الدراسات والبحوث

27 متصوِّفًا يعرِّفون التصوُّف (بحسب الترتيب الزمنيّْ)

27 متصوِّفًا يعرِّفون التصوُّف (بحسب الترتيب الزمنيّْ)

(١) معروف الكرخي (المُتوفَّى سنة ٢٠٠):

«التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق» (القشيري، ص١٢٧). الحقائق مقابل الرسوم الشرعية: وليس المراد هنا الأخذ بباطن الشرع وحده دون ظاهره، بل وجوب النظر إلى باطن الشريعة (حقيقتها) بالإضافة إلى القيام برسومها، والمراد باليأس مما في أيدي الخلائق: الزهد فيما يَملكُه الناس من متاع الدنيا. فللتصوُّف في نظر معروف الكرخي جانبان: الزهد في الدنيا والنظر إلى حقيقة الدين وعدم الاكتفاء بظاهر تكاليفه.

 

(٢) أبو سليمان الداراني (المُتوفَّى سنة ٢١٥):

«التصوف أن تجري على الصوفي أعمال لا يَعلمها إلا الحق، وأن يكون دائمًا مع الحق على حالٍ لا يعلمها إلا هو» (تذكرة الأولياء، ج١، ص٢٣٣).

أي أن التصوف هو التجرد من الإرادة والشعور بالذات، وهذه هي حال الفناء التي لا يرى العبد فيها فاعلًا سوى الله. ثانيًا أن يكون الصوفي في حال اتصاله بالله على حالٍ لا يعلمها إلا الله، وهذا هو الفناء أيضًا.

 

(٣) بشر بن الحارث الحافي (المُتوفَّى سنة ٢٢٧):

«الصوفي مَن صَفا لله قلبه» (تذكرة الأولياء، ج١، ص١١٢).

صفاء القلب معناه عدم تكديره بالشَّهوات والرغبات وكل ما يشغل عن الله، وفي هذا إشارة إلى فناء الصوفي عن صفاته المذمومة وبقائه بالصفات المحمودة.

 

(٤) ذو النون المصري (المُتوفَّى سنة ٢٤٥):

«الصوفي إذا نطَقَ بان منطقُه عن الحقائق، وإذا سكت نطقت عنه الجوارح بقطع العلائق» (كشف المحجوب للهجويري، ص٣٦).

أي أنَّ الصوفي بين حالين؛ إما أن يتكلَّم أو يلزم الصمت، فإن تكلَّم لا يقول إلا حقًّا، أي يَنطق بلسان الحقيقة وهو لسان أهل الباطن، وإن سكتَ عن الكلام نطَقَت جوارحه بما يُنبئ عن أنه قطع علائقه بهذا العالم. فهو مشغول بالله في الحالتين؛ في حالة نطقه وحالة سكوته.

ويَروي فريد الدين العطار العبارة على النحو الآتي:

«الصوفي من إذا نطق كان كلامه عين حاله، فهو لا يَنطق بشيء إلا إذا كان هو ذلك الشيء، وإذا أمسك عن الكلام عبَّرت أعماله عن حاله وكانت ناطقة بقطع علائقه (الدنيوية)» (تذكرة الأولياء، ج١، ص١٢٦).

يريد أن الصوفي هو من طابق كلامه حاله، ومن كانت أعماله الظاهرة معبِّرة عن أحواله الباطنة.

وله أيضًا: «الصوفية قومٌ آثروا الله عز وجل على كل شيء، فآثرهم الله عز وجل على كل شيء» (القشيري، ص١٢٧).

إيثار الصوفي اللهَ على كل شيء هو تفضيلُ ما لله على ما للنفس، ومحبة الله وطاعته. بهذا يصل الصوفي إلى درجة الولاية التي يُشير إليها الشطر الثاني من العبارة.

 

(٥) أبو تراب النخشي (المُتوفَّى سنة ٢٤٥):

«الصوفي لا يُكدره شيء ويصفو به كل شيء» (القشيري، ص١٢٧).

أي الصوفي الصادق لا يُكدره شيء في هذه الحياة لأنه راضٍ بقضاء الله وقدره، فقلبه خالٍ من الهموم والشواغل التي تُكدِّر صفو الحياة عند غيره، أما قوله ويصفو به كل شيء فمعناه أنه يبدو في نظره كل شيء صافيًا من الكدورات.

 

(٦) سري السقطي (المُتوفَّى سنة ٢٥٧):

«التصوف اسم لثلاثة معانٍ؛ وهو الذي لا يُطفئ نورُ معرفته نورِ ورعه، ولا يتكلم بباطن في علمٍ ينقضه عليه ظاهر الكتاب أو السنة، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله» (القشيري، ص١٠).

المعنى الأول ألا تُفسِد معرفة الصوفي ورعَه، بأن تكون «الحقيقة» سببًا في إهمال ظاهر الشريعة، وقد ذهَب بعض أدعياء الصوفية إلى أن من وصل إلى مقام المعرفة سقَطَت عنه التكاليف، وسري السقطي يُحذر من هذا، والمعنى الثاني قريب من المعنى الأول؛ وهو أنه لا قيمة لعلمٍ باطنٍ ما لم يكن له سند من ظاهر الشرع، والمعنى الثالث أن الصوفي هو الذي لا تَفتنه الكرامات بحيث يركن إليها ويعتقد أنه معصوم من الخطأ فتزل قدمه ويقترف المعاصي.

 

(٧) أبو حفص الحداد (المُتوفَّى سنة ٢٦٥):

«التصوف كله أدب: لكل وقت أدب، ولكل مقام أدب، ولكل حال أدب. فمن لزم آداب الأوقات بلغ مبلغ الرجال، ومن ضيَّع الآداب فهو بعيد من حيث يظن القرب، ومردود من حيث يظن القبول» (كشف المحجوب، ص٤٢).

أي أن التصوف في جملته نظام من السلوك ولكل شيء فيه واجبات، ولا قيمة لهذا السلوك ما لم تحصل للمريد منه فوائده ويتَّصف بصفاته، وهذا ما يشير إليه أبو الحسين النوري بقوله: «ليس التصوف رسومًا ولا علومًا ولكنه أخلاق.» أي أخلاق تترك أثرها في النفس وتكون الدافع لها على أفعالها.

 

(٨) سهل بن عبد الله التستري (المُتوفَّى سنة ٢٨٣):

«الصوفي الذي يرى دمَه هدرًا ومُلكَه مباحًا» (القشيري، ص١٢٧).

ومعناه أن التصوف إيثارٌ محضٌ وتضحيةٌ في سبيل الله بالنفس وما ملكت، وهذه هي الفتوة بمعناها الصوفي.

وله أيضًا: «الصوفي من صفا من الكدر، وامتلأ من الفكر، وانقطع إلى الله من البشر، واستوى عنده الذهب والمدر» (تذكرة، ج١، ص٢٦٤).

أي أن الصوفي من صفت نفسه من كدورات البشرية فتحرَّر من ربقة الاستعباد المادي، وهو من شغل فكره وقلبه بالله وقطع علائقه بالناس، وزهد في القيم المادية في هذه الحياة.

وله أيضًا: «التصوف قلة الطعام، والسكون إلى الله والفرار من الناس» (تذكرة، ج١، ص٢٦٤).

أي التصوف هو الحرمان من اللذات البدنية كالأكل ونحوه، والركون إلى الله بالاطمئنان إلى موعود قضائه والتسليم المُطلَق له، وعدم اشتغال القلب بمعاملة الناس إذا كان في هذا الاشتغال ما يقرب الصوفي من الناس ويُبعده من ربه، وليس المراد الفرار من الناس مطلقًا والعيش عيش الرهبانية فإن هذا المعنى لا وجود له في التصوف الإسلامي.

 

(٩) سمنون المحب (المُتوفَّى سنة ٢٩٧):

سئل سمنون عن التصوف فقال: «ألا تَملك شيئًا ولا يَملكك شيء» (القشيري، ص١٢٧)؛ أي أنَّ التصوف هو ألا تدعي لنفسك شيئًا ماديًّا أو معنويًّا وألا تكون مستعبدًا لشيء مادي أو معنوي في هذه الحياة، وإنما العبودية الحقَّة هي لله وحده.

 

(١٠) عمرو بن عثمان المكي (المُتوفَّى سنة ٢٩١):

سُئل عمرو بن عثمان المكي عن التصوف فقال: «أن يكون العبد في كل وقتٍ مشغولًا بما هو أولى به في الوقت» (القشيري، ص١٢٧).

يقول الصوفي: «الصوفي ابن وقته”» ووقت الصوفي هو اللحظة التي يكون فيها مع الله على حال من الأحوال. فالصوفي الصادق هو الذي لا يَشغله في وقته مع الله شاغل خارجي، أي يكون دائمًا مشغول القلب بالله وحده.

 

(١١) أبو الحسين النوري (المُتوفَّى، سنة ٢٩٥):

«الصوفي لا يَملك ولا يملك» (الهجويري، ص٣٧).

روى القشيري هذا التعريف على لسان سمنون المحب كما أسلفنا في رقم ١٣.

وله أيضًا: «الصوفية هم الذين صفَت أرواحهم فصاروا في الصف الأول بين يدي الله» (الهجويري، ص٣٧).

سبَقَ شرح هذا المعنى في التعريفات رقم ٣، ٧، ١١.

وله أيضًا: «التصوف ترك كل حظٍّ للنفس» (الهجويري، ص٣٦-٣٧).

أي التصوف هو الفناء عن النفس جملةً، عن صفتها ورغباتها وشهواتها، والمراد بالنفس هنا النفس الحيوانية، وإذا فنيَ الصوفي عنه نفسه بهذا المعنى، بقيَ بحبِّه لربه.

وله أيضًا: «نعَتُ الصوفيِّ السكون عند العدم والإيثار عند الوجود» (القشيري، ص١٢٧).

معناه أن الصوفي هو مَن إذا فقد شيئًا من متاع الدنيا سكن إلى قضاء الله ورضي بما قسم له، وإذا وجد شيئًا آثرَ به على غيره.

وله أيضًا: «الصوفية قوم صفت قلوبهم من كدورات البشرية وآفات النفوس وتحرَّرُوا من شهواتهم حتى صاروا في الصف الأول والدرجة العليا مع الحق، فإذا تركوا كل ما سوى الحق صاروا لا مالِكين ولا مَملوكين» (التذكرة).

سبقَت هذه المعاني كلها في تعريفات صوفية آخرى.

وله أيضًا: «الصوفي من لا يتعلَّق به شيء ولا يتعلق بشيء» (التذكرة). وهذا التعريف قريب من التعريف رقم ١٥ للنُّوري نفسه.

وله أيضًا: «ليس التصوف رسمًا ولا علمًا ولكنه خُلُق؛ لأنه لو كان رسمًا لحصل بالمجاهَدة، ولو كان علمًا لحصل بالتعليم، ولكنه تخلَّق بأخلاق الله» (تذكرة).

أي ليس التصوُّف أوضاعًا ورسومًا فيَكتسِب بالمجاهَدة، وليس علمًا يُتلقَّى بالتعليم، وإنما هو فوق هذا وذاك صفة تَنطبِع في النفس فتتحكَّم في كل ما يصدر عن الصوفي من أعمال وما يخطر بقلبِه من خواطر.

وله أيضًا: «التصوف الحرية والبذل، وترك التَّكلفة والسَّخاء» (تذكرة).

أي هو التحرُّر من استرقاق الشهوات، وبذْل النفس في خدمة الله والناس، وأن يكون ذلك تطبعًا لا تكلُّفًا لأن التكلُّف رياء.

وقد رُوي هذا التعريف بعبارة قريبة من هذه في كشفِ المحجوب للهجويري، ص٤٣.

وله أيضًا: «التصوف ترك حظ النفس جملةً ليكون الحق نصيبها» (تذكرة).

وهو نفس المعنى الوارد في التعريف رقم ١٧.

وله أيضًا: «التصوف كراهية الدنيا ومحبة المولى» (تذكرة).

 

(١٢) أبو القاسم الجنيد (المُتوفَّى سنة ٢٩٧):

«التصوف نعت أقيم فيه العبد» (الهجويري، ص٣٦).

أي إن التصوف حال يُقيم الله فيها العبد، وليس شيئًا يكتسب بالمجاهدة أو يتلقن بالتعليم كما سبق أن ذكرنا، وأخصُّ مظاهر التصرف «الشهود» وهذا منحة يمنحها الله للعبد ولا كسب له فيه.

وله أيضًا: «التصوف هو أن يميتك الحق عنك ويُحْييك به» (القشيري، ص١٢٦)؛ أي هو الفناء عن الذات وصفاتها والبقاء بالله.

وله أيضًا: «التصوف هو أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة» (القشيري، ص١٢٧)؛ أي بلا علاقة تربطك بالخلق، فتكون مع الله ولله وحده، وهذا معنى سبقت الإشارة إليه.

وله أيضًا: «التصوف عنوة لا صلحَ فيها» (القشيري، ص١٢٧).

أي أن التصوف حال تُؤخَذ قهرًا؛ أي تفرض نفسها على صاحبها وليس له فيها اختيار.

وله أيضًا: «الصوفية هم أهل بيت واحد لا يدخل فيهم غيرهم» (القشيري، ص١٢٧).

أي إن الصوفية قوم تجمعهم صفات خاصة لا توجد في غيرهم. يتكلمون لغة واحدة، ويعالجون أحوالًا واحدةً لا يُشاركهم فيها سواهم، والدخيل فيهم لا يفهم كلامهم ولا يتذوَّق أذواقهم.

وله أيضًا: «التصوف ذكر مع اجتماع، ووجد مع سماع، وعمل مع اتباع» (القشيري، ص١٢٧).

أي أن أهم أركان التصوُّف ثلاثة: ذكر الله مع اجتماع الهمة عليه، أو ذكر الله في جماعة في حلقات الذكر، ولكن المعنى الأول أفضل، والثاني الحصول في حالة الوجد، والثالث الاتباع الدقيق لتعاليم الشرع.

وله أيضًا: «الصوفي كالأرض يُطرَح عليها كل قبيح ولا يَخرُج منها إلا كل مليح» (القشيري، ص١٢٧).

أي أن الصوفي يواجه في حياته الظاهرة والباطنة كل بواعث الخير والشر والطاعة والمعصية ولكن لا يَخرج منه إلا ما هو خير وطاعة.

وله أيضًا: «الصوفي كالأرض يطؤها البَرُّ والفاجر، وكالسحاب يظل كل شيء، وكالمطر يَسقي كل شيء» (القشيري، ص١٢٧).

يشير إلى مبدأ التسامح والإيثار في التصوف؛ فالصُّوفي لا يفرق في معاملته الناس على أساس من الدين أو العنصر أو اللون.

وله أيضًا: «التصوف أن يختصَّكَ الله بالصفاء، فمن اصطفى من كل ما سوى الله فهو الصوفي» (تذكرة).

وقد سبق شرح مثل هذا المعنى.

وله أيضًا وقد سئل عن التصوف فقال: «تمسَّك بظاهره ولا تسأل عن حقيقته وإلا أفسدته» (تذكرة).

أي يجب على الصوفي ألا يُحاول أن يُفسِّر أو يُعلِّل أو يبحث عن حقيقة الحال التي هو عليها، وإلا أدَّى به ذلك إلى القول بنظريات باطلة كالحلول أو الاتحاد أو ما شاكلهما.

وله أيضًا: «الصوفية قائمون بالله لا يُعلمُهم إلا هو» (تذكرة).

قائمون بالله؛ أي متقوِّمُون به، تجري عليهم أحكامه ولا أحكام لهم، وهم لا يعلمون هذا من أنفسهم ويعلمه الله.

وله أيضًا: «التصوف تصوف القلوب حتى لا يُعاودها ضعفها الذاتي، ومفارقة أخلاق الطبيعة، وإخماد صفات البشرية، ومجانبة دعاوى النفسانية ومنازلة صفات الروحانية، والتعلق بعلوم الحقيقة، والعمل بما هو خير، والنُّصح لجميع الأمة والإخلاص في مراعاة الحقيقة، واتباع النبي ﷺ» (التذكرة).

أي إن التصوُّف عمل من أعمال القلوب لا أعمال الجوارح، ولا هو بلبس المرقَّعة والجلوس على السجادات، وهو مخالفة النفس وإخماد صفات البشرية الذميمة فيها، والبعد عن ادعاء شيء من الأعمال أو الأحوال لها، و«منازَلة صفات الروحانية» أي العمل الجدي الشاق على التخلُّق بالصفات الروحانية الطيبة، والتشبُّث ببواطن العلوم الدينية، مع الاتِّباع الدقيق لرسول الله ﷺ.

يروي الشَّعراني هذه العبارة مع اختلاف قليل في الألفاظ على لسان عبد الله بن خفيف الضبي المُتوفَّى سنة ٣٣١. (الطبقات للشعراني، ج١، ص١٠٣).

وله أيضًا: «إذا رأيت الصوفي يُعنى بظاهرِه فاعلم أن باطنه خراب» (القشيري ص١٢٧).

أعدى أعداء الصوفي الرياء، والعناية بالظاهر حبًّا في الظهور واستجلاب السُّمعة دليل على خلو الباطن من الورع الحقيقي.

 

 

(١٣) أبو محمد رويم (المُتوفَّى سنة ٣٠٣):

سُئل رويم عن التصوف فقال: «استرسال النفس مع الله تعالى على ما يُريده» (القشيري، ص١٢٧). أي الخضوع التام لإرادة الله وعدم الاعتراض.

وله أيضًا: «التصوف مبنيٌّ على ثلاث خصال: التمسُّك بالفقر والافتقار، والتحقق بالبذل والإيثار، وترك التعرض والاختيار» (القشيري، ص١٢٧).

الفرق بين الفقر والافتقار أن الفقر هو الحال التي يكون عليها الفقير، وهي حال يُعدم فيها ما يَملكه غيره، والافتقار هو الحال التي يشعر فيها المفتقر باحتياجه إلى ربه واعتمادِه عليه، ويرى رويم أن أركان التصوف ثلاثة؛ الأول: الفقر المادي والمعنوي، «ترك التعرض والاختيار» عدم الوقوف في طريق الإرادة الإلهية، وعدم نسبة الاختيار إلى الإنسان.

 

(١٤) أبو حمزة البغدادي (تُوفِّي قبل الجنيد):

«علامة الصوفي الصادق أن يَفتقر بعد الغنى، ويذلُّ بعد العزة، ويَخفى بعد الشهرة.

وعلامة الصوفي الكاذب أن يستغنيَ بعد الفقر، ويعزَّ بعد الذل، ويشتهر بعد الخفاء» (القشيري، ص١٢٧).

الصوفي الصادق هو الذي يتجرَّد عن ماله وجاهه وسمعته، والصوفي الكاذب هو من يتخذ من التصوف ذريعة لجمع المال وذيوع الصيت.

 

(١٥) علي بن سهل الأصفهاني (المُتوفَّى سنة ٣٠٧):

«التصوُّف التبري عمَّن دونه، والتخلِّي عمن سواه» (نفحات الأنس، ص١٦٦)؛ أي هو قطع العلائق بكل ما سوى الله.

 

(١٦) الحسين بن منصور الحلاج (المُتوفَّى سنة ٣٠٩)

سُئل عن الصوفي فقال: «وحداني الذات لا يقبله أحد ولا يقبل أحدًا» (القشيري ص١٢٧).

أي هو الذي يحيا حياة التوحُّد، لا يُحبه الناس؛ لأنهم يُنكرون عليه أقواله وأفعاله، ولا يحبُّ أحدًا لأنه يُنكر عليهم ما هم فيه، وقد كانت هذه حالة الحلاج نفسه، فقد رفضه معظم مُعاصِريه – حتى من الصوفية-  وكرهوا صحبته.

 

(١٧) أبو محمد الجريري (المُتوفَّى سنة ٣١١):

«التصوف الدخول في كل خُلق سُني والخروج عن كل خلق دني» (القشيري، ص١٢٦).

معناه أن التصوف هو الاتِّصاف بأوصاف الكمال الديني والخلقي؛ أي أن يصبح التصوف صفة ملازمة للنفس لا مجرَّد رسم أو صورة.

 

(١٨) أبو بكر الكتاني (المُتوفَّى سنة ٣٢٢):

«التصوف خلق، فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفاء» (القشيري، ص١٢٧).

هذا المعنى قريب من تعريف الجريري السابق.

 

(١٩) أبو عمرو الدمشقي (المُتوفَّى سنة ٣٢٠):

«التصوف رؤية الكون بعين النقص، بل غض الطرف عن كل ناقص بمشاهدة من هو منزه عن كل نقص» (نفحات الأنس، ص١٧٥).

أي أن التصوف هو رؤية الكمال في الله وحده، أما وجه النقص في الكون؛ فمِن حيث هو معلول، ولا يَبلغ المعلول كمال علَّتِه.

 

(٢٠) أبو علي الروذباري (المُتوفَّى سنة ٣٢٢):

«التصوف الإناخة على باب الحبيب وإن طرد عنه» (القشيري، ص١٢٧)؛ أي هو ملازمة المحبة لله، حتى ولو وُجدَت شواهدُ بعدم القبول.

وله أيضًا: «التصوف صفوة القرب بعد كدَورة البعد» (القشيري، ص١٢٧).

 

(٢١) عبد الله بن محمد المرتعش (المُتوفَّى سنة ٣٢٨):

«هذا (أي التصوف) مذهب كله جدٌّ فلا تَخلطوه بشيء من الهزل» (الهجويري، ص٤٣).

يفرق بين التصوف الحقيقي، والتصوُّف الزائف.

وله أيضًا: «الصوفي من صفَت نفسه من جميع البلايا، وغاب عن جميع العطايا» (تذكرة).

أي إن الصوفي هو الذي لا يكترث بشيء حلَّ به، بليةً كان أو عطيةً؛ لأن جميعها من الله.

 

(٢٢) أبو بكر الشبلي (المُتوفَّى سنة ٣٣٤):

«التصوف شِركٌ؛ لأنه صيانة القلب عن رؤية الغير ولا غير» (الهجويري، ص٣٨).

في حالة «التوحيد» لا يشهد قلبُ الصوفي إلا الحق وحده، والتصوف صيانةُ القلب عن رؤية ما سوى الله، ولكن الشهود يُظْهِر أنه لا سوى، وقد سمَّى الشبلي هذا الموقف «شركًا»؛ لأن فيه افتراضًا لوجود العالم إلى جانب وجود الله، وهذه لغةُ شطح لا لغة تصوف عادية.

وله أيضًا: «الصوفي مُنقطعٌ عن الخلق متصلٌ بالحق كقوله تعالى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي:١ قطَعَه عن كل غير، ثم قال: لَنْ تَرَانِي»٢ (القشيري، ص١٢٧).

الصوفي هو الذي يحيا حياته في الله فيكون في حال وجدٍ متصل أو منقطع، وقد كان هذا حال الشبلي نفسه، وهذا معنى اصطفاء الله للصوفي كاصطفائه لموسى عليه السلام، فقد اصطنعه الله لنفسه وقطع علائقه بغيره ثم قال له لَنْ تَرَانِي أي لن تراني بناظريك ولكنك تراني بقلبك.

وله أيضًا: «التصوف: الجلوس مع الله بلا همٍّ» (القشيري، ص١٢٧).

أي جلوس العبد في حضرة الله وقلبه خالٍ من هموم الدنيا وشواغلها، وهذه هي الغبطة العُظمى في هذه الحياة.

وله أيضًا: «الصوفية أطفال في حِجر الحق» (القشيري، ص١٢٧).

أي هُم بمثابة الأطفال في حِجر الحق لا حول لهم ولا قوة، يُصرِّفهم الله كيفما شاء.

وله أيضًا: «التصوُّف لمحة مُحرِقة» (القشيري، ص١٢٧).

جوهر التصوُّف عند الشِّبلي هو لحظة الإشراق التي يكاد يُصعَق فيها الصوفيُّ عندما يتجلى لقلبه نور الحق.

وله أيضًا: «التصوف هو العصمة عن رؤية الكون» (القشيري، ص١٢٧).

أي إن الصوفي هو من عصَمَه الله عن رؤية العالم بعين الاعتبار، أو هو من شغل الله قلبه به وحدَه، وهذه هي حال الفناء في الله.

وله أيضًا: «التصوف أن يكون الصوفي كما كان قبل أن يكون» (تذكرة).

أي يصير إلى حالٍ من الفناء لا يكون له وجود خاص بنفسِه كما كان قبل أن يخلق.

وله أيضًا: «لا يكون الصوفي صوفيًّا حتى يرى جميع الخلائق عيالًا عليه» (تذكرة). لا يتمُّ هذا إلا في حال فناء الصوفي عن نفسه وبقائه بالله، فإنه إذ ذاك يشعر بأنه مُنفِّذ للإرادة الإلهية، وهذه هي الحال التي صاح فيها الحلاج بقوله: «أنا الحق!»

وله أيضًا: «الصوفي من لا يرى في الدارَين مع الله غير الله» (الهجويري، ص٣٩).

هذا تعبير آخر عن حالة الفناء أو وحدة الشهود.

 

(٢٣) جعفر الخلدي (المُتوفَّى سنة ٣٤٨):

«التصوُّف طرح النفس في العبودية، والخروج من البشرية، والنظر إلى الحق بالكلية» (تذكرة).

طرح النفس في العبودية أي التحقُّق بصفات العبد المَحْض من افتقار إلى الله، وتجرُّد عن القدرة والإرادة، والخروج من صفات البشرية الذميمة كالحرص والحقد والحسد والبُخل ونحوها لا الصفات البشرية إطلاقًا؛ فإن العبد لا يَخرُج من بشريته كما لا يخرج السواد من الثوب الأسود، و«النظر إلى الحق بالكلية» معناه مراعاة الله في كل شيء.

 

(٢٤) أبو الحسن الحصري (المُتوفَّى سنة ٣٧١):

«الصوفي من كان وجده وجوده، وصفاته حجابُه. أعني من عرف نفسَه فقد عرَفَ ربه» (تذكرة).

أي أن الصوفي الحقيقي هو الذي يجد وجودَه الحقيقي في وجده، ووجدُه عين فقدِه؛ لأنَّ من «وَجَد» نفسه في الله «فَقَد» وجودَه المتعين المتشخِّص، والصوفي أيضًا هو من يرى صفاته حجبًا تحول بينه وبين الله، وهذا معنى قوله «من عَرف نفسه فقد عَرِف ربه» أي من أدرك فناء نفسه أدرك بقاءه بالله.

وله أيضًا: «الصوفي من لا يجدون له وجودًا كوجودِهم» (تذكرة).

وجود الصوفي هو وجودُه في اللامُتعيِّن اللامتناهي؛ لأنه فانٍ عن نفسه باقٍ بالله كما قلنا، ووجود غيره هو الوجود المتعين المتناهي؛ ولذلك قال بعض الصوفية: «التصوف هو الخروج من ضيق الرسوم الزمانية إلى سعة فناء السرمدية”.

وله أيضًا: «التصوف صفاء السر من كدورات المخالَفات» (الهجويري، ص٣٨).

أي إن جوهر التصوُّف هو عصمة القلب من مخالَفة الله، أو بعبارة أخرى هو المحبة والطاعة.

 

(٢٥) محمد بن أحمد المقري (المُتوفَّى سنة ٣٦٦):

«التصوف استقامة الأحوال مع الحق» (الهجويري، ص٤١).

الأحوال أعم من أن تكون صوفية؛ فبعضُها صوفي مستقيم، وهذه يحفظها التصوف على صاحبه، وبعضها غير مُستقيم وهذه يُنكرها التصوف، ومعيار الاستقامة هو الحق (الله).

 

(٢٦) علي بن بُندار النيسابوري (المُتوفَّى سنة ٣٥٩):

«التصوف إسقاط رؤية الخلق ظاهرًا وباطنًا» (طبقات الشعراني، ج١، ص١٠٦؛ والهجويري، ص٤١).

أي هو عدم مراقبة الخلق في أي عمل ظاهر أو باطن يقوم به العبد، ومراقبة الله وحده.

 

(٢٧) أبو الحسن الخرقاني (المُتوفَّى سنة ٤٢٥):

«ليس الصوفي بمرقعتِه وسجاداته ولا برسومه وعاداته، بل الصوفي من لا وجود له» (نفحات الأنس، ص٣٣٧).

أي ليس التصوف مظاهر خارجية بل هو حقيقة باطنية وهي الفناء في الله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى