القطب الشريف سيدي علي البيومي
القطب الشريف سيدي علي البيومي
الإمام، الولي، الصالح، المعتقد المجذوب، العالم العامل، القطب الشريف، مولانا وسيدنا علي بن حجازي بن محمد البيومي الحسني الإدريسي الشاذلي الخلوتي الدمرداشي رضى الله عنه.
ولد رحمه الله سنة ألف ومئة، وحفظَ القرآن، وطلب العلم من الأشياخ، وتلقَّنَ الطريقة الخلوتية، وسلك بها، والأحمدية والشاذلية، وحصل له جذب، ومالت إليه القلوب، وصار للناس فيه اعتقاد عظيم، وانجذبت إليه الأرواح، ومشى كثير من الخلق على طريقته، وصار له مريدون وأتباع.
وكان قدس الله سره يسكن خط الحسينية، ويعقد حلق الذكر في مسجد الظاهر خارج الحسينية، وكان يقيم به هو وجماعة.
وكان قدس الله سره ذا واردات، وفيوضات، وأحوال غريبة، وألف كتبًا عديدة، وشرح «الحكم العطائية»، و«الإنسان الكامل» للجيلي، وله شرح على «الجامع الصغير»، وشرح على «الصلاة النورانية»، وشرح على «الصيغة المطلسمة»، وشرح على «الأربعين النووية».
وكلامه عال في التصوف، وإذا تكلم أفصح في البيان، وأتى بما يبهر الأعيان.
وكان قدس الله سره يلبس قميصًا أبيض، وطاقية بيضاء، ويعتم عليها بقطعة شملةٍ([2]) حمراء، لا يزيد على ذلك شيئًا، لا شتاءً ولا صيفًا.
وكان قدس الله سره، لا يخرج من بيته إلا في كل أسبوع مرة، لزيارة المشهد الحسيني، وكان إذا خرج في ذلك اليوم، يركب بغلة، وأتباعه بين يديه وخلفه وأمامه، رافعين حوله الأعلام والبيارق([3])، ويذكرون الله تعالى بطريقة تلين لها القلوب، حتى إذا وصل إلى المشهد الحسيني كثر انضمام الناس عليه، وتزاحمت، وكثر عددهم، ثم يدخل هو وجماعته في هذا الموكب الحافل، ويعقد حلق الذكر من الصباح إلى ضحوة النهار الكبرى في صحن المسجد، وكان لهذا اليوم الذي يخرج فيه دويٌّ، وكانت الناس تنتظره بفارغ صبر.
وكان قدس الله سره في أثناء ذهابه وإيابه، تلحقه الناس من العوام، والعصاة، والمحجوبين فيتوبوا على يديه، ويوصلهم من ساعتهم.
وقامت عليه العلماء، وأنكروا على ما يحصل من التلوث في الجامع من أقدام جماعته؛ إذ كانوا يأتون حفاة، ويرفعون أصواتهم بشدة، وقدَّموا شكواهم إلى الباشا، وإلى أرباب الدولة، فانبرى من بينهم الأستاذ عبد الله الشبراوي قدس الله سره، وكان شديد الحب للمجاذيب، وتكلم مع الباشا، والأمراء، وقال لهم: إنَّ هذا الرجل من العلماء ومن الأولياء، فلا ينبغي التعرض له. فعملوا له جمعية من كبار العلماء بالأزهر، وأحضروه فيها، فأخذ سيدي عليٌّ يقرأ لهم في «الأربعين النووية» وشرحها، وصار يشرح لهم، ويقرر من كلام سيد البشر، ويأتي بالدليل والبرهان، وجواز الذكر في المساجد، وإباحة الدخول بالحفا، ورفع الصوت، وغير ذلك حتى أبهر عقولهم، ولم يكن يعلم قدس الله سره ما أضمروا عليه له، فأذعنوا له، وسكتوا، ورجعوا عما هم عليه، وأقروا بأنه من الأولياء الكاملين، وأقروا على ما هو عليه، ولما رأى الباشا ذلك اعتقده، وأجلَّه، وعظمه، وقبَّلَ يديه، وأمر ببناء مسجدٍ له، وضريح ومقصورة، فشرعوا في بنائه موضع منزله الذي كان يسكنه.
وكان قدس الله سره صاحب أنوار باهرة، وأسرار ظاهرة، وخصه الله بالقبول بين الخاص والعام، وصار إذا دخل خلوته تحضر عنده الأولياء، وكان يحضر بخلوته سيدي أحمد البدوي، وهو الذي ألبسه الزي الأحمر مرة في بركة الحاج، ومرة عنده بالمقام.
ومن كراماته قدس الله سره: أنه كان يتوب العصاة، وقطاع الطرق، ويصيروا من خواص أصحابه، وكان يضربُهم بمقارع من الحديد، ويربطهم بسلاسل في عيدان جامع الظاهر، وكانت عليه هيبة الملوك، وكان إذا غلب عليه الحال، وأراد الذكر يصير في غاية القوة.
توفي رحمه الله ونفعنا به سنة ثلاث وثمانين ومئة وألف، وخرجوا بجنازته من داره، وصلُّوا عليه بالأزهر، ورجعوا به إلى المسجد، فدفنوه في مقامه الذي أُعدَّ له، وهو مقام تلوح عليه الأنوار.
وكان يوم وفاته يومًا لم يُر مثله قطُّ، رفعت الأعلام والبيارق حول نعشه، واجتمعت جميع الطوائف، وأعلنوا بالذكر، وكان يومًا مشهودًا.
ولما توفي شيخ الإسلام الأستاذ حسن القويسني([4])، وكان من أجل أصحابه دفن بجواره في ضريح خاص، ولوحظ بأنوار شيخه. اللهم اغفر لنا، وارحمنا ببركة حبِّهم آمين.
([1]) علي بن حجازي بن محمد البيومي الشافعي: متصوف مصري، فاضل كان خلوتيًّا وصار أحمديًّا وكثر أتباعه، وألف كتبًا ورسائل منها: «خواص الأسماء الإدريسية»، و«شرح الحكم العطائية»، و«شرح الجامع الصغير» وغير ذلك. ولد سنة 1108 هـ وتوفي بالقاهرة سنة 1183 هـ [«الأعلام» (4/270)].
([2]) الشملة: ثوبٌ يشتمل به (ج) شِمال.
([3]) البيارق: الراية أو العلم (ج) البيرق.
([4]) حسن بن دويش بن عبد الله بن مطاوع القويسني، برهان الدين، فاضل من أهل مصر. نسبته إلى قويسنا (قرية بمركز الجعفرية بمصر) ولى مشيخة الأزهر سنة 1250 هـ واعتراه الجذب في آخر عمره. له رسالة في «المواريث» و «شرح متن السلم» في المنطق. توفي سنة 1254 هـ [«الأعلام» (2/190)].
______________________
*نقلًا عن موقع “الصوفي”.