أورادُ الخَتميَّةِ وأذكارُهم
أورادُ الخَتميَّةِ وأذكارُهم
للخَتميَّةِ أورادٌ وأذكارٌ كَثيرةٌ جمِعَ بَعضُها في كِتابِ (مَجموعُ الأورادِ الكَبيرُ)، و(مَجموعةُ فتحِ الرَّسولِ)، وكَلاهما لمُحَمَّد عُثمان الميرغَنيِّ.
أمَّا كِتابُ (مَجموعةُ فتحِ الرَّسولِ)، فيَتَضَمَّنُ الصَّلواتِ والأذكارَ التَّاليةَ:
1- فتحُ الرَّسولِ ومِفتاحُ بابِه للدُّخولِ لمَن أرادَ الوُصولَ.
2- صَلاةُ بابِ الفَيضِ والمَدَدِ من حَضرةِ الرَّسولِ السَّنَدِ.
3- صَلاةُ الجَواهِرِ المُستَظهرةِ منَ الكُنوزِ العليَّةِ.
4- راتِبُ الطَّريقةِ الميرغنيَّةِ الخَتميَّةِ.
5- مَنظومةُ أسماءِ اللهِ الحُسنى المُسَمَّاةُ بحَبلِ الوِصالِ.
6- صَلاةُ نورِ الأنوارِ في الصَّلاةِ على النَّبيِّ المُختارِ.
7- صَلاةُ جَواهِرِ السَّطحِ في الصَّلاةِ بسورةِ الفتحِ.
8- صَلاةُ الشُّهودِ المُحَمَّديِّ.
9- قَصيدةُ مُنجيةِ العَبيدِ في التَّوحيدِ.
فتحُ الرَّسولِ ومِفتاحُ بابِه للدُّخولِ لمَن أرادَ الوُصولَ:
ذَكَر الميرغَنيُّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَشَّرَه أنَّ بها يَحصُلُ سِرُّ الفتحِ والقُربُ منه في الدَّارَينِ. وهي مُقَسَّمةٌ إلى أحزابٍ سَبعةٍ بعَدَدِ أيَّامِ الأسبوعِ بَدءًا بالسَّبتِ وانتِهاءً بالجُمعةِ، وكُلُّ حِزبٍ منها يَتَضَمَّنُ خَمسةَ فُصولٍ: الفصلُ الأوَّلُ: يَشتَمِلُ على أحاديثَ في فضلِ الصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والثَّاني: في الصَّلاةِ عليه، والثَّالِثُ: في صَلاةِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ، والرَّابعُ: فيما صَلَّى به كُمَّلُ العارِفينَ، والخامِسُ: فيما صَلَّى به المُؤَلِّفُ نَفسُه.
ولا شَكَّ أنَّ تَخصيصَ يَومٍ مُعيَّنٍ بدُعاءٍ مُعيَّنٍ ابتِداعٌ لا دَليلَ عليه منَ الشَّرعِ، ولم يُؤثَرْ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا عن أصحابِه رَضِيَ اللهُ عنهم، وفي الدُّعاءِ وفي الذِّكْرِ يَنبَغي التَّقَيُّدُ بما أُثِرَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من هَديٍ.
أمَّا مَضامينُ هذه الفُصولِ فإنَّ ما ذَكَرَه مُؤَلِّفُ هذه الصَّلاةِ من أحاديثَ في فَضلِ الصَّلاةِ عليه فإنَّه لم يَتَقَيَّدْ بصِحَّتِها، بل أورَدَ كَثيرًا منَ الأحاديثِ الضَّعيفةِ وحَرَصَ على نِسبَتِها إلى مَظانِّها في الكُتُبِ، ورَبَط ذلك بسَجعٍ مُتَكَلَّفٍ، مِثلُ قَولِه: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على الرَّاحِمِ لنا بقَولِه: «إذا صَلَّيتُم عليَّ فعَمِّموا» اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عليه عَدَدَ ما قُرِئَ هذا الحَديثُ في شَرحِ الشِّرعةِ، وعلى آلِه وصَحبِه أهلِ الشَّرَفِ والرِّفعةِ).
ثمَّ يورِدُ حَديثًا آخَرَ قائِلًا: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ عليه عَدَدَ ما نُظِرَ هذا الحَديثُ في تَنبيهِ الغافِلينَ، وعلى آلِه وصَحبِه الرُّحَماءِ بَينَهمُ الأشِدَّاءِ على الكافِرينَ).
وبَعدَ حَديثٍ آخَرَ قال: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ عليه عَدَدَ ما حُكيَ هذا الحَديثُ في المُستَطرَفِ والنُّزهةِ، وعلى آلِه وصَحبِه التَّارِكينَ لكُلِّ شُبهةٍ) ، وهكذا يَجري هذا الفصلُ والفُصولُ المُشابهةُ له في أدعيةِ الأيَّامِ الأخرى على هذا النَّسَقِ.
وفي الفُصولِ التي خَصَّصَها للصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَلتَزِمِ المُؤَلِّفُ بالصِّيَغِ المَأثورةِ الصَّحيحةِ الوارِدةِ في الصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بل زادَ عليها أشياءَ لا أصولَ لها، كقَولِه: (اللَّهمَّ وتَرَحَّمْ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كما تَرَحَّمتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ) . وفي الفَصلِ الثَّالِثِ يورِدُ بَعضَ الصَّلواتِ المَنسوبةِ إلى عليٍّ وابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهما . ولم يُؤثَرْ أنَّه كان لهؤلاء الصَّحابةِ صَلواتٌ خاصَّةٌ بل كانوا مُتَقَيِّدينَ بالصِّيَغِ الصَّحيحةِ الوارِدةِ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي الفَصلِ الرَّابعِ يورِدُ المُؤَلِّفُ صَلواتٍ لأحمَدَ بنِ إدريسَ، وابنِ مُشيشٍ، والشَّاذِليِّ، وعَبدِ اللَّهِ المَحجوبِ، وأحمَدَ البَدَويِّ، وغَيرِهم من أعلامِ الصُّوفيَّةِ.
أمَّا الفَصلُ الخامِسُ، الذي هو من وضعِ المُؤَلِّفِ نَفسِه، فهو مَليءٌ بالتَّصَوُّراتِ والمَعاني التي سَبَقَ ذِكرُها عن مُعتَقَداتِ الخَتميَّةِ في الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كمَظهَرٍ للتَّجَلِّي الإلهيِّ ومَدَدٍ للكَونِ، وغَيرِ ذلك، ومن بَينِ صَلواتِه مَثَلًا: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على إنسانِ عَينِ المَمالِكِ… قِبلةِ التَّجَلِّي الذَّاتيِّ، ومَظهَرِ النُّورِ الصِّفاتيِّ، ومُجَلِّي الاسمِ الأعظَمِ… المُطَّلِعِ على الغُيوبِ… اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على سِرّ العَدَدِ، اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على مُمِدِّ المَدَدِ) ، وتَتَكَرَّرُ هذه النَّماذِجُ في كُلِّ الأحزابِ المَوضوعةِ لكُلِّ يَومٍ من أيَّامِ الأسبوعِ كما تَقدَّمَ.
صلاةُ بابِ الفَيضِ والمدَدِ:
وهي مُقَسَّمةٌ إلى ثَلاثةِ أثلاثٍ، يُقرَأُ كُلَّ يَومٍ ثُلُثٌ، وفي يَومِ الجُمعةِ تُقرَأُ كُلُّها، وهي في جُملتِها من تَأليفِ مُحَمَّد عُثمان الميرغَنيِّ، ليس فيها دُعاءٌ مَأثورٌ، ولا تَجري على صيغةِ الصَّلواتِ المَأثورةِ، بل ينتَظِمُها نَسَقٌ مُعَيَّنٌ منَ السَّجعِ المُتَكَلَّفِ في كَثيرٍ منَ الأحيانِ، كقَولِه مَثَلًا: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على مَن به تُفرَّجُ الكُرَبُ، وتُدفَعُ البلايا الآتيةُ بالكُبَبِ، وتُحَلُّ به العُقَدُ، وتُرفَعُ الهمومُ والشُّدَدُ، وتُقضى الحَوائِجُ، وتُرفَعُ المُهمَّاتُ، وتُنالُ الرَّغائِبُ وحُسنُ المُعطَياتِ، وتَحسُنُ الخَواتِمُ التي هي أقصى البُغياتِ، وعلى آلِه وصَحبِه سُفُنِ النَّجاةِ) ، وقَولِه أيضًا: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على عَرشِ تَجَلِّياتِ الذَّاتِ، كُرسيِّ أنوارِ الصِّفاتِ، رُوحِ العالمِ وسِرِّه المَكنونِ، مُمِدِّ الكَونِ وأسِّ جِدارِه المَخزونِ، مَن تَخدُمُه رُؤَساءُ المَلائِكةِ وتَتَشَرَّفُ بخِدمَتِه، وتَتَّضِعُ لدَيه أكابِرُ الرُّسُلِ وتَتَحَلَّى بحِليَتِه… اللَّهمَّ أدخِلْنا من بابِه وأمحِقْنا في جَنابِه واجعَلْنا من أحبابِه…) .
صلاةُ الجواهِرِ المُستَظهرةِ:
وهذه الصَّلاةُ أيضًا مُقَسَّمةٌ إلى ثَلاثةِ أجزاءٍ، ذَكَر الميرغَنيُّ أنَّه ألَّفها وعُمرُه أقَلُّ من عِشرينَ عامًا ولكِنَّها تَحوي مَعارِفَ لم يَنَلْها إلَّا كُمَّلُ الواصِلينَ .
ورَغمَ دَعوى الميرغَنيِّ حَولَ مَضمونِ هذه الصَّلاةِ، فإنَّها في الواقِعِ تَجري على أسلوبٍ منَ السَّجعِ المُتَكَلَّفِ، كقَولِه: (اللَّهمَّ بألِفِ الابتِداءِ وباءِ الانتِهاءِ وبالصِّفاتِ العُلى، وبالذَّاتِ يا أعلى، صَلِّ على سُلطانِ المَملكةِ، وإمامِ الحَضرةِ المُقدَّسةِ، المُفيضِ على المَلأِ الأعلى من وراءِ حُجُبِك الجَلا، مَن قامَت به عَوالمُ الجَبَروتِ، وظَهَرَت عنه عَوالمُ المُلك والمَلكوتِ، المُطَمطَمِ بالأنوارِ العليَّةِ، والكَنزِ الذي لا يَعرِفُه على الحَقيقةِ إلَّا مالِكُ البَريَّةِ) . وتَخَلَّلُها أيضًا بَعضُ المَعاني المُبتَدَعةِ كما في قَولِه: (اللَّهمَّ أشهِدْني جَمالَه، وأمحِقْني في جَلالِك وجَلالِه) ، وقولِه: (اللَّهمَّ صَلِّ على السِّرِّ المُطَلسَمِ، والكَنزِ المُبهَمِ، والرَّمزِ الذي لا يُفهَمُ) ، كما استَشهدَ فيها ببَعضِ الأحاديثِ المَوضوعةِ، كحَديثِ: ((أنا مَدينةُ العِلمِ وعليٌّ بابُها)) .
راتِبُ الطَّريقةِ الميرغنيَّةِ الخَتميَّةِ:
هو في جُملتِه عِبارةٌ عن أدعيةٍ مَأثورةٍ وصَلواتٍ وأذكارٍ ورَدَ بَعضُها في أحاديثَ صَحيحةٍ، ورَغمَ ذلك فإنَّه لا يَخلو من بَعضِ الأدعيةِ المُبتَدَعةِ التي يَغلبُ عليها السَّجعُ المُتَكَلَّفُ، كقَولِه مَثَلًا: (اللَّهمَّ يا دائِمَ الفَضلِ على البَريَّةِ، ويا باسِطَ اليَدَينِ بالعَطيَّةِ، يا صاحِبَ المَواهِبِ السَّنيَّةِ صَلِّ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ خَيرِ الوَرى بالسَّجيَّةِ، واغفِرْ لنا يا ذا العُلا في هذه العَشيَّةِ) .
كما يَأمُرُ ببَعضِ الحَرَكاتِ لدى بَعضِ الأدعيةِ، كَوضعِ اليَدَينِ على الرُّكبَتَينِ، ووضعِ اليَدَينِ على الصَّدرِ، كما يَصِفُ قُطبَ الطَّريقةِ الخَتميَّةِ بأنَّه صاحِبُ الضَّريحِ الذي تُقضى لدَيه حَوائِجُ البَريَّةِ .
صلاةُ نورِ الأنوارِ:
وهذه الصَّلاةُ مُرَتَّبةٌ على الحُروفِ الهجائيَّةِ تَبدَأُ بالهَمزةِ وتَنتَهي بالياءِ . وتُقرَأُ كُلَّ يَومٍ مَرَّةً، وهي أيضًا مَسجوعةٌ؛ إذ تَنتَهي كُلُّ صَلاةِ منها بحَرفٍ مُعَيَّنٍ: ففي حَرفِ الثَّاءِ مَثَلًا قال: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ عَدَدَ مَن برَحمَتِك يَستَغيثُ، وصَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وقِنا بها شَرَّ كُلِّ خَبيثٍ) .
وفي حَرفِ الخاءِ قال: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الذي شَرعُه لجَميعِ الشَّرائِعِ ناسِخٌ، وصَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ما تَأدَّبَ تِلميذٌ بَينَ يَدي المشائِخِ) . وهكذا يَجري السَّجعُ مَعَ كُلِّ الحُروفِ.
صلاةُ جَواهِرِ السَّطحِ في الصَّلاةِ بسورةِ الفَتحِ:
وهي صَلاةٌ مَسجوعةٌ يَقتَبسُ فيها المُؤَلِّفُ آياتِ سورةِ الفتحِ ويُضَمِّنُها أدعيةً من وَضعِه بحَيثُ تَأتي الآيةُ في نِهايةِ كُلِّ مَقطَعٍ منَ الدُّعاءِ، ويَبدَأُ بقَولِه: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على مَظهَرِ فَضلِك العَميمِ، ومُجَلِّي فَيضِك الفخيمِ، المَغفورِ له كما نَصَّ البارِي، فنَسألُ اللهَ به الأسرارَ والمَواهِبَ مِن مِنَحِه ما يَملأُ الوُجودَ ظِلًّا وفيئًا إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا [الفتح: 1-2] … اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على المُعايَنِ في كُلِّ المَواقِعِ العَظيمةِ، والمُؤَيَّدِ بالتآييدِ الإلهيَّةِ الكَريمةِ، المُعتَزِّ باعتِزازِك المُرتَفِعِ على مَن سِواه حَقًّا وتَمييزًا بتَمامِ وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح: 3] ). وهكذا تجري الصَّلاةُ إلى تَمامِها .
ولم يُؤثَرْ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا عنِ الصَّحابةِ أوِ التَّابِعينَ أن وَضَعوا دَعَواتٍ بهذه الطَّريقةِ، أو أنشؤوا صَلواتٍ مُبتَدَعةً كهذه.
صلاةُ الشُّهودِ المُحَمَّديِّ:
أمَّا هذه الصَّلاةُ فقدِ ادَّعى مُؤَلِّفها أنَّ لها خَصائِصَ مُعَيَّنةً بَيَّنَها له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: (لمَّا أرادَ الحَقُّ تعالى إبرازَ هذه الصَّلاةِ أجلسَني بَينَ يَدَيِ الحَبيبِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ثمَّ قال لي صاحِبُ المَدَدِ: صَلِّ عليَّ في هذا الحينِ بصَلاةٍ تَليقُ بجَمالي لتَفوزَ بكَمالي، وأنا ضامِنٌ لمَن صَلَّى عليَّ بها أن لا يَموتَ حتَّى يُشاهِدَني، وبها في الجَنَّةِ سَيَمدَحُني، وتَزيدُ حَسَناتُه بكُلِّ حَرفٍ وتَذهَبُ سَيِّئاتُه) .
وهذه الصَّلاةُ كغَيرِها من مُؤَلَّفاتِ الميرغَنيِّ يَسودُها السَّجعُ الذي أُولعَ به، وهو يُشيرُ إلى ذلك حينَما قال: (ومَعَ ذلك كُلَّما اشتَبَهَ عليَّ يُشيرُ لي «أي الرَّسولُ» بلفظةٍ من أوَّلِ تلك السَّجعةِ) . ومن ذلك مَثَلًا: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ على ميزابِ حَضرَتِك العِنديَّةِ، سَقفِ كَعبةِ كَمالاتِك الرَّبَّانيَّةِ، مَتجَرِ بَيعَتِك الرَّحمانيَّةِ، رُكنِ يَمانيِّ أسرارِك الفَردانيَّةِ، حِجرِ أمنِك الذي مَن دَخله أَمِن من سَطَواتِك الرَّهَبوتيَّةِ، مَقامِ خَلَّتِك الذي من غابَ فيه لم تُدرِكْ حَقيقَتَه العَوالمُ الخَلقيَّةُ…) .
وبالإضافةِ إلى ذلك فقد ورَدَ في هذه الصَّلاةِ بَعضُ الكَلِماتِ الأعجَميَّةِ التي لا مَفهومَ لها في الظَّاهرِ. فيَسألُ الميرغنيُّ اللهَ قائِلًا: (وألحِقْ دائِرَتي في الطَّهارةِ الخالصةِ منَ النَّفسانيَّةِ بإفاضةٍ من عِلمِ عيسى روحِ التَّكريمِ. أحما حميثا أطما طميثا، وكان اللهُ قويًّا عزيزًا، حم. ن. صُرِفَت بحَولِ اللَّهِ صَدَماتُ نُفوسِنا، ووقِينا شَرَّ خَطَراتِها…) .
أمَّا مَجموعُ الأورادِ الكَبيرُ فهو يَشتَمِلُ أيضًا على مَجموعةٍ منَ الصَّلواتِ والأورادِ والأذكارِ المُختَلفةِ لمُحَمَّد عُثمان الميرغَنيِّ، وغَيرِه من مشايخِ الطَّريقةِ. وفي أوَّلِ هذا المَجموعِ نَجِدُ «الأساسَ» الذي يُؤَدِّيه أفرادُ الطَّريقةِ عَقِبَ الصَّلواتِ، وهو عِبارةٌ عن أدعيةٍ تَشتَمِلُ على كَثيرٍ منَ الآياتِ القُرآنيَّةِ كأواخِرِ سورةِ البَقَرةِ، والإخلاصِ والمُعَوِّذَتَينِ والفاتِحةِ. ولكِن نَجِدُ فيه أيضًا جُملةً منَ الأدعيةِ غَيرِ المَأثورةِ التي يَسودُ فيها سَجعٌ مُتَكَلَّفٌ ودَعَواتٌ وذِكرٌ بالاسمِ المُفرَدِ: «اللهُ» و«هو». وبَعضُ العِباراتِ التي تَتَضَمَّنُ مَعانيَ الوَحدةِ والتَّجَلِّي والنُّورِ المُحَمَّديِّ.
ففي عِباراتٍ مَسجوعةٍ يَقولُ (الخَتمُ) مُؤَلِّفُ الأساسِ: (اللَّهمَّ بألِفِ الابتِداءِ وباءِ الانتِهاءِ وبالصِّفاتِ العُلى، وبالذَّاتِ يا أعلى، صَلِّ على سُلطانِ المَملكةِ، وإمامِ الحَضرةِ المُقدَّسةِ، المُفيضِ على المَلأِ الأعلى من وراءِ حُجُبِك الجَلا، مَن قامَت به عَوالمُ الجَبَروتِ، وظَهَرَت عنه عَوالمُ المُلك والمَلكوتِ، المُطَمطَمِ بالأنوارِ العليَّةِ، والكَنزِ الذي لا يَعرِفُه على الحَقيقةِ إلَّا مالِكُ البَريَّةِ… المُكَمِّلِ لعِبادِ اللهِ بالنَّفحاتِ الفرديَّةِ، والمُؤَيِّدِ لهم بالظُّهوراتِ الأنسيَّةِ والعَرشِ كما يَليقُ بهما، مَن ظَهَرَ الرَّبُّ من أجلِه منَ العَمَا، ذِروةِ الدَّواوينِ الإلهيَّةِ، تُرجُمانِ الحَضَراتِ الصَّمَدانيَّةِ، روحِ المَعارِفِ العِلميَّةِ، ومادَّةِ الحَقائِقِ النُّورانيَّةِ، المُتَجَلِّي في سَماءِ الرُّبوبيَّةِ) .
وبَعدَ الأساسِ نَجِدُ مَجموعةً منَ الأذكارِ والأورادِ خاصَّةً بأوقاتٍ مُعَيَّنةٍ، مِثلُ دُعاءِ الاضطِجاعِ، وأذكارِ الضُّحى، وأورادِ ما بَعدَ الظُّهرِ، وأورادِ ما بَعدُ العَصرِ وما بَعدَ المَغرِبِ، وأذكارِ السَّحَرِ وأورادِ آخِرِ اللَّيلِ، وهي في جُملتِها لا تَخرُجُ عَمَّا سَبَقَ ذِكرُه من أنَّها أدعيةٌ غَيرُ مَأثورةٍ يَغلبُ على مُعظَمِها السَّجعُ والتَّكَلُّفُ، ويُؤخَذُ عليها أنَّها تُخَصِّصُ أوقاتًا مُعَيَّنةً بدَعَواتٍ مُعَيَّنةٍ غَيرِ مَأثورةٍ من غَيرِ سَنَدٍ أو دَليلٍ شَرعيٍّ، وقِراءةِ سُوَرٍ مُعَيَّنةٍ بعَدَدٍ مُعَيَّنٍ في أوقاتٍ مُعَيَّنةٍ من غَيرِ أن يُؤثَرَ ذلك عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
أمَّا المُناجاةُ التي تَأتي بَعدَ هذه الأدعيةِ والأذكارِ، فتُقرَأُ بَعدَ الفراغِ من أذكارِ وَقتِ السَّحَرِ، وهي في جُملتِها توجُّهٌ للَّهِ سُبحانَه وتعالى أن يَكشِفَ لتالِيها عن عالَمِ المُلكِ والمَلكوتِ، ويُطلِعَه على الأسرارِ المودَعةِ في كُلِّ العَوالمِ والنَّاسوتِ، وهي مَليئةٌ بالعِباراتِ المُتَضَمِّنةِ لمَعاني طَلَبِ الفَناءِ والغَيبةِ والكَشفِ والمُشاهَدةِ؛ فمنها قَولُهم: (إلهي زُجَّ بي في بحارِ أسرارِك اللَّاهوتيَّةِ، وزَمزِمْ قَلبي لمُشاهَدةِ ذاتِك العليَّةِ، وزَهِّدْني فيما سِواك ليَدومَ شُربي بُكرةً وعَشيَّة… إلهي شَرِّفْني بشُروقِ نورِ لاهوتيَّتِك في ناسوتي، وشَمِّمْني ذلك حتَّى لا أرى ولا أسمَعَ إلَّا بك في رَغَبوتي ورَهَبوتي، واشدُدْ قوَّتي بذلك حتَّى أفوزَ برَحَموتي. إلهي صَرِّفْني في عالَمِ المُلكِ والمَلكوتِ، وصَبَّ عليَّ أنوارَ الرَّحَموتِ، وصُمَّ على قَلبي عنِ الالتِفاتِ لسِواك منَ العَرشِ إلى البَهَموتِ، إلهي ضُمَّني إليك ضَمَّ فَناءٍ وبَقاءٍ بك، ونَوِّرْ لي بنورِك لأشهَدَك في كُلِّ مُكَوَّنٍ بقُدرَتِك، واكشِفْ لي الغُيوبَ وطَوِّرْني في حالةٍ أنالُ بها صُحبةَ الخَضِرِ وصاحِبِه المَحبوبِ، إلهي فُكَّ لي عن كُلِّ سِرٍّ مُطَلسَمٍ، وفرِّحْني بالفناءِ والبَقاءِ في نَبيِّك الأعظَمِ، وفَرِّجْ عن قَلبي وسُوَيداي كُلَّ هَمٍّ وغَمٍّ… وقَلِّبْني في حَضَراتِك وحَضَراتِ مُصطفاك حتَّى أكونَ في المُشاهَدةِ أقوى) .
وثَمَّةَ أدعيةٌ خاصَّةٌ بعاشوراءَ وليلتَيِ العيدَينِ، وليلةِ النِّصفِ من شَعبانَ، وأذكارٌ للأشهُرِ الحُرُمِ، وأدعيةٌ لخَتمِ القُرآنِ، وأذكارٌ لليلةِ الجُمُعةِ والاثنَينِ، وهي كُلُّها أدعيةٌ وأورادٌ غَيرُ مَأثورةٍ؛ فمَثَلًا من أذكارِ ليلتَي الاثنَينِ والجُمعةِ: (لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، الأمانَ الأمانَ، مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ، السُّلطانَ السُّلطانَ، تَمُدُّ بها صَوتَك إلى تَمامِ عَشرٍ… لا إلهَ إلَّا اللَّهُ خَمسينَ مَرَّةً، ثمَّ لا مَعبودَ إلَّا اللَّهُ خَمسينَ مَرَّةً، ثمَّ لا مَوجودَ إلَّا اللَّهُ خَمسينَ مَرَّةً، ثمَّ ما في المُلكِ إلَّا اللَّهُ خَمسينَ مَرَّةً، ثمَّ هو اللهُ مِائةَ مَرَّةٍ، ثمَّ اللَّهُ اللَّهُ خَمسمِائةٍ، ثمَّ اللَّهُ قَيُّومٌ مِائةً، ثمَّ يا حَيُّ يا قَيُّومُ مِائةً وأربَعةً وخَمسينَ…) .
وبَعدَ هذه الأدعيةِ والأذكارِ هناكَ ما سَمَّاه الخَتمُ نورَ الإلِهِ في الصَّلاةِ بتَعريفِ المُصطَفى نَفسَه ومَولاه. قال النَّاشِرُ: (إنَّ المُؤَلِّفَ وضَعَ كُلَّ هذه الصَّلواتِ بأمرٍ منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنَّ قارِئَها فائِزٌ بثَوابِ الصَّلاةِ وثَوابِ تِلاوةِ الكُتُبِ المُنَزَّلةِ، وحَديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَدَدِ الأستاذِ المُؤَلِّفِ؛ فهي مِرقاةُ الكَمالاتِ الموصِلةِ إلى أرفعِ الدَّرَجاتِ) .
ويَتَضَمَّنُ هذا المَجموعُ بَعضَ الأحزابِ والأدعيةِ والاستِغاثاتِ للميرغنيِّ الخَتمِ؛ من أهَمِّها: (حِزبُ الفَتحِ) و(حِزبُ النَّصرِ)، وهذا الأخيرُ كما يَقولُ: لعَقدِ الألسُنِ والدُّخولِ على الأمَراءِ والوُزَراءِ ولو كانتِ السُّيوفُ على رَأسِه، وأنَّ مَن قَرَأه نَجا من شَرِّهم، ومَن حُكِمَ عليه بسَجنٍ ثمَّ قَرَأه لم يَدخُلْه أبَدًا بإذنِ اللهِ تعالى، ومَن قَرَأه ودَخَل على قَومٍ يُبغِضونَه فإنَّه يَرى منهمُ المَحَبَّةَ ويَرَونَ منه الهَيبةَ .
وللميرغنيِّ أيضًا ما سَمَّاه بالصَّلاةِ المُحَمَّديَّةِ . وقد ذَكَرَ أنَّ هذه الصَّلاةَ خوطِبَ بها من حَضرةِ المَخصوصِ بالعُبوديَّةِ (أي النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، بَعدَما أجلسَه -كما يَقولُ- بَينَ يَدَيه وأمرَه أن يَمدَحَه بها، وقال له: (مَن قَرَأها كُنتُ أنيسَه في وحشَتِه، وجَليسَه في حُفرَتِه، وأنَّها تَمحو عنه بكُلِّ حِرَفٍ سَيِّئةً، وتُكتَبُ له بها حَسَنةٌ) .
وهذه الصَّلاةُ أيضًا ليس فيها شَيءٌ منَ الأدعيةِ أوِ الصَّلواتِ المَأثورةِ، بل تَجري على السَّجعِ المُتَكَلَّفِ وتَتَضَمَّنُ كَثيرًا منَ المَعاني والعِباراتِ المُبتَدَعةِ: (اللَّهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ على فاتِحِ الوجوداتِ الكَونيَّةِ، السَّابِقِ في ضِمنِ قَبضَتي الأزَليَّةِ، عَينِ كُنوزِ العُلماءِ في حَضرةِ الشُّهودِ، المَقصودِ منَ الرَّتقِ قَبلَ فَتقِ الوُجودِ، رُوحِ حَياةِ اللَّاهوتِ، ومَكنونِ سِرِّ النَّاسوتِ). ثمَّ يَدعو اللَّهَ قائِلًا: (هَبْ لي من نورِ جَمالِك هَيبةً، وارزُقني من سِرِّ جَلالِك سَطوةً أتَصرَّفُ بها في جَميعِ الأرواحِ، وأتَمَكَّنُ بها من جَذبِ القُلوبِ والأشباحِ، واجعَلِ اللَّهمَّ نُصرَتي بتَوحيدِك، واستهلِكْني في فَناءِ شُهودِك، وأفِضْ عليَّ من روحانيَّةِ الخَتمِ الأكرَمِ فيضًا مُتَّصِلًا بنَوالِ أستاذِه الأعظَمِ مَعَ بَقائي في شُهودِ حَبيبِك المُصطَفى ونَبيِّك المُجتَبى) .
وقدِ اهتَمَّ المراغِنةُ كَغَيرِهم منَ الصُّوفيَّةِ بأدعيةٍ خاصَّةٍ وأورادٍ مُعَيَّنةٍ لمُخاطَبةِ الجِنِّ والقُدرةِ على تَسخيرِهم وجَعلِهم في خِدمَتِهم، والتَّصَرُّفِ في الكَونِ بزَعمِهم. ولا شَكَّ أنَّها دَعَواتٌ شَيطانيَّةٌ وأورادٌ مُبتَدَعةٌ لم يُنزِلِ اللهُ بها سُلطانًا، ومن ثَمَّ جاءَت مُغلَقةً في كَلماتِها، غَريبةً في عِباراتِها، مَليئةً بالألفاظِ الأعجَميَّةِ، ومن هذه الأورادِ والدَّعَواتِ دَعوةُ البَرهتيَّةِ لمُحَمَّد الحَسَن الميرغَنيِّ، التي يَبدَؤها بمُخاطَبةِ تلك الأرواحِ مُقسِمًا عليهم وزاجِرًا لهم مُذَكِّرًا إيَّاهم بالعَهدِ المَأخوذِ عليهم من سُليمانَ بنِ داوُدَ عليهما السَّلامُ وما عاهَدَهم عليه عِندَ بابِ الهَيكَلِ الكَبيرِ ببابِلَ، ثمَّ يُخاطِبُهم قائِلًا: (أيَّتُها الأرواحُ الرُّوحانيَّةُ العُلويَّةُ والسُّفليَّةُ، وخُدَّامُ العَهدِ الكَبيرِ، بحَقِّ ما تَلوتُه عليكُم وما أتلوه عليكُم وهو برهتيَّة، كرير، تتلية، طوران، مزجل، بزجل، ترقب، برهش، غلمش، خوطير…) ويَذكُرُ عَدَدًا من هذه الأسماءِ الأعجَميَّةِ إلى أن يَصِلَ إلى (شمخاهر شمهاهير، شمهاهير هو ربُّ النُّورِ الأغلاغيطال غيطل، فلا إلهَ إلَّا هو رَبُّ العَرشِ العظيمِ، أهـ ياهـ هيوه بقطريال أجب يا شرنطيائيل الملك الموكل بالعهد بكهطهطهونية كهطهطهونية ياه واه نموه…)، ويَطلُبُ منهم بحَقِّ ذلك الاسمِ الأعظَمِ أن يَهبِطوا إلى الأرضِ بحَقِّ هذه الأسماءِ عليهم، ويُخاطِبُ فريقًا آخَرَ أن يُجيبوا ويَزجُروا له المُلوكَ العُلويَّةَ والسُّفليَّةَ ويُحضِروهم إلى مَقامِه ويَفعلوا ما يَأمُرُهم به. ثمَّ يُخاطِبُ المَلَكَ الموكَّلَ بفَلَكِ الشَّمسِ بأن يَزجُرَ له خادِمَ الأحَدِ، وأن يَحضُرَ إلى مَقامِه، والمَلَكَ الموكَّلَ بفَلَكِ القَمَرِ بأن يَزجُرَ خادِمَ الاثنَينِ، والمَلَكَ الموكَّلَ بفَلَكِ المِرِّيخِ ليُحضِرَ خادِمَ الثُّلاثاءِ، والمَلَكَ الموكَّلَ بفَلَكِ عُطارِدَ ليَزجُرَ ويُحضِرَ خادِمَ الأربعاءِ، والمَلَكَ الموكَّلَ بفَلَكِ المُشتَري ليَزجُرَ خادِمَ الخَميسِ ويُحضِرَه، والمَلكَ الموكَّلَ بفَلَكِ الزُّهرةِ ليُحضِرَ خادِمَ الجُمعةِ، والمَلَكَ الموكَّلَ بفَلَكِ زُحَلَ ليُحضِرَ خادِمَ يَومِ السَّبتِ، ويُخاطِبُهم جَميعًا: (أجيبوا أيَّتُها المُلوكُ السَّبعةُ العُلويَّةُ والسَّبعةُ السُّفليَّةِ، واحضُروا إلى مَقامي أسرَعَ من لمحِ البَصَرِ، وأوفوا بعَهدِ اللهِ ولا تَنقُضوا الأيمانَ بَعدَ تَوكيدِها وقد جَعلتُمُ اللهَ عليكُم كَفيلًا) .
وفي دُعاءِ اسمِ يا حَيُّ يا قَيُّومُ، يَطلُبُ مُحَمَّد الحَسَن الميرغَنيُّ أن يُمِدَّه اللهُ بمَدَدٍ يُخضِعُ له كُلَّ جَبَّارٍ عنيدٍ وشَيطانٍ مَريدٍ، وأن يَنفعَ كُلَّ مَوجودٍ عُلويٍّ أو سُفليٍّ بهذا المَدَدِ، ويَقولُ: (أسألُك أن تُمِدَّني بروحانيَّةِ اسمِك الحَيِّ القَيُّومِ؛ حتَّى تَكونَ مَعي إذا قال للشَّيءِ كُنْ فيَكونُ، من غَيرِ مُعالجةٍ ولا تَعَبٍ ولا مُعاناةٍ ولا نَصَبٍ، أجِبْ يا مور شطيث ويا طهيوج، أسألُك يا من هو آحون قاف آدم هاء آمين) .
وفي دَعوةِ اسمِ وَدودٍ يَسألُ مُحَمَّد الحَسَن الميرغَنيُّ اللهَ تعالى أن يُسَخِّرَ له العِبادَ، فيَقولُ: (اللَّهمَّ إنِّي أسألُك بنورِ سِرِّك وسِرِّ وُدِّك الذي ألقَيتَه على أنبيائِك وأصفيائِك وأوليائِك أن تُلقيَ وُدِّي ومَحَبَّتي في قُلوبِ عِبادِك أجمَعينَ… وأن تُسَخِّرَ لي روحانيَّتَهم كما سَخَّرتَ البَحرَ لموسى عليه السَّلامُ، وسَخَّرتَ الجِنَّ والإنسَ والشَّياطينَ لسَيِّدِنا سُليمانَ عليه السَّلامُ، وأن تُلينَ قُلوبَهم كما ألَنْتَ الحَديدَ لسَيِّدِنا داوُدَ عليه السَّلامُ، واجعَلِ اللَّهمَّ ناصيَتَهم بيَدي؛ فإنَّك أنتَ العَزيزُ القَويُّ الحَميدُ الحَيُّ القَيُّومُ ذو الجَلالِ والإكرامِ بحَقِّ مالخ مليخ امليخوم أجب يا طئكيائيل وأنت يا اسطيس بحَقِّ جِبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ وعِزرائيلَ عليهمُ السَّلامُ) .
وفي (مَجموعةِ فتحِ الرَّسولِ) وتَحتَ عُنوانِ: (بابُ إرسالِ الهَواتِفِ) نَجِدُ أيضًا هذه الطَّلاسِمَ والأسماءَ الأعجَميَّةَ الغَريبةَ يُستَعانُ بها لتَخويفِ النَّاسِ وإرهابِهم، فيَنقُلونَ عن مُحَمَّدٍ النَّورَسيِّ صيغةَ هذا الدُّعاءِ، ويَتَقدَّمُه كما يَقولونَ: أن تَصومَ للَّهِ تعالى يَوم الخَميسِ وتُصَلِّيَ العِشاءَ الآخِرةَ ليلةَ الجُمعةِ، ثمَّ تُصَلِّيَ رَكعَتَينِ للَّهِ تعالى، وتَقرَأَ الجَلالةَ ألفَ مَرَّةٍ، وعلى رَأسِ كُلِّ مِائةٍ تَقولُ هذا الدُّعاءَ: (اللَّهمَّ إنِّي أسألُك بألِفِ القائِمِ، الذي ليس قَبلَه سابقٌ، وأسألُك بالأمينِ الذي تَمَّمَ بهمُ الأسرارَ، وجَعَلْتَهم بَينَ العَقلِ والرُّوحِ، وأسألُك بها المُحيطةِ باللَّامِ، والمُتَحَرِّكاتِ والصَّوامِتِ والجَوامِد والنَّواطِقِ، نموخ سلوخ بعزة أجب سيد يا كيهيائيل، واذهَبْ إلى فُلانِ بنِ فُلانةَ، على صِفتي وكيستي واسمي ولبسي، وامضِ إليه وخَوِّفْه خَوفَ المَوتى، حتَّى إذا أصبَحَ يَأتي إليَّ ويَقضي حاجَتي، الوحا، العَجَلَ، السَّاعةَ) !
وممَّا تَقدَّم عَرضُه من أورادِ الخَتميَّةِ وأذكارِهم يَتَبَيَّنُ الآتي:
1- أنَّ أذكارَ الخَتميَّةِ وأورادَهم بَعيدةٌ كُلَّ البُعدِ عنِ الأذكارِ الوارِدةِ في القُرآنِ الكَريمِ والمَأثورةِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
2- أنَّهم خَصَّصوا أذكارًا مُعَيَّنةً وأورادًا مُعَيَّنةً بأيَّامٍ خاصَّةٍ وأوقاتٍ خاصَّةٍ من غَيرِ دَليلٍ شَرعيٍّ أو سَنَدٍ من أثَرٍ.
3- أنَّ أورادَهم وأذكارَهم يَغلِبُ عليها السَّجعُ المُتَكَلَّفُ الذي يَصرِفُ الذِّهنَ عنِ التَّوجُّهِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ في صِدقٍ ومُخاطَبَتِه تعالى بإخلاصٍ.
4- أنَّ بَعضَ أورادِهم مَليئةٌ بالألفاظِ الأعجَميَّةِ والأسماءِ الغَريبةِ لروحانيَّاتٍ يُخاطِبونَها كما يَزعُمونَ، ويَسعَونَ إلى تَسخيرِها لخِدمَتِهم.
أمَّا بالنِّسبةِ للمَسألةِ الأولى والثَّانيةِ فإنَّه ممَّا لا مَأخَذَ فيه أن يَدعوَ المُسلِمُ اللَّهَ سُبحانَه وتعالى بما شاءَ من أنواعِ الأدعيةِ، سَواءٌ كانت ممَّا ورَدَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ أم لا، بشَرطِ ألَّا تَتَضَمَّنَ مُخالفةً ما للعَقائِدِ أوِ التَّصَوُّراتِ الإسلاميَّةِ، رَغمَ أنَّه منَ الأفضَلِ التَّقَيُّدُ بما ورَدَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ. ولكِن يَتَوجَّهُ الإنكارُ حينَ يتَّخِذُ المُسلمُ هَيئاتٍ مُعَيَّنةً وكَيفيَّاتٍ مَخصوصةً منَ الأدعيةِ والأذكارِ والصَّلواتِ، ويَجعَلُ لنَفسِه أدعيةً مُعَيَّنةً وأورادًا مَخصوصةً يُرَدِّدُها في أوقاتٍ مُعَيَّنةٍ وبأعدادٍ مَحدودةٍ ويَتَّخِذُها شِعارًا لطائِفةٍ مُعَيَّنةٍ يَتَمَيَّزونَ بها عن سائِرِ المُسلمينَ، ويَعتَقِدونَ أنَّها واجِبةٌ أو مَندوبةٌ، ويُرَتِّبونَ على ذلك ما لا يُحصى منَ الثَّوابِ، وأنَّ من تَركَها حَلَّت عليه العُقوبةُ، ويَستَغنونَ بها عنِ الأورادِ الشَّرعيَّةِ الثَّابتةِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ؛ فالخَتميَّةُ وقَعوا في هذا الخَطَأِ حينَما اتَّخَذوا لهم أورادًا خاصَّةً وأذكارًا مُعيَّنةً وخَصَّصوها بأوقاتٍ وأعدادٍ، وجَعلوها شِعارًا لطائِفتِهم وآثَروها على الأدعيةِ المَأثورةِ والأذكارِ الوارِدةِ في القُرآنِ والسُّنَّةِ.
ولا شَكَّ أنَّ هذا تَشريعٌ لم يَأذَنِ اللهُ تعالى به في أمرِ العِبادةِ التي يَنبَغي فيها الاتِّباعُ لا الابتِداعُ، وهذا داخِلٌ في الأعمالِ المَردودةِ على صاحِبِها لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن عَمِل عَمَلًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ)) .
وقد قَرَّرَ كَثيرٌ من عُلماءِ الإسلامِ أنَّ مِثلَ هذه الأورادِ منَ البدَعِ المُحَرَّمةِ وأكَّدوا أنَّه لا يَنبَغي الاستِعاضةُ بهذه الأورادِ المَأخوذةِ منَ الطَّريقةِ أو مَشايِخها عَمَّا ورَدَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
قال ابنُ الجَوزيِّ عنِ انفِرادِ الصُّوفيَّةِ بطَرائِقَ مُبتَدَعةٍ: (إن كانت مَنسوبةً إلى الشَّرعِ فالمُسلمونَ كُلُّهم فيها سَواءٌ، والفُقَهاءُ أعرَفُ بها، فما وَجهُ انفِرادِ الصُّوفيَّةِ بها، وإن كانت بآرائِهم فإنَّما انفرَدوا بها لأنَّهمُ اختَرَعوها) .
وحَذَّرَ بَعضُ أهلِ العِلمِ من تلك الأدعيةِ المُبتَدَعةِ والاشتِغالِ بها بَدَلًا منَ الأدعيةِ المَأثورةِ، فقال: (أذِنَ اللهُ في دُعائِه وعَلَّمَ الدُّعاءَ في كِتابِه لخَليفتِه، وعَلَّم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الدُّعاءَ لأمَّتِه، واجتَمَعَت فيه ثَلاثةُ أشياءَ: العِلمُ بالتَّوحيدِ، والعِلمُ باللُّغةِ، والنَّصيحةُ للأمَّةِ؛ فلا يَنبَغي لأحَدٍ أن يَعدِلَ عن دُعائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقدِ احتال الشَّيطانُ للنَّاسِ من هذا المَقامِ، فقَيَّضَ لهم قَومَ سَوءٍ يَختَرِعونَ لهم أدعيةً يَشتَغِلونَ بها عنِ الاقتِداءِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأشَدُّ ما في الحالِ أنَّهم يَنسُبونَها إلى الأنبياءِ والصَّالحينَ فيَقولونَ: دُعاءُ نوحٍ، دُعاءُ يونُسَ، دُعاءُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ؛ فاتَّقوا اللهَ في أنفُسِكُم، لا تَشتَغِلوا منَ الحَديثِ إلَّا بالصَّحيحِ) .
وإلى مِثلِ ذلك ذَهَبَ أبو بكرِ بنُ العَرَبيِّ عِندَ تَفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف: 180] . فقال: (يُقالُ: ألحَدَ ولحَدَ: إذا مال، والإلحادُ يَكونُ بوجهَينِ: بالزِّيادةِ فيها والنُّقصانِ منها، كما يَفعلُه الجُهَّالُ الذينَ يَختَرِعونَ أدعيةً يُسَمُّونَ فيها البارِئَ بغَيرِ أسمائِه، ويَذكُرونَه بما لم يَذكُرْه من أفعالِه، إلى غَيرِ ذلك ممَّا لا يَليقُ به، فحَذارِ منها، لا يَدعونَّ أحَدٌ منكُم إلَّا بما في الكُتُبِ الخَمسةِ، وهي: كِتابُ البُخاريِّ، ومُسلمٍ، والتِّرمِذيِّ، وأبي داوُدَ، والنِّسائيِّ، فهذه الكُتُبُ هي بَدءُ الإسلامِ، وقد دَخَل فيها ما في الموطَّأِ الذي هو أصلُ التَّصانيفِ، وذَروا سِواها، ولا يَقولَنَّ أحَدٌ: أختارُ دُعاءَ كَذا؛ فإنَّ اللهَ قدِ اختارَ له وأرسَل بذلك للخَلقِ رَسولَه) .
وقال القُرطُبيُّ عِندَ تَفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 147] : (فعلى الإنسانِ أن يَستَعمِلَ ما في كِتابِ اللهِ وصَحيحِ السُّنَّةِ منَ الدُّعاءِ، ويَدَعَ ما سِواه، ولا يَقولُ: أختارُ كَذا؛ فإنَّ اللهَ تعالى قدِ اختارَ لنَبيِّه وأوليائِه، وعلَّمَهم كَيف يَدعونَ) .
وفي تَفسيرِ قَولِ اللهِ سُبحانَه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55] قال القُرطُبيُّ في ذِكرِ أوجُهٍ منَ الاعتِداءِ في الدُّعاءِ: (ومنها: أن يَدعوَ بما ليس في الكِتابِ والسُّنَّةِ، فيَتَخَيَّرَ ألفاظًا مُفقَّرةً وكَلماتٍ مُسَجَّعةً قد وجَدَها في كَراريسَ لا أصلَ لها ولا مُعَوَّلَ عليها، فيَجعَلَها شِعارَه، ويَترُكَ ما دَعا به رَسولُه عليه السَّلامُ، وكُلُّ هذا يَمنَعُ منِ استِجابةِ الدُّعاءِ) .
وقد بلَغَ من تَشديدِ العُلماءِ في إنكارِ أيِّ زيادةٍ على ما أثِرَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من صيغةِ الصَّلاةِ عليه والأدعيةِ والأذكارِ أن أنكَرَ ابنُ العَرَبيِّ ما زادَه ابنُ أبي زَيدٍ المالكيِّ ” وارحَمْ مُحَمَّدًا وآلَ مُحَمَّدٍ”، وقَولَه باستِحبابِ ذلك، فخَطَّأه في ذلك قائِلًا: (إنَّ النَّبيَّ علَّمَنا كَيفيَّةَ الصَّلاةِ عليه؛ فالزِّيادةُ على ذلك استِقصارٌ لقَولِه واستِدراكٌ عليه) .
والسَّجعُ في الدُّعاءِ منَ الأسبابِ التي تَصرِفُ القَلبَ وتَدفعُه إلى التَّعلُّقِ بالألفاظِ بَدَلًا منَ الغَوصِ في المَعاني؛ ومِن ثَمَّ كَرِهَه العُلماءُ.
قال الطُّرْطُوشيُّ: (ويُكرَهُ السَّجعُ في الدُّعاءِ وغَيرِه، وليس من كَلامِ الماضينَ)، وأورَدَ رِوايةً عنِ ابنِ وهبٍ عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ أنَّه كان إذا عُرِضَ عليه دُعاءٌ فيه سَجعٌ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعن أصحابِه قال: (كَذَبوا، لم يَكُنْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا أصحابُه سَجَّاعينَ) .
كما أورَدَ رِوايةً عنِ البُخاريِّ في صَحيحِه أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال لعُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ: (اقصُصْ يَومًا ودَعْ يَومًا ولا تُمِلَّ النَّاسَ، وإيَّاكَ والسَّجعَ في الدُّعاءِ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه كانوا لا يَفعلونَ إلَّا ذلك، أي: تَرْكَ السَّجعِ) .
أمَّا تَوجيهُ الدُّعاءِ والأذكارِ نَحوَ السَّيطَرةِ على الجِنِّ واستِخدامِ الشَّياطينِ والأرواحِ في جَلبِ نَفعٍ ودَفعِ ضُرٍّ، فهذا من أنكَرِ المُنكَراتِ ونَوعٌ منَ الشَّعوذةِ والباطِلِ الذي يُؤَدِّي إلى الشِّركِ، والعياذُ باللهِ، كما أنَّ استِخدامَ الألفاظِ العَجَميَّةِ التي لا يُدرَكُ مَعناها قد تَتَضَمَّنُ نَوعًا منَ الشِّركِ، كما رويَ عن مالكٍ أنَّه قال في هذه الألفاظِ السُّريانيَّةِ والعِبرانيَّةِ والعَجَميَّةِ: (وما يُدريك لعلَّها تَكونُ كُفرًا؟(