شيخ الإسلام إبراهيم نياس الكولخي
الشيخ الهادي بن محمد المختار النحوي
مولده ونشأته
ولد رحمه الله يوم الخميس 15 رجب 1320هـ في طيبة، وهي قرية صغيرة قرب كولخ في السنغال. ونشأ في حجر والده، وقرأ عليه القرآن حتى حفظ حفظاً جيداً برواية ورش عن نافع.
وقد ظهرت عليه النجابة في صغره، وبعد أن حفظ القرآن شمر عن ساعد الجد والاجتهاد في تحصيل العلوم، المنطوق منها والمفهوم، وبلغ فيها المنى والمراد، وتبحر فيها وتفنن بجميع فنونها.
تولى تعليمه والده العالم المجاهد الحاج عبد الله بن محمد ابن مدمب. وازداد من العلوم والتضلع فيها بهمته العالية وانهماكه المستمر في طلب العلم، ولم يقرأ رضي الله عنه على أحدٍ غير والده.
وبعد أن نبغ رحمه الله في سنٍ مبكرة في التفسير وعلوم القرآن والحديث وعلومه، والفقه وأصوله، واللغة وفنونها، والتصوف، فكان مرجعاً في ذلك كله,تصدر لإفادة الخلق قبل بلوغ الثلاثين سنة، وأقبل عليه الناس من أقطار شتى، عرباً وعجماً ينهلون من علومه، وجاء العلماء قبل العوام يثنون الركب عنده، يستقون درر العلوم ويتشوقون لعلوم الرجال وتربية النفوس وتزكيتها، فكان لهم بحراً لا ساحل له ومنهلاً عذباً لا يمل ومركز فهوم تتصاغر دونها الفحول.
دعوته
اشتغل رحمه الله بإرشاد الخلق وتعليمهم وتربيتهم وأصبحت قريته التي أسسها (مدينة) قرب كولخ، منارة علمٍ وتربية.
لكن دعوة الشيخ لم تقف هنا، بل جاب إفريقيا وكل الأقطار الإسلامية، وكثيراً من الأقطار الأخرى ينشر دين الله ويدعو إلى الإسلام بالكلمة الطيبة، ويبث علمه بين الناس ويناظر العلماء للإفادة والاستفادة.. زار مختلف المراكز العلمية والإسلامية في بلاد شنقيط والمغرب وتونس والأزهر والحجاز، وباكستان والهند و الصين….
وانخرط في الدعوة في هيئاتها الرسمية العالمية،فقد كان:
– نائبا للرئيس ثم رئيسا للمؤتمرالإسلامي بكراتشي.
– عضواً مؤسساً في رابطة العالم الإسلامي.
– رئيسا مؤسسا لمنظمة الإتحاد الإفريقي لدعاة الإسلام
– عضواً مؤسساً في جمعية الجامعات الإسلامية بالرباط.
– عضوا في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة.
– عضوا في مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة.
– عضو في المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر.
وغيرها من الهيئات الدعوية الإسلامية.
أهداف الدعوة عند الشيخ
حدد الشيخ أهداف دعوته في مقابلةٍ أجرتها معه صحيفة البلاد السعودية في السبعينيات من القرن الماضي فيما يلي:
– دعوة غير المسلمين للدخول في دين الله وترك الوثنية وغيرها من الديانات الباطلة.
– الجد والاجتهاد في توعية المسلمين ونصحهم وإرشادهم ليزداد المؤمنون إيماناً مع إيمانهم.
– تجنيد كل الطاقات الممكنة لنشر لغة القرآن.
– الدعوة إلى تعميق الشعور بالأخوة الإسلامية.
– ربط الدعوة بالحركات والهيئات الإسلامية في العالم.
– التصدي للقوى التي تسعى لفتنة المسلمين من تبشيرية، مسيحية، ومن صهيونية متسترة وغيرها.
مكانته العلمية في العالم الإسلامي:
كانت للشيخ رحمه الله مكانة علمية بارزة في العالم الإسلامي، فقد كان محل التكريم والعناية في جميع الدول الإسلامية، وقد زارها كلها تقريباً، كما زار كذلك المجتمعات الإسلامية في الدول الأخرى، وقابل علماء عصره وأفادهم واستفاد منهم….
ومن أكثر البلدان التي زارها المملكة العربية السعودية حيث حج إلى بيت الله الحرام عشرات المرات كما زار القاهرة عشر مرات.
وكانت له صلات قوية بمشايخ الأزهر أمثال الشيخ محمود شلتوت، والشيخ الدكتور عبد الحليم محمود، وهما رئيسان سابقان للأزهر وقد أكرمه علماء الأزهر بأن لقبوه شيخ الإسلام (يقال بأن الشيخ شلتوت هو الذي لقبه بهذه الصفة).
وأكرموه مرة أخرى عندما طلبوا منه أن يؤم صلاة الجمعة في الأزهر، وكان ذلك بتاريخ صفر من عام 1381هـ (21/7/1961م)، وبعد صلاة الجمعة علق الشيخ محمد الغزالي على خطبة الشيخ بقوله: ” إننا مطمئنون على مستقبل العالم الإسلامي ما دام في المسلمين أمثال ضيفنا العظيم شيخ الإسلام إبراهيم نياس”.
والشيخ هو أول إفريقي ينال شرف إمامة المسلمين في الأزهر الشريف.
تلاميذ الشيخ
قدر عدد أتباع الشيخ في مختلف مناطق أفريقيا وخارجها بحوالي ثلاثين مليون.
وقد تتلمذ عليه عدد كبير من أبناء شنقيط من أسرٍ ذات عراقةٍ في الشرف و العلم والصلاح، يأتي في مقدمتهم:
الشيخ محمد النحوي.
الشيخ الشيخان بن محمد بن الطلبة.
الشيخ الهادي بن السيد بن سيدي مولود فال.
الشيخ محمد المشري بن عبد الله بن الحاج.
الشيخ عبد الله (الايجيجبي)
الشيخ محمدن بن أحمد الطلبة
الشيخ محمد الأمين الجكني
الشيخ وجاه بن الرباني
الشيخ عبد الله ساخو
الشيخ عبد الله دياه
الشيخ محمد الحسن بن أحمد الخديم.
قوته في الحق
كانت للشيخ صلات مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقد قابله عدة مراتٍ، ، ولما وقعت هزيمة يونيو 1967م وجه الشيخ رسالة إلى عبد الناصر أوضح له فيها المنهج والمخرج الصحيح، وطريق النصر، يقول في الرسالة:
“……وعلينا أن نسير مع خط النصر إن تنصروا الله ينصركم، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا… فاتق الله يا أخي.. واتبع سبيل قائدك الأعلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يقول: أدبني ربي فأحسن تأديبي وكان خلقه القرآن… واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين…
( فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)…. فسر على هذا الخط الذي يسير عليه النصر… ولا بد من الوقوف بباب الله بالتضرع والدعاء…”
الشيخ والقرآن الكريم
كان الشيخ شديد الاهتمام بالقرآن الكريم حفظاً ودراسةً وتفسيراً، وتربيةً للأجيال عليه، فقد فسره عدة مراتٍ باللغة العربية، وباللغة المحلية السنغالية المعروفة ب”الولفية”.
وكان يحرص على أن يحفظ أبناؤه ومريدوه القرآن في صغرهم، وأن يداوموا على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار كما هي عادته، فقد كان يختم القرآن مرتين في الأسبوع على الأقل….فيقرأ سبعاً كل يوم، ويحفظ في الليل ما قرأ نهاراً.
وقد أسس الشيخ عدة مدارس لتحفيظ القرآن، يدرس فيها أساتذة سنغاليون وموريتانيون ومصريون أزهريون.
ويقول الشيخ في هذا المعنى:
ولتجعلن حفظ كتابك الكريم
كرامتي إلى لقاءك العظيم
الشيخ واللغة العربية
كان الشيخ كثير الاعتناء باللغة العربية، ومن أهم مظاهر ذلك رفضه إدخال أبنائه إلى المدرسة الفرنسية إبان فترة الاستعمار ( الاستخراب الفرنسي) رغم الضغوط التي مورست عليه من قبل الفرنسيين؛ وأرسل أبناءه إلى الأزهر الشريف، حيث تخرجوا دعاةً وأساتذة.
وقد أسس الشيخ معهداً للغة العربية والعلوم الشرعية في مدينته، واستقدم له بعثات تعليمية من الأزهر الشريف. واستمر هذا المعهد في العطاء ونشر اللغة العربية، وتخرجت فيه أجيال بعد أجيال، ويشرف الآن عليه أبناء الشيخ وأحفاده وتوجد في المعهد بعثة تعليمية من موريتانيا مكونة من عدة أساتذة يدرسون في مختلف المراحل.
مؤلفاته
ألف الشيخ عدة كتب نافعة في التصوف والسلوك والفقه واللغة منها
– كاشف الإلباس عن فيضة الختم أبي العباس.
– روح الأدب.
– سبيل السلام في إبقاء المقام.
– تحفة الحاضرة في مناسك الحج لا سيما في الطائرة.
– نجوم الهدى في كون نبينا أفضل من دعا إلى الله وهدى.
– الحجة البالغة في كون إذاعة القرآن في الراديو سائغة.
– رفع الملام عمن رفع وقبض إقتداء بسيد الأنام.
– تحفة الأطفال في حقائق الأفعال.
إضافةً إلى عدة دواوين شعرية معظمها في مديح النبي صلى الله عليه وسلم.
أقوال أهل العلم عنه
قال الداعية الكبير محمد الغزالي:
” إننا مطمئنون على مستقبل الإسلام مادام في المسلمين أمثال ضيفنا العظيم شيخ الإسلام إبراهيم نياس”.
قال العلامة الشيخ محمد محمود الصواف:
” والشيخ إبراهيم نياس هو كبير مشايخ هذا الإقليم، بل هو الرجل القوي الذي يقف بصلابة أما جميع التيارات المعاكسة للإسلام، وله مقام كبير ونفوذ واسع لدى الشعب السنغالي وبعض الشعوب الإسلامية الأخرى، وقد أسلم على يديه خلق كثير.. “.
قال المحدث الشيخ محمد الحافظ المصري بعد أن ذكر عدة أوصاف للشيخ:
” … وباختصار هو نور هذا العصر”.
وقالوا في مدحه
قال العالم الرباني الشيخان بن محمد الطلبة في قصيدة يمدحه بها:
أشمس بدت بالليل طالعها سعد
وما كان شأن الشمس بالليل أن تبدو
أم المزن تحدوها البروق لسقينا
ولا برق فيها نختشيه ولا رعد
أم الكل شيخ العصر من عم هديه
جميع الورى ابيضوا جلودا أم اسودوا
وقال العلامة محمد عبد الرحمن بن السالك بن باب العلوي:
فلأنت من قوم هم القوم الألى
بني العلى بهم على آساس
ومن الذين علومهم جلت عن الأ
وراق والأقلام والأنفاس
وكفاك أن الله ألبسك التقى
ولباس تقوى الله خير لباس
ويقول إمام العارفين الشيخ محمد المشري :
لعمرك ما شمس الزوال لدى الظهر
ولا البدر في دال الليالي مع العشر
بأظهر أو أعلى أو اكمل رتبة
من الشيخ في عصر ولا منه في قطر
ويقول في وصفه في قصيدة أخرى:
لا يستطيع الواصفون لوصفه
جلت محامده وعز ثناه
ويقول ,أستاذ الجيل, العلامة الشيخ محمد فال (أباه) بن عبد الله :
رعيت أبا إسحاق والبيت والمسعى
رياضاً من العرفان طيبة المرعـى
إلى أن يقول:
له ورع قد صير الندب واجبـا
كما صير المكروه من ورعٍ منعـا
وموعظة لو باشرت جلمدا غدا
لصولتها الجلمود يستهـل الدمعـا
أيا قارئ القـرآن متقـن فنـه
وقارئـه عشـراً وقارئـه سبعـا
إلى أن يقول:
وجددت علم الشرع من بعدما عفا
وكاد ظلام الجهل أن يكسف الشرعا
فلله آيات تبرقع سرها
كشفت لنا من دون عزتها النقعا
فإنك بدر لا فقدنا له سنى
وإنك وتر ما ما وجدنا له شفعا
وفاته
توفي رحمه الله في لندن حيث كان يعالج يوم 15 رجب 1395هـ, يوليو 1975م, واهتزت السنغال وافريقيا لوفاته و دفن في مدينته المعروفة بإسم “مدينة” قرب كولخ, جنوب شرق السنغال في جنازة مهيبة حضرها خلق لا يحصى.
قضى عمره في الدعوة و نشر الإسلام و بث العلم و إرشاد الخلق و نصرة قضايا المسلمين و خاصة قضية فلسطين فكان مناهضا قويا للاختراق الاسرائيلي في افريقيا.وخلف بعده مدرسة دعوية تشع بنور الإسلام في جميع أنحاء العالم.
كان الشيخ متصوفا متمسكا بالكتاب و السنة وكان أكبر مشايخ الطريقة التجانية في افريقيا خلال القرن العشرين وكان إذا شكوا إليه مخالفات بعض المنتسبين للتصوف , يكرر الكلمة المشهورة عن شيخه مؤسس الطريقة التجانية , الشيخ سيدي أحمد التجاني: “إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعملوا به و إن خالف فاتركوه”.
ويمكن إجمال هدف الشيخ في الحياة في بيت من أحد قصائده:
أروم رضى الباري لنصرة دينه * وأبرز للجيل الجديد مثالا
كما حدد رحمه الله تمسكه باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في البيت التالي:
إذا سار خير الناس سرت وراءه * وإن حل يوما فالمسير بعيد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
– الشيخ ابراهيم انياس, كاشف الإلباس.
– مجموع رحلات شيخ الإسلام الحاج ابراهيم انياس.
– ديوان الشيخان بن محمد بن الطلبة.
– ديوان الشيخ محمد المشري.
– إبراهيم تيام، 25 سنة على رحيل الشيخ إبراهيم.
– الحاج عبد الله بن محمد المشري ، إنذار و إفادة.
– الخليل النحوي ، بلاد شنقيط .. المنارة و الرباط.
– محمد بن الشيخ عبد الله ، الشيخ عبد الله وحياته الصوفية.
– عبد القادر محمد سيلا ، المسلمون في السنغال- سلسلة كتاب الأمة.
___________________________
*نقلًا عن موقع الطريقة التيجانية ” tidjanya”.