التصوُّف الإسلامي في الهند ودوره في الحياة الاجتماعيَّة والسياسيَّة
د. تامر مندور
(كاتب مصري)
إن الأصل في التصوف كما يقول ابن خلدون هو العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، حتى إذا فشا الإقبال على الدنيا منذ القرن الثاني للهجرة قيل للخواص الذين اشتدت عنايتهم بأمر الدين الزهاد والعباد. ولما ظهرت الفرق الإسلامية وزعم كل منها أن فيهم عبادا وزهادا انفرد أهل السنة المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة. وقوام التصوف سلوك يقوم على ضبط النفس وكبح جماحها ومجاهدة ميولها وصرفها بالإرادة عن متع الدنيا ومباهجها. وغايته تصفية النفس وتطهيرها من أدران الجسد، مع تأمل الخلوة، وتدبر في آيات الله حتى يفنى الصوفي عن نفسه ويبقى بالله.
وقد مرَّ التصوف بمراحل متعددة، فكثرة مفاهيمه وإن تضمنت جميعها أخلاقيات مستمدة من الإسلام، هي في الحقيقة قوام الشريعة الإسلامية. وقد أدرك الصوفية ذلك فأقاموا تصوفهم على تربية الإرادة لممارسة شاقة لأخلاقيات تقتضي مجاهدة النفس وترويضها على الاستخفاف بلذات الدنيا ومباهجها، والسيطرة على الأهواء والشهوات والميول الفطرية والعواطف المكتسبة، وأنشأوا علما مكملا لعلمي الفقه والكلام. فالفقه يبحث في الأحكام الفرعية العملية، والكلام يبحث في العقائد ويبرهن عليها بمنطق العقل، والعلوم الثلاثة مستمدة من القرآن والسنة. ولكلٍ من الفقهاء والمتكلمين والصوفية والفلاسفة منهج في فهم أمهات العقائد الإسلامية، ويختلف أفراد كل طائفة بعضهم عن بعض، ولكنهم مُتَّفقون في الانتهاء إلى الإسلام والانتماء إلى تعاليمه. وكان التصوف وحدة بين معترك المذاهب تسامحا صرفا وسلاما في كل ما مرَّ به من الأدوار، إلى أن مرَّ بدور انحطاط وانحراف فتصدى له كثيرون من الفقهاء وغيرهم، واشتدّوا في النقد حتى شملوا بالنكير كل ما وقع للمتصوفة في طريقهم. وأكثر ما تناوله الأخذ والرد بين الباحثين العلماء هو موضوع الكرامات للأولياء. وكان الصراع بين الفقهاء والصوفية قد بدأ مبكرا في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري. ودور الانحطاط هذا الذي انتهى إليه التصوف وبالأخص منذ القرن السابع الهجري؛ قد جعل من طريق الإخلاص والزهد والعرفان والخير أداة غش ومطامع وجهل وفساد.
وقد أثار موضوع مصادر التصوف الإسلامي خلافا كبيرا بين الباحثين القدماء والمحدثين. وللمستشرقين فيه جولات تكشف عن وجوه من هذه الخلافات. ولعل أرجح النظريات في هذا الصدد هي التي تجعل التصوف في أصله تعبيرا باطنيا عن الإسلام وحقيقة شريعته، ولكن هناك من المستشرقين من يرد التصوف إلى مصادر أجنبية دخيلة على الإسلام، فمنهم من يرده إلى أصل هندي، ومنهم من يرجعه إلى أصل فارسي، ومنهم من يراه مستمدا من أصل مسيحي أو مستقى من مصادر التراث اليوناني… إلخ.
وأذكر هنا حجة من يرد التصوف إلى أصل هندي لما له علاقة بموضوع المقالة (كما سيتضح)؛ فالذين أرجعوا التصوف الإسلامي إلى أصل هندي استندوا إلى وجود وجوه من الشبه بين بعض مظاهر التصوف النظرية والعملية في الإسلام، وما ورد في بعض الكتب الدينية الهندية (كالفيدا) من عقائد وأدعية وأناشيد، وما يبدو في طرق العبادة والرياضة والتفكير والمعرفة عند فقراء الهنود وزهادهم. وربما شهد بذلك أبو الريحان البيروني (ت 962هـ/ 1048م) أدق المؤرخين الذين كتبوا عن الهند في كتابه “تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة”، والذي كان مرجع المستشرقين الذين أرجعوا التصوف الإسلامي إلى أصول هندية. ومن وجوه هذا التشابه المذكور القول بتناسخ الأرواح وما يترتب على ذلك من قول بالحلول، ثم القول بالخلاص من الدنيا وطرق ذلك الخلاص، وما يتحقق أثناء ذلك من معرفة، ومنها اتحاد النفس بمعقولها مما يؤدي إلى القول بأن إقامة الشعائر الدينية وتأدية فروض العبادة ليستا السبيل إلى سعادة الإنسان، بل طريق السعادة هو الذكر الدائم لاسم الله والتأمل المتصل في ذاته؛ مما يؤدي إلى الاتحاد بالله والكون اللذين هما حقيقة واحدة (وهذه هي وحدة الوجود)، ومن المستشرقين الذين ساروا في هذه المسيرة “رتن” و”ماسنيون” و”جولد تسيهر” و”إدور براون” و”أوليري” وغيرهم. وقد كان التشابه بين التصوف الإسلامي والديانة البرهمية في عقيدة وحدة الوجود من أهم الدوافع التي حملت بعض الباحثين على القول بأن التصوف الثيوسوني النظري الذي يقول باتحاد الإنسان بالله ليس إسلاميا لتعارض هذه العقيدة مع عقيدة التوحيد في الإسلام.
ثانياً: التصوف في الهند خلال عصر سلاطين دلهي (من القرن 13م حتي القرن 16م)
لم يصبح الإسلام جزءا لا يتجزأ من المشهد الديني في الهند وجنوب آسيا إلا بعد تأسيس الطرق الصوفية، فبالرغم من أن الإمبراطورية الغزنوية سادت على أجزاء من البنجاب منذ القرنالـ11م؛ إلا أن العديد من المسلمين في الهند في تلك الفترة قد وُلدوا خارج الهند وهاجروا إليها في وقت لاحق، ولم تستقر الدولة الإسلامية في الهند إلا في السنوات الأولى من القرن الـ13م بعد تأسيس الدولة المملوكية في الهندوستان (النصف الشمالي من الهند) على يد السلطان قطب الدين أيبك (ت 607هـ).
وقد تمكن الصوفيون الأوائل في الهند من إحداث نشاط أدبي مدهش، فبالرغم من تعبيرهم عن نفورهم من الكتابة والعلم العقليين إلا أن أغلبهم كانوا لا يكلون إذا تعلق الأمر بكتابة علومهم في كتب ومقالات، وكان هناك صنف أدبي محبوب في الهند وهو “الملفوظات”، وهي مجموعات من أقوال الأئمة الصوفيين، ولم يكن في حد ذاته اختراعا هنديا صرفا، لأن معظم الكتب الصوفية الكلاسيكية تتكون في الغالب من أقوال وتعريفات قالها الصوفيون الأوائل، ولكن الصوفية الهنود كانوا يجمعون أقوال مشايخهم من يوم إلى يوم بكل عناية، وتشكل تلك الكتب مصدرا مهما نستقي منه معرفتنا للحياة خارج بلاط السلطنة. وهي بذلك وسيلة تصحيح للتأريخ الرسمي، وتساعدنا على إلقاء نظرة على مشاكل اجتماعية وحضارية تجاوز عنها المؤرخون الرسميون.
وقد شهدت هذه الفترة (عصر سلاطين دلهي) جهدا كبيرا من جانب الصوفية في إعادة تحويل الإسماعيليين (الشيعة) في السند إلى الإسلام السني، وكذلك نشر الإسلام بين غير المسلمين. وقد كانت الطرق الصوفية الأربع الرئيسة في شبه القارة الهندية هي الجستية والقادرية والسهراوردية والنقشبندية، هذا بالإضافة إلى طرق أخرى قد دخلت الهند كالرفاعية والكوبراوية والفردوسية والعيدروسية والشاطرية، وتشكلت هذه الطرق خلال القرون (7- 9هـ/ 13- 15م)، ولكل طريقة منها طابع خاص، وترتبط في البداية بمنطقة جغرافية معينة، في حين أن بعض هذه الطرق قد انتشرت في جميع أنحاء الهند مثل الجستية والنقشبندية وأيضا القادرية التي تمركزت إبان نهاية القرن الـ15م في أوش التي تقع على حدود البنجاب والسند (في الشمال الغربي) وشمال صحراء تار، ومن ثم انتشرت من هذا المكان إلى كل شبه القارة الهندية تقريبا. ومنها طرق أخرى محلية ارتبطت بمنطقة جغرافية معينة لم تتعدها؛ مثل السهرودرية التي نشطت في البنجاب والسند، والشاطرية التي تمركزت في ماندو بأقصى الغرب وغواليور بالوسط وأحمد آباد بالغرب، والفردوسية التي كانت تقتصر على ولاية بيهار بالشرق، والعيدروسية التي جندت أتباعها في ولاية غوجرات بالغرب والدكن بالجنوب. وقد بذل أتباع هذه الطرق جهدا كبيرا لتكوين مجتمع مسلم، يتكون من هنود أصليين قد تحولوا إلى الإسلام، ومن أحفاد المهاجرين المسلمين الذين وفدوا من مختلف المناطق خصوصا من أسيا الوسطي وبلاد فارس. والجدير بالذكر أن المدرسة الفقهية التي وجدت تأييدا في الهند كانت المدرسة الحنفية. وقد كان للإسلام وبخاصة بعض مظاهر الصوفية والتصوف في الهند؛ بعض التأثير على بعض الإصلاحيين من رجال الدين الهندوس في القرن الـ15م.
ولقد استطاع بعض الصوفية في الهند تحت تأثير نظرية وحدة الوجود أن يجدوا علاقات بين التعاليم الصوفية والنظام الفيدانتي للفلسفة الهندوسية، وأن يحاولوا إيجاد تقارب بين الأفكار الإسلامية والأفكار الهندوسية. وقد ناقش علماء الشرق والغرب إمكانية تأثير كل من التصوف الإسلامي والهندوسي في الآخر. وهناك رأي شائع استمر حتى القرن الثامن عشر الميلادي كان مفاده أن أصعب ممارسات الصوفية اليوجيين و”الخوارق” الناتجة عنها لا يمكن مقارنتها بأصغر علامة من علامات النعمة الإلهية التي تظهر في أحد الصالحين من المسلمين. ومن ضمن الأمثلة الدالة على العلاقة بين التصوف الإسلامي والهندوسي هو ظهور فروع خاصة من التصوف في كشمير بالشمال مثل المستوطنين المسمين بـ(الرشي) الذين كانوا متأثرين بالهندوسية بشدة.
واليوجا هي كلمة سنسكريتية معناها “الاتحاد”، وتطلق على الحياة الصوفية التي يُراد بها تخلص الإنسان من أوهام العالم الحسي ليتحد بروح الكون الكبرى (الإله براهمه)، وبلوغ مرحلة النرفانه –أي الفناء في الذات الإلهية- باستخدام وضعيات تُؤَدَّى بدنيّا والتحكم في الجهاز التنفسي، وتعتبر اليوجا نظاما من نظم الفلسفة الهندية، وامتزجت بالتعاليم الهندوكية القائلة بتحرر الإنسان من أوهام العالم الحسي لينتهي إلى الاتحاد بروح الكون. أما الهندوكية فهي أكثر العقائد صلة بالصوفية، فمراحل التنسك الهندوكية هي نفسها المراحل التي يمر بها المتصوف.
ولا يمكن للمرء تحديد إلى أي مدى تطورت عملية التحكم في النفس تحت تأثير التيارات الهندوسية – التي كان يطبقها الصوفية الأوائل في ممارستهم للذكرـ وقد كانت هذه العملية موجودة مثلها مثل “الخلوة المعكوسة” بين صوفية شرق إيران قبل أن يمتد التصوف الإسلامي إلى الهند، ويمكن القبول بأنه بالنسبة للعصر المتأخر قد تأثرت بعض جوانب الحياة الصوفية في الهند بالاهتمام العميق بممارسات التنسك لدى الجيران الهندوس، وقد ألف علماء مسلمون بعض الأعمال النظرية عن رياضة اليوجا، كما تُرجم العديد من الأعمال السنسكريتية في هذا المجال إلى العربية والفارسية لا سيّما في العصر المغولي.
ثالثا: التصوف في الهند خلال العصر المغولي (1526- 1857م)
لقد كانت العقيدة الرسمية للإمبراطورية المغولية في الهند هي الإسلام السني على مذهب الصوفية وبالأخص على الطريقة الجستية، وقد اعتاد الأباطرة والأمراء المغول على زيارة الأولياء الصالحين وأضرحتهم للحصول على البركات والقوة الروحية، وهذا علاوةً على إضفاء الشرعية الدينية على حكمهم. فقد اعتاد الإمبراطور همايون (حكم 1530- 1556م) ثاني أباطرة المغول في الهند على زيارة أضرحة كثير من الصوفيين بدلهي -والتي اتخذها مقرّا لحكمه- وعلى رأسهم ضريحا خواجة قطب الدين بختيار كاكي والشيخ نظام الدين أولياء.
وقد اعتبر الإمبراطور أَكْبَرْ (حكم 1556- 1605م) مدينة دلهي مكانا للحج، وقام برحلات كثيرة لزيارة أضرحتها ليقوي قلبه بتأثير النُساك المؤمنين هناك، ومن أهم هذه الرحلات كانت رحلته التاريخية على الأقدام عام 1570م من أجرا إلى أجمر لزيارة ضريح الشيخ معين الدين الجستي بمناسبة ميلاد نجله سليم (جهانجير فيما بعد). ومن أهم الأضرحة التي كان يزورها أكبر ضريح الشيخ نظام الدين أولياء في دلهي؛ إذ كان يُعتقد أنه من يذهب لزيارة هذا القبر ويريد شفاعة صاحبه فسيحصل على البركات المتواصلة، وبقي هذا الضريح يحظى بالاهتمام والرعاية والزيارة من الأباطرة أسلاف أكبر. وعلى الرغم من أن شاه جهان (حكم 1628- 1658م) قد تخلى عن الزيارات الملكية للأضرحة مع تمسكه بها في أوائل حكمه؛ إلا أنه بعد ازدياد سوء حالة ابنته التي أصيبت بحروق وتخليه عن الاستمرار في أجمر وعودته إلى دلهي قام بزيارة ضريح نظام الدين وتم إعادة ترميمه في عام 1652م، وبذلك ظلَّ هذا الضريح يحظى بالاهتمام والرعاية طوال عهد شاه جهان واستمرت هذه الرعاية إلى يومنا هذا. ويُذكر أن أكبر قد زار ضريح الإمبراطور همايون حوالي تسع مرات، وهذا القبر يُعتبر أول ضريح ملكي فخم، وقد صُمم كرمز للملكية المغولية، ويعتبر أول ضريح تذكاري للمغول، وبما أن العرف والتقاليد المغولية تقضي بأن الإمبراطور هو ظل الله في الأرض، فقد عُومل ضريح همايون تماما كمثل أضرحة الأولياء الصالحين من المسلمين؛ حيث يُستخدم عند زيارته جميع أنواع الشعائر التي تُستخدم عند زيارة أحد أضرحة الأولياء كالطواف وتوزيع الهبات والصدقات.
وإن الشعائر الدينية في الحج لزيارة تلك الأضرحة تعكس العلاقة الخاصة بين الصوفيين والملوك، وكان الإمبراطور أكبر على وجه الخصوص يعبر عن التوقير والتبجيل للأولياء الصوفيين المشهورين، لذلك قام ببناء عاصمته الجديدة “فتحبور سيكرى” قريبا من ضريح الشيخ نظام الدين أولياء.
ولم يكن أكبر ملتزما بأصول الإسلام؛ حيث شيد في عام 1575م مبنى أطلق عليه اسم “عبادات خانه” بمدينة فتحبور سيكرى ليكون مقرّا يجتمع فيه رجال الدين على اختلاف عقائدهم من مسلمين ومسيحيين وهندوس وزرادشتيين وجانيين، ويدلي كل منهم بدلوه في معتقده ويُحاج فيه. وكان الإمبراطور أكبر يشارك في هذا الاجتماع الذي يستغرق الليل كله برأيه وبأسئلة أكثر ما تكون عُمقا ودلالة. وإذا بأكبر يباعد بينه وبين أهل السنة، وأراد أن يكون للدولة دين جديد (الدين الإلهي) يكون مزيجا من الأديان المختلفة في الهند وفي غيرها، وعلى الرغم أن بعض المقربين إليه اعتنقوا هذا الدين إلا أنه كان في الجملة دعوة لم يستجب إليها الناس وظلّوا متمسكين بعقائدهم.
وكان صديق أكبر المفضل ووزيرة “أبو الفضل بن المبارك الناجوري (ت 1010ه/ 1602م) وكذلك شقيقه شاعر البلاط “أبو الفيض بن المبارك الناجوري (ت 1004ه/ 1596م)” -والمقربان إليه- من أبناء أحد الصوفية المنتمين لحركة المهدي. والمهدية هي حركة ألفية أسسها محمد بن جنبور الذي ادعى في بداية القرن السادس بأنه المهدي المنتظر، ولا يمكننا أن نستبعد وجود تأثير ما من قبل هذين الصديقين على الإمبراطور، وبالإضافة إلى ذلك فإن العام المتمم للألفية في التقويم الإسلامي قد دخل أثناء تربع أكبر على العرش في عام (1591- 1592م). وقد كان هدف أكبر آنذاك هو وجود عصر ذهبي يعم فيه السلام كل العالم طبقا للاعتقاد السائد لدى الحركة الألفية.
وقد كان الإمبراطور جهانجير (حكم 1605- 1627م) متمسكا بزيارة النُّسَّاك وأضرحة الأولياء كمثل زيارته إلى ضريحَيْ همايون والشيخ نظام الدين أولياء، وعلى الرغم من ذلك فهو لم يذهب إلى دلهي بغرض الحج وزيارة الأضرحة بها وإقامة الشعائر أكثر من غرض الصيد؛ حيث اعتبر دلهي مكانا رائعا للصيد بخلاف أكبر الذي اعتبرها مكانا للحج. وفي عهد الشاه جهان(حكم 1628- 1658م) أصبحت الزيارات الملكية للأضرحة نادرة (كما سبق)، ويروي التاريخ أن شاه جهان لم يسْع إلى لقاء رجل دين غير مرة واحدة، إلا أنه كان يستقبلهم في قصره في أوقات المناسبات.
كانت الحركة الصوفية التي بدأها أكبر والتي كانت تهدف إلى توحيد الفكر الإسلامي بالفكر الهندوسي قد أحياها مرة أخرى الأمير “دارا شيكوه” (1615- 1659م)؛ نجل وولي عهد الإمبراطور شاه جهان والذي كان يكثر من زيارات النساك والصوفية ورجال الدين. وكان دارا شيكوه يهتم منذ وقت مبكر بالتعاليم الصوفية، ولم تكن الطريقة الجستية الرسمية هي التي جذبته بل الطريقة القادرية، التي كان يمثلها “ميان مير” في لاهور بالشمال، وهكذا اتجه دارا شيكوه إلى الأعمال الأدبية بدلا من الاهتمام بالسياسة وأمور الجيش، وكان يفضل رجال الدين والفلاسفة والموسيقيين على الجنود والمحاربين، كما كان خطاطا من الدرجة الممتازة. وكتب دارا شيكوه بعض الدراسات في سير أعلام الصوفية أمثال “سفينة الأولياء” في عام 1640م، و”سكينة الأولياء” في عام 1642م، و”حسنات العارفين”. ومن أهم أعمال دارا شيكوه التي حاول بها التوفيق بين الإسلام والهندوسية هو كتاب “مجمع البحرين” وظهر في عام 1655م. وقد تصدت الطريقة الصوفية النقشبندية وأصحابها لفكر أكبر وحفيده دارا شيكوه.
وكان رد فعل أورنجزيب الملتزم بالشريعة الإسلامية مع دارا شيكوه وأتباعه قاسيا، وانتهى الأمر بمقتل دارا شيكوه وقطع رأسه وإرسالها لأورانجزيب. وإن هذه المحاولات للدمج بين الإسلام والهندوسية نبهت المسلمين السنة وحذرتهم تحذيرا شديدا، ومن أهم ردود الفعل على ذلك ما كان من قِبل الإمبراطور أورنجزيب عندما هيأ الأمر لمجموعة من العلماء وأساتذة الشريعة يُطلق عليهم جماعة العلماء “Ulama” قاموا بالتصدي لتشويه وتحريف الإسلام ومحاولات دمجه في الهندوسية، وأصبحت لهم الكلمة على نحو لم يحدث أبدا في الماضي.
لقد كان الإمبراطور أكبر وكذلك ولده جهانجير وحفيده دارشكوه يتمتعون بزيارة الزّهاد والنُّساك الهنود ويجتمعون معهم، بجانب زياراتهم إلى الزُّهاد والصوفيين المسلمين، وتذكر المصادر أن الإمبراطور أكبر قد زار اليوجي الفيشنوي المشهور بجوسان جادروب في عام 1601م، والذي كان يعيش في فجوة أو جُحر محفور بجانب أحد التلال بالقرب من مدينة “أوجاين” والتي ستُعرف لاحقا باسم “ماثورا”، وكان جوسان دائما عاري الجسد إلا من مئزر. وقد واصل جهانجير الاهتمامات الدينية والعقائدية لوالده أكبر، وزار جوسان فيما لا يقل عن ثلاث مرات، ويُذكر أن ترنيم جوستان الخاص إلى جهانجير والذي لم يتضمن اسم أكبر له صدى بأثر رجعي؛ حيث يبدو كأنه موجه إلى أكبر. وكان لأكبر قول مشهور في عدد من المناسبات عند الإشارة إلى هذا الرجل الحكيم، ألا وهو “حكمة الفيدانتا هي حكمة الصوفية”.
إن سحر المغول في الهند مع الإرشاد الروحي للحكماء والصوفيين كان عميقا جدا حيث تم الإقرار به في عدد كبير من تصاوير ذلك العصر (المغولي في الهند) سواء أكانت ضمن ألبومات أم مخطوطات، وكان تصوير الأباطرة والأمراء المغول لطلب المشورة والنصيحة من الحكماء والصوفيين شائعا في التصوير المغولي الهندي خصوصا في عهد أكبر وجهانجير، وهذا النوع من الصور يعزز هيمنة السلالة الحاكمة على السلطة الدنيوية والسياسية من خلال إظهار تفضيلهم للحياة الروحية والدينية.
ومناظر التصاوير الخاصة بلقاء مجموعة من الصوفيين والمريدين كان لها رواج في الهند خلال العصر المغولي، ويصل عددهم إلى أربعة أو ثمانية من الصوفيين أصحاب الكرامات والعلماء (لوحة1).
ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من المناظر المعبرة عن لقاء الصوفيين ببعضهم ومع أشخاص عاديين (مريدين) غير معروفين من جنود وموسيقيين وغيرهم جاءت جميعها على شكل تصاوير من ألبومات، ولذلك لا يمكننا أن نحدد بالضبط مدى واقعية تلك التصاوير، وهل حدثت هذه اللقاءات بالفعل من أشخاص يعرفهم المصور أو هي من نسج خياله، على أي حال، فإن المصور يتأثر بالمجتمع الذي يعيش فيه وينقل ما يراه من أحداث، ويتضح ذلك من خلال أعماله الفنية سواء أكانت في ألبومات أم مخطوطات. ومن المعروف أن اجتماعات الصوفيين كانت منتشرة في جميع أرجاء الإمبراطورية المغولية بشكل كبير، وسبق للطرق الصوفية أن ثبَّتت أقدامها في الهند في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي وإبان القرن الثالث عشر.
وهذا النوع من المناظر المعبرة عن اجتماع الصوفيين ببعضهم ومع مريديهم قد ظهر في العصر التيموري في إيران من خلال مخطوط أدبي على يد المصور “قاسم علي” سنة (890هـ/ 1485م).
والجدير بالملاحظة أن بعض مناظر هذه التصاوير تجمع بين أهم وأشهر علماء الصوفية في الهند من عهود وأماكن مختلفة؛ بحيث لم يعاصر بعضهم البعض الآخر مع تسجيل أسمائهم على الأرضية التي يجلسون عليها؛ وبالتالي فإن هذه التصاوير تُعد من الصور الرمزية الدعائية للصوفيين وطرقهم المختلفة، وتؤكد على الهوية الإسلامية الصوفية للإمبراطورية المغولية في الهند؛ والتي اعتنق رعاة الفن بها من أباطرة وأمراء وحكام تلك الطرق الصوفية المختلفة.
رابعا: أهم المتصوفة وعلماء الصوفية وطرقهم في الهند خلال العصور الإسلامية
1ـ خواجة معين الدين حسن الجستي (1142م /640هـ- 1236م) وهو مؤسس الطريقة الصوفية الجستية في الهند؛ حيث نقلها إلى الهند في أعقاب فتح شهاب الدين الغوري لدلهي، ووصل معين الدين إلى دلهي في عام 1193م واستوطن في أجمر (Ajme) في غرب الهند. وقد تلقى معين الدين إلهاماته الأولى من الطريقة السهراوردية؛ حيث وصل إلى الهند كثير من تلاميذ أبي حفص عمر السهراوردي في بدايات القرن الثالث عشر الميلادي. وقد انتشرت الطريقة الجستية بسرعة كبيرة، كما يعود الفضل في انتشار الإسلام في الهند في ذلك الوقت إلى حد كبير للنشاط الدؤوب للمشايخ الجستيين الذين كانت مواعظهم البسيطة السهلة وحبهم لله ولغيرهم تؤثر في كثير من الهندوس، وخاصة الذين ينتمون إلى الطبقات الدنيا، كما أن الخانقاوات الجستية لم تكن تفرق بين مريديها الذين كانوا يعيشون في مجتمع لا طبقية فيه؛ مما أدى إلى جذب الكثيرين. وتوفي معين الدين في أجمر، وجاء من بعده كثير من خلفائه الذين نشروا تعاليمه في جميع أنحاء الهند، وكانت مجالات تأثير الخليفة يحددها الشيخ الذي يحدد تلك المناطق التي تنشط فيها بركة هذا التلميذ أو ذاك، وهذا التحديد المكاني يقابلنا كثيرا في التصوف الهندي. ومازال مقام معين الدين الجستي المرمري الرائع والذي بُني في عصر المغول يجذب الآلاف وعشرات الآلاف من المؤمنين والمريدين، وبالأخص في يوم الاحتفال بهذا الولي وهو اليوم المسمى بالعرس.
2ـ خواجة قطب الدين بختيار كاكي الفرغاني (ت 1235م) وقد قدم إلى الهند مع معين الدين الجستي، وما زال مقامه تكثر زيارته إلى اليوم، وقد كان السلطان شمس الدين ألتمش (607هـ- 1211م/ 633هـ- 1235م) ثانِي ملوك الأسرة المملوكية في الهند يُعظِّم ذلك الولي كثيرا. ويمتلئ مقامه المتواضع نسبيا والقريب من قطب مينار في دلهي بالحجاج الصالحين الذين ينشدون فيه التواشيح الصوفية.
3ـ الشيخ فريد الدين المعروف بـ(بابا فريد) (1174هـ/ 1265م) وهو أيضا بابا فريد الدين كانجي شكر، عاش في أول حياته في العاصمة دلهي ثم غادرها بسبب الاضطرابات السياسية واستوطن البنجاب في شمال الهند على نهر سولتي في مكان يدعى “باكبتان” أي “مركب الطاهرين”. وقد تأثر فريد الدين في مستهل حياته الدينية بأمه الورعة، وكان يقوم برياضات صوفية صعبة للغاية، منها “الخُلوة المعكوسة”، حيث يعلق نفسه من قدميه في أحد الآبار ويقوم بالدعاء والذكر لمدة أربعين يوما. وقد كوفئ على صيامه الدائم بإحدى الكرامات؛ وهي تحويل الحصى إلى سكر، ولذلك كان لقبه “كانجي شكر” أي “كنز السكر”. ولم يتفوق عليه أيّ وليّ آخر في العبادات ورياضات الاستغفار، حتى إن عائلته نفسها عانت من التضييق الذي كان يفرضه عليها، واشتهر بذلك أئمة الصوفية الجستية مما جعل كثيرا من أبنائهم يصيرون أبناء سبيل، وكان بعضهم يتحولون إلى مدمنين لخمر ليس لهم أي ميل للحياة الدينية. وقد كان فريد الدين وكذلك مشايخ الطريقة الجستية الآخرون يهتمون بالشعر والموسيقى، وعلى الرغم من أنه لا يوجد لفريد الدين قصائد مكتوبة؛ إلا أنه من المحتمل أنه كان يقرض بعض الأشعار باللغة المحلية لغة إقليم البنجاب، جعلته أحد أولئك الصوفية الذين ساعدوا على نشر تعاليم الصوفية من خلال الأغاني الشعبية، وخاصة بين النساء اللاتي كن يغنين تلك الأشعار أثناء أشغالهم اليومية. ويذكر العامة أنه من يتمكن من المرور من خلال البوابة الضيقة الصغيرة والوصول إلى ضريح فريد الدين فإنه سوف يدخل الجنة!! وقد عين فريد الدين سبعة خلفاء، كان أحبهم إليه الشاعر جمال هنسوي (ت 1260م) الذي كتب أناشيد صوفية مؤثرة وجميلة، كانت أحيانا ذات صبغة تعليمية لكنها كانت دائما جذابة، وأيضا نظام الدين أولياء الذي لم يقابل فريد الدين إلا قبل وفاته بسنوات فكان أهم خلفاءه. وذلك على العكس من الطريقة السهروردية والتي بقيت الخلافة فيها عن طريق التوريث.
4ـ خواجه نظام الدين أولياء (1238- 725هـ/ 1325م) وكان عالما شابا من علماء الدين في دلهي، ويُدعى هكذا بصيغة الجمع احتراما وتقديرا له، وكان قد درس مع أستاذه كتاب “عوارف المعرف” للسهراوردي وهو الكتاب التعليمي لكل صوفية الهند المسلمين في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين تقريبا، كما عُين خليفة في دلهي لفريد الدين (كما سبق) بعد زيارته الثالثة لباكبتان. وكان نظام الدين ممثلا لذروة الحياة الصوفية في دلهي، فقد كان يتبع السنة النبوية بكل دقة، و يحب في الوقت نفسه الشعراء والملحنين. وقد ازدهرت تحت قيادته الطريقة الصوفية الجستية في دلهي، وأعطاها كل منزلة ومكانة، والعديد من تلاميذه أسسوا مراكز الطريقة الجستية في جميع أنحاء شبه القارة الهندية. ويزعم الباراني المؤرخ الأصولي المسلم بالهند في القرن الرابع عشر الميلادي أن معظم مسلمي دلهي تحولوا تحت تأثير نظام الدين إلى التصوف والزهد في الدنيا؛ فكانت الكتب الدينية تُباع بكميات كبيرة، ولم يكن للخمر ولا للميسر ولا للربا وجود في دلهي، بل كان الناس قد اجتنبوا حتى الكذب، وذلك على الرغم من الظروف السياسية المضطربة في تلك الفترة، فقد عاش نظام الدين إبان حكم سبعة ملوك، وكانت دلهي ممتلئة في فترات حياته بالمؤامرات وسفك الدماء وحركات التمرد، كما كان أتباع نظام الدين يسمونه “المحبوب الإلهي”. وقد أصبح التصوف في الواقع خلال عصر نظام الدين حركة جماهيرية في شمال غرب الهند، وساهمت المبادئ الأخلاقية التي اعتنقها الأولياء الجستيون الأوائل في تشكيل مُثُل المجتمع الإسلامي في هذا الجزء من شبه القارة الهندية، ويدعي عدد من قبائل البنجاب أنهم اهتدوا على يد فريد الدين كانجي شكر. ويعتبر ضريح نظام الدين أحد أهم المقامات التي تُزار كثيرا في دلهي، ويقع بجانبه في الجهة الجنوبية قبر الشاعر الكبير أمير خسرو الدهلوي (1254- 1325م)، وقد كان خسرو أقرب الأصدقاء والتلاميذ لنظام الدين أولياء، ويعتبر هو الشاعر الأول في العصر الإسلامي في الهند.
5ـ الشيخ عبد القادر الجيلاني (1077- 1166م) هو الشيخ الصالح عبد القادر بن جمال الدين الشريف الحسني الجيلاني ثم اللاهوري، أحد مشايخ الطريقة الصوفية القادرية الجيلية، وأخذ هذه الطريقة عن والده وانتقل من بغداد إلى شمال الهند فسكن بمدينة لاهور. وكان له ثلاثة أبناء هم السيد الحاج والسيد سلطان والسيد غياث الدين، و كانوا جميعهم صلحاء. ويذكر المؤرخ عبد الحي بن فخر الدين أن وفاة الشيخ عبد القادر في سنة (942هـ) بمدينة لاهور.
6ـ الولي إبراهيم بن أدهم (730- 777م) وهو أبو إسحاق بن منصور بن زيد بن جابر العجلي ويقال التميمي، أصله من كورة بلخ وكان من أولاد الملوك (من ناحية جده والد أمه)، وكان أبوه ميسور الحال وزاهدا. وقد وُلد بمكة، وطافت به أمه على الخلق وسألت الدعاء له أن يكون صالحا فاستجيب لها وترك الإمارة، وروى عن أبيه وعن جماعة من التابعين كأبي إسحاق السبيعي وأبي حازم وقتادة ومالك بن دينار والأعمش، واشتغل بالزهد عن الرواية، وأسند الحديث، وذهب إلى مكة ثم الشام لطلب الرزق والزهد فكان يأكل من عمل يده، وصحب سفيان الثوري بمكة والفضيل بن عياض، وتوفي بالشام ودفن في إحدي المدن الساحلية أو دمشق أو بغداد عام (161هـ / 782م) كما يذكر البخاري، ويذكر ابن عساكر أن وفاته عام (162 أو 163هـ)، بينما يحدد ابن خلكان تاريخ وفاته بسنة (140هـ)، وله مناقب كثيرة. وقيل عن سبب زهــــده أنه فــــــي يـــــوم خـــرج متصيدا فأصاب ثعلبا أو أرنبا، وإذ هو طلبه فهتف به هاتف من قربوس سرجه: “والله ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت”، فنزل عن دابته وترك طريقته في التزين بالدنيا وسلك طريقة أهل الزهد والورع. وسمي بالأمــــــيــــر الشحـــــــاذ كـــــــمــــــــا يــــــصفـــــــــه الـــــمستشرقون، وشبهوا بدايته في التصوف ببداية بوذا! وقيلت فيه روايات كثيرة بمختلف اللغات في بلاد الإسلام، وأُنشدت فيه القصائد.
7ـ الشيخ أبو علي شرف الدين قلندر (ت 1324م) وهو أحد الأولياء المشهورين، اشتغل بالعلم فدرس وأفاد ثلاثين سنة، ثم انقطع إلى الله تعالى حتى صار مغلوب الحالة، فلم يفق من ذلك إلى أن قضى نحبه. وقد أخذ الطريقة عن الشيخ شمس الدين التبريزي عن الشيخ قطب الدين الأبهري عن الشيخ الكبير ضياء الدين أبي النجيب عبد القاهر السهروردي. وقد ذُكر في كتاب “حكمت نامة” على لسان قلندر نفسه أنه دخل دلهي حين ناهز الأربعين سنة فطاف حول مرقد الشيخ قطب الدين البختيار الأوشي، ثم تصدى للدرس والإفتاء واشتغل بهما عشرين سنة، ثم أخذته الجذبة الربانية فترك البحث والاشتغال وخرج من دلهي، فسافر في البلاد وأدرك الشيخ شمس الدين التبريزي والشيخ جلال الدين الرومي فلبس الخرقة منهما، ورجع إلى الهند وألقى متاع المشيخة في نهر جمنه. ومن مصنفاته “رسائل في الحقائق والمعرفة”. ويذكر المؤرخ عبد الحي بن فخر الدين تاريخ وفاته في عام 724هـ وكان قد ناهز مئة وعشرين سنة.
8ـ الشيخ محمد غوث غواليوري (1500- 1563م) وهو الممثل الرئيس للطريقة الشاطرية والتي انحصرت في الهند وأندونيسيا. وقد بُني له ضريح مرمري في غواليور إبان حكم الإمبراطور المغولي “أكبر”، وهو مؤلف كتاب “الجواهر الخمسة”، ذلك الكتاب المثير والشديد التعقيد في الوقت نفسه، وهو يتناول العادات والممارسات الصوفية، ويحتوي على تنجيم وغوص في أسماء الله؛ في ترابط كبير لا يمكن سبر أغواره، وهذا الكتاب باللغة الفارسية وتُرجم إلى العربية والأردية. وتعتبر الطريقة الشاطرية مثيرة للاهتمام من الناحية التاريخية الدينية.
الهوامش
(فتحبور سكرى): أي “مدينة النصر”، وكانت تسمى قديما “فيتاباد”، وأصبحت حديثا تسمى “فيتا سيكرى”، وهي مدينة صغيرة تقع تحت سلسلة جبال رملية بالقرب من أجرا، وبعد أن شيد فيها أكبر عاصمته الجديدة أقام بها لمدة 14 سنة فقط (1571- 1585م) ثم هجرها وعاد إلى أجرا. وكان لاختيار “أكبر” هذه المدينة القريبة من أجرا العاصمة لبناء عاصمته الجديدة قصة مشهورة؛ مفادها أنه كان لا يعيش للإمبراطور أكبر ولد فاقترح عليه رجال البلاط أن يذهب للشيخ سليم الدين الجستي (1479- 1572م) لينال بركته، والذي كان ينتمي للطريقة الصوفية الجستية ويعيش في كوخ صغير بهذه المدينة، واستقبل الشيخ سليم الإمبراطور أكبر وأخبره بأنه سوف يُبارك بثلاثة أبناء، وبالفعل حملت زوجة الإمبراطور أكبر وأنجبت له طفلا في 30 أغسطس عام 1569م وسماه “محمد سليم ميرزا” على اسم الشيخ سليم صاحب البركات، وأصبح محمد سليم الإمبراطور جهانجير فيما بعد.
(ماثورا): وهي من أهم الأماكن المقدسة في الهند وتقع ضمن المقاطعات الشمالية الغربية، ويمر خلالها نهر جمنه، وهي مكان ميلاد ومسقط رأس الديانة الفيشنوية الهندوسية، وكذلك موطنها الثابت حيث استمرت بعد تراجع البوذية حتى وقتنا الحالي، وهي المدينة التي ادعي ولادة الإله الهندوسي المزعوم كريشنا وقضى فيها جزءا من حياته. وفي عصر البوذية أصبحت ماثورا مركز هذه الديانة، وبها عدد من الأضرحة المقدسة التي يُحج إليها، وهي أيضا المدينة التي فتحها محمود الغزنوي في غزوته التاسعة للهند عام 1017م.
) خانقاه): كلمة فارسية تعني البيت وهي مصطلح أثري بمعنى دار للعبادة والتصوف.
المصادر والمراجع العربية
1ـ بن خلكان (أبو العباس شمس الدين أحمد)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، جـ1، بيروت 1900م.
2ـ الحسيني (عبد الحي بن فخر الدين. ت 1341هـ)، الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)، طـ1، دار ابن حزم، بيروت، 1999م.
3ـ السلمي (أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين)، طبقات الصوفية، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت 2003م.
4ـ الكتبي (محمد بن شاكر)، فوات الوفيات، تحقيق إحسان عباس، طـ1، دار صادر، جـ1، بيروت 1973م.
5ـ آنا ماري شيمل، الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف (ترجمة محمد إسماعيل السيد و رضا حامد قطب)، ط1، منشورات الجمل، بغداد، 2006م.
6ـ توفيق الطويل، في تراثنا العربي الإسلامي، مجلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عدد 87، الكويت، مارس 1985م.
7ـ ثروت عكاشة، موسوعة تاريخ الفن: العين تسمع والأذن ترى، ج30، فنون الشرق الأقصى، ج1 (الفن الهندي)، دار الشروق، القاهرة، 2005م.
8ـ ثروت عكاشة، التصوير الإسلامي المغولي في الهند، موسوعة تاريخ الفن (العين تسمع والأذن ترى) ج13، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995م.
9ـ جفري بارندر، “المعتقدات الدينية لدى الشعوب”، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، مجلة عالم المعرفة، العدد 173، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مايو 1993م.
10ـ ذكي حسن، أطلس الفنون الزخرفية والتصاوير الإسلامية، دار الرائد العربي، بيروت، (د.ن).
11ـ عبد المنعم الحنفي، الموسوعة الصوفية أعلام التصوف والمنكرين عليه والطرق الصوفية، دار الرشاد، القاهرة 1992م.
المراجع الأجنبية
1- Annemarie Schimmel, The Empire of the great mughals: History, art and culture, Reaktion book LTD, London, 2004.
2- Barbara D. Metcalf, Thomas R. Metcalf, Aconcise history of India, Cambridge University press, New York, 2002
3- Canby S.R., Princes, Poets and Paladins: Islamic and Indian Paintings from the Collection of Prince and Princess Sadruddin Aga Khan, Londra, 1998
4- Ebba Koch, Mughal Art and Imperial Ideology, Oxford University Press, New Delhi, 2001
5- Growse F.s., Mathura: A District Memoir, Gayatri Offset press, New Delhy, 1993
6- Group of Researchers, The New Cambridge History of Islam, Cambridge University Press, vol. 2A, London, 2011
7- Group of Researchers, The New Cambridge History of Islam, Cambridge University Press, vol. 4, London, 2011
8- Josef W. Meri, Medieval Islamic Civilization, Routledge, Taylor &Francis Group, vol. 1, New York, 2006
9- Mikko Viitamaki, Text and Intensification of Its Impact in Chishti Sama, Master’s Thesis, University of Helsinki, 2008
10- Michael Brand and Glenn D. Lowry, Akbar’s India : art from the Mughal City of victory, The Asia Society Galleries, London, 1985
11- Neera Chandhoke, Mapping histories: Anthem south asian studies, Wimbledon publishing company, London, 2002
12- Okada, Amina., Indian Miniatuers of the Mughal Court, Harry N.Abrams, Inc., New York, 1992
13- Skelton R., “Iranian Artists in the Service of Humayun”, in Canby S. R. (acura di), Humayun’s Garden Party, Bombay, 1994
14- Welch, Stuart Cary., Imperial Mughal painting, George Braziller, New York, 1978
___________________________
*نقلًا عن موقع” دار ناشري”.