طرق و مدارس

فوائد الطريقة النقشبندية الخزنوية درس لفضيلة

الشيخ محمد مطاع الخزنوي

فوائد الطريقة النقشبندية الخزنوية

 

درس لفضيلة الشيخ محمد مطاع الخزنوي حفظه الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد .. وعلى آله وأصحابه أجمعين .. أما بعد:

 

أيها المسلمون..

ثِقوا تماماً أني أنا العبد الضعيف .. حينما ألتقي بهذه الوجوه التي تشُع حـبَّـاً وإيماناً لله تعالى أحزن تارةً وأفرح تارة أخرى.

 

أما حزني.. فلأنني لا أرى بينكم من هو أقل مني .. فأقول في نفسي: [اللهم أنك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون].

وأفرح حينما أرى هذه الجموع الكبيرة تتوارد على آداب الشيخ قدس سره .. فأقول: [لك الحمد يا رب على أن هذا الجمع هو طاعة لك ومحبة لك يا رب العالمين].

وإنني لأستحيي غاية الحياء .. حينما أرى -بل أشعر- بهذه المحبة، وهذا التقدير، وهذه الثقة، التي تحمِلها قلوبُكم، وتبديها وجوهُكم لهذا العبد العاجز.

لكنني أعترف بأن هذه المحبة، وهذه الثقة، لأجل الثوب الأبيض النظيف؛ الذي ألبسني إياه الشيخ الوالد (قدس سره).

فادعوا الله سبحانه وتعالى أن أحافظ على هذا اللباس، لكي يبقى نظيفاً إن شاء الله تعالى.

 

فيا أخوة… كم أنا سعيد بهذا اللقاء الطيب بكم، وكم أنا مشتاق للحضور بينكم، وللسلام عليكم، وللجلوس معكم، لكن الظروف، ووضعي الصحي، أصبح حائلاً دون ذلك، لكنني أنا العبد الضعيف أعيش معكم بقلبي وروحي.

أرجو الله تعالى أن يقوي حبل المحبة بيننا، وأن يقوي هذه الرابطة في قلوبنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.

 

ثم يا أخوة… أنا لست أهلاً لأتصدر مجالس الوعظ والإرشاد .. ولكن الذي أقوله لكم -أنا العبد الفقير مع ضعفي وعجزي- ما هو إلا تذكير لنفسي أولاً .. ثم لكم أيها الأخوة بتلك النصائح والدروس التي سمعتموها من الشيخ الوالد (قدس سره).

والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}الذاريات55.

فأرجو الله تعالى أن يجعلني من الذين يعملون بما يقولون، وأن يجعلكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه على كل شيء قدير.

 

فيا أخوة كان الشيخ الوالد (قدس سره) يقول:

الطريقة النقشبندية هي: طريقة الصحابة الكرام، وهي مبنية على السنة السنية، والغاية من سلوكها والانتساب إليها الوصول إلى المحبة الذاتية لله سبحانه وتعالى، يعني إخلاص الطاعة لله تعالى، وقد قسَّم السادات الصوفية الطاعات إلى ثلاث مراتب:

الأولى عبادة التجار.. فالتاجر يتعب؛ ويسافر؛ ويدفع الأموال؛ طمعاً بالربح، وكذلك العبد الذي يعبد الله تعالى طمعاً بالجنة.

 

الثانية عبادة العبيد.. فالعبد الرقيق يخدم سيده؛ ولا يعصي له أمراً؛ خوفاً من عقابه، وكذلك الذي يعبد الله خوفاً من جهنم.

 

الثالثة عبادة الأحرار -يا أخوة-.. وهي أن تعبد الله لا طمعاً في جنة؛ ولا خوفاً من نار؛ وإنما تعبده لأنه رب يستحق العبادة، لكنك تحب الجنة لأن فيها رضا الله تعالى، وتكره النار لأن فيها غضب الله تعالى .

وفي هذه العبادة -يا أخوة- قمة الإخلاص لله تعالى، وهي عبادة الأنبياء والمرسلين والصديقين والمقربين.

فالطريقة النقشبندية الخزنوية تسعى بالمريد السالك للوصول إلى هذا المقام السامي الرفيع.

الطريقة النقشبندية الخزنوية -يا أخوة- هي مدرسة محمدية، تريد صياغة المسلم السالك فيها لتجعل منه مسلماً حقيقياً، لا مسلماً بالاسم فقط، كما هو حال الكثير من المسلمين المحسوبين على الإسلام اليوم، لكنهم في وادٍ والإسلام في وادٍ آخر .

فهل من يترك الصلاة -يا أخوة- ، ويمنع الزكاة، ويفطر في رمضان، ولا يبالي بارتكاب الكبائر كالزنا وشرب الخمر، وغيرها من الفواحش، هل هذا مسلم حقيقي؟!! .. أبداً يا أخوة.

والطريقة.. تسعى بالمريد السالك فيها حتى يقبل على طاعة الله تعالى، ويبتعد عما نهى الله تعالى عنه.

 

يا أخوة.. الطريقة تسعى بالمريد لتزكية نفسه الأمارة بالسوء، حتى تصبح نفساً راضية عن الله تعالى، مرضية من قبل الله تعالى، مطمئنة بذكر الله تعالى.

الطريقة.. تسعى لتطهير قلب المريد من الأمراض المعنوية الخطيرة، كمرض التكبر والرياء والعجب، وحب الدنيا والغيبة والنميمة، وغيرها من الأمراض، التي لو تمكن منها مرض واحد في قلب الإنسان لكان سبباً في بعده وطرده من رحمة الله سبحانه وتعالى.

كما حصل لأبليس اللعين، حينما أمره الله تعالى بالسجود لآدم، فمنعه تكبُّره، وقال: {…أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}الأعراف12.

فكانت عاقبته اللعنة والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة، والخلود في جهنم، والعياذ بالله.

 

فالمريد السالك في الطريقة -يا أخوة- بصدقٍ، ويسعى بتطبيق آدابها بإخلاص، تزكو نفسُه من العيوب الخفية، ويطهُر قلبه من تلك الأمراض الخطيرة، حتى يصبح هذا القلب سليماً، وقد قال الله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}الشعراء88-89.

وقد قال أهل التصوف: ( الطريقة واجبة على كل مسلم ومسلمة؛ إلا صاحب القلب السليم.. وصاحب القلب السليم -يا أخوة- لا يكاد يوجد في هذا الزمان إلا من أدركته العناية الإلهية.

وصاحب القلب السليم هو من يحب طاعة الله، ويكره معصيته تعالى في طبيعته، يكره فعْلَ الحرام حتى لو لم يعلم أنه حرام، يشمئز من فعل المعاصي.

وهذه الصفة العظيمة -يا أخوة- كانت تنطبق على أمثال ذلك الصحابي الجليل سيدنا صهيب الرومي رضي الله تعالى عنه، فأثنى عليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: ((نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه))رواه أبونعيم في الحلية.

فسيدنا صهيب رضي الله تعالى عنه؛ وصل إلى حالٍ من تزكية النفس؛ وتطهير القلب؛ على يد النبي عليه الصلاة والسلام، الذي هو طبيب البشرية، بأن لا تحدِّثه نفسُه بمعصية الله تعالى، ولو علم يقيناً أن الله تعالى لا يعذبه على فعلها، لقد عزفت نفسُه عن فعل الحرام، وعكفت على طاعة الله تعالى، وتلذذت بها.

فمن كانت حاله كحال سيدنا صهيب رضي الله تعالى عنه؛ لا يحتاج إلى سلوك طريقة؛ تزكي نفْسَه، وتطهِّر قلبه، لكن -يا أخوة- هيهات ثم هيهات، خصوصاً ونحن نعيش في زمن مشحون بالمفاسد والمغريات، وقد انتشرت فيه الشهوات، وعمت الشبهات التي شككت المسلمين بدينهم، حتى أصبح الحق باطلاً، والباطل حقاً، نسأل الله تعالى الحفظ والسلامة.

ومن فوائد الطريقة للمريد -يا أخوة-: أن يصبح من الذاكرين لله تعالى في سائر الأوقات، وعلى كل الحالات، وقد أثنى الله عز وجل على الذاكرين بأنهم هم أولو الألباب، وهم العقلاء، فقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ…}آل عمران190-191.

وفي الطريقة النقشبندية الخزنوية.. أوراد وأذكار، يطبقها المريد حتى يصبح ذاكراً لله تعالى غير غافل، فهو بذلك يكون على استعدادٍ دائمٍ للموت، الذي بعده لقاء الله تعالى، فإذا جاءه ملك الموت ليقبض روحه يموت على ذكر الله تعالى، بدلاً من أن يموت على الغفلة والمعصية والعياذ بالله.

فالطريقة تسعى بالمريد الذي يعيش بين الناس، وفي خضم بحر من الشهوات، أن يكون قلبه مع الله تعالى، لا تؤثر عليه الدنيا بأموالها؛ وشهواتها؛ وملذاتها.

فأنا العبد الفقير سمعت من الشيخ الوالد (قدسنا الله وإياكم بأسراره العلية) يقول:

[ كان شيخ الطريقة النقشبندية شاه نقشبد (قدس سره) يقول: ذهبت إلى الحج فرأيت أمرين عجيبين، يقول: الأمر الأول: بينما أنا أطوف حول الكعبة، رأيت رجلاً متعلقاً بستار الكعبة، وهو ينادي بأعلى صوته، ويبكي، ويدعو الله تعالى، ويلح بالدعاء.

فقلتُ في نفسي: كم هذا الرجل خاشع لله تعالى، فدعوت الله تعالى أن يطلعني على قلبه، ونحن -يا أخوة- نعتقد بكرامات الأولياء، وأن الله تعالى على كل شيء قدير، والله تعالى قادر على أن يطلع بعض أوليائه على ما في قلوب بعض الناس.

يقول شاه نقشبند: فلما أطلعني الله على قلبه؛ وجدتُه غافلاً عن الله تعالى، قلبه منشغل بالبيت والأهل والعمل الدنيوي، يقول: فتعجبتُ من ذلك غاية العجب.

 

أما الأمر الثاني.. يقول: خرجت من الحرم، وبينما أنا أمشي في السوق وهو مكتظ بالحجاج، لفتَ انتباهي صاحب دكان عليه ازدحام عجيب، يداه كمكوك الحائك، يعطي البضاعة بيد، ويأخذ ثمنها بيد أخرى، وربما وضع النقود في فمه أحياناً .

فقلت في نفسي: سبحان الله!! ومتى يخطر في بال صاحب هذا الدكان ذِكرُ الله تعالى، وهو في هذا الانشغال العجيب، فسألتُ الله تعالى أن يطلعني على قلبه، فرأيتُ أن قلبه لا يغفل عن ذكر الله تعالى طرفة عين، يعمل بجوارحه في الدنيا، وأما قلبه فهو مع الله تعالى.

 

فالطريقة -يا أخوة- تسعى بالمريد بأن يكون حاله كحال صاحب الدكان الذاكر، لا كحال الرجل المتعلق بالكعبة وقلبه غافل.

 

فيا أخوة… لقد سمعتم الكثير من المواعظ، والدروس، والتوجيهات الطريقية من الشيخ الوالد والسادات الكرام، وسلكتم على أيديهم، وتعلمتم منهم الكثير، لقد بذلوا حياتهم الكريمة في سبيل نصحكم وإرشادكم إلى الطريق الصحيح، حيث كانوا يجلسون بينكم الساعات الطوال من أجل تعليمكم التوبة إلى الله تعالى.

 

فكُلِّي رجاء وأمل أن تعاليمهم ما زالت آثارها راسخة في قلوبكم، وصداها ما برح يتردد في أسماعكم.

فمن وفائنا معهم أن نطبِّق ما سمعناه منهم على أنفسنا أولاً، ثم نسعى بنشر هذا الخير بين أزواجنا؛ وأبنائنا؛ وبناتنا؛ وأقربائنا؛ وكل من يسمع منا يا أخوة.

 

أرجو الله تعالى أن يوفقنا لأخذ الفوائد من آداب هذه الطريقة العلية .. وأن يجعلنا من أصحاب القلوب السليمة .. والنفوس الراضية المرضية .. وأن يرزقنا الوفاء للشيخ الوالد .. والسادات الكرام .. بحيث نجعل إرشاداتهم نصب أعيننا.

 

آداب ساداتنا نزيهة ونقية -يا أخوة- طريقة الشيخ الخزنوي؛ طريقة المحبة، تدعو الناس جميعاً إلى التحابب؛ والتآلف؛ والتعاون على البر والتقوى، وتحثهم على كل عمل يعود عليهم وعلى بلادهم وجيرانهم بالنفع والخير والعطاء، وتنأى بهم عن العداوة والبغضاء.

 

طريقة الشيخ الخزنوي.. لا تفرِّق بين إنسان وإنسان، ولا تميِّز بين لسان ولسان، مهما اختلفت الأشكال؛ وتعددت الألوان.

فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله))رواه الطبراني.

 

أرجو الله تعالى أن يؤلِّف بين قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .. وأن يجمع كلمتهم على الحق والهدى .. وأن يبعد عنهم الشقاق والفتن .. حتى يعكسوا على الناس الصورة المشرقة للإسلام الحنيف.

 

وأرجو الله أن يعم الأمن والأمان لبلادنا .. وسائر بلاد المسلمين.

وربنا على كل شيء قدير .. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

إلى شرف النبي عليه الصلاة والسلام .. وإلى روح ساداتنا ومشايخنا وأمواتنا وأموات المسلمين الفاتحة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى