موسيقى «الطريقة العيساويَّة» وتطوّراتها في تونس
هشام بن عمر
تونس
مقدمة
يطوي الزمن حاضر كل كائن إنساني ويستدرجه رويدا إلى غياهب الماضي. ورغم نفاذ هذا الفعل الحاسم في كامل هذا الوجود وفي آثاره ومخلّفاته عامة، يأبى معظم الحضور الإنساني الإذعان لطيّ الزمن، وتقف نتاجاته صامدة أمام فعل السنين في أشكال متعددة، تصبّ جميعها في خانة «التراث البشري».
ينقسم هذا التراث إلى «مادي» (كالبنايات والأدوات وسائر المصنوعات المتنوعة)، و«غير مادي» كالأفكار والنظريّات والعادات والمعتقدات وحتى المطامح والتطلّعات وباقي الموروثات المدوّنة على مختلف المحامل الماديّة، من الحجريّة إلى الورقيّة، وغيرها المدوّنة في ذاكرة الإنسان الفرديّة والجماعيّة، على غرار الممارسات السلوكيّة والمرويّات الشفويّة المتناقَلة بالتواتر في شكل أخبار وحكايات استعمالات وحكم وأمثال وأناشيد وغير ذلك من الآثار.
ومن بين هذه الآثار غير المادية الهامة، تطالعنا تلك المدوّنات الإنشادية الموسيقية المعتمَدة من قِبل أتباع ومريدي «الطرق الصوفية» الشعبية، وهي مرويات شفوية تتناقلها الأجيال بالتواتر غالبا، وتتضمن العديد من المعطيات التاريخية والإفادات المتعلقة بمجال الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية، والدالة على مختلف الوضعيات والحالات التي شهدتها البنية الاجتماعية القاعدية، المشكِّلة لمختلف هذه التنظيمات الطرقية، والمؤثِّثة لمجمل ممارساتها واستعمالاتها ذات المنشأ العقائدي في البداية، والتي سيطر عليها المنزع الفني التعبيري الجمالي، الذي ما انفك يتراكم ويتعاظم عبر الزمن.
ويُعتبر البحث في هذه الآثار غير المادية المتراكمة على مدى قرون من الزمن، بمثابة عملية التنقيب في موقع أثري، يحوي العديد من القطع القيمة التي تستدعي النبش والتصنيف والتوثيق، بهدف تحليلها من مختلف الجوانب المتفرقة، للوقوف على تركيباتها ومكوناتها، واستجلاء مرامي مبدعيها، وتحديد مختلف الأساليب الفنية التي اعتمدوها في صياغتها وتوليفها، وللكشف كذلك على وجوه تلاقح هذه الأرصدة ذات النزعة التصوفية الإسلامية «المقدسة» مع أرصدة أخرى، قد يعود بعضها إلى مجالات سوسيوثقافية لا علاقة لها مطلقا بالمنزع الديني العقائدي، وقد يرتبط بعضها الآخر بمعتقدات وموروثات ما قبل إسلامية.
ونعتبر من ناحيتنا أن هذه الآثار تمثّل نتاج ثقافة إنسانية، تتجاوز معظم أصولها الاثنوغرافية المجال الجغرافي المحدد التي نشأت فيه، وتنحدر جذورها التاريخية إلى أزمنة سحيقة سابقة عن فترة ظهورها وانتشارها(1).
لقد اخترنا – بحكم قربنا ومعاينتنا الميدانية المباشرة لهذا الحقل الموسيقي التراثي – البحث في مجمل الممارسات الإنشادية والاستعمالات الموسيقية الخاصة بـ«الطريقة الصوفية» الشعبية المسماة بـ«العيساوية» وذلك في معظم مناطق البلاد التونسية.
وقد قمنا بتقسيم هذا العمل إلى ثلاثة أقسام، نسعى في أوّلها إلى إبراز جذور هذا التنظيم الصوفي وظروف نشأته وانتشاره. ونقوم في القسم الثاني برصد مجمل الممارسات الطقسية التأسيسية ذات الصبغة الشفوية والصوتية، المعتمَدة من قبل أتباع هذه الطريقة الصوفية في تونس. ونعكف في القسم الثالث على تسجيل أهم التطورات الحاصلة في أعمال «العيساوية»، وأهم التحولات التي شهدتها ممارساتها الموسيقية ووظائفها الاجتماعية في البلاد التونسية.
«الطريقة العيساوية»:
الأصول والنشأة والانتشار:
«الطريقة العيساويّة» هي إحدى «الطرق الصوفيّة» الإسلامية التي تأسّست في بداية القرن السادس عشر بمدينة مكناس في بلاد المغرب الأقصى على يد الشيخ «محمد بن عيسى».
ولد «محمد بن عيسى» جنوب بلاد المغرب في سنة 1465 (زمن الدولة الوطاسية)، وقد وُسم عصره من قبل المؤرخين بـ«عصر التصوف»: ذاك النمط من التصوف الطرقي القاعدي، الذي عم كل أطياف المجتمع المغاربي ودخل ضمن معيشهم اليومي.
وقد سادت خلال تلك الفترة، وفي مختلف أرجاء بلاد المغرب «الطريقة الجزولية» التي أسسها «محمد بن سليمان الجزولي»(2)، الذي قام من خلال هذا التنظيم بإعادة إحياء ونشر مبادئ «الطريقة الشاذلية» التابعة للشيخ «أبو الحسن الشاذلي»(3).
وتتمثل أهم المبادئ التي قامت عليها هذه الطريقة الشاذلية، وأسهمت في تركيز شهرتها وتدعيم شعبيتها، في «رسالة الهداية»، تلك التي تذهب إلى اعتبار جميع الناس قادرين على العروج نحو الله، والولوج إلى ملكوته ونيل مراتب القرب منه، على غرار الزهّاد والعبّاد وكبار المتصوّفة، دون الحاجة إلى دراسة كتب التصوف والتنقيب في مسائله المعقدة، ودون الحاجة أيضا إلى معرفة قواعد الدين وأركانه الأساسية، ودون الحاجة حتى إلى قهر النفس وتوطينها على الجوع والفقر وكفاف العيش مثلما كان ديدن الزهّاد والصوفيين(4).
وعلى هذا الأساس لا يكون الإنسان مطالبا بأكثر من صدق النيّة ونقاء السريرة مع ربّه ومع الناس أيضا، حتى يهديه الله إلى طريقه، ويبوّئه أعلى مراتب القرب. وإنّ أقصى الواجبات التي يتعيّن على المرء القيام بها تجاه خالقه، حسب نهج التصوف الشاذلي دائما، هي: الشكر في حال النعمة، والصبر في حال المحنة، والاستغفار في حال المعصية(5).
انخرط محمد بن عيسى منذ صغره ضمن زمرة المتصوفة الجزوليين الذي لقّنوه مبادئ طريقتهم المستوحاة من الشاذلية، مع بعض الإضافات التي كانت تستجيب لواقع ذلك العصر وظروفه العصيبة(6)، وتتلاءم مع القدرات الذهنية المتواضعة لغالبية المريدين، ومع حاجياتهم وتطلعاتهم المادية والوجدانية أيضا(7).
وبعد أن أتم «بن عيسى» تعليمه الديني الأساسي وتكوينه الصوفي الملائم، وتحقق له «الفتح» على أيدي شيوخه من أصحاب الجزولي وورثته، تصدّر للتدريس بمدينة مكناس. وتبعا لاشتهار أمره وتزايُد تلاميذه ومريديه، أصبح يقود الفرع الجزولي في هذه المدينة، وأصبح هذا الفرع يسمى «العيساوية» على اسمه(8).
قامت «الطريقة العيساويّة» في بداية أمرها على ما خلّفه «الجزولي» وورثته المباشرون من أرصدة ثرية (كاريزماتية وأدبية- صوفية وغيرها)، محقّقة من خلالها موطأ قدم في عمق النسيج العريض للمجتمع المغربي. فقد نجح «محمد بن عيسى» في استغلال هذا الرصيد الفعّال، وشحنه بإضافاته الخاصة التي عمل من وراءها على تخليد ذكره ودوام «طريقته». ولم تزل الإضافات تتراكم في رحاب هذه «الطريقة الصوفيّة»، مستلهمة – من شيخها ومن موروثاتها ومن تنوّع احتياجات أتباعها وتعدّد متطلّباتهم النفسية والمادية – المواضيع التي يتم فيها صياغة مختلف أشكال «الإبداعات» الثقافية الفنيّة منذ ذلك الزمن إلى اليوم، وفي كافة المناطق والمجتمعات التي عشّشت فيها «العيساويّة» واستقرّت، من أقصى مغارب بلاد المغرب إلى أقصى مشارقها.
«الطريقة العيساوية» في البلاد التونسية:
تركّزت «الطريقة العيساويّة» في أهم المناطق الحضرية الواقعة في شمال البلاد التونسية منذ سنة 1646، أي بعد قرابة قرن من وفاة مؤسّسها «محمد بن عيسى»، واتّخذت منذ هذا التمركز وحتى أعقاب القرن العشرين شكل «طريقة صوفيّة» متكاملة المقوّمات متعدّدة الوظائف، إذ كانت لها «زواياها» الخاصة (وهي المقرّات الرسمية للطريقة)، إضافة إلى جهاز يسهر على تسيير مختلف شؤونها في جميع المناطق التي انتشرت بها، في شكل نظام تراتبي هرمي، يحتلّ قمّته «شيخ الطريقة» (القائد الأعلى)، يليه «شيخ العمل» (قائد الفرقة المختصّة بالغناء والرقص)، و«المقدّم» (القائم على شؤون الزاوية)، ثم «باش شاوش» (رئيس «الشُوّاش»)(9)، ويمثّل «الفقراء» (المريدون) قاعدة هذا النظام.
كان للعيساويّة مكانة كبيرة في نفوس الأهالي نظرا لما شاع بينهم من اعتقاد راسخ في وليّها وفي كراماته، ممّا حدا بأغلبهم إلى الالتجاء إلى «زواياها» لنيل «البركة» وطلب العون والمساعدة في شتّى الأعمال المستعصية، والاطمئنان على المستقبل واستجلاب الحظّ والتماس الشفاء من العلل والأمراض.
ومن أبرز ما تميّزت به الطريقة العيساوية بصفة عامة من أعمال، هي تلك الممارسات الشفوية والصوتية، ذات الصبغة الموسيقية التي تتوزع إلى ممارسات تأسيسية أصلية وأخرى محدثة.
1) الممارسات التأسيسية للعيساوية:
لقد تمكّن شيخ «الطريقة العيساوية» محمد بن عيسى، حسب ما نُقل حوله من أخبار في كتب المناقب(10)، من استيعاب الإرث الصوفي الجزولي، الذي اختزل بدوره أهم مبادئ التصوف الشاذلي. وهو إرث تمثّل بالخصوص في مجموعة من الأدبيات المتنوعة كالأحزاب والأوراد والأذكار.
ومن أهم هذه الأدبيات التي وضعها محمد الجزولي واشتهرت شهرة واسعة كتاب «دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار»، الذي تضمّن الإشادة بعلو مقام النبي (عليه الصلاة والسلام)، وسمو قدره ورفعة شأنه، والصلاةَ عليه بشتى الصيغ والمتون المتنوعة من التصليات.
وقد مثّل هذا الأثر «الجزولي» مادة أوّلية بالنسبة للشيخ محمد بن عيسى، اعتمدها لتأثيث الأعمال الذكرية التي كان يلقّنها لأتباعه عند بداية تأسيسه لطريقته. كما اعتمد إلى جانب كتاب «دلائل الخيرات» أيضا، ذلك الحزب الشهير المسمّى «حزب سبحان الدايم»، الذي وضعه شيخ الجزولية، ثم أصبح فيما بعد شعار «الطريقة العيساوية»، بعد أن اعتمده محمد بن عيسى كركيزة أساسية من ركائز الأذكار التي كان يحث أتباعَه ومريديه على إدامة سردها في مختلف الأوقات، إلى درجة أن العيساويين أصبحوا يُدعَون بـ«أهل سبحان الدايم» نسبة إلى هذا الحزب(11).
وقد جرى سرد هذا «الحزب» في مختلف «الزوايا العيساوية» المبثوثة في جل مناطق البلاد التونسية، وذلك إلى حدود أواسط القرن العشرين في بعض الجهات، وإلى يومنا هذا بالنسبة إلى باقي المناطق الأخرى.
حزب «سبحان الدايم»:
«الحزب» في اللغة هو «الوِرْدُ» أي الحصة والمقدار والنصيب. و«وِرْدُ» الرجل من القرآن والصلاة: «حِزْبُهُ». و«الحِزْبُ»: ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة وصلاة كـ«الوِرْدِ»(12). أما «الحزب» في الاصطلاح الطرقي، فقد تحوّل معناه من الالتزام بحصة محددة من القرآن أو الصلاة، إلى نوع مخصوص من الأذكار.
وإذا كانت وظيفة «الحزب» بالمفهوم اللغوي الصرف هي التعبد بالأساس، فإن وظيفته حسب ما شاع لدى مجمل «الطرق الصوفية» لم تقتصر على العبادة وحدها، وإنما تجاوزتها لتحقيق أمور يتصل بعضها بالعلم والمعرفة كالتذكير واستنتاج المعارف وحصول العلم، ويتصل بعضها الآخر بتربية المريدين مثل «جمع القلب على الله»، إلى جانب الذكر وطلب الخير والتعوّذ من الشر(13).
سُمي هذا الحزب «سُبحان الدايم» نظرا إلى أن هذه التسمية تمثّل إحدى أهم الصياغات الذِكرية التي شاعت واشتهرت لدى العامة، والواردة في مستهله بعد التعوذ والبسملة والتصلية والتسليم، والتوكل والحمد والتوحيد والتكبير والحوقلة والاستغفار، وبعد إيراد بعض الآيات القرآنية، وبعض الأدعية المأثورة والمشهورة.
تكون مجمل الصياغات اللغوية الذكرية الواردة في هذا الحزب على نوعين: نوع أول يذكره مجموعة الذكارة (الذاكرين المتمرّسين) واحدة بعد أخرى، وتقوم مجموعة الردادة (الذاكرين في طور التعلّم) على إثر كل واحدة منها بذكر عبارة «لا إله إلا الله»، وذلك كالتالي:
التشكيلة الأولى (“ذَكّارة”) | التشكيلة الثانية (“رَدّادة”) | |
التركيبة: 1 | العَزِيزُ ذُو الجَلالْ | لاَ إلهَ إلاَّ اللهْ |
التركيبة: 2 | الحَكِيمُ ذُو الجَمالْ | لاَ إلهَ إلاَّ اللهْ |
التركيبة: 3 | الكَبِيرُ ذُ الكَمالْ | لاَ إلهَ إلاَّ اللهْ |
التركيبة: 4 | القَرِيبُ ذُو الإكْرامْ | لاَ إلهَ إلاَّ اللهْ |
التركيبة: 5 | المُجِيبُ ذُو الإحْسانْ | لاَ إلهَ إلاَّ اللهْ |
التركيبة: 6 | الرَؤُوفُ ذُو الإنْعامْ | لاَ إلهَ إلاَّ اللهْ |
وغالبا ما يتم أداء هذا النوع الأول من الصياغات الذِكرية بهذه الصيغة اللحنية التالية:
أما النوع الثاني من الصياغات الذكرية، فتقوم مجموعة الذكارة بترديدها واحدة واحدة، وتتولى مجموعة الردادة إعادة كل صياغة منها مرة ثانية على إثر ذكرها من قبل الذكارة مباشرة (وهو أسلوب تلقيني صرف):
تعاد مرتان الأولى «ذَكّارة» والثانية “رَدّادة” | |
التركيبة: 1 | سُبْحانَ الدايِمْ لا يَزُولْ |
التركيبة: 2 | سُبْحانَ الباقِي لا يَفْنَى |
التركيبة: 3 | سُبْحانَ اللهِ مَوْلانا |
التركيبة: 4 | إلهُنا جَلَّ وِعْلاَ |
التركيبة: 5 | إلهُنا نِعْمَ المَولَى |
التركيبة: 6 | إلهُنا نِعْمَ النَصِيرْ |
التركيبة: 7 | إلهُنا نِعْمَ القَدِيرْ |
التركيبة: 8 | إلهُنا نِعْمَ الوَكِيلْ |
ويتم أداء هذا النوع الثاني من الصياغات الذِكرية بصيغة لحنية مختلفة كالتالي:
بخصوص الأسلوب المعتمد في سرد هذا «الحزب»– وهو أسلوب تقليدي يقوم أساسا على القراءة التي يضبطها إيقاع المقاطع اللفظية وشكل حروفها – فإنه يمثل إلى حد كبير ذلك الأسلوب الذي حرص أتباع نهج التصوف السني على التقيد به، سواء خلال أدائهم للقرآن أو لغيره من النصوص والمرددات الشفوية المتنوعة. ونحن نعلم أن النهج الصوفي الذي اقتدى به شيخ الطريقة العيساوية «محمد بن عيسى» – مثلما ذكرناه آنفا – هو نفس النهج الذي انتهجه أتباع الطريقة الجزولية، ومِن قبلهم كذلك أتباع الطريقة الشاذلية والقائم أساسا على الكتاب والسنة.
ويستند أهل التصوف السني في اعتمادهم هذا الأسلوب السردي في مجمل ممارساتهم الشفوية والصوتية إلى ما أثر عن الرسول ﷺ وعن صحابته، من الأحاديث والأخبار المحدِدة لطريقة قراءة القرآن، تلك التي يتيسر أن يُعتمد فيها الترديد والتحبير (أي الترقيق)، وغير ذلك من الأساليب التي لا يجب أن تتجاوز الحد وتبلغ درجة الغناء فتحرّم عند ذلك.
ونشير في هذا السياق، إلى ما أورده «أبو حامد الغزالي» في كتابه: إحياء علوم الدين بخصوص هذا الأمر (ونحن نعلم أن أبا حامد الغزالي يعتبر من أهم منظّري التصوف السني، ومن أبرز الذين نجحوا في موائمة المنهج الصوفي مع مذهب أهل السنة، محققا بذلك تلك المصالحة الانقلابية التي حصلت بين التصوف والفقه)، فقد تحدث «الغزالي» في كتابه عن آداب تلاوة القرآن، وذَكر أنها عَشَرةُ آداب، آخرها على حد عبارته: «تحسين القراءة وترتيلها بترديد الصوت من غير تمطيط مفرط يغيّر النظم فذلك سنة»(14).
الأوراد:
الأوراد جمع مفرده «وِرْدٌ»، و«الوِرْدُ» هو الماء. و«وِرْدُ القوم» هو الماء الذي يورَد. و«الوِرْدُ» كذلك هو وقت يوم الورد بين ظمأين. و«الوِرْدُ» أيضا هو اسم من ورد يوم الورد. وقد سمي النصيب من قراءة القرآن وردا من هذا(15).
وذكر «القاوقجي» في البدر المنير «إن ورود الماء والنوبة منه عند العرب محصورة في أوقات معيّنة وأيام مخصوصة لا تتعدّاها، ولما كانت الأوراد كذلك يعيّن لها أوقات وأيام وأحوال يخصّونها بها، جعلوها مأخوذة من النوبة في الماء بجامع العلاقة دون باقي الإطلاقات»(16).
وإن لم يرد لفظ الورد في أبرز كتب التصوف المتقدمة ككتاب اللمع للسراج الطوسي (ت. 378 هـ/ 988 م)، ورسالة أبي القاسم القشيري (ت. 465 هـ/ 1073 م)، فإن هذا المصطلح قد تردد كثيرا في كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي (ت. 386 هـ/ 996 م) الذي قصد به النصيب من الدعاء والتسبيح والاستغفار وما شابه ذلك من الأذكار، إلى جانب الصلوات النوافل والأعمال «الخيّرة الصالحة»، تلك الممارسات التي يكون أداؤها جميعا محددا بزمن مضبوط من الليل ومن النهار(17).
وقد أصبح مصطلح الورد في ظل انتشار الطرق الصوفية يدل على متن محدد من متون الأذكار يكون سرده أو أداؤه في زمن محدد(18)، كما أصبح يطلق على الورد أيضا لفظ «الوظيفة» باعتبار أنه يمثل المقدار الذي يوظّفه الشيخ للمريد من الأذكار بحسب طاقته وتدرّجه في مراتب السلوك والسير في «الطريق». وعلى هذا الأساس جاء في تعريف «الوِرد» لدى بعضهم أنه: «ما يوظَّف للمريد [من الأذكار] مما يوافق ابتداءه ويوائم توجّهه واستعداده»(19).
احتفظت الطريقة العيساوية برصيد عريض من متون الأوراد المتنوعة والموزعة بعضها على أيام الأسبوع وبعضها الآخر على فترات عدة من اليوم الواحد. فبالنسبة للأوراد اليومية الموزعة على فترات اليوم حسب توزيع الصلوات اليومية الواجبة، فهي على ثلاثة أصناف متدرجة من الصغير (البسيط) إلى الكبير (المعقّد)، أما بالنسبة للأوراد الأسبوعية فهي بطبيعة الحال سبعة أوراد على عدد أيام الأسبوع.
وتتمثل هذه الأوراد في شكل مجموعة من الأدعية والتوسلات التي يسعى الذاكر من خلالها إلى نيل المطالب والغايات المتعلقة بذاته من حيث أنه مخلوق مادي صرف (كالخير والتوفيق والعطاء والسعادة والنصر والرحمة والمغفرة …)، ولا علاقة لها بذلك النوع من النصوص والأدعية المأثورة عن مشاهير المتصوفة المتقدمين كـ«أوراد ابن عربي» و«حكم الإسكندري» و«صلاة ابن مشيش»، تلك التي تناولت في متونها جملة من الأدعية والأذكار التي تسعى إلى السمو بالذاكر من حيث أنه مخلوق من نفخة إلهية يسعى إلى الانعتاق من مكبلاته المادية، والقرب أكثر ما يمكن من خالقه حد التماهي. ومن أمثلة نصوص الأوراد ما يلي:
أللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَيْرَ هَذا اليَوْمَ فَتْحَهُ ونَصْرَهُ ونُورَهُ وبَرَكَتَهُ وهُداهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما فِيهِ وشَرِّ ما قَبْلَهُ وشَرِّ ما بَعْدَهُ. أللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِنُورِ قُدْسِكَ وعَظَمَةِ طَهارَتِكَ وبَرَكَةِ جَلالِكَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَعاهَةٍ ومِنْ طَوارِقِ اللَيْلِ والنَهارِ إلا طارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ. يا رَحْمانُ أنْتَ غِياثِي فَبِكَ أغُوثُ، وأنْتَ مَلاذِي فَبِكَ ألُوذُ، وأنتَ عياذي فَبِكَ أعوذُ …
لقد تلازمت أولى الممارسات العيساوية ذات الصبغة الشفوية والصوتية مع العديد من الأعمال الطقسية التأسيسية والأنشطة الطرقية المعتمدة صلب هذه الطريقة الصوفية وتأطرت بها من ناحية، وأسهمت من ناحية أخرى إلى جانب عدة ظروف وعوامل متفرقة في تهيئة المناخ وتوفير الظروف الملائمة لبروز غيرها من الممارسات المستحدثة ذات الصبغة الموسيقية. فما هي حقيقة وطبيعة ما تم استحداثه من ممارسات من قبل أتباع العيساوية في البلاد التونسية.
2) الممارسات الموسيقية العيساوية المستحدثة في تونس:
إذا كانت الممارسات الشفوية والصوتية التأسيسية الأولى، التي دأب أتباع العيساوية في تونس على تعاطيها، قد اعتَمدت على نصوص الذكر والآداب الصوفية الشائعة في فترة سابقة عن تأسيس هذه الطريقة الصوفية، لدى شيوخ وأتباع الطريقة السابقة عنها والناسلة من رحمها وهي الجزولية، فإن الممارسات الموسيقية المستحدثة قد كانت ثمرة ما راكمه العيساويون من نتاجات إبداعية، استنبطوا بعضها على إثر تفاعلهم وحراكهم في إطار «طريقتهم» الصوفية، المعتبرة بمثابة المحضنة ذات الأبعاد المتعددة (العقائدية والنفسية والاجتماعية وغيرها)، واستعاروا بعضها الآخر مما كان منتشرا من ممارسات صوتية متنوعة، أفرزتها طرق صوفية أخرى، أو أطر اجتماعية تقليدية متفرّقة على امتداد فترات زمنية عريضة، وفي مجالات جغرافية ممتدة ومتّسعة، سواء في بلاد المغرب أو في تونس.
وِرْدْ القْدُومْ:
من بين الممارسات الصوتية المستحدثة التي يتم إنشادها من قبل أتباع «الطريقة العيساوية» في تونس، نجد الإنشاد المسمّى «ورد القدوم». واستنادا إلى هذه التسمية، فإنه من المرجّح أن تكون هذه الممارسة قد تم استنباطها وإنشادها من قبل المريدين خلال قدومهم لزيارة مقام شيخهم بن عيسى، أو قدومهم إلى إحدى زوايا العيساوية بهدف الزيارة وحضور المواعيد الطقوسية الدورية والمسماة «الحضرة العيساوية».
ومن دلائل ذلك ما تحمله أشعار هذا الإنشاد من معان متصلة بالرحلة والسياحة الصوفية. فقد جاء مثلا في أحد مقاطع هذا الإنشاد:
يَـا خُـوتِي مَـا نِيشِ غَـرِيــبْ
أهْلِي فِـي كُـلّْ أوْطَانِ
شُقّْ الصَّحْرَاءْ شُـقّْ الجَرِيـدْ
شـُقّْ بْـلاَدْ السَّوْدَانِـــي
طَـوَّعْـهَـا سِيدِي مِـنْ بَعِيـدْ
جَابْهَـا حُـرّْ وْ حَـوْرَانــِي
يَا مَوْلايْ بِنْ عِيسَى الحَبِيبْ
بِيكْ تْقَـوَّى إيمَانـــِي
بالإضافة إلى ما تحمله أشعار هذا الإنشاد من المعاني المتصلة بالرحلة والسياحة الصوفية، نجد فيها كذلك إقرارا وتصريحا بأهمية المواظبة على حضور مواعيد «الحضرة العيساوية». وقد جاء ذلك في مقطع آخر من مقاطع هذا الذكر المستحدث كالآتي:
يَـا تَابَعْ الأسْيَــــادْ اتْبَـعْ هَــذِي الـفُقْـرَاءْ(20)
بِــالحِزْبْ والأوْرَادْ والذِّكْـرْ مْـعَ الحَضْـرَة
ولَمِّــةْ المِــــيعَــادْ مَــنْ وَاظــبْهـا يِـــبْرَى
بُكْرَة ومْسَـــــاءْ حِزْبُـه يِجْلِي الأوْكَـاسْ
بَـابَـا بِنْ عِــــيسَى شَيْخِي مُولَــى مُكْنَاسْ.
ومن الفرضيات المرجّحة أيضا، أن تكون هذه الممارسة الموسيقية العيساوية المستحدثة في تونس (وِرد القدوم)، قد نشأت وبدأت بالظهور من خلال ما حصل من تطور في أداء الممارسات الصوتية التأسيسية الأولى، وذلك اعتمادا على أن طريقة أدائها الصوتي تكون قريبة جدا من طريقة أداء فاتحة حزب سبحان الدايم، باعتماد الأداء الحر (ad libitum) الذي لا يتقيد بإيقاع محدّد، وإنما يُضبط (إيقاعه) من خلال شكل المقاطع اللفظية وحركات الحروف، تماما كالأسلوب الذي رأيناه معتمدا في أداء الحزب.
وبذلك يمكننا القول أن هذا النوع من الممارسة الإنشادية، قد تكون من أولى الممارسات التي استحدثت وأُقحمت ضمن أعمال العيساوية في أولى المناطق التونسية التي احتضنت هذه الطريقة الصوفية، وذلك إلى جانب الممارسات التأسيسية، نظرا إلى أنها قد نحت نحوها في أسلوب الصياغة الموسيقية التي تؤدى بها.
ومن أمثلة هذه الصياغة، نورد هذا المقتطف من مدوّنة «ورد القدوم»:
المـــْجَرَّدْ:
هو نوع من الإنشاد العيساوي المستحدث، والمعروف لدى عموم الناس في تونس بهذه التسمية التي تحيل مباشرة إلى معنى التجرد.
بالنسبة لمعنى هذه الكلمة (المجرد) فهناك من فسّرها بأنها تدل على التجرّد من استعمال الآلات الموسيقية بكافة أصنافها خلال هذا النوع من الإنشاد. وهناك من فسّرها بأن العيساويين يبدؤون خلال هذا النمط الإنشادي بالتجرد من نعالهم وألبستهم الصوفية الخارجية، حتى تسهل عليهم الحركة عند شروعهم في الرقص الصوفي على وقع هذا الإنشاد. وهناك من فسّرها بأن هذا النوع من الإنشاد يشبه إلى حد كبير عملية تجريد الغصن من أوراقه ورقة ورقة. ووجه الشبه هنا أن هذه القطعة الإنشادية تتألف من العديد من الأبيات التي يتم تناولها بالإنشاد بصفة سريعة ومتتابعة بيتا بعد آخر، دون رجوع إلى مذهب أو لازمة موسيقية، بطريقة تحيل مباشرة على صورة تجريد الغصن من أوراقه ورقة بعد أخرى بصفة سريعة ومسترسلة كالتالي:
بِـاسْمْ الكَرِيمْ ابْـدَيْنا فَضْلُه عْلَيْنا
وعْلَـى النَـبِي صَلَّـيْنا
وعْلَـى النَبِي صَلَّيْـنا مَوْلَـى الـمْدِينة
هُـو المُشَفَّـعْ فِـينـا
وعْلَى الصَّحابة رْضَيْنا يِجْلُوا الغْبِينة
ناسْ الطَريقة الزَيْنة
إلِّـي بْغـى يِتْبَـــعْنا ويْكُــونْ مِنّــا
يِتْبَعْ طَـرِيـقْ السُنّـة
يِتْبَـعْ طَرِيقِ القُرْبَى وأهْـلِ الــمْحَبّة
حَتّى يْصادِفْ شَرْبة
يتألّف إنشاد «المجرّد» من جزئين متلازمين، جزء أوّل: يسمى «وِرْدْ القدوم» أو استفتاح المجرد، وهو الذي يكون في شكل مقدمة إنشادية خالية من أي استعمال آخر، ومجردة من أي إيقاع بارز، وجزء موال يسمى «تَثْقِيلة مجرد» يكون الإنشاد فيه مستندا إلى إيقاع دوري خماسي يتم ضبطه عن طريق التصفيق.
ويتألف هذا الإيقاع الدوري الخماسي في حقيقة الأمر من تقسيمة إيقاعية مركّبة من إيقاع ثنائي (به وقتان)، وآخر ثلاثي (به ثلاثة أوقات) ومجموعهما بطبيعة الأمر خمسة أوقات كالتالي:
إيقاع «المجرّد» خماسي الوحدات
ويتم ضبط هذه التركيبة الإيقاعية الخماسية عن طريق تصفيقتين: الأولى مع الوقت الأول، والثانية مع الوقت الثالث، ويبقى الوقت الثاني والوقتان الأخيران (الرابع والخامس) دون تصفيق.
ونشير إلى أن الجزء الثاني من المجرد (وهو التثقيلة) يتم خلاله تنفيذ أكثر من قطعة إنشادية تسمى كل واحدة منها تثقيلة مجرد، وتسير جميع هذه القطع على نفس الإيقاع الخماسي، ولكن النسق الإيقاعي يأخذ في التسارع المضطرد تباعا مع كل تثقيلة، حتى يبلغ في خاتمة آخر تثقيلة نسقا سريعا جدا يتحول بمفعوله من إيقاع خماسي إلى إيقاع ثنائي.
وفي خلال إنشاد «المْجَرَّدْ» بجزأيه («الاسْتِفْتاحْ» و«التَثْقِيلة») نجد «الصَدّارة» (وهم الجماعة المختصّين بالرقص الصوفي)، يتبعون النبض الداخلي لهذا الإنشاد بظهورهم، من خلال الانحناء الخفيف والقيام، وكذلك بأرجلهم من خلال خفض قاماتهم بثني رُكبهم قليلا ثم استقامتهم متّبعين في ذلك كلّه إيقاع الإنشاد.
ويتم إنشاد قطعة التثقيلة مجرّد المذكورة أعلاه بهذه الصيغة اللحنية التالية في نغمة الحسين التونسية:
«الشِشْتْري»(21):
يشتمل هذا القسم الأوّل من «الحضرة العيساوية» على إنشاد «نَوْبة» و«شْغُلْ»(22) من «المالوف». ويتمّ ذلك بطريقة جماعيّة بمصاحبة آلتَيْ «الشِشْتْري» («الطار» أو«الرِقّ»)(23)و«الناغِرْزانْ»(24) أو«النَغَّارات» الإيقاعيّتين دون غيرهما.
ويعرَّف «المالوف» في تونس بأنه نمط من الغناء الذي أتى به مهاجرو الأندلس. وهو عبارة عن ضروب من التواشيح والأزجال، لكل قسم منها تلاحين خاصة تسمّى النوبة، وكلّها مناسبة لصيغ اللحون المعبّر عنها بالطُبوع أو الصنائع». و«المالوف» كذلك هو «عبارة عن أشعار غنائية انتخبت من قصائد وموشحات وأزجال شتّى من كلام الأندلسيين وأهل المغرب وبعض التونسيين. قد رصّفت ونضّدت بصفة تميل إليها الخواطر وتستحسنها الأذواق وتلذّها المسامع(25).
ويسمّى هذا النمط الموسيقي في «المغرب الأقصى» باسم «الآلة»، ويسمى في «الجزائر» باسم «الغرناطي».
وقد قامت مجموعات الطريقة العيساوية المنتشرة حول العاصمة التونسية، بتناول غناء المالوف ضمن ممارساتهم الإنشادية المستحدثة، وأطلقوا عليها «مالوف الجِدّ» أو غناء «الششتري». هو ذلك المالوف التقليدي المشار إليه آنفا، وقد وقع تغيير بعض أشعاره إلى أشعار أخرى في ذكر النبيّ والصحابة وشيوخ المذاهب والطرق الصوفية وغير ذلك من الأغراض ذات الصبغة الدينيّة التصوّفية.
ومن بين «نوبات مالوف الجِدّ» التي يتم تنفيذها في مفتتح الحضرة العيساوية، هذا المثال الموجّه لمدح الرسول عليه الصلاة والسلام:
قَصْدِي أنْظُرْ إلَيْهْ ونُشاهِدْ مَقامُهْ ونُسَلِّمْ عَلَيْهْ
الـصَـلاةْ عَنْـكَ حُلْـوَة يـا بَــدِيـعَ الجَـمالْ
لَيْـسَ لِي عَـنْكَ سَلْـوَى لا وَحَـــقِّ الجَــلالْ
كُلُّ عَطْشانْ مِنْكَ يَرْوَى مِـنْ بُحُورِ الكَمالْ
«نوبة الحضّاري»:
هو القسم الثالث من «الحضرة» بعد قسم «الشِشْتْري» وقسم «المْجَرَّدْ» ويشتمل على أشعار خاصة بـ«الطريقة العيساويّة» بلغة التخاطب الدارجة غالبا، وتغنّى بمصاحبة الآلات الإيقاعيّة الثلاثة (الطار والنَاغِرْزانْ والبْنادِرْ)(26) مع مصاحبة آلة «الكَرْنِيطة»(27) اللحنيّة. وتتألّف «نوبة الحَضّاري» من ثلاث إيقاعات مختلفة تتعاقب عبر الأبيات الشعريّة المغنّاة، وتتدرّج من الاعتدال إلى السرعة، وهي على التوالي: «البطايحي» و«البرول» و«الختم».
يَثِبُ «شيخ الصْدَرْ» وثبة سريعة مفاجأة بتنسيق مع «شيخ العْمَلْ»، من وسط صفّ «الصَدّارة» إلى الأمام، مع انطلاق أوّل نقرة في الإيقاع الجديد، مصفّقا بيديه الممدودتين إلى الأمام بكل قوّة، متّبعا في ذلك النقرات البارزة المميِّزة لهذا الإيقاع معتدل السرعة، صادعا بلفظ «الله» مشيرا بعد ذلك وإثر التِفاتِه إلى «الصَدّارة» – وبطريقته الخاصة في التصفيق – إلى النسق الجديد الذي ينبغي عليهم إتّباعه في الرقص.
وهذه عيّنة من إحدى «نوبات الحضّاري» في نغمة الرهاوي:
بِحُرْمَتِكْ يا مُحَمَّدْ نَطُوفُ بِالبَيْتْ وْنَسْعَدْ
يتواصل الرقص على إيقاع «نوبة الحَضّاري» بطريقة الركوع والقيام السابقة لكن بإمعان أشدّ مع الزيادة في حركات الرؤوس المتمايلة يمنة ويسرة. هذا إلى جانب قيام بعض «الصَدّارة» ببعض الارتجالات الفرديّة في الرقص متحرّكين جيئة وذهابا أمام صفّ «الصَدّارة» يحاذيهم في ذلك «شيخ الصْدَرْ» الذي يقوم بتنظيم هذه العمليّة التي تسير على ألحانٍ وإيقاعات ما ينفكّ نسقها يتصاعد ويتسارع، حتى تغمر النشوة كل الراقصين، وتتعدّاهم إلى جمهور المتفرّجين.
«نوبات الخَمّاري»:
يشتمل هذا الجزء الأخير من «الحضرة العيساويّة» على مجموعة من «النوبات» هي عبارة عن أشعار خاصة بـ«الطريقة العيساويّة» تختلف أوزانها أحيانا وتتّفق أحيانا أخرى من «نوبة» إلى أخرى، وكلّها بلغة التخاطب الدارجة مثل «النوبة» التي مطلعها:
نِبْـــدَاو بِــاسْـمْ الله عَــالِمْ بِكُلّْ مْكــَانْ
والصَلاةْ عَلْى الأحْمَدْ مُضَــلَّلْ بِـالغَـمَامَـة
مِـنْ بَعْـدْ ذِكْـرْ الله نَرْجَعْ لِشَرْحْ الأذْهَـانْ
شَيْخْــنَا بِـنْ عِيـسَى ظُهْرِتْ لَهُ الكَرَامَة..
أو تلك التي مطلعها:
بِـالله يَـا لَخْوَانِــي قُولُـوا لِـي هَنِيَّا
بِنْ عِيسَى سُلْطَانِي شَيْخِي جَادْ عْلَيّ
تصنَّف «نوبات الخَمّاري» تراتبيّا إلى ثلاثة أصناف، حسب تصنيف الممارسات الخاصة التي يمارسها جماعة «الصْدَرْ» خلال هذا القسم الأخير من «الحضرة»:
– الصنف الأوّل: نوبات تُستعمل خلال الممارسات الخاصة بالمشي والتمرّغ على الزجاج، وأكل المسامير، وغرس الإبر في مناطق عديدة من الجلد، وضرب البطن وغيرها بالسيف.
– الصنف الثانـي: نـوبـات تُستعمل خـلال الممـارسـات الخاصة بأكل نبات «الهِنْدي» الشائك والتمرّغ عليه.
– الصنف الثالث: نوبات تُستعمل خلال الممارسات الخاصة بأكل ذوات السموم.
يستمرّ «الصَدّارة» خلال هذه «النوبات خَمّاري» في رقصهم المعتاد (الركوع والقيام مع التمايل يمنة ويسرة) ممسكين بأيادي بعضهم في صفّ واحد. ثم يتقدم أولئك الذين حانت «نوبتهم» (أي شُرع في تنفيذ «النوبة» التي تعوّدوا أن يقوموا خلالها بما اختصّوا به من الممارسات المبيّنة أعلاه ضمن أصناف «نوبات الخَمّاري»)، فيَخرجون من الصفّ مع استمرارهم في الرقص، ثم يشرعون في القيام بإحدى تلك الممارسات.
وهي دلالة على تخلّصهم من الإحساس المادي بذواتهم، وذوبانهم الكلي في الملإ الأعلى.
لقد تميّزت الصياغة الموسيقيّة لنوبات الخمّاري ببناء لحني ضيّق، جيبيّ المسار (Sinusoïdal)، ينحصر في سلّم موسيقي خماسيّ الدرجات، تستقرّ في منتصفه درجة رئيسيّة («التِيكْ شَاهْنازْRE demi bémol4») مثّلت المفصل الذي تلتقي حوله «النغمتان المتناولتان في هذه الألحان (وهي «نغمتا»: «الحسين كردان» و«السيكاه تِيكْ شَاهْنازْ».
وقد أعطى هذا الأسلوب في الصياغة اللحنيّة أولويّة قصوى للجانب الإيقاعي على حساب الجانب النّغمي، الذي تمّ تكريسه لخدمة الإيقاع. وتمّ التركيز فيه على درجة «التِيكْ شَاهْنازْ RE demi bémol4» وهي درجة «المحيّر» مخفوضة بربع بُعد صوتي (RE demi bémol4)، تلك التي ينجذب إليها السامع على إثر مسافة صوتيّة «ثلاثيّة صغيرة» (Tierce mineure) زائدة ربع بُعد صوتي تنطلق من درجة «العجم» (SI bémol3).
وليس هذا الأسلوب في نهاية الأمر سوى محاولة لتوظيف الموسيقى بجانبَيها النغمي وخاصّة الإيقاعي في تدعيم وإنجاح «التخميرة» الصوفية.
3) «العيساوية» في مناسبات الأهالي الخاصة:
بالإضافة إلى أعمال الذكر والإنشاد الطقسية، وغيرها من الممارسات الموسيقية المستحدثة الأخرى، التي تقام أسبوعيا في «الزاوية» بصفة دورية، دخلت «العيساويّة» صلب حياة الأهالي في معظم البلاد التونسية، وذلك بقيامها بإحياء مختلف مناسباتهم العائلية كالنِفاس والختان والزواج والحجّ، بواسطة ممارساتها الموسيقية.
وتتمثل هذه المشاركة في إقامة سهرات خاصة في بيوت الأهالي، احتفالا بهذه المناسبات، وفي إقامة استعراضات خارجية تسمّى «دُورة» التي تتميّز خاصة بحضور السناجق، وهي الرايات الكبيرة الملوّنة الخاصة بالطريقة العيساويّة، والتي يحملها عموديّا الصدّارة (جماعة الصْدَرْ المختصّين بالرقص الصوفي) ناشرينها فوق الموكب المؤلَّف من جماعة المنشدين ومن أبطال هذه الاحتفالات العائلية كالعريس والحاج والطفل المختون.
وقد كان الأهالي في تونس يسعون إلى إشراك «فرق العيساوية» في مختلف مناسباتهم لسببين: أوّلهما ما توفّرت عليه هذه «الفرق» من أعمال الغناء والعزف والرقص، تلك التي كانت تعطي لمثل هذه المناسبات صبغة احتفاليّة بارزة، إضافة إلى استعمالها لتلك السناجق في «دوراتها» وما تضفيه هذه الرايات الكبيرة المزوّقة من مظاهر البهجة والأبّهة التي تجلب الأنظار وتزيد في خصوصيّة المناسبة.
كما كان الأهالي بالإضافة إلى ذلك، يتبرّكون بأعمال هذه «الطريقة»، اعتقادا منهم بأنّ حضور فرقتها لديهم في محلاّتهم خلال مختلف مناسباتهم، من شأنه أن يضمن لهم النجاح والتوفيق في ما أقدموا على إنجازه من أعمال، نظرا لما تلحق هذه الأعمال من بركة مستمدّة أساسا من بركة «سيدي بن عيسى».
الهوامش:
- تجدر الإشارة حول هذا الأمر إلى تلك الاستنتاجات البحثية الموسومة بـ”أطروحة البقايا الوثنية” والتي أرسى دعائمها عدد من الباحثين السوسيولوجيين الغربيين المنتمين إلى اختصاصات عدة كـ”العراقة والأناسة” (الأنثروبولوجا والأثنوغرافيا). ونذكر من أبرز هؤلاء: “إدوارد فستمارك” و”إدمون دوتي” و”هنري بسيه” و”جورج دراك” و”إيميل لاووست” وغيرهم.
- ولد “الجزولي” في قرية تانكرت الواقعة في “سوس” بالمغرب الأقصى في آخر القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي. رحل الجزولي صغيرا عن مسقط رأسه، واستقر بمدينة فاس طالبا للعلم بمدرسة الصفارين. وقد اشتهر عنه خلال تلك المرحلة ميله إلى العزلة وركونه إلى التأمل. رحل بعد ذلك إلى تونس، ثم انتقل منها إلى مصر. وتنقّل في بلاد المشرق متطلعا إلى ملاقاة شيوخ التصوف للترقي على أيديهم. مكث الجزولي في جولته سبع سنين طاف خلالها في الحجاز، وزار القدس ومصر، وأخذ في جامع الأزهر على “عبد العزيز العجمي”، ثم عاد إلى فاس، وألّف فيها كتابه دلائل الخيرات. ثم جلس للتتلمذ على الشيخ المربي برباط تيط أبو عبد الله محمد أمغار الصغير الذي أخذ عليه “وِرْد الشاذلية”. ودخل على إثر ذلك وبإشارة من شيخه في فترة خلوة للتأمل والعبادة امتدت قرابة أربع عشرة سنة. وقد كانت هذه الفترة كافية لاكتمال طريقته وتوضّح معالمها لديه، فشرع على إثر ذلك مباشرة في نشرها بين مريديه وتلاميذه في مدينة آسفي، التي لقي فيها استعداد أهلها الكبير لتقبل منهجه، وقد عمت شهرة شيخ “الجزولية” تلك الأرجاء، وبلغ فيها عدد مريديه نحوا من ثلاثة عشر ألفا. أنظر حول الجزولي: جلاب (حسن)، محمد بن سليمان لجزولي (مقاربة تحليلية لكتاباته الصوفية)، 1993.
- ولد “أبو الحسن الشاذلي” مؤسس “الطريقة الصوفية الشاذلية” سنة 593 هـ/ 1196 م بقرية غمارة القريبة من “سبتة”، الوقعة شمال “المغرب الأقصى”، وتوفي سنة 656 هـ/ 1258 م، ودفن بـ”ـحميثرة” من صحراء عَيْذابْ المصرية. وقد أطلق عليه لقب “الشاذلي” نسبة إلى قرية شاذلة التي استقر بها مدة عند حلوله بـإفريقيّة، بعد خروجه من بلاده في شبابه.
- الشافعي (أحمد بن عياد)، المفاخر العلية …، ص 3940.
- الكوهن الفاسي (الحسن بن محمد بن قاسم)، جامع الكرامات العلية …، ص 2526.
- تميّزت تلك الفترة العصيبة من تاريخ المغرب الأقصى بتوالي غزوات المسيحيين على السواحل منذ استيلاء الأسبان على “تطوان” وتدميرها في عهد “هنـري الثالث” القشتالي سنة 1399 إلى احتلال البرتغاليّين لـ”سبتة” سنة 1415 ثم “طنجة” و”أصـيلا” سنة 1470 ثم احتلالهم لـ”آسفي” سنة 1507 و”أزمور” والبلاد التي خلف هذه المواني سنة 1516. وقد أسهم شيوخ التصوّف الجزوليّين خاصة في القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر في التعبئة للجهاد ضدّ الغزاة النصارى.
- ركز “محمد الجزولي” طريقته ونهجه في التصوف على فتح باب التوبة أمام الجميع لـ”سلوك طريق الحق” بهدف “الوصول إلى الله”، حتى وإن كان بعضهم ممن لا ترجى توبته أصلا. كما ركز أيضا على العلاقة بين المريد وشيخه، وجعلها قائمة على ثالوث “الطاعة” و”الإذن” و”الخدمة”. وكل ذلك بطريق التلقين الموجه أساسا إلى تعليم الأوراد والأذكار التي كانت تتخذ لدى “الجزولي” ولدى خلفائه أيضا أهمية قصوى، بالنظر إلى ما لهذه “التربية بالحال” من الفاعلية في تطهير النفس والروح من العلل والعيوب، والرقي بها في مدارج التصوف، مقارنة بقصور “علم الرسوم” (الفقه) على بلوغ هذه الغايات. زروق (أحمد) النصح الأنفع …، ص. 175.
- Brunel (René), Essai sur la confrérie religieuse des aissaoua …, 1926, p. 67.
- “الشّاوش”: خطة موجودة لدى أغلب الطرق الصوفية، يتولى صاحبها القيام بمختلف الأعمال التي يمكن مقابلتها اليوم بأعمال “الحاجب” و”الساعي” وحتى أعمال النظافة.
- نشير إلى أهم وأبرز المصادر التقليدية المخطوطة التي أرخت للطريقة العيساوية ولشيخها، وهي أساسا كتب المناقب التي نذكر من بينها بالخصوص: كتاب دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشائخ القرن العاشر، لصاحبه “محمد بن عسكر الشفشاوني” المتوفّى سنة 986 هـ/ 1578 م). وكتاب ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتبّاع وما لهما من الأتباع لـ”محمد المهدي الفاسي”. وكتاب ابتهاج القلوب بخبر الشيخ أبي المحاسن وشيخه المجذوب لـ”عبد الرحمان الفاسي” المتوفّى سنة 1094 هـ/ 1685 م).
- Boncourt (André), Rituel et musique chez les Aissaoua …, 1980, p. 46.
- ابن منظور …، لسان العرب (مادة: حزب)، ص. 853.
- شاهدي (الحسن)، أذكار الصوفية، ص. 49.
- الغزالي (أبو حامد)، إحياء علوم الدين، ص. 506.
- ابن منظور …، لسان العرب (مادة: ورد)، ج 51، ص. 4810.
- القاوقجي (محمد أبو المحاسن)، البدر المنير …، ص. 1112.
- المكي (أبو طالب) قوت القلوب …، ص. 2234.
- جاء في لطائف المنن … للأسكندري أن “حزب البحر” للشاذلي هو ورد بعد العصر، و”الحزب الكبير” له أيضا بعد صلاة الصبح، وحزب الشيخ أبي العباس المرسي بعد العشاء. الشافعي (ابن عياد)، المفاخر العلية …، م س، ص. 159.
- الملحوني (عبد الرحمان)، أضواء على التصوف المغربي …، ص. 219.
- “الفُقْراء”: هي التسمية الشائعة في كامل المغرب الإسلامي لمريدي الطرق الصوفية ومرتادي زواياها.
- يطلق مصطلح “الششتري” في تونس قديما، على آلة “الرقّ” الإيقاعية، نسبة إلى “أبي الحسن الششتري” الذي اشتهر عنه استعماله لهذه الآلة خلال إنشاده الصوفي. وولد “أبو الحسن علي بن عبد الله الششتري” بقرية “ششترة” بالأندلس حيث كان والده أميرا عليها، فخلع ما كان عليه من لبس الأمراء، وارتدى ملابس الفقراء. استقرّ بالمغرب مصاحبا لـ”ابن سبعين” إذ جاءه قائلا: مرادي دخول الطريق ومشاهدة أسرار القوم. فقال له: حتى تبيع متاعك وتخلع ثيابك وتلبس قشّابة وتأخذ بندير [دفّ] وتدخل في السوق. ففعل جميع ذلك ولبس القشّابة ومسك العصا وأخذ البندير ودار في الأسواق، وصار يدخل السوق أمام حوانيت التجار ويضرب البندير وينشد أشعاره الصوفية. مقالاته مقالات العارفين ومواجيد المحبين. وأشعاره كلها ذوق وشراب وأسرار لا يفهمها إلا أهل الأذواق والإشارات، وكراماته عنه كثيرة. ساح سياحات طويلة وورد مصر واستوطن “دمياط” وصار مرابطا بها إلى أن توفّي سنة 668 هـ/1270 م، ودفن برباطه الذي صار مزارا. عن: الكوهن الفاسي المغربي. (أبوعلي الحسن بن محمد بن القاسم)، طبقات الشاذلية الكبرى، تحقيق: مرسي محمد علي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2001، ص. 6365.
- “الشْغُلْ”: جمع “أشْغالْ”، وهي نوع من الموشّحات والقصائد العربيّة الملحّنة في أسلوب الموسيقى التركيّة.
- “الطار”: مصطلح تونسي يُطلَق على آلة “الرقّ” الإيقاعيّة المكوّنة من إطار خشبيّ دائري صغير، تثبّت على جوانبه صفائح أسطوانية من النحاس (صنوج)، وتشدّ على أحد وجوهه قطعة من جلد الماعز شدّا محكما، وتنقر بالأصابع.
- “الناغِرْزانْ”: آلة إيقاعيّة تقليدية مستعملة في فرق المالوف والفرق الصوفية. وهي عبارة عن نصفي كرة من النحاس يتراوح قطرهما حوالي 20 سنتيمترا، تُشدّ عليهما بإحكام قطعتان من جلد الجمل، وتقرعان بطرفي عصاتين رقيقتين.
- الرزقي. (الصادق)، الأغاني التونسية، الدار التونسيّة للنشر، تونس، 1967، ص. 57194.
- “البنادر”: جمع مفرده “بندير”، هو المصطلح الذي يُطلَق في تونس على آلة “الدفّ” الإيقاعيّة المكوّنة أساسا من إطار خشبي دائري في شكل “الغربال”، يُشَدّ على أحد وجوهه جلد ماعز شدّا محكما، كما يُشدّ على هذا الجلد من الداخل خيوط من المصران تسمّى “أوتارا”.
- “الكَرْنِيطة”: تعريب محرّف لآلة “الكلارينات Clarinette” وهي آلة موسيقية غربيّة تصدر الصوت عن طريق النفخ.
المصادر والمراجع:
- ابن عربي (محي الدين)، الفتوحات المكيّة، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2006.
- ابن عسكر (محمد بن علي بن عمر الحسني الشفشاوني)، دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشائخ القرن العاشر، تحقيق: محمد حجّي، دار المغرب للتحقيق والترجمة والنشر، الرباط، 1977.
- ابن منظور (جمال الدين)، لسان العرب، دار المعارف، القاهرة.
- الأرشيف الوطني التونسي، صندوق 97 و 163.
- الإسكندري (تاج الدين أحمد بن عطاء الله)، الحكم العطائية، شرح: أبو العباس أحمد زروق، تحقيق: رمضان محمد بن علي البدري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2008، 272 ص.
- الإسكندري … ، لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس المرسي وشيخه الشاذلي أبي الحسن، مكتبة القاهرة، مصر، ط 4، 2009.
- جلاب (حسن)، محمد بن سليمان لجزولي (مقاربة تحليلية لكتاباته الصوفية)، تينمل للطباعة والنشر، مراكش، 1993.
- الرزقي. (الصادق)، الأغاني التونسية، الدار التونسيّة للنشر، تونس، 1967.
- زروق (أحمد) النصح الأنفع والجنة لمن اعتصم من البدع والسنة، مجموع الخزانة العامة بالرباط، رصيد الزاوية الناصرية، رقم 710 ق.
- الشافعي (أحمد بن عياد)، المفاخر العلية في المآثر الشاذلية، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004.
- شاهدي (الحسن)، أذكار الصوفية، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 2007.
- الغزالي (أبو حامد)، إحياء علوم الدين، 16 جزء، دار الشعب، القاهرة، بلا تاريخ، 3110 ص.
- الفاسي (أبو عبد الله محمد المهدي)، ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتبّاع وما لهما من الأتباع، رصيد قسم المخطوطات بدار الكتب الوطنيّة بتونس، رقم 12470.
- القاوقجي (محمد أبو المحاسن)، البدر المنير على حزب الشاذلي الكبير، المطبعة النصرية، الإسكندرية، 1314 هـ.
- القشيري (أبو القاسم عبد الكريم)، الرسالة القشيرية في علم التصوّف، شرح وتقديم: نواف الجرّاح، دار صادر، بيروت، لبنان 2001.
- الطوسي (السراج)، اللمع في التصوف، القدس للنشر والتوزيع، القاهرة، 2008.
- الكوهن الفاسي (الحسن بن محمد بن قاسم)، جامع الكرامات العلية في طبقات السادة الشاذلية، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001، 247 ص.
- المكي (أبو طالب)، قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد في مقام التوحيد، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1961.
- الملحوني (عبد الرحمان)، أضواء على التصوف المغربي (الطريقة العيساوية نموذجا)، ج 2، منشورات وزارة الثقافة المغربية، 2005.
المراجع الأجنبية
- Bachrouch (Taoufik), Le saint et le prince en Tunisie, Pub. Faculté des sciences Humaines et Sociales de Tunis, Université Tunis 1, Tunis 1989.
- Basset (Henri), Le culte des grottes au Maroc, Alger, Ancienne maison Bastide, Jourdan, Jules Carbonel, 1920.
- Boncourt (André), Rituel et musique chez les Aissaoua citadins du Maroc, thèse de 3ème cycle de l’Institut d’Ethnologie de la Faculté des Lettres et Sciences humaines de Strasbourg, France, 1980
- Brunel (René), Essai sur la confrérie religieuse des aissaoua au Maroc, librairie orientale, Paris, 1926.
- Drague (Georges.), Esquise d ‘histoire religieuse du Maroc, confréries et Zaouias, Paris 1951.
- Doutté (Edmond), Magie et religion en Afrique du Nord, Maisonneuve, Paul Geuthner, Paris 1984, (publié la première fois en 1909).
- Westermarck (Edward), les survivances païennes dans la civilisation mahométane, Payot, Paris, 1935.
_______________________
*نقلًا عن فصليَّة ” الثقافة الشعبيَّة”.