الدراسات والبحوث

التصوُّف والروحانيَّات عند الفيلسوف الإسباني الكونت دي جالارثا

د.أحمد عبدالحليم عطيَّة

التصوُّف والروحانيَّات عند الفيلسوف الإسباني الكونت دي جالارثا

د.أحمد عبدالحليم عطيَّة

(أستاذ الفلسفة في كلية الآداب بجامعة القاهرة- مصر).

 

مقدِّمة:

نسعى في هذه الدراسة للكشف عن شخصيَّة مجهولة، رغم أهمِّيَّتها ورغم تأثيرها الكبير في حياتنا الفلسفيَّة في العصر الحديث؛ هو الكونت دي جالارثا Grualarza (1878-1938) الفيلسوف ومؤرِّخ الفلسفة الأسبانيِّ؛ وصاحب المؤلَّفات المتنوِّعة التي كُتِبت بالعربيَّة في العقد الثاني من القرن العشرين.

فقد كان دي جالارثا أحد أوائل الذين شاركوا في تدشين الدرس الفلسفي المعاصر في العربيَّة، ويمثِّل مرحلة أساسيَّة من تاريخ الفلسفة في مصر؛ وظلَّ لسنوات عديدة يقوم بتدريس الفلسفة في “الجامعة الأهليَّة القديمة” بين عامَيْ 1913-1922، ثمَّ في مدرسة “المعلمين العليا” بالقاهرة؛ فترة تقارب ربع قرن(1).

بعد ذلك تولَّى تدريس “الفلسفة العامَّة وتاريخها” والفلسفة العربيَّة والأخلاق“، وهما التخصُّصان الأساسيَّان في الفلسفة بالجامعة المصريَّة التي كانت تسمَّى حينذاك “كليَّة الآداب والفلسفة”، وذلك عامَيْ 1913-1914، واستمر في التدريس حتى توقَّفت الدراسة في هذه الجامعة قبل تحوُّلها إلى جامعة حكوميَّة.

كان دي جالارثا زميلاً للأساتذة طه حسين وهيكل باشا وأحمد ضيف ومنصور فهمي وعلي العناني. ولم يتم التعريف اللاَّئق بشخصيَّته رغم الدور الهام الذي قام به في حياتنا الثقافية، وكان له أثر على كثير من رواد النهضة من الكتَّاب والأدباء المصريين والعرب فى العقود الأولى من القرن العشرين، هذا فضلاً عن صلاته بكبار رجالات مصر من الأدباء والسياسيين كالزعيم سعد زغلول ومي زيادة وغيرهما.

بالإضافة إلى التدريس فى الجامعة الأهليَّة القديمة، ودار المعلمين العليا؛ كانت للكونت أنشطة متعدِّدة أخرى كدوره في الكشف عن الآثار المصريَّة فى العقد الأول من القرن العشرين، واكتشافه عدداً من المقابر الفرعونيَّة(2)، وكذلك واهتمامه الكبير بدراسة التصوُّف وعلوم الروح(3). وقد درس على يديه عدد ممَّن صاروا أعلام الفكر والثقافة والأدب والصحافة أمثال: زكي مبارك، وجرجي زيدان، وعبدالوهاب عزام، وتوفيق حامد المرعشلي، ومي زيادة، ومحمد لطفي جمعة وغيرهم من الذين أفاضوا فى بيان مآثره وفضله(4).

هدفنا من هذه الدراسة بيان الدور التأسيسيِّ للكونت دي جالارثا في تطويع اللُّغة العربيَّة للكتابة الفلسفيَّة، وترجمة المصطلحات الفلسفيَّة الجديدة غير المعهودة في لغتنا إلى اللِّسان العربيِّ، والتعريف بنصوص وشخصيَّات فلسفيَّة لم يتعرَّف عليها المثقَّف العربيُّ من قبل، والتأكيد على الجانب الصوفيِّ الروحانيِّ في شخصيَّته وحياته ومؤلَّفاته. وقد سبق لنا أن نشرنا بعض كتاباته ومحاضراته المخطوطة التي ألقاها في الجامعة المصريَّة.

فمن هو هذا الفيلسوف؟ وما هي جهوده العلميَّة الأكاديميَّة تأليفاً وتدريساً؟ وما منهجه فى الدرس الفلسفيِّ في الجامعة مقارنة بغيره من الأساتذة ومكانته فيه؟ وما هو تأثيره؟ ومن هم تلاميذه؟

أولاً: الفيلسوف ومؤرِّخ الفلسفة:

 

تذكر ماريا دى ميرجرساMaria Del Mar Garcia  في مقالة لها بعنوان “أوراق عن حياة دي جالارثا” أنَّ المعلومات التى وصلت عنه قليلة جداً، وهناك من وصفه بأنَّه كان طويلاً   وشكله يتناسب مع فكره؛ فيه شموخ، كما كان محبَّاً للمعرفة في حدِّ ذاتها، ويخصِّص وقتاً طويلاً للتأمُّل لكي يطهِّر روحه.(5)

ونجد الصورة نفسها تقريباً لدى محمد لطفي جمعة (1886-1953) الذي يقول: “قابلت صديقاً دعاني إلى زيارته فى أحد فنادق القاهرة الكبرى؛ رجل عجيب الأطوار اسمه “أحمد الغرض”، فلما وصلنا إليه وجدت رجلاً لا يمكن تحديد عمره، يتكلَّم لغات عدَّة، وينطق بهدوء بالعربيَّة الفصحى؛ اسمه “كونت دى جالارثا” الإسبانيُّ الأصل، ووارث مناجم الفضَّة والزئبق، إسلاميُّ الثقافة. وهو منشغل بدراسة الأرواح، فكان كشفاً غريباً لي، وكان حديثه يدور على التقمُّص والتناسخ وأنَّه على اتصال دائم بالأرواح، وأنَّها تزوره وتكتب له رسائل على آلة من اختراعه اسمها “غرضومتر” .

وقد أشار جمعة  في مذكَّراته إلى كتاب وضعه بعنوان “أحمد الغرض أو المهدي المنتظر” قال عنه: “إنَّه مجموعة أحاديث وحقائق ورسالات تتعلَّق بشخص صديقي الكونت دي جالارثا، وهو كما يخبرنا يريد أن يدرس موضوع العلم الروحيِّ. وحتى يستطيع تأليف الكتاب كاملاً، جمع أقوال أحمد الغرض سنة 1911. ويعلق ناشر هذا الكتاب بأنَّه لم يعثر على أصوله  بين مؤلَّفات لطفي جمعة المخطوطة(6).

لقد أطلق هذا الفيلسوف على نفسه لقب كونت جالارثا وفكيونت سانتا كلارا رغم أنَّ أخاه الأكبر خوليو كان هو وريث اللقب الفعلي. وقد ولد  في بيثنتيه عام 1878، ودرس في فرنسا وإسبانيا، وفي عام 1903 رُتِّب له أن يقوم بدراسة العلوم الدبلوماسيَّة في فيينا كأخيه لكنه رفض قبول هذا المنصب. وفي العام نفسه انتقل إلى مصر حيث عاش منعزلاً ومتفرِّغاً لممارسة تدريبات روحانيَّة لكي يستطيع الوصول إلى تطهير الروح وإنارة العقل لأنَّهما الأساس للحكمة والوصول إلى الحقيقة(7)، وربما يكون كما يشير البعض قد اعتنق الإسلام، رغم أنَّنا لا نستطيع أن نؤكد أو ننفي هذه الواقعة للغموض الذي يحيط بجوانب شخصيَّته.

أمَّا هو فيصف لنا نفسه، ويقدِّم لنا بعضاً من حياته ودراساته المختلفة في بداية كتيبه “محاورات في الحكمة” قائلاً: “إني اشتغلت بالحكمة (حتى عام 1923) نحواً من تسع وعشرين سنة، وبذلت لها حياتي كلَّها، وتقاعدت عن ممارسة الأشغال التي كان والدي يتعاطاها؛ فإنِّه كان رئيس حزب من الأحزاب الكبيرة في إسبانيا وعضواً في مجلس شيوخها، وقد أشار عليَّ بأن أوجد لنفسي مركزاً في الهيئة الاجتماعيَّة يضمن لي السعادة الدنيويَّة، ويكون مورداً للرزق مثلما فعل أخي من قبلي، فقلت له: “دعني أستمر على أبحاثي الفلسفيَّة فهي أحسن لي من كلِّ شيء، ولا راحة لي في الحياة ما دمت لا أعرف الحقيقة ولا الطريق الواجب سلوكه”.

ويواصل بيان إصراره على الاستمرار في درس الفلسفة بقوله: إنَّ حبي للحكمة لا يمكِّنني من أن أُشرِك فيه غيرها. فلما رأى والدي عزمي على الاشتغال بالحكمة من دون سواها امتنع عن الإلحاح عليَّ، ثمَّ سمح لي بأن أسافر إلى مصر.

أمَّا لماذا مصر، وما هي أسباب اختياره لها؟ جواباً على هذا السؤال يوضح دي جالارثا بعض هذه الأسباب بالقول: “حضرت إلى مصر بعد وفاة والدي؛ فزاولت مهنة المحاماة في المحاكم المختلطة لم يكن قصدي من مزاولة المهنة سوى الاستعانة على المعيشة الدنيويَّة بل كان قصدي إيصال الباحثين في الحكمة إلى مرادهم كما وصلت أنا إليه. وكنت قد ربطت هذا القصد بأبحاثي الأولى فإنَّني حينما كنت أتصوَّر الإله كما يتصوَّره من لم يعرف بعد وأنا في سن العشرين تقريباً قلت في ضميري: أيُّها الإله أعطِني الحقيقة لكي أتمكَّن أنا من إعطائها لمن يبحث عنها مثلي”.

في بداية كتابه “خبر”، وهو كتاب أقرب إلى التأمُّلات الصوفيَّة والأحوال والمقامات، والذي ربما يكون أول كتاباته الفلسفيَّة بالعربيَّة، يقول:  لقد أعطيت كنزاً أكمل يفيد طالبي قوت الروح والجسم. وألهمت الحكمة وهذَّبتني الحوادث؛ أعني مدبِّرها تهذيباً. وامتحنت بالمحن النفسانيَّة والجسمانيَّة الشديدة، وعرفت أوجاعاً وأدواء قد دلَّ إليها أولياء. وجرَّبت عاقبة وعقوبة بعض المطالب التي لم يزل بعض الناس طالباً لها؛ حتى أشرفتُ على التجرُّد من الجسم، أعني على الموت؛ فلكي أبدي ممَّا ألهمته وتعلَّمته جمعت في هذه الأوراق ثلاثة فصول بتفصيل ثلاثة مقامات؛ وهي:

الفصل الأول في مقام العدل والاعتزاء؛ الذي يمكن أن يسمَّى أيضاً مقام الصدق  وصفت فيه فضيلة العدل الجامعة لهذا المقام.

الفصل الثاني في مقام الإيمان والطاعة وصفت فيه فضيلة الزهد وفوقها التواضع وفوقه التسليم وفوقه الإيمان؛ فتلك الأشعة المنزَّهة الإنسان، هي متصادقة وهي شرح مقام الإيمان والطاعة. الفصل الثالث في مقام البيان والنيابة؛ الذي يمكن أن يسمَّى أيضاً مقام الحقيقة المجرَّدة أو التجرُّد أو الظهور العاري أو الشهادة، وصفت فيه فضيلة الاجتهاد والحلم مع الصبر وفوقها الكرم مع الرحمة؛ فتلك الأشعة متصادقة وهي شرح مقام البيان والنيابة، واقتصرت على ما كتبته؛ لأنِّي لم أجد فائدة في شرح أكثر من ذلك؛ فالشرح هو الابتعاد عن المركز والتأليف أنيَر منه. ولكلِّ كلمة من هذه السطور أشكر الخبير والحكمة الملهمة شكراً جزيلاً، وقد سمَّيت ما كتبته (خبرا)”.

في هذا السياق، يذكر نجيب العقيقي، في الإشارة المقتضبة التي أشار بها إلى دي جالارثا في الجزء الثاني من كتابه “المستشرقون“، المؤلَّفين التاليين: “فلسفة الإسلام والغربيون”، و“منهج السالك لأبي حيان”(8). ولا ندري حقيقة نسبة هذه الأعمال إليه. في حين يشير دي جالارثا نفسه في المحاضرات التي قدَّمها في الجامعة المصريَّة إلى كتاباته عن الغزالي(9). ومن هنا نفهم إشارة زكى مبارك إليه فى دراسته الأخلاق عند الغزالي؛ الذي يرى أنه –أي دي جالارثا- من أشدِّ أنصار الغزالي، ويراه المسلم الحقَّ بين فلاسفة المسلمين، ويعجب كثيراً بوجهته الروحيَّة وله على الغزالي مأخذ واحد هو منعه الناس من ورود مناهل العلم، مع أنَّه لم يمنع نفسه شيئاً من العلوم. ويرى أنَّه حرم بذلك من كانوا أهلاً للاستفادة، وإن كان عصم من ليسوا أهلاً للانتفاع، من سواد الناس. وهو في رأيه غاية الغايات في الإخلاص(10).

أصدر دي جالارثا كتابين تحت عنوان “محاورات في الحكمة” (1923-1924) مطبعة الاعتماد، القاهرة. ويخبرنا نيقولا يوسف أنَّه صدر في العام التالي ( 1924 – 5192 ). وممَّا جاء في مقدمة الجزء الثاني للقسم الليليِّ قوله:

«… كان تعليمي للحكمة كلُّه إجابة لطلبة أحرار أرادوه من تلقاء أنفسهم، وانتدبوني إليه، ولم يكلِّفوا حضوره البتة، ولم يرغبهم فيه نيل أيِّ شهادة خاصَّة، وواظبوا عليه سنتين متواليتين حتى تمَّ بياني للحكمة، وبلغت قصدي، فليكن هذا البيان ميراثي»(11).

يقدِّم دي جالارثا في المحاضرة الأولى تلخيصاً للدروس السابقة فى “مبادئ علم الأخلاق” حتى يستطيع الطلاَّب الجدد متابعته، وذلك بتعريف العلم تعريفاً مثاليَّاً، يربط بينه وبين الدين. فالأخلاق عنده تقوم على “الإرادة الصحيحة” التي تتَّفق مع الطاعة لله..”، والله قد جعل لنا طاقة على إدراك ما هو أحسن”. وحتى يحدِّد معنى الإرادة؛ يتناول مصطلحات ثلاثة هي: السريرة، الحكم والإرادة. وهي مصطلحات كما نعرف أساسيَّة في الأخلاق الكانطيَّة. يقصد بالسريرة (الضمير) Conscience والتي يذكرها بألفاظ متعدِّدة، فهي السريرة أو الضمير الاعتباريُّ وهي ما يعبِّر عنه كلُّ واحد منا بقوله “أنا”، وهي المقدرة الروحيَّة للإنسان، بينما يعرِّف الإرادة بأنَّها اتجاه بحركة إلى أيِّ شيء وتؤلِّف كلَّ ما لدى الإنسان من المقدرات، وأنَّها مصدر كلِّ أعمال الإنسان، وأنَّها النيَّة. والإرادة ليست هي الرغبة العاطفية أو الهوى أو الميل.

 

ثانياً: التصوُّف والروحانيَّات والآثار المصريَّة:

يشير معظم تلاميذ دي جالارثا ومن كتبوا عنه إلى اهتمامه الكبير بالتصوُّف والمجاهدات والرياضيَّات الروحانيَّة. وقد ذكر لنا هو نفسه هذا الاهتمام الكبير الذي ربما يكون السبب الأساسيَّ في قدومه إلى مصر، وأيضاً السبب وراء سفره إلى الهند. ويمكننا مراجعة ما كتبه كلٌّ من نيقولا يوسف عن الفيلسوف الإسباني الذي علَّم الحكمة في مصر ربع قرن، وأيضاً تلك الروايات المتعدِّدة التي أوردها لنا محمد لطفي جمعة في كتاباته.

يقول دي جالارثا: “إنَّ سبب حضوري إلى مصر لكي أنال العزلة التامَّة للتفكير والرياضيَّات، فجئت إليها سنة 1903، وصرت أرتاض أكثر النهار بقصد إنارة العقل، وتصفية الروح؛ لتصير أهلاً للحكمة ومعرفة الحقيقة. وكانت هذه الرياضيَّات شبيهة بالرياضيَّات التي كان يقوم بها أرباب الاجتهاد الأعظم، من الصوفيَّة المسلمين، واليوجيين من مذهب اليوجا الهنديِّ، فصرفت الهمَّة إلى اكتشاف الصواب بنفسي”.

عن هذا الأمر يخبرنا نيقولا يوسف قائلاً: “وفي ذلك الزمن الصافي كان الكونت يختلي بنفسه للرياضة الذهنيَّة، في بعض بقاع مصر الهادئة”. ويحضرني ممَّا سمعته عنه من عديد القصص والشائعات والحكايات، نوادر يجملها في هذا الموجز، بعدما سأل عنها الكونت فأكَّد صحَّتها: “فلقد ذهب مرَّة في الصحراء المجاورة للأهرام، وانفرد في خيمة نائية ليفكِّر ويتريَّض في هدوء وعزلة، ولكن سرعان ما ذاع صيته بين سيَّاح تلك الجهة، وظنَّه بعضهم منجِّماً أو ساحراً أو مستحضراً للأرواح في تلك الخلوة بصحراء الأهرام”.

ويضيف تلميذ دي جالارثا حادثة أخرى تؤكِّد ذلك يقول فيها: “حدَّثني أحد تلاميذه بدمياط مرة، أنَّ الكونت وعده بالزيارة في ساعة حدَّدها من ليلة معيَّنة، ولكنه بدلاً من أن يحضر بذاته فقد رأى التلميذ في الموعد المعيَّن صورة الكونت أو شبحه أو روحه أمامه في الغرفة”. وقد سألت الكونت عن هذه الرواية، فأجابني بأنَّ هذا أمر مألوف لدى بعض المتصوِّفة في الهند وغيرها، وأنَّه يمكن فصل الروح عن الجسد في أحوال خاصَّة قبل موت الجسد، أو بعده(21).

وقد أشار محرِّر “المقتطف” الذي نقل لنا الحفل الذي أقامه طلاَّبه في “الجامعة الأهليَّة” إلى اهتماماته المختلفة؛ خصوصاً تحضير الأرواح الذي شاع في هذه الفترة، وكانت له جمعيَّات متعدِّدة شارك فيها عدد من الشخصيَّات الهامَّة ومنهم الكونت دي جالارثا(13).

 

ثالثًا: تأثيره في الثقافة والفكر العربي:

كان لدي جالارثا أثر كبير في تلاميذه الذَّاكرين فضله ممَّن تتلمذوا عليه وصاحبوه أثناء تدريسه في الجامعة ومدرسة “المعلِّمين العليا”، أو ممَّن تعلَّموا على كتاباته المختلفة في مرحلة تالية. فقد حصل اثنان منهم على الدكتوراه في الجامعة المصريَّة القديمة هما: زكى مبارك صاحب “الغزالي”، وتوفيق حامد المرعشلي أحد رواد الحركة التعاونيَّة في مصر، والذي حصلنا بفضله على محاضرات “ماسينيون” فى الجامعة المصريَّة بخطِّه. ونشير أيضاً إلى تلاميذه في الجامعة كمي زيادة الأديبة المعروفة، وعبد الوهاب عزام الأستاذ في كليَّة الآداب في فترة تالية، هذا عدا أثره على الأجيال التالية من أساتذة الفلسفة في جامعة القاهرة خصوصاً عثمان أمين في دراسته عن الفلسفة الرواقيَّة، وتوفيق الطويل في كتاباته الأخلاقيَّة وعبد الرحمن بدوي الذي أشار إلى تأثير دي جالارثا القوي عليه ممَّا وجَّهه إلى دراسة الفلسفة. وكان لمحاضراته عن كانط أثر كبير في من كتبوا عنه في هذه الفترة من عشرينيَّات القرن العشرين.

ويمكننا التأكيد في هذا السياق على ارتباط دي جالارثا بالحياة الثقافيَّة المصريَّة كما يظهر فى علاقاته بكبار رجالات مصر في الأدب والسياسة خصوصاً سعد زغلول ومراسلاته مع المثقَّفين المصريين الذين حفلت مذكَّراتهم بفصول حوله ومراسلات معه، مثل محمد لطفى جمعة الذي يعدُّ من أوائل من أرَّخوا للفلسفة في العقود الأولى من القرن العشرين(14).

سنتوقف عند أربع رسائل ممَّا كتبه الكونت دي جالارثا إلى “مي” . وهو يبدأ اثنتين منها بالعزيزة الآنسة (إيزيس)، واثنتين بالعزيزة الآنسة مي. وإيزيس هو اسم الإلهة الكبرى فى الديانة المصريَّة، المعروفة في أسطورة إيزيس وأوزوريس.

في الرسالة الأولى لمي، وبعد شكرها على المجلاَّت التي أرسلتها إليه – والتي تحتوي على مقالاتها – يصرِّح لها برأيه في تعلُّمها للُّغة الروسية والتي سبق له دراستها لمدَّة عامين.

وفي الرسالة الثانية يستشعر القارئ من قوله “تلك النغمة العائليَّة التي تضمُّ أصدقاء المبادئ تحت لواء إيزيس” بعبق أفلاطونيٍّ، وكأنَّنا في جماعة دينيَّة ذات صبغة روحيَّة كالفيثاغوريَّة.

وفي الرسالة الثالثة المؤرَّخة في 23 فبراير شباط 1924 يخاطبها بالعزيزة الآنسة مىِّ. ويقول لها إنَّه تلقَّى بفرح الأفكار التي يتضمَّنها كتاباها الأخيران، ويذكر أنَّ لغتها الجميلة ستساعد على رفع المستوى الروحيِّ لشعوب اللُّغة العربيَّة وعلى اقتلاعها عن المادِّيَّة. كما يصرِّح لها بأمله في أن يطبع هذا الصيف كتابه “محاضرات في الحكمة” الذي أعدَّه لطلابه، وبالفعل صدرت هذه المحاضرات في كتابين [جالارثا: محاورات في الحكمة، القاهرة، 1923](51).

وياتي بعد مي زيادة؛ تلميذه في مدرسة “المعلمين العليا” بالقاهرة نقولا يوسف الذي  تعرَّف إليه عام 1922، ويطلق عليه لقب الفيلسوف المستشرق الإسبانيِّ، ويصفه بالحكيم الفاضل، الذي يقضي أوقاته في مكتبة المدرسة العليا؛ يقرأ ويؤلِّف الكتب الفلسفيَّة المختلفة “غائصاً في تأمُّلاته الصوفيَّة العميقة”، يذكر لنا بداية تعرُّفه عليه، موضحاً حرصه واهتمامه بالمسائل العلويَّة والروحانيَّات والبحث وراء الحكمة، لأنَّها التدبير الصحيح للخير الأعظم.

يقول يوسف: “زادتني لقاءاتي معه تعلُّقاً بالفلسفة وعلم النفس وبالأمور العقليَّة عامَّة، وبحثنا في الروح وخلودها، والنفس ومظاهرها، والحكمة وفوائدها، والأديان وتشعُّبها، والفلاسفة ومذاهبهم، والإغريق وعصورهم، والمجتمع وضلاله، والعالم واضطرابه. وتلميذه هذا هو الذي اقترح عليه تقديم دروس حرَّة في الحكمة في المدرسة العليا للمعلمين”(16).

 

رابعاً: كتاب خبر في التصوُّف والأخلاق:

يحدِّد لنا الكونت دي جالارثا العلاقة الوثيقة بين حياته الروحيَّة وارتباطها الشديد بالنصِّ الصوفيِّ المميَّز الذي يقدِّمه لنا، فقد كتب في التمهيد سطوراً عدَّة عن حياته، ورغم إشاراته العديدة إلى حياته في كتاباته المختلفة، إلاَّ أنَّه أكَّد في هذا التمهيد بالذات على حياته الروحيَّة الصوفيَّة، يقول: “لم أقنع بالفلسفة بل التفتُّ إلى الرياضيَّات [الروحانيَّات]؛ فتعلَّمت على شيخ هنديٍّ بطريق امتحان النفس. وبعد ذلك سافرت إلى وارث على شاه؛ قطب فقراء الهند قدَّس الله سرَّه؛ لكي أطلب منه الإرشاد والقدوة، فأكرمني ذلك النور. ثمَّ رجعت إلى مصر حيث اعتزلت سبع سنين بعيداً عن الأهل مشتغلاً بمناجاة الله أكثر النهار، وتأمَّلت زماناً في خلوة مظلمة(17).

من المفردات التي يستخدمها دي جالارثا في النصِّ الذي بين أيدينا، تتَّضح ميوله وتوجُّهاته الصوفيَّة؛ فهو يتحدَّث عن الرياضات، يقصد المجاهدات وامتحان النفس، والقطب والفقراء والنور والعزلة، ومناجاة الله، والخلوة المظلمة. ويضيف إليها في فقرة تالية ما مرَّ بحياته من خبرات نفسيَّة صوفيَّة يقول: “امتُحِنت بالمحن النفسانيَّة والجسمانيَّة الشديدة، وعرفتُ أوجاعاً وأدواءَ قد دلَّ إليها أولياء، وجرَّبتُ عاقبة وعقوبة بعض المطالب التي لم يزل بعض الناس طالباً لها؛ حتى أشرفتُ على التجرُّد من الجسم أعني على الموت(18).

نحن إزاء تجربة صوفيَّة روحيَّة عاشها هذا الفيلسوف الذي انتقل من إسبانيا إلى مصر، ومن حياة السياسة العمليَّة إلى التجربة الإشراقيَّة العرفانيَّة. فالرحلة أو الطريق الذي قطعه كان من وطنه إلى الشرق، ومن حياة عمليَّة مشرقة إلى حياة أخلاقيَّة تأمُّليَّة إشراقيَّة.

وهذا النصُّ كما سبق وذكرنا ترجمة لهذه التجربة الإلهاميَّة، وفيه يقول: ” فلكي أبدي ما أُلهٍمتُه وتعلَّمته؛ جمعتُ هذه الأوراق في ثلاثة فصول بتفصيل ثلاثة مقامات. ويحدد لنا محتواها وفحواها على النحو التالي:

-الفصل الأول: هو في مقام العدل والاعتزاء؛ الذي يمكن أن يسمَّى أيضاً مقام الصدق. وصفت فيه فضيلة العدل الجامعة لهذا المقام.

-الفصل الثاني: في مقام الإيمان والطاعة، وصفت فيه فضيلة الزهد وفوقها التواضع وفوقه التسليم وفوقه الإيمان؛ فتلك الأشعَّة المنزَّهة الإنسان متصادقة، وهي شرح مقام الإيمان والطاعة.

-الفصل الثالث: في مقام البيان والنيابة؛ الذي يمكن أن يسمَّى أيضاً مقام الحقيقة المجرَّدة أو التجرُّد أو الظهور العاري أو الشهادة بترادف الكلمات. وقد وصفت فيه فضيلة الاجتهاد والحلم مع الصبر وفوقها الكرم مع الرحمة.

ويناقش دي جالارثا مفاهيم التصوُّف مناقشة أخلاقيَّة، فهي كما يخبرنا مقامات وفي الوقت نفسه فضائل أخلاقيَّة وماهيَّات معياريَّة وقيم إنسانيَّة عليا، وهي مجاهدة تأمُّليَّة لنوازع شعوريَّة وميول ورغبات نفسيَّة تتحكَّم في الإنسان، ويستطيع تجاوزها والعلوَّ عليها بطرق وأساليب متعدِّدة لترقية النفس وتهذيب الأخلاق.

إنَّنا، إذن، على موعد مع نصٍّ صوفيٍّ عرفانيٍّ يتناول قيم وفضائل أخلاقيَّة إنسانيَّة عليا يتَّصف بها من يمارس المجاهدات الروحيَّة يطلق عليها مقامات.

في الفصل الأول يتحدث عن العدل أول هذه الفضائل. وللعدل عنده معنى صوفيٌّ مميَّز عن المعنى القانونيِّ، وهو يعرِّفه بأنَّه الفضيلة الجامعة لمقام العدل والاعتزاء، فهي العدل وهو إنصاف وتفريق بين ما لأحد وما عليه؛ وبالعدل يكون الحقُّ لصاحبه وعليه.

ويضيف موضحًا ما يصاحب العدل من مسئوليَّة وثواب وعقاب وألم؛ “فحين يمتحن الإنسان بمسألة العدل لا يكافئ مسئوليَّته؛ فالعدل يقضي عليه ويعاقبه إلى أن يستوفي. وعلى هذا النمط يكون ثواب فاعل الخير؛ هو خير مفعول وعقاب فاعل الشر؛ انفعال لصاحبه والانفعال المنكر هو الألم؛ فكلُّ فعل ونيَّة وكلمة وفكر واعتبار؛ يكون لصاحبه أو عليه حسب الدرجات، وكلٌّ يُكال بما يكيل، ولا تكلَّف نفس إلاَّ وسعها. والعدل يقرب من الله؛ وحيث أن ذا العدل يكافئ الخير بالخير، لا بدَّ من أن يساعد أو يحبّ من ساعده؛ حينئذٍ يحبُّ الله أكثر من كلِّ شيء؛ لأنَّ الله رحمه ورزقه كلَّ شيء. فالعادل يكون خالياً من كلِّ كره، مصدِّقاً لتجرُّد الحقيقة التي تحيي قلبه بأعمال الرحمة. أمَّا ثواب ذو العدل فهو حفظ من جميع الآلام التي سبق ذكرها. وحسب درجته يكاد لا يعرف ألماً، أو لا يعرف بالمرة انفعالاً مكروهاً؛ لأنَّه عدل عن الكره”.

ويفيض في الفصل الثاني الحديث عن الزُّهد؛ الذي يذكر فضائله بالتفصيل وهو يأتي ضمن مقام الإيمان والطاعة. يقول: “الفضيلة الأولى في مقام الإيمان والطاعة هي الزُّهد. ومعناه الكفُّ عن أنواع الطمع، واستئصال هذا النقصان من قرب الضمير، وإقماع الشهوات المفتريات بالتقرُّب إلى الطبيعة البسيطة؛ التي تنزَّهت عن التنعُّم. والزاهد لا يبتعد عن الطهارة، أقول (والكلام لدي جالارثا) إنَّ الزاهد لا يهتمُّ بالمحسوسات، بل يتوكَّل على الله في حالتيْ بقائها وزوالها؛ وهذا يتمعَّن طريق الطهارة؛ فالطهارة هي حياة، كما أنَّ التطهُّر، أعني التنظيف من سموم النجاسة القتَّالة، هو إحياء؛ سواء اعتبر في الجسم أم الروح. والزاهد؛ يستفيد بمعاشرة المجتهدين. وهو لا يقصد لذَّات نفسانيَّة، وإن أقبلت يطهِّرها بنيَّة مساعدة الغير؛ فاللَّذات النفسانيَّة تنجذب لأنَّه لا يميل إلى الجذب، بل هو غنيّْ”.

ويضيف موضحًا “لا يلزم أن يكره الزاهد الدنيا ولا المعايب، بل يكتفي بترك المعايب؛ ويربط بين الزُّهد والرَّحمة”. ويقول: “ولا يفتر الزاهد عن نيل الرحمة؛ فهي ضروريَّة له؛ كي يُبقي قلبَه حيَّاً، ويُحفَظ من الجمود وعدم الميل. كما يقرِّب بينه وبين العلم، ويبعد بينه وبين اللَّذة. إنَّ الزاهد لا يتَّخذ العلم إلاَّ هُدىً وفائدةً حقيقية، لا لذَّة. كذلك يزهد فكر الزَّاهد عن العوالم النفسانيَّة أو الجسمانيَّة، إذا قال قائل ليس لها عدد؛ من حيث إنَّ الكميَّة لها كلُّ الظروف”.

هنا يؤكد دي جالارثا على الإرادة “فهي السبيل للرَّشاد والبُعد عن الهوى. وإرادة الزاهد المرشدة تقيه من الهوى، وهو لا يتَّبع تَخَيُّله إذا انحرف عن الرُّشد وصار وهْماً. معنى هذا أنَّ الزاهد مرتبط بالحكمة والتعقُّل والتأمُّل؛ مثلما هو مرتبط بالإرادة؛ وإن كان كثير العقل يسير فكره في الحكمة. وإن ولد إنسان في الفقر وتعوَّد على فقره راضياً، يكون قد نال جزءاً مهمَّاً من هذه الفضيلة”. أمَّا غير الزاهد فعلى العكس من ذلك؛ حيث يرى دي جالارثا “أنَّ عديم الزهد هو صاحب شهوات النفس المفتريات التي هي كعطشٍ لا يروى. ومعنى تلك الشهوات هو افتقاد التنعُّم في كلِّ شيء، وارتباطٌ بالأشياء بواسطة الاستلذاذ”.

من الواضح أنَّ الزُّهد عنده يعني القناعة والرضا، وعدم القناعة أو عديم الزاهد يعاني سواء من الحزن أم عدم الرضا أو الملل. فترى عديم الزهد مغرورًا، وكثيرًا ما تجده مضمحلَ النفس والجسم، كاتمَ حزن، غير راض بنفسه ولا ببغيته، مفتقدًا قصدًا لحياته. وإن بحث عديم الزهد عن سبب ملله وضجره قلَّما يهتدي إليه؛ لأنَّ السبب هو فيه إذ هو يقصد اللَّذَّة، وهي ليست حقيقة الشيء، بل التباسٌ افتراهُ هو بشهوته، فييأس من السبب ويتوهَّم الحجج الواهية. ويرى أن كل مقاصد الإنسان ناقصة”.

ويكرر دي جالارثا هذا المعنى بعبارات متعدِّدة متنوِّعة، ذلك أنَّ “غير الزاهد من أهل الهوى الباحثين عن اللذَّات والشهوات، التي لا تنتج سوى القلق والتمزُّق النفسي. ثمَّ أقول إنَّ عديم الزهد بما يقصد الأفراح ينقاد إلى اتِّباع الهوى، يومئذٍ يضيق له الحلال الذي يوافق الإرادة المرشدة فيخطئ كثيراً؛ لأنَّه طوراً يتردَّد عند إقبال المقصود، وتارة يقوى عزمه عند إدباره”.

يمكننا هنا بلغة معاصرة أن نصف عديم الزاهد بالعنوان الذي وضعه ماركيوز لأحد كتبه وإن كان في سياق مغاير، وهو ” الإنسان ذو البعد الواحد “؛ الذي يشعر باستمرار بالحاجة ولا يشبع، والزاهد الذي لا يصاب بآفات غير الزاهد وهو التحرُّر من قيد الحاجة؛ يُحفظ من بلايا عديم الزهد السابق ذكرها، وله صحَّة الجسم والروح؛ حيث اهتدى إلى الحمية والطب الطبيعيِّ الأصليِّ، وهو تحرُّر من قيود الاحتياجات الموهومة، وهو حاز اللذَّات وقمعها بحيازته إياها وكشف له سرابها؛ فبصره يحيط بها عند البعد كما كانت تحيط به بتدانيه إليها، ونال الغناء لأنه نتيجة الاستغناء، ونال الاكتفاء لأنه نتيجة الكف عن النقصان.

ويصفه دي جالارثا على النحو التالي: “ويرق للزاهد تفريق العالم المعنويِّ والنفسانيِّ والجسمانيِّ، ويقرب نحو التجرُّد ويتيسَّر له الوصول إلى الحقيقة؛ أعني إلى التجرُّد الزكيِّ، ثم يحيي في شعوره الحياء الذي هو إلهام من الضمير وحفظ قوى طبيعيٍّ من جميع الأشياء التي ذكرتها واحدة واحدة في وصف عقاب عديم الزهد؛ فإن استحى الإنسان في حضور الأشياء المهدِّدة حياته أحيي أو حفظت حياته. ويسهُل للزاهد الاتصاف بالتواضع والتسليم والإيمان؛ إذ هذه الفضائل هي متصادقة جداً”.

الفضيلة الثانية في مقام الإيمان والطاعة، وهي التواضع. وأول التواضع هو عبادة الله؛ كما يذكر لنا أنَّ المتواضع لا يمدح نفسه سرَّاً ولا علانية ولا يحقِّر نفسه. وإن مدح يتذكَّر معايبه ولا ينسى أن المدح ليس بإقرار بل هو مبالغة. وهو يخفِّف أنانيَّته حتى يكاد لا يشعر بها، ولا يقيس نفسه بالغير إلاَّ لأجل أن يبحث عن نقص في نفسه، ولا يقضي على ضمير الغير أبداً، ولا يحقِّر أحداً ولا العاصي؛ لأنَّ الحذر يكفي، والتحقير هو من العدوان. ومن خصاله أن يحترم أولياء الله والوالدين كما فرض العدل، ثم يكون متواضع العقل؛ فإن لقي إنساناً صالحاً خضع معترفاً للقلب الصافي بأنَّه أعلى من كلِّ عقل.

ولا ينسى دي جالارثا بيان عقاب عديم التواضع، فهو “انتفاخ وتورُّم [تكبُّر] النفس مع استعداد قريب لالتهابها بالطمع والغضب والشدَّة. وهذا الانتفاخ، هو التكبُّر وتأكيد الأنانيَّة من نظر المتكبِّر إلى نفسه بعجب؛ فهو يحسب أنَّه برز من جميع الناس، أو من جملة بخاصيَّة من الخاصيَّات ونفسه ثقيلة وعليه تكلُّف. إن لم يحترم الأولياء لا يستفيد من تجاربهم فيُبلى كثيراً أو يناله ما كانوا ينهون عنه، وإن خرج من حكم وليٍّ يقع تحت سلطة ظانٍّ ليست نصوحة وإن سها عن تقليد أعمال الصالحين، التي هي حقيقة عمليَّة. والتفت إلى الاطلاع لما سمَّاه معرفة ما برح جاهلاً، بل ربما شيَّد نفسه في الجهل وظنَّ مستبدَّاً أنَّ الأشياء هي ما عقل منها ولو أنها ليست هكذا في العقل”.

ويتابع الشرح بأنَّ عدم التواضع هو عكس الحكمة، ومن يتَّصف به هو بعيد تماماً عن الحكمة. وعديم التواضع استبعد الحكمة وكانت الحكمة تستبعده، أو طمع فيها وقال إنَّه محبُّها وكانت تناديه على التوالي من بعيد، أو اعتقد أنه فاز بها وكانت حينئذٍ واقفة خارجاً عنه. والتواضع يزيد مع الزهد في التنزيه واستخلاص الضمير وفي صدق السريرة. وهو يكرم بحياء التواضع”.

الفضيلة الثالثة يتحدَّث فيها عن الفضيلة الثالثة في مقام الإيمان والطاعة، وهي “التسليم الذي يرتبط بالزهد والتواضع، وهما يؤديان إليه. فالزاهد والمتواضع تقدَّما بتدريج في التسليم. غير أنَّ ذا التسليم يتقاعد حتى عن إرادته وعن شخصيته مستودعا نفسه لله؛ فيكون صفراً عن نفسه. والتسليم يؤدِّي إلى الثِّقة بالنفس؛ وهو يرضى بامتحان القدر وإن كان أمر قد قضي لا يتحسَّر عليه البتَّة. وهو لا يحزن أبداً فلا يجب أن يحزن الإنسان. وذا التسليم يتَّقي الأزمان في السكينة وتعطل الفعل، كما يتَّقي التصلُّب في العزم والشدَّة الأمَّارة؛ فكلا الشيئين هو عكس التسليم وغلط. وإذا كان التسليم يؤدِّي إلى الثقة والاتِّساق والاتِّزان النفسي؛ فإنَّ عديم السليم على العكس من ذلك تماماً. وفي عقاب عديم التسليم والانقياد وجدت أنَّه تبكيت صوت من الضمير متَّحد بضربات القلب وإن عصى غير سامع لهذا التبكيت؛ فقد الحكمة وبراءة وخيراً، وتكرَّر التبكيت حتى نالت ضربات قلبه الشدَّة وكادت تصمه بضوضائها فكان ضميره بُكماً”.

الفضيلة الرابعة في مقام الإيمان والطاعة التى يذكرها لنا في كتابه، وهي مدار فضيلة التسليم والتواضع والزهد؛ التي تزكي الإنسان ظاهرا كان أو باطنا؛ فذو الإيمان يشعر بأنه لو تقاعد عن ما يحبه وعن ما يعرفه وعن شخصيَّته لله أمن؛ فالإيمان يأخذ إيمانه معه على كلِّ طريق وهو طريق نحو المطلق ولا أضيف إليه بياناً؛ لأنَّ الأمن الذي يجده فيه صاحبه هو أول بيان اليقين.

ومثلما يحرص دي جالارثا على تحديد ماهيَّة كل مقام، فهو أيضًا وبالحرص نفسه يذكر لنا نتائج كلِّ مقابل ونتائج عدم الاتصاف به “عقاب عديم الإيمان؛ فأرى أنَّه الخوف والوسواس إذ هو الشكَّاك الذي يتَّخذ جملة ظنونه حجَّة ليستضلَّ نفسه والغير وخوفه هو عقاب وزيادة على العقاب والشكوك مع سوء الظنِّ تسيء صاحبها. وقد سمع ذو الإيمان الوعيد، ووعد الخير فلا ريب في أنَّ الأمن في كلِّ الظروف هو ثواب ذي الإيمان، وهو يأمن من الترديد ومن الشكوك الكثيرة أو من كلها وحيث إن النية الحسنة هي متعلقة بالإيمان يصحح ضميره”.

يتناول دي جالارثا في الفصل الثالث الاجتهاد وهو “الفضيلة الأولى في الأعمال الصالحة، وأنيس الصبر والحلم، وفيه يسر مع عسر، ولكن إذا اجتمع مع الصبر قرب إلى اليسر كثيراً، ولا ريب في أنه قريب إلى طبيعة الرجل”. ويزيده وضوحًا بالقول: “إنَّ الإنسان بعد ما استودع نفسه لله وتنزَّه بمقام الإيمان كما ينبغي، يعين كلَّ أحد ويستعين الله في معونته فيقرب المستعين إلى المستعان، وتتم المواخاة والألفة الإنسانيَّة”. وهو يربط الترقِّي الصوفيَّ والوصول إلى أعلى درجات الصفاء والعرفان بالاجتهاد، ومقام الاجتهاد هنا يختلف عن الاجتهاد بالمفهوم العقليِّ، الاجتهاد هنا إرادي؛ إن كان أحد مجتهداً ولم يزل غير متصعِّد بفضائل التنزيه من مقام الإيمان؛ يمكنه أن يهذِّب نفسه ويقود نفسه في التنزيه؛ فالعادة السيِّئة تعطَّل بالعادة الحسنة؛ وليس للعادة السيِّئة قوة إلاَّ التي استُعيرت من ضعفنا، وهو مرتبط بالتأمُّل والذِّكر؛ إن تأمَّل من اللَّفظة التي تعبِّر عن الفضيلة، وإن كرَّر اللَّفظة يمنع ابتعاد فكره عن الموضوع، وليتذكَّر الذات في تأمُّله فيقول مثلاً يا رحمان في تأمُّل الرَّحمة، أو يارب اجعلني رحيماً، وفي الزهد يقول يارب اجعلني زاهداً، وهكذا في كلِّ واحدة من الفضائل التي وصفتها كما يذكر. وفائدة التأمُّل تكون في معناه وليس في نظرنا إلى المعنى فقط، ولكن في تحويل أنفسنا إلى المعنى، والمعنى إلى أنفسنا شيئاً فشيئاً بإعانة الله. وعلى المجتهد أن يمعن نظره في الصالحين لكي يقلِّدهم؛ والمجتهد يفلح في الممكن الحسن، وهو يحفظ ويعدل وينجح قوَّته الجسمانيَّة، ويحوِّل شدَّته وحميَّته إلى الخير خصوصاً إن بلغ الحلم والصبر”. وهو يضيف فضائل هامة للغاية هي: الصبر والكرم والرحمة والشفقة.

الفضيلة الثانية في المقام هي الحلم والصبر، وهو أنيس الاجتهاد ومكمِّله، وإضافة قوة المرء إلى لطف الطفل، فلين الحلم الكبير مع أنس الاجتهاد يكون فعَّالاً. وتلك الفضيلة هي أكثر الحكمة العمليَّة وأهمُّ قوة الحكمة، والحليم الصبور يكون مستعداً لجميع البلايا وهو يحولها إرشاداً وتحسيناً لسريرته”.

الفضيلة الثالثة هي الكرم، ومتعلِّقة بالرحمة خصوصاً؛ “فالإنسان الكريم هو الذي ينفق ممَّا رزق لينفع كلَّ احد وذلك من دون شرط؛ فالكرم هو أكمل إدارة المال؛ لأنَّ الإسراف والادِّخار هما أسباب الفاقة المهمَّة، والكريم يعطي على حسب قدرته، أعني كلَّما زادت أمواله ازداد إكراماً وتعبَّد بني الإنسان، ومن أنفق مع كونه فقيراً أعلى من هو أفقر منه يعدُّ رحيماً لأنَّه ينفق من نفسه”.

الفضيلة الرابعة هي الرحمة، وذو الرحمة هو من ينفق من نفسه بغير شرط، وكون الشيء نفسه هو حقيقة الشيء، والرحمة هي فيض الحقيقة، وكلٌّ يفيض بما هو حقٌّ له وممَّا له من عند الحقِّ، وإذا أنفقت الرحمة ما قلَّت بل كمُلت، وإذا أنفق ذو الرحمة كمُل ما لديه منها مثاله. أمَّا الشفقة والإنسانيَّة؛ التي هي من أخصِّ خصال الإنسان؛ فهي أن تشعر بالمحتاج المسكين وذلك خصوصاً حين يمكنك أن تساعده.

وذو الرحمة يسلِّي كلَّ حزين خاسر بقدر إمكانه ويعفو، فما أحسن من الذي إن ابتُلي ببليَّة من المعتدي؛ يمحو من قلبه ومن ذاكرته أثر تلك البليَّة؛ فالمخلص إن أراد ثواباً يثوب إلى الرحمة، أعني يرحم ثانية، والرحمة أكثر من عدل، إذ هي أكثر من مكافأة. وذو الرحمة لا ينسى رحمة فعلت له ولو بعد أن كافأها بالمثل؛ لأن فعل الرحمة يستحق وفاء كثيراً، وهو لا يذكر خير ما فعل.

وذو الرحمة إن لم يدرك شيئاً لا يظنُّ سوءاً لو استغرب، وإن حرم شيئاً يعترف برجوع كلِّ شيء إلى الله، وما يسميه العادل أحوالاً وامتحاناً يسمِّيه ذو الرحمة داعياً للعفو. وذو الرحمة يدرك نبذة من الخير المحض وأحياناً يصل إليه؛ فإنَّ الخير يظهر بالفعل أتمَّ ممَّا يظهر بالقول، وهو موجود في الفعل.

وذو الرحمة يكون عند الحقيقة المجرَّدة حيث يرى الشيء كما هو، وينال بعض اليقين، لأنَّ الشروط تقل في فعل الرحمة، وبهذا تقرب العلَّة الفاعلة إلى العلَّة الغائيَّة. وذو الرحمة يؤمن ثمَّ يؤمن إذ هو في مقام البيان، وهو يفهم الاتصال العام درجة درجة؛ ويفهم أنَّ الناس يختلفون في آراء ما داموا لا يرحمون ولا يٌرحمون. وبالرحمة يرجع كلُّ شيء إلى النور.

يعرف ذو الرحمة أنَّ الفضايل توافق بعضها وتتداخل، وقصد تفصيلها الأهمُّ هو التدريس وإيصال القدوة إلى الكلِّ؛ وتهمد له كراهة من عاداه لأنَّه يضمر له تحسيناً، ولا يسيئه الكنود لأنَّه لا ينتظر مكافأة، وإذا فرح أو انبسط بشعور الرحمة أو المحبة يخلص فرحه بغرضه. والرحمة تعين للحياة قصداً كافياً، ونوصل بين غايتها وبين أصلها، وهي تشفي الذي يئس أو ملَّ من الحياة، وتعوِّض حزنه بالتوبة، وفيها شفاء من أشدِّ الطاعون الذي هو العداوة والفساد، ودواء لمرض القلب سواء اعتُبر في الجسم أو في الروح، وإحياء وطول عمر، وهي ترجع القلوب نحو العصمة الطبيعيَّة والذات، وهذا الرجوع يمثِّل التذكار بعد النسيان.

وذو الرحمة يدرك نبذة من الخير المحض، وأحياناً يصل إليه، فإنَّ الخير يظهر بالفعل أتمَّ ممَّا يظهر بالقول، وهو موجود في الفعل. وذو الرحمة يكون عند الحقيقة المجرَّدة حيث يرى الشيء كما هو، وينال بعض اليقين، لأنَّ الشروط تقلُّ في فعل الرحمة، وبهذا تقرب العلَّة الفاعلة إلى العلة الغائيَّة.

وذو الرحمة يؤمن ثمَّ يؤمن إذ هو في مقام البيان، وهو يفهم الاتصال العام درجة درجة ويأمن حين يلائم في قلبه بين أشخاص ظنَّها قبل متفرِّقة، أو خاف أن تفترق، ويرى أنَّ حقيقة الشيء تلحق حتى ما يسمَّى اللاَّشيء والمادة والجسم، فالكائنات استُدعيت للرجوع، والنفوس استُدعيت للتوبة وللوفاء، ويفهم أنَّ الناس يختلفون في آراء ما داموا لا يرحمون ولا يٌرحمون. وبالرحمة يرجع كلُّ شيء إلى النور إن فارقه، فالفضَّة التي وهبها الفقير لمن هو أفقر منه رجعت ذهباً، وساعة الوهب رجعت إلى عصر الذهب، والماء في يد من يسقي الذي عاداه إكسيراً، ونجوة الكريم والمكرك كانت محاورة ملائكة، والأشغال اليوميَّة ووكالة الناس بعضهم بعضاً إن رفعتها نيَّة الرحمة رجعت آية، وليس هذا الذهب وذلك الإكسير وتلك الآية مجازاً، ولكن نيَّة مجاوز أمر الله وظنَّ السوء المتعلِّق بها هي التي تزور قيمة الأشياء بترخيص أولاً، ثم بتغلية، وتجعل المجاز.

ثم يعرف ذو الرحمة أن الفضائل توافق بعضها وتتداخل، وقصد تفصيلها الأهمُّ هو التدريس وإيصال القدوة إلى الكلِّ وإلحاق الغايات. فالخير هو واحد كالصحة لو أنَّ الأمراض والمعايب كثيرة والكائنات في تأليفها مضمونة إذ حلَّت وإن قلنا نوراً لم نقل تحليلاً ولا تأليفاً”.

إنَّ ما كتبه دي جالارثا يذكِّرنا من خلال ما تناوله في كتابه الذي قدَّمنا خلاصة له؛ المقامات الصوفيَّة؛ ويذكِّر بما كتبه الإمام الهراوي الأنصاري في كتابه “منازل السائرين”؛ الذي حظي بشروح عديدة تجعل منه أساساً لكلِّ باحث في الميتافيزيقا الأخلاق والفضائل الإسلاميَّة وغاية لكلِّ من يدرس التصوُّف والعرفان.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    الهوامش والمراجع:

 (1) نقولا يوسف: الكونت دي جلارزا، الفيلسوف الإسباني الذي علَّم الحكمة بمصر ربع قرن، مجلَّة “الأديب” يناير 1965 القاهرة.

Abd El Halim Atiyya, Ahmed (2003). “El Conde de Galarza y el método crítico en la enseñanza de la filosofía”.Anales del Seminario de Historia de la Filosofía, número 20 (2003) 285-300,.

Puig Montada, Josep. 2005. “Anotación sobre Vicente Galarza Pérez Castañeda”. Anales del Seminario de Historia de la Filosofía, Vol. 22 (2005): 271-273.

(2)  انظر مجلَّة “المتحف المصري”، العدد العاشر 1910 ص115-121. لقد قدَّم د. عبد الحليم نور الدين دراسة حول دي جلارثا والآثار المصريَّة، مجلَّة “أوراق فلسفيَّة” العدد 22، القاهرة 2009. وسوف نشير بإيجاز إلى جهوده في هذا المجال في الفقرة رابعاً من هذا البحث.

(3)  أنظر محمد لطفى جمعة: شاهد على العصر: مذكرات محمد لطفى جمعة، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب القاهرة، فقرة بعنوان “يسألونك عن الروح: الأشباح والأحلام والكونت دي جالارثا ص381-389.

(4)  هناك بيانات تفصيليَّة بأسماء طلاب دي جالارثا الذين حضروا محاضراته، ضمن وثائق نتائج امتحانات الجامعة، أنظر ملاحق نشرت لكتاب دي جالارثا: الفلسفة اليونانية، دار الثقافة العربيَّة، القاهرة 2008ص183-189.

 (5) María del Mar García Benasach  PAPELES SOBRE LA VIDA DE VICENTE GALARZA PEREZ-CASTAÑEDA, Vizconde de Santa Clara, aorak Phalsaphia, 2009. vol. 22, p. 21-27.

(6) محمد لطفي جمعة : “مذكَّرات شاهد على القرن”، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، القاهرة.

(7) د. رجاء أحمد على / المنهج النقديُّ عند دي جلارثا في درسه للفلسفة العربيَّة، مجلَّة “أوراق فلسفيَّة”، العدد 29، الفلسفة الإسبانيَّة المعاصرة، ص241-262.

(8)  نجيب العقيقي: المستشرقون، الجزء الثاني، دار المعارف بمصر، ص203.

(9)  الكونت دي دي جالارثا: محاورات فى الحكمة مطبعة الاعتماد بمصر، ص2.

(01) زكى مبارك: الأخلاق عند الغزالى، دار الشعب، القاهرة.

(11) GALARZA, V., Clases de Filosofía general e historia de la filosofía en la Universidad Egipcia, estudio y edición a cura de  Dr. Ahmad Abd Al-Halîm Atiyya, El Cairo, S/F

وانظر عنه جوزيب بوتشي مونتاد : بيثنتي جارثيا جالارثا ومحاضراته في الفلسفة الكلاسيكيَّة، ترجمة عبير عبد الظاهر في نحو أجورا فلسفيَّة عربيَّة معاصرة، قراءات في فكر أحمد عبد الحليم عطية، دار الثقافة العربيَّة، القاهرة، 2014م، ص389 وما بعدها، دراسة بوتشي بالعربيَّة. يؤكد دي جالارثا دائماً على نزعته المثاليَّة وارتباطه بكتابات كانط كما يظهر في قوله أثناء سياق حديثه عن حياته وأعماله خصوصاً محاورات في الحكمة      «راعينا في نمط تعليم الحكمة قاعدة مبدئيَّة مهمَّة شاركنا في اتباعها بعض الفلاسفة المجتهدين الصادقين مثل “كانط”، وهي أن ندعو المتعلِّم إلى التفكُّر الاستقلاليِّ حتى يصير فيلسوفاً لا ذاكراً كلام الفلاسفة فقط. نقلاً عن نقولا يوسف.

(12) نقولا يوسف: الكونت دي جلارزا، الفيلسوف الإسباني الذي علَّم الحكمة بمصر ربع قرن، مجلَّة “الأديب” يناير 1965 القاهرة. وانظر أيضاً محمد لطفى جمعه: شاهد على العصر: مذكرات محمد لطفى جمعة، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب القاهرة، فقرة بعنوان “يسألونك عن الروح: الأشباح والأحلام والكونت دي جالارثا ص381-389.

(13) مي زيادة: البعث العتيد، “المقتطف” المجلَّد 55، عام 1918، ص129، وما بعدها.

(14) انظر أحمد عبدالحليم عطية: جالارثا والمثقَّفون المصريون، هوامش، القاهرة، عدد 11 مارس 2018.

(15) المرجع السابق.

(16) المرجع السابق، ص12.

(17) الكونت دي جلارزا: خبر.

(18) المرجع السابق.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى