الدراسات والبحوث

مفهوم التدبير السياسيِّ في المنظومة العرفانيَّة

د. محمود حيدر

مفهوم التدبير السياسيِّ في المنظومة العرفانيَّة

د. محمود حيدر

مفكِّر وباحث في الفلسفة – لبنان.

تمهيد:

في سياق اندراج العرفان والسياسة ضمن وحدة مفهوميَّة، يصل العرفان بسيريَّته المعراجيَّة إلى مقام التدبير السياسي. لذا سنمضي نحو تأصيل الكيفية التي قارب فيها العرفاء مفهوم التدبير السياسي وغايته القصوى. ولأجل الإحاطة بهذا المسعى التأصيليِّ سوف نقترب منه على نحو ما جرى تظهيره في الفلسفة الأولى والحكمة الإسلاميَّة؛ ثم لنتاخم من بعد ذلك، سياسة العرفان في أدبيات التصوُّف الإسلامي. وإذا كنا قصدنا بالأصل جلاء الرؤية العرفانيَّة للسياسة وبيان طابعها المفارق، إلَّا أننا وجدنا أن تسري إجراءات التأصيل بدءًا من الحقل الجامع بين العرفان والأنظمة المشار إليها.

  • ماهيَّة التدبير السياسي:

ثمة حقل مشترك بين العرفاء والمتكلِّمين والفلاسفة على طائفة من القواعد والمفاهيم أهمها ما ذهبوا إليه في تعريف السياسة بأنها بيان فضاء النظر الذي يكون موضوعه الدرس والتحقيق والتفكّر بالحكومة وأنواعها وظواهرها، وكذلك بنظام المؤسسات والغايات السياسية. وبهذا المعنى الذي يصرِّحون به تكون السياسة نظير الحكمة العملية التي يطلق عليها في الفلسفة الإسلامية “تدبير المدن والعلم المدني” كما هو الحال عند الفارابي في “آراء أهل المدينة الفاضلة”، أو “الحكمة المدنية” كما يبيّنها الفيلسوف وعالم الأصول الخواجة نصير الدين الطوسي ويعرِّفُها بأنها “النظر في القوانين العامة التي تكون مقتضى المصلحة العامة، لكونها تهتم بالتعاون للوصول الى الكمال الحقيقي”[i].

أما الأصل الذي انعقد عليه الإجماع فهو أن الإنسان مدنيٌ بالطبع. أي أن طبع الإنسان يقضي برجوعه إلى أفراد نوعه لأجل رفع احتياجاته الأولية والضرورية. ولما كانت هذه الاحتياجات مرافقة للنوع، أوجبت تشكيل الاجتماعات التي يشكِّل أول أهدافها رفع الاحتياجات الأولية، وعلى هذا يتم تأسيس اللبنة الأولى للحضارة.

غير أن ما يميِّز السياسة عند العرفاء أنها تستمد مبادئها وغاياتها من الوحي. وهي عندهم الغاية الإلهية الفاضلة التي يفيض بها الحق تعالى على المختارين من عباده. كما في قوله تعالى:{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}[ii]. وفصلُ الخطاب هو جوهر الحكمة. ومن أفضاله وإحسانه تعالى على بعض خواص عباده إعطاؤه الحكمة لهم فسمَوا بذلك حكماء وعلماء. أي جعل من اختصه حكيماً تحكم عليه الحكمة، ويحكم بها. وإذا كانت السياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه –  كما في لسان العرب –  فهي بهذا التعريف عين ما قصدت إليه أدبيات التصوف. ولقد أوضح أبو البقاء الكفوي[iii] هذا المعنى لمَّا رأى إلى السياسة على أنها استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل، وهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم. وهي من السلاطين والملوك على كل فهم في ظاهرهم لا غير. وهي كذلك من العلماء ورثة الأنبياء على الخاصة في باطنهم لا غير. وأما السياسة الدينية فهي تدبير المعاش على العموم على سُنَن العدل والاستقامة[iv]. ومن هذا النحو يكون الأنبياء الذين أورَثوا الأولياء علوم الظاهر والباطن قد أتمُّوا غاياتهم بسياسة العدل والحق، وعن طريق المرابطة والجهاد هو “سبيل الله”{الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}[v].

2- الحكمة السياسيَّة بما هي علم تدبير

يقرِّر أهل الحكمة أن تلازماً لا انفصال له في الأبعاد التدبيريّة للشخصيّة الإنسانيّة. فلهذه الشخصيّة القدرة على رؤية حقائق الغيب في الواقع المرئي، وفقاً لمبدأ التواصل والتكامل بين الإيمان الديني والعمل السياسي. من أجل ذلك سنرى كيف يأتلف “التدبير” و “العبادة” في حياة الإنسان ائتلافًا حيًّا. ففي منظومة التدبير العرفاني إذا دبَّر الإنسان، كان عابدًا؛ وإذا عَبَد، كان مدبِّرًا؛ وهذه التبادلية الخلاَّقة قد تلتبس عند غير الأولياء والعرفاء. إذ عند هؤلاء غالباً ما ينقلب “التدبير” و “العبادة” إلى ضدّين متباينين؛ باعتبار أن العبادة لا تكون إلّا مع وجود الذلّة، بينما التدبير لا يكون إلّا مع وجود السيادة، والذلّة والسيادة لا تجتمعان أبدًا؛ فالذي تشابهت عليه هذه المفارقة أخذه السهوونسي كيف أن “تدبير الإله” و “تدبير الإنسان” يأتلفان في حياة الإنسان ائتلافًا حقيقيًّا، حتّى إذا دبّر الإله، كان الإنسان مدبّرًا؛ وإذا دبّر الإنسان، كان الإله مدبّرًا[vi]؛ أما غير العارف وهو المأخوذ بالمنهج الانفصالي بين الغيب والواقع، فقد انقلب “تدبير الإله”       و “تدبير الإنسان” عنده إلى ضدّين متباينين؛ ولَمّا فقَد هذا الإنسان الأفقي ذاكرته العموديّة، فقد اختار أن يسود، وأن لا يَعبُد؛ وما دَرَى أن عبادته لخالقه ليست كعبادته لإنسان مِثله؛ فإذا كانت عبادته لإنسان مِثله تُخرجه عن التدبير لنفسه، فإن عبادته لخالقه تزيده تدبيرًا على تدبيره! ولا دَرَى أن سيادة الخالق عليه ليست كسيادته هو على إنسانٍ مِثله؛ فإذا كانت سيادته على إنسان مِثله تسلُبه حريّته، فإن سيادة الخالق عليه تزيده حريّة على حريّته[vii]. من هذا النحو، يُنظر إلى السياسة كنظام تدبيري لمعاش الناس في اجتماعهم واختلافهم. ولفظة التدبير في لسان العرب، تُقال على معانٍ كثيرة، وأشهر دلالتها بالجملة تجري على ترتيب أفعالٍ معينةٍ نحو غايةٍ مقصودة. ولذلك لا يطلقونها على من فَعَلَ فعلًا واحدًا يقصد به غايةً ما. فمن اعتقد في ذلك الفعل أنه واحدٌ لم يطلق عليه التدبير، وأما من اعتقد فيه أنه كثيرٌ وأخذه من حيث هو ذو ترتيب، سُمّيَ ذلك الترتيب تدبيرًا، ولذلك يطلقون على الإله أنه مدبِّر العالم[viii].

ولكلمة التدبير– عند الفيلسوف ابن باجة[ix] – دلالتها على ما بالقوة التفكيرية أكثر وأشهر. والسبب يعود إلى أن هذا الكلمة تعني الإنسان وحده من بين جميع المخلوقات. ومن البيِّن – كما يقول ابن باجة- أن الترتيب إذا كان في أمور بالقوة فإنما يكون ذلك بالفكر، ومختصٌ به ولا يمكن أن يوجد إلا منه. ولذلك لا يمكن أن يوجد التدبير إلا للإنسان فقط، وما يقال عليه المدبِّر فإنما هو للتشبيه به. فالتدبير مقولٌ بتقديم وتأخير. وقد يقال التدبير على إيجاد هذا الترتيب على جهة ما هو متكوِّن، وهو في أفعال الإنسان أكثر وأظهر، وفي أفعال الحيوان غير الناطق أقل ذلك. وأما تدبير الله تعالى للعالم فإنما هو تدبيرٌ بوجهٍ آخر بعيد النسبة عن أقرب المعاني تشبُّهًا به؛ وهذا هو التدبير المطلق، وهو أشرفها، لأنه إنما قيل له تدبيرٌ للشَّبَهِ المظنون بينه وبين إيجاده تعالى للعالم. ثم يمضي ابن باجة إلى تأصيل التدبير كمفهوم سياسي، فيلاحظ: أن التدبير إذا قيل على الإطلاق دلّ على تدبير المُدن، وإذا قيل بتقييد فإنه ينقسم بالصواب والخطأ. وقد يُظنُّ أن التدبير قد يُعرّى من هذين المتقابلين، وإذا فُحص عنه وتُعُقِّب ظهر أن هذين المتقابلين يلزمانه ضرورةً. وتعقُّب ذلك قريبٌ على من كان له أدنى وقوفٍ على الفلسفة المدنية. فالصنفان اللذان يختصَّان باسم التدبير قد ينقسمان إلى الصواب والخطأ[x].

إلى هذا تدخل صفة التدبير كعنصرٍ تكوينيٍّ في تعيين ماهيَّة الدولة وهويتها كما تُبيّن كلاسيكيّات الفلسفة السياسية الإسلامية. وهو ما يواصل بيانه ابن باجة في “الرسائل الإلهية” حيث يقول: “إن تدبير المدن أمرٌ بيَّنه أفلاطون في السياسة المدنية، كما بيَّـن ما معنى الصواب فيه ومن أين يلحقه الخطأ. وأما تدبير المنزل، فإن المنزل بما هو منزل، فهو جزء مدينة. ولذلك لم يجعل جزءًا من الصناعة المدنية تدبير المنزل. وأما في غير المدينة الفاضلة، فإن المنزل فيها وجوده ناقصٌ وإن فيه أمرًا خارجًا عن الطبع. وبَيِّـنٌ مما قلناه أن المنازل، ما عدا المنزل الفاضل، مرضى وكلها منحرفة، وليست موجودةً بالطبع وإنما وجودها بالوضع”[xi].

لقد أخذت السياسة لدى الإغريق منحَيَيْن في التعريف، وكل تعريف يتصل بنظيره اتصالاً ما، وينفصل عنه انفصالاً ما. وعلى سبيل التبيين فإن نظرية أفلاطون كانت في الغالب ذات بعد مركب: واقعي وميتافيزيقي. فالجمهورية عنده هي التجلي الواقعي المتصوّر للسياسة الفاضلة. في حين لم تكن نظرية أرسطو السياسية تأخذ البعد نفسه، وإنما كانت أقرب ما تكون إلى القانون السياسي بمعناه الحديث؛ أي تنظيم سلطة الدولة وتدبير المجتمع المدني. وهنا يلاحظ اختلاف بين منهج أرسطو في الدولة، ومنهج أفلاطون. إذ بينما يبدأ المنهج الأفلاطوني بالنظر إلى الدولة كما يجب أن تكون، وبصرف النظر عن الأوضاع التي توجد فيها، كان أرسطو يهتم في بحثه بنشأة الدساتير المختلفة، ويدرسها باعتبارها نظماً ممكنة للحكم.

وهذا يعود إلى أن أرسطو لم يكن في الواقع فيلسوف دولة بمعنى الكلمة، وإنّما كانت الفلسفة السياسيّة شيئاً مضافاً لمذهبه، وذلك بعكس ما كانت الحال عليه تماماً عند أفلاطون. وإذا كان أرسطو قد جعل الدولة تقوم أيضاً على الأخلاق، وجعل الغاية منها أن تحقّق الخير كما فعل أفلاطون، فإنّه لم يفعل ذلك بالطريقة عينها، وإنّما طالب الدولة فقط بأن تميِّز بين العدل والظلم، بين الحقّ والباطل؛ وأن يكون من شأنها أن تحافظ على القيم العليا، وأن تمنع القيم الدنيا من أن تظهر أو تتغلَّب[xii].

مع اليونان ومن تلاهم، ستشهد السياسة كمفهوم وكعلم لإدارة الشأن العام توسعاً ملحوظاً في آفاق التنظير. وهو ما صار يعرف بـ “الفلسفة السياسية، أو فلسفة السياسة[xiii].

أما في الفلسفة الإسلامية الكلاسيكية فتحيط الحكمة بالسياسة بآفاقها المتعددة في الحياة الإنسانية حيث تجمع إلى الحقل الانطولوجي، الحقل الانثروبولوجي. لهذا جاء تعريف السياسة جامعاً لهذين الحقلين معاً. فهي تعني من ناحية: “العلم بالأشياء كما هي عليه، ومن ناحية ثانية، القيام بالأعمال كما ينبغي وبقدر الاستطاعة لتصل النفس الإنسانيّة إلى كمالها اللاَّئق بها[xiv]“. ولقد سعى الفلاسفة المسلمون إلى فهم حقائق الوجود من خلال المعرفة التي تبحث عمّا ينبغي أن يحقق سعادة الإنسان. والمقصود هنا بالذات، هي الحكمة العمليّة التي قسموها إلى ثلاثة أصناف أساسية:

الأول: علم تهذيب النفس: وهو علم يهتمّ بالأخلاق الفرديّة وطرق تهذيب الأفراد.

الثاني: تدبير المنزل: وهو العلم الذي يتكفّل بالاهتمام بالمجتمع الصغير المعروف باسم (العائلة) لتأمين احتياجاته ومعيشته.

الثالث: العلم المدني: وهو العلم الذي يتكفّل بيان آليات تدبير المدينة على نحوٍ يوفّر للأفراد طرق الوصول إلى السعادة. ويسعى الفيلسوف في هذا الصنف من الحكمة إلى تأسيس المدينة الفاضلة التي يتمكّن في أرجائها من تعريف الأفراد بالسعادة الحقيقيّة، وتهيئة الأسباب المؤديّة لتخلّق أفراد المدينة بالأخلاق العمليّة. ولمَّا كانت مقتضيات التخلُّق توفير الحاجة إلى قانون يحقّق الفضيلة في المجتمع، يعمد الحكيم إلى التمييز بين المصالح والمفاسد، والخيرات والشرور، والفضائل والرذائل، وتعليم ذلك للناس؛ ليميّزوا بين الفعل الحسن والفعل القبيح، والتصرّف في ما يحيط بهم بالنحو الذي يطلبه الحكيم منهم. وهذه الاستجابة من الناس تُمكّن الحكيم من جعل القوانين التي يكون فيها خيرهم وتحقيق مصالحهم، وتُمكّن الناس من خلال العمل على أساس هذه القوانين من فعل ما فيه المصلحة وترك ما فيه المفسدة. وكذلك لا بدّ لحكيم من استنباط الصناعات المتعدّدة والمختلفة ليقوم على أساسها بتنظيم العلاقات بين الناس وتنظيم أمور الاجتماع السياسي[xv]. ومما يجدر الإلتفات إليه، أن سياسة الحكماء المسلمين لا تنأى عما استظهرته تأسيسات أبو نصر الفارابي للمدينة الفاضلة[xvi]. بل يمكن القول أنّ نظريّته في التدبير السياسي هي تتويج لمنظومته المعرفيّة، وتشكّل ركناً أساسيّاً في هندستها. فلقد جعل الفارابي الوعي بدرجاته المختلفة شرطاً أساسيّاً للحاكم والمحكوم في مدينته الفاضلة. الوعي بالذات والوعي بالآخر. وبما أن الوعي أساس كل معرفة، فقد أسّس نظاماً معرفيّاً متكاملاً يمثّل حجر الأساس في نظريّته السياسيّة والاجتماعيّة[xvii]. فالحاكم في مدينته هو أكمل الأفراد معرفة وسلوكاً وموهبة لأنّه يمتلك استعداداً فطريّاً لذلك. وأما وجوده فهو شرطٌ أساس لقيام المدينة الفاضلة وحصولها. من هنا صح القول أن الإصلاح السياسي لا يتأتّى إلّا عن طريق إصلاح رأس السلطة، ومن دون ذلك يغرق المجتمع في ظلام المدن الضالّة والفاسدة. ويؤّكد الفارابي تحت تأثير نظريّته في المعرفة أن الرئيس الفاضل، هو الإنسان الذي استكمل فصار عقلاً ومعقولاً بالفعل، وتلك درجة لا يرقى إليها إلّا الأنبياء المصطفون، وقد ينالها الأولياء العارفون. الأمر الذي يؤكد التحام البُعدان المعرفي والسياسي وتماهيهما في فلسفته. وإذا كان أفلاطون قد اشترط أن يكون الحاكم فيلسوفاً أو حكيماً، فإن الفارابي اشترط أن يكون رئيس المدينة الفاضلة نبيّاً، أو إماماً عادلاً، أو حكيماً فاضلاً، أما أفلاطون فقد بقي أسير النظرة الضيّقة إلى المدينة الأثينيّة التي أسّس نظريّاته السياسيّة بناء عليها، ولم يخرج إلى الإطار الإنساني والعالمي الرحب كما فعل الفارابي[xviii].

على أن التغطية الفلسفية للمشروع السياسي العرفاني لا تقتصر على ما ابتناه الفارابي من أركان في مدينته الفاضلة، فقد انبرى جمع من الحكماء والفلاسفة المسلمين إلى التنظير لمنظومة شاملة في التدبير السياسي. وسنجد في أعمال الخواجه نصير الدين الطوسي ما يضيء على جانب أساسي من جوانب هذه المنظومة. فقد رأى أن للسياسة في الحكمة الإسلامية مناشئ ثلاثة هي: الغريزة، والعقل والشرع.

– منشأ الغريزة، لأن الإنسان كان مجبولاً على القوى الشهويّة والغضبيّة، وتحريكها للنفس الحيوانيّة لفعل ما ترغب به وترك ما تنفر منه، وكان ذلك سبباً لتعارض المصالح والفاسد بين الأفراد وتزاحمها، وخروج الأفراد عن حدّ الاعتدال في طلبهم لما يحتاجونه. ولا بدّ للوصول إلى حالة الاعتدال في الشهوات من سياسة حاكمة تؤدّي دورها في تدبير طبائع الأفراد وتتمكّن من تنظيمها[xix]. فالسياسة ضروريّة ليتمكّن السائس (الحاكم) وبالشكل المناسب من وضع قوانين تُلزم الأفراد برعاية الاعتدال في الوصول إلى ما يحتاجون إليه([xx]).

– منشأ العقل، لأنه بعد تنظيمه لعلاقات الأفراد يدخل في عمليّة التخطيط والتنظيم للاجتماع السياسي؛ لأنّ بقاء المجتمع السياسي يتوقّف على هذه المرحلة من التدبير، أي توجيه وتنظيم القوى والمؤسّسات والفعاليّات التي يحتاج إليها وعلى أساسها يقوم المُلك. كما أنّ قوام هذه السياسة إنّما هو بالحكمة، أي أنّ قوام السياسة إنّما هو في بُعد النظر وملاحظة مصالح النوع الإنساني ووضع القوانين ليتمكّن المجتمع من الوصول إلى الغاية المنشودة. ووضع هذه القوانين لا بدّ وأن يكون على أساس العدالة التي هي أساس الحكمة العمليّة[xxi].

وأمّا منشأ الشرع، فلكونه الدليل إلى مرتبة معيّنة من مصالح ومفاسد النوع الإنساني في الاجتماع السياسي، والتي لا يصل إليها العقل الإنساني مستقلّاً. ولو ترك الشارع الناس من دون إرشاد منه لما تمكّنوا من الوصول إلى هذه المصالح والابتعاد عن المفاسد[xxii].

وإلى ذلك، فقد قسّم الحكماء السياسة إلى أقسام أربعة:

الأول: سياسة الملك (السياسة الإلهيَّة وسياسة أهل الفضل).

الثاني: سياسة الغلَبة (السياسة الدنيئة).

الثالث: سياسة الكرامة.

الرابع: سياسة الجماعة.

وفي بيان هذه الأقسام، وخصوصاً منها السياسة الإلهيّة، فإن هذه السياسة هي غاية ما يقصده الحكماء ولا سيما العرفاء، في الاجتماع الإنساني. فالسياسة الإلهيَّة، أو ما يسمِّيه الفارابي بـ “سياسة الملك”، هي التدبير المبني على أساس الحكمة القائمة على المعرفة التامّة بالإنسان وبعالم الوجود وبالغاية والمبدأ والمعاد. وعلى أساس هذه المعرفة تقوم السياسة التي تكفل وصول المسوسين إلى الأهداف والغايات من المبدأ والمعاد، والرقيَّ بهم نحو المقامات العليا. وضمن هذه السياسة يتمكَّن الإنسان من الوصول بما لديه من استعداد شخصي أو نوعي إلى كماله المطلوب. ومنشأ هذا الكمال هو الحكمة، ويشكِّل الوحي المصدر الوحيد لهما، وعلى أساس هذه الحكمة يكون الفعل الصادر من الإنسان تدبيراً حكميَّاً. وهذه هي التي تقال لها السياسة الإلهيّة. ويقول الطوسي في توضيح ذلك: “إذا كان هذا التدبير على وفق الواجب وما تقتضيه الحكمة، وأدّى للوصول إلى الكمال الموجود عند النوع أو الشخص سمّي بـ (السياسة الإلهيّة). وهذه الأخيرة هي تلك التي تعتمد على تدبير مصالح النوع والفرد بنحو تسير به إلى كمال نفسه على المستويين النظري والعملي، أي أنّها توجب حصول الشوق في النفس لإدراك المعارف ونيل العلوم؛ ليصل إلى معرفة حقائق الوجود ومراتب الموجودات بالقدر الممكن له([xxiii]).

وما من ريب، فإن ثمة تناغماً تنظيرياً بيِّناً بين الفلاسفة والمتكلمين المسلمين في ما يرتبط بالتدبير السياسي. وهذا عائد إلى الوصل الوطيد الذي أقاموه بين الحكمة الفلسفية كما أخذوها عن أسلافهم وبين آيات التدبير في القرآن الكريم. فعلى سبيل المثال تبدو السياسة وتدبيراتها عند الفيلسوف العارف عبد الرزاق الكاشاني المعروف بـ “الفيض” (1007هـ-1091هـ) عبارة عن سلسلة متصلة من المرتكزات والقواعد. وقد أوردها في كتابه “علم اليقين” على الوجه التالي:[xxiv]

أ- تسييس وتربية الإنسان بهدف الوصول إلى كماله الوجودي اللائق به.

ب- وضع الإنسان على جادة الخير والسعادة[xxv].

ج- الاهتمام بتدبير معاش ومعاد الإنسان.

د- جمع أفراد الناس في نظام لائق بالجماعات البشريّة.

هـ- إستعمال العقل العملي وتهذيب الأخلاق، سواء كان السائس من الخارج مثل السلطان، أم كان من الداخل مثل حسن تدابير النفس.

والسياسة عند الكاشاني على أنواع أو مراتب عدة، هي على الوجه التالي[xxvi]:

أولاً- سياسة الأنبياء: وهذه السياسة هي سياسة الإنسان الكامل، وهي أكمل أنواع السياسات لأنّها تحفظ الاجتماع الضروري للناس، وكذا تقوم بتقوية الجنبة الراقية للحياة الإنسانيّة.

ثانياً- سياسة الملوك والسلاطين: باعتقاد الكاشاني أن هذا النوع من السياسة وحده يقوم بإصلاح مجموعة النفوس الجزئيّة ونظام اعتياشها، حتى تكتب لها الكينونة في الدنيا وحسب. من هذه الناحية، فقد سُمِّي هذا النوع من السياسة بالسياسة الدنيويّة والضروريّة. ويعتبرها الفيض حافظة للاجتماع الضروري للناس لا غير.

ثالثاً: سياسة العلماء: العلماء عند الفيض الكاشاني على ثلاث فئات:

الأولى: أولئك الذين يعلمون العلم الظاهر وحَسْب، وهذه الفئة من العلماء ليس لها صلاحية قيادة الخلق، وإن كان يهتدي بهم عوامّهم المنحرفون وينتفعون منهم بالعَرَض.

الثانية: هم العلماء الذين يعلمون العلم الباطني فحسب. وهم مثل النجم الذي لا يتجاوز ضوؤه أكثر من نفسه. ولا تنبعث عن هذه الطائفة إلّا نادراً؛ لأنّهم ليس بمقدورهم أن يستخرجوا ماءً أكثر مما يكفي لبساطهم. وبسبب أن العلم الباطن من دون الظاهر لا يمكن أن يكون له سعة وإحاطة، فلا يمكن أن يبلغ الكمال.

الثالثة: هم العلماء الذي يعلمون علم الظاهر والباطن أيضاً. ومثلهم مثل الشمس التي يمكنها أن تضيء العالم. وهم جديرون بقيادة الناس وهدايتهم. والواحد منهم يمكنه أن يستوعب شرق العالم وغربه وأن يكون قطب وقته[xxvii].

أما خلاصة آراء الفيض الكاشاني السياسيّة فمؤدَّاها أن الإنسان محتاجٌ في السياسة إلى جهتين، هما: “التربية” و “التدبير”. فمن جهة لا يمكنه من دون التسييس والتربية أن يُحصِّل الغاية التي خلق لبلوغها، ومن جهة أخرى لا يمكنه العيش في هذه الدنيا بدون السياسة وتدبير المعيشة الدنيويّة. ويرى أنَّ هاتين الجهتين من السياسة إنّما تحصلان بالسياسة الشرعيّة فقط؛ لأن الشرع دستور إلهي أُرسل بهدف سعادة الإنسان الأبديّة، وتديره العقول الكاملة، وبوسع الإنسان باتّباعه لها وارتضاء سياستها وتدبيرها أن يحصل على مقام الإنسانيّة الراقي، وسعادة الجوار الإلهي الذي هو الهدف من خلقة الإنسان[xxviii].

3 – ماهيَّة السياسة في التدبير العرفاني

أعربت تنظيرات العرفاء عن المكانة الاستثنائية للسياسة في اختباراتهم عبر أزمنتهم المختلفة. وهو ما تفصح عنه مدوَّناتهم حول سِيرَهُم الذاتية وتجاربهم الروحية والمعنوية. ولعل أظهر ما آلت إليه تلك التنظيرات، تقريرهم أن الحق الأول تعالى أوجب السياسة على الإنسان كمهمة ينبغي له أن يؤديها بالعمل والنظر في سياق تكليفه واستخلافه. فقد وجدوا أن كل مسألة لا يبنى عليها عمل، فالخوض فيها غير مستحسن، لأن عامة المشتغلين بالعلوم التي لا تتعلق بها ثمرة تكليفية تُدخل عليهم الفتنة والخروج عن الصراط المستقيم.. فالعلم المعتبر – طبقاً لهذا الرأي – هو العلم الباعث على العمل[xxix]. أما التدبير في لغة العرفاء فهو النظر في الأمور وأواخرها. وفي اصطلاحهم- كما يقول الشيخ العارف ابن عجيبة الحسني(1162-1224هـ) – هو تقدير شؤون يكون عليها في المستقبل بما يخاف أو يرجى بالحكم لا بالتفويض، فإن كان مع تفويض وهو أخروي ففيه خير، أو طبيعي فشهوة، او دنيوي فأمنية. وإذن، فالتدبير عنده على ثلاثة أقسام: قسم مذموم، وقسم مطلوب، وقسم مباح. فأما القسم المذموم: فهو الذي يصحبه الحزم والتصميم سواء كان دينياً أم دنيوياً لما فيه من قلة الأدب وما يتعجله لنفسه من التعب، إذ ما قام به الحي القيوم عنك لا تقوم به أنت عن نفسك، وغالب ما تدبره لنفسك لا تساعده رياح الأقدار، وتعقبه الهموم والأكدار. وأما القسم المطلوب، فهو تدبير ما كلفت به من الواجبات، وما ندبت إليه من الطاعات، مع تفويض المشيئة والنظر إلى القدرة، وهذا يسمى النية الصالحة وقد قال النبي(ص):“نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، وَعَمَلُ الْمُنَافِقِ خَيْرٌ مِنْ نِيَّتِهِ”. وأما القسم المباح: فهو التدبير في أمر دنيوي أو طبيعي، مع التفويض للمشيئة والنظر لما يبرز من القدرة، غير معوّل على شيء من ذلك[xxx].

في أحقاب متقدمة نَحَتْ تنظيرات التدبير نحواً جاز معه الكلام عن فقهٍ سياسيٍ عرفانيٍ بيٍّن المعالم. هذا ما سنجد مثالاً عليه في أعمال الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي حيث يتخذ مفهوم التدبير وجهة التأسيس لفلسفة سياسية يمكن القول أنها تشكل نقطة الجاذبية في منظومته العرفانية.

في كتابه “محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار”[xxxi] يسرد ابن عربي قصة وقوفه على مضمون كتاب سر الأسرار لأرسطو، ويشبِّه محتواه بدائرة تتضمن سلسلة متصلة من الحلقات: -العالم وهو كالبستان سياجه الدولة، والدولة سلطان تحجبه السنَّة. والسنَّة سياسة يسوسها الملك – والملك راع يعضده الجيش، والجيش أعوان يكفلهم المال، والمال رزق تجمعه الرعية، والرعية عبيد يعبدهم العدل، والعدل مألوف فيه صلاح العالم، العالم بستان ودار الدُور[xxxii].

أما في كتاب “التدبيرات الإلهية” يحاول ابن عربي تحديد مفهوم سياسة التشريع وترتيب وظائف العاملين في الدولة وعلاقتهم بعضهم ببعض، وكيفية إدارة تلك الدولة كنموذج لنظام حكومي سياسياً ومدنياً وأخلاقياً، ونلمس فيه أن السياسة والأخلاق متداخلتان من خلال الوصايا الدينية والنصائح السياسية، وأن ابن عربي عندما أخذ التطرق إلى علم السياسة، والتي لم تكن كأي سياسة متعارف عليها في قاموسنا اليوم، كان يضفي عليها بعداً جديداً وهو “تخلق السياسة” المرتكز إلى علم التصوف الذي هو في الأساس علم التخلُّق[xxxiii]. بالإضافة إلى تلك المقارنات والمقابلات التي كان يقوم بها ابن عربي بين الإنسان الكامل (في التصوف) وبين دولة المدينة (السياسة) يظهر هذا التداخل بين التصوف والسياسة، حيث شبه العالم الأكبر بالإنسان، والإنسان (العالم الأصغر) بالعالم الكبير، ويرى أن كل ما وُجِد في العالم متفرِّقاً وُجد في العالم الإنساني مجتمعاً. هذه المقارنات التي يجريها الشيخ الأكبر بين الجسد الإنساني ونظام الحكم ينتهي إلى التناظر الوثيق بين جسد الإنسان ووظائفه وجسد الدولة ووظائفها وواجباتها. فالجسم الإنساني كما يقول هو كالمُلك فيه رعية وأرباب دولة للخليفة (التي تسمَّى حضرة الجسم)، وهذه المدينة قائمة على أربعة أعمدة هي “العناصر”، والقلب هو مسكن الخليفة وموضع أمره للجسم /الرعية {ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن..}[xxxiv]. أما “الدماغ فمسكن الوزير الذي هو العقل، والنفس محل التغيير والتطهير ومقر الأمر والنهي وهي الليلة المباركة التي يُفرق كل أمر حكيم… وهي كريمة هذا الخليفة وحُرّته، وبكلمات فإن ابن عربي أسَّس لنموذج دولة مدنية ذات نظام شورى، دستورها الشريعة الإسلامية، والعدل أساس حكمها. وبرأيه أن نظام الشورى ضروري في نظام الحكم السياسي ويربطه ببقاء المملكة واستقرار ملكها، وهو واضح في قوله “وإياك وإنفاذ أمر في ملكك حتى تُشاور فيه وزيرك فإنه في مشاورتك إياه تثبت مودتك في قلبه، والمودة تورث الشفقة، والشفقة تورث النصح، والنصح يورث العدل، وبالعدل بقاء المملكة، هكذا ينبغي أن تكون صفات الإمام وأحواله وإلا هلك ويُهلك”.[xxxv] وتحت عنوان “سياسة مدينة” نقرأ مقابلته بين أعضاء الجسد الإنساني ووظيفتهم فيه، وأعضاء جسد الدولة ووظيفتهم فيها، يقول ناصحاً الحاكم باتخاذ الشورى مبدأ لحكمه: “إصغِ إلى سياسة مدينة من أخ شفيق عليك، رفيق بك، بل ينبغي لك عندما تريد أن تبرز لأهل مملكتك وتظهر في عالمك المتصل والمنفصل من عالم الملكوت والجبروت والشهادة، فلتقدم وزيرك العقل على جميع مملكتك يَقُم فيهم مقامك ويعرفهم بتجلِّيك لهم…”[xxxvi]. أما في تحديد مضمون دستور الدولة فسيظهر لنا حرصه وغيرته الشديدة على تحكيم الشريعة الإسلامية وتطبيقها في البلاد التي يحيا فيها المسلمون. وقد قال بفتوى تحجير إقامة المسلمين ببيت المقدس مادامت تحت حكم الكفار، وذلك حرصاً منه على قدرة المسلمين ممارسة شعائرهم من دون قيود، والتأكد من عدم إهانة الدين الإسلامي، أو تقييد إعلاء كلمة الله وقول الحق، أو الانجرار إلى الأهواء في بلد يكون واليها كافر، بل ولقد أمر بالهجرة من بلاد يحكمها غير المسلمين[xxxvii]. ولأن أساس كل حكم مدني ومعيار إحقاق الحق وإبطال الباطل هو العدل الذي شكّل منطلقاً قيمياً في القرآن الكريم نجد كيف أن ابن عربي يعي هذه القيمة جيداً، ويتناولها بجدية في جلّ كتبه كأساس لقيام دولة الحق.

ففي كتاب “التدبيرات” يخصِّص ابن عربي باباً بعنوان: “في العدل وهو قاضي هذه المدينة القائم بأحكامها”، وفيه يؤكد على أن العدل هو الحاكم الشرعي لمملكة الملك، والمبقي عليها، والمنتصر لها من الأعداء، وعلى أن يكون العدل حكمنا في الظاهر والباطن، وقد أمر الله تعالى بالعدل حين قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[xxxviii] وذم من لم يتصف به أو لم يجعله حاكماً عليه، فقال: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}[xxxix]، ويقول: “إن الملك جسد روحه العدل”، ويستشهد بوصايا بعض الحكماء عن العدل قائلاً: “لا تكن حلواً فتشرط ولا مراً فتعفى”[xl]. والعدل أصلاً ميزان الباري كما يقول ابن عربي، وأن أول العدل أن يبدأ الإنسان بسياسة نفسه فيتحلَّى بكل الخصال الزكية الفاضلة، والتي منها توصله إلى سياسة الناس. فمن “لم يرحم الناس منعه الله من قدرته، إن العدل ميزان الله وضعه للخلق ونصبه للحق فلا تخالفه في ميزانه ولا تعارضه في سلطانه، استغنى عن الناس بخلَّتين قلَّة الطمع وشَّدة الورع”[xli]. وإذا ما بدأ كل إنسان بنفسه بالتحلِّي بالأخلاق الإلهية فإن العلاقة بين الحق والعبد، السيد والعبد، الحاكم والشعب تصبح علاقة متبادلة متعادلة في ضوء التخلق بالاسم العدل، لأننا كما نطلب من الحق العدل في حكمه علينا، كذلك يطلب منا الحق العدل في حكمنا عليه بما نطلبه منه على حد ما شرعه الله. وعندئذ نصبح مرآة تعكس هذه الصفة، أي صفة العدل على العالم أجمع.

وعليه يجوز القول أن كتاب “التدبيرات الإلهيَّة” لابن عربي هو في مقاصده وغاياته يستجلي بنية فلسفة سياسية إلى حد بعيد. فقد أودع في هذا الكتاب من معاني تدبير الملك أكثر من الذي أودعه الحكيم ويقصد أرسطو. يضيف: لقد بينَّت أشياء أغفلها الحكيم في تدبيره الملك الكبير، وعلقته في ما دون الأربعة الأيام، بمدينة مورور، ويكون جرم كتاب الحكيم في الربع أو الثلث من جرم هذا الكتاب[xlii]. وهكذا تظهر نزعة تفوق الصوفي المحقِّق (ابن عربي) على أرسطو الفيلسوف كيفاً وكمَّاً. بل ثمة من يمضي إلى أكثر من ذلك ليقول: إن مغزى اجتماع ابن عربي بإبن رشد، بحسب رواية ابن عربي في الفتوحات، هو المغزى نفسه الذي يمكن استنتاجه من تعامله مع مؤلفات الحكيم أرسطو، ألا وهو امتياز الصوفي المحقق بامتلاك الحقيقة التي تؤدي إلى سعادة الإنسان الأخروية. وهي القضية التي ركز عليها أبو محمد الموروري حينما طلب من أبن عربي تأليف التدبيرات[xliii].

ويمكننا العثور على نصوص فلسفية أخرى في الفتوحات المكِّية، وعلى معطيات متنوعة تبدي انفتاح ابن عربي على الفكر الفلسفي السياسي في إطار توجُّهاته الصوفية، لنأخذ مثالاً على ذلك: السياسة على طريقة الفلاسفة، وهي التي يطلق عليها اسم “السياسة الحكمية” والتي تهتم بمصالح العالم، ولم يأت بها الشرع. في هذا الصدد كتب ابن عربي يقول: “عند فقد الأنبياء وأزمنة الفترات، تنزل بها ملائكة الإلهام واللمَّات على قلوب عقلاء الزمان، وحكماء الوقت، فيلقونها على أفكارهم، لا على أسرارهم فيضعونها ويحملون الناس عليها والملوك، وما فيها شيء من الشرك[xliv]. وبناء على ذلك، فإن أفكار الفلاسفة والعقلاء في الأزمنة التي تخلو فيها الأرض من الأنبياء، إنما تعود إلى أصل ملائكي. وهي صالحة لخدمة مصالح البشر الدنيوية بانتظار أحد الأنبياء. ويمكننا أن نفهم من هذه الفكرة بأن الفلاسفة اليونانيين الذين عاشوا في زمن “الفترة”: الخالية من الأنبياء، تلقوا من الملائكة فكراً ساعدهم على تسيير شؤونهم الدنيوية بنجاح[xlv].

4- القائد السياسي أو الإمام المدبِّر

نقطة الدائرة في فلسفة ابن عربي السياسية تمكث في تنظيره للإمام المدبِّر الذي هو سيقود دوره المُلك في المنعطفات الكبرى للحياة البشرية. أسس ابن عربي ماهية الإمام كمدبِّر للاجتماع السياسي على مهمته الدينية وتكليفه الإلهي وما ذاك إلا لجوهرية مفهوم الاستخلاف وعمارة الأرض، وهو بذلك لم يفصل بينهما فصلاً تاماً، تارة يفصل وتارة أخرى يجمع، فالخليفة بالمعنى السياسي المرتكز على الديني يتجلَّى في قوله[xlvi]: “لما نظروا إلى عدل هذا الخليفة في ملكه واستقامة طريقته، وفي هباته وأحكامه وقضاياه سمُّوه مركز دائرة الكون لوجود العدل به”[xlvii]. وبقطع النظر عما إذا كان هذا الخليفة موجوداً عيناً في الحقبة التي عاش فيها الشيخ الأكبر أم لا، فإن تنظيره لماهيَّة الإمام المدبِّر وغايته الكبرى تنطوي على أبعاد تجاوز ما درجت عليه الميتافيزيقا السياسية الكلاسيكية.

من المعلوم أن الإنسان الكامل حسب ابن عربي- هو المخلوق على صورة الرحمن، وهو النسخة الكاملة والمدينة الفاضلة، وقد اختار اسم “المدينة الفاضلة” لأن اللفظ الأول منها يتضمن إشارة إلى تمام الإنسان وجمعيته، واللفظ الثاني منها يتضمن إشارة إلى شرفه على بقية المخلوقات[xlviii]. هذا الكامل/المدينة الفاضلة من أهم صفاته العدل والإنصاف؛ فيعطي كل ذي حق حقه، ويكون هو النواة لإصلاح المدينة والمجتمع ككل من خلال فلسفة سياسة أخلاقية. فالسياسي الأخلاقي هنا هو ذلك الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها[xlix] والخليفة في الأساس ينبغي له التخلق “بأسماء من استخلفه حتى يظهر ذلك في أخلاق رعيته وفي أفعالهم”[l].[li]. وللإشارة فإن منازل ومقامات الخلافة على الأرض عند ابن العربي هي: الولاية، والنبوة، والإمامة، والأمر، والملك[lii]. وفي شكل الخلافة نلمح عند ابن عربي وحدة الخليفة الظاهر والخليفة الباطن أو السياسي والديني، حين يقول: إنها “مرتبة تحوز الملك الظاهر والباطن فإذا تقاصر الخليفة الحق أي المستخلف من الله عن الظهور بها في الخلق احتجب بشخص خليفة الظاهر وأمدَّه بالحكم والتصرف”[liii]. أما ما يتصل بالإمام فإن له مقاماً مخصوصاً، حيث يطلق ابن عربي على الإمام اسم “قطب الوقت”، ويعني بذلك أن صاحب هذا الإسم يستطيع أن يجمع الإمامتين السياسية والدينية في الآن نفسه.[liv] “وهذا القطب خيَّره الله تعالى إما الظهور بالسيف فكان خليفة بالظاهر.. و”لهذا الإمام نائب وهو الخليفة ومن الممكن أن يعدل أو يجور.. وقد يكون عادلاً بحسب ما وفقه الله تعالى إلى ذلك..”.[lv]

يستفاد مما مرَّ معنا أن التدبير السياسي العرفاني له ما يسدده من الوحي، وتلك هي منطقة المفارقة مع ما تقرره الميتافيزيقا السياسية المنحكمة إلى العقل المقيّد. وهذا ما سنأتي إلى بيان مبانيه في الفصول اللاَّحقة. من أجل هذا أمكن القول أن التدبير العرفاني غير منفصل البتة عن الآمرية الإلهية. وها هنا بالتحديد تستوي جوهرية الارتباط بين الشريعة والحقيقة، وتوضيح ذلك أن سياسة العارف هي عين السياسة الإلهية التي قررّتها الشريعة. ولمّا كان التدبير عند العرفاء أمراً موصولاً بالتدبير الإلهي ولا ينفصل عنه البتة، فذلك يعني أن كل سياسة لا تعتني بمثل هذا الوصل هي سياسة مقطوعة عن الأصل ولا ديمومة لها. ومثل هذه السياسة عند العرفاء كمثل ما جاء في سورة العنكبوت{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[lvi]. وأما مقتضى السياسة الإلهية فهو العمل بالأمرية الإلهية على شهود الآمرية الإلهية، بحيث يكون التدبير، في الآن نفسه، أمرياً وشهودياً؛ فإذا أتى المأمور أمراً من الأوامر المنزلة شهد، في ذات الوقت، الآمر الإلهي.[lvii](…) فالواجب في التعامل مع الأمر الإلهي أن يتلقاه المأمور، لا بجوارحه فحسب، بل أيضاً بروحه؛ بل الأصل في هذا التعامل أن يتلقى الأمر الإلهي أول ما يتلقاه بروحه، حتى إذا وعته حق الوعي وقام بها مقصده، استنهضت جوارحه إلى الاتيان به؛ والروح تشهد كما تشهد العين، إلا أن مشهودها ليس مشهود العين، ولا وجه شهودها وجه شهود العين، ومَثَلُ الروح في ذلك مَثَلَ العقل، فهو يشهد كما تشهد العين، لكن موضوع شهوده وطريقته غير موضوع شهودها وطريقته؛ ولا غرو أن يسمى نتاج العقل، بل العقل نفسه، باسم “الرأي”، وهو مشتق من نفس الأصل الذي اشتق منه اسم “الرؤية”، فنسبه الشهود إلى الروح كنسبة الرأي إلى العقل؛ وعلى هذا، فإذا كانت العين تشهد في الأوامر الإلهية صور الأعمال التي تقضي بها وحركاتها وآثارها، فإن الروح تشهد في هذه الأوامر الأفعال والأوصاف والأسماء التي يختص بها الآمر الأعلى سبحانه وتعالى، إذ هو المصور والمحرِّك والمؤثِّر.[lviii] بيد أن الاستعداد لهذا الشهود – على ما يبيِّن الفيلسوف طه عبد الرحمن – لا يدرك إلا بعد أن تكون الروح قد بُعثت من قبر النفس بفضل عمل في الأعماق تصفو به الروح وتزكو؛ وتعرف كيف تحقق الوصل بين التدبيرين الديني والسياسي بفضل شهود المدبر الأعلى فيهما، وبحيث يصبح التدبير تعبّداً والتعبّد تدبيراً. لذلك، لم يكن بد من تحصيل تصور لصلة الدين بالسياسة يكون مبنياَ على العمل بالتدبير التعبدي الذي  يكون مبناه على الشهود؛ ذلك بأن التدبير التعبدي لا فصل فيه ولا وصل، لأنه متقدم عليهما تقدم الغيبي على المرئي، إذ هو عبارة عن وحدة أصلية نشأت عن موقف غيبي عظيم خاطب فيه المدبِّر الأعلى الإنسان، وخيّره، أثناءه، في تدبير عالمه المرئي، جاعلاً هذا التدبير أمانة بين يديه؛ ومعلوم أن الأمانة لا تحصل إلا بين ذاتين متصلتين تأتمن إحداهما الأخرى على حفظ شيء مخصوص؛ وعلى هذا، فإن الأوامر الإلهية، من حيث هي أمانات، لا يمكن تجريدها كما تجرد الأحكام المقننة؛ بل لا بد، عند إقامتها، من مشاهدة الآمر الأعلى فيها[lix].

مهما يكن من أمر، فما بسطناه في ما مرَّ معنا حول ماهية السياسة وغايتها في العرفان، سوف نجد تكملته في الفصل الثالث من هذا الباب والذي سيبيِّن ماهيَّة العارف الواصل وهويته والغاية من سياسته التدبيرية.

[i]– الطوسي، نصير الدين – شرح الإشارات والتنبيهات – تحقيق: د. سليمان دنيا – مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت- 1992- ص 316.

[ii]– سورة ص – الآية 20.

[iii] – هو أيوب بن موسى الحسيني الكَفَوي. ملقَّب بأبي البقاء، وهو من أكابر قضاة المذهب الحنفي. من مواليد بلدة كفّة في شبه جزيرة القرم- توفي في العام 1094 للهجرة في تركيا وكان من أشهر علماء اللغة في عصره.

[iv]– أبو البقاء الكَفَوي- كتاب الكليات- تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري- الطبعة الثانية- مؤسسة الرسالة- بيروت- 1998- ص 510.

[v] – سورة النساء- الآية 76.

[vi] -عبد الرحمن، طه – روح الدين – من ضَيق العَلمانية إلى سعة الائتمانية – المركز الثقافي العربي – بيروت – الرباط – ط3 – 2013 – ص 15.

[vii]– عبد الرحمن، طه – المصدر نفسه – ص: 16.

[viii]– راجع: لسان العرب، لإبن منظور، لفظة “تدبير” وكل ما يُشتقّ منها من أفعال.

[ix]– ابن باجه، أبو بكر محمد بن يحي- الرسائل الإلهيَّة، دار النهار للنشر، بيروت، 1968، ص 37-39.

[x]– المصدر نفسه – الصفحة نفسها.

[xi]– ابن باجة، المصدر نفسه، ص 40.

[xii]– عبد الرحمن بدوي – أرسطو – وكالة المطبوعات (الكويت) – دار القلم (لبنان) – 1980 – ص: 264.

[xiii]– مهاجر نيا، محسن- الفلسفة السياسية والفلسفة المضافة – مجلة قبسات – بيروت – العدد الرابع شتاء 2012.

[xiv]– الطوسي، نصير الدين(الخواجه) أخلاق ناصري- تصحيح وتحقيق: مجتبى مينوي وعلي رضا حيدري- دار خوارزمي – طهران- إيران – 1355هـ- ش – ص 37.

[xv]– يوسف راد، مرتضى – آفاق الفكر السياسي عند نصير الدين الطوسي- ترجمة علي عباس الموسوي- دار الغدير- بيروت- 2007- ص 99.

[xvi] – سوف نأتي على نظرية الفارابي السياسية في بعدها العرفاني تحت عنوان: “التدبير الفلسفي للمدينة العرفانية. أنظر الباب الثالث في هذه الدراسة.

[xvii]– العاتي، إبراهيم – إشكاليّة المنهج في دراسة الفلسفة الإسلاميّة – دار الهادي – بيروت – 2003 – ص: 109.

[xviii]– العاتي، إبراهيم – المصدر نفسه – ص: 112.

[xix]– الطوسي، نصر الدين- أخلاق ناصري – المصدر نفسه- ص 20.

[xx]– يوسف راد، مرتضى – آفاق الفكر السياسي عند نصير الدين الطوسي – مصدر سابق- ص 103.

[xxi] – الطوسي – المصدر نفسه – ص 22.

[xxii] – الطوسي- المصدر نفسه – الصفحة نفسها.

[xxiii]– الطوسي، نصير الدين- تلخيص المحصّل المعروف بنقد المحصّل- دار الأضواء- الطبعة الثانية- بيروت- 1985- ص 252.

[xxiv] – خالقي، علي– آفاق الفكر السياسي عند الفيض الكاشاني – ترجمة: ربيع الحسين – مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي ودار الغدير – 2007 – ص 26.

[xxv]– الكاشاني، الفيض عبد الرزاق- علم اليقين في اصول الدين- تحقيق وتعليق: محسن بيدارفر- الجزء الأول- ص 340.

[xxvi]– خالقي، علي- المصدر نفسه- ص 30.

[xxvii] – خالقي، علي- المصدر نفسه – ص 31.

[xxviii] – المصدر نفسه.

[xxix]– الشاطبي، ابو إسحاق – الموافقات – ج1- تحقيق: عبد الله دراز – دار المعرفة- بيروت- 2011- ص 69.

[xxx] – الحَسَني، إبن عجيبة– إيقاظ الهمم في شرح الحكم- المكتبة الثقافية- بيروت (لا تاريخ نشر) – ص 20.

[xxxi] – ابن عربي، محيي الدين- محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار، ج 2، دار صادر- بيروت، دون تاريخ نشر، ص 51-52.

[xxxii]– ابن عربي، التدبيرات الإلهية (مع كتاب إنشاء الدوائر)، ليدن،1912 ، ص 120. والجملتان الأخيرتان من الفتوحات، ج 1، ص 266.

[xxxiii] – دقوري، شيرين – سياسة التخلق بالأخلاق الإلهية والمدنية عند ابن عربي- ورقة قدمت ضمن أعمال مؤتمر “التصوف وفقه التحرر” في إطار سلسلة المؤتمرات التي نظمتها وزارة الثقافة في الجزائر- قسنطينة – (ديسمبر) كانون الأول 2012.

[xxxiv]– التدبيرات الإلهية، ص 131-132.

[xxxv]– التدبيرات الإلهية، ص 152.

[xxxvi]– المصدر نفسه، ص 146. ورد الاقتباس في دراسة شيرين دقوري– سياسة التخلُّق بالاخلاق الإلهية والمدنية عند ابن عربي – مصدر سابق.

[xxxvii]– الفتوحات، ج 4، ص 460.

[xxxviii]– سورة النحل، الآية 90.

[xxxix] – سورة المطفَّفين- الآية 1-3.

[xl]– التدبيرات، ص 156- 157. يرجع ابن عربي العدل إلى أصله اللغوي (كحال أغلب مصطلحاته)، فيعرفه بأنه الميل. يقال: “عدل عن الطريق إذا مال عنه، وعدل إليه إذا مال إليه، وسمِّي الميل إلى الحق عدلاً، كما سمِّي الميل عن الحق جوراً بمعنى أن الله خلق الخلق بالعدل أي أن الذات لها استحقاق من حيث هويتها، ولها استحقاق من حيث مرتبتها، وهي الألوهية، فلما كان الميل مما تستحقه الذات لما تستحقه الألوهية التي تطلب المظاهر لذاتها سمِّي ذلك عدلاً أي ميلاً من استحقاق ذاتي إلى استحقاق إلهي لطلب المألوه ذلك الذي يستحقه، ومن أعطى المستحق ما يستحقه سمِّي عادلاً، وعطاؤه عدلاً، فما خلق الله الخلق إلا بالحق، وهو إعطاؤه خلقه ما يستحقونه…”. الفتوحات، ج 2، ص 60.

[xli]– الفتوحات المكِّية، ج 4، ص 540.

[xlii]– ر. التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية، تحقيق حسن عاصي، بيروت، 1993، ص 95-96.

[xliii] – بكري، علاء الدين- ابن عربي بين الفلسفة والتصوف- بحث ضمن كتاب جماعي بعنوان: “ابن عربي – الميراث الأكبري”- حصيلة وآفاق- المكتبة الفلسفية الصوفية – الجزائر- 2015.

[xliv]– الفتوحات المكية، تحقيق عثمان يحيى، السفر 14، ص 600.

[xlv] – بكري، علاء الدين- مصدر سابق.

[xlvi]– دقوري، شيرين – مصدر سابق.

[xlvii]– التدبيرات الإلهية – مصدر سابق- ص 128.

[xlviii]– المعجم الصوفي، مصدر سابق، ص 1018. وهنا كان تميز مدينة ابن عربي الفاضلة عن مثيلتها عند الفلاسفة، “فالفلاسفة (كالفارابي) اختاروا مدينة أفلاطون وأرسطو وحدة الإصلاح المرجوة في فلسفة سياسية، ابن عربي الفرد هو نواة الإصلاح ووحدته في فلسفة اجتماعية إنسانية. ومن إصلاح الفرد ينتشر إصلاح المجموع. فالإنسان هو المدينة الفاضلة والإصلاح لن يكون إلا على مستوى الفرد وانطلاقاً منه”. المرجع السابق، ص 1018.

[xlix]-التدبيرات، ص 150.

[l]-مصدر السابق، ص 145. فإذا كان العبد “نائباً وخليفة عن الحق أو خليفة عن عبد مثله، فلا بد من أن يخلع عليه من استخلفه من صفاته ما تطلبه مرتبة الخلافة، لأنه إن لم يظهر بصورة من استخلفه وإلا فلا يتمشى له حكم في أمثاله، وليس ظهوره بصورة من استخلفه سوى ما تعطيه مرتبة السيادة، فأعطته رتبة العبودة ورتبة الخلافة أحكاماً لا يمكن أن يصرفها إلا في سيده والذي استخلفه كما أن له أحكاماً لا يصرفها إلا فيمن استخلف عليه، والخلافة صغرى وكبرى فأكبرها التي لا أكبر منها الإمامة الكبرى على العالم وأصغرها خلافته على نفسه وما بينهما ينطلق عليها صغرى بالنسبة إلى ما فوقها وهي بعينها كبرى بالنظر إلى ما تحتها…” مصدر السابق، ج 3، ص 408.

[li]-السابق، ج 3، ص 410.

[lii]-ولمعرفة الفرق بينهم جميعاً راجع المعجم الصوفي ص ص 413-416. وتبين الحكيم أن الولاية مرتبة من مراتب القرب الإلهي، يتولى فيها الحق، من حيث أسمائه الحسنى، التي هي أرباب العبد. وهذه النسبة الخاصة للحق لا تُكتسب اكتساياً إنسانياً مطلقاً، وإنما هي تعيين إلهي. بل إن اليد الإنسانية تتدخل هنا في الجهد الإنساني الذي يستعد وينتظر صدور هذه المنَّة الإلهية. ومن هنا قد يُفهم أن الولي بمعنى الحاكم السياسي إنما هو مختص من الحق وحده وبتعيين إلهي. أعتقد أن د. الحكيم لم تتطرق إلى هذا المفهوم لأنها تنفي بالأصل أن يكون ابن عربي قد تطرق إلى هذا المعنى من مفهوم الولي والولاية. راجع، المعجم، مادة ولي، ولاية، ص ص 1234- 1235.

[liii]-المعجم الصوفي، ص 416.

[liv]– دقوري، شيرين- مصدر سابق.

[lv]-الفتوحات، ج 3، ص 137. وانظر في الفصوص حين يفرق بين مهام الخليفة والرسول، فيقول إن دور الرسول هو التبليغ، وإن الخليفة هو صاحب السيف والعزل والولاية، فإذا ما أتخذ الرسول السيف لتبليغ رسالته وحمايتها فعندئذٍ صار اسمه الخليفة الرسول. فما كل رسول خليفة. فصوص الحكم، تعليق وشرح أبو العلا عفيفي، بيروت: دار صادر، ج 1، ص 207.

[lvi] – سورة العنكبوت- الآية 41.

[lvii]– عبد الرحمن، طه- روح الدين – من ضَيق العَلمانية إلى سعة الائتمانية – المركز الثقافي العربي – الرباط – بيروت – ط 3- 2013- ص 321.

[lviii]– المصدر نفسه- الصفحة نفسها.

[lix]– المصدر نفسه – ص 322.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى