب إلى الأعلى، وجسده يهبط إلى الأسفل، فيحدث اضطراب وحركة. هذا الاضطراب هو الذي سيقود روحه إلى السكينة حتى تصل إلى مرحلة الشهود، فيشهد الواجد في رقصه، ويغيب عن بعده الفيزيائي، فيصير وجده وجوداً، ويزيد وجده في نشاطه75 كجسيمات ما دون الذرة التي لا توجد بوصفها وحدات منفصلة، بل أجزاء في شبكة من التفاعلات تستلزم تدفقاً مستمراً للطاقة، تُخلق الجسيمات، وتتحطم بلا نهاية فيظهر العالم المادي ثابتاً لكنه متذبذب في حركات إيقاعية 76.
ويشبه التدمير الفيزيائي ورقص الطاقة نظرة ابن الفارض الدينامية للكون، لقد استخدم مصطلحاً شبيهاً بالرقص، فكل ذرة تغني أغنيتها، ويوجِد الصوت في كل لحظة أشكالاً كثيفة. إنه شعر لكنه ليس أقل من العلم!
يدور الالكترون حول نفسه وحول النواة، وإذا لم يقم بالدوران في حركة مغزلية فإنه لن يصبح الكتروناً77 وتذكّرنا هذه الحركة بالحركة الإيقاعية الراقصة للصوفي.
ويقودنا الكلام على الأوتار المهتزة غير المرئية والإيقاع الراقص إلى الحديث عن الفراغ والحيود في الفيزياء الصوفية.
7- – الفراغ والحيود:
في الفيزياء الحديثة لا وجود لـ “لا شيء” ففي الفراغ الكامل توجد جسيمات تقديرية، وتدمّر في الوقت نفسه78،ونجد أن ابن الفارض يمجد البعد الأعلى المتمثل في الفراغ، فلا سببية للأحداث في البعد الأعلى، ولا تقسيمات للزمن، لكن زمن الوصول إلى هذا البعد محكوم بعودة الغياب؛ لذا يكرر المحاولة. إنه يسعى إلى الإفلات من البعد الفيزيائي إلى الفراغ، وهذه تجربة امتلاء، فيشمل الفراغ كل شيء، ويحرر من كل شيء متعلق بالبعد الفيزيائي:
يقولون لي صفْها، فأنت بوصفِها
خبيرٌ أجلْ عندي بأوصافِها علمُ
صفاءٌ، ولا ماءٌ، ولطفٌ، ولا هوا
ونورٌ ولا نارٌ، وروحٌ ولا جسمُ
تقدَّمَ كلَّ الكائنات حديثُها
قديماً، ولا شكلٌ هناك ولا رسمُ79
في هذا الفراغ الحي تتلاشى الضدية؛ ذلك لأنه اتساع لا محدود، ويشعر ابن الفارض أنه حين يرتقي إلى الفراغ الحي يصبح حراً من كل شيء إلا من المطلق، فالفراغ حي، تنجم عنه أشكال الحياة.
إنه يرى ما لا ضد له، فالصفاء من غير الماء، والنور من غير النار، فيرى التكامل بين الأضداد، ولأن اتحاد الأضداد وتكاملها ممتنع في اللغة يهرب إلى اللغة المجازية.
لقد وحّد الفيزيائيون مختلف الحقول الكونية في حقل واحد يشمل الظواهر الفيزيائية، ونظر ابن الفارض إلى الكون على أنه يمثل حقلاً لا متناهياً يمثل الفراغ، فلا شكل له، وهو جوهر الأشكال كلها، ومصدر الحياة، لا حدّ لطاقته الإبداعية.
يولّد حقل الكم في عالم ما دون الذرة أنواعاً لا تحدّ من الأشكال، تظهر وتتلاشى في رقص كوني، وعالم الصوفي عالم الولادة المستمرة والموت المستمر. وتعد الصفة الدينامية للفراغ أهم اكتشافات الفيزياء الحديثة80
إن المعنى الشعري الصوفي معنى ذو شعرية عالية، وهو عبارات احتمالية تشبه نظرية الكوانتية، فتضيق اللغة عن أن توضح المعاني الصوفية، فيحدث احتمالات متعددة بين المنطوق والمقصود، ويظل المعنى مشدوداً إلى قوة غياب المعنى. إنها حقائق ناجمة عن تجليات مستمرة، ويظهر كل تجلّ حين يغيب التجلي السابق، لكنه يحمل أثره معه. إن ثمة تردداً حاصلاً من ضيق اللغة أمام المعنى الصوفي، فتتعدد الاحتمالات، وتشبه هذه الحال ما يعرف بظاهرة الحيود التي تقول إن للموجة الضوئية طولاً وارتفاعاً يشكلان تردد الموجة التي تحدث بفعل هدم خارجي يظهر أثر طاقته الحركية على شكل موجات. إذا اصطدمت الموجات بحاجز اجتازته من غير تأثير في حجمها إذا كانت الفتحات في الحاجز أوسع من الموجة، أو بقدر طولها. وإذا كانت فتحة الحاجز أضيق من طول الموجة حدث الحيود، فتتكون حول فتحة الحاجز بوصفها بؤرة موجات جديدة أصغر تشبه في تكونها فيما لو سقط حجر في فتحة81
ويا جَلَدي بعد النَّقا لستَ مُسعدي
ويا كبدي عزَّ اللقا فتفتّتي82
وقد برّحَ التبريحُ بي وأبادني
وأبدى الضّنى مني خفيَّ حقيقتي83
الحب الفائق سيتسرب؛ لذا يلجأ إلى البوح، فالكتابة الصوفية نشاط فكري لتحقيق أنا مختلفة عن الأنا البشرية. إن قلبه متجه إلى المطلق، لكنه اصطدم بحاجز، فتفتت، وتوزع في اتجاهات مختلفة، فالمرحلة التي وصل إليها أعمق من الكتابة؛ لذا تحجب لغته أكثر مما تظهر.
8- – مناقشة وخاتمة:
تبين لنا أن التماثلات بين التصوف والفيزياء الحديثة موجودة، والسؤال لماذا؟ إن في الحياة مسارات متعددة المسارب، موحدة الغايات، فالعلم والتصوف يكتشفان واقعاً مختفياً وراء الواقع المادي، كلاهما يراقب، ويعانق الكون، يبدأ الفيزيائي بالعالم الخارجي، ويبدأ الصوفي بالعالم الداخلي، وكلاهما يرتد إلى واقع واحد. ولشدة ظهور هذه التماثلات نسأل: هل تقوم الفيزياء الحديثة اليوم باكتشاف ما توصل إليه الصوفي في الأمس؟
إن العلم والتصوف ثنائية ضدية تحيل إلى التكامل، وتحيل إلى ثنائية عقل/ حدس، وربما يحق لنا أن ندعو إلى فيزياء صوفية في الحقل العلمي، وصوفية فيزيائية في الحقل الأدبي. وبناء على ما سبق يمكن تسجيل النتائج الآتية:
-يظهر النص الصوفي لدى ابن الفارض ظلاً للنص الديني، لا مضاداً له، وخياله أوسع من الخيال الأدبي؛ لأنه يشتمل على الحقائق العلمية والأدبية.
-الخطاب الصوفي حالة فردية، يخط فيها الشاعر معراجه الروحي؛ لذا وجدنا التركيز على الأنا، فالحضور أمام الروح يمثل غياباً وحجاباً، واللغة حجاب يسعى إلى تجاوزه.
-يبدو الشاعر في حال حركة دائمة، وسعي دائم إلى إعادة تجربته الصوفية؛ لأنها في حال إرجاء دائم.
-تتصالح الثنائيات الضدية في عالم ابن الفارض؛ لأنه تمكن من العبور من البعد الثالث؛ بُعد الثنائيات الضدية إلى بعد غائب بحضوره، وحاضر بغيابه، وقد وجدنا أن هذه الفكرة تشبه فكرة التتامية في الذرة، فلا تنفصل مفاهيمها المتضادة؛ لأنها تشكل كلاً واحداً.
-ساعدتنا النسبية على فهم التناغم المتأصل في الطبيعة حين حقق الشاعر وحدة وتناغماً مع قواها، فحركة الجسيمات المحتملة نسبية ترتبط بالفيزياء النسبية، وتمتد تفاعلاتها في أي اتجاه، وهو ما لمسناه في حركة الشاعر الصوفي.
-يرتد الرقص الإيقاعي غير المتناهي للكون في نظرية الكم إلى رقص جسيمات ما دون الذرة، والاجزاء لدى الصوفي تتصل بالكل، وهي في حركة دائمة.
-ساعدتنا نظرية الكم على فهم نظرة الصوفي إلى الكون، فهو وحدة متواشجة تمثل تنوعاً في الوحدة، ووجدنا أن العبارات الشطحية لدى ابن الفارض كوانتم شعرية تقوم على نفي نفسها في وسط شعري هو اللغة.
-الحقل الكمومي هو الحامل للظاهرات المادية كلها، وهو الفراغ الذي توجد منه الأشكال المختلفة كلها، وتلتقي هذه الفكرة فكرة الفراغ لدى ابن الفارض.
-حركة الضوء هي نفسها حركة التصوف، فلغته ذهنية في عالم حسي، منتشرة، تترك أثراً يماثل حركة الضوء الفيزيائية.
المصادر والمراجع:
1 – أدونيس، علي أحمد سعيد: 1989، الشعرية العربية، ط2، دار الآداب، بيروت.
2 – أبو ريان، محمد: 1959، أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السهرورودي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
3 – الجامي، الملا نور الدين عبد الرحمن بن أحمد: 2003، نفحات الأنس من حضرات القدس، ط1، تحقيق: محمد أديب الجادر، دار الكتب العلمية، بيروت.
4 – الجرجاني، أبو الحسن علي بن محمد: 1986، التعريفات، دار الشؤون الثقافية، بغداد.
5 – جوت، ريتشارد: 2009، السفر عبر الزمن في كون إنشتاين، ط1، ترجمة: عاطف يوسف محمود، المركز القومي للترجمة، القاهرة.
6 – حلمي، محمد مصطفى: د.ت، ابن الفارض والحب الإلهي، ط2، دار المعارف، مصر.
7 – الخطيب، أحمد شفيق: 1948، معجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية عربي إنكليزي، ط6، مكتبة لبنان، بيروت.
8 – ابن خلكان، القاضي أحمد: د.ت، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت.
9 – ديريدا، جاك: 2005، في عالم الكتابة، ط1، ترجمة: أنور مغيث، منى طلبة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
10 – السراج الطوسي، أبو نصر: 1960، اللمع، تحقيق: د. عبد الحليم محمود، وطه عبد الباقي سرور، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ومكتبة المثنى، بغداد.
11 – السيوطي، جلال الدين: 1967، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، ط1، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، مصر.
12 – شيشبان، ماسود، روجاس، هيجو، تورينو، أنكا: 2018، مفاهيم أساسية في الفيزياء من الكون حتى الكواركات، ط1، ترجمة: عزت عامر، المركز القومي للترجمة، القاهرة.
13 – ابن عربي، محيي الدين: 1992، الفتوحات المكية، تحقيق: عثمان يحيى، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
14 – العسقلاني، ابن حجر: 1330 هـ، لسان الميزان، الهند، 6ج.
15 – علي، حسين: 2003، الأسس الميتافيزيقية للعلم، دار قباء، القاهرة.
16 – غليك، جيمس: 2008، نظرية الفوضى، ترجمة: أحمد مغربي، مركز البابطين للترجمة، الكويت.
17 – ابن الفارض، عمر بن الحسن: د.ت، الديوان، المكتبة الثقافية، بيروت.
18 – فرانك، فيليب: 1983، الصلة بين العلم والفلسفة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.
19 – كابرا، فريتجوف: 1999، الطاوية والفيزياء الحديثة، ترجمة: حنا عبود، دار طلاس، دمشق.
20 – كاكو، ميشيو، تيرنر، جينيفر: 1991، ما بعد إنشتاين: البحث العلمي عن نظرية للكون، ط1، ترجمة: فايز فوق العادة، أكاديميا.
21 – الكلاباذي، أبو بكر محمد بن إسحق، ت: 380هـ: 1993، التعرف إلى مذاهب أهل التصوف، ط1، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت.
22 – موريس، ريتشارد: 1994، حافة العلم: عبور الحد من الفيزياء “الفيزيقا” إلى الميتافيزيقا، ترجمة: د. مصطفى إبراهيم فهمي، ط1، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي.
23 – نصر، عاطف جودة: 1978، الرمز الشعري عند الصوفية، ط1، دار الأندلس، دار الكندي، بيروت، مكتبة الإسكندرية.
24 – نصر، عاطف جودة: 1982، شعر ابن الفارض: دراسة في فن الشعر الصوفي، ط1، دار الأندلس، بيروت.
25 – النفّري، محمد بن عبد الجبار: 1985، المواقف والمخاطبات، تحقيق: آرثر أربري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
26 – هوكنغ، ستيفن، ملوندنيوف، ليونرد: د.ت، تاريخ أكثر إيجازاً للزمن، منتدى مكتبة الإسكندرية.
27 – هوكنغ، ستيفن: 2006، تاريخ موجز للزمان، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة جدران المعرفة، ص10 وما بعدها.
28 – هوكنغ، ستيفن: 2003، الكون في قشرة جوز، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 291، الكويت.
29 – هايزنبرغ، فيرنر: 1973، المشاكل الفلسفية للعلوم الطبيعية، ترجمة: أحمد مستجير، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
30- واصف، رأفت كامل: 2005، أساسيات الفيزياء الكلاسيكية والمعاصرة، ط3، دار النشر للجامعات، القاهرة.
المراجع الأجنبيَّة:
Encyclopedia Britannica, vol. 12, 15 th, ed. London’s 1973-1974-
-Zwettl Herbert, Sight sound motion, Applied media Aesthetics, wads worth publishing company, Inc, Usa,1973
المواقع الإلكترونية:
https://ar.wikipedia.org/ewiki
الهوامش:
1 – محمد بن عبد الجبار النفّري: 1985، المواقف والمخاطبات، تحقيق: آرثر أربري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ص115
2 – يقوم الشعر الصوفي على التبصر العميق في طبيعة الوقائع، وتقوم الفيزياء على مراقبة الظواهر الطبيعية في التجارب العملية. فـ: “في التأمل العميق يكون العقل متيقظاً كل التيقظ”
فريتجوف كابرا: 1999، الطاوية والفيزياء الحديثة، ترجمة: حنا عبود، دار طلاس، دمشق ص 42.
3 – حين قال ديكارت جملته الشهيرة: أنا أفكر إذن أنا موجود نظر إلى العقل على أنه جزء منفصل عن الإنسان، أما الحدس فيؤمن بكليته وعضويته.
4 – حين يصمت الفكر العقلاني تقوم الطريقة الحدسية بإنتاج الوعي الفائق. الطاوية والفيزياء الحديثة، ص42
5 – يرى أدونيس أن العقل يخطئ في كشف ما يستطيع الخيال الوصول إليه، فالنص الصوفي يرقى فوق العقل، ولا مكان فيه للعقل وأحكامه.
علي أحمد سعيد، أدونيس: 1989، الشعرية العربية، ط2، دار الآداب، بيروت، ص69-70.
6 – العقل عند الصوفيين جزء من الوصول إلى الحقيقة، نقل السرّاج عن الطوسي في كتابه اللمع قال: “قيل لأبي الحسين النوري -رحمه الله- بم عرفت الله تعالى؟ قال: بالله، قيل: فما بال العقل؟ قال: العقل عاجز لا يدل إلا على عاجز مثله، لما خلق الله العقل قال له من أنا؟ فسكت، فكلمه بنور الوحدانية، فقال: أنت الله، فلم يكن للعقل أن يعرف الله إلا بالله”.
أبو نصر السراج الطوسي: 1960، اللمع، تحقيق: د. عبد الحليم محمود، وطه عبد الباقي سرور، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ومكتبة المثنى، بغداد، ص63.
7 – يرى عاطف جودة نصر أن الحب الذي يوحد بين الفيزيائي والروحي يحيل إلى التجلي، والتجلي الإلهي يفضي بدوره إلى المشاهدة التي ترتبط بالإبداع الخيالي أوثق ارتباط، ومن هذه الوحدات المتشابكة يطل الجوهر الأنثوي، وتبرز المرأة بوصفها رمزاً لله المتجلي في شكل محسوس وصورة فيزيائية.
عاطف جودة نصر: 1978، الرمز الشعري عند الصوفية، ط1، دار الأندلس، دار الكندي، بيروت، مكتبة الإسكندرية، 142-143.
8 – ميكانيكا الكم “”Quantum Theory مجموعة نظريات تفسر الظواهر على المستوى الذرّي وما دون الذري دمجت خاصيتين: موجية وجسيمية، ويُستعمل مصطلح الكم لوصف أصغر كمية من الطاقة يمكن تبادلها بين الجسيمات، ويشير إلى كميات الطاقة المحددة التي تنبعث بشكل متقطع لا مستمر.
والنظرية النسبية The Theory of relativity أشهر نظريات الفيزياء الحديثة، وقد غيرت هذه النظرية المفاهيم المتعلقة بالزمان والمكان والكتلة والطاقة، فكل حركة نسبية، ويتغير مفهوم الزمن من كونه المطلق إلى كون نسبي، وجعلت المكان والزمان شيئاً واحداً بعد أن كان يتم التعامل معهما على أنهما شيئان مختلفان، وتتعلق هذه النظرية بالعوالم المتناهية في الكبر كالمجرات، وتقسم الكون إلى أبعاد، ونحن –البشر- فيزيائياً موجودون في البعد الثالث.
ستيفن هوكنغ: 2003، الكون في قشرة جوز، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 291، الكويت، ص15 وما بعدها.
Ar.m.wikipedia.org
9 – الطاوية والفيزياء الحديثة، ص24
10 – استعمل أرسطو الميتا فيزياء بمعنى ما وراء الطبيعة، أي ما يتجاوز مجال العمل الفيزيائي. والفيزياء سلم للوصول إلى الميتا فيزياء.
انظر: حسين علي: 2003، الأسس الميتافيزيقية للعلم، دار قباء، القاهرة، ص9.
11 – للتوسع انظر:
ريتشارد موريس: 1994، حافة العلم: عبور الحد من الفيزياء “الفيزيقا” إلى الميتافيزيقا، ترجمة: د. مصطفى إبراهيم فهمي، ط1، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي.
12 – التصوف أحوال ومقامات تتعدد. قال بشر بن الحارث: “الصوفي من صفا قلبه لله”.
أبو بكر محمد بن إسحق الكلاباذي ت: 380هـ: 1993، التعرف إلى مذاهب أهل التصوف، ط1، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ص103
ويحتاج هذا الصفاء إلى رياضة روحية ليكون قادراً على الارتفاع في البعد فوق بعدنا الفيزيائي.
13 – ابن الفارض ت: 362هـ حموي الأصل، مصري الإقامة والوفاة، سمي بابن الفارض لأن والده الشيخ شمس الدين كان من كبار أهل العلم، انفرد في علم الفرائض، وهو من شعراء العصر الأيوبي، كان ذا خلق صوفي رفيع، روي عنه تجلياته الرؤياوية ذات الطابع الكشفي، وعُرف عنه وجده، ورويت عنه بعض الكرامات الصوفية.
القاضي أحمد بن خلكان: د.ت، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 2/99-100
جلال الدين السيوطي: 1967، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، ط1، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، مصر، 1/296-297
يرى عاطف جودة نصر أن بيئة الحجاز التي عاش فيها خمسة عشر عاماً طبعت شعره بأسلوب العذريين من العشاق.
14-عاطف جودة نصر: 1982، شعر ابن الفارض: دراسة في فن الشعر الصوفي، ط1، دار الأندلس، بيروت، ص130.
لكنّ ما أوردناه سابقاً من قصور اللغة الشعرية العادية عن ملامسة المطلق دليل على السمة المشتركة للغة العذرية بين شعراء التصوف كلهم.
14 Encyclopedia Britannica, vol. 12, 15 th, ed. London’s 1973-1974, 786
ووردت الصوفية لدى الجرجاني بمعنى صفاء المعاملة مع الله تعالى.
أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني: 1986، التعريفات، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ص38
15 – التصوف مذهب حيوي دينامي يعتنق التطور الإبداعي، فلا يقيم وزناً للحواس.
محمد أبو ريان: 1959، أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السهرورودي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ص175.
16 – جايمس غليك: 2008، نظرية الفوضى، ترجمة: أحمد مغربي، مركز البابطين للترجمة، الكويت، ص140
17 – ابن الفارض، عمر بن الحسن: د.ت، الديوان، المكتبة الثقافية، بيروت، ص86 الهزج: ضرب من الأغاني فيه ترنم، المسارح: جمع مسرح وهو المرعى، الأصائل: جمع أصيلة بين العصر والمغرب، الخمائل: الحدائق من الرياض.
18 – الديوان، ص78
19 – يقسم العالم الفيزيائي إلى نظام ملحوظ وملاحظ، فالنظام الملحوظ هو الذرة وجسيم ما دون الذرة والعمليات الذرية… والملاحظ هو الأجهزة التجريبية، ويشتمل على المراقب أو المراقبين من البشر، ويوصف النظام الملاحظ حسب مصطلحات الفيزياء الكلاسية لكن هذه الملاحظات لا يمكن استخدامها دائماً لوصف الشيء الملحوظ. الطاوية والفيزياء الحديثة، ص126.
20 – الأنتروبيا هي مقياس الفوضى في نظام ما.
ماسود شيشبان، هيجو بيريز روجاس، أنكا تورينو: 2018، مفاهيم أساسية في الفيزياء من الكون حتى الكواركات، ط1، ترجمة: عزت عامر، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ص85.
ففي حالة الغاز المثالي المعزول يكون هنالك نظام في حال توازن، ومن هنا يمكن أن نتكلم على أنتروبيا النظام، ومن المستحيل عزل النظام عن أي تأثير خارجي، ولا يمكن الوصول إلى الصفر المطلق، المرجع السابق، ص94.
21 – الديوان، ص83
22 – الطاوية والفيزياء الحديثة، ص133
23 – يقول محمد مصطفى حلمي: ويختلف مذهبه عن مذهب وحدة الوجود، فمذهبه شهود الأشياء في الله، وشهود الله في الأشياء، ووحدة الشهود تختلف عن وحدة الوجود، فمذهبه واحدي.
محمد مصطفى حلمي: د.ت، ابن الفارض والحب الإلهي، ط2، دار المعارف، مصر، ص299.
24 – الديوان، ص62-62 الستائر: جمع ستارة: الحاجز.
25 – يرى هايزنبرغ W. Heisenberg رائد نظرية اللا تحدد الجسيمية أن هنالك جوهراً أساسياً يتكون منه كل واقع، وهو ما يسمى بالطاقة التي تتخذ أشكالاً مختلفة.
فيرنر هايزنبرغ: 1973، المشاكل الفلسفية للعلوم الطبيعية، ترجمة: أحمد مستجير، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص108.
26 – ولذلك يقال لو فهمنا المكونات الأساسية لفهمنا كل شيء، دون استثناء، وهي نظرية كل شيء.
الكون الأنيق، ص21
27 – الديوان، ص36، 66
28 – تقوم ميكانيكا الكم على مبدأ عدم اليقين، فكل قياس للجسيم ومساره يدمّر جزءاً من معرفتنا بالنظام الذي تم الحصول عليه من القياسات السابقة. ويتزامن عدم التعيين هذا مع كمية حركة مترافقة. مفاهيم أساسية في الفيزياء من الكون حتى الكواركات، ص263
29 – الديوان، ص38
30 – يقول كابرا إن جسيمات ما دون الذرة لا توجد بالتأكيد في أماكن محددة بل تبدي ميلاً للوجود، وميلاً للحدوث. إنها حالات احتمالية: أمواج احتمالية وجسيمات احتمالية، وتتصادم الذرات ملايين المرات كل ثانية ومع ذلك تعود إلى شكلها الأصلي بعد كل تصادم، وتنشأ هذه الخصائص المدهشة للذرات من الطبيعة الموجية لإلكتروناتها. الطاوية والفيزياء الحديثة، ص67-69.
ينظر أيضاً: فيليب فرانك: 1983، الصلة بين العلم والفلسفة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ص163-164.
31 – الشطح “عبارة مستغربة في وصف وجد فاض بقوته، وهاج بشدة غليانه وغلبته… فكذلك المريد الواجد، إذا قوى وجده، ولم يطق حمل ما يرد على قلبه من سطوة أنوار حقائقه سطع ذلك على لسانه، فيترجم عنها بعبارة مستغربة، مشكلة على مفهوم سامعيها، إلا إذا كان من أهلها، ويكون متبحراً في علمها، فسمي ذلك على لسان أهل الاصطلاح: شطحاً” اللمع، ص10-11.
32 – حقيقة المعرفة حيرة. انظر:
الملا نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي: 2003، نفحات الأنس من حضرات القدس، ط1، تحقيق: محمد أديب الجادر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1/48.
33 – الديوان، ص4. صدّا: اسم بئر عذبة الماء، وأصلها الهمز فسُهّلت، العي: الذي لم يهتد لوجه مراده.
34 – الديوان، ص53
35- https://ar.wikipedia.org/ewiki
36 – الديوان، ص42-45-57
37 – الكون الأنيق، ص424
يعني مصطلح Fourth Diminution البعد الرابع في الفيزياء. انظر:
أحمد شفيق الخطيب: 1948، معجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية عربي إنكليزي، ط6، مكتبة لبنان، بيروت، ص235
وقد أضاف إنشتاين بعداً رابعاً للطول والعرض والارتفاع هو الزمن، ولا حديث برأيه عن الزمن من غير حديث عن الفضاء، والمقاييس المتعلقة بهما نسبية.
Zwettl Herbert, Sight sound motion, Applied media Aesthetics, wads worth publishing company, Inc, Usa,1973, pp. 243-263.
والبعد الثالث هو الطول والعرض والارتفاع، والبعد الثاني هو الخط المستقيم، والبعد الأول هو النقطة. أما البعد الرابع فيعني أنه يمكن للشخص أن يرى نفسه في كل مكان في الزمان نفسه، والاتجاهات كلها، ويعدّ الزمن اتجاهاً كالطول والعرض والارتفاع.
38 – نقصد بالبعد الخامس اصطلاحاً أنه البعد الفيزيائي الأعلى من البعد الثالث، وتجنبنا تسميته بالبعد الرابع حتى لا يحدث خلط مع مفهوم البعد الرابع “الزمن” حسب تعريف إنشتاين.
39 الكون الأنيق، ص410 وللتوسع في الفكرة ينظر أيضاً:
رأفت كامل واصف: 2005، أساسيات الفيزياء الكلاسيكية والمعاصرة، ط3، دار النشر للجامعات، القاهرة.
يستطيع الشيء الأدنى أن يعرف وجود ما هو أعلى منه، لكنه لا يعرف من صفاته إلا ما يتعلق بقانونه الأدنى.
40 – الديوان، ص82 الأكمه: الأعمى، الراووق: المصفاة
41 – الديوان، ص83 العصر: الدهر، المدى: الغاية.
42 – الديوان، ص52
43 – السفر عبر الزمن متحقق في الجسيمات ما دون الذرية، وتفترض ميكانيكا الكم وجود عوالم متعددة ومتوازية، فمقدار قليل من المادة يمكن تحويله إلى مقدار هائل من الطاقة. انظر:
ريتشارد جوت: 2009، السفر عبر الزمن في كون إنشتاين، ط1، ترجمة: عاطف يوسف محمود، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ص50، 52.
44 – المرجع السابق، ص79.
45 – الديوان، ص80
46 – الديوان، ص17-20
47 – ستيفن هوكنغ: 2006، تاريخ موجز للزمان، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة جدران المعرفة، ص10 وما بعدها.
48 – الديوان، ص82
49 – يرى ستيفن هوكنغ S. Hawking أن الزمن قد ينحني على المكان، فلا يكون خطياً باتجاه المستقبل، ويرى أن البشر مقيدون تقييداً شديداً، لكن العقل الحر قادر على الارتقاء، واكتشاف الأبعاد الأعلى في حال تأمل عميق. الكون في قشرة جوز، ص133.
50 – لغة الفيزياء الحديثة لغة تقريبية وغير دقيقة، تقابل لغة المفارقة والرموز والأساطير. كتب هايزنبرغ: أصعب مشكلة تتعلق باستخدام اللغة تنشأ في نظرية الكم، فهنا لدينا دليل بسيط لتداخل الرموز الرياضية مع مفاهيم اللغة العادية، والشيء الوحيد الذي نعرفه منذ البداية هو حقيقة أن مفاهيمنا العامة لا يمكن تطبيقها على بنية الذرات. الطاوية والفيزياء الحديثة، ص49. فالحقيقة مختبئة في مفارقاتها.
51 – الديوان، ص83
52 – الطاوية والفيزياء الحديثة، ص159.
53 – السفر عبر الزمن في كون أنشتاين، ص21 وما بعدها.
54 – المرجع السابق، ص162.
55 – الديوان، ص72 الأبيرق: تصغير الأبرق، مكان فيه رمل وحجارة وطين.
56 – ترد فكرة الزمن الدائري في أدبيات الصوفية، فقد أورد ابن عربي أن الله تعالى خلق الزمان مستديراً في ابتدائه.
محيي الدين بن عربي: 1992، الفتوحات المكية، تحقيق: عثمان يحيى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2/54.
57 – الديوان، 35.
58 – المكان والزمان مترابطان، والسفر إلى الماضي مرهون بمسألة السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء، قد يكون من الممكن ثني الزمكان، والعثور على طريق مختصر بين نقطتين أ، ب، ما يسمى بالثقب الدودي Worm Whole وهو أنبوبة رقيقة من الزمكان يمكن أن تربط نقطتين بعيدتين.
ستيفن هوكنغ، ليونرد ملوندنيوف: د.ت، تاريخ أكثر إيجازاً للزمن، منتدى مكتبة الإسكندرية، ص107، 109.
59 – الديوان، ص103.
60 – الديوان، ص76 الغرثى: الجياع، الصوادي: العطاش، في قوله تبقّي إشباع كسرة القاف، فتولد منها ياء.
61 – الديوان، ص63.
62 – الطاوية والفيزياء الحديثة، ص140-141.
63 – الديوان، ص37، 40-42.
64 – الديوان، ص66.
65 – الديوان، ص52-53.
66 – يرى جاك ديريدا أن الكلمات تنبعث بزخمها الروحي كله، ودرجات وجدها، وتقترب من الصوت المقدس الداخلي الناطق بشهادة الحضور والممتلئ بالكلام الإلهي في شعورنا الداخلي.
جاك ديريدا: 2005، في عالم الكتابة، ط1، ترجمة: أنور مغيث، منى طلبة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ص81.
67 – ميشيو كاكو، جينيفر تيرنر: 1991، ما بعد إنشتاين: البحث العلمي عن نظرية للكون، ط1، ترجمة: فايز فوق العادة، أكاديميا، بيروت، ص191.
68 – الطاوية والفيزياء الحديثة، ص149.
69 – الكون الأنيق، ص53 الكون كله مركّب من أوتار بالغة الدقة، تعزف سيمفونية دائمة الاهتزاز.
70 – الديوان، ص58.
71 – تاريخ موجز للزمن، ص30، 41 ينتقل الضوء إلى أعلى في مجال جاذبية الأرض، فيفقد طاقة، وينخفض تردده.
72 – الكون الأنيق، ص166.
73 – الديوان، ص48 البرزخ: الحاجز بين شيئين، الأزمّة: جمع زمام وهو الرسن.
74 – يروي ابن حجر العسقلاني: كان لابن الفارض في مدينة البهنسا بصعيد مصر بيت يقيم فيه طائفة من الجواري والمغنيات الضاربات على الدفوف والشبابات، وكان الشاعر يقصد هذا البيت، فيلقي نفسه في غمرة من غمرات السماع الذي ينشأ عنه الرقص بما يلازمه من حركة واضطراب، ويتولد منه الوجد بما يستتبعه من دهش وغيبة، فكان يقضي حاجة نفسه من الوجد، ثم يعود إلى القاهرة.
ابن حجر العسقلاني: 1330 هـ، لسان الميزان، الهند، 6ج، 4/318-319.
75 – بحسب قانون إنشتاين: الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع السرعة نجد أن مقداراً ضئيلاً من المادة يمكن تحويله إلى مقدار هائل من الطاقة.
76 – الطاوية والفيزياء الحديثة، ص205 يرى أن العناصر الأساسية في الكون هي نماذج دينامية ومراحل عابرة في التدفق الأبدي للتحول، نفسه، ص188.
77 – الكون الأنيق، ص194.
78 – حافة العلم، ص39.
79 – الديوان، ص83.
80 – الطاوية والفيزياء الحديثة، ص202.
قدّم الفيلسوف الإغريقي ديمقريطس 340- 370 ق.م فرضية أن الكون تكون من فضاء فارغ، وعدد هائل من الجسيمات غير المرئية، وبضمّها والفصل بينها نحصل على أشكال الأجسام واختفائها. مفاهيم أساسية في الفيزياء من الكون حتى الكواركات، ص265.
81 – أساسيات الفيزياء الكلاسيكية، ص700.
82 – الديوان، ص22.
83 – الديوان، ص24.
____________________________
*نقلًا عن مجلة ” نزوى” – سلطنة عمان.