فنون و آداب

التصوف أداة التواصل بين اللغتين الفارسية و العربية

فرامرز ميرزايي _ علي بروانه

التصوف أداة التواصل بين اللغتين الفارسية و العربية

فرامرز ميرزايي _ علي بروانه

 

الملخص

يعد ميدان التصوف من أرحب الميادين التي تجلی فيه التواصل الادبي بين اللغتين الفارسية والعربية، منذ بزوغه الی يومنا هذا. فقد أثبت التصوف عمق الاتصال الروحي بين اللغتين؛ وكأنهما وجهان لشيء واحد. من العسير علی الباحث الادبي أن يتناول التصوف الإسلامي و أن يعيه وعيا دون النظر الی جانبه الفارسي أو علی العکس. بعد دخول الإسلام في إيران امتزجت العقائد الإيرانية ـ التي کانت لفترة طويلة قبل الإسلام ملتقی الحضارات ـ بالتصوف الإسلامي فنشأ ادب رفيع المستوی باللغتين الفارسية والعربية في بلاد الفرس والعرب طوال أربعة قرون ( من الرابع الهجري الی الثامن) المتمثل في شخصيات صوفية بارزة کـ« شهاب­الدين السهروردي» و «ابن عربي» و «ابن الفارض» و « ذالنون» و « سنايي» و « العطار» و «جلال الدين البلخي الرومي» و «الخيام». مما يلفت انتباه الباحث أن هذه اللغة ،أي اللغة الصوفية، لاتزال تحظی بحيويتها حيث جذبت انتباه الشعراء في العصر الحديث. اذن لم­يقتصر التواصل علی العصور الماضية بل امتد الی عصرنا الحاضر خاصة في شعر شعراء الحداثة فاستهوتهم اللغة الصوفية المرمزة فادونيس، صلاح عبد الصبور، عبدالوهاب البياتي، سهراب سبهري و اخوان ثالث وغيرهم استلهموا رموزهم واقنعتهم من الصوفية، فرأوا فيه ملجئا آمنا للهروب من ضوضاء عصرنا هذا و فوضاه.

المفردات الرئيسية: التصوف ، التواصل، العربية، الفارسية.

 

المقدمة

التقت التجربة الشعرية بالتجربة الصوفية في بحثهما عن الحقيقة اي تجاوز الأشياء الخارجية، للوصول إلى جوهرها لان الاشياء في التجربة الصوفية « متماهية،متباينة،مؤتلفة مختلفة … فتخلق التجربة الصوفية عالما داخل العالم، تتکون فيه مخلوقاتها، تولد وتنمو، تذهب و تجئ ، تخمد وتلهب. في هذا العالم تتعانق الازمنة في حاضر حي» (ادونيس، 1992،ص 23). فلذلک أداة الادراک عند الصوفي هي نفسها أداة الادراک عند الشاعر و کلاهما يستقيان من ينبوع واحد، فيتشابه الشاعر مع الصوفي « في الوسيلة و يتحد معه في الهدف، فکلاهما لايعول علي المنطق، و يضع العقل بعد القلب في الترتيب، و کلاهما يهدف الی تکوين رؤية للعالم » (منصور، 1999، ص25).

لقد خلف الصوفية المسلمون تراثا عظيما من الشعر و النثر للادبين العربي و الفارسي، شارک في صنعه أدباء کبار من العرب والفرس کـ «ابن عربي»، «ابن الفارض»، « ذالنون المصري» « شهاب­الدين السهروردي»، « سنايي»، « العطار» و «جلال الدين البلخي الرومي»، «الخيام» و «حافظ الشيرازي». کتب اکثر هذه التراث الاسلامي باللغة العربية کما کتب کثير من الشعر الصوفي باللغة الفارسية فاصبح التصوف بذلک أداة التواصل بين اللغتين الفارسية و العربية في الماضي المجيد و الحاضر الحي.

التصوف، لغةً، من (صوف)، مصدر باب التفعّل، أي؛ لبس الصوف. يعتبر الجاحظ أول من استعمل لفظ صوفي، عندما تكلم عن النساك وأن أبا هاشم الكوفي أول من لبس الصوف وأطلق عليه مصطلح المتصوف لزهده في الدنيا ( انصاري، 1373، ص9 ـ 10؛ نقلا عن الكلاباذي، 1993، ص9). ترجع بذور التصوف الإسلامي الی بداية القرن الثاني الهجري متمثلة في هيئة زهد نتيجة ما حدث في العالم الإسلامي من ترف وملذات. ثم تطور في القرنين الثالث والرابع وشاع مصطلح التصوف وتداوله كثير من العلماء والفقهاء والمتصوفة وأعطوه معان متعددة.

قال الجنيد في معنی التصوف : «التصوف أخلاق كريمة ظهرت في زمان كريم من رجل كريم مع قوم كرام»، أو «هو استرسال النفس مع الله على ما يريد» (السراج الطوسي، 1914، ، ص 26 – 27)،  و قال بشر بن الحارث: «الصوفي: من صفا قلبه لله»، والصوفي أيضا من «اختاره الحق لنفسه فصافاه وعن نفسه برّأه» (المصدر نفسه، ص24).

يبدو فيما کتب عن التصوف، أنه اتجاه انساني يعبر عن العاطفة الدينية في صفائها ونقائها وهو الجانب الروحي الذي يعتمد على منطق الرؤيا والإشراق والمحبة، يكشف الإنسان فيه البعد المتعالي ليتحول إلى إنسان كامل، فهو يحاول الكشف عن حكمة الله في الحياة وتمتع القلب والروح بلذة المشاهدة. قد تطور التصوف من بداية القرن الثالث إلى الثامن وكثرت المصطلحات فيه والمذاهب وأدخلت عليه التغيرات و الظواهر من حيث ترتيب المقامات والأحوال ونظام السلوك والآداب، فانعكس ذلك على أدب التصوف شعرا ونثرا و من أشهر أعلامه (رابعة العدوية، ذو النون المصري (ت 245 هـ)، السهروردي، ابن الفارض، ابن عربي… الخ (خفاجي، 1938،. ص 53 – 55).

من الأصول الدينية والصوفيه التي تأثرالتصوف الإسلامي بها الديانة الفارسية التي ظهرت بخراسان حيث تلاقت الديانات والثقافات الشرقية وبعد دخول أهلها الإسلام صبغت بعض المبادئ الإسلامية بالصبغة الصوفية القديمة (عبد الغني قاسم، 1989 – 1991، ص 28). والديانة الفارسية هي ديانة زرادشتية انتشرت في إيران والمدن المجاورة لها،  فأيدها رجال دين من طبقة الكهنة وجمعوا تعاليمها في كتاب يسمى “أبستاق”. ولما انتشر الإسلام في بلاد الفرس اعتنق أهلها الإسلام وابتعدوا عن هذه الديانة التي کانت جوهرها الايمان بإله أعظم عالم للماضي والحاضر وهو خالق الخلق. كما تعتقد أن الخلاص من القيود المادية يکمن في الحياة الروحية ولايحدث إلا بالطهارة الخالصة عن طريق التحرر النهائي من الجسد وقيوده، ويرجع تأثير هذه الديانة على التصوف، إلى دور الفرس في الدولة العباسية واشتغال رجالها في الدواوين والوزارات، فنقلوا أفكارهم  الی العربية (المصدر نفسه). فتحول التصوف بمعناه العام الی نزعة إنسانية لايحدها مكان و لا زمان، وهو في حقيقته جوهر التوحيد لانبعاثه من الإيمان بالعالم الروحي، الذي هو أساس الدين.

 

لمحة تاريخية

نشأ التصوف في القرن الأول الهجري وكانت غايته في القرنين الأولين عبادةَ الله خوفاً من ناره وطمعاً في جنته، أو حب الله ابتغاء مرضاته، ثم تطوّر في القرنين الثالث والرابع للهجرة، فأصبح دراسةً لبواطن القلوب وأسرار النفوس الإنسانية، وصار في القرن الخامس مذهبا للمعرفة عن طريق الذوق أو الكشف، لا البرهان، وأداةً لتحقيق السعادة، أخذ المتصوفون يتعارضون المتکلمين فی المنهج، بعد أن كان الخلافُ قائماً بينهم وبين الفقهاء لأن الصوفية يدعون الی دين فيه شئ کثير من التسامح خلافا لما يدعون الیه أصحاب الحکومة المتشددون دينيا من الفقهاء و المتکلمين. وكان أبو حامد الغزالي أشهرَ صوفية القرن الخامس ( ت 505 هـ) و اکثرهم تاثيرا، فعلى يديه سيطر التصوّف على الحياة الروحية في الإسلام، بعد أن عزف عنه الكثيرون، بل عدّوه مُروقاً أو خُروجاً عن تعاليم الإسلام؛ إذ كان تصوّفه سُنياً يقوم على تعاليم الكتاب والسنة، وينفرّ من مناهج العقل التي اتبعها الفلاسفة والمتكلمون.

في القرن السادس وما بعده ظهر تصّوف فلسفي يحاول ربط النصوص بالحياة الصوفية والسياسية والاجتماعية و الثقافية، وقد بدأ عند السهروردي المقتول (586 هـ ) في حكمته الإشراقية، وابن عربي ( 638 هـ) صاحب مذهب وحدة الوجود، ابن سبعين (ت 668 هـ) صاحب الوحدة المطلقة، وابن الفارض (632 هـ) في وحدته الشهودية، وسايرهم في هذا بعض الشعراء الفرس من أمثال فريد الدين العطار ( ت 627 هـ) وجلال الدين البلخي الرومي ( ت 671 هـ )، فظهرت، على أيديهم، نظريات فلسفية في تفسير وحدة الوجود والمعرفة، في القرن الثامن و ما بعده.

بدأ التصوف ينحدر و الصوفية ينحطون من منزلتهم من القرن التاسع  لمداخلة الاحزاب السياسية وتنازعهم خاصة في إيران حيث أصبح التصوف آلة في أيدي أصحاب القدرة و السلطة فظهر نوع من التصوف السلبي لم­يبتکر المعاني الجديدة ولم­يحفظ علی حيويته، فاستخدم المتصوفون والشعراء من هذا القرن ومابعدها، المعاني المستهلکة و أخذوا يکررون ما استعمله اصحاب التصوف وشعراءهم في القرون الماضية . ( شريفيان، 1386 ،صص49-55)

 

التصوف أداة التواصل

إن التصوف تراث إنساني عظيم شارک في صنعه أمم مختلفة حيث بامکاننا أن نعده حلقة وصل بين ديانات مختلفة من الفارسية و المسيحية و الاسلامية. فلايمكن لأحد أن ينفي تأثير الثقافة العربية الإسلامية، في ثقافات الشعوب التي احتك بها المسلمون و وآدابهم، حين سادت هذه الثقافة في مرحلة تاريخية معينة، لتشمل أجزاء شاسعة من القارات التي تعتبر من أقدم المناطق التي استوطنها الانسان. كما أنه لايمكن إنكار تأثر هذه الثقافة، بالثقافات الأخری، خاصة الفارسية و اليونانية، مع حفاظها على روحها الاسلامية.

إن بين العرب والفرس علاقات متجذرة في أعماق التاريخ، لم­يعد خافياً على الباحثين، ولاسيما في الدراسات الشرقية. أن الالتقاء الحضاري التاريخي الفكري والفلسفي والديني والاجتماعي والأدبي واللغوي والفني والمعماري … قديم قدم الزمان بحكم التجاور في المكان، والتشابه في الطباع و العادات، فهذا التلاقح الحضاري، الذي تم خلال قرون طويلة بين الحضارتين العربية والفارسية، قد أتى أكله في الأدبين العربي والفارسي حيث أغنى كل واحد منهما الآخر وفتح له آفاقاً جديدة، ما كان لها أن تتيسر لولا هذه القربى. وليس من قبيل المبالغة القول بأن التواصل الحضاري والثقافي بينهما يعد أنموذجاً متميزاً على المستوى الإنساني في مجال التأثير المتبادل الإيجابي والمثمر بين الثقافات البشرية، الأمر الذي يدل على الأهمية البالغة للدراسات المقارنة بين الأدبين العربي والفارسي وضرورة العناية بها وتشجيعها. فالأدب الفارسي بعد الإسلام أصبح جزءاً لايتجزأ من الحضارة الإسلامية بمفهومها العالمي والإنساني الشامل، ويمثل القرآن الكريم و الأحاديث النبوية الشريفة والروايات الدينية، الركائز الأهم في تراث هذه الحضارة. فالقرآن الكريم، وإن كان قد نص على عربيته من حيث اللسان، فإنه قد نص أيضاً وفي مواقع متعددة على عالميته و شموليته التي تتجاوز حدود التعصب القومي و الطائفي.

اذن، التصوف من أهم الميادين التي تجلّي فيها التواصل والإلتقاء بين اللغتين العربية والفارسية خلال القرون الماضية حتي يومنا هذا. تأثر کل واحد منهما بالآخر في المعاني و المفاهيم و المصطلحات و الاساليب الادبية ، الامر الذي جعل باحثوا الادب المقارن أن يهتموا بهذ الجانب اهتماما کثيرا. نحن في هذا المقال نکتفي بنموذجين هامين و هما «ابن عربي» و «الخيام» وتاثيرهما العميق علی المعاني و الصور الشعرية فی الشعر الفارسي و العربي، القديم منهما و الحديث.

 

ابن عربي و تأثيره

يمثل ابن عربي (563 هـ – 638 هـ)، قمة من قمم العرفان في تاريخنا الإسلامي، وله أثر کبير في الشعر العربي المعاصر، فضلاً عن أثره في الشعر الفارسي. يعد «الشيخ الأکبر» صاحب مذهب «وحدة الوجود» في الفکرالصوفي الأسلامي غيرَ متنازع، بل يمکن القول أنه مفکر و فيلسوف صاحب فصل القول في هذا المذهب في العالم أجمع، وقد عبر عن مذهبه هذا في کتبه ورسائله وفي شعره بطريقة رمزية، ولجأ إلی ثنائية التعبير عنها، واعتمد علی تأويل خاص للآيات القرآنية والأحاديث النبوية کما تأثر في مذهبه بالأديان الأخری، وبالفلسفة الأفلاطونية المحدثة و غيرهما من المصادر.

فاضفی ابن عربي، في شعره، التصوف صبغة خفيفة من الفلسفة، وذهب إلى أن التصوف تخلق باخلاق الله و تأدب بآداب الله، والوجود في جوهره واحد، فلا وجود الا الله، فوحدة الوجود عنده ليست حلولا على الحقيقة لأن الحلول نزول الإله في شخص من الأشخاص والصوفية ليس هذا من اعتقادهم، والاتحاد هو شيوع الألوهية في العالم كله. وابن عربي يريد إثبات شخصية الإنسان في وجود الإله بأسلوب وجداني رمزي حيث يقول: (خفاجي، 1938، ص190)

إذَا أبْصَرتْ عَنِي جَمَالَ وُجُودِهِ          أَكُونُ بِهِ فِي الحَالِ صَاحِبَ أَنْوَارِ

وإنْ لَمْ أَكُنْ أُبْصِـرُ سِوَايَ فَإِنني           لِعَالِمِ وَقْتِي بِي وصَاحِـبَ أسْـرَارِ

(الديوان، 1999، ص 190).

لقد تحول الحب الإلهي عنده إلى فكرة وحدة الوجود، فليست في الكون حركة ألاّ وهي ناتجة من حبّه لله والمحبة هي حلقة وصل بين الإنسان وخالقه وبها يدرك بعده اللامتناهي الإلهي. كما انقلب الحب الإلهي عند الحلاج (309 هـ) إلى مذهب الحلول الذي أثار حوله الكثير من الشبهة، ويطعن السراج الطوسي في ذلك «أنه دخل في أوصاف الحق وأضاف معنى يؤدي إلى الحلول كقوله: “أنا الحق”» (السراج الطوسي، 1914، ص 433).

يري آسين بلاثيوس أن إله الصوفية عند ابن عربي هو «الوجود المطلق» الخالي من کل علاقة وحالة وإسم وصفة، وهو الذي لا يمکن إدراکه إلا بالإستبعاد التدريجي لکل معرفة متميزة أي کل معرفة حسية وخيالية ومنطقية، موضوعها ومحتواها هو المخلوقات (بلاثيوس،  1979، ص228).

لابن عربي أثران هامان: الأول، «ترجمان الأشواق»، وهو الديوان الذي علق عليه شرحاً أسماه ذخائر الأعلاق، والثاني «الديوان الکبير»، وفيما عدا هذين الديوانين، فله أشعار مبددة في «الفتوحات المکية»، وفي «فصوص الحکم»، وفي غيرهما من تصانيفه ورسائله الکثيرة ( عاطف جودة،1983، ص 188).

کان لابن عربي تأثير شديد علی الأدب الصوفي في إيران ومازال تأثيره محسوساً في إيران الشيعية، بل ربما فاق في ذلک کل صوفي آخر، من حيث تأثيره و غزارة أنتاجه و غموض معانيه ما عدا جلال الدين البلخي الرومي (المصدر نفسه، ص189). يتجلّي هذا التأثير في مذهب «وحدة الوجود»، و«کان مذهب وحدة الوجود من أهم المعاني الذي دار حولها هؤلاء الشعراء الفرس و لکن عبقريتهم استطاعت أن تقدم معاني الوحدة الوجود و الحب الهي بطريقة رمزية رائعة … و أن ارتباط هؤلاء الشعراء بالمذهب في فارس و ميلهم إلی التأويل الباطني الرمزي قد جعلهم يعبرون بحرية أکثر، فبيئتهم سمحت لهم بحرية التعبير بينما کان ابن عربي – وغيره – مهدداً باتهامات خطيرة لو اتبع اسلوب التعبير الواضح في شرح أفکاره. أما هؤلاء الشعراء الفرس، فلم يکن هناک هذا التهديد وقد اتخذوا الشعر وسيلة تعبير کما ورثوا تراثاً يمضي علی نفس الدرب في الأدب الفارسي». (محمد منصور،1999، ص31).

من شواهد تدل علی تأثر المولوي البلخي بابن عربي ابيات تتناول موضوع «وحدة الوجود» لأن ابن عربي يعد اول من تبين هذه المسألة و افضلهم. يقول المولوي في معنی وحدة الوجود:

بحر وحدانيست، فرد و زوج نيست                گوهر و ماهيتش غير موج نيست

اي محـال و اي محـال اشـراك                     او ، دور از دريا و موج پـاك او

نيست اندر بحر شرك و پيچ پيچ                             ليك با احول چه گويم هيچ هيـچ

(المثنوي المعنوي، 1363، الدفتر6، البيت2030).

(البحر و احد لافرد فيه ولازوج، و ما حقيقته الا موج. الشريک فيه محال ومحال و بعيد عنه الشرک و عن موجه الطيب . لا شريک في البحر و لا اعوجاج، لکني ماذا أستطيع أن أقوله للاحول؟ لاشئ لاشئ. ( انني عاجز عن وصفه للاحول!)  

أو قوله:

استخوان و باد روپوش است و بس             در دو عالم غير يزدان نيــــست كس

(المصدرنفسه،6/ 1023).

( العظم و الریح ظاهر الامر (کل شئ ظاهر) وحقيقته من الله و ليس في العالمين الا هو )

گـر هزارانند يـك تـن بـيش نيست        جـز خيالات عـدد انـديـش نيست  (المصدر نفسه،3/35)

 ( أن کانوا آلاف و لکنهم ليسوا الا واحدا، فالتکثر و التعدد ليس الا من وهم الخيال)

هريكي قولـی اســـت ضــد هم دگـر       چون يكی باشد يكی زهـر و شـكر

تـا ز زهـر و از شـكـر در نگـذری       كی تو از گـلزار وحـدت بو بـری  (المصدر نفسه،6/489).

( لکلٍ  قول واحد يختلف کلٌ منه عن الآخر، وکيف يکون واحدا اذا کان منه الحلو و المُرّ؛ و إنک إن لاتذر المُرّ و الحُلو لاتستطع أن تشمّ رائحة الوحدة).

يعرّف ابن عربي العارفَ بأنه مَن رأی الله في کل الأشياء، بل رآه في أصل کل الأشياء و کنهه، وقول المولوي مأخوذ من هذا المعني:

ای قوم به حج رفته کجاييد؟ کجاييد؟          مـعشوق همين­جاست بياييد بياييد

معشوق تو همسايه و ديوار به ديـوار             در باديه سرگشته شما درچه هوائيد؟ (کليات شمس، 1363،ص65).

( اين أنتم ايها الحجاج؟ اين أنتم؟  هنا الحبيب تعالوا تعالوا. الحبيب جارک و قريبک. عمن تبحثون في البيداء ؟).

ومن أشعار ابن عربي الممتزجة بطابع غنائي رقيق لوح من خلاله إلی وحدة الحب ووحدة الأديان، قصيدته التي منها قوله:

لقد صَـارَ قَلبي قـابلاً کلّ صورةٍ                   فمـرعی لغزلان و ديــرٌ لرهبان

و بيـتٌ لأوثـان و کعبــةُ طائـفٍ                   وألواحُ تـوراةٍ و مـصحفُ قـرآن

أديـنُ بديـن الحــبِ أنّي توجـهت                  رکائـبـه فالحـبُّ دينـي و ايمـاني

لنـا أسوةٌ فـي بــشرِ هند و أختها                 و قـيس ٍ و ليـلی ثم ميّ و غيلان

(ترجمان الأشواق،1981، ص38).

تنبيء هذه القصيدة بأن الشاعر قد انشرح صدره و اتسع قلبه علی نحو إنساني رحيب، حتی إنه صار مرعی و ديراً و کعبة و توراة و قرآناً، و تؤکد هذه الصور المتلاحقة رمزيه السياق الخاص بالتجربة الروحية التي آلت إلی وحدة الأديان و الإيمان بدين الحب الذي يحقق من خلال ديالتيک وجداني، التوافق و الإنسجام بين الروحي والفزيائي (محمد منصور، 1999، ص173). تذکرنا هذه الأبيات قول جلال الدين المولوي، رامزاً إلی الحدس الصوفي المفضي إلی وحدة الأديان:

چه‌ تدبير اي‌ مسلمانان‌ که‌ من‌ خود را نمی دانم‌                        نـه‌ ترسا نه‌ يهودی­‌ام‌، نه‌ گبر و نه‌ مسلمانم

نـه‌ شرقی­‌ام‌ نـه‌ غربی­‌ام ‌، نه‌ علوی­‌ام‌ نه‌ سُفلی­‌ام‌                          نه‌ زارکان‌ِ طبيـعی­‌ام،‌ نه‌ از افـلاک‌ِ گـردانم‌

نه‌ از هندم‌ نه‌ از چينم‌ نه‌ از بلغار و مغسينم‌                           از ملک‌ِ عراقي نيم‌ ، نه‌ از خـاک‌ِ خـراسانم‌

نشانم بی نشان باشد، مكان لا مكان باشد                           نه تن باشد، نه جان باشد كه من خود جان جانانم

دويی را چون برون كردم، دو عالم را يكی ديدم      يكی بينم، يكی جويم، يكی دانم، يكی خوانم  (کليات شمس تبريز، 1363،ص65).

( ماذا افعل و لااحسب نفسي شيئا! فما أنا يهوديا و لامجوسيا و لامسلما و لاشرقيا و لاغربيا و لا من الاعلی و لا من السفلی و لست من الارض و لامن السماء. و لامن الهند و لا من الصين و لا من العراق و لا من الخراسان. عنواني من اللاعنوان و مکاني من اللامکان، لاجسد لي و لا روحَ، بل أصبحت من اصل الارواح ( الحقيقة التي تعطي الروح الحياة) و لما اخرجتُ الثنائية من نفسي  رأيتُ العالمينِ عالما واحدا، فأری واحدا و أبحث عن واحد و أعرف واحدا و أدعو واحدا)

وقد آمن جلال الدين البلخي كسائر الصوفية بأن الله هو الموجود على الحقيقة وسائر الخلق صورة للحق وظل له ولكنه جعل الانسان مخلوقا خالدا ايضا. والفناء عنده سبيل الى البقاء ويعبر عن هذه الفكرة في المثنوي المعنوي بقوله: « لقد مُت من الجمادية و صرتُ ناميا ومتُ من النماء وانقلبتُ حيوانا ومتُ من الحيوانية وصرتُ انسانا، اذن، فمن اي شئ أخاف ومتى نُقصتُ من الموت؟ وفي وثبة أخری أموت من البشر، وأصبح ملکا اعلی، ثم أستبق الملک ايضا لان « کل شئ هالک الا وجهه». مرة أخری أصعد قربا الی الله اکثر من اي ملک، فسأصبح ما لايتصوره الوهم! فأصير فناء في الفناء قائلا: « انالله واليه راجعون» ؟· ( ديوان المثنوي للمولوي، الدفتر الثالث، ص 502 ).  ويعبر المولوي عن فکرة الخلود للإنسان بطريقة المسهبة الرمزية في آن واحد. کما يفعل ابن عربي وإن کان ابن عربي، يری الکون العالم الأکبر و الإنسان العالم الأصغر فإن جلال الدين البلخي يری الإنسان هو العالم الأکبر و الکون هو العالم الأصغر (محمد منصور، 1999، ص173).

أثرت آراء ابن عربي علی التيار الفکري والعرفاني والفلسفي في إيران عن طريق تلميذه (صدر الدين قونوي). کان لـ«فصوص الحکم» و «فتوحات المکية» اثر کبير علی العرفان النظري في إيران في القرن الثامن الهجري. وکان اشعار عبدالرحمان الجامي وفخرالدين العراقي والآخرين مليئاً بالمصطحات التي اوجدها ابن عربي. يقول العراقي في «اللمعات» عن الإنسان الکامل الذي يعد من المباحث الهامة في العرفان النظري عند ابن عربي:

گـفتا بـه صـورت ارچه ز اولاد آدمــم                     از روي مرتبت به همه حال برترم

چون بنگرم در آئـينه عکس جمـال خويش               گردد همه جهان به حقيقت مصوّرم

(الديوان الکامل، 1381، ص355).

( قلت اني ان کنت في الظاهر من ولد آدم،  لکني  اعلی في کل الاحوال من الآخرين و حين أری جمالي في المرآة أری أن العالم کله تبلور في وجودي)

يری العراقي أن حرکة الوجود تبدأ من مقام الوحدة وثم تتجلی في مخلوقاته ويری أن الحب هو أساس هذه الحرکة:

يک عين متفق که جز او ذره­اي نبود        چون گشت ظاهر اين همه اغبار آمده

اي ظاهر تو عـاشق و معشوق باطنت     مطلوب را که ديـد در طلب کار آمده (کليات، 1368، ص377).

( لم­يکن الوجود الا ذرة منه و حين ظهر، وجدت هذه الذرات. انک عاشق في الظاهر و المعشوق في الباطن! من رآی أن المطلوب أصبح طالبا؟! )

و هذا ما اشار اليه ابن عربي في «فصوص الحکم» قائلا: «فحرکة من العدم إلی الوجود حرکة حبّ الوجود لذلک: ولأن العالم أيضاً يحب شهود نفسه وجوداً کما شهدها ثبوتاً، فکانت بکل وجه حرکة من العدم الثبوتي إلپی الوجود حرکة الحبّ من جانب الحق وجانبه (فصوص الحکم، 1370، ص203).

و اما «حافظ الشيرازی»، الذي تاثر بدوره بالعراقي، فهناک شواهد کثيرة في اشعاره تدل علی تأثره بابن عربي في مذهبه وحدة الوجود المتمثل في قولته المشهورة : « سبحان من أظهر الاشياء و هو عينها». يشير حافظ الشيرازي الی وحدة الوجود و أن الاشياء کلها أشعة من ذات الله:

اين همه عکس می و نقش مخالف که نمود      يک فروغ رخ ساقی است که در جام افتاد

حسن روي تو به يک جلوه که در آينه کرد      ايـن همه نقش در آيينه ي اوهـام افتاد

(ديوان حافظ، 1362،ص 190)

(هذه الصور و النقوش المختلفة التي ظهرت، کلها من صورة الساقي التي انعکست في الکأس. حسن وجهک حين تجلی تجليا واحدا  في المرآة،  ظهرت بسببه هذه النقوش الکثيرة في مرآة الاوهام)

قدّم حافظ العشق علی العقل وهذا ما قاله ابن عربي في باب تقدم الکشف والشهود علی الفهم المنطقي والفلسفي فيرجح الکشف والشهود علی التعقل المنطقي:

بي خود از شعشه­ي پرتو ذاتم کردند     باده از جام تجلّي صفاتم کردند (المصدر نفسه،ص372)

(جعلوني مدهوشا من أضواء الذات ( الله تبارک وتعالی) و اسقوني کأسا من ظهور الصفات ( صفات الله جل جلاله )

يشير حافظ الشيرازی الی الانسان الکامل بکلمة « پير» اي الشيخ الکامل السن والعقل أو المرشد و الزعيم الروحي وهو من  «أهل الله» أو «الإنسان الکامل»الذي تکلم عنه ابن عربي في آثاره. انشد حافظ الشيرازي قائلا:

پير ميخانه چه خوش گفت به دردی کش خويش     کـه مگو حال دل سوختـه بـا خـامي چـند

(المصدرنفسه، ص 370).

(حبذا قال شيخ الخمارة لتلميذه: لاتقل اسرار محترقي القلوب( منکسري القلوب) للمبتدئين الذين لايدرکون اسرار الحياة)

به پير ميکده گفتم که راه نجات چيست         بخواست جـام می و گفت راز پوشيدن

(المصدر نفسه، ص868).

(قلت لشيخ الخمارة ما هو طريق النجاة؟ طلب مني کأس الخمر وأجاب: کتمان السر)   

لفريدالدين العطار في منطق الطير أبيات علی لسان الطيور يعبر عن معنی أن العالم ليس الا ظل للحق، ففي حوار الهدهد مع الطيور وهي رمز للسالکين في طريق الحقيقة، يقول الهدهد «ولتعلم أنه عندما رفع السيمرغ (الحق) النقاب، بدا وجهه کالشمس مشرقاً وألقی بمئات الألوف من ظلاله علی العالم، فاعلم أيها الجاهل»(منطق الطير، 1366،ص212) و هذا القول قريب النسب من مذهب ابن عربي، بل هذا هو عين مذهب ابن­العربي في وحدة الوجود (محمدمنصور، 1999، ص40).

لم­يقتصر تأثير ابن­العربي فی الادب الفارسي القديم بل امتدد الی العصر الحديث، فتجلی مذهب وحدة الوجود في شعر الفارسي المعاصر وأخذ الشعراء من معانيه في أشعارهم، يقول سهراب سبهری في قصيدة رائعة:

مردم بالا دست، چه صفائی دارند

چشمه­هاشان جوشان، گاوهاشان شيرافشان باد

من نديدم دهشان،

بی­گمان پای چپرهاشان جای پای خداست (هشت کتاب، ص346)

( الناس في القرية العلياء، ما الذ صفاءهم! و لْيتدفقْ ينابيعهم! ولْيکثرْ حليب ابقارهم! لم­أر قريتهم قط ولاشک أن آثار قدم الله موجودة في أرضهم!)

ثم يضيف قائلا:

شب سرشاری بود

رود در پای صنوبرها، تا فراترها می­رفت

دره مهتاب اندود وچنان روشن کوه، که خدا پيدا بود (المصدرنفسه، ص334).

(الليل طيب والنهر جار تحت أشجار الصنوبر بل الأکثر، و البقاع مقمرة و الجبل ذات ضياء کأنّ الله تجلی فيه )

لم يحرَم اخوان الثالث من افکار وحدة الوجود ومضامينه. استخدم مضامينها في شعره،منشدا:

با گروهی شرم و بی خويشی وضو کردم

مست بودم – مست سرنشناس – پانشناس – اما لحظه ی پاک و

عزيزي بود

برگکی کندم

از نهال گردويی نزديک-

و نگاهم رفته تا بس دور

شبنم آجين سبز فرش باغ هم گسترده سجاده

عزيزي بود قبله – گو هر سو که خواهی باش

با تو دارد گفت و گو شوريده ی مستی

-مستم و دانم که هستم من –

اي همه هستی ز تو – آيا تو هم هستی ؟ (از اين اوستا، 1339، ص 76ـ78)

( توضأت من جماعة المدهوشين  الذين الحياء من خصالهم .کنت سکران لا احس برأسي ولاقدمي واللحظة طيب  و جميل و قطفت وُريقة من شجيرة جوز في قربنا و نظراتي کانت الی البعيد و الارض مفروشة بالخضرة؛ اينما تتجه فثمّ وجه الله، اتکلم معک کسکران – انا سکران و لکني موجود- يا من هو الوجود کله منه، هل انت موجود؟!)

 

رباعيات الخيام و تأثيره

الخيام فارسي الأصل، ولكن ثقافته الإسلامية ذات مشارب شتى. ولد بنَيسابور في خراسان (430ه‍ ) وبها توفي سنة (526ه‍ )، كان لعمر الخيّام حضور حي ولافت في التراث العربي القديم، لأنه كان من ذي اللسانين الفارسي والعربي. عاش الخيام في العصر السلجوقي، وكان من علماء المسلمين المشهورين، ومن شعرائه أيضاً. أتقن اللغة العربيّة وتعلّم بها، ومن أهم تأليفات الخيام رباعياته ولها أثر کبير في الأدب العربي القديم والحديث وليس من شكّ في أنّ الرباعيّات هي مبعث شهرته الأول. أنشدت الرباعيات بالفارسية على شكل (الدوبيت) المكونة من أربعة أشطر تنتهي بقافية واحدة و وزن واحد؛ وهو ما عرف باسم الرباعي الكامل. ومهما يكن الأمر فالرباعيات دلت على نزوع عقلي، وقريحة نادرة، وموهبة فذة امتزجت بحس مرهف، وعاطفة متوثبة شفافة.

أمّا في العصر الحديث ومنذ بدايات القرن العشرين، فقد اهتمّ  أدباء العرب بالخيّام ورباعياته اهتماماً كبيراً جدّاً يفوق أيّ تصوّر، ويفوق اهتمامهم بأي شاعر آخر من العرب قديماً وحديثاً إلى حدّ يكاد لا يقل عمّا هو عليه عند الغربيين وربما الإيرانيين. أما تأثير الخيّام نفسه في الشعر العربي المعاصر، فقد كشف بعض الدارسين جوانب منه في مؤلفات عامة. «أثر أحمد الصافي النجفي، أول ما تأثر بقرأة تعريب الأستاد وديع البستاني لرباعيات الخيام، وتساءل في نفسه: إذا کان هذا أثر التعريب فما هو أثر الأصل يا تری؟» (برهومي،1993، ص84). وقد انتبه أحمد الصافي النجفي إلى أهمية رباعيات الخيام فترجمها بالعربية، کما يقول عنهاً:

قد كنت من خمرة الخيّام منتشياً                                         وإنـمـا خمـرة الخيـــــّام إلهــــام

يـظنّه الجـاهل المسكيـن منغمـراً                                في الـرّاح يطفـو بـه في لجّـها الجـــام

فـراح يُـدْمـن سُكـْراً بـاسمـه نـفرٌ       كـأنـهـم إذ تـدار الكــأس أنــــعـام

ظنـنـت تــرجمـة الخيـــّام مأثرةً       إذا بــها لــضعــاف الــرأي إجــرام

إن کــان هذا مثالُ الشعر في نفرٍ                              لا كــان شــعرٌ ولا خمــرٌ وخيّــــامُ

(ديوان ألحان اللهيب، 1962، ص102)

من يطلع على قصيدة (الطلاسم) لإيليا أبي ماضي يستشف بأنه أخذ فكرتها ومضمونها من رباعيات الخيام حين اطلّع على ترجمتها الغربية وبخاصة ترجمة الشاعر الإنكليزي (فتز جيرالد)، ومما قاله فيها إن تحليل الخيام لا يعدو كونه مغامرة عقلية عظيمة الإثارة؛ باعتباره رؤية تؤكِّد التناقض الذي يعيش فيه بين القديم والجديد، وهو ما أخذه منه أبو ماضي في قوله : (زهير ميرزا، 1963،حاشية 70و78).

أجديدٌ أم قديمٌ أنا في هذا الوجودْ

هل أنا حُرٌّ طليقٌ أم أسيرٌ في قيودْ

هل أنا قائدُ نفسي في حياتي أم مَقودْ

أتمنى أنني أدري ولكن…

لستُ أدري! (الطلاسم، 2004، ص156)

للرموز الصوفية صدی قوي في الشعر العربي الحديث و قد تغلغل الخيام برموزه الکثيرة في الشعر العربي الحديث، فعبدالوهاب البياتي الشاعر العراقي من الشعراء الذين تأثروا بالخيام و افکاره. اتخذ البياتي من عائشة، معشوقة خيام الاسطورية رمزا يعبربها عن هواجسه النفسية. ان «عائشة» في دلالتها اللغوية، أصبحت في ديوانه «الذي يأتي ولا يأتي» و «الموت في الحياة» الرمز الذاتي والجماعي للحبّ الذي اتحدّ کل منهما بالآخر وحلا في نهاية الأمر في روح الوجود المتجدّد (خليل جحا، 1994، ص373).

کما تأمّل الخيّام في حال الحياة والموت بجرأة نادرة، وصراحة مدهشة ميّزته عن سواه من الشعراء، في التعبير عن ادراكه المبكّر للهواجس والأفكار، التي راحت لاحقاً تساور الأنسان،في عصر التنوير، على أنه كان يخشى أن يحرمه الموت نعمة الحياة هذه ويمتد به الخوف من الموت، ويطول به الحنين إلى الحياة حتى يتصور قبره تحت نثار من يانع الزهر، تلح فکرة الموت إلحاحاً شديداً على وجدان صلاح­عبدالصبور وتلون أفق رؤيته ويتخذ الظلام له ستراً ويغمره قلق لا حدود له ، ويتعذب عذاباً لم يتعذبه أحد. لقد اصبحت الحياة کلها عذاباً وآلاما وأهوالاً ثقالاً. وهو يرتجف فزعاً وهلعاً، منکسر الخاطر وکل ما حوله يموت، لا الإنسان فحسب، بل حتى الليل والصباح. و يفکر کما يفکر الخيام حول الحياة و الموت و تأثر بفلسفتها ولم يکن شاعراً سياسياً فحسب بل کان محموماً بالوجود الإنساني و مشغولاً بفکرة الزمن والحياة والموت واصطبغت افکارها عن الموت صبغةً فلسفيةً ويقول في قصيدة «الحرية والموت»:

قضي! قضي!

وعن ديارنا مضي

من بعد ما  اقتنى و شيدا

و خال أن يخلّدا

لم تبقَ منه غيرُ صورةٍ على الجدار

وغصن صبارٍ على الحجارْ

وقال قائلٌ فصيحٌ فوقَ قبرهِ …

و­دمعُهُ مدْرارْ

کان هلالاً و مضا

ثم قُمَيراً صَعَدا

و­ صار بدْراً في السماء توَسَّطا

ثم هوى في أخرياتِ العمرِ، في الأسحارْ

إلى عروق السماءِ رَکْضا (أقول لکم، 1973، ص170).

ما اشبه هذالصوت بصوت الخيام حين ينعى إلينا زوال الانسان وهيمنة الزمن وقهره للموجودات وإنقلاب لحظات المتعة شقوة وإنقلاب أيام الانسان مجرد ذكرى، شأن الجذوة تشع نارا ونورا ثم تخبو رمادا والإنسان لا حول له ولا قوة أمام هذا القهر الكوني المتجلى في الموت الذي يطال بسيفه الإنسان ثمرة الوجود ومكمن العبقرية وسر الحياة ومستودع المشاعر فيغدو ذلك الكائن رهين اللحد والدود والظلام الأبدي كأن لم يكن بالأمس ذلك الشاعر أو العالم أو الحاكم أو الفقيه أو الثرى الذي ملأ الأسماع والأبصار، وتغدو لحظات صفوه و أنسه مجرد ذكرى ، فما الذي ينقذ الإنسان من هذا المأزق الوجودي؟:

آنان که محيط فضل و آداب شدند                      در جمع کمال شمع اصحاب شدند

ره زين شب تاريک نبردند برون                          گفتند  فسانه­اى و در خواب  شدند (الرباعيات، 1373، ص118).

(إن الالی بلغوا  الکمال و أصبحوا ما بين صحبهم سراج النادي؛ لم­يکشوا حلک الدياجي بل حکوا أسطورة ثم انثنوا لوقاد)

أم قوله:

يک چند به کودکى به اُستاد شديم                      يک چند به اُستادى خود شاد شديم

پايان سخن شنو که ما را چه رسيد                      از خاک  در آمديم  و بر باد  شديم (المصدر نفسه، ص151).

(کم سرت طفلا لتحصيل العلوم الی استاذ و کم أصبحت طربا لنفسي لتدريسي؛ فاسمع ختام حديثي اني بدئت ترابا ثم عدت هباء)  

 

الکلمة الختامية

يجدر القول أن التصوف الإسلامي هو خلاصة الحكمة في الآداب الإسلامية والفضائل النبوية وهو زبدة الدراسات النفسية والقلبية في الفكر الإسلامي ويعتبر ثروة وثورة فكرية وثقافية وأدبية ضخمة لما أثاره من خصومات ومجادلات من جهة ومن إعجاب وتأثر من جهة أخرى. كما أن الصوفية هم اللذين ارتفعوا بالأدب وجعلوه سلاحا نبيلا للدعوة إلى الله، فهو أدب صادق يصدر عن تجربة حية عاشها الصوفيون بين الحلم واليقظة وبين الأمل والألم، فهو أدب يفيض حبا وإشراقا وسموّا وإبداعا، والأديب الصوفي يتعالی كمالا و طهرا بتعابيره الإيمانية وحبه للذات الإلهية. ونشير في آخر المطاف إلى أن أصول التصوف ومصادره الأولى إسلامية من القرآن والسنّة مع علاقة بينه وبين الديانات القديمة وهذه العامل الأساسي في التعامل بين اللغتين العربي والفارسي.

 

المصادر و المآخذ

ـ ابن عربي، محيي الدين؛ ديوان ابن عربي، شرح نواف الجراح، بيروت: دار صادر، 1999.

–  —- ، ——؛ ترجمان الأشواق، بيروت: دار بيروت للطباعة، 1981.

–  —- ، ——؛ فصوص الحکم،  تحقيق ابوالعلاء عفيفي، تهران: انتشارات الزهراء، چاپ دوم، 1370 .

ـ اخوان ثالث، مهدي (م.اميد)؛ از اين اوستا، تهران: انتشارات مرواريد، 1339ـ 1344.

ـ أدونيس، علي احمد سعيد؛ الصوفية و السريالية، بيروت، دار الساقي، طبعة اولي ، 1992

–  السراج الطوسي، أبي نصر عبدالله علي؛ اللمع في التصوف، أرنولد نيكسون، مطبعة بريل، 1914

ـ الصافي النجفي، أحمد؛ «ديوان ألحان اللهيب»، دارالعلم للملايين، الطبعة الثانية، 1962.

ـ انصاری، قاسم؛ مبانی عرفان و تصوف، انتشارات پيام نور، چاپ دوم، 1373.

ـ برهومي، خليل؛ أحمد الصافي النجفي شاعر الغربة والألم، بيروت: دارالکتب العلمية، 1993.

ـ بلاثيوس، آثين؛ ابن عربي، حياته ومذهبه، ترجمة عبدالرحمن بدوي، بيروت: دارالقلم، 1979.

ـ حافظ، خواجه شمس الدين؛ ديوان، به تصحيح و توضيح دکتر پرويز خانلري، تهران: انتشارات خوارزمي، چاپ دوم، 1362.

ـ خفاجي، محمد عبد المنعم؛الأدب في التراث الصوفي، القاهرة : دارالغريب، 1938.

ـ خليل جحا، ميشايل؛ الشعر العربي الحديث، بيروت: دارالعودة، الطبعة الأولي، 1994.

ـ خيام، حکيم عمر ابن ابراهيم؛ رباعيات، با تصحيح و حواشى محمد على فروغى و قاسم غني، ويرايش جديد همراه با ترجمه­ انگليسى فيتزجرالد، به کوشش بهاءالدين خرمشاهي، تهران: انتشارات ناهيد، چاپ چهارم، 1384.

ـ  سپهري، سهراب؛ هشت کتاب، تهران: طهوري، 1369.

ـ شريفيان، مهدي؛ جامعه­شناسي ادبيات صوفيه، همدان: انتشارات بوعلي سينا، چاپ ول، 1386

ـ عاطف جودة، نصر، الرمز الشعري عند الصوفية، دارالأندلس،1983.

ـ عبد الغني قاسم، عبد الحكيم؛ المذاهب الصوفية ومدارسها، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1989 – 1991.

ـ عبدالصبور، صلاح؛أقول لکم، بيروت: دارالعوده، الطبعه الأولي، 1972.

ـ عراقي، فخرالدين؛ کليات،به تصحيح سعيد نفيسي، انتشارات کتابخانه سنايي، 1368.

ـ  —، —–؛ ديوان کامل، با مقدمه و تصحيح پروين قائمي، نشر پيمان، ج اول، 1381.

ـ عطار، فريدالدين؛ منطق­الطير، به اهتمام احمد رنجبر، تهران: انتشارات اساطير، 1366.

– منصورمحمد، ابراهيم؛ الشعر و التصوف، قاهره: دارالأمين، الطبعة الأولي، 1999.

ـ مولوي، جلال الدين محمّد، مثنوي معنوي، جلد 2 و 3، به تصحيح رينولد نيكلسون، به اهتمام دكتر نصرالله پور جوادي. تهران : انتشارات امير كبير، چاپ اوّل، 1363.

ـ —، ———؛ کليات شمس، ديوان کبير، با تصحيحات و حواشي بديع الزمان فروزانفر، تهران: اميرکبير، چاپ سوم جزو2، 1363.

ـ ميرزا، زهير؛ إيليا أبو ماضي شاعر المهجر الأكبر،  شعر ودراسة، بيروت:  نشر دار اليقظة العربية ومطبوعات المطبعة التعاونية اللبنانية، الطبعة الثانية، 1963.

  • نص الابيات بالفارسية :

از جَمادي مُردَم و نامي شُدَم                        وز نما مُردَم به حيوان  بَر زَدَم

مُردَم از حيواني  و آدَم شُدَم                       پَس چه ترسم کي زمُردَن کم شُدَم؟

حملة ديگر بميرَم از بَشَر                          تا بَر آرَم از ملايک پرّ و سَر

وز ملک هَم بايدم جَستَن زجو                        کلّ شئ هالک الا وَجهُه

بار ديگر از ملک قربان شوم                       آنچه از وهم  نايد آن شَوَم

پَس عدم گردم عدم چون ارغنون                گويدم که انا اليه راجعون    ( ديوان مثنوي للمولوي ، ص 502)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى