أعلام وأقطاب

الشيخ أحمد بن يوسف الملياني

الشيخ أحمد بن يوسف الملياني

 

أبو العباس أحمد بن يوسف الراشدي الملياني، من أشهر مشايخ الصوفية بالجزائر وبلاد المغرب في بداية القرن العاشر الهجري / السادس عشر ميلادي، ساهم في بداياته على نشر الطريقة الشاذلية والزروقية، ثم بدأ بنشر طريقته الخاصة والتي عرفت باسم “الطريقة المليانية”.

وكانت له أدوار سياسية هامة؛ إذ اشتهر بمعارضته لحكام الدولة الزيانية بالمغرب الأوسط، وتحالفه مع الإخوة بربروس، والبحارة الأتراك، بعد ظهورهم بمدينة الجزائر، كما كانت له مراسلات مع حكام الدولة الوطاسية، للدفاع عن أتباعه بالمغرب الأقصى، وكانت لبعض أتباع طريقته هناك مواجهات مع حكام البلاد المختلفين لزمن طويل بعد وفاته.

وقد تفرعت الطريقة المليانية من بعده إلى طرق صوفية عدة ومن أبرزها: «الطريقة اليوسفية»، والمعروفة أيضاً باسم «الشّرّاقة والعكاكزة» المثيرة للجدل بالمغرب الأقصى.

 

مولده ونسبه

أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن يوسف الراشدي، ولد في سنة 840 هـ/ 1437م بقرية رأس الماء قرب قلعة بني راشد، المعروفة أيضاً باسم”قلعة هوارة“، التابعة آنذاك للدولة الزيانية بأراضي المغرب الأوسط، (بلدية القلعة تابعة حاليا لدائرة يلل بولاية غليزان غرب الجزائر).
أبوه أبو عبد الله محمد وأمّه آمنة بنت يحيى بن أحمد بن علي الغريسي، وذكر البعض أن يوسف أبو يعقوب هو أبوه وليس جدّه الأعلى.

اختلفت الروايات في تحديد نسبه وأصله، ذكر ابن الصباغ القلعي وهو أول وأهم من ترجم لأحمد بن يوسف، بأنه راشدي النسب والدار، أي أنه من قبيلة بني راشد فرع من زناتة الأمازيغية، يستوطنون معسكر وغليزان، وكان يتحدث غالبا بالزناتية إحدى لهجات الأمازيغية وهي لغته الأم.

وذكر غيره بأنه من دامود أحد قصور واحات توات، يسكنه فرع من قبيلة مغراوة الزناتية، كما ذكر آخرون بأن جدّه الأعلى هو يوسف بن عبد الجليل بن يمداس بن منصور ينتهي نسبه إلى الأدارسة، انتقل أجداده من مراكش إلى نواحي فيجيج وسجلماسة في مجال قبيلة بني مرين الزناتية، وانتقل سلفه منها إلى قلعة بني راشد، ولذلك عرف بالمريني. وذكر بعض المؤرخين أن بعض المتأخرين هم الذين ابتدعوا نسبه إلى الأشراف الأدارسة.

أسرته

ذكرت بعض الرويات أنه تزوج 4 نساء على الأقل، وكان له منهم ذرية كبيرة، ولكن الذي يعرف من أزواجه وأبنائه هم:

  • سْتّي بنت عمرو المشرفي التراري، أنجبت له محمد الصغير المدعو أمزيان وابنته آمنة.
  • عائشة الزغلة بنت قادة بن مرزوقة، أنجبت له ابنه وخليفته على طريقته وزاويته محمد المدعو بن مرزوقة لشبهه بجده.
  • كَلِيلة بنت محمد الدرجي.
  • خديجة بنت محمد المريني.

و كانت له ابنة أخرى اسمها عائشة من زوجة أخرى.
وذكر الوزان أن له أربع زوجات وعدة إماء، أنجبن له عدة أولاد ذكوراً وإناثاً، وكان له الكثير من الخدم، وقد تزوج أولاده أيضا وأنجبوا له أحفادا وبلغ مجموع أهله أكثر من مئة وخمسين نسمة يعولهم جميعا.

وفاته

توفي في صفر سنة 931 هـ / ديسمبر 1524 م بقرية الخربة (العامرة حاليا) بنواحي مدينة عين الدفلى.، ودفن بقرية مليانة، وبها حالياً يقع مسجد وضريح سيدي أحمد ين يوسف، شيده الباي محمد بن عثمان الكبير عام 1774م.

 

دراسته وشيوخه

لا يعرف الكثير عن الحياة المبكرة لأحمد بن يوسف بقرية برأس الماء، وربما يكون قد تعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ بعضاً من القرآن في كتاتيب قريته أو بقلعة بني راشد، ويذكر البعض أنه أخذ عن علماء تلمسان ووهران. رحل إلى مدينة بجاية حيث التقى بالشيخ أحمد زروق البرنسي، أحد مشاهير الصوفية، ولد بفاس وتوفي بمصراتة، أقام مدة ببجاية أين أسس زاوية سيدي زروق سنة 884 هـ/1479 م. تتلمذ أحمد بن يوسف على يد الشيخ زروق، وهو الذي أدخله الخلوة وألبسه الخرقة الصوفية. وأخد عنه علوم القرآن والسيرة النبوية والتصوف.

عودته إلى وطنه ودعوته الدينية

وصف أحمد بن يوسف مغادرته لبجاية على طريقة كرامات شيوخ الصوفية فقال: “ثم رجعت لبجاية فرأيت حلقة عظيمة والناس مجتمعون، فقصدتهم، فإذا بشيخ لابس عباءة عاري الرأس وهو في وسط الحلقة يذكر الله يقال له سيدي قاسم البسكري نفعني الله ببركاته آمين، فقال لي : ادخل الخلوة ولا تردّ ما يعطاك واذهب لأهلك في رأس الماء، ولم يعلم أحد من تلك الحلقة لمن يقول ذلك، لأني كنت لا يعرفني أحد ثم ذهبت كما أمرني سيدي أبو القاسم فدخلت الخلوة إلى الليل، أتاني رجل بحفنة دراهم وناولنيها من بين الحائط والباب وذهب.”
عاد أحمد بن يوسف إلى قريته رأس الماء الواقعة قرب وادي فرقوق بين قلعة بني راشد ومعسكر، وبنى نوالة أي كوخا من الأخشاب وظل كذلك لا يعرفه أحد. ثم بدأ يتردد على سوق مدينة معسكر يصلي بالناس ويلقي المواعظ وينشر الطريقة الزروقية وظهر أمره وأعجب الناس به وكثر أتباعه. عارضه في بداية أمره بعض الفقهاء ووصفوا دعوته بالبدعية، مثل عمرو بن أحمد المشرفي التراري، الذي غير رأيه به بعد ذلك وزوجه ابنته. كما قام آخرون، مثل الشيخ عبد الرحمن القلامي وعثمان بن عمر، بمناظرته وامتحانه، فأعجزهم واعترفوا له بالعلم. وبعد ان اشتهر وكثر أتباعه بدأ بالدعوة إلى طريقته الخاصة التي تستمد تعاليمها من الزروقية. قام أحمد بن يوسف بعد وفاة أبيه بالرحيل من قرية راس الماء إلى مدينة القلعة وكانت إحدى الحواضر المهمة بالمنطقة، حيث أسس زاويته التي قال عنها «زاويتنا كسفينة نوح من دخلها أمن من الخوف». ورغم تزايد أعداد مريديه وأتباعه إلا أنه لقي معارضة كبيرة من نخبة الفقهاء والعلماء لمدينة القلعة.
يعتبر أبو عبد الله الصباغ القلعي أول من ترجم لأحمد بن يوسف في كتابه “بستان الأزهار في مناقب زمزم الأبرار ومعدن الأنوار سيدي أحمد بن يوسف الرّاشدي النسب والدّار”، ورغم أن المؤلف لا يكاد يفصل في كتابه بين التاريخ والوقائع والحكايات والأساطير، إلا أنه يمثل المصدر الرئيسي للتراجم والدراسات التي تناولت حياة أحمد بن يوسف وسيرته الدينية وطريقته الصوفية، والتي كانت كثيرة من بعده، يقول أبو القاسم سعد الله: «و لعل أحمد بن يوسف الملياني هو أكبر شخصية صوفية خصها المؤلفون بالتقاييد والتآليف والأشعار. فأنت لا تكاد تجد عملا في التصوف لا يشير إلى ترجمة الملياني وحياته الروحية.». ويعد كتاب بستان الأزهار مصدر معظم أخبار أحمد بن يوسف وأقواله، مثل قوله بأن الله أعطاه علم الظاهر والباطن وأنه نائب عن رسول الله ﷺ، قد أحيى به الله طريق التحقيق. و قد سمى أتباعه من مريديه وتلاميذه «بالفقراء»، وكانوا يظهرون له مظاهر الاحترام والتبجيل والوفاء وكانت له سلطة عظيمة عليهم، إلى درجة القبول بالتضحية بأنفسهم في ما يعرف بقصة المذابيح لإرضائه، وكانوا يرافقونه بعد تأزم علاقاته مع السلطة الزيانية، وتنقله بزاويته في نواحي بني راشد وسهول الشلف.
كان لأحمد بن يوسف أنصار من فقهاء إقليم بني راشد، وقد ذكر ابن الصباغ القلعي أن الإمام السنوسي (1426-1490) قال لمن كان يغتاب أحمد بن يوسف:«تتقول في سلسلة الذهب سيدي أحمد بن يوسف .» مع أن هذا القول مستبعد لأن السنوسي توفي سنة 1490 قبل اشتهار أمر أحمد بن يوسف وكان له أنصار من الوجهاء والاعيان كذلك. وكان له أعداء أيضا مثل بعض متصوفي وفقهاء المنطقة كالشيخ علي الندرومي والشيخ قدار وبعض أصحاب السلطة والتجار، وأعيان بعض القبائل وشيوخها مثل سميان المناصري، الذي كان من زعماء بني مناصر، وكان أيضاً فقيهاً وحذره من الاتصال بقبيلة بني فرح وهو الذي دعا عليه بالإقبار في «زُوبية» (قمامة) اليهود.

مؤلفاته

نسبت إلى أحمد بن يوسف بعض المؤلفات والرسائل منها:

  • – رسالة في الرقص والتصفيق والذكر في الأسواق.
  • – رسالة التحقيق ومنهج الهدى إلى الطريق
  • – حكم في التصوف
  • – المنهج الحنيف في معنى الاسم اللطيف.

زاويته وطريقته الراشد

من أهم الدراسات في تاريخ أحمد بن يوسف الراشدي وسيرته الدينية والصوفية كتاب عبد الله نجمي المسمى “التصوف والبدعة بالمغرب طائفة العكاكزة، ق 16-17م”، والذي خصص القسم الأول منه لإعادة دراسة سيرته من ثلاث نواحٍ في ثلاثة أبواب، الأول في ظهروه كولي صالح، والثّاني في عرفانيته وعقائده الصوفية والثّالث في بدعيته ومخالفته لمحيطه العلمي والصوفي المغاربي. ويفصّل المؤلف في كتابه حياة الشيخ وآراءه ودعائم طريقته.

 

 

المصادر:

باللغة العربية:

بلغاتٍ أجنبيَّة:

___________________________

*نقلًا عن موقع “ويكيواند”- بتصرٌّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى