الطريقة الصوفيَّة السمانيَّة وعلاقتها بالثورة المهديَّة في السودان
د. أماني محمد العبيد عبد الرحمن
الطريقة الصوفيَّة السمانيَّة وعلاقتها بالثورة المهديَّة في السودان
د. أماني محمد العبيد عبد الرحمن
دكتوراه في العلوم السياسية وباحث مشارك في مركز السديج الفرنسي بالخرطوم
تمثِّل الطريقة السمانيَّة في السودان نموذجاً لتحول الطرق الصوفية إلى حركات ثورية. هذه المقالة تحاول أن تلقي الضوء على حقيقة أن الإمام المهدي كان في البدء شيخاً سمانيا ثائرا. كبقية الطرق الصوفية في القرن الثامن عشر الميلادي تتركز النظرية السمانية حول فكرة الحقيقة المحمدية. نجدها في الطريقة الإدريسية و الرشيدية والسنوسية والختمية.
تتميز الطريقة السمانية كطريقة ظهرت في القرن الثامن عشر بسيادة النزعة الاستقلالية حيث أن أي مريد بالترقي الصوفي يمكن أن يكون شيخ طريقة لوحده ويكون شيخاً سمانياً معترفاً به خلاف للطريقة الختمية مثلاً والتي تمثل طريقة مركزية. في الطريقة السمانية الترقي بتواصل الصلاة على الرسول (ص) يوصل المريد إلى مرحلة الإنسان الكامل وهي مرحلة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة الحضرة المحمدية. هذه الفكرة قادت إلى الاستقلالية في الطريقة السمانية. وهذا ما قاد الإمام المهدي إلى أن يصير في البدء شيخاً سمانياً ويعتمد لاحقاً على الحضرة المحمدية في تطوير أيديولوجيته. في التأريخ الإسلامي فكرة المهدية ثعتبر أصلاً فكرة شيعية ولكنها قبلت وطوّرت بين بقية الفرق الإسلامية بما فيها الطرق الصوفية. نجد أن إبن عربي طوَّر فكرة المهدي المنتظر إلى أيديولوجية محددة مرسوم فيها البرنامج السياسي للمهدي المنتظر والقوى الاجتماعية التي تسانده والقوى الاجتماعية التي تقف ضده. ابن عربي فصل برنامج سياسي للمهدي المنتظر. كان هناك قبول مجتمعي لفكرة المهدي المنتظر في غرب السودان بفعل تأثير حركات التحرر الأفريقية في غرب أفريقيا ضد الاستعمار الأوروبي وحركات الجهاد ضد الاستعمار مثل حركة عثمان دان فوديو . هذا يفسر لماذا ناصرت قبائل غرب السودان المهدي في دعواه للثورة المهدية . تزامنت هذه الحركات مع اندثار التجارة الطويلة المدى في أفريقيا أو long distance trade ودخول هذه المجتمعات الأفريقية في اقتصاد السوق العالمي Global Market Economy ومزامنة ذلك مع خلخلة تلك المجتمعات في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الذي شهد بسبب ذلك العديد من الثورات. إذن حركات الثورات المهدية في غرب وشمال أفريقيا هي نتاج خلخلة هذه المجتمعات بدخولها في اقتصاد السوق العالمي وخروجها من اقتصاد التجارة طويلة المدى وما صاحب ذلك من ارتباك مجتمعي وعدم استقرار سياسي. اتخذت هذه الثورات أيديولوجية دينية (الثورات المهدية فى غرب أفريقيا)- ثورة عثمان دانفوديو نموذج في غرب أفريقيا وحركة محمد ابن علي السنوسى في شمال أفريقيا. نجد نموذج لهذه الحركات في أفريقيا في الآتي: The movement of ’Uthman dan Fodio (affiliate of the Qadiriyya tariqa) in the Hausa land in Nigeria in 1804, the movement of Al-Haj ’Umar in Barbara area in Niger up to 186 (Tijaniyya Tariqa), the movement of Ahmad Hamoudi in Niger river, that of Seku Ahmadis (Ahmad Lobbo) in Massina in 1818 and that of Samori Ture in the 1870s.
نسبة لتأثير الحركات الدينية المهدية في غرب أفريقيا، كان هنالك توقع في غرب السودان مع بداية القرن الهجري الجديد لظهور مهدي. لذلك مثل غرب السودان المناصرة الحقيقية لحركة المهدي السودانية. إذن المهدي السوداني لم يخلق فكرة المهدية وإنما وظف التوقع الشعبي للمهدي تحت ظل عسف الأتراك من أجل نجاح ثورته ضد الاستعمار التركي.
مثلت الطريقه السمانية بانتشارها وكثرة أتباعها والضعف النسبي في تنظيمها أحد الأسباب التي أدت إلى ظهور الإمام المهدي من بين هذه الطريقة. إن أي ثورة يمكن أن تنجح في التداخل بين النظرية والظروف الموضوعية. وتتمثل الظروف الموضوعية لأي ثورة في القمع في حالة الثورة المهدية تمثل القمع في جمع الضرائب، كان عبء الضرائب الأكبر يقع على الفئات الفقيرة من المجتمع والرجال للجيش. كما اتسم الموظفون الأتراك بفساد شديد غير معهود في المجمتع السوداني. Sudanese people suffered from a very notorious corruption during the Turkish rule. Administrative corruption of the Turkish employees.
في الحقيقة كانت التعبئة السياسية لفكرة المهدية هي التي أدت للتحول الثوري لأتباع الطريقة السمانية كي يكونوا أول قادة للحركة الثورية ضد الأتراك. في الثورة المهدية ثجمعت الظروف الموضوعية لقيام أي ثورة، وهي الغبن الاجتماعي، أيديولوجية التغيير والقيادة الثورية الكاريزمية التي تمثلت في شخص الإمام المهدي (الشيخ السماني السابق). تضافر كل هذه العوامل أدى إلى نجاح الثورة المهدية: أول ثورة قومية تهدف للتحرر الوطني من الاستعمار.
استخدم الإمام المهدي الإرث الصوفي لتعبئة الجماهير ضد الأتراك، لكنه في بحثه للتعبئة العامة وتوحيد كل الشعب ضد الاستعمار التركي، ألغى كل الطرق الصوفية كما ألغى الرجوع إلى المدارس الفقهية التي كانت من أسباب الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية، ذلك لأن الاستخدام السياسي الأيديولوجي للدين في حالة الثورة المهدية يتطلب إعادة تفسير النص الإسلامي كي يتماشى مع الواقع الموضوعي.
تعاليم الإمام المهدي وتفسيره للدين كان يكتب في شكل بيانات صغيرة (مانفيستو). مثل راتب الإمام المهدي أكثر آلية فاعلة في التعبئة السياسية، كما أن شخصيته الدينية الكارزمية ساعدت في قبول فكرته لدى العامة.
الإمام المهدي طور بعض التعاليم الدينية والتي كانت مخالفة للمدارس الفقهية السائدة بغرض توحيد كلمة كل السودانيين من أجل الحركة القومية التحررية، حيث ألغى الذاهب الفقهية وألغى الطرق الصوفية فقط من أجل توحيد كل قبائل السودان في ثورة ضد الاستعمار التركي. وقد استطاع أن يعبئ لثورته حتى قبائل جنوب السودان من أجل التحرر الوطني من الاستخدام السياسي للدين، استخدام مفهوم الحضرة المحمدية والتي تمثل مفهوم أساسي لدى الطرق الصوفية في سودان القرن التاسع عشر بما فيها الطريقة السمانية.
في صياغته للراتب (راتب الإمام المهدي) استخدم الإرث المعروف بالأوراد في المؤسسة الصوفية عموماً والطريقة السمانية خصوصاً. في هذا المنحى شابه الشيخ عبد المحمود نور الدائم في صياغته (للجيش المنصور) وأوراد محمد شريف (الأذكار الطيبية في أوراد الطريقة الجلية). كذلك طور الأمام المهدي مبدأ (جهاد النفس) والذي طور بواسطة محمد ابن عبد الكريم السمان مؤسس الطريقة السمانية في الحجاز في تعاليمه كبداية للتعبئة السياسية.
نخلص من هذه المقالة إلى إن الثورة المهدية بقيادة الإمام المهدي خرجت من داخل المؤسسة الصوفية المؤثرة في تكوين المجتمع السوداني. وكل تعاليمه التي نحا فيها منحى استخدام أيديولوجي للدين (إعادة تفسير النص الديني) استندت إلى الإرث الصوفي، وكانت بدافع التحرر الوطني من الاستعمار.