أبو الحسن الشاذلي .. العارف والقطب الربَّاني
أبو الحسن الشاذلي .. العارف والقطب الربَّاني
هو الشيخ علي الشاذلي الحسني بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال بن علي بن أحمد بن محمد بن عيسى بن إدريس المبايع له ببلاد المغرب ابن عبد الله بن الحسن المثنی ابن سید شباب أهل الجنة وسبط خير البرية أبي محمد الحسن ابن أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عرف بالشاذلي، نسبة إلى شاذلة ؛ وهي قرية بإفريقية (تونس حالياً) منشؤه بالمغرب الأقصى، إذ ولد عام 593ھ /1196م في قبيلة غمارة شمال المغرب، بإقليم سبتة ؛ وهي بلاد شيخه مولاي عبد السلام بن مشيش.
مرتبته العلمية والدينية:
يعتبر الشيخ الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية الكبرى التي تفرَّع عنها جُل الطرق الصوفية الكبرى بالمغرب من جزولية (ق 15م) وزروقية (ق 15م) وعيساوية ويوسفية (ق 17م) وغازية (ق 16م) وشيخية (ق 17م) وناصرية (ق 17م) ووزانية (ق 17م) ، ولوفائية وبكرية ، ولدرقاوية (ق 19م) وتيجانية (ق 19م) وحراقية (ق 19م) وغيرها.
وقد بلغ مبالغ كُمَّالِ الرجال، وتمكن في طريق القوم تمام التمكن، وشُهِد له بالقطبانية. وفي ذلك يقول ابن عطاء الله السكندري: ” لم يختلف في قطبانيته ذو قلب مستنير، ولا عارف بصير” .
وقد أخذ أيضاً تبركاً واستفادة قبل شيخه سيدي عبد السلام عن شيخين آخرين، أحدهما الشيخ أبو سعيد خليفة بن أبي أحمد الباجي… و قال : إنه لازمه وانتفع به كثيراً.. وثانيهما الشيخ أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن حرزهم. وذكر صاحب «المفاخر العلية» أنه لبس منه خرقة التصوف.
السيرة الشخصية:
الدارس لسيرة الشيخ أبي الحسن الشاذلي يكشف عن اتسامه بثلاث خصائص جامعات هي:
- جمعه بين العلم والعمل؛ أو بين الشريعة والحقيقة، أو بين التخلُّق والتفقه ؛ حيث تكون رسوم الشريعة متوقفة في سلامتها على صحة القصود والمقاصد. فقد ذكر ابن العماد الحنبلي نقلا عن المناوي في «طبقات الأولياء» قوله : “اشتغل بالعلوم الشرعية حتى أتقنها، وصار يناظر عليها مع كونه ضريرا. ثم سلك منهاج التصوف، وجد واجتهد حتى ظهر صلاحه وخيره، وطار في فضاء الفضائل طيره، وحمد في طريق القوم سراه وسيره “.
- جمع أبو الحسن الشاذلي بين المجاهدة والجهاد: يدل على ذلك خروجه للجهاد في سبيل الله ، مع ثلة من العلماء الأماجد أمثال عز الدين بن عبد السلام، ومجد الدين الأخميمي و محيي الدين بن سراقة، ومجد الدين القشيري ؛ وكان قد كف بصره ؛ فما منعه ذلك من السير إلى المنصورة، والمرابطة في سبيل الله ، حيث كان ذلك أواخر النصف الأول من القرن السابع الهجري، حيث قاد لويس التاسع ملك فرنسا جيشاً من الصليبيين لمنازلة الإسلام ؛ فمنيَ بهزيمة نكراء، أُسر على إثرها هو والكثيرون من قواده.
هذا الجهاد الشاذلي هو في جوهره جزء من المجاهدة ؛ لأنه جهاد خالص من التعلقات والأغراض والحظوظ، جهاد قاصد يبغي بيع النفس لله، وبذلها في سبيل الذّبِّ عن حياض الدين.
- جمعه بين التجرد من الأسباب، والأخذ بالأسباب : فأما تجريد الظاهر، فهو ترك الأسباب، وأما تجريد الباطن، فهو ترك كل مايشغل القلب عن الحضور مع الله . فالأخذ بالأسباب لا يضير العبد إذا رافقه صدق التوجه إلى الله، وخلوص نية الاستمداد منه، ويقين المعرفة أن الفاعل والمعطي والمانع على الحقيقة هو الله عز وعلا ؛ ولذلك فإن الشيخ الشاذلي كان ينصح مريديه قائلا: «لا تسرف بترك الدنيا ؛ فتغشاك ظلمتها، أو تنحل أعضاؤك لها ، فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها بالهمة ، أو بالفكرة، أو بالإرادة، أو بالحركة”.
لقاؤه بالقطب مولاي عبد السلام بن مشيش:
خرج الشيخ الشاذلي يبحث عن القطب، استدلالا به على مسالك النجاة، واستهداء إلى السبيل القاصد إلى الله ، درءاً لموانع الطريق وقواطعه وآفاته ؛ فقصد العراق. والعراق آنذاك قبلة القاصدين، من طلاب الدنيا وطلاب الدين، حيث كانت بحق عاصمة العلم المكينة، فضلا عن كونها عاصمة الإدارة العباسية.
وهو يروي قصة دخوله العراق ، وسؤاله عن القطب ، قائلاً: «لما دخلت العراق، اجتمعت بالشيخ الصالح أبي الفتح الواسطي؛ فما رأيت بالعراق مثله؛ وكان مطلبي على القطب ، قال لي بعض الأولياء : أنت القطب بالعراق، وهو ببلادك. ارجع إلى بلادك تجده”. من المقولات
المعاصرون له من العلماء :-
عاصر الشاذلي أكابر علماء المسلمين وبحور علوم الشريعة الذين لا يدرك غورهم، ولا ينضب معينهم، كالإمام عز الدين بن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء ، وابن دقيق العيد، وقطب الدين القسطلاني، وتقي الدين محمد بن علي القشيري.. وغيرهم كثير.. حيث ذكر تلميذ تلميذه ابن عطاء الله في «لطائف المنن» بعضهم ممن شهد له ، وأثنى عليه ضمن باب من أبواب هذا الكتاب ، سماه : «في التعريف بشيخه ، الذي أخذ عنه هذا الشأن، وشهادة من عاصره من أهل زمنه من العلماء والأعيان، أنه قطب الزمان ، والحامل في وقته لواء أهل العيان».
من تلاميذه:
أبو العباس المرسي من أشهر تلاميذ الشيخ أبو الحسن الشاذلي حيث صحبه وأخذ عنه حتى اشتد عوده وبلغ أشده واكتملت لديه آلية التربية والتخليق.
ويروي أبو العباس المرسي قصة لقائه بشيخه، فيما ينقله تلميذ أبي العباس ابن عطاء الله، فيقول: «ما
نزلت بتونس حين أتيت من «مرسية» وأنا إذ ذاك شاب ، فسمعت بذكر الشيخ أبي الحسن الشاذلي – نه –
فقال لي رجل : «تمضي بنا إليه ؟. » قلت: حتى أستخير الله. فنمت تلك الليلة ؛ فرأيت كأني أصعد إلى رأس
جبل. فلما علوت فوقه ، رأيت هنالك رجلا علیه برنس أخضر، وهو جالس ؛ وعن يمينه رجل، وعن يساره
رجل. فنظرت إليه ؛ فقال لي: «عثرت على خليفة الزمان» قال : فانتبهت.
فلما كان بعد صلاة الصبح ، أتاني الرجل الذي دعاني إلى زيارة الشيخ، فسرت معه. فلما دخلنا على الشيخ،
رأيته على الصفة التي رأيته فوق الجبل، فدهشت، فقال لي: «عثرت على خليفة الزمان، ما اسمك؟» فذكرت
له اسمي ونسبي ؛ فقال لي: «رفعت إلي منذ عشرة أعوام”.
وفاته:
اتفق المؤرخون على أن الشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمه الله لقي ربه في طريقه إلى الحج حيث ثقل عليه المرض في وادي حميثرة من صحراء عيذاب حيث كانت طريق الحجاج قديمًا، لكنهم اختلفوا في تحديد يوم وفاته على أقوال منها:
1 ) – قال “صاحبُ المفاخر العلية في المآثر الشاذلية”، ما نصه:” وكانت وفاته رضي الله عنه في شهر شوال عام ستة وخمسين وستمائة”. أهـ
2 ) – قال” صاحب طبقات الشاذلية الكبرى” أبي علي الحسن بن محمد بن قاسم الفاسي المتوفى سنة 1347هـ، ما نصه :” ومات بصحراء عيذاب قاصدًا الحج، فدُفِن هناك في ذي القعدة سنة ست وخمسين وست مائة”.
3 ) – قال “صاحب جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف” السيد محمود أبو الفيض المنوفي، ما نصه:” ومات بصحراء عيذاب وهو قاصد الحج فدفن هناك في ذي القعدة سنة 656 هـ”. أهـ
4 ) – قال صاحب كتاب” أبو الحسن الشاذلي عصره-تاريخه- علومه- تصوفه” الشيخ علي سالم عمار، ما نصه:” ويتفق الجميع ومعهم السيد أبي المحاسن القاوقجي أن وفاته كانت سنة 656 هـ بشهر شوال إبان سفره لأداء فريضة الحج”. هـ
أقوال العلماء فيه:
شهد لشيخنا، بالعلم المكين، ورسوخ القدم فيه ، ظاهره وباطنه ، شريعته وحقيقته ؛ فكان له قوة العلم والواردات ، إذ ما تصدر أستاذاً للمريدين إلا بعد أن فاضت عليه الواردات ، وكان له الإذن من الله ورسوله.
ويقول مكين الدين الأسمر معترفاً بعلم الشيخ وكفاءته: «مكثت أربعين سنة يشكل علي الأمر في طريق القوم ؛ فلا أجد من يتكلم عليه ، ويزيل عني إشكاله حتى ورد الشيخ أبو الحسن، فأزال كل شيء أشكل علي”..
كذلك تَرجمَ للشاذلِيِّ ابن عطاء الله في «لطائف المنن» فقال: “هو الشيخ الإمام حجة الصوفية، علم المهتدين، زين العارفين، أستاذ الأكابر، والمنفرد في زمانه بالمعارف السنية والمفاخر، العالم بالله ، والدال على الله، زمزم الأسرار، ومعدن الأنوار، القطب الغوث الجام