أعلام وأقطاب

الشيخ الأمير ناظم العاصي رحمه الله تعالى 1338 – 1403هـ/ 1920 – 1983م

الشيخ الأمير ناظم العاصي رحمه الله تعالى 1338 – 1403هـ/ 1920 – 1983م

ترجمة الأمير ناظم العاصي -رحمه الله- كما جاءت في كتاب «الدرر الحسان في تراجم أصحاب السيد النبهان» (ج2 صفحة 400).

شيخ عشائر العبيد في العراق، الأمير ناظم ابن عاصي العلي السعدون الشاهري العُبَيْدي.

ولادته:

ولد في قرية «تل الجول» ناحية تازة، التابعة لمحافظة كركوك عام1920م، في أسرة عربية حملت لواء المشيخة لعشيرة العُبَيْد العريقة التي تنحدر من اليمن، ثم سكنت منطقة سنجار، وبعدها استقرت في محافظة كركوك، وهي عشيرة كبيرة داخل العراق وخارجه.

ووالده عاصي العلي، كان نائبًا في المجلس الملكي في العراق.

نشأته:

كانت العناية الإلهية مُلازمة له منذ نعومة أظفاره، حيث نَشأ في بيئة أهّلَتْهُ في المحافظة على الفطرة، فنشأ في بادية الحَويجة نقيًّا نقاء هوائها، وفِطريًّا فِطرة طبيعتها، نشأ بعد عهد ليس بالبعيد من استقرار العشيرة في تلك البيئة وفي بيت الإمارة من قبيلته قضى طفولته، فوَرثَ مكارمَ الأخلاق التي تُلائم الفطرة السليمة، والتقطَ الحكمة بذَكائه الخارق، فكان عقلُه أكبرَ من سِنِيِّ عمره، يَغشى مجالس العشيرة، ويستفيد من التجارب، وينهل ممّا يُنقل عن الأسلاف من الحِكم والمآثر والأخلاق، وما إن صار في سنّ الشباب حتى كان له رأيٌ وحِكْمة، ويُهرع إليه في المُلِمَّات، لا تُخطئُ فراستهُ، ولا يُحادُ عن قَضائه، يُرضي المتخاصمين، ويُنصفُ المظلومين، ويَردع الظالمين، عَدْلُهُ ميزان، وقَضَاؤه إحسان، يَبذلُ ما عندهُ وقد يَستَدين للإصلاح بين المتخاصمين.

تميَّز الشيخ ناظم العاصي من بين إخوته وأبناء عمومته بالحلم وأصالة الرأي والعدل بين الناس، فكان لا يحكم لأقربائه على غيرهم، بل كان يكيل بالقسطاس المستقيم، ولا يميل إلا للحق.

تعليمه:

لم يكن حظه وافرًا في التعليم الدراسي الحكومي، فقد قرأ القرآن في صغره على المُلّا أحمد الطعمة الزنطاوي.

واتجه من شبابه إلى مصاحبة العلماء، ومجالسة الصالحين فكان يحضر مجالس الشيخ أمجد الزهاوي والشيخ قاسم القيسي وعبد المجيد القطب والشيخ محمد محمود الصواف.

 مع العارف بالله سيدنا الشيخ محمد النبهان رضي الله عنه:

حين توافد العراقيون إلى حلب الشهباء، وسعت بهم السعادة إلى درة العرفان ونادرة الأزمان، كان الأمير ناظم العاصي في رَكْبِ الأحباب الذي سعوا إلى التشرف بذاك الجناب.

وكان قد رأى الأميرُ النبيَّ ﷺ يزوره في مسجده ومعه العشرة المبشرون بالجنة، وفي تلك الأثناء كان الحاج عبد الله القطان يحدث الشيخ ناظم من وقت لآخر عن العارف بالله سيدنا محمد النبهان الذي لمع نجمه في العراق حينها، وفي عام 1962م حين زار السيد النبهان العراق التقى به الشيخ ناظم وأصبح من جملة الأتباع والأحباب.

يقول الشيخ هشام الألوسي: «كان الشيخ ناظم يقول: أنا أوَّلُ ما رأيت سيدنا
-عليه سلام الله- قلت: هذا هو شيخي الذي كنت أبحث عنه منذ ثلاثين عامًا».

قال سيدنا -قُدِّسَ سرُّه العزيز- عنه: «حقًّا أمير كلامُه كلام أمير، وجلوسُه جلوسُ أمير». نقلًا من الحاج خليل الأحمد.

ويَذْكُرُهُ السيد النبهان في مذاكرةٍ  في مدينة عمّان فيقول: «ناظم صَدَق، من أول شيء صَدَق. فيقول الشيخ محمود مهاوش: الله أكرمه بسيدنا وعلّق ومشى».

وفي مذاكرة أخرى يقول سيدنا -رضي الله عنه-: «تتبعني بدون فهم وذوق وإذ بك ترى صار عندك فهم وذوق، صدقتَ صدقتَ صدقتَ، صدقتَ صدقتَ فَهِمَ أو ما فهم. فيعلّق الأمير ناظم ويقول: سيدي هذا الذي قلناه للجماعة: لا نريد أن نشتغل لا بنفس ولا بعقل، على هذا الممشى، ممشى سيدنا، ولا نؤول به».

كان يقول له السيد النبهان: «ناظم تريد أن تصير ظلي؟» حتى أصبح يقال له: «ناظم ظلي» يقول الشيخ الدكتور محمود ناصر حوت: فكنتُ أظن أنه من بيت ظلي من كثرة ما كررت هذه الكلمة.

روى لنا الشيخ صالح بشير -رحمه الله- قال: «حين هاجر السيد النبهان من الكلتاوية إلى قرية البويدر كان الأمير ناظم مع السيد النبهان وقتها أحاط به هو جمع من العلماء كالشيخ محمود مهاوش، والشيخ منير حداد، والشيخ محمد الشامي».

حدثني الدكتور محمود حوت قال: «يوم راح سيدنا إلى البويدر قال يومًا: أريد الأمير ناظم، أين الأمير ناظم؟ فما أتمَّ كلامَه إلا والأمير ناظم كان على باب سيدنا. ولم يعلم أحد كيف عَلِمَ وكيف جاء في حينها».

ونقل لي الشيخ هشام الألوسي «أنَّ سيدنا أَلْبَسَ الأمير ناظم عمامَته بعد أن كان يلبس العِقال على عادة أمراء العشائر؛ لأنه كان واحدًا من أمراء قبيلة العُبَيْد في العراق، وبأمر من سيدنا كان يصوم يومًا ويفطر آخر».

جاء في كتاب «السيد النبهان» نقلًا عن الشيخ يحيى ناصر الهيتي قال: «السيد النبهان -رضي الله عنه- خرج من مقبرة في الأعظمية ببغداد يريد زيارة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت -رضي الله عنه-، فرأيت الشيخ ناظم العاصي أمير قبيلة العُبَيْد -رحمه الله تعالى- يركض خلفه -رضي الله عنه- فقلت: كيف يركض والسيّد النّبهان يمشي ولا نلحق به؟ فنظرت فإذا بالسيّد النّبهان -رضي الله عنه- طائرًا فوق الأرض بارتفاع نصف ذراع» انظر كتاب «السيد النبهان» ط3 (257:1).

كانت للأمير ناظم علاقة خاصة مع الشيخ الشهيد عبد العزيز البدري-رحمه الله- وسافرا معًا إلى حلب إلى السيد النبهان، وكانت تلك الزيارة الأولى للشيخ البدري إلى حلب وذلك بعدَ أنْ سَعِدَ العراق بتشريف السيد النبهان عام 1962م.

وحج الأمير ناظم مع السيد النبهان عام 1965م مع جملة أصحاب سيدنا الذين رافقوه.

كتب عنه الحاج خليل الأحمد في مذكراته: «مرة في عام 1965م جاء من العراق إلى سورية الأمير ناظم والشيخ عبد العزيز البدري ووصلوا إلى الشام فقال الشيخ عبد العزيز البدري: اقتربنا من القدس، دعونا نمر نزور القدس والخليل، وبعدها نكمل سفرنا إلى حلب، فقال الأمير ناظم: أنا قادم إلى سيدنا محمد النبهان -قدس سره العزيز- ولا أزور الخليل ولا الجليل، ووصلوا إلى حلب إلى الكلتاوية وأخبروهم إخواننا أن سيدنا قدس سره العزيز في رأس العين، فذهبوا إلى الجزيرة إلى قرية أم العصافير ليروا سيدنا -قدس سره العزيز- وأخذ يتكلم الأمير ناظم مع سيدنا، قال: يا سيدي حين وصلنا الشام طلب مني الشيخ عبد العزيز البدري زيارة القدس والخليل، فقلت له: أنا لا أزور الخليل ولا الجليل، أنا قادم إلى سيدنا محمد النبهان -قدس سره العزيز-، فقال السيد النبهان: الحق مع الأمير ناظم. وفي هذه الأثناء حكى الأمير ناظم قصة لسيدنا.

قال: يا سيدي عندنا البيت احترق ولا يوجد أحد في البيت إلا بنت صغيرة، جاءت أم العيال ورأت النار تلتهب والبنت داخلها، فتوجهت أم العيال إلى حلب وقالت: «وينك يا أبو أحمد»، فرأت العمامة البيضاء الشريفة تفتل في داخل البيت، وطالَعت البنت من النار، قال الأمير ناظم: ياسيدي أنا أحب هذه البنت كثيرًا، أول يوم أسهرتني ثاني يوم أزعجتني، ثالث يوم على فراش الموت، وبالمدد صَرَفَ اللهُ عنها الأذى وشُفِيَتْ وعاشت.

حَدَّثَنا الحاج جميل مهنا العراقي من مدينة الرمادي قال: يوم من الأيام سافرت أزور أخانا الشيخ الأمير ناظم في الحويجة ووصلت وأصبحت في ضيافته وهو سالك ومحب لسيدنا الشيخ محمد النبهان -قُدِّسَ سِرُّهُ العزيز-، وهو يمتلك قطيعًا من الغنم قال: يا وليدي تفضل نطلع نتمشى عند الغنمات، ومشينا ووصلنا الغنم والدنيا مغيمة وصار ينزل علينا المطر، وقال الحاج جميل مهنا: وأنا لابس ثيابًا خفيفة وقنبازًا أبيضَ والوقت ربيع، فتبللت من المطر، نظر إليَّ الأمير ناظم وقال لي: يا وليدي، الذي لا يتبلل بالابتلاءات لا يتدلل على الله.

قال الأمير ناظم: إذا سيدنا -قدس سره العزيز- أمرني أتوجه إلى الشرق، أبقى ماشيًا إلى الشرق حتى أموت ولا ألتفت إلى الغرب. فنقل إخواننا هذا الكلام إلى سيدنا -قدس سره العزيز- فقال السيد: عندنا كثيرون هنا رجال ونساء في حلب إذا آمرهم ينفذوا الأمر».

يقول الشيخ بلال حمزة: «صار خلاف بين الحكومة العراقية والملا مصطفى البرزاني، واتفق الطرفان أن يصلح بينهم الأمير ناظم أمير قبيلة العُبَيْد شمال العراق في الحويجة، وحددوا الموعد وعَزَمَ الأمير ناظم على السفر، وصار يصلي ركعتين سُنَّة السفر، ودخل في الصلاة فأصبح يشم رائحة سيدنا العباس -رضي الله عنه-، وإذ الملا مصطفى البرزاني أتى لعند الأمير ناظم، رآه يصلي فاقتدى به وسلم، الأمير ناظم سأل عن السبب، فأجاب الملا البرزاني بأن نسبه يرجع على نسب سيدنا العباس رضي الله عنه».

رافق الأمير ناظم العاصي العارف بالله سيدنا محمد النبهان في عدة سفرات داخلية وخارجية، كرحلته إلى بلاد الحجاز، والكويت وغيرها.

يتحدث عن هذه السفرة الدكتور محمد فاروق النبهان فيقول: «في بداية عام 1969م زار السيد النبهان العراق، وخلال هذه الزيارة قام بزيارة قصيرة إلى الكويت وكنتُ وقتها في الكويت، استقبله على الحدود العراقية السيد يوسف هاشم الرفاعي وكان وزيرًا في تلك الفترة، وكان يرافق السيد النبهان وفد من إخوانه: وهم الشيخ أديب حسون من حلب، والسيد نذير بسطاطي من دمشق، والأمير ناظم العاصي زعيم قبيلة العُبَيْد في شمال العراق، والحاج إبراهيم الفياض وبعض إخوان السيد من العراق.

أعدت الحكومة الكويتية بيت الضيافة للسيد النبهان وإخوانه، رفض الشيخ النزول فيه، ولم يكن يحب الضيافة الحكومية، وأقام في منزلي وطلب من مرافقيه النزول في بيت الضيافة.

أقام له السيد يوسف الرفاعي حفل غداء كبير في داره الواسعة في حي المنصورية، وحضره بعضُ وجوه الكويت، بعد الغداء جلس الشيخ في الديوانية وأخذ يتكلم عن بعض المعاني الإيمانية والتربية الروحية والكل ينصت بأدب كبير.

أحد كبار الأثرياء من أسرة عريقة ومعروفة في الكويت قال للشيخ بلهجة جافة متعالية: يا شيخ أنتم الصوفية تهتمون بالقشور وتتركون قضايا الأمة. أطرق الشيخ ولم يجبْه، وساد صمت قصير، وقف الأمير ناظم غاضبًا وقال: سيدي أستأذنك أن أتكلم في مجلسك، ولست من أهل الكلام، ثم التفت إلى الرجل وقال له بغضب عاقل: احترامي لسيدي النبهان يمنعني من الكلام، ولكنك أسأت الأدب في مجلس سيدي النبهان وأنت جاهل بما تقول، ولولا احترامي لسيدي النبهان لحملتك بيدي ورميتك خارج هذا المكان فلا يليق بك أن تكون في هذا المجلس. سَكَتَ الرجلُ وهو مندهش مذهول، لم يتوقع أن يسمعَ مثلَ هذا الكلام وهو سيد في قومه وصاحب سلطة وجاه، قام السيد لصلاة المغرب وانتهت الجلسة».

حدثني عنه الشيخ الدكتور أحمد خضير الزوبعي قال:

أنقل لكم ما رأيت وما سمعت مما يتعلق بالأمير ناظم -رحمه الله-:

أولًا: رأيته في أثناء زيارة سيدنا -رضي الله عنه- الزيارة الثانية عام 1969م فكان سيدنا يجلسه بجانبه وكنت أراه حينما أذهب لزيارة سيدنا -رضي الله عنه- في بيوت إخواننا في بغداد، وفي بعض الأحيان كان يجلس -رضي الله عنه- في الحديقة على سرير هزَّاز ويجلس الأمير ناظم بجنبه.

ورأيته لا يتكلم مع سيدنا أي كلمة إلا إذا تكلم معه سيدنا فيلتفت ويتحدث ويكاد صوته لا يسمعه من كان قريبًا منه.

ورأيته حينما يسأل سيدنا عن الساعة الآن، فيخرج الأمير ناظم ساعته ويفتحها ويضعها أمام سيدنا -رضي الله عنه- بحركة سريعة.

ورأيته حينما كان يحضر وقت الصلاة يأمر سيدنا -رضي الله عنه- الأمير ناظم أن يرفع الأذان، وهو بدون أيِّ توانٍ يقوم ويستقبل القبلة ويضع يديه على أذنيه ويرفع الأذان.

وكنت كلما أذهب إلى مجلس سيدنا -رضي الله عنه- في بغداد لا أراه إلا على هذه الحالة، جلوسه مع أدب، وكلامه بأدب جَمٍّ، بل كنت تراه أكثر الجالسين أدبًا مع سيدنا، رضي الله عنه.

ثانيًا: اتفقنا يومًا على زيارته -رحمه الله- في قريته التابعة لقضاء الحويجة، وكان كثير من إخوان سيدنا يذهبون لزيارته؛ لأنه كان يتحدث عن سيدنا كثيرًا.

وكان من ضمن المجموعة الحاج عبد الله (الملقب بالشرطي) وهـو عمي، شقيق أبي الأصغر، والشيخ عابد صالح الحماشي -رحمه الله-، وجماعة عددهم على حسب ما أذكر أحد عشر أو يقلُّون قليلًا.

فركبنا من بغداد إلى كراج مدينة البيجي، فاستأجرنا حافلة صغيرة تسع اثني عشر نفرًا، فانطلقت بنا إلى القرية التي فيها الأمير ناظم، وحينما وصلنا إلى جانب دجلة لنعبر على العبارة، كان في ذلك الوقت سفينةٌ تحمل السيارات مع رُكَّابها من هذا الجانب إلى الجانب الآخر، ثم نَزَلَ المطرُ، فرجى صاحبُ الحافلة كبيرَ هؤلاء المجموعة واعتذر منه من توصيلنا؛ لأن الطريق غير معبد، ترابي، وسيارته لا تصلح لذلك الطريق فرجع، واستأجرنا (بيك أب شيفروليه) وسبحان الله! نزل المطر غزيرًا، فأصبح الطريق فيه أوحال كثيرة، والسيارة غير مستقرة حتى نَزَلَ بعض الإخوة يمشون على جانب السيارة يسندونها خوفًا من سقوطها في الماء؛ لأن في جانب الطريق نهرًا يجري، ولم يستطع أن يوصلنا إلى القرية، ولكن أوصلنا إلى أشخاص عندهم سيارة (رانج روفر) ذات الدفع الرباعي وهي تصلح لذلك الطريق، أوصلنا إلى مسجد الأمير ناظم ونحن علينا آثار ذلك الطريق من أوحال، ابتدرنا إلى الميضأة لنصلح أحوالنا، وإذ يأتي شخص من قِبل الأمير ناظم يستحثنا بالمجيء إلى بيته في المجلس، ونحن لم نعطه خبرًا بالمجيء إليه حينما خرجنا من الفلوجة، فأخذ بنا على عجل فجئنا ووجدناه على الباب يرحب بترحيبه الذي يدل على كرمه -رحمه الله-، فوجدناه قد أعدَّ طبقين من الطعام؛ ثريدًا مُشَرَّبًا بمرق البامية وفوقه اللحم، وهو قائم على رؤوسنا ويلقي كلمات الترحيب، هيأت لكم الثريد الحار لأن ذلك يناسب الطقس البارد.

في هذه القصة نحن فاجأناه بالمجيء فكيف عرف بمجيئنا؟! ومتى هيأ ذلك الطعام لهذا العدد من الزوّار؟! والفترة التي وصلنا فيها للمسجد ومجيئنا إلى مجلسه -رحمه الله- لم تستغرق إلا وقتًا قصيرًا.

بقي بعض أصحابنا أكثر من يومين، وهو يقدم وجبات الطعام لهذه المجموعة مع مجموعة كانت قبلنا، وكان يأتي إليه كل يوم أشخاصٌ آخرون.

ثالثًا: سمعته يتكلم عن سيدنا -رضي الله عنه-كثيرًا ويذكر قصةً ينسب كرامتها لسيدنا، أسوقها باختصار:

يقول: استأجرت سيارة لتحمل فرسًا أصيلًا لسيدنا -رضي الله عنه-، وأرسلت أَحَدَ أصحابي مرافقًا لهذه الفرس، يروي له ذلك الرجل فيقول: حينما توسطنا في الصحراء ونحن متوجهون إلى الحدود السورية ليدخلوا إلى سوريَة بطريق غير رسمي -يقول ذلك الرجل وهو يخبر الأمير ناظم- بأن السائق توقف، وأخبر المرافق له بأنه لن يواصل مسيره، وأمره بأن يُنزل الفرس، يقول: ونحن في تلك الصحراء بعيدون عن الشارع العام، احتار ذلك الرجل ماذا يتصرف بعد نزوله من السيارة وعنده الفرس، ينظر إلى السائق وهو راجع حتى اختفى عن نظره ومعاينته، وأنا ملتجئ إلى الله، فترة قصيرة وإذ به يرى ضوء سيارة في تلك الصحراء البعيدة، فتأملها فإذا هي تقترب منه شيئًا فشيئًا، حتى وَصَلَتْ إليه فإذا هو صاحبه السائق، نزل من السيارة وأخذ يقبل يد ذلك الرجل الذي هو من أصحاب الأمير ناظم ويعتذر منه، سأله ما سبب رجوعك؟ قال: وأنا راجع وإذ بأشخاص يحملون سلاحًا وهددونني إما أن يرجع و إما أن يصيبوني بأذى، يقول: فوقع في قلبي الخوف الشديد فرجعت، فحملوا الفرس في السيارة وانطلقوا، يقول ذلك الرجل المصاحب للفرس: فما مررنا بنقطة من نقاط الحراسة على الطرق إلا ويأخذون لنا التحية، ولم يستوقفونا ويسألونا عن الأوراق الرسمية في إذن الدخول لسورية، حتى وصلنا إلى حلب. فهذا الذي سمعته من الأمير ناظم».

علاقاته:

كان للشيخ ناظم -رحمه الله تعالى- علاقات وثيقة مع شيوخ ووجهاء العراق من عرب وكرد وتركمان، ويثقون به وبحكمته.

فكانت تربطه علاقة صداقة وثيقة بالملَّا مصطفى البارزاني من خلال علاقات عشائرية قديمة تميزت باتفاقيات في المناطق الحدودية بين نفوذ العشيرتين، وقد أسهمت هذه العلاقة فيما بعد بتوسطه بعقد الصلح بين الملا مصطفى والرئيس عبد الرحمن عارف عام 1967م، والحادثة موثقة في أرشيف الحكومة العراقية.

من اليمين: الأمير ناظم العاصي، ثم الملا مصطفى البرزاني، ثم الرئيس العراقي عبدالرحمن محمد عارف.

أسرته:

تزوج الشيخ ناظم العاصي في حياته أربع زوجات:

الأولى من شيوخ البو حمد العبيد أخت الشيخ هايس العاكوب الأحمدي، والثانية من شيوخ حديثة وهي أخت الشيخ تقي الدين، وتزوج في أواخر حياته زوجتين من أهل الموصل، وكانت علاقته -رحمه الله تعالى- مع أهل الموصل وثيقة وقوية، فقد تزوج منهم، وزَوَّجَ ابنته لرجل من الموصل، وهو المرحوم عبد المجيد آل ثابت.

أنجب الشيخ ناظم سبعة أولاد واثنتي عشرة بنتًا.

أولاده الذكور: محمد، أحمد، محمد تقي الدين، محمد خير الدين، محمد سراج الدين، محمد بدر الدين، محمد نور الدين.

صفاته:

كان -رحمه الله- وسيم المحيا، باسم الثغر، واسع الصدر، يُدني جَليسَه مهما بَعُدَ بنظَرات خاطفة، وبكلام جميل، وهدوء مُؤلِّف، رحيمًا رؤفًا جسورًا بالحق، دَمِثَ الأخلاق، مهيب الطلعة، ذو وجه وضَّاء، يمشي مرفوع الرأس، معتدل القامة، يرتدي الجبة والعمامة وفوقها الغترة، ذو لحية كثة مقدار قبضة، صوفي المشرب، شافعي المذهب، لا يتوانى عن العبادة، فهو بحق من أهل العبادة والعمل لا من أهل التواني والكسل.

يُشْعرُ جُلّاسُهُ بالقرب، فهو الأب تارة وهو الأخ أخرى، وهو الصديق الوَدود الناصح الشفيق العطوف، تَسري مَحبتُه على الجميع فيغمُرُهم بالأُنْس.

كان قويَّ الشخصيّة، ذا هيبة ربّانيةٍ، تُخيِّمُ على المجلس وتُشْعِرُ بالاستناد إلى رُكنٍ شديد.

تَميّزَت حياتُهُ بالعَطاء والكفاح من أجل الحق والجهاد لتكون كلمةُ الله هي العليا.

كان لا يَخافُ في الله لومة لائم، ولا تُثنيه الابتلاءات، ولا تَفُلُّ عَزمه المكائد، كان بارزًا للخُصوم، شاهرًا سيف الحق بالكلمة الصادقة الصريحة، يُعلنُها مُجَلجلةً تَقعُ وقعَ الصّاعقة على عُرُوش الباطل وأهل الباطل ويَتَألّفهم نُصحًا وإشفاقًا ورَحمةً بهم، فلا يُعادي الأشخاص لذواتها، ولكن يُعادي الباطل المُتلبِّس بها، فكان محبوبًا حتى من خُصومه؛ لأنه يضمرُ لهم الخَير كما يُريده لنفسه، بل كان يُريدُ لهم من حُظوظ الدنيا أكثر من نفسه لأنه اختار الزُهد في الدنيا فلا تُساوي عنده وَزن خَرْدلة.

وفاته:

ولقوة ثباته على الحقِّ ومقارعة الظلم والظالمين في العراق اعتقل، وهُدِّد بالقتل عدة مرات، وتعرض لمحاولة الاغتيال، وعُرضت عليه مناصب عديدة فرفضها، وصودرت أراضيه بالكامل مع تضييق كبير على عائلته، وفي النهاية أدخلوا إلى مجلسه شخصًا من دولة عربية في نهاية عام 1982م وهو يدعي طلب العلم وخدمة الشيخ، فصاحب الشيخ ناظم ستة أشهر، وفي يوم من الأيام جلس الشيخ للسحور وإذ بهذا الشخص قد دسّ له السم في الطعام، بعدها أحس الشيخ أنه قد سُمِّم فأخبر زوجته، وبعد أن صلَّى الفجر تقيأ وأخذوا وفحصوا ذلك فوجدوا قد وضع له سُمٌّ قوي في الطعام، توفي الشيخ على إثر ذلك، ثم دفن في مسجده في الحويجة؛  لأنه كان يقول: أنا حي أو ميت في هذا المسجد، وذلك يوم 9حزيران 1983م.

رحمه الله، ورفع مقامه في عليين، وجمعه بمن يحب.

 مصادر الترجمة:

*مذاكرات العارف بالله سيدنا الشيخ محمد النبهان.

*من لقاء تلفزيوني مع ابنه محمد خير الدين ناظم العاصي، وحفيده محمد عبد المجيد.

*«بهجة الناظرين في أخبار العلماء والصالحين» لصالح حسن الرياشي.

* «الشيخ محمد النبهان، شخصيته، فكره، آثاره» للدكتور محمد فاروق النبهان.

*كتاب «السيد النبهان» للشيخ هشام الألوسي.

*محادثات مع الشيخ صالح بشير-رحمه الله-، والشيخ هشام الألوسي، والدكتور محمود ناصر حوت، والدكتور أحمد خضير الزوبعي، ومذكرات كتبها الحاج خليل الأحمد، مراسلة كتابية.

 أنظر كتاب «الدرر الحسان في تراجم أصحاب السيد النبهان» (ج 2 صفحة 400).

___________________

*نقلًا عن موقع “أحباب الكلتاوية”-العراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى