الصوفيَّة في الولايات المتحدة الأميركيَّة
نهلة عبد المنعم
تنعكس القيم الأساسية للمجتمعات على الأطر الفكرية التي يتبناها سكانها، وهو ما تأثر به التيار الصوفي في الولايات المتحدة الأميركية، إذ أن التعددية التي يتسم بها مواطنو البلاد من حيث العرقيات والديانات والتوجهات الأيديولوجية، أسهمت بشدة في تنوع المنهج.
يبلغ عدد سكان البلاد ما يزيد عن 329 مليون نسمة وفقًا لهيئة التعداد الأميركية، يحتل بينهم معتنقو الدين الإسلامي المرتبة الثالثة من حيث العدد بعد المسيحية واليهودية، ولكن لا يوجد رقم تفصيلي لتعدادهم، إذ أن السجلات الرسمية للدولة لا تهتم بخانة الديانة، وفي ضوء ذلك تتعدد مراكز التيار الصوفى بين طرق تنطلق من الإسلام كركيزة أساسية وطرق أخرى تُثمن معايير المساواة الإنسانية على حساب اختلاف العقائد.
ويشهد المجتمع الأميركي احتضان الكثير من التيارات الصوفية والطرق المختلفة ولكن أبرزها:
النقشبندية الحقانية: وتعتبر من الطرق الشديدة الرواج في ربوع البلاد، وبدأت في الوجود بالبلاد منذ أوائل التسعينيات، ويدير مراكزها التي تزيد على 20 مركزًا الشيخ هشام قباني، وتنتشر بين شيكاغو وميشيجان وغيرهم من الولايات، وتُعرف الطريقة نفسها بأنها اتجاه روحاني يلتزم بتعاليم القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإنها غير مسؤولة عن معتنقي التصوف غير المرتبطين بالدين.
النقشبندية المجددية: ويقدم المركز الذهبي للتصوف «The Golden Sufi Center» التمثيل الأبرز للنقشبندية المجددية المنبثقة عن التيار الرئيسي للنقشبندية المنتسبة لبهاء الدين نقشبند، ويوجد فرعها بولاية كاليفورنيا، ويدير فروع المركز في الدول الغربية البريطاني لويلين فوجان لي الذي اعتنق الطريقة من إرينا تودي التي جلبت المجددية من الهند إلى الغرب في الستينيات.
الشاذلية: ومن مركز بكاليفورنيا تنشر الطريقة تعاليمها التي تستمدها من الشيخ محمد سعيد الجمل الرفاعي المنتسب للطريقة الشاذلية ذات الانتشار في الولايات المتحدة، ويقدم المركز لمريديه المحاضرات والندوات حول التصوف وأعلامه إلى جانب حلقات الذكر والأدعية.
الرفاعية القادرية: في إحدى ضواحي نيويورك يقع المركز الرئيسي للطريقة، والتي انصهرت بها تعاليم الرفاعية والقادرية محدثة تقارب أدى إلى ظهور تلك الطريقة، وتُرجع المجلدات هذا التقارب إلى الشيخين العراقي محمد الأنصاري والتركي عبدالله الهاشمي، فيما يعد الشيخ تامر الأنصاري هو الشيخ الحالي للطريقة، ويقوم مركز القادرية الرفاعية بنشر تعاليم طريقته الخاصة وتقديم الأنشطة الخيرية.
المولوية: تنتشر المولوية في البلاد عبر مركزها الشهير المتعدد الأفرع عالميًّا «The Threshold Society» والذي يقدم في واشنطن وكاليفورنيا تعاليم مؤسس الطريقة جلال الدين الرومي وأشعاره ويحيي رقصاته وآدابه.
الجراحية الهلفيتية: تنتسب الطريقة إلى نور الدين الجراحي وتعنى مراكزها في كاليفورنيا وشيكاغو ولوس أنجلوس بإقامة حلقات الذكر والمشاريع الخيرية لجمع التبرعات لإعانة الفقراء والمحتاجين حول العالم، فيما يرجع انتشار الطريقة في الولايات المتحدة إلى التركي مظفر أوزاك.
العنايتية: يتخطى عدد مراكز الطريقة العنايتية الـ60، وتنتشر بين واشنطن وأوهايو وميريلاند وغيرهم، وتعد الطريقة التي تنتسب إلى الهندي عنايت خان من الطرق المثيرة للغط حول منهجها المعتمد على التصوف كأساس غير مرتبط بالدين، ويدير مراكزها حاليًا زيا عنايت خان حفيد مؤسس الطريقة.
وبالبحث حول بدايات تطور الصوفية في الولايات المتحدة لا نجد خطًا زمنيًّا مُحددًا ينبئ بمؤشر التصاعد الخاص بها، ولكن يُرجح الباحثون انتشار التصوف في المنطقة إلى عاملين، الأول هو مضامين التصوف الخاصة وما بها من روحانيات وتقبل للآخر وزهد منشود للصفاء الإنساني وتحضر البشرية، ومع تزايد الصراعات العالمية حول العرقية والطائفية يجد بعض الباحثون عن السلام في الصوفية ملاذًا لاحتضان تعدد المجتمع برحابة، فيما يرتبط العامل الآخر بأعلام التصوف الذين نهلوه من بلاد أخرى ثم قرروا إقامة فروع له بالمنطقة وذلك مثل عنايت خان، وشيخ النقشبندية هشام قباني، ووجه التصوف الجراحي بأمريكا الشمالية مظفر أوزاك.
______________________
*نقلًا عن موقع “المرجع”- باريس.