مقدِّمة الرسالة العلميَّة المميَّزة بلاغة الإمام السجَّاد (ع)
د. صباح محسن كاظم
الجهد العلميّ والمعرفيّ والفكريّ المميز يرسخ بذاكرة الأجيال ،فضلاً عن يُعتبر أحد الركائز العلميّة كمصادر للمعرفة بالدراسات الأكاديمية والإطروحات الجامعية, تزدان به المكتبات الجامعية ،والعامة ،والخاصة.. ما ينفع يمكث بالأرض وسط البحر المتلاطم من النشر في عصر المعلوماتية والتكنلوجية والثورة العلمية يبرز بنمطين من الكتابات للرسائل الأكاديمية بين أداء تدويني بسيط لجمع فقط لغاية الحصول على الشهادة ؛ وبين من يقدم الجهد التحليليّ والإستنتاجيّ من خلال الإستقراء الشامل لكل الجوانب بالموضوع المُراد بيان المسألة والهدفية والقصدية العلميّة من الإستنتاجات لمعرفة الحقائق من خلال الإجابة عن جميع الفرضيات المطروحة الأصلية والفرعية يتضح فيه متانة الحبك والتقصي والإستدلال. الجهد العلميّ وجدته برسالة الماجستير للباحثة “رؤى فليح خضير الخفاجي” ((الأثر القرآني في الصحيفة السجادية )), كالمعتاد تبدء الدراسة بالتفصيل من ولادة الإمام زين العابدين علي السجاد-عليه السلام- لتنقل للمبحث الأول من الفصل الأول عن : الإقتباس بالقرآن الكريم ،المعنى ،أنواع الإقتباس ،أنماط الإقتباس ،ثم تُبحر نحو ضفاف مرافيء الاسلوب البلاغي القرآني وأثره في الصحيفة السجادية من الإبتداء والتذييل بالآيات إلى القصص لتنتقل بالفصل الثاني برشاقة ساحرة بجمال دلالات الآيات وتوظيفها ببلاغة السجاد –عليه السلام- بالنص القرآني والثناء على الرسل والأنبياء والخاتم المعصوم المسدد نبينا العظيم محمد –صلى الله عليه وآله – من خلال الإقتباس النصي والإقتباس الإشاري ، ثم تنتقل بسلاسة وإنسيابية نحو موضوعات حول الثواب والعقاب والتوبة في الصحيفة السجادية لتغمر المتلقي بروح تربوية وأخلاقية وإنسانية رفيعة بالنص السجادي الحجاجي والخطاب البلاغي الذي تميز بجزالة الألفاظ ، وحلاوة المعاني التي يتم التأويل فيها نحو نسق الإرتقاء الروحي والإبتعاد عن ما يسمو بالإنسان .. فيما تناولت بالفصل الرابع : أثر آيات الدعاء في الصحيفة السجادية, والذي انقسم بدوره إلى ثلاثة مباحث هي
المبحث الأول : الصياغة القرآنية للدعاء وآدابه
المبحث الثاني : آيات الدعاء في الصحيفة السجادية
المبحث الثالث : الدعاء بالأسماء الحسنى والصفات الإلهية في الصحيفة السجادية
أجتزأ هنا حرفياً النقاط الواردة بآراء “رؤى الخفاجي” من رسالتها العلمية تلك المقولات والإستنتاجات .
1- تمثل الدراسة جانباً دينياً وأخلاقياً وروحياً .
2- تتناول الدراسة جانباً اجتماعياً وتاريخياً متمثلاً بما تحمله معاني الصحيفة السجادية من أحداث وتفاعلات وانفعالات ، ما يسمى في صدر الإسلام .
3- تمثل الصحيفة السجادية ثروة أدبية وبلاغية ، ومصدراً من مصادر اللغة العربية ، قبل أن تختلط الألسن ، وتتداخل الألفاظ .
4- تمثل الصحيفة السجادية منهجاً تفسيرياً دقيقاً للقران الكريم ، من تفصيل المجمل ، وتحليل المبهم من كتاب الله وتوضيحه ، والتعمق في التأويل الباطني والمعرفي الذي أصبح فيما بعد من أصول أهل المعرفة ، وأصحاب التفسير الاشاري.
5- تمثل الصحيفة السجادية المرآة العاكسة لصور معاني القرآن الكريم وألفاظه، وهي النقطة الأهم في بناء هذه الرسالة .
كذلك وضحت فحوى الرسالة بخاتمة رائعة فصلت فيها ببيان رائق ما إستنتجته الباحثة “رؤى ” برسالتها الرائعة .
جاء بصفحات من شروحاتها بعض الومضات التي تضيء ماهية وجوهر الجهد العلمي بالقول :
-تنطلق فرضية الدراسة من نقطة مفادها ، إن للقران الكريم صورة لفظية ومعنوية في الصحيفة السجادية ، تراوحت ما بين الآيات القرآنية المقتبسة لفظاً مباشراً ، والآيات القرآنية التي قد دخل عليها التحوير ، أو نقلت بالمعنى .
-استقراء الصحيفة السجادية وتحليل نصوصها وأرجاع معانيها وألفاظها الى مبناها القرآني فضلاً عن اعتماد المنهج التفسيري في إيضاح وتفسير ما كان يروم إليه الإمام (ع) من استضافة النص القرآني في نصوص صحيفته ، ليتناسب مع رشاقة النص السجادي ولياقة ألفاظ ومباني كلماته ولباقة معانيه وغزارتها.
– فالصحيفة السجادية من ذخائر التراث الإسلامي، ومن مناجم المباحث البلاغية والأخلاقية والتربوية والأدبية في الإسلام ونظراً لأهميتها فقد سماها بعض كبار رجال الفكر والعلم، بأخت القرآن وإنجيل أهل البيت وزبور آل محمد.
-لقد فتحت الصحيفة السجادية آفاقاً جديدة للوعي الديني، كان المسلمون قد فقدوه، ودعت إلى التبتل الروحي والصفاء النفسي والطهارة والتجرد من الأنانية ونبذ الجشع والطمع وغير ذلك من الرذائل والنزاعات الشريرة التي نهى عنها الإسلام.
-إن أدعية الإمام جاءت لتبين أصول علوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم والعلم بمحكمه ومتشابهة وناسخه ومنسوخه وأحكامه وآدابه ، والسُنّة النبوية الشريفة روايةً وتدويناً في عصر كانت ما تزال كتابة الحديث فيه تتأثر بما سلف من سياسة المنع من التدوين ، السياسة التي اخترقها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فكتب عنهم تلامذتهم والرواة الشيء الكثير من أحكام الشريعة ، حلالها وحرامها وآدابها ، إلى فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد عمدت فيه السياسة إلى تعطيل الكثير من الأحكام وتبديل بعض السنن وإحياء بعض البدع
-إن الدعاء في مدرسة الإمام زين العابدين في الوقت الذي يعدّ كنزاً لأعمق التوجهات ، وأحرّ الأشواق ، وأرفع الطلبات فهو منهاجٌ يتعلّم فيه المؤمن تخطيطاً متكاملاً للوجود والتفكير والعمل ، هو منهج الإمامة وبقيادة حكيمة تستلهم التعاليم من مصادر الوحي .
– فنجد الإمام زين العابدين (ع) في تعامله الذوقي ، في الربط بين كلام الخالق والمخلوق ، احدث بسلاسةِ اقتباساته اللفظية والمعنوية وانبساطِها التي غمرها في أثناء خطابه الذوقي ، مسامرة لفظية ومعنوية ، فالسامع لخطابه يكاد يميز الشراكة بين كلام الإمام (ع) والآيات القرآنية ، لبراعة ربطه للنصوص ، وتكثيفه للمعنى الإيحائي الذي يتولد من مشابكة النصين ، فالإمام (ع) من خلال طريقة اقتباساته يُحدث في نصه حالة تُسكن من قلقلة كلماته ، وتحرك من سكون عباراته ، مُحدثةً فورة تفاعلية تكسو بمادتها كلماته ، وبمحتواها معاني عباراته .
بعد هذه المقتبسات من صفحات الرسالة يتجلى ويتضح عمق فهم الصحيفة السجادية وقدرة الباحثة بالغور بأعماق المعنى الجمالي ،والإنتقال من مبحث إلى مبحث ومن فصل إلى فصل لتقدم – سبيكة معرفية – من جواهر البلاغة التي تعبق بعطر البلاغة السجادية وأجد أن النفحات الحسينية العلوية والرسالية أحد الأسرار البلاغية المتوارثة من النبي الخاتم إلى البلاغة العلوية الهادرة .لعمري أجادت الباحثة بجهدها الجمالي البلاغي المتفرد.
__________________________________________
*نقلًا عن “وكالة كربلاء الدولية”.
**مؤرخ وناقد وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين.