مطارح كانط بين سبيل الإلحاد ومسلك الإيمان العقلي
صابرين زغلول
تحت هذا العنوان الذي حظي بفضاء واسع من الجدل على امتداد قرنين من الزمن، تناقش الباحثة المصرية صابرين زغلول ديناميات التأويل المتنوعة التي قرأت كانط بين ضدين متناظرين: الإلحاد والإيمان.
تحاول الباحثة في مقالتها هذه التصدّي للتأويلات المتناقضة حول ما إذا كان كانط ملحداً أو مؤمناً إيماناً عقلياً، كما ستمضي إلى نقد التيارات العلمانية والإلحادية التي أمسكت بناصية النص الكانطي لتوظفه ضمن دوائرها الأيديولوجية.
المحرر
حاول بعض خصوم الدين في الغرب توظيف فلسفة كانط لخدمة الأفكار الإلحادية ليجعلوا منها أساساً للإلحاد المعاصر. فقد استندوا في ذلك على ما قدّمه كانط حول عجز العقل عن البرهنة على وجود الله عن طريق الأدلة السابقة التي اعتمد عليها الناس ولذلك راحوا يلقون عليه التهم بأنه أسس لمقولة موت الإله قبل نيتشه وما تبعه من طرح في الإلحاد المعاصر. كما شكك بعضهم في أن كانط يقلل من قدسية الدين بربطه الدين والأخلاق بمفهوم الحرية بل عدّ الحرية أساساً للأخلاق، والأخلاق أساساً للدين.جاءت هذه الاتهامات على خلفية تفريق كانط المعرفة العلمية القائمة على التجربة عن التفكير الفلسفي المجرد، وتأكيده استحالة معرفة الأشياء في ذاتها، وأن الغيبيات هي موضوع للاعتقاد والتسليم فحسب وجعله البرهنة على وجود الله، مرهوناً بالقانون الأخلاقي مما أدى إلى انقسام المحللين واختلافهم حول فلسفة كانط بين مؤيد ومعارض. فبينما يرى بعضهم أن تلك الفلسفة التي قامت على القانون الأخلاقي بمنهج فريد هي إحدى الفلسفات التي ردت رداً عقلياً ومنطقياً وأخلاقياً على الإلحاد في ذلك العصر، نظر إليه بعضهم الآخر بوصفه واحداً من المنهجيين الملحدين ومن الناقدين الجذريين للميتافيزيقا والدين. فهل أعطى كانط مكاناً للإيمان في فلسفته؟ أو أنه وضع حجر الأساس للمذاهب الإلحادية التي جاءت بعد ذلك؟ بمعنى آخر ما موقف كانط من الإيمان وكيف كان موقفه من الإلحاد؟
لابد أن نفهم أن كانط مر بمراحل عديدة في فلسفته تبعاً لمراحله العمرية، لذلك يلزم على من يقرأ كانط ويتحدث عن فلسفته، أن يبحث في مجمل أعماله. لكن من المؤكد أنه جهر بمذهبه النقدي حينما قال: «حدث نفسك بنفسك»[1] وهذا هو الأساس الأول الذي أقام عليه كانط رحلته الفلسفية، وهو الأساس النقدي، وسنلاحظ أن معظم كتب كانط قامت على نقد العقل للوقوف على مشكلات عصره الذي تأرجح بين الفكر الديني – ذي الصبغة اللاهوتية – المهيمن على كل نواحي الحياة، والنزعات الإلحادية في النواحي العَقَدية من ناحية والاتجاهات الفلسفية المتنوعة بين النزعة الشكية التي نتج منها الشك في مصادر المعرفة وإمكانيتها وبين النزعة الدوجماطيقية التي تبدأ بفروض تعسفية وتقرر مبادئ لا يجوز عليها التحليل أو إقامة برهان من ناحية أخرى. على أن «النزعة الشكية كانت ذات أهمية كبيرة عند كانط بالقياس إلى الدوجماطيقية لأنها تقوم على رقابة العقل، وهذه الرقابة تفضي بدورها إلى الشك»[2]. لذلك عدّ كانط أن هيوم هو الذي أيقظه من ثباته الدوجماطيقي ودفعه للشك لتخليص العقل من آفاته، ولا سيما في قضية السببية. وعلى الرغم من أهمية المرحلة الشكية بالنسبة لكانط لم تكن لترضي العقل، لأنها في الحقيقة ليست سوى رقابة سلبية على العقل. إنها رقابة على العقل ولكنها ليست نقداً له. لذا أراد كانط أن يقوِّض هذه المذاهب وكان سلاحه في ذلك النقد، وحسبنا أن نلاحظ الأسماء التى أطلقها «كانط» على مؤلفاته، كيف اشتملت على كلمة «نقد» نقد العقل الخالص، نقد العقل العملي، نقد ملكة الحكم لنعلم منذ اللحظة الأولى أنه أراد أن مشروعه الفلسفي بأجمعه قام على نقد المنظومات التي شاعت في عصره. فالطريقة النقدية هي أن «نختار من أقوال الناس في ميدان العلم أو في مجال الحياة اليومية طائفة من الأحكام التي ليس عليها خلاف، ثم نتعقبها راجعين خطوة خطوة، حتى نصل إلى المبادئ التي تكمن وراء هذه الأحكام كلها التي اخترناها»[3].
انطلاقاً من ذلك قامت فلسفة كانط النقدية على تقييم المذاهب الفلسفية متخذاً من بعضها موقفاً إيجابياً كنقطة انطلاق لفلسفته، ومن بعضها الآخر موقفاً سلبياً سعى الى تقويضه وبناء بديل منه على أسس نقدية وعقلية صحيحة، توافق قدرات العقل الإنساني وليرسي قواعد فلسفته النقدية ليكشف من خلالها وهن الميتافزيقا التقليدية، وعجزها عن البرهنة على وجود الله، والنفس والعالم. من أجل ذلك كان عليه أن يثير العديد من الأسئلة والتي شكلت بدورها جوهر فلسفته، أهمها:
– ما الذي يمكنني أن أعرفه؟
– ما الذي ينبغي أن أعمله؟
– ما الذي أستطيع أن أمله؟[4]
هذه الأسئلة تتعلق بثلاث مشكلات تدور حول مفهوم المعرفة والبرهان الخُلقي ومفهوم الدين، فالمشكلة الأولى تتعلق بالعقل النظري (الميتافيزيقا)، بينما تخص المشكلة الثانية العقل العملي (الأخلاق)، في حين تخص المشكلة الثالثة النظري والعملي معا» (الدين). والذي يعنينا في بحثنا هذا هو موقف كانط من الدين ليتضح لنا موقفه من الإلحاد والإيمان، لذا سنقف بإيجاز عند موقفه من المعرفة والأخلاق بوصفهما الأساس الذي أرسى عليه كانط موقفه من الدين.
مفهوم المعرفة
افتتح كانط كتابه نقد العقل المحض بقوله: «كل معارفنا تبدأ من التجربة ولا ريب في ذلك البتة لأن قدرتنا المعرفية لن تستيقظ إلى العمل إن لم يتم ذلك من خلال موضوعات تصدم حواسنا»[5] لذلك لا تتقدم أي «معرفة عندنا زمنياً ـ على حد تعبير كانط -على التجربة بل معها تبدأ جميعاً»[6]. في هذا المقتبس يؤكد أولاً: كانط أن كل معرفتنا تبدأ بالتجربة، لأننا لا نستطيع أن نقوم بأي عمل إن لم يتم ذلك من خلال موضوعات تصدم حواسنا، فتؤدي إلى حدوث التصورات تلقائياً. وثانياً: لأن التجربة تحرك نشاط الفهم لدينا، لجهة مقارنتها وربطها أو فصلها، وبالتالي تتحول «جميع الانطباعات الحسية إلى معرفة بالموضوعات التي تسمى التجربة».[7] لكنّ التجربة «لا تعطينا إلا أحاسيس وحوادث منفصلة تتغير في تعاقبها في المستقبل»[8] الى جانب أن هناك تصورات تتصف بالضرورة والكلية كقوانين الرياضيات على سبيل المثال، فهذه لا تستطيع التجربة البرهنة عليها لأنها قوانين ثابتة، وغير خاضعة للحواس. لذلك أضاف كانط إلى معارفنا التي تبدأ بالتجربة، طريقاً أخر هو طريق العقل. ذلك أن «المعارف التي تتخطى العالم الحسي وحيث لا يمكن للتجربة أن تعدل أو تصحح فيها تقع ضمن مباحث عقلنا التي نعدها من حيث الهدف النهائي أفضل وأسمى بكثير من كل ما قد تفيدنا به الفاهمة في حقل الظاهرات»[9]. ولذا كان يلزم التفريق بين ناتج المعرفة وتلك الصور التي تتخذها المعرفة. هذا ما قال به كانط على وجه الخصوص: «من الواجب التمييز بين ما ينتج المعرفة بالفعل، والصورة التي تتخـذها تلـك المعرفـة. وعلـى ذلـك، فعلـى الـرغم مـن أن المعرفـة تنشـأ عـن طريـق التجربـة، فإنهـا لا تُسـتمد منهـا وحدها».[10] ولذلك أصبح مصدر المعرفة عند كانط هما التجربة والعقل.وبعد أن أثبت كانط دور العقل بجانب التجربة بوصفهما مصدرين للمعرفة أوضح الدور المهم الذي يقوم به العقل النقدي في المعرفة بعيداً عن أي دوجماطيقية. يقول في هذا الصدد: «يؤدي نقد العقل إذن، في النهاية وبالضرورة إلى علم. أما استعماله الدجماطيقي فيؤدي بالمقابل إلى مزاعم لا أساس لها، يمكن أن نعارضها بأخرى»[11] ولا يمكن تأسيس علم إلا بتعاون التجربة الحسية والإدراك العقلي اللذين يؤديان إلى المعرفة الصحيحة.
وإذن، يعتمد كانط في بناء المعرفة على العقل والتجربة معاً، وعلى الرغم من أنه فيلسوف عقلي نجد أنه «رفض العقليين الذين يعطون العقل أكثر من طاقته فيقعون في الأخطاء والمغالطات»[12] ولكي ينأى بالتفكير الفلسفي عن المغالطات والدوجماطيقية أسس المنطق (الترانسندنتالي Transcendental Logic»، وهو حسب تعريف كانط «قانون الفاهمة (المعرفة) والعقل.. من حيث هو متعلق بالموضوعات قبلياً لا كما يتعلق المنطق العام بالمعارف العقلية التجريبة أو المحضة دون تمييز»[13] ويقصد كانط من (المنطق الترانسندنتالي) أن يكون أورجانوناً Organon وقانوناً للمعرفة في الوقت نفسه، وهذا «الأورجانون» هو الذي سيضبط الحدود المشروعة التي لا يمكن تجاوزها، ليكون ضابطاً للفكر وفق حدوده وتجاربه، وفي حال تجاوزها، تصبح المعرفة غير مشروعة. وعنه فإن حدود المعرفة البشرية لا تستخدم في البحث عن الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة، وبهذا يصبح منطق كانط الترانسندنتالي متعهداً وظيفة الضبط والحماية من الغلط أو الخطأ في مضمون المعرفة ذاتها، لا في مجرد شكلها المنطقي الصوري. وهو المنطق نفسه الذي سيعتمد عليه في منظومته الفلسفية في الأخلاق والدين.لذا فإن معرفة الأشياء باعتبارها وعياً بها يتأسس على الوعي بالذات في أثناء ممارستها أفعالها المعرفية المختلفة. لذا كان هذا الأورجانون هو الضابط لحدود المعرفة المعتمدة على العقل والتجربة عند كانط، وهو نفسه الذي سيغير معالم الميتافيزيقا عنده، والتي حاول جاهداً تحديدها لمواجهة الإلحاد،حيث وجد كانط الميتافيزيقا عاجزة عن تقديم أي حقيقة عن قضايا: الله، والنفس، والعالم، ولهذا رفض الميتافيزيقا التقليدية السابقة عليه. ومن خلال رفضه لها فُتحت ثغرات الإلحاد في الفلسفة الكانطية، وبخاصة أن الطريقة النقدية التي اتبعها كانت ثورة منهجية في عصره.
موقف كانط من الميتافيزيقا
لقد فرّق كانط «بين الظاهرة (الفينومين) والشيء في ذاته (النومين)، «منتهياً إلى أن العقل البشري محصورٌ في قدرته المعرفية على عالم الظواهر، ولا يمكن أن يعرف مجال الشيء في ذاته»[14] وهذه الفكرة استثمرت لاحقا من الفلسفات الناقدة للدين، حيث وظفت فلسفة كانط، على نحو مغاير لمقصوده هو نفسه؛ إذ نلاحظ أن كانط في القسم الثاني من كتابه نقد العقل المحض، والذي عنونه بـ»الديالكتيك الترانسندتالي» (الجدل المتعالي) يقف متسائلاً عن سبب نزوع العقل البشري إلى تجاوز عالم الحس والتجربة، مُذكراً بأفلاطون الذي وقف كثيراً عند نزوع العقل إلى التديُّن والتفكير فيما وراء العالم الحسي. فكانط في هذا الفصل يعترف أن هذه «المجاوزة ذات حافز طبيعي يوجد داخل كينونة العقل، وليست مجرد افتعال أو سلوك من الترف الذهني، لقد رأى أن العقل البشري عاجز عن إنتاج حقيقة فيما وراء عالم الحس، منتهياً إلى الاستحالة العقلية لتأسيس معرفي للميتافيزيقا»،[15] لذا سيعود في كتابه «نقد العقل العملي» إلى تأسيس الدين والميتافيزيقا على أساس أخلاقي لا أساس معرفي. لذلك كان الفكر الناقد للدين غافلاً عن فلسفته في نسقيتها وشموليتها، أي غافلاً عن النصف الآخر من فلسفته.. ذلك أن كانط اتخذ موقفين تجاه الميتافزيقا أحدهما سلبي والآخر إيجابي وهذا منهجه الدائم في النقد، تقويض الأفكار الخاطئة ثم بناء ما يراه متناسباً مع قدرة العقل البشري،وقد بدأ بالجانب السلبي بهدم قضايا الميتافيزيقا الرئيسة وبين تناقضاتها. ولا يمكن القول، عن أي ميتافيزيقا عرضت حتى الآن، إنها متحققة من حيث إن المعرفة مقصورة على عالم الحس والتجربة، وإن ما وراء الواقع لا سبيل إلى كشفه، لذلك أعلن استحالة الميتافيزيقا.» إذ إننا كائنات بشرية، وتقتصر معرفتنا على ميدان الخبرة البشرية الممكنة، ولكننا إذا حاولنا أن نتخطى حدودها، فإننا بالضرورة لا نفهم شيئاً مما نقوله أبداً «[16] وقد حكم كانط على أن الميتافيزيقا التقليدية مستحيلة التحقق، لذلك رفض كانط أن تكون الميتافيزيقا بهذا المعنى ميتافيزيقا مشروعة لبعدها عن التجربة على الرغم من أن كل معرفتنا تبدأ مع التجربة.
في بحثه في مسألة الميتافيزيقا التي تشمل موضوعات: الله، النفس، الحرية، أكد كانط نقده الميتافيزيقا السابقة عليه؛ لأنها قدمت أجوبة عن موضوعات الميتافيزيقا من دون أي فحص لأداة المعرفة نفسها، أي من دون الالتزام بالقيام بفحص نقدي للعقل ذاته، ومن أجل ذلك أحال الميتافيزيقا إلى جانب أخر أكثر إيجابية من الميتافيزيقا التقليدية وهو ميتافيزيقا أخرى ممكنة عنينا بها: الميتافيزيقا النقدية. لهذا السبب رأى وجوب أن يكون ثمة معارف تأليفية قبلية، ذلك أن طبيعة العقل البشري تجعله غير مستغنٍ عنها، وأن عمله لا يقتصر البتة على مجرد تحليل الأفاهيم التي نكونها قبلياً عن الأشياء، ولا على شرحها تحليلياً بالتالي، بل إننا نريد أن نوسع معرفتنا قبلياً»[17].
أصبح من الواضح أن كانط لا يهدف إلى تحطيم الميتافيزيقا على الإطلاق، بل أراد هدم نوع معين من الميتافيزيقا ليحل محله ميتافيزيقا أخرى، وكان وقد وجه كانط نقده لمحاولات المفكرين الذين حمَّلوا العقل ما لا يطيق في قضايا وجود الله، وخلود النفس، والعالم. لهذا فإن نقض الأدلة على وجود الله والنفس والعالم لا يدل على إنكارها فقد أراد كانط أن يلتمس للميتافيزيقا طريقاً آخر للبحث يجعلها علماً على غرار علمي الرياضيات والطبيعة، وهي طريقة فرض الفروض بطريق منظمة من أجل الوصول إلى النتائج، لذا ليس للميتافيزيقا من غاية خاصة لأبحاثها إلا الأفكار الثلاث «الله، والحرية، والخلود، هي تلك المشكلات التي يستهدف جهاز الميتافيزيقا حلها باعتبارها غايته النهائية والوحيدة»[18].
حين يقرر كانط ذلك، فإنه لا يقوم بإحالة الميتافيزيقا كما هي إلى العقل العملي مباشرة. بل يفعل ذلك من خلال البرهان الأخلاقي التي يعده الأساس لمفهوم الدين ومن هنا تأتي أهمية مسألة الأخلاق في الكشف عن فلسفة الدين بما هي الغاية الأساسية في فلسفته، والتي من خلالها سنقف على الإيمان العقلي عند كانط لمواجهة ثغرات الإلحاد.
البرهان الأخلاقي (الإيمان العقلي)
انتقد كانط براهين الإلحاد بطرق ليست مستنبطة من الدين، بل من خطاب العقل. إذ كيف له أن يقيم برهاناً ضد الإلحاد مبنياً على أسس دينية فيما المخاطب لا يؤمن بالدين من الأساس. اتبع كانط في مناقشته المشكلة الأخلاقية ما يتلاءم مع نزعته العقلية وفلسفته النقدية. فقد رفض الأدلة النظرية على وجود الله في أنماطها الثلاثة الرئيسة: الدليل الأنطولوجي القائم على فكرة الكائن الأكمل والدليل الكوني (الكسمولوجي) القائم على الإمكان، والدليل الفيزيائي اللاهوتي المستند على الشواهد من نظام الكون. وهكذا انتهى إلى استحالة وجود دليل نظري صحيح على إثبات وجود الله، وإلى أن العقل النظري الخالص لا يستطيع بكل إمكاناته معرفة «ما إذا كان الموجود الضروري متناهياً أو غير متناهٍ. إذ لا يوجد تناقض في تصور موجود ضروري، ولكنه متناه في الوقت نفسه، أما كون هذا الموجود الضروري هو الله اللاَّمتناهي، فمسألة لا يمكن إثباتها عن طريق التحليل التصوُّري البحت»[19]. لهذا لجأ كانط الى طريق آخر هو البرهان الأخلاقي، وقد وصف الإيمان الأخلاقي في الله بأنه مصادرة (مُسلمة) من مصادرات العقل العملي، بالإضافة إلى مصادرتين أخريين:هما الحرية والخلود، وهذا الإيمان بوصفه مصادرة «يزيد عن كونه افتراضياً، ويقل عن مجرد كونه مبدأً للأخلاقية. ففي حياتنا الأخلاقية لا يتمثل لنا وجود الله بوصفه اختياراً ممكناً، بل ينبغي التسليم به»[20]. ومع ذلك لا تستند الأخلاق الكانطية إلى الاعتقاد في الله لذلك أقام كانط لاهوتاً أخلاقياً وليس أخلاقاً لاهوتية، أي إن الأخلاق هي أساس للدين وليس العكس، ويصرح بذلك كانط قائلاً: «إن الأخلاق لا تحتاج أبداً إلى الدين بل بفضل العقل العملي المحض هي مكتفية بذاتها»[21] وقد كان هذا التصريح لكانط هو المرتكز الأساسي الذي بنى عليه الباحثون، ثغرات الإلحاد في فلسفته. لهذا أيضاً عدّوه معادياً للأديان التاريخية. لقد أراد كانط من خلال اللاهوت الأخلاقي أن يجعل معرفتنا بالله غاية إيمانية لا معرفة نظرية، لذلك رفض أي فيزياء لاهوتية وانطلق للبرهان الأخلاقي من الأساس الغائي للطبيعة، حيث تضع الطبيعة أمام التأمل النظري للعقل معطيات وفيرة بحيث يستطيع العقل البشري من خلالها الوصول لوجود سبب عاقل للعالم. ومع ذلك فالأساس الغائي لا يجعل من الله قضية إيمانية لأن غاية العقل هنا هو تفسير الطبيعة، وليس من أجل تحقيق الواجب، وهذا ما يرفضه كانط، لذا ومن أجل أن يصبح الله قضية إيمانية لا بد من العثور عليه من خلال «مفهوم مبدع أخلاقي للعالم، لأن هذا وحده يوفر الغائية النهائية التي لا نرى أنفسنا ملتزمين بها إلا بقدر ما يتصرف وفق ما يفرضه علينا القانون الأخلاقي كغاية نهائية، وهكذا يلزمنا بها، وبالنتيجة لا يكتسب مفهوم الله تمييز اعتباره قضية إيمان في إثباتنا إلا من خلال علاقتنا بموضوع واجبنا كشرط لإمكان بلوغ الغاية النهائية لهذا الواجب» [22]. وعليه فإن غائية الطبيعة لا تكفي وحدها للبرهنة على لاهوت من دون البرهان الاخلاقي، حيث إن الأخير يحتفظ دائما بقوته، ولأنه يبرهن على وجود الله من الناحية التي لا غنى عنها للعقل وهي الناحية العملية. وللوصول الى كائن أسمى، لم يكن علينا الاعتماد على الأساس الغائي الطبيعي للبرهان، لذلك يأتي الدور المهم للغاية الأخلاقية، والتي تستند إلى مبادئ عقلية في الأساس، تستطيع التفضيل لتفضي إلى لاهوت ما يرضي غاياتنا النهائية. أما هذه الغاية فلن تكون نهائية، إلا بوجود كائن أسمى أبدي. وهكذا يبدو لنا مفهوم مبدع واحد أسمى يجمع العلم الكلي والقدرة الكلية والحضور الكلي وأبدي يناسب اللاهوت الأخلاقي. وتبعاً لذلك الإيمان العقلي، عارض كانط النظريات الأخلاقية، التي ترى أن فكرة الخير هي دعامة الأخلاق، إذ أسس فلسفته الخلقية على مفهوم الواجب والإرادة وما يتبعهما من نتائج أخلاقية وعدّ الأخلاق هي (فكرة الواجب)، فالواجب «هو ضرورة إنجاز الفعل احتراماً للقانون. أما القانون فصفته الجوهرية تكمن في أنه كلي أي صادق في الأحوال كافة، من دون استثناء. والقانون الأخلاقي هو ذلك القانون الذي يقول لنا إن الفاعل الأخلاقي يتصرف أخلاقياً إذا سيطر العقل على كل ميوله» [23].
لذلك يرى كانط أن الواجب هو ما أملاه العقل، والإرادة الخيرة هي التي تلبي النداء الأول وهو العقل وتبعد عن الأهواء. ونداء العقل هو نداء الواجب، وأمره هو الذي يجب أن يطاع، فالإنسان لا يكفيه أن يأتي الفعل مطابقاً لما يقضي به الواجب. ذلك أنه إذا «كان كل شيء في الطبيعة يتحرك بمقتضى قوانين، فإن الكائن العاقل هو وحده الذي يتحرك بمقتضى فكرة القانون، أي تصور القانون، وهذا يضعنا مباشرة أمام مبدأ الإرادة [24] ». لذلك كان لابد من فعل الإرادة المرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الواجب، «فالإرادة التي تعمل وفقاً للواجب هي إرادة خيّرة، بالضرورة»[25] وبالتالي فكرة سيطرة العقل. أما صيغة هذه السيطرة فإنها تسمى، بحسب كانط، وازعاً، والوازع هنا عقلي وأخلاقي في آن. وإذ يقول كانط هنا، منذ بداية القسم الأول لـ (تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق) «إن من كل ما يمكن تصوره في العالم، بل خارج العالم بصورة عامة أيضا، ليس ثمة ما يمكن أن يعد خيراً من دون حدود أو قيود، اللهم إلا الإرادة الخيِّرة»[26] إن ما يقصده كانط في هذه العبارة هو أن الإرادة الخيِّرة هي وحدها التي يمكن أن تعد خيراً في ذاته، أو خيراً مطلقاً أو خيراً غير مشروط موضحاً أكثر أن الإرادة الخيِّرة يجب أن تكون خيِّرة في كل الظروف، ومهما كانت الأحوال، فلا تكون خيّرة في ظرف، غير خيّرة في ظرف آخر. أو خيّرة كوسيلة لغاية، وشريرة كوسيلة لغاية أخرى. وهنا ينبهنا كانط على خطر الخلط بين الإرادة الخيّرة، وبين مجرد الرغبة في الخير من دون اتخاذ الوسائل المتاحة لتحقيقه. ومن هنا اتخذ الشر مفهوماً أخلاقياً مخالفاً لما تناولته التيارات الإلحادية المتعددة، إذ رأى كانط أن هبة الله الحقيقية للإنسان هي الإرادة الحرة، لذلك تكمن حرية الاختيار إما للخير وإما للشر، فإن كان شراً فليخلع الشر ويلبس الإنسان الخير، فالإنسان يكمن بداخله نزوع للشر وليس مفطوراً عليه والحرية هي مصدر كل ما هو شر أو خير فيه، وعلى ذلك فالشر ليس خبثاً، بل هو ناتج فقط من ضعف في الطبيعة الإنسانية بما فيها من خلط للدوافع الأخلاقية وغير الأخلاقيه، والتي هي أحد عوامل نزوع الإنسان للشر[27]. وإلى هذا يرى كانط أن «حكمة الله العليّة تهيمن وتحكم الكائنات العاقلة وتصرفا بحسب مبدأ حريتهم، وأولئك الموجودات يجب أن يتحملوا مسؤولية أيّ خير أو شر يقترفونه»[28] ذلك أن الخير والشرعند كانط موجودان في الطبيعة البشرية حيث يوجد الخير في ماهية الإنسان بينما يوجد الشر في طبعه،ولذلك وطبقاً لمبدأ تناقضات العقل الذي قال به كانط فلا ضير أن يتعايش الخير والشر معاً داخل النفس البشرية الواحدة فهما فطريان، ويخرجان من منبع واحد هو الحرية، والحرية هنا هي حرية مرتبطة بدرع الإرادة والواجب في القانون الأخلاقي فالمرء بشكل حر لا يعني سوى «أن يغير حياته إلى حياة جديدة مطابقة للواجب»[29] فالحرية هي حركة بعث من جديد للإنسان وتغير حالته من الشر إلى الخير، هذا التغيير يتم بالخروج «من الشر ودخوله الخير، خلع للإنسان القديم ولباس للإنسان الجديد»[30] وهنا نجد تشابهاً بين ما جاء في الكتاب المقدس وعبارة كانط. فقد جاء في الكتاب المقدس «كما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضاً صورة السماوي»[31]،لكن كانط يستعملها كفكرة شمولية في حدود لاهوته الأخلاقي المؤسس على الإيمان العقلي وليس في حدود حدود الدين وحده، ومن هنا فخلاص البشر لا يوجد إلا «في القبول الأشد حميمية بالمبادئ الأخلاقية الأصيلة في صلب نواياهم، ولا يتم ذلك إلا من خلال الانتقال إلى مسلمات القداسة التي في تلك النّوايا»[32] لذلك أضحت النية في فلسفة كانط هي المحدِّدة وليس الدافع إذا كان الإنسان خيِّراً أو شرِّيراً. ذلك أن من يعمل ضد هذا القبول ليس شهوة الحس المتهمة غالباً، بل هو ضرب من الانحراف المذنب في حق نفسه أو كما يريد المرء أن يسمي هذا الخبث، هو الخداع، والكذب، ومكر الشيطان، الذي منه دخل الشر إلى العالم، وهو انحراف كامن في كل إنسان ولا يقهر إلا بفكرة الخير الأخلاقي»[33] ويظهر جلياً من تحليل كانط الشر والخير الدلالة على نظرته الإيمانيه وإلمامه بالكتاب المقدس، خلاف ما فهمه بعض الذين يتحدثون عن ثغرات للإلحاد، في الفلسفة الكانطية. إن ما مايريده كانط هو بعث الإنسان من جديد وتغيير حالته من حالة الشر إلى حالة الخير، فكما يبعث الإنسان في الآخرة ويتغير من حالة إلى حالة كما جاء في الكتاب المقدس، كذلك يستطيع الإنسان من منطلق حريته وإرادته أن ينشئ أخرويات متحققة في العالم الأرضي من خلال خلع الشر ولبس الخير، لذا يرى كانط في هذا الإطار أن جميع المفاهيم الأخلاقية تحتل مكانها وتستمد أصلها، قَبْلياً تماماً، في العقل نفسه. لهذا وجدناه يقول: «إن الأخلاق وهي تقوم على أساس مفهوم الإنسان من حيث هو كائن حر يلزم نفسه عن طريق عقله بقوانين غير مشروطة»[34].
انطلاقاً من مبدأ عقلانية الأخلاق هنا، يوصلنا كانط إلى فكرة الحرية، على أساس أنها فكرة لا يمكن فصلها أبداً عن فكرة العقل «لأن فكرة الحرية هي محور مذهب العقل الخالص – العقل النظري والعقل العملي في آن – وهو يكون، في هذا، قد مهد الطريق لتحويل سيادة العقل العملي على العقل النظري إلى علاقة عليّة جوانية» [35]، أو علاقة شرط بمشروط. وإذ يصل كانط إلى هذا يفيدنا أيضاً أن التجربة لا تفيد أبداً في عملية وضع مبادئ الأخلاق، ذلك أن القانون الأخلاقي بصفة عامة، لابد إن يكون غير ممزوج بأية إضافة غريبة لدوافع حسية، ومكتسبة من التجربة، وفي هذه الحالة سيصبح له تأثير في القلب الإنساني من طريق العقل وحده، تأثير أقوى بكثير من تأثير الدوافع الأخرى كلها، التي يمكن أن تثار في مجال التجربة لذلك يجب أن ننظر لواجباتنا «على أنها أوامر للكائن الأسمى، لأننا لا نستطيع أن نأمل في الخير الأسمى إلا استناداً إلى إرادة كاملة من الناحية الأخلاقية، ولهذا فإننا لا نستطيع أن نأمل في بلوغ الخير الأسمى إلا من خلال الانسجام مع هذه الإرادة» [36] وتبعاً لذلك كان جوهر الدين عند كانط هو «التوافق مع…فكرة مشرِّع أخلاقي لجميع البشر هو بلا ريب متطابق مع الواجب» [37]. وتقابلنا هنا مشكلة كبيرة جداً في كتابات كانط، فهو من ناحية يقرر أن واجباتنا الأخلاقية أوامر إلهية ومن ناحية أخرى يقرر أن الواجبات الأخلاقية صادقة بذاتها بالضرورة، ونابعة من الأمر المطلق للإرادة الإنسانية، على هذا الاعتراض يجيب كانط: «يجب أن ننظر إلى الأخلاقيات على أنها أوامر الكائن الأعلى لأننا لا نستطيع أن نأمل في الخير الأسمى إلا استنادا إلى إرادة كاملة من الناحية الأخلاقية، ولهذا فإننا لا نستطيع أن نأمل في بلوغ الخير الأسمى إلا من خلال الانسجام مع هذه الإرادة»[38].
لذا كان المبدأ المعيّن الأعلى للإرادة، يدور بين عاملين مهمَّين، الأول:مصادرة وجود علَّة للطبيعة بأسرها، والثاني: مبدأ توافق الطبيعة، وتوافق السعادة الأخلاقية، إذاً ليس الخير الأسمى ممكناً في العالم، إلا من حيث الإقرار بأعلى للطبيعة، لذا فلو أن من الواجب تحقيق الخير الأسمى، فهو أيضاً مرتبط بوجوب الحاجة إلى افتراض إمكان هذا الخير الأسمى، ولا يتحقق هذا إلا بوجود الله، وقد أكد ذلك كانط، حين ربط ربطاً لا ينفصم افتراض هذا الوجود بالواجب، وذلك يعني أنه من الضروري أخلاقياً أن نقر بوجود الله» [39]، وهذا إقرار من كانط بأن الإقرار بوجود الله إلزام أخلاقي.
لقد كانت محاولة كانط في فلسفته الاستدلال على مشابهة قانون الأخلاق المسيحي بفكرته الناقدة للعقل المحض، بل رتب المشابهة في نقده والقانون المسيحي حتى بلغ حدّ التماثل مع اختلاف في المصطلح. فقد رأى كانط أن النية المتمثلة للقانون الأخلاقي عن احترام هي الفضيلة، وهذا هو جل الكمال الأخلاقي المقدّس الذي يستطيع الإنسان الوصول إليه، وبالتالي فإن هذا الأمر يُظهر وعياً بالدوافع المزيَّفة التي هي غير أخلاقية والتي تدعو إلى اتباع ذلك القانون. وحسب كانط فإن ما يتطلبه المخلوق لتقديس ذلك القانون هو الأبدية أو التقدم إلى اللانهائي، وقد يبدو لنا أن السعادة ليست مرتبطة ضرورة بالقانون الأخلاقي، لذا كانت السعادة هي العنصر الثاني، وكان السعي لإمكان الخير الأسمى لا غنى عنه لينبع العنصر الثاني وهو السعادة، ذاك ما يبدو جلياً حين نعلم أن جميع الكائنات العاقلة في العالم كرست نفسها للقانون الأخلاقي، وهذا لأن ملكوت الله وحده هو الذي يصل إلى هذا التناغم والانسجام ما بين الطبيعة والقانون الأخلاقي. هذا مع العلم أن كلاً منهما على حده منفرداً يبدو غريباً مستغرباً متنافراً. والنتيجة التي لا مرد لها كما يقول كانط «أن الأخلاق تقود للدين»[40]، فالدين هو الغائية النهائية للقانون الأخلاقي، وعلى الرغم من هذه النتيجة التي كانت متضمنة في فلسفة كانط الأخلاقية وصرح بها إلكنّ اعتماد كانط على الأخلاق وصولاً للدين، قد فتح على فلسفته ثغرات بدعوى أن كانط مؤسس للفكر الإلحادي في الحداثة المعاصرة، لا سيما أن المغزى الذي يستند عليه كانط لكل المسائل الفلسفية التي تناولتها فلسفته راجع إلى القانون الأخلاقي وبصفة خاصة لدى تناوله مفهوم الدين.
مفهوم الدين
من كل ما سبق نلاحظ أن القانون الأخلاقي قادنا إلى مفهوم «الخير الأسمى» وذلك كما يقول كانط «بوصفه موضوع العقل المحض وغايته النهائية»[41] وبناءً عليه يتضح أن جميع الأوامر الإلهية هي واجبات وليست عقوبات، ولكي يكتمل الهدف الضروري والرئيس من الخير الأسمى الذي يفرضه العقل المحض من دون تدخل، أي من الدوافع الحسية، نصل إلى نتيجة، أخرى متمثلة في المصادرة على (خلود النفس). ذلك لأن الهدف من الاكتمال الضروري والرئيس للجزء الأول من الخير الأسمى لا يمكن أن ينجز بالكامل إلا في أبدية، وهذا القانون نفسه هو الذي يقودنا مرة أخرى إلى العنصر الثاني من الخير الأسمى، وهو السعادة، وهذا يعني أن يقود ـ العقل المحض ـ إلى افتراض علة كفءٍ لهذا المعلول، أي يجب أن يطالب بوجود الله. وهنا يأتي الارتباط ضرورياً بوجوده من أجل الخير الأسمى. وقد رأى كانط أن النية المتمثلِّة في احترام القانون الأخلاقي هي الفضيلة ولذلك «فالفضيلة هي التي تستطيع أن تشكل الفكرة التي يفهمها المرء من وراء كلمة «تقوى الله التي هي النية الدينية»[42] وهذا هو جل الكمال الأخلاقي المقدس الذي يستطيع الإنسان الوصول إليه وعلى هذا الأساس لا يريد كانط توقيراً منفعلاً كسولاً للقانون الإلهي، بل يريد بالإنسان أن يصرف قواه الخاصة في مراعاة القانون الأخلاقي المؤسَّس على الواجب. وحين يؤسس كانط الدين على دعامة الأخلاق، فإنه يؤسسه في الوقت نفسه على دعامة العقل. لا على تأملات العقل النظري، بل على حاجات العقل العملي، التي هي النور الهادي الوحيد الذي يستطيع أن يرشدنا في متاهة الأفكار؛ وبالتالي فإنه هو الدعامة الوحيدة الممكنة لإقامة إيمان عقلي. فقد لاحظ كانط أن هذا الإيمان يشبع أيضاً اهتمام العقل الخالص نظراً لأنه يضمن قيام ترابط بين ملكوت الطبيعة وملكوت الحرية الأخلاقية. «حيث حرية الانسان لا تنبع من فوضوية، بل من أخلاق بإرادة حرة، كأنه يقول أنا لن أتكلم على الإلحاد، ولكن (الأخلاق المعاملة) وهذا واضح في عبارته «إنّ أصل حاجة البشر إلى الدّين لا يكمن في أيّ نوع من العبوديّة، بل في قدرتهم الرّائعة على الحريّة، وبالتّحديد حريّة المصير، حرية اقتراح غاية نهائية لوجودهم على الأرض، تليق بعقولهم، أي بقدرتهم على إعطاء قيمة، أو معنى لسيرتهم الخاصة في تدبيرأنفسهم»[43]. ومن ثمّة فالحاجة إلى الدّين لا تأتي إلى الأخلاق من الخارج بل هي «فكرة تنبع من الأخلاق، وليست أساساً لها»[44]، وهذا الترادف الذي حكى عنه كانط والقسائم المشتركة التي تحدث عنها هي السبيل الأسمى لما يتحدث عنه الملحدون ولكن بمنهجه الأخلاقي القويم والغاية الأرقى، مصطلحات يتشدق بها العلمانيون من دون أسس منهجية، لا تدعو إلا فوضى وجدانية وإلحاد؛ والنتيجة حرب على الله، وخسائرها تفتيت الأخلاق، ولا مغنم فيها سوى انهيار مجتمعي في شتى المجالات والمناحي. لقد جاء الدين عند كانط بتلك الإرادة الحرة ليكون من أهم نتائجها غاية أسمى يراها في احترام الدين لاحترام أعظم وهو الله.. وحالئذٍ يبلغ الإنسان جل ما يبحث عنه بكامل حريته، فلا يصبح الإنسان متخلّقا لأنّه متديّن، بل الأمر بعين الضدّ، إنّه لا يصبح متديّناً إلاّ لأنّه متخلّق، أي إنه قادر على إعطاء قيمة أو غاية نهائية لحريته. ولهذا فهو الكائن الوحيد الذي يستطيع تجاوز ثبات القوانين التي تحكم طبيعته وحياته ليصنع لنفسه عالماً جديداً هو عالم الإنسانية التي رأها كانط في الحرية، وعليه تناول كانط مسلَّمة الحرية كحلقة وصل بين مفهومين متعاليين هما الله والخلود. فقد وضع الحرية بين مسلَّمة الله والخلود، حتى تتخطى الحس عن طريق قانون السببية، وانطلاقا من ارتباط مفهوم الحرية بمفهوم السببية من ناحية ومن ناحية أخرى ارتباطه بالمفاهيم المتعالية لا بد أن نفترض «سبباً أخلاقياً للعالم هو مبدع العالم لكي نضع أمام أنفسنا غاية نهائية تتفق مع القانون الأخلاقي وبقدر ما تكون هذه الغاية النهائية ضرورية تكون ضرورية أيضا لافتراض.. أن الله موجود» [45].أصالة الوجود الإلهي
لقد توصل كانط الى تصور يقوم على أن قانون الطبيعة يقضي بأن لا شيء يحصل من دون سبب متعين قبلياً تعيناً كافياً، إذن فالقضية «التي تنص على أن كل سببية ليست ممكنة إلا وفقا للقوانين الطبيعية تتناقض ذاتياً في كليتها اللاَّمحدودة، ومن المحال إذن أن نسلم بهذه السببية بوصفها السببية الوحيدة. وعليه يجب التسليم بعلية يحصل بموجبها شيء من دون أن تكون تلك العلة متعينة، وذلك بصعودنا إلى أعلى بعلة أخرى متقدمة وفقا لقوانين ضرورية»[46]. وذلك الصعود الملحوظ في منهج كانط للوصول إلى فكرة سبب أسمى محدد، هي في حد ذاتها إحدى طرق دحض الإلحاد؛ إذ لا يمكن أن نستدل لملحد على وجود فكرة السبب الأسمى من خلال ما أنزل سواء من دين أو أخلاقيات الدين (أخلاق لاهوتية) لأن الملحد لا يقبلها من البداية بل يراها ميتافيزيقيا تقليدية مرفوضة لديه، بل إن منهج التدليل على وجود وجوب أخلاقي ولاهوت أخلاقي، ملزم للارتقاء لفكرة سبب أسمى محدد، هو عين الاضطرار للعقل إلى الصعود، لذا رأى كانط أن الطريقة الأخرى سيئة، أي الطريق المعاكس، بل تعد عقلاً مقلوباً»[47]. ولا ضير كيف استخدم كانط مبدأ السببية للوصول إلى الكائن الأسمى، المهم أنه وصل إليه بطرق أخرى أفضل وأقرب إلى العقل والفهم.
التمس كانط واقعية الحرية لأنها كامنة فينا على الرغم من منهجه الترانساندتالي، لذا جعل منها نقطة التوسط بين قضيتين متعاليتين هما الله وخلود النفس، لهذا كان من اللافت تماماً في هذا أن الحرية هي من بين الأفكار الثلاث الخالصة الذي يبرهن كانط على واقعيتها الموضوعية إذ يتم تصورها كفكرة ترنسندتالية من خلال نتائجها في الواقع، وبالتالي يجعل منها إمكاناً لربط فكرتين متعاليتين وفي نفس الوقت نصعد منها إلى الدين وبذلك وصل إلى مفهوم الحرية، حيث تم البرهان على حقيقته بقانون ضروري للعقل العملي، لذلك يصفها كانط بأنها تشكل «حجر الغلق في بناء منظومة العقل المحض بكاملها»[48]. لذلك لا يتم الفعل الاخلاقي عند كانط إلا من خلال فكرة الحرية، وهي مفتاح الاستقلال الذاتي والإرادة. في المقابل نجد أن الضرورة الأخلاقية ذاتية، أي إنها حاجة، وليست موضوعية، بمعنى أنها هي نفسها ليست واجباً، وذلك لأنه لايمكن أن يكون هناك من واجب يقضي بافتراض وجود أي شيء، نظراً لأن هذا أمريتعلق بالاستخدام النظري للعقل، ولذلك «لا يعني التسليم بوجود الله كمصادرة أنه أساس لكل إلزام بصورة عامة، لأن هذا الأساس يقوم علي التشريع الذاتي للعقل نفسه»[49] وهذه ثغرة أخرى أخذها دعاة الإلحاد على كانط باعتبار هذا اللاهوت الأخلاقي هو لاهوت بلا شعائر وطقوس. لكنكانط كان يرمي من وراء ذلك رؤية الكائن «الإنساني لا باعتباره غاية طبيعية مثل أي كائن منظم بل بوصفه غاية أخيرة للطبيعة على الأرض »[50] فالإنسان هو الغاية الأولى والأخيرة للوجود بحكم العقل المفطور فيه من دون سائر الكائنات الأخرى، لذا أراد كانط تخليص الدين من كل أنطولوجيا أو ميتافيزيقا، بجعله ديناً تتحدد أهميته وضرورته من منطلق أخلاقي تمليه فكرة الواجب الكليِّ المنزَّه من كل غرض ومصلحة، لا مكان فيه للطقوس والشعائر، سعياً نحو غائية لا توجد إلا فيه وحده، محاولاً بذلك سد النقص والثغرة التفسيرية التي تنتج من مبدأ الآلية حينما يحاول تفسير الحياة ذاتها ضمن التصور الميكانيكي للكون، كما يأخذ موضعه أيضاً ضمن سعي العقل العملي لأنه يرى التجانس بين ما يقوم به من فعل أخلاقي وبين الخير الأعلى الذي لا يستطيع بلوغه في حياته القصيرة الفانية. ولعل النزعة العقلية النقدية التي اتبعها كانط في فلسفته هي التي أفضت إلى هذه النتيجة والتي بلغت أوْجَها من خلال شكل العبادة التي تحكم العلاقة بين الإنسان والله، وذلك من خلال التمييز بين دين العبادات والدين الخلقي من دون نفي للأول. لكن كانط استنكر ما جاء في إنجيل يوحنا «لا تؤمنوا إلا إذا رأيتم الآيات والعجائب» [51] متعجباً بقوله: «إذا أنتم لم تروا العلامات والمعجزات فلا تؤمنوا!»[52] وتساءل «هل الإيمان متوقف على رؤية العلامات والمعجزات وما دونهما لا يوجد إيمان» [53]، من هذا المنطلق وضع كانط تمييزاً جوهرياً بين مفهوم دين العبادات، ومفهوم الدين الخلقي المحض، إذ يرى أن في دين العبادات نجد الإنسان يتقرب إلى الله بأنه «يمكن أن يجعله سعيداً أبداً من دون أن يكون عليه بالضرورة أن يصير إنساناً أفضل» [54] ولهذا نبذ كانط التواكل والتمني من دون عمل، فلو كان كل شيء بالتمني لأصبح العالم خيِّراً من دون شر، لذلك يقول: «إن الله يمكن أن يجعل منه إنساناً أفضل من دون أن يكون هو ذاته شيئاً آخر ليفعله سوى أن يصلي من أجل ذلك، رُبّ صلاة لأنها تتم أمام كائن بصير بكل شيء لا تعدو أن تكون ضرباً من التمني وبذلك هو على الحقيقة لم يفعل شيئاً إذ لو كان ذلك شيئاً ينال بالتمني مجرداً لكان يكون كل إنسان خيراً»[55]، لهذا لا ينبغي حصر الدين في مجرد الطقوس التي ربما يكون منها الكثير مما لا يحمل على نقاء القلب وحسن النية. وهو ما شاع في الغرب الأوروبي حيث شكلت السلطة الكنسية أداة للإقطاع ومصدراً لشيوع الخرافات. وإذن العقل وحده حسب كانط هو الذي يستطيع مهما كان الإنسان كامل العقل أن يجد لذة مباشرة في إظهار مظاهر التشريف لهذا المعبود بكونه سيداً كبيراً للعالم وأن يناله من التمجيد والتعظيم والتشريف ما يليق به، ولكن ذلك اتباع لأمر مباشر منه، وذلك أيضاً «بوصفه شأناً يخص الله وليس الإنسان» [56] ولذلك استبدل كانط بمفهوم الدين الخلقي المحض وصفه هو الأصلح لدين عام للإنسانية وذلك لا يكون إلا عبر القوانين النظامية التي هي أوامر الله، لكن في الحقيقة ومن أجل أن يكون الإنسان قادراً على رؤية تلك القوانين التي تخصه والتي تعني بشأن الإنسان، فإنه يستطيع بقوانين الدين الخلقي المحض، ومن دون القوانين النظامية أن يستند إلى عقله الخاص وبذات نفسه أن يصل إلى أساس الدين والمتمثل في إرادة الله، لذلك يرى كانط حاجتنا تلك القوانين الأخلاقية المحضة التي «هي من حاجة العقل لأن يقبل بوجود قوة، بإمكانها أن تخلق المفعول التام، الممكن في عالم ما والموافق للغاية الأخلاقية النهائية»[57]، وهذا يكون نهايته إلزامية بأن يكون هناك إله واحد، والذي يترتب عليه دين واحد، وهو أن يكون دين خلقي محض، وبذلك يحقق هذا الدين ما لم يحققه دين العبادات بقوانين نظاميه سواء عبر وحي خاص لواحد معين، أو عبر كتاب عام للناس، أو ليكون إيمان هذا الدين إيماناً تاريخياً وليس إيماناً عقلياً محضاً، لأنه بالإيمان العقلي المحض يستطيع الإنسان الوصول إلى فهم إرادة الإله. على أن كانط لا يرفض تماماً الوحي بل يحلله «هل هو بضاعة عقدية متناقلة بشكل وضعي وتاريخي، أو هو وحي العقل المحض لأنه أقدس ما يمكن أن يخطر على بال البشر عامة، لا يخلو أي وحي من معان عقلية صرفة ولذلك ليس المطلوب سوى الإنصات إلى ما هو عقلي في كل وحي وتخريجه بشكل مناسب لطبيعتنا الأخلاقية أي لحريتنا، «إن الإيمان الحر هو موقف أخلاقي باطني.. ولذلك لا معنى لأي عنف ديني»[58]. فما يريده كانط هو حماية الإنسان من تحويل الدين لمجرد مظهر خارجي بل يريد جوهر الدين، لأن الله كل شيء،لأنه معبود خارجي في أفق أنفسنا ومن ثم أكثر الأفكار العقلية حرية إلينا، فكانط لا يريد إبطال دين الشعائر كما ذهب بعضهم إلى ذلك ولكن يريد إيقاظ الضمير البشري لكيفية عبادة الله..أليس ما تعانيه مجتمعاتنا المعاصرة اتخاذ بعضهم الدين مظهراً وليس جوهراً، أليس سبب العنف والدكتاتورية المعاصرة، البعد عن جوهر العقل وإعماله في الدين؟
إن الإيمان الأخلاقي الذي يدعو له كانط هو إيمان التوكل وليس التواكل المؤسس على صفاء النية ونقاء القلب، إيمان الحرية لله وحده وليس إيمان الأغراض الدنيوية الذي يسميه كانط «إيمان المرتزقة»، إيمان الحرية لا العبودية، فمعنى أن يكون الإنسان حراً «لا يعني سوى أن يغير حياته إلى حياة جديدة مطابقة للواجب» [59]، الإيمان الحر ليس هو إيمان كفارة، الإيمان الحر – كما يقصده كانط – هو إيمان العقل الذي يستطيع هو وحده «أن يحررنا من شعور الذنب وذلك ليس ثمة واجب على الأرض أقدس من سيرة حسنة وفقاً لقوانين الحرية وهو موقف لا نحصل عليه بالقيود والرهبانية المسرفة بلا جدوى بل باستعمال حريتنا وطبيعتنا البشرية»[60] ولهذا يرفض كانط أن يصنف الناس كفاراً زناديق ومؤمنين. فهناك ما يطلق عليه كانط بالاستعداد للدين الخلقي، المطمور في صلب العقل البشري، ولكن ليس يعني أنّ الإيمان العقلي الحر يرفض ويتنكر للعقائد والملل وإنما كونه لا يحتاج البتة إلى شعائر حتى يقتنع به اللاّهوتيون أن ما يريده كانط هو حماية الضمير البشري من تحويل الدين إلى كهنوت، فهو لا يهدف من الإيمان الحر إلى إبطال دين الشعائر والطقوس أو دين المعتقدات ولكنه يريد إيقاظ العقل بكيفية التعامل ولذلك فالحاجة إلى الدّين لا تأتي إلى الأخلاق من الخارج بل هي فكرة تنبع من الأخلاق، وليس أساسا لها، وهذا الترادف الذي حكى عنه كانط والقسائم المشتركة التي تحدث عنها هي السبيل الأسمى لما يتحدث عنه الملحدون ولكن بمنهجه الأخلاقي القويم والغاية الأرقى.
إنّ حاجة الإنسان إلى احترام أعظم من كل أنواع الاحترام الأخرى، هو الذي يجعله يفكر من نفسه في جعل شيء ما موضوعاً للعبادة، ومن جوهر هذا الاحترام يختم كانط كتابه نقد العقل العملي بعبارة تجمع كل فلسفته الخلقية والدينية بقوله: «شيئان يشغلان الوجدان بإعجاب وإجلال يتجددان ويزدادان على الدوام كلما أمعن الفكر التأمل فيهما، السماء ذات النجوم من فوقي والقانون الأخلاقي في صدري»[61] فلا يكون الله كل شيء لأنه معبود خارجي بل لأنه أنبل فكرة في أفق أنفسنا، ومن ثم فهو أكثر الأفكار حرية إلينا ولذلك وكما بدأنا بحثنا هذا، يكون كانط من الذين صعدوا للسماء بالأخلاق، وعليه لا يمكن الحكم على كانط إلا من خلال منطق العقل وحرية التفكير اللذين يشكلان جوهر فلسفته، ذلك بأن حاجة الإنسان إلى احترام أعظم من كل أنواع الاحترام الأخرى هو الذي يجعله يفكّر في جعل شيء ما موضوعاً للعبادة. وهذا بدوره أعطى لكانط بُعداً آخر للدين مخالفاً بعض الفلاسفة .
[1]-كانط: تأسيس ميتافيزيق الأخلاق، ترجمة عبد الغفار مكاوي، مراجعةالترجمة عبد الرحمن بدوى، منشورات الجمل، الطبعة الأولى، كولونيا، ألمانيا، 2002، ص15
[2]– محمد نور الدين أفاية: الفلسفة النقدية،الموسوعة الفلسفية العربية، تحرير معن زيادة، معهد الإنماء العربي،1988، ص ١٣٩٢، م ٢، ط
[3]– جمال محمد أحمد سليمان: إيمانويل كانط «أنطولوجيا الوجود،دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع «بدون رقم طبعة «2009ص173
[4]– كانط: نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة،مركز الإنماء القومي، لبنان، بدون تاريخ أو رقم طبعة ص385
[5]-المرجع السابق: ص 45
[6]– االمرجع السابق: ص45
[7]-المرجع السابق،ص 45
[8]-ول ديورانت: قصة الفلسفة، ترجمة فتح الله محمد المشعشع، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة السادسة،1988،ص 335
[9]-كانط: نقد العقل المحض، ص47 بتصريف
[10]-المرجع السابق ص47
[11]-كانط: نقدالعقل المحض،ص 45
[12]-إبراهيم بيومي مدكور،ويوسف كرم: دروس في تاريخ الفلسفة، دار ومكتبة بيبيليون، الطبعة الأولى، 2004ص ٢١٥
[13]– كانط:نقد العقل المحض،ص78 بتصرف
[14]-كانط: مقدمة لكل ميتافيزيفا مقبلة، ترجمة نازلي إسماعيل ومحمد فتحي الشنيطي، موفم للنشر،الجزائر،الطبعةالأولى، 1991ص85
[15]-كانط:نقد العقل المحض من ص 185
[16]-المرجع السابق: ص 48
[17]-كانط: نقدالعقل المحض،ص 52
[18]-كانط: نقد ملكة الحكم ترجمة،سعيدالغانمي،ط ١،منشوراتالجمل، ٢٠٠٩،، ص،417،416
[19]-المرجع السابق 257
[20]– جيمس كولينز: الله في الفلسفة الحديثة، ترجمة فؤاد كامل، دار قباء للنشر والتوزيع، القاهرة، ص 257
[21]-كانط: الدين في حدود مجرد العقل، ترجمة فتحي المسكيني، جداول للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى،2012ص45.
[22]-كانط: نقد ملكة الحكم ص 414
[23]-زكريا إبراهيم:المشكلة الخلقية، مكتبة مصر، بدون تاريخ أو رقم طبعة ص167
[24]– زكريا إبراهيم: المشكلة الخلقية، ص163
[25]-المرجع السابق: ص 294
[26]-كانط: تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق ص37
[27]-() يرجع كانط وجودالشرفي الإنسان إلى النزوع الموجود داخل كل موجود بشري ويظهر ذلك في ثلاثة درجات:
1-ضعف القلب البشري في اتباع المسلمات المتخذه بعامة أو وهن الطبيعة الإنسانية
2-النزوع إلى خلط الدوافع الأخلاقية مع اللأخلاقية..بمعنى عدم صفاء القلب.
3-النزوع إلى القبول بالمسلمات القبيحة بمعنى خبث الطبيعة الإنسانية أوالقلب البشري، كانط،الدين في حدود مجرد العقل ‹ص79
[28]-كانط:الدين في حدود مجردالعقل، ص73
[29]-المرجع السابق: ص116
[30]-كانط: المرجع السابق ص134
[31]– رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس، الإصحاح 15: أية 49
[32]-كانط: نقد العقل المحض، ص34.
[33]-كانط: الدين في مجرد حدود العقل، ص 147، 148
[34]– كانط: المرجع السابق، ص، 45
[35]-محمد علي أبو ريان: تاريخ الفكر الفلسفي في الفلسفة الحديثة، الطبعة الثانية،الإسكندرية،دار المعرفة الجامعية، ص294.
[36]-كانط: نقد العقل العملي، ترجمة غانم هنا، المنظمة العربية للترجمة، بيروت،لبنان، الطبعة الأولى،2008 ص218.
[37]-كانط:الدين في مجرد حدود العقل، ص 49 (الهامش)
[38]-المرجع السابق، ص 218.
[39]-المرجع السابق، ص219.
[40]-كانط:الدين في حدود مجرد العقل، هامش صفحة 50 بتصريف
[41]-كانط:نقد العقل العملي،ص 224
[42]-المرجع السابق:ص312
[43]-كانط: الدين في حدود مجرد العقل، ص12
[44]– المرجع السابق: ص12
[45]-كانط: نقد ملكة الحكم، ص 292
[46]-ا كانط: نقد العقل المحض ص 236 – 237ـ
[47]-المرجع السابق: ص 237
[48]-كانط، نقدالعقل العملي، ص ٤
[49]-محمد عثمان الخشت، مدخل إلى فلسفة الدين، دار قباءاللطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ص97
[50]-كانط:نقد ملكة الحكم ص 370
[51]-يوحنا:48:4
[52]-كانط الدين في حدود مجرد العقل:ص 149
[53]-المرجع السابق: ص 149
[54]-كانط: الدين في حدود مجرد العقل ص 109
[55]-المرجع السابق: ص 106
[56]-المرجع السابق ص 176
[57]-المرجع السابق ص177
[58]– المرجع السابق: ص 116
[59]-المرجع السابق:ص116
[60]-المرجع السابق:ص 116
[61]-كانط: نقد العقل العملي،ص269.
________________________________________________________________________
*عن مجلة الاستغراب-العدد التاسع- السنة الثالثة- 1439هـ – خريف 2017.