الشيخ بمبا.. صوفي يسكن وجدان السنغاليين
سيدي ولد عبد المالك
( دكار)
يعتبر مؤسس الطريقة المريدية الصوفية بالسنغال الشيخ أحمدو بمبا من أهم الشخصيات التي تحتل مكانة خاصة في نفوس السنغاليين من كل الاتجاهات الدينية.
فعلى الرغم من رحيل الرجل منذ أكثر من ثمانية عقود، فإن ارتباط السنغاليين به ما يزال قويا نظرا لكونه شخصية روحية ووطنية قاومت فكريا وثقافيا الاستعمار الفرنسي.
ويتجلي هذا الارتباط من خلال إقامة مواسم وأنشطة منتظمة إحياء لذكرى الرجل، كتخليد “يوم الركعتين” الذي يوافق الخامس من سبتمبر/ أيلول من كل عام.
ويقوم أتباع الطريقة المريدية بأداء ركعتين مساء هذا اليوم أمام المكتب القديم لممثل الإدارة الاستعمارية بمدينة سينلوي شمال البلاد، وذلك استحضارا لركعتين أداهما الشيخ سنة 1895 أثناء استجوابه من قبل المحققين الفرنسيين حول تهمة نشر الفوضى بالمجتمع.
أيقونة وطنية
ويلاحظ من يجوب شوارع السنغال، أو يستقل وسائل النقل العمومي، أن التعلق بالشيخ بمبا لا يتوقف عند أنشطة بعينها إنما تنتشر صوره بشكل كبير في كل مكان.
ويقول عضو اللجنة المشرفة على تنظيم احتفالية “يوم الركعتين” خادم كي إن بمبا يعتبر “أيقونة” السنغال بدون منازع، مشيرا إلى أنه جمع بين شخصية المربي الصالح والمجاهد المسالم.
ويضيف في تصريحات للجزيرة نت أن بمبا كان مدرسة صوفية رائدة، كما كان رجل دين أخاف كثيراً الاستعمار الفرنسي، الذي أراد طمس معالم الهوية الإسلامية بالمنطقة، وذلك بتبنيه لخطاب يرفض التعايش مع الفرنسيين.
ووفق كي فإن الشيخ المعروف أيضاً باسم “خادم الرسول” كان يرفض الدخول في مساومة مع الفرنسيين، الذين قدموا له عروضا كثيرة، مما جعله عرضه للنفي والخضوع للإقامة الجبرية أكثر من مرة.
ثقافة التسامح
بدوره يشير الكاتب المسيحي لويس آلفونسو سار إلى أن ثقافة التسامح التي أسس لها الشيخ بمبا في خطابه الديني ساهمت بشكل كبير في تجنيب السنغال هزات اجتماعية وفتنا طائفية تعيشها كثير من دول أفريقيا اليوم.
ويضيف سار -الذي ألف كتابا قبل سنيين عن علاقة الطريقة المريدية بمسيحيي السنغال- أن هذه الثقافة أصبحت سلوكا متبعا لدى شيوخ الطريقة من أبناء الشيخ، وأصبحت منهجا شائعا لدى أتباعهم في التعامل مع مخالفيهم في المعتقد والتوجه.
ويعلل الكاتب ما ذهب إليه بسماح شيوخ التصوف بالبلاد بمن فيهم شيوخ الطريقة المريدية للرئيس السابق ليوبولد سيدار سنغور بتولي السلطة رغم كونه مسيحيا في بلد يمثل المسلمون 90% من سكانه.
يُشار إلى أن الشيخ بمبا أسس عام 1887 مدينة طوبى التي أصبحت لاحقاً ثاني أكبر مدينة بالسنغال، ونجح حينها في إقناع عدد من ملوك المنطقة باعتناق الإسلام.
وتستقطب المدينة سنوياً مئات الآلاف من الزوار، الذين يفدون إليها من داخل السنغال وخارجه للمشاركة بالتظاهرات الدينية الخاصة بالطريقة المريدية.
____________________
*نقلًا عن موقع “الجزيرة نت”.