الدراسات والبحوث

دور الصوفية في نشر الإسلام حول العالم

محمد يسري

دور الصوفية في نشر الإسلام حول العالم

محمد يسري

خرجَت جيوش المسلمين من شبه الجزيرة العربية في النصف الأول من القرن السابع الميلادي، وتمكّنت من التوسّع في مساحات واسعة من بلدان الشرق الأدنى القديم. ولكن، على عكس الرأي الشائع الذي يربط التحوّل إلى الإسلام بالسيف وحده، عرف انتشار الإسلام سبلاً أخرى، من أهمها التبادل التجاري والدعوة الصوفية.

لعب شيوخ الصوفية أدواراً معتبرة في نشر الإسلام في الأصقاع البعيدة والمتطرّفة، ويُعزى إليهم الفضل في تحويل مجموعة من الشعوب إلى الإسلام، كما نجحت الطرق الصوفية المنظَّمة في نقل مضامين الرسالة المحمدية إلى مناطق مختلفة من آسيا الوسطى والبلقان والهند وغرب إفريقيا.

المغول… إسلام القبيلة الذهبية

توحّدَت قبائل المغول في بدايات القرن الـ13 الميلادي على يد زعيمهم القوي جنكيز خان. وبعد سنوات قليلة، دخل المغول في صراع عنيف مع الدولة الخوارزمية المسلمة الحاكمة في بلاد إيران وآسيا الوسطى، ولم يلبثوا أن ألحقوا بها هزائم فادحة.

في تلك الأثناء، كان لشيوخ الصوفية مقام عظيم في آسيا الوسطى، وكان الشيخ نجم الدين الكبرى، المولود في بلاد خوارزم (أوزبكستان حالياً)، واحداً من أهم القيادات الصوفية في بلاد ما وراء النهر، إلى درجة أنه اشتهر بلقب صانع الأولياء.

عندما تيقّن الكبرى من اقتراب اجتياح المغول لبلاده، أمر تلاميذه بالانتشار في إيران، وحرّضهم على نشر الدعوة الإسلامية بين القبائل التركية التي لم تعتنق الإسلام بعد، وثبت هو لملاقاة المغول حتى وقع صريعاً في إحدى المعارك سنة 618هـ/ 1222م.

كان الشيخ الصوفي سيف الدين الباخرزي، الذي وصفه ابن أيبك الصفدي (ت. 764هـ/ 1363م)، في كتابه الوافي بالوفيات، بأنه “شيخ زاهد عارف كبير القدر، إمام في السنّة والتصوف” أحد أهم تلاميذ نجم الدين الكبرى.

امتثل الباخرزي لأمر شيخه الشهيد، وعكف على أمر الدعوة، وأرسل بعض تلاميذه إلى بركة خان زعيم مغول القفجاق، وهم إحدى قبائل المغول القوية التي اضطلعت بعبء غزو مساحات واسعة من آسيا الوسطى وأوكرانيا، وكانوا يتبعون اسمياً لخان المغول الأعظم في قراقورم الواقعة في منغوليا حالياً.

تمكن هؤلاء الطلبة من إقناع بركة خان باعتناق الإسلام، فأشهر إسلامه سنة 650هـ/ 1253م، وتطلع للقاء الشيخ الباخرزي وشدّ الرحال إليه في خراسان.

يحكي شمس الدين الذهبي (ت. 748هـ/ 1348م) في كتابه “سير أعلام النبلاء” عن ذلك اللقاء، ويقول: “حكى لي مَن لا يُشَكّ في قوله أن بركة خان قام تلك الليلة على الباب حتى أصبح، وكان يصلي في أثناء ذلك، ثم دخل فقبّل رجل الشيخ، وصلى تحية البقعة فأعجب الشيخ ذلك، وأسلم جماعة من أمرائه (أي أمراء بركة خان)، وأخذ الشيخ عليهم العهد، وكتب له الأوراد والدعوات، وأمره بالرجوع”.

كان المغول في تلك الفترة يبسطون سيطرتهم على مساحات واسعة من العالم، وكانوا ينتظمون في عدد من الدول التي تجمع بين ملوكها صلات القربى بالزعيم المؤسس جنكيز خان. وأهم تلك الدول كانت الدولة الإيليخانية في إيران والعراق، والدولة الجغطائية في تركستان، ودولة القبيلة الذهبية في آسيا الوسطى وبلاد الصقالبة وروسيا، هذا بالإضافة إلى الخان الأعظم الذي يحكم من منغوليا ويسيطر على الشرق الأقصى.

إسلام بركة خان لم يكن مجرد إسلام شخص واحد، بل تسبب في تغيير هوية دولة مغول القبيلة الذهبية كلها، ولنا أن نتخيّل أن تلك الدولة العظيمة التي امتدت من سيبيريا شرقاً إلى أرض البلغار غرباً، ومن بلاد الصقالبة شمالاً إلى دولة المغول الإيليخانيين في إيران وآسيا الصغرى في الجنوب، تحوّلت في زمن قصير جداً إلى الإسلام.

غيّر هذا الأمر في المعادلات الجيوسياسية المعروفة في المنطقة، لأن تحوّل مغول القفجاق إلى الإسلام تسبب في تعطيل الغزوات المغولية المدمرة لبعض الوقت، خصوصاً بعدما تحالف مغول القبيلة الذهبية مع دولة المماليك في مصر سنة 660هـ/ 1262م ضد هولاكو، زعيم المغول الإيليخانيين الذين كانوا لا يزالون على وثنيتهم في تلك الفترة التاريخية.

من جهة أخرى، لعب الصوفيون دوراً مشهوداً في تحويل دولة المغول الجغطائيين إلى الإسلام في أواسط القرن الثامن للهجرة/ منتصف القرن الرابع عشر الميلادي.

والدولة الجغطائية، نسبة إلى جغطاي، الابن الثاني لجنكيز خان، قامت في تركستان وفي بعض النواحي المتاخمة لغرب الصين، وبقي حكامها على وثنيتهم حتى وصول تغلق تيمور خان إلى الحكم.

على عكس الرأي الشائع الذي يربط التحوّل إلى الإسلام بالسيف وحده، عرف انتشار الإسلام سبلاً أخرى، من أهمها التبادل التجاري والدعوة الصوفية

ويذكر المستشرق البريطاني توماس أرنولد في كتابه “الدعوة إلى الإسلام”، أن تغلق تيمور خان اعتنق الإسلام بعد أن وقعت له قصة مؤثرة مع أحد مشايخ الصوفية الذين قابلهم ذات مرة، واسمه جمال الدين الفارسي.

ومفاد القصة أن الشيخ جمال الدين مرّ في مكان كان تغلق خان يصطاد فيه، فلما شاهد الأمير المغولي المسلمين يمرّون في أرضه، استشاط غضباً “وأمر بأن توثق أيديهم وأرجلهم، وأن يمثلوا بين يديه… ولما علم الأمير أنهم من الفرس قال: إن الكلب أغلى من أي فارسي، فأجاب الشيخ: نعم! قد كنا أخس من الكلب وأبخس ثمناً منه لو أننا لم ندن بالدين الحق”.

وبحسب الرواية، أسهب الشيخ جمال الدين في الحديث عن الإسلام وعن مزاياه ومحاسنه، حتى مال تغلق لاعتناقه، فقال له: “ولكنّي إذا اعتنقت الإسلام الآن فلن يكون من السهل أن أهدي رعاياي إلى الصراط المستقيم فلتمهلني قليلاً، فإذا ما آلت إليَّ مملكة أجدادي فعد إليَّ”.

ويذكر أرنولد أن الشيخ جمال الدين عاد إلى بلده ومرض مرضاً شديداً فلما شارف على الوفاة قال لابنه رشيد الدين: “سيصبح تغلق تيمور يوماً ما ملكاً عظيماً، فلا تنسَ أن تذهب إليه وتُقرئه منّي السلام ولا تخشَ أن تذكّره بوعده الذي قطعه لي”. وبالفعل وصل تغلق إلى الحكم، وذهب إليه رشيد الدين وذكّره بالواقعة القديمة، فسارع الخان إلى اعتناق الإسلام، وأمر بقية الأمراء باعتناقه، ويقال إن 160 ألف رجل من المغول أسلموا في ذلك اليوم.

آسيا الوسطى والبلقان… من الحلاج إلى الطريقة اليسوية

رغم أن بلاد الترك في آسيا الوسطى عرفت الإسلام في عصر الدولة الأموية، إلا أن تحوّل الأتراك إلى دين محمد تأخّر لما بعد القرن الثاني من الهجرة/ القرن التاسع الميلادي، عندما مارس الصوفيون نشاطاً دعوياً تبشيرياً واسعاً في تلك الأصقاع.

في كتابه تاريخ بغداد، يشير الخطيب البغدادي (ت. 463هـ/ 1071م) إلى بعضاً من أوجه تلك الأنشطة الدعوية، من خلال ترجمته لواحد من كبار المتصوفة المثيرين للجدل، ألا وهو الحسين بن منصور الحلاج المصلوب عام 309هـ/ 922م.

بحسب البغدادي، خرج الحلاج في رحلة دعوية وقال لبعض أصحابه: “إني قد وقع لي أن أدخل إلى بلاد الشرك وأدعو الخلق إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فسمعت بخبره أَنّه قصد إلى الهند، ثم قصد خراسان ثانياً ودخل ما وراء النهر، وتركستان، وإلى ماصين (شمال الصين)، ودعا الخلق إلى اللَّه تعالى”.

إسلام الزعيم المغولي بركة خان لم يكن مجرد إسلام شخص واحد، بل تسبب في تغيير هوية دولة مغول القبيلة الذهبية كلها، ما غيّر في المعادلات الجيوسياسية المعروفة في المنطقة، وتسبب في تعطيل الغزوات المغولية المدمرة لبعض الوقت

هذا الدور الدعوي التبشيري في بلاد آسيا الوسطى اعتاد الصوفيون القيام به على الوجه الأمثل على طول القرنين الرابع والخامس الهجريين/ العاشر والـ11 الميلاديين، وهو الأمر الذي شهد عليه المؤرخ الروسي و. بارتولد في كتابه المهم “تاريخ الترك في آسيا الوسطى”. يقول: “كان ظهور التبشير الفردي الإسلامي -سواء في داخل العالم الإسلامي أو خارجه- مرتبطاً بالتصوف الإسلامي، فيُحكى دائماً في مناقب الصوفية أنهم استطاعوا إدخال كثير من الكفار في الإسلام، وكان هؤلاء الصوفية يذهبون إلى الصحاري لإدخال الأتراك في الإسلام”.

في هذا السياق، يمكن فهم تبني السلطات التركمانية في ما وراء النهر وآسيا الوسطى لبعض الطرق الصوفية التي تم استغلالها في تحويل الأتراك للإسلام، ومن أهمها الطريقة اليسوية المنسوبة لأحمد اليسوي (ت. 559هـ/ 1166م)، والذي استقر في مدينة يسي –الواقعة جنوب كازخستان الحالية- والتفّ حوله عشرات الآلاف من الأتراك.

اجتذبت اليسوية قلوب الوثنيين بسبب خطاب صاحبها السهل الذي تقبّله الأتراك من مختلف الطبقات، وبالطريقة نفسها تمكّنت الطريقة النقشبندية من الانتشار في البلقان وشرق الشيشان وشمال أذربيجان.

في ما يخص دور التصوف في نشر الإسلام في منطقة البلقان، تحدثت الباحثة البوسنية مريم توليتش، في دراستها المعنونة بـ”رحلة في غمار صوفية البوسنة والهرسك”، عن التصوف ودوره في تحويل أهل بلاد البوسنة للإسلام عشية التوسع العثماني المطرد في القرن الـ16 الميلادي.

تؤكد توليتش أن كثيرين من المؤرخين البوسنيين اتفقوا على أن تكيّة عيسى بك إسحاقوفيتش –وهو أول والي عثماني للبوسنة- كانت أوّل ما بُني في سراييفو -عاصمة البوسنة- بعد دخول العثمانيين إليها، وسرعان ما نشأت المدينة حول التكيّة وبقية العمائر التي أقامها عيسى بك إسحاقوفيتش، ومنها السراي الذي استمدت سراييفو اسمها منه.

وتتابع توليتش: “في القرنين التاليين وبشكل تدريجي، تزايد عدد المعتنقين للإسلام من أهل البوسنة، فبعد مئة وخمسين سنة، أصبح ثلثا سكان البوسنة من المسلمين، ورافق ذلك انتماء للطرق الصوفية في كثير من الأحيان، وهو ما يدلّ عليه عدد التكايا الذي تزايد بسرعة كبيرة”.

أما عن سبب انتشار التصوّف بتلك السرعة في البوسنة، فأرجعته إلى مجموعة من العوامل المهمة، منها أن الكثيرين من الدراويش المتصوفة الذين قدموا مع الجيش العثماني تفرّغوا للدعوة لمبادئهم الروحانية في المناطق البوسنية الريفية، ومنها أن العديد من الولاة والقادة العثمانيين خصصوا أموال الأوقاف للإنفاق على الدراويش والمتصوفة، ما أتاح الفرصة لتزايد الإقبال على الانضمام للطرق الصوفية.

رغم أن بلاد الترك في آسيا الوسطى عرفت الإسلام في عصر الدولة الأموية، إلا أن تحوّل الأتراك إلى دين محمد تأخّر لما بعد القرن الثاني من الهجرة/ القرن التاسع الميلادي، عندما مارس الصوفيون نشاطاً دعوياً تبشيرياً واسعاً في تلك الأصقاع

أحد أهم أسباب الانتقال البوشناقي –نسبة إلى إثنية التي ينتشر أبناؤها في بعض أنحاء البلقان ويعتنق أغلبيتهم الدين الإسلامي- السلس إلى التصوف الإسلامي، كان بسبب قربه وتشابهه نوعاً ما مع الإرث البوسني الفولكلوري القديم، والذي تمثّل في المذهب البوغوميلي المسيحي الغنوصي، وهو أحد المذاهب التي رفضتها الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى، وكان معروفاً بالميل للاعتقاد بالخوارق والروحانيات.

في هذا السياق، أبرزت توليتش رأي المؤرّخ والصحافي البريطاني نويل مالكولم في كتابه “تاريخ البوسنة”، والذي ذهب إلى أن العلاقة بين التصوّف والبوغوميل كانت وطيدة ووثيقة “فالانتقال من المسيحية الشعبية إلى الإسلام الشعبي ليس صعباً، فبالإمكان الاستمرار في الممارسات نفسها تحت كلمات وأسماء مختلفة”.

الهند… من بابا ريحان إلى الطريقة الشطّارية

انتشرت الأفكار الصوفية في الهند منذ القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، ولعب شيوخ الصوفية دوراً مهماً في تشجيع الهنود على الدخول في الإسلام، من خلال مساعدتهم على مواجهة الأعباء وصعوبات العيش وتوفير الطعام والمسكن والحماية.

في دراسته المعنونة بـ”الدعوة الإسلامية وتطورها في شبه القارة الهندية”، يفصّل الباحث الهندي الدكتور محي الدين الألوائي الحديث عن دور المتصوفين في نشر الإسلام في الهند، ويقول: “للصوفيين والزهاد فضل كبير في نشر الدعوة الإسلامية في شتى أنحاء البلاد الهندية في عصور مختلفة… ولقد بلغ أثر تعاليم هؤلاء الصوفيين وتزكيتهم للنفوس، إلى حيث يأتي إلى ساحاتهم وزواياهم، كبار المجرمين والجناة، تائبين نادمين متأثرين من صفاء عظاتهم وصدق ورعهم وتقاهم، فكانت زوايا هؤلاء الصوفيين في مقدمة مراكز الدعوة الإسلامية في بلاد الهند”.

في السياق نفسه، يستعرض الدكتور عبد صالح محمد علي، الباحث في كلية الآداب في جامعة الأنبار في العراق، مراحل تغلغل الصوفية في شبه القارة الهندية في دراسته المعنونة بـ”اسهامات الطرق الصوفية في نشر الإسلام في الهند”، ويذكر أن الإسهام الصوفي الملموس الأول في الهند وقع في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، عندما وصل أحد الصوفيين الذين لا نعرف عنهم الكثير ويُدعى بابا ريحان مع جماعة من الدراويش إلى الهند، وتمكنوا من إقناع حاكم رانجور (مدينة رانجار الحالية في باكستان) بالدخول إلى الإسلام. وبعد ذلك، دخلت أعداد كبيرة من الهنود في الإسلام على يد صوفي آخر مجهول يُدعى بابا فخر الدين.

في الهند، عمل دعاة الطريقة الصوفية الشطّارية على ربط شعائر التصوف بالرياضة الروحية واليوغا التي كانت معروفة هناك منذ القدم…

جهود الصوفية لم تتوقف قط على مر القرون. يذكر أبو الحسن الندوي في كتابه “المسلمون في الهند”، أن ما يقرب من 900 ألف هنديّ تحولوا للإسلام على يد الشيخ الصوفي محمد معصوم في القرن الـ11 من الهجرة.

وتناغمت الجهود الفردية لشيوخ الصوفية في الهند مع الجهود المنظَّمة التي مارستها الطرق الصوفية المشهورة في تلك البلاد، ومن أهمها الطريقة الشطّارية المنسوبة لمؤسسها عبد الله بن شطّار الخرساني (ت. 832هـ/ 1427م)، والتي عمل دعاتها على ربط شعائر التصوف بالرياضة الروحية واليوغا التي كانت معروفة في الهند منذ القدم، وكان من أشهر رجال تلك الطريقة، الشيخ محمد غوث الكوالياري، الذي عُرف بثرائه، وبنفوذه الواسع وقدرته على اجتذاب المريدين والأتباع، والذي كان السلطان “جلال الدين أكبر”، الذي حكم دولة المغول في الهند في النصف الثاني من القرن الـ16 الميلادي، واحداً منهم، وذلك بحسب ما يذكر الدكتور عبد صالح محمد علي في دراسته سابقة الذكر.

غرب إفريقيا… الطريقة التيجانية وخلافة صكتو

تمكن العرب من فرض سيطرتهم الكاملة على منطقة شمال غرب القارة الإفريقية في أواخر القرن الأول الهجري/ بدايات القرن الثامن الميلادي، وبعدها وجّهوا أنظارهم صوب شبه جزيرة إيبيرية، ففتحوا مدنها وأسسوا فيها دولة قوية تمكنت من الصمود لمئات السنين، فيما أُهمل أمر الدعوة في جنوب غرب إفريقيا، في كل من غانا ومالي ونيجريا والنيجر.

يتحدث الباحث النيجيري موسى عبد السلام أبيكن عن الأدوار التي اضطلعت بها الطرق الصوفية في الدعوة إلى الإسلام في تلك المناطق تحديداً، وذلك في دراسته المعنونة بـ”الطريقة التيجانية ودورها في نشر الثقافة العربية الإسلامية في نيجيريا”. يشير إلى أن الإسلام عرف طريقه إلى السنغال ونيجريا والنيجر من خلال ثلاث من الطرق الصوفية ذائعة الصيت، وهي السنوسية، والقادرية، والتيجانية.

الطريقة التيجانية تحديداً، وهي الطريقة المنسوبة إلى أبي العباس أحمد بن محمد بن المختار بن سالم التيجاني (ت. 1230هـ/ 1815م)، والذي أسس أول زاوية لطريقته في مدينة فاس بالمغرب، لعبت الدور الأهم في تحويل أهل تلك المناطق للإسلام، وذلك من خلال الجهود التي بذلها كل من الحاج عمر الفوتي وإبراهيم أينياس الكولخي، وهما من أعلام الطريقة التيجانية.

يؤكد أبيكن أن أحد أهم أسباب انتشار الإسلام على الطريقة الصوفية في بلاد يوربا، وهو الاسم القديم لمساحة واسعة من الأراضي التي تشمل كل من نيجيريا وأجزاء متفرقة من توغو وسيراليون وبنين، كان الحفلات الجماعية التي اعتادت الطرق الصوفية إقامتها بمناسبة ختان الأطفال، أو ختم القرآن، أو اعتناق أحد الوثنيين للإسلام.

في السياق نفسه، كان أحد أهم أسباب إقبال أهل تلك النواحي على اعتناق الإسلام بنزعته الصوفية، هو أن مشايخ الصوفية اعتادوا على إقامة حلقات الدرس والذكر، وهو الأمر الذي لاقى قبولاً من جانب قطاعات واسعة من الأهالي، لاعتقادهم بقدرة الأوراد على تسهيل قبول دعواتهم.

ولعبت الطريقة القادرية، وتُنسب إلى الصوفي الشهير عبد القادر الجيلاني (ت. 561هـ/ 1166م)، أيضاً دوراً محورياً في نشر الإسلام في غرب إفريقيا. ففي بدايات القرن الـ19 الميلادي، تمكن أحد شيوخ المتصوفة على الطريقة القادرية، وهو عثمان دان فوديو من تأسيس دولة في شمال نيجيريا عُرفت باسم خلافة صكتو، وضمت أعداداً كبيرة من شعب الهوسا، وتمكن في غضون سنوات قليلة من نشر الإسلام على نطاق واسع بين القبائل المنضوية تحت سلطانه في كل من النيجر ونيجيريا على وجه التحديد.

____________________________

*نقلًا عن موقع ” رصيف 22″.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى