مولاي عبد السلام بن مشيش صاحب العلوم اللدنيَّة
مولاي عبد السلام بن مشيش صاحب العلوم اللدنيَّة
نسبه :
هو سيدنا ومولانا عبد السلام بن مشيش، بالميم وقيل بالباء، ينتهي نسبه إلى إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد رضي الله عنه في أوائل النصف الثاني من القرن السادس الهجري في المغرب الأقصى بمحلة جبل العلم بالقرب من مدينة تطوان، أما تاريخ ولادته، فقد قيل سنة 559هـ وقيل سنة 563هـ تزوّج من ابنة عمه يونس وأنجب منها أربعة ذكور هم: محمد
وأحمد وعلي وعبد الصمد وبنتا سماها فاطمة.
مشايخه :
حفظ القرآن الكريم وسنه لا يتجاوز الثانية عشرة، وشيخه في القراءة هو سيدي سليم دفين قبيلة بني يوسف. ثم أخذ في طلب العلم، ومن أشهر مشايخه الفقيه العلامة الحاج أحمد الملقب أقطران، كان يأخذ عنه الفقه على مذهب الإمام مالك، وأما شيخه في التربية والسلوك فهو العارف بالله سيدي عبد الرحمن بن الحسن الشريف العطار المدني الحسني الشهير بالزيات.
وقال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في كتابه تاج العروس، باب ش ذ ل: وذكَرَ القَشَّاشِيُّ في السِّمْطِ الـمَجِيدِ أن سيدي عبد السلام أخذ عن أبي مدين من غير واسطة، قال أبو سالِم العَيَّاشِيُّ: والتاريخ يقبله.
من محاسنه الجميلة :
هو صاحب العلوم اللدنيَّة والمعارف الرَّبانية، الجامع بين علم الشريعة والحقيقة وطريقته ترياقٌ شافٍ لأدواء العباد، وذكره رحمةٌ نازلةٌ فى كلِّ ناد، سرى سرُّه فى الآفاق، وسارت بمناقبه الرُّكبان والرفاق، قضى عمره فى العبادة وقصده للانتفاع به أهل السعادة.
كان علاوةً على علو همَّتِهِ وحالهِ عالـمـًا فاضلاً جليل القدر، متحمِّسا للدين عاملا على نشر فضائله.
ألِفَ العبادة والنُّسك من صغره، ويقول سيدى الإمام أبو الحسن الشاذلى: إنه سلك الطريق إلى الله منذ أن كان عمره سبع سنين وبعد أن سار فى العبادة أشواطا وبلغ مبلغ الفتيان ظهر له من الكشف أمثال الجبال، وهو مازال بعدُ فى بواكير شبابه، ثم نزع إلى السياحة وأقام فى السياحة ست عشرة سنة كاملة.
والسياحة أصلها الذهاب على وجه الأرض، والمقصود أن الشيخ عبد السلام سار على سنة أسلافه، فسافر متعبدا، وسافر متعلما، قال تعالى [التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ] سورة التوبة 112.
وقد قيل في معنى-السائحون- هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم، وقيل: هم الجائلون بأفكارهم فيما خلق الله تعالى من العبر والعلامات الدالة على توحيده تعالى وتعظيمه، وقيل غير ذلك.
لم يكن يتطلَّع إلى شهرة ولا زعامة، وقد نفض قلبه من حبِّ الرِّياسة، لقد بالغ فى إخفاء نفسه حتى يكون سرُّه مع الله دائما، توارى عن الأعين وتباعد عن الظهور، وتجرَّد للعبادة وفرَّ بنفسه عمَّا فيه الناس من الفتن.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى :
كنت فى سياحتـي فأتيت إلى غارٍ لأبيت فيه فسمعت فيه حسَّ رجل فقلت: والله لا أشوّشُ عليه فى هذه الليلة، فبتُّ على فم الغار، فلما كان عند السحر سمعته يقول: اللهم إن أقواما سألوك أن تسخِّر لهم قلوب خلقك، اللهم إني أسألك إعراضَهم عنى، حتى لا يكون لى ملجأٌ إلا إليك. قال: ثم خرج. فإذا هو أستاذى ابن مشيش.
من أقواله ووصاياه :
كان رضي الله عنه يقول: الفرائض معلومة والمعاصي مشهورة، فكن للفرائض حافظا، وللمعاصي رافضا، واحفظ قلبك من إرادة الدنيا، وإيتاء الشهوات، واقنع من ذلك كلِّه، بما قسم الله لك. اهـ
ويقول أيضا: الزم بابًا واحدًا تُفتح لك الأبواب، واخضع لسيِّد واحد (وهو الله) تخضع لك الرقاب، وخف من الله خوفًا تأمن به من كلِّ شئ.
ومن وصاياه لسيدى أبى الحسن الشاذلىِّ: لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله، ولا تجلس إلا حيث تأمن غالبًا من معصية الله، ولا تجالس إلا من تستعين به فى طاعة الله، ولا تصْطَفِ لنفسك إلا من تزداد منه يقينًا بالله.
ومما أوصاه به: لا تصحب من يؤثر نفسه عليك فإنه لئيم، ولا من تؤثر نفسك عليه، فإنه قلَّ ما يدوم الود، واصحب من إذا ذُكِر، ذُكِرَ الله.
وكان رضي الله عنه يقول: تعالى- الله- عن الحدوث، وعن الأماكن والجهات، وعن الصحبة والقرب بالمسافة، كان الله ولا شىء معه، وهو الآن على ما عليه كان.
وأما الصلاة المعروفة بالصلاة المشيشية، المنسوبة إلى مولاي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه، فلم تثبت عنه، سيما أن فيها بعض العبارات المخالفة للشريعة والتي لا يجوز نسبتها إلى أي ولي من أولياء الله تعالى، كقولهم والعياذ بالله: وزج بي في بحار الأحدية، وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة.
فقد ذكر الحافظ السيوطي (ت 911 هـ) الذي جمع بين علم الشريعة والتصوف في رسالته -تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد- وهي مطبوعة ضمن كتابه -الحاوي للفتاوي- [ج2/ 130-137] ونص عبارته: وما زالت العلماء ومحققو الصوفية يبينون بطلان القول بالحلول والاتحاد وينبهون على فساده ويحذرون من ضلاله.
ثم ساق جملة من أقوال الأئمة في ذلك نورد منها: وقال القاضي عياض (ت 544 هـ) في الشفا ما معناه: أجمع المسلمون على كفر أصحاب الحلول ومن ادعى حلول البارئ سبحانه في أحد الأشخاص كقول بعض المتصوفة والباطنية.
وفاته :
وفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة توفي الشيخ أبو محمد عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه، وقيل فيما بعد إلى سنة خمس وعشرين، وتوفي رضي الله عنه شهيدا بجبل العلم من جبال غُمَارَةَ، وقبره هناك مشهور من أعظم مزارات المغرب.
وكان سبب شهادته أن محمدا بن أبي الطواجين الكُتَامِيّ كان قد ثار بتلك البلاد وانتحل صناعة الكيمياء ثم ادعى النبوة وتبعه على ضلالته كثير من العوام، فسول له الشيطان أنه لا يتم أمر مَخْرَقَته، في تلك الناحية إلا بقتل الشيخ، فدس له جماعة من أتباعه وأشياعه، فرصدوا الشيخ حتى نزل من خلوته في سحر من الأسحار إلى عين هنالك قرب الجبل المذكور، فتوضأ منها وولى راجعا إلى محل عبادته، وارتقاب الفجر، فعدوا عليه وقتلوه، ومن الشائع أنه ألقي عليهم ضباب كثيف، أضلهم عن الطريق، ودفعوا إلى شواهق تردوا منها في مهاوي سحيقة، تمزقت فيها أشلاؤهم ولم يرجع منهم خبر.
ودُفن رضي الله عنه بموضعه بجبل العلم بثغر تطوان، ومقامه من الأماكن التى يستجاب عندها الدعاء، ومقامه فى المغرب كمقام الشافعى بمصر.
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في الطبقات الكبرى (2/6):
قال الشيخ أبو العباس المرسي: ومات الشيخ عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه مقتولا، قتله ابن أبى الطواجن، ببلاد المغرب.
_________________
*نقلًا عن موقع “سحنون”.