فنون و آداب

الأبعاد الجمالية للمئذنة في العمارة الإسلامية

صفا لطفي عبد الأمير

الأبعاد الجمالية للمئذنة في العمارة الإسلامية

صفا لطفي عبد الأمير

أولا: مشكلة البحث :

تنبع القيمة الحقيقية لفن العمارة الإسلامية من ظهوره في وقت اتسم ببزوغ دين جديد، فبعد أن استباح الفكر الوثني المقدسات، وبعد أن أساء إلى قدسية الخالق سبحانه وتعالى، جاء الدين الإسلامي ليزيل هذه الإساءة .

وهذه القيمة أوجدت بالضرورة مناخاً ملائماً لظهور فن عمارة متميز، كان له حضوره الدائم في مختلف بقاع العالم الإسلامي . نحن أمام فن موشح بوشاح الروح، يخاطب الروح، ويرسل رسائل إلى العقل ليتجاوز مرحلة التلقائية والتعبير العفوي، جاء ليؤكد الروح الشمولية للفكر الإسلامي، من هنا أصبحت للعناصر المعمارية الإسلامية معناها، بل أصبحت هي الموضوعات التي يفضلها المعماري الإسلامي، فأيمان المعماري المسلم بتجسيد فكره الإسلامي دفعته إلى إمكان رصد الكون وظواهره من جميع المجاور الممكنة . وهكذا أصبحت علاقته بالكون – بالباطن ثم بالمطلق، دافعاً له على إيجاد مفردات معمارية تمثل ارتباط الإنسان المؤمن بالملاذ الأجل، ومن هنا كان المحيطان الزماني والمكاني معاً، يعملان عملهما المتوازي، خلق طروحات ذلك المعماري، مع تأكيد إن معناهما أصبح روحياً وليس مادياً .

وهكذا كان فن العمارة الإسلامية مدعواً لإيجاد عناصر ومفردات معمارية تأتلف والمعتقد الجديد وتدور في فلكه، محاولة إيجاد شخصية مميزة لذلك الفن، وهو ما يتضح في العمارة الإسلامية الخاصة بجوامع العالم الإسلامي . (شمس الدين، 1974،ص35) وقد وجدت الباحثة إن المعماري المسلم اهتم بعنصر المئذنة، الذي ارتبط بصلاة المسلم، ولذا عد أهم جزء معماري في المسجد إذ تتوجه إليه جميع مسامع المصلين قبل الصلاة . وقد وجدت الباحثة إن معظم الدراسات التي تناولت المئذنة من ناحية تاريخية أو ربما من ناحية معمارية وتقنية بحتة، دون المرور بدراستها من ناحية جمالية . وهذا ما يلقي على عاتق الباحثة مسؤولية إجراء الدراسات حول ذلك .

ثانياً: هدف البحث :

يهدف البحث الحالي كشف الأبعاد الجمالية للمئذنة في العمارة الإسلامية .

ويتحقق ذلك من خلال تحليل شكل المئذنة على وفق أسس التصميم (التوازن – السيادة – التكرار – الوحدة – الحركة – الملمس – التماثل – التناظر – التباين – الظل والضوء – الانسجام ) .

ثالثاً : أهمية البحث :

  1. تتجلى أهمية البحث الحالي في كونه، يعد من الدراسات النظرية التي تعالج احد أشكال الفن عامة وفن العمارة خاصة، ولا تشك الباحثة في انعكاساتها على كثير من الفنون الإنسانية .
  2. إن دراسة الفنون الإسلامية التراثية، هي الأساس ونقطة الانبعاث لكل جديد متطور .
  3. يفيد الدارسين في المجالات الاثارية، وكذلك المعماريين والمصممين .

رابعاً : حدود البحث : يتحدد البحث الحالي بدراسة الأبعاد الجمالية للمئذنة الاسطوانية في العمارة الإسلامية .

خامساً : تحديد المصطلحات :

  1. الأبعاد : البعد (الجمع) وتعرفها الباحثة إجرائياً : ((الأبعاد هي شيء من المعرفة، تتسق حسياً بمعطيات ما، ويقاس مدى صدقها من خلال ما يملكه الإنسان من خبرة سابقة لما هو واقعي )) . أبعاد : مصدرها بعد : اتساع المدى أو المسافة ( مسعود، ب.ت، ص305) .
  2. الجمالية: ويعرفها (دني هويسمان) : 1975) في إنها (( تكمن في المعرفة المنشودة

التي يتيحها لنا حدوث المعرفة)) بانصبابها ((على جميع الأشياء القبلة للانكشاف وعلى جميع الذوات القادرة على المعرفة الخالية عن الغرض)). (هويسمان، 1975، ص196) .

 

الفصل الثاني : المبحث الأول

المآذن الإسلامية (نظرة تاريخية )  

ربما كانت المآذن من أهم العناصر المعمارية  التي تعطي للمسجد شخصيته المتميزة . ولم يكن للمساجد الأولى التي أنشئت في عهد الرسول الكريم محمد (ص)، لاسيما مسجد (قباء) أول مساجد العالم الإسلامي، وهو المسجد الذي بني من بيت الرسول المعظم (ص) ، لم يكن يحتوي على مئذنة .(كمال الدين، ب، ت، ص5) و (البلاذري، 1866، ص6) .

وأقدم نموذج للمآذن، تلك التي شيدت في الشام، وكانت على شكل أبراج مربعة، وقد انتقل هذا الطراز إلى شمال أفريقيا وسائر البلاد الإسلامية وتعد القاهرة متحفاً للمآذن وبأشكال مختلفة.

ومن أقدم المآذن المصرية القائمة، مئذنة مسجد احمد بن طولون، والتي شيدت على غرار المئذنة الملوية في سامراء*، وهي من طراز المآذن المخروطية ذات المدارج الخارجية، وعودة إلى مئذنة ابن طولون، إذ تقع هذه المئذنة خارج المسجد، وتتكون من جزء أسفل متعامد الجوانب يكاد يكون مربعاً، ويبلغ ارتفاعه أكثر من نصف الارتفاع لكلي للمئذنة، ويدور حول أوجه الربع سلم خارجي مكشوف، ويعلو الجزء المربع جزء اسطواني يبلغ ارتفاعه ربع الارتفاع الكلي، ويلتف حوله سلم دائري من الخارج أيضاً، ويعلو ذلك طبقة اسطوانية. (مزيد، ب. ت، ص167) .

ومنذ العصر الفاطمي بدأت المآذن المصرية تأخذ طابعاً مميزاً، ومن أقدم المآذن الباقية من هذا العصر، مئذنتا جامع الحاكم، وقد أقيمتا فوق طرفي الواجهة البحرية، وتقوم كل منهما فوق برج مكون من مكعبين مجوفين يعلو احدهما الآخر، الجزء العلوي منهما من العصر المملوكي والأسفل من العصر الفاطمي، أما الطوابق المثمنة العليا فتعود إلى عصر المماليك، ويعلو كل من هاتين المئذنتين قبة على شكل مبخرة . وفي العصر الأيوبي كسيت القاعدة المربعة بزخارف جصية، أما الجزء المثمن الذي يعلو هذه القاعدة فقد زخرف بعقود محارية منقوشة، ثم نجد الخوذة المضلعة .

أما المآذن السورية، فالمتتبع لها ، يجد إن أكثرها مربعاً، ثم أصبحت في العصر الفاطمي والأيوبي وأول المملوكي مربعة إلى الدورة الأولى، ثم اسطوانية أو مثمنة البدن، وتنتهي بخوذة كروية أو مخوصة. (الألفي، ب. ت، ص129) .

 

وفي إيران كانت المآذن الأولى في الغالب مثمنة الشكل، ثم انتشرت المآذن الاسطوانية منذ القرن الحادي عشر الميلادي، وأصبحت تحمل بالزخارف الهندسية من نفس الطابوق الذي بنيت به، أو تكسى بالقاشاني، ويستدق طرف المئذنة الإيرانية، وتنتهي من أعلى بردهة تضليعات ، تقوم على مقرنصات تعطيها شكل الفنار. ومنذ القرن الخامس عشر الميلادي كان لمعظم المساجد الإيرانية مئذنتان تحفان بالمدخل وتختفي قاعدة كل منهما خلفه، وهذه المآذن خالية من الطبقات والنوافذ .

وفي الهند شيدت المساجد في أول الأمر من غير مآذن، ثم أضيفت المآذن الاسطوانية والتي تضيق كلما ارتفعت، وتزينها شرفات وتضليعات، ومنذ القرن الخامس الميلادي كان يحف بالمداخل مئذنتان على الطريقة الإيرانية، ومن أجمل المآذن الهندية القديمة (قطب منار) في مسجد قوة الإسلام من القرن الثالث عشر الميلادي. (زكي، 1948، ص150) . وفي آسيا الصغرى سارت المآذن على النسق نفسه، فهي اسطوانية عالية ممشوقة تعلوها قمة مخروطية مدببة . (الألفي، ب. ت، ص131) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

______________________

* لقد أمر المتوكل برفع منارة مسجد سامراء الكبير، لتعلو أصوات المؤذنين، وترى من فراسخ كما يقول ياقوت الحموي. لذلك فأن الزائر لسامراء يشاهد هذا المسجد بمئذنته الملوية من مسافات بعيدة، البناء كله من الآجر والجص. (الحموي، 1960، ص242)

الفصل الثاني – المبحث الثاني

جمالية المئذنة في العمارة الإسلامية

تعد العمارة بشكل عام تحصيل حاصل للثنائية المعروفة (المادية والروحية) لأي قوم، والعمارة الإسلامية تأسيساً على ذلك هي التي استطاعت بكل نجاح أن تعكس واقع الذهنية الإسلامية بكل دقة، والتي قادت حضارة الأمة .

ومما لا يخفى على احد إن العمارة الإسلامية نشأت كضرورة ملحة مع نشأت الدين الجديد واستطاعت ا تؤكد هوية إسلامية لها الخصوصية والتفرد الشيء العظيم، فالمعماري المسلم استطاع ا يتجاوز المفاهيم الإبداعية السائدة عندما أكد اهتمامه بالمعاني العميقة والسامية للكون، متجاوزاً الشكل الظاهري ليخرج متلائماً مع الضمير الجمالي العام للمجتمع الإسلامي، ولهذا فالمعمار الإسلامي الذي اختار ولوج عالم الباطن، عالم التجريد، إنما اختار ذلك تأكيداً منه لأهمية الجمال الذي هو من المقومات الأساسية للمجتمع الإسلامي، ذلك إن الجمال هو صفة من صفات المطلق (الرائد الأول للفنان المعماري الإسلامي)  وهذا ما يفسر بحث الفنان المسلم عن الجمال العلوي السامي، بعيداً عن كل جمال غائي .

وهكذا كانت البداية الأولى للمعماري الإسلامي، تكمن في انه أرسى قواعد لعمارته الإسلامية تهدف إلى رقي النفس وسموها، ذلك الرقي الذي يدفع الإنسان للتفكير المستمر بعظمة الحق جل وعلا . لذلك احتلت العمارة الإسلامية في الفن الإسلامي مكانة مرموقة لما تتمتع به من شمولية لباقي الفنون . ففي العمارة الإسلامية يتحد الصوت بإيقاعاته المتعددة وضمن منحى خاشع كما في (المئذنة) ليصبح واحداً كلياً يرتفع نحو السماء ، وهو يؤكد نجاح المعماري المسلم بابتكاره للمئذنة لكي يعلو صوت المؤذن، وهو ينادي للصلاة على كل ماعداه من أصوات ويصبح نغم الله اكبر ملء الأسماع على طول المدى، فالكثرة والزمن تتبدد حين يتعلق الكائن الحي بالمطلق  (صخر، 1981، ص85) لتؤكد مفهوم التوحيد وانطلاقاً من قوله عز وجل ( يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) ( الحشر، الآية 24) تشعر ا الوجود كله تحول إلى صوت واحد يلبي لله ويقول (الله اكبر) فالصياغات العقلية للمكان والزمان والحدث والأشياء تخضع في وجودها وفي إمكانية تحقيق استمرار الوجود طويلاً أو لمدة تقتصر لقوة تفيض له هذا الحق ( طارق، 1999، ص101) .

وعبر ذلك كله تطورت الأبعاد الجمالية ولكن من خلال وحدة التنوع التي مدت العمارة الإسلامية بما أغنى نماذجها المتنوعة  وجعلها أكثر اتساعاً من دقائق تفاصيلها . ومن  تأملنا للمئذنة الإسلامية نجد اتساعاً لأنواعها (مفترقة مرة ومجتمعة مرة) وكأن هناك روحاً واحدة هي التي تحرك كل تلك الأنواع، فكل تكوين منها يصح لأكثر من تأويل يتوقف على ما يصوب عليه المرء نظره ويتأمله منها، وجميعها تختفي وتكشف في آن واحد عن سر ما تتضمنه من إمكانات وطاقات بلا حدود. (لينا، 1982، ص167)  . ومن المفيد أن نذكر هنا إن بدن المئذنة إنما هو مستمد من بدن النخلة الاسطواني، فالاسطوانة شكل هندسي أساسياً يرتكز عليه البناء الهندسي للكتل البنائية المسقفة، والتي هي سمة تتسم بها العمارة الإسلامية على مر العصور. تحمل النخلة في شكلها نموذجاً كاملاً للمئذنة وتحمل معها نظاماً أو نظماً هندسية دقيقة لكيفية بناء المئذنة، فتجعل لها مركزا متوسطا يرتكز على عمود قائم اسطواني التكوين هو الجذع .

ومجموعة من الأقواس المنتظمة تتجمع وتتفرع وتتوزع من قمة العمود الاسطواني ومركزه إلى كل اتجاه، لتصنع بذلك سلسلة من الانحناءات يضع رأس كل سعفة في موضع جوهري لبناء الاستدارة التكويرية لقبة المئذنة، وكأن قمة كل سعفة وموقعها يرسم نقطة من مجموع النقاط الكلية لهيكل نصف الكرة المنتظم . (الراضي، 1982، ص21 – 22) .

إن الكلام عن البناء الهندسي للمئذنة متشعب أما الكلام عن الأبعاد الجمالية التي تعرضها للعين المتأملة فهو ابلغ في التأثير على الحس والفكر في عالم البشر، فأن الصناعة المعمارية والفنية أقيمت أصلاً على أسس هندسية، معظمها كان غاية في الجمال . بمعنى إن بناء أي كتلة في أي مجال من المجالات المعمارية، تحتاج إلى أصل هندسي لصنع ركيزة البناء العام، وهذا ما نجده في المئذنة أجلى من غيرها فهي إلى جانب ألوانها الجمالية الفيروزية والبني الترابي هذا إن كانت مزججة، أما إن كانت من الآجر، فهي تمتلك مقومات جمالية أخرى اعتماداً على الألوان المونوكرامية التي تتحقق من اختلاف درجات الضوء والظل – تشمخ كبناء كتلي واضح المعالم متميز السمة يحمل جمالية خاصة في كليته وجزئيته وهي بعد من جهة جمال الألوان، والتكوين الظاهري عالم من الجمال الأخاذ فهناك نوعان من المآذن الأول المعتمد على السيراميك، وهو الذي يغلف جدران المئذنة ومن اللونين : التركوازي والاوكر (المائل إلى الترابي) وأن هذا المصنع اللوني يحمل من صور الإبداع في اللون ما لا يستوعبه النظر الضيق، ولا تطيقه النفس الصغيرة . والنوع الثاني من المآذن هو المعتمد على الألوان الطبيعية للآجر أو الرخام والذي يشكل صوراً بديعة من التأليف الإيقاعية المتكونة من الظل والضوء .

وبذلك فأن وحدانية اللون أو ثائيته تتطلب أرقى وأدق قوانين التوزيع اللوني المنسجم (Harmony) .

ومن ناحية فالهيكل الكلي لشكل المئذنة (أحادية اللون) يجمع بين مزايا العلاقات الخطية وجماليتها وبمزايا العلاقات الظلية والضوئية وجماليتها فصراحة الحدود الشكلية لمئذنة مثل المئذنة الملوية في سامراء، والتي عدت مثالاً لمآذن الشرق الأدنى في العصر العباسي والتي يستطيع الزائر إلى لمدينة سامراء أن يشاهد المئذنة الملوية من مسافات بعيدة، والباء كله من الآجر والجص (الحموي، 1906، ص242) وارتباطها بقوانين التالف والتداخل والتماسك يدفع عروضاً من الجمال الخطي اللامحدود الذي تمتصه العين الناظرة، قلما نجده في وحدات معمارية لحضارات غير الحضارة الإسلامية .

فقد اتسمت بسمات جمالية غاية في الروعة، إذ دعمت جدرانها من الخارج بأبراج نصف دائرية عددها 40 برجاً . (يوسف، 1982، ص326) . ولو تركنا جانباً ما ذكرناه أنفاً وأخذنا مقطعاً عرضياً للمئذنة الإسلامية، لاستخلصنا الشكل الدائري الكامل والشكل الرباعي الكامل، وهو ما يؤكد اعتماد المعمار المسلم على الدائرة في بعض المآذن والمربع في الأخرى واللذين لهما إبعادهما الجمالية هما الآخران، فالدائرة هي توأم المربع ومكمله الهندسي، فإذا كان المربع سكوناً مطلقاً فالدائرة هي الالتفاف الكوني الدائم، متحررة من اسر الزمان والمكان  وهو ما يتألف منه الفكر الإسلامي الذي يرى إن الزمان والمكان قياسيان، فالزمان وجوده مرتبط بالمطلق والمكان ( الأرض هي مكان فاني) . أما المكان الخالد فهو الفردوس العلوي (الجنة) . لذا فالدائرة تجسد مفهوم اللانهائية في الفكر الإسلامي وهذا ما يدعو الفنان المعماري الإسلامي إلى اعتمادها كقاعدة انطلاق في عمارته للمئذنة التي تجمع المصلين في ذكرهم  وتسبيحهم لتوصلهم عبر معراج روحي إلى المطلق، ولو تأملنا اتجاه الخطوط في المئذنة نجدها تتجه بوضع ديالكتيكي إلى الأعلى .

وما تبقى لنا هو عنصر معماري من عناصر المئذنة يتخذ شكلين الأول لفظ الجلالة (الله) والثاني (ثلاث دوائر متدرجة بالحجم من الأسفل إلى الأعلى لتنتهي بالهلال) . الذي أصبح رمزاً للتوحيد في الإسلام، فها هو يتوج المآذن في المساجد، يتجه كالبوصلة الروحية باتجاه الكعبة موازياً للمحراب وعمودياً على جدار القبلة، وكأنه السهم الذي يقود المصلين باتجاه موطن الوحي . (اسعد، عرابي، ب. ت، ص128) .

تحليل العينة :

المئذنة هي من المآذن الاسطوانية الشائعة الاستخدام في العمارة الإسلامية، وهي عبارة عن بناء اسطواني، ونفذ بالطابوق وقد ثبت فوقه البلاط المزجج (القاشاني).

بدن المئذنة الأسفل عبارة عن زخارف كتابية بالخط الكوفي، ثم يعلو هذا الجزء زخارف نباتية، وبعده مقرنصات مبسطة، هي قاعدة لبناء دائري يستخدم عند الأذان . بعدها يأتي الجزء العلوي من المنارة وهو اسطواني الشكل ومغطى بالبلاط المزجج ثم قبة المئذنة الصدفية الشكل . وتعلوها عناصر معمارية من النحاس قوامها أربعة دوائر ثم عنصر نحاسي لوزي الشكل .

وعودة إلى القبة المئذنية الصغيرة، فبناءها أشبه ما يكون ببناء النخلة من القمة. (ينظر الشكل 2) .

 

 

 

 

 

 

 

 

يمتاز البناء المعماري للمئذنة هنا بالامتداد اللامتناهي، إذ إن حركة النظر مع الشكل الاسطواني للمئذنة، يعطيها لا نهائية الحركة، فالحركة في التكوين المعماري هذا لا تعرف لها بداية  أو نهاية :

ومن ثم فأن الحركة تعتمد على التوازن المتماثل في بناء المئذنة، إذ تتحرك عين المتلقي حركة تعاقبية تصل به في النهاية نحو الأعلى أما الفضاء فقد عالجه الفنان المسلم من نوع الفضاء المغلق، وبذلك امتلك قيمة تعبيرية في المئذنة كلها .

أكد الفنان المسام بعض القيم الجمالية، ومنها استعارته لبعض الألوان كالأبيض وما له من معاني (الزهد والنقاء) والذهبي ومردوداته الفكرية والجمالية، فهو لون ورد ذكره في القرآن الكريم : ((يحلون فيها من أساور من ذهب)) (الكهف، 31).

ثم الفيروزي ((اللون الأثيري الذي يأخذ بالمتلقي نحو السمو والرفعة من كل ما هو ارضي، فاني وزائل)) .

ثم إن التعارض في قيمة الضوء (أشعة الشمس) والظل الناتج عنها، يظهر إيقاعاً متناوباً يثير إحساساً بالتوازن ثم ترابط التكوين، وهو بذلك حاول خلق قيم جمالية بنائية من خلال الإحساس بالملمس، إذ تتحكم به درجات الضوء والظل .

أما السيادة فقد تحققت من خلال الوحدة في حركة اتجاه النظر. في حين حقق التباين بتعارض درجات الضوء والظل .

تستنتج الباحثة مما سبق، إن المعمار المسلم في صياغته للمئذنة، حاول تجسيد سمة مميزة من سمات الفن الإسلامي وهي اللانهائية، وفي ذلك يسعى الفنان إلى تأكيد استخلاص الجزء من الكل، ارتباط الأول بالأخير .

وما حركة خطوط المئذنة، إلا محاولة من المعمار المسلم لاستعارتها في تحقيق مبدأ إحالة المتلقي إلى حقيقة، وهي الإحاطة بالفضاء،، على إن الله تعالى موجود في كل وجود، فضلاً عن إن التكرار الانسيابي لحركة المئذنة فيه محاولة لتأكيد: إن مرجع الوجود هو إلى الواحد الأحد جل وعلا .

 

الفصل الرابع

نتائج البحث :

من مناقشة البحث في ما يتعلق بمشكلة البحث ومن الإطار النظري والتحليل لتحقيق هدف البحث، وتوصلت الباحثة إلى النتائج الآتية :

  1. تصميم المئذنة رافق معظم العمارة الإسلامية، وفي جميع البقاع الإسلامية، لا سيما المئذنة الاسطوانية، وتظهر هنا لكي تحيل المتلقي إلى مجموعة من الإحالات، وتحيلنا هي إلى الفكر الإسلامي الذي ترتب عليه .
  2. العمارة الإسلامية الحاوية للمئذنة، كانت مركزاً لاستقطاب المعماريين المسلمين، إذ تشير إلى نوع من الإشارات والرموز قوامها وجود قوة علوية لا مناص من الارتباط بها، تسيطر على كل ما يتبع لهان وهي بذلك تفيض على كل ما هو موجود بوضع مراتبي، وهو ما تؤكده نظرية الفيض في الفكر الإسلامي .
  3. عبر المعماري المسلم عن حالة من الارتباط بين تصميم المئذنة وصلاة المصلين في محاولة منه لوضع قلوب المؤمنين المتجهين في تعبدهم إلى الخالق عز وجل عبر معراج تصاعدي .
  4. وجد العصر المعماري المتمثل بالمئذنة يعلو الكثير من المساجد الإسلامية، ليحيلنا المعماري المسلم من هذه المفردة المعمارية إلى قدسية المكان، لاسيما إنها تحتضن صوت المؤذن للصلاة، ول من ذلك أن تعرف ما تمتلكه من قدسية .

ثانياً : الاستنتاجات :

  1. تصميم المئذنة في العمارة الإسلامية، عبر عن معاني عميقة للوجود .
  2. امتلكت المئذنة في العمارة الإسلامية خصوصية، اتسمت بالحداثة والتفرد ع باقي الحضارات .
  3. كان هدف المعمار المسلم منن وضع المئذنة، تعلو المساجد لإيجاد حالة من الائتلاف بين قدسية الأذان من جهة وقدسية المسجد من جهة أخرى .
  4. حاول المعمار المسلم إيجاد موطن جذب لقلب المؤمن المصلي، والمتجه إلى خالقه وذلك بإيجاد هذا العنصر المعماري
  5. تتمتع المئذنة بجمالية عالية ( لاسيما الاسطوانية) فهي تمتلك قوة جذب ونبذ في الوقت نفسه وما يظهر من حركة الخطوط الملتفة حولها، مما يؤكد في الوقت نفسه قيماً فكرية، يسعى الفنان المسلم إلى تأكيدها .

ثالثاً : التوصيات :

  1. الاعتماد على المعطيات الجمالية لشكل المئذنة في تصميم المطبوعات الحديثة .
  2. ضرورة إصدار المطبوعات التي تعنى بمواقعنا الإسلامية لتمتين الحوار الحضاري، ولتعريف الجيل بما قدمه الأسلاف من روائع فنية .
  3. السعي إلى موائمة الجانب الفكري والجمالي مع المعالجة المعمارية، ولا سيما إن معظم ما ظهر في العمارة الإسلامية، انطلق من فكر متميز .
  4. ضرورة اطلاع المصمم والمعماري على المعطيات الفكرية للحضارة الإسلامية .
  5. محاولة تأليف جماعة للتصميم المعماري الإسلامي، لوضع الإجراءات السليمة لتنظيم آلية التصميم والعمارة الإسلامية

رابعاً: المقترحات :

استكمالاً لمتطلبات البحث الحالي تقترح الباحثة دراسة الآتي :

  1. المعطيات الجمالية لمئذنة الملوية في سامراء .
  2. الأبعاد الجمالية لمئذنة مسجد احمد بن طولون .
  3. جمالية المآذن في مسجد الرسول محمد (ص) .
  4. جمالية التصميم الزخرفي في المآذن الإسلامية .

 

المصادر :

القرآن الكريم

– اسعد، عرابي، المفردات التشكيلية المتوسطية في الفن الإسلامي، مجلة مواقف للحرية والإبداع والتعبير، دار ساقي، لندن: ب. ت .

– احمد، فكري، محيط الفنون، الفن الإسلامي، دار المعارف بمصر، ط، القاهرة: 1981.

– الحموي، شهاب الدين أبي عبد الله، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان، مراجعة : محمد أمين الخانجي، مطبعة السعادة، ط2، القاهرة: 1960 .

– الراضي، محمد علي، البناء الهندسي والجمالي للنخلة العراقية مجلة الرواق، دائرة الفنون التشكيلية بغداد 1982 .

– زكي، محمد حسن، فنون الإسلام، مكتبة النهضة المصرية، ط1، القاهرة، 1948 .

– شمس الدين، فارس، المنابع التاريخية للفن الجداري في العراق المعاصر، مؤسسة رمزي للطباعة، بغداد، 1974 .

– صخر، فرازات، مدخل إلى الجمالية في العمارة الإسلامية، مجلة فنون عربية، ع5، م2، 1982 .

– طارق، هزيمة، الفن وإشكالية التجريد الانجذاب في اللامتناهي، مجلة الرافد، الثقافة والإعلام، ع26 ، الشارقة: 1999

– مزيد، شافعي ، مئذنة مسجد بن طولون، المجلد الرابع عشر، ج1، مجلة كلية الآداب، القاهرة : ب، ت.

– لينا، يحيى، القيم الجمالية في العمارة الإسلامية، مجلة فنون عربية ، ع7، 1982.

– مسعود، جبران، رائد الطلاب، دار العلم للملايين، بيروت: ب، ت.

– هويسمان، دني: علم الجمال، ترجمة : ظافر الحسن، منشورات عويدات، ط2، بيروت، باريس، 1975.

– يوسف، شريف: تاريخ فن العمارة العراقية في مختلف العصور، دار الرشيد للنشر، بغداد: 1982.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى