طرق و مدارس

صفات المرشد الكامل

صفات المرشد الكامل

 

قال سيدي عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى في كتابه “حقائق عن التصوف”:

وللمرشد شروط لا بد منها حتى يتأهل لإرشاد الناس، وهي أربعة:

1- – أن يكون عالماً بالفرائض العينية.

2- – أن يكون عارفاً بالله.

3- – أن يكون خبيراً بطرائق تزكية النفوس ووسائل تربيتها.

4- – أن يكون مأذوناً بالإرشاد من شيخه.

وشرحها موجود في كتاب حقائق عن التصوف في باب “البحث عن الوارث المحمدي” فطالعه تستفد إن شاء الله. وإعلم أن المأذون، هو مأذون من الله تعالى ومن الرسول عليه الصلاة والسلام ومن شيخ الوقت رضي الله عنه ومن شيخه الذي رباه.

واعلم أن المرشد يجب أن يكون كما قال سيدي الهاشمي قدس الله سره العظيم: “عارفٌ بالله، صادق ناصح، له علم صحيح، وذوق صريح، وهمة عالية، وحالة مرضية، سلك الطريق على يد المرشدين وأخذ أدبه عن المتأدبين عارف بالمسالك ليقيك في طريقك المهالك، ويدلك على الجمع على الله،ويعلمك الفرار من سوى الله، ويسايرك في طريقك حتى تصل إلى الله. يوقفك على إساءة نفسك ويعرفك بإحسان الله إليك. فإذا عرفته (أي الله تعالى) أحببته، وإذا أحببته جاهدت فيه، وإذا جاهدت فيه هداك لطريقه واصطفاك لحضرته”. قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} سورة العنكبوت آية 69 فصحبة الشيخ والإقتداء به واجب. والأصل فيه قوله تعالى: {واتبع سبيل من أناب إلي} سورة لقمان 15 وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} سورة التوبة 119. وقوله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً} سورة الكهف 28.

وحقيقةً: لا يعرف أحد مقام المشيخة في الطريق إلا مشايخ الطريق أنفسهم. وكثيراً ما سمعت سيدي الشيخ محمد مضر مهملات حفظه الله يقول: “المشيخة أمانة، ويحرم على الشيخ إن لم يكن يعلم احوال مريده، قرُب أو بعُد عنه، أن يسّلك عنده أحد”، وكثيراً ما يتمثل رضي الله عنه بقول من قال: “ويعلم شيخي تقلبي في فراشي” ويحرم عليه أن يجمع عليه الناس إذا لم ينفعهم، أو لم يكن باستطاعته دلالتهم على الله تعالى ويعرفهم عليه”

واعلم أن للشيخ تعاريف كثيرة عرفه بها أهل الله تعالى:

فمنهم من يقول أنه من سلك طريق الحق وعرف المهالك والمخاوف فيرشد المريد ويشير إليه بما ينفعه وما يضره. أو أنه الذي يحبب عباد الله إلى الله، ويحبب الله إلى عباده. وهو أحب عباد الله إلى الله. أو أنه قدسي الذات، فاني الصفات. أو أنه الذي يجلو بقوة نظر الباطن والإيمان صدأ الدنيا وحبها من قلب المريد حتى لا يبقى من كد ر الدنيا، وغشها وفحشها وعلائقها شيء في قلب المريد. وأخيراً: هو الشخص الذي يستقيم على الشرع. ومن لم يكن متصفاً بهذه الصفات فإنه لا يشم رائحة المشيخة قط.

والشيخ هو طبيب النفوس، مداوي القلوب، مجدد الدين في قلب المريدين، عارفٌ بالشريعة، سالك للطريقة، حائز للحقيقة. إلى الحد الذي يقدر فيه على معالجة الأمراض في نفوس طالبي الوصول إلى الله تعالى. وذلك برفع العلائق والعوائق والآثار، التي توجب غفلة الإنسان عن خالقه لأنها مصدر للحُجُب المظلمة والقيود المحكمة والأوصاف المردية، والأخلاق المنحرفة. وبالتالي تصرف الإنسان من طلبه إلى الله والسير في طريقه إلى ما تقتضيه من أهواء وميول طبيعية، وشهوات، وتعشقات وهمية وحسية، وآمال وأماني وهواجس، وظنون وتسهيلات ومخالفات وتكاسلات ورُخص، وأمراض قلبية وهذه مستعصية العلاج على غير المرشد: كالحقد، والحسد، والكبر، والعجب، … وغيرها. ولا يمكن لأحدً أن يداوي هذه الأمراض سوى أكابر الشيوخ الذين هم علماء الشريعة والحقيقة.

فبنفوذ بصائرهم يشاهدون أمراض الطالبين والسالكين فيعلمون ما تقتضيه تلك العلل بحسب حالها في تفاوت أحكامها في القلة والكثرة والشدة والضعف. من كثرة الإعجاب وقلته. ومن اختصاص كل واحدة منها بأثر معين في السالك. بحيث صار منها ما يوجب لبعض السالكين الانقطاع عن السلوك بالمرة، ولبعضهم بطء السلوك، وبعضهم التوقف في السلوك في بعض المراتب والأحوال والمقامات. ولبعضهم سرعة التعدي إلى مقام من مقام أدنى منه. فطبيب الأنفس هو العالم الرباني العارف بحال كل واحدٍ من الحجب والأحكام والتعويقات التي لا بدَّ لمن قصد باب القرب من حضرة الله تعالى ومن رفعها وإزالتها. وهو أي الشيخ الكامل. هو العارف بما يزيل كل واحد منها. وما يضاده. اعتماداً مع ما يعطيه تعالى من الأقوال، والأذكار والأعمال القلبية والقالبية. لأنه مختص بعلم البصيرة النافذة المؤيدة بالرأي الموفق عن الشهود والمحقق والعلم اليقيني بمراتب الخلق وبأسماء الله تعالى ومقتضياتها وتجلياتها.

ووقوفه على أسرار المنازل والمقامات والأحوال لتحققه بها صورة ومعنى كما هو عليه حال الرسل والأنبياء صلى الله عليهم وسلم جمعياً، وكبار المشايخ الذين أفاض الله تعالى عليهم علوم الشريعة والطريقة والحقيقة. ومعرفة الأمراض وعلاجاتها. ولا تسلك على يد شيخ مدعٍ غير سالك للطريق، وما أكثرهم. وما أكثرهم. فشرط الشيخ أن يكون كما قال سيدي ابن البنا:

سلك الطريق ثم عادا……………ليخبر القوم بما استفادا

وقول القائل:

سلّم لأناس قد سلكوا…………..سبل الإحسان وما تاهوا

وقد وردت قصة مشهورة جرت مع سيدنا أبي يزيد البسطامي قدس الله سره، هذا نصها: “قال سيدنا أبو يزيد البسطامي لبعض أصحابه: قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية. وكان رجلاً مقصوداً مشهوراً بالزهد. فمضينا إليه. فلما خرج من بيته ودخل المسجد. بصق تجاه القبلة فانصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه. وقال :هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأموناً على ما يدعيه” وبالتالي نبهنا سيدنا أبو يزيد قدس الله سره أن كل إنسان يدعي الكمال ويخالف شيئاً مما ذكر في الشريعة، صغُر لأم كبُر. فلا يقتدى به ولو أتى بعبادة الثقلين، ولو أكرم الخوارق: أنظر إلى قوله قدس الله سره: “لو نظرتم إلى أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة”. وقد قال سيدي زروق قدس الله سره في قواعده: ” وكل شيخ لم يظهر بالسنة فلا يصح إتباعه لعدم تحقق حاله وإن صح في نفسه وظهر عليه ألف ألأف كرامة من أمره”.

وهذا أهم شرط في الاقتداء بالشيخ. وهو حفظ الشريعة ظاهراً وباطناً قلباً وقالباً والتأدب بأدابها، أمراً ونهياً. والاستقامة على ذلك. وبالتالي يكون قد حاز الكرامة العظمى.

وقد كثر أدعياء التصوف كثيراً، واتخذوا طريق أهل الله مهنة يستجدون منها جاهاً أو غير ذلك. وهؤلاء الناس ينكشفون بسرعة وهو امتحان للمريد وبالتالي فلا يجب التسليم لهم، بل لا تميل لقولك: “أنهم هم الأشياخ” فالشيخ هو كما قال سيدي ابن عطاء الله السكندري: “ليس شيخك من سمعت منه إنما شيخك من أخذت عنه، وليس شيخك من واجهتك عبارته، وإنما شيخك الذي سرت فيك إشارته، وليس شيخك من دعاك إلى الباب، وإنما شيخك الذي رفع بينك وبينه الحجاب. وليس شيخك من واجهك مقاله، وإنما شيخك الذي نهض بك حاله. شيخك هو الذي أخرجك من سجن الهوى، ودخل بك على المولى. شيخك هو الذي ما زال يجلوا مرآة قلبك حتى تجلت فيها أنوار ربك. أنهضك إلى الله فنهضت إليه. وسار بك حتى وصلت إليه. ومازال محاذياً لك حتى ألقاك بين يديه فزجَّ بك في نور الحضرة وقال: ها أنت وربك”

وإعلم أن الوقوع في شرك الأدعياء كثر في هذا الزمان ولكن الله حافظ لمريديه الصادقين. ولا تبر حتماً أن تظهر بارقة حق للطريق الحق. فعليك استغلالها والتمسك بطريقك. وهذه ميزة هامة من ميزات الشيخ الحقيقي المأذون إذناً مأخوذاً عن شيخ مأذون آخر وهكذا انتهاءً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. واعلم أنه يجب على صاحب الإذن أن يكون له حال يثبت فيه سر إذنه. وهذا الحال يظهر على الشيخ بكرامات أو مكاشفات أو علوم لدنية، أو تظهر على مريديه. من علم وصلاح، أو رؤىً مؤيدة لأقوال الشيخ أو أفعاله. أو معلمةً للمريد أموراً غيبية حقّة، أو مؤدبة له، كما حدث لكثير من مريدي سيدي الشيخ رضي الله تعالى عنه. أو أن تظهر أحواله في غيره.

والأذن قد يكون كتابياً كما تم التعارف عليه حديثاً. حيث يكتب الشيخ ورقة يبين لمأذونه أنه أذن له بتلقين الأوراد كلها أو بعضها. أو شفهياً بوجود شهود، أو قلبياً وهو المعول عليه لأنه هو الأساس. فلا بد للأذن الخطي أو الشفهي من إذن قلبي باطني يدعمهما. وعادة كتابة الإذن عادة محدثة. وهي جيدة في زمن كثر فيه المدّعون. ولكنها ليست كافية. فكم من أذنٍ قد زوِّر. أو كتب ولم يبلغ المريد بعد مبلغ الرجال وهذا ما يحدث عندما يكتب شيخٌ غير مأذون لمريد له. أما الشيخ المأذون فإنه يعلم من سيأذنه ويستشف ذلك من سلوكه ومن تعامله مع أخوانه ومن بعض المرائي التي يراها سواءً مناماً أو يقظةً وكما يقول سيدي محمد مضر مهملات رضي الله عنه: “لا يوجد أبٌ لا يعرف أولاده” وكل ذلك يكون دافعاً للحفاظ على سر الطريقة من أن يقع بين أيدي متصوفة جاهلين لا يعرفون سر الإذن، ولا يحفظونه. وكم من إذن خطي عند مأذون وهو ليس بمأذون. وكم من شيخ لا يحمل إذناً خطياً لكنك تراه يفيض شريعة وحقيقة. فتعلم عندها كما قال سيدي الهاشمي في إجازته لسيدي عبد القادر عيسى قدس الله أسرارهما ورحمهما جميعاً: “واعلم أن الإذن الحقيقي والإجازة الحقيقية هي ما حصل لكم من الإذن الشفهي الباطني والإجازة القلبية الحقيقية. فهي التي يُعمل بها. وهي التي تنفعل لها القلوب وتنقاد لها النفوس. ولولا الضرورة لما اعتاد عليه الناس من الإجازة بالكتابة، لما كتب أهل الله إجازة لمأذون من الله ومن الرسول ثم منهم إجازة شفوية قلبية حقيقية”.

وبالتالي فالإذن القلبي هو المعول عليه باطناً، والالتزام بالشرع هو معيار قبولك لشيخ ستتخذه مستقبلاً كمرشد للطريق إلى الله. وكما يقول سيدي الشيخ مضر حفظه الله تعالى: “الميزان الذي تزين به الشيخ هو الشريعة الإسلامية والحلال والحرام والالتزام بالسنة المطهرة على صاحبها افضل الصلاة والسلام، وليس الميزان هو هوى نفسك”.

وقد ذكر سيدي الششتري في رائيته صفات المرشد وشرحها القطب الكبير سيدي عبد العزيز الدباغ بشرح مفيد جداً. هذا نصه:

وللشيخ آيات إذا لم تكن له……………فما هو إلا في ليالي الهوى يسري

قال سيدي عبد العزيز: “ولشيخ التربية علامات ظاهرة وهي أن يكون سالم الصدر على الناس. ليس له في هذه الأمة عدو (من جهته). وأن يكون كريماً إذا طلبته أعطاك. وأن يحب من أساء إليه وأن يغفل عن خطايا المريدين، ومن لم تكن له هذه العلامات فليس بشيخ”

إذا لم يكن علم لديه بظاهرٍ……………ولا باطنٍ فاضرب به لجج البحر

قال الشيخ: “مراده بعلم الظاهر علم الفقه والتوحيد أيالقدر الواجب منهما على المكلف، ومراده بعلم الباطن معرفة الله تعالى”.

وإن كان إلا أنه غير جامــع ٍ ……………لوصفهما جمعاً على أكمل الأمر

فأقرب أحوال العليل إلى الردى……………إذا لم يكن منه الطبيب على خُبرِ

قال الشيخ: “وإن وجد الشيخ إلا أنه لم يكن جامعاً لوصف العلم الظاهر والباطن جمعاً كاملاً فأقرب أحوال المريد معه إلى الهلاك. وقوله إذا لم يكن منه الطبيب على خُبر، يريد أن هذا الشيخ الذي ليس بجامع لقصور علمه لا يعلم ما يضر المريد فأقرب أحوال المريد معه إلى الهلاك. قال سيدي منصور: “إذا كانت صحبتك مع شيخ كامل فاحرص أن تفنى عن مرادك في مراده. واطلب ألا تعيش بعده. فسلامتك مع غيره غريبة ووصلك أغرب وأعجب من كل شيء””.

ومن لم يكن إلا الوجود أقامه……………وأظـهر منشـور ألويـة النصر

فأقبل أرباب الإرادة نـحوه……………بصدق يحل العسر من جلمد الصخر

وآيتـه ألا يميـل إلى هوى……………فدنيـاه في طيٍ وأخراه في نشر

قال الشيخ: “ومن لم يكن الشيوخ أثبته شيخه من المشيخة بالإذن له فيها لكونه مات عنه قبل أن يكمله. ولكن أثبته فيها الناس وأظهروره فيها منشورة أعلام النصر بحيث نصر الله به أعلام المريدين على نفوسهم وهوهم وشياطينهم. فأقُل بسب ذلك النصر لأرباب الإرادة وأهل الهمة الذين يرغبون في القرب إلى الله عز وجل بصدق يخرق الصخور فهذا شيخ مقبول أيضاً. يريد أنه يحتمل أن يكون قد تكمل على يد رجال الغيب أو أنه يأخذ على يد سيدي أحمد الخضر. وقوله آيته أي علامته الظاهرة الدالة على استحقاقه رتبة المشيخة. أن لا يميل إلى هوى في تربيته بما يبدو من شاهد حاله وتكون دنياه في استتار وآخرته في انتشار. فقوله فدنياه في طي كناية عن الزهد فيها والإعراض عنها كما أنه قوله وأخراه في نشر، كناية عن الرغبة فيها والإقبال عليها” وهنا نشير إلى أنه إذا لم يكتمل في زمان شيخه الذي مات عنه فهذا المريد إن ظهرت عليه أمارات الفتح وعلامات الخير وأعرض عن الدنيا وأقبل على الآخرة ووقع الفتح على يديه للمريدين فهذا أيضاً شيخ”.

وإن كان ذا جمعٍ لأكل طعامه……………مريدٌ فلا تصحبه يوماً من الدهر

قال الشيخ: “معنى كلامه إن كان شيخ التربية يجمع الناس لأكل طعامه فلا تتبعه ولا تصحبه يا مريد أبداً. ويريد والله أعلم إذا كان يجمع الناس لأكل طعامه ولا أثر له فيهم بفتح فإن هذا يصير الاجتماع عليه لأجل طعامه، لا لأجل الله عز وجل. أما إذا كان يجمع الناس عليه ليجمعهم على الله وله مع ذلك طعام فلا بأس بصحبته وإتباعه”.

ولا تسألن عنه سوى ذي بصيرةٍ ……………خليّ من الأهواء ليس بمغتر

قال لاشيخ: “المعنى أن لا تسأل عن شيخ التربية إلا من جمع ثلاثة شروط: أن يكون ذا بصيرة، وأن يكون خالياً من الأهواء، وأن لا يكون مضطراً. فكونه ذا البصيرة احترازاً من السالك المحض الذي ليست له معاملة القلوب فإنه إذا سئل عن شيخ التربية يحيل على سالك آخر، هو أكثر منه اجتهاداً وأدوم على الأوراد وأحفظ للوظائف لأنه يرى أن هذا المقام هو غاية الطريق. وإن التفاوت بين أهله هو بالقوة والضعف. والسالك المحض ليس أهلاً للمشيخة ولا يبلغها. وكونه خالياً من الأهواء احترازاً من صاحب التعصب ولو كان ذا بصيرة. فإن المتعصب للشخص إذا سئل عن شيخ التربية ربما حل عليه لأجل التعصب. وكونه ليس مفتراً احترازاً ممن لا يعرف اصطلاح القوم في وصف شيخ التربية فإذا سئل عن شيخ التربية ربما يحيل على المجذوب المحض ليس أهلاً للمشيخة ولا يبلغها”. انتهى، نقلاً عن شرح سيدي عبد العزيز الدباغ على رائية الششتري.

وكثيراً ما سمعت من سيدي محمد مضر مهملات حفظه الله ما معناه أن الشيخ الوارث المأذون هو المملوء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا ما راقبت حركاته وسكناته تجدها أصلاً في السنة الشريفة. والوارث المحمدي الصادق هو من يسقيك حب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك باطل. فالأبواب إلى الله عز وجل مبدؤها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. والشيخ الحقيقي إذا نظر فيك أخذ لبَّك، وغيَّبك عن وجودك، وأزاح عنك هموم الدنيا. لا يدلك على نفسه أبداً، بل يدلك على الجمع على الله وعلى الهرب مما سوى الله. فإن صادفت الأول فاهرب منه وتجنبه وإن صادفت الثاني فلازمه واخدمه تنل إن شاء الله. والشيخ هو جسر يمشي عليه المريد حتى يصل إلى الله والأشياخ وسائل وليسوا غايات. فنحن نعبد الله ولا تشرك به شيئاً. وإنما نحن نمتثل أمرهم لله، ونحبهم لله لا لشيء سواه.

واعلم أن شروط المرشد كثيرة جمة، لا يسعنا الإحاطة ببعضها فضلاً عن معظمها لأن مشربهم، رضي الله عنهم، صعب المرتقى إلا لمن ارتقاه من الصادقين ولكن في الشروط الأربعة التي ذكرها سيدي عبد القادر عيسى رضي الله عنه كفاية. وزاد عليها أيضاً: “أن يكون عالماً بعقيدة أهل السنة والجماعة في التوحيد. وأن يتحقق بعقيدة أهل السنة عملاً وذوقاً بعد أن عرفها علماً ودراية، وأن يكون قد زكى نفسه على يد مربٍ ومرشد. وأنه أجيز من شيخه …

ويلزمك يا سيدي أثناء بحثك عنه الأدب مع كل شيخ تقابله حتى ولو لم تلتمس فيه الشيخ المناسب لك. ولا يمنع أن تلجأ إلى الاستخارة لكل شيخ تقابله حتى وإن يرتح قلبك له من النظرة الأولى فإنك لا تدري أين وضع الله سره، وقدر لك الوصول على يد أي منهم؟ فيجب عليك التأدب مع كل شيخ وكل مسلم وكل مخلوق، فالطريق طريق أدب.

ومن علامات المرشد قول سيدي عبد القادر عيسى رحمه الله:

“من علامة المرشد أموراً يمكن ملاحظتها:
إذا جالسته تشعر بنفحة إيمانية ونشوة روحية، لا يتكلم إلا لله، ولا ينطق إلا بخير. تستفيد من صحبته كما تستفيد من كلامه. وتنتفع من قربه كما تنتفع من بعده. ومنها أن تلاحظ في أخوانه ومريديه صور الإيمان والإخلاص والتقوى والتواضع. ومنها أنك ترى تلامذته يمثلون مختلف طبقات الأمة، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليست العبرة بقلة أوكثرة المريدين وإنما العبرة العبرة بصلاح هؤلاء المريدين وتقواهم”
وخير ما نختم به صفات المرشد قصيدة سيدي أحمد العلوي قدس الله سره العظيم الذي يقول فيها:

ومن لم يغن المريد أول نظرته ……………فهو في قيد الجهل يعتمد الجهلا

فلا شيخ إلا من يجود بسره ……………..حريص على المريد من نفسه أولا

ويرفع عنه حجباً كانت لقلبه ………………منيعة عن الوصول للمقام الأعلى

ويدخل حضرة الله من بعد فضله………….. ويرى ظهور الحق أينما تولى

ويفنى عن العالم طراً بأسره………………فلا قاصرات الطرف يهوى ولا خلا

فهذا تالله شيخ ليس كمثله………………..فهو واحد العصر فريد في الجملا

فهو النجم الثاقب إن رمت قربه……………..وإن نفسك عزت فهو منه ا أغلى

كساه رسول الله ثوب خلافة………………..كساه رسول الله ثوب خلافة

ولكن هو الوارث لسر ربه ………………….صفي نقي القلب بالحسن تجلا

أخذ عن رسول الله علماً كفى به……………أنه علم الباطن في القلب تدلى

علمٌ كان مكتوماً عن الخلق جملة…………….وسرٌ كان مصونا ً باللفظ لا يتلى

عزيز حوى عزيزاً حل في قلبه………………..ولله العزة وللرسول والولاة

هم بدل للرسل في كل أمة…………………. قاموا بدعوة الحق واستوجبوا الفضلا

هنيئاً لهم من قوم قد جاد ربهم………………..عليهم بقربه وبالرضى تجلى

هم القوم لا يشقى جليسهم قد قال………….نبيهم في الصحيح صح ما قد قالا

هم العروة الوثقى بهم فتمسكن………………..هم أمان أهل الأرض في الخلا والملا

لهم قلوب ترى ما لا يرى غيرها……………………أيقاظ وإن ناموا ففي نومهم وصلا

والخلاصة أنك إذا ارتحلت قولاً وفعلاً في طلب المرشد بصدق وهمة. فاعلم أن هذا المرشد يكون بانتظارك. فإن كان رزقك عنده فلا تمل في طلبه.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله.

_______________________________

*نقلًا عن موقع الطريقة الشاذلية الدرقاوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى