مفهوم التعدُّديَّة في فكر أبي حيَّان التوحيدي (بحث في تناقضات المجتمع الإسلامي في القرن الرابع الهجري)
سناء محمد نعمة
مفهوم التعدُّديَّة في فكر أبي حيَّان التوحيدي :
(بحث في تناقضات المجتمع الإسلامي في القرن الرابع الهجري)
سناء محمد نعمة
طالبة دكتوراه بحثية في جامعة الأديان- قم
تمهيد
ليست قضية التعددية في المجتمعات العالمية والمجتمع الإسلامي بخاصة حديثة العهد. فقد نشأت هذه القضية مع فجرالإسلام حيث شكلت العهدة النبوية في ما عرف بدستور المدينة النموذج الأرقى في تعامل نبي الإسلام(ص) مع اليهود والنصارى. وفي الأحقاب الإسلامية الَّلاحقة شهدت التعدديات الطائفية والدينية فضلًا عن الفِرَق الفلسفية والمذاهب الكلامية تطورات مهمة بحيث كان لهذه التعدديات والتنوعات الثقافية والفكرية بكل مكوناتها تأثيرات جدية على حركة الأنظمة والسياسات المحلية والخارجية والصراع بين الحضارات.
هذه المقالة تُسلط الضوء على حقبة تاريخية مفصلية تزخر بالنزاعات والإختلافات في المجتمع الإسلامي وخصوصًا في القرن الرابع الهجري. وفي هذا السياق سوف نتناول سيرة الفيلسوف الإسلامي أبي حيان التوحيدي ومواقفه حيال مسألة التعددية، لا سيما في ما ذهب إليه من الدعوة إلى التسامح وإبراز مظاهر العقلانية وإثبات روح الدين الإسلامي في قيمه الأخلاقية كحل للعيش السلمي بين الشعوب المتناحرة حول إختلافاتها الدينية والقومية.
وليس من شك أن الحقبة المشار إليها لعبت دورًا مهمًا في تشكّل شخصية هذا الفيلسوف. فلقد عاش أبو حيان التوحيدي في القرن الرابـع الهجري، وهو قرن التناقضات، ويُطلـق هـذا الوصف عليه لأنه القرن الذي بدأ فيه التدهورالسياسي للخلافة العباسية، حيث انقسمت الدولة العباسية في أواخر القرن الثالث الهجري إلى دويلات صغيرة، وكذلك شاعت فيه ألوان مـن السقوط الأخلاقي كأثر من آثار فـساد الحكـم على المجتمع، لذا فقد كانت كتابات التوحيـدي صدىً لهذا العصر. ولأنه كان القرن الرابع الهجري قـد مـاج بالفــساد الأخلاقــي، والــشقاق الــسياسي، والإضطرابات المختلفة، فلقد كـان فـي ذات الوقت أزهى العصور ثقافيًا وعلميًا، ولم يكـن ذلك في الواقع وليد العصر ذاته، ولكنه كـان وليد نهضة بدأت قبله أتت ثمارها كاملة في هذا القرن، فحركات الترجمة، ودخـول العناصـر الأجنبية وثقافتها إلى المعارف الإسلامية كـل ذلك أدى إلى قيام حركة فكرية خصبة أينعـت ثمارها في هذا القرن، (القرن الرابع الهجري)[i]، مما ساهم في بروز الدور الكبير للفيلسوف أبو حيان التوحيدي الذي عايش هذا القرن وساهم في إنكفاء عامل الصراعات حتى أُطلق عليه فيلسوف التعايش الإسلامي.
فالتعايش السلمي في مقابسات التوحيدي يظهر من خلال إصلاح المجتمع ليجعل الدين والعقل قائمًا من خلال الدعوة إلى التآلف الحضاري، وأن التعايش السلمي بين الأجناس قائم على مجتمع الأخوة والتعاون لا مجتمع الشعوبية والتناحر والتكفير والإقصاء والدعوة إلى الإقرار بمزايا كل الأجناس.
كذلك فإن التعايش السلمي عند التوحيدي بدا واضحًا من خلال دعوته إلى الصداقة والإلتفاف حول صفة هي الإنسانية، حيث أصرّ على إعتماد التدبر، تدبرًا عقليًا في مسألة الإختلاف بين المذاهب ليُقر حقيقة الإختلاف “ما دام الناس على فطرة كثيرة، فلا بد من الإختلاف في كل ما يختار ويجتنب”.
وركز على قياس المذاهب على الأديان حيث يرى أن المذاهب إضافة والإختلاف في البشر طبيعة “إن المذاهب فروع الأديان… فإذا ساغ الإختلاف في الأديان وهي الأصول فلمَ لا يسوغ في المذاهب وهي الفروع”.
كان هناك عصر يُعد العصر الذهبي في حياة العرب وهو القرن الرابع الهجري، فوصل العرب في هذا الوقت إلى أقصى مراحل التقدم العلمي، فهذا العصر كان يضم العديد من الأدباء والفلاسفة والشعراء الأطباء وكان من بينهم التوحيدي. وهو أديبٌ مسلمٌ بارعٌ وفيلسوف متصوف له الكثير من المؤلفات الرائعة، ومع ذلك لا يتم ذكره كثيرًا، كما أن المعلومات الشخصية عنه بسيطة جدًا حيث أن هناك الكثير من الآراء المختلفة حول شخصيته بين مؤيد لأفكاره وشخصياته وبين معارض.
أبو حيان في سيرته الذاتية العلمية
ولد في بغداد – العراق عام 310 هـ – 922 م وكانت طفولة هذا الفيلسوف تعيسة جدًا حيث أن والده توفى وتركه وهو في سن صغير ولم يكن هناك أحد يتولى تربيته إلا عمه الذي كان يكرهه ولذلك كان دائمًا يقسو عليه بشدة، وهكذا كانت حياته صعبة فكان يعيش وسط أسرة فقيرة جدًا وذاق طعم الحرمان وأيضًا تربي يتيمًا ولم يجد من يحنو عليه ولكن بالرغم من كل هذه الصعوبات التي واجهها كان هذا الشقاء له دور في تكوين شخصيته المميزة والبارعة .
أبو حيان التوحيدي ،هو علي بن محمد بن العباس التوحيدي البغدادي، ولد في بغداد وتوفي في شيراز، هو يمثل بحق شخصية المثقف والأديب العربي في زمن الأزمات والتحولات العميقة في السياسة والمجتمع، حيث شاءت الأقدار أن يولد ذلك المبدع ويعيش في القرن الرابع الهجري الذي شهد إضطرابات دينية وسياسية وإجتماعية وإقتصادية، بدأت تلك الإضطرابات مع تولي الخلافة (المكتفي بالله) في العام 259ه الذي كان تقيًا ورعًا في الحكم ويميل إلى اللين والتسامح لدرجة أوصلت الدولة إلى الإنحلال، بعد فترة حكم أبيه (المعتضد بالله) والتي تميزت بيقظة الفتن الطائفية.[ii]
بدأ أبو حيان أول عمل له في حرفة الوراقة وبالطبع هذه المهنة كان لها دور كبير جدًا في تعلقه وحبه للمعرفة والتطلع والعلم وجعلت منه شخص مثقف يملك الكثير من العلم والمعرفة في عدة مجالات مختلفة مثل الفنون والأدب والعلوم وبالرغم من كل هذا شعر أبو حيان أنه يجب عليه أن يترك هذا المهنة لأنها لم تحقق له كل ما يحلم أن يصل إليه فهو كان شخصًا طموحًا ولذلك قرر أن يتواصل مع “الصاحب بن عباد” والذي كان من كبارالعلماء والأدباء، ولكنه لم يجد أي رد أو إهتمام ولذلك شعر باليأس والإحباط وبسبب ما مر به من مشاكل في حياته إعتنق المذهب الصوفي حيث أنه كان يبحث صفاء الروح والذهن والشعور بالسكينة، واعتقد أنه سوف يحصل عليه في الصوفية بسبب الروحانية الكبيرة بها، واستمر أبو حيان في الكتابة وتميز بأسلوبه البسيط والراقي الغير مبالغ فيه، كما أنه كان يسخر من الأوضاع الفكرية والإجتماعية والسياسية للحقبة الزمنية التي كان يعيش فيها .
سنواته الأخيرة : بالرغم أن أبو حيان ترك لنا إرثُا نفيسًا تزهو به المكتبة العربية في عدة مجالات منها الأدب والأخبار والفلسفة والتصوف واللغويات، لم يجد في حياته التقدير الذي يليق به، مما جعله يعيش طوال حياته في إكتئاب فكان وحيدًا حيث قال بخصوص هذا الأمر “فقدت كل مؤنس وصاحب، ومرافق ومشفق، والله لربما صليت في الجامع، فلا أرى جنبي من يصلي معي” ولذلك دائمًا كان في حالة نفسية سيئة مما جعله في آخر أيامه يقوم بحرق الكثير من كتبه بسبب تجاهل أدباء ومؤرخين عصره له.[iii]
لقد كتب التوحيدي العديد من المؤلفات، وتتميز كتاباته، بأنها تشتمل على العديد من أنواع الأدب كالشعر والنثر والأمثال والحكم، كما أنه ينتهج لغة سماوية عالية، فيها من البيان والصياغة المشرقة النصيب الكبير، ويجد القارئ لذة النص بتعبير رولان بارت، فأسلوب صاحبنا لذيذ بليغ بعيد عن الجمود وجفاف اللفظ، كما أنه سهل دلق على أكثره.[iv]
إذًا ،عاش في العراق فترة طويلة من عمره، خاصة في مرحلة التعلّم، حيث تلقى علومه على يد علمائه الذين ينتمون إلى مذاهب دينية وفكرية مختلفة، فاستقى علومًا متعددة (أبو سعيد السيرافي الذي علمه النحو، علي بن عيسي الرماني الذي تلقى على يديه علم الكلام والمنطق، وهو أحد أئمة اللغة والأدب والمتكلمين على طريقة المعتزلة، كما درس الفقه الشافعي على أساتذة ثلاثة: القاضي أبي حامد المروروذي وأبي بكر محمد بن علي القفال بن إسماعيل الشاشي، والقاضي أبي الفرج المعافي بن زكريا النهرواني).
وقد درس التوحيدي الفلسفة والمنطق على أبي زكريا يحيى بن عدي النصراني، كما درس الحكمة والمنطق على أبي سليمان محمد بن بهرام السجستاني، وهما من تلاميذ الفارابي الذي جعل الأخلاق أساسًا للسلوك ونادى بنقاء النفس متأثرًا بالتصوّف والزهد من جهة وبفلسفة الحكيمين أفلاطون وأرسطو من جهة أخرى.
إن هذا الإنفتاح على الثقافات المتنوعة (دينية، فلسفية، علمية، تصوفية) بكافة تلوناتها (العربية واليونانية والفارسية…) جعلته مثقفًا موسوعيًا منفتحًا على الآخر، خاصة أنه إبن ثقافة دينية تجعل المرتبة الاُولى عند اللّه تعالى للإيمان «إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم » وابن ثقافة علمية تجعل العقل رائدًا أساسيًا للإنسان، دون نفي لقيمة الحدس والطبع .
إننا نحس اليوم أن التوحيدي معاصر لنا بفضل تجربته في التعامل مع الآخر المخالف وإعلائه لقيمة الحوار معه، وبفضل تعامله مع نفسه التي كان يخضعها لنقد ذاتي، خاصة حين تبتعد عن الموضوعية[v].
لقد شكل عمل أبي حيان التوحيدي ردحًا كبيرًا من حياته في الوراقة ونسخ الكتب وبيعها رافدًا أساسيًا من الروافد المعرفية، فقد جعلته القراءة المستمرة لما ينسج – بحكم حرفته – على إتصال دائم بثقافة عصره، وعلى وعي بنتاجات العصور السابقة على عصره في مجالات الفكر والعلم والأدب والعلوم الأخرى، وهكذا عادت عليه هذه الحرفة بالنفع المعرفي،إضافة إلى نفعها المادي، رغم تذمره منها في كتبه، وكان من بين من تتلمذ التوحيدي على أيديهم (أبو سعيد السيرافي) الذي أخذ عنه النحو والصرف، و(أبو زكريا يحيى بن عدي المنطقي) الذي أخذ عنه الفلسفة و(علي بن عيسى الرماني) وقد أخذ عنه اللغة وعلم الكلام، وتميزت تلك الفترة كما أسلفنا بالفساد والإنحلال والمهازل، وكان التوحيدي أنموذج الشاهد على ذلك العصر، وكانت ردود أفعاله على ما حل بالمجتمع، وما حل به من كوارث وويلات شخصية تتراوح بين التحمل والتماسك أحيانًا، وبين الإحباطات والإنهيارات أحيانًا أخرى، وربما كانت الحادثة الأكثر ألمًا، إقدام التوحيدي على إحراق كتبه نتيجة يأسه القاتل، وفقدانه الأمل من جدوى أعمال الفكر وفعل الكتابة في تصويب سلوك الناس، أو إرشادهم إلى جادات الصواب.[vi]
النزعة الاجتماعية عند ابي حيان
من إهتم ببلاده وكان حريصًا على أمنها حتمًا سيهتم بأولويات أوضاعها الإجتماعية وتكون لديه فلسفة النزعة الخيرية لتفادي الهموم والصعاب في تلك الفترة التي دخلت بها المجتمعات في حياة التوحيدي من فتن وتفاوت طبقي، فاستفاقت وتفاقمت لديه الطرائق التي ستؤدي إلى إيجاد الحلول من أجل النهضة لدرء الفتن ومنال التعايش السلمي في محبة الآخرين.
فلم تکن الصورة العامة التي قدمها لنا التوحيدي عن الحياة الإجتماعية مخالفة للواقع الســائد آنذاك ولعل الصورة عن الأحوال الإجتماعية تبدو أصدق من الصورة المعطاة عــن الأحوال السياسية، وإن أهم ما ميز الحياة الإجتماعية، هــو التباين الطبقي بين الخاصة والعامة وترف الأولی وخصاصة الثانية. ونجد نفس هذه الصورة منبثقة في کل الکتب التي تتحدث عن ذلك العصر، فالأثرياء کانوا يملکون القصور الفاخرة والغلمان والجواري، وکانوا يحرصون علی اقتناء الجواهر الفاخرة والنادرة.[vii]
واستطاع أبو حيان، أن يسجل لنا نبض الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية في عصره أي القرن الرابع الهجري، فتعرّفنا على مظاهر الوفاق بين العرب والفرس، ومظاهر الصراع بينهما، وكيف اتسم بالتوتر والبغض أحيانًا، فبدأنا نلاحظ وجود كتب في ذم العرب وسبّهم (كتاب الجيهاني) كما يروي التوحيدي في كتابه «الإمتاع والمؤانسة» كذلك نجد أن هذا الموضوع بات من المواضيع الحيوية التي تستحق النقاش في مجلس الوزير، ففي الليلة السادسة يسأله أبو سعدان «أتفضل العرب على العجم أم العجم علي العرب؟ »فيأتي جوابه، بشكل دبلوماسي، على لسان الأديب (ابن المقفع) في تفضيل العرب، لأنهم «أعقل الأمم لصحة الفطرة واعتدال البنية وصواب الفكر وذكاء الفهم» في حين وجدناه يصف الفرس على لسانه “قوم عُلموا فتعلّموا، ومثّل لهم فامتثلوا… ليس لهم استنباط ولا إستخراج.”[viii]
ويبدو لنا أن آداب الفرس كانت مسيطرة في العصر العباسي، بسبب تغلغلهم إلى عمق الحياة الإجتماعية والسياسية، حتى إننا وجدنا أبا جعفر المنصور (كما يحدثنا التوحيدي في الجزء الثاني من الإمتاع والمؤانسة) يتخذ حاجبًا له من الفرس، يفرض عاداتهم، ويبدو أن الحاجب في ذلك العصر يمتلك سلطة كبيرة. وهكذا استطاعت كتب التوحيدي أن تقدم لنا صورة إجتماعية وثقافية حية، يستجلي المرء عبرها صورة للتمازج الحضاري بين العرب والفرس في القرن الرابع الهجري.[ix] وشهدت العلاقة الإجتماعية بين المسلمين والنصارى أنها تقوم على أساس المودة والتواصل الإنساني.[x]
وهكذا عمل التوحيدي على إبراز كل ما يمكن أن يكون في صالح الأفراد والمجتمعات والدول من تمازجٍ فكري وحضاري وثقافي ليمنع المتسللين الذين حاولوا أن يكون شرخ القيم عنصرًا هامًا دؤوبًا ليفتك بين مكونات القرن الرابع الهجري فكان لقوة النزعة الإجتماعية عند أبي حيان الأثر الشديد في إستعادة العافية لمجتمعه.
قيمة النزعة العقلية وجدواها عند التوحيدي:
يبدو ﺃﻥ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺃﺑﻲ ﺣﻴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍلإﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺍﻷﺛﺮ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﻛﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻹﻣﺘﺎﻉ”: ﺧﺎﻟﻄﺖ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺧﺪﻣﺖ ﺍﻟﻜﺒﺮﺍﺀ ﻭﺗﺼﻔﺤﺖ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﻗﻮﺍﻟﻬﻢ ﻭﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻭﺃﺧﻼﻗﻬﻢ”، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻄﺔ ﻭﻟﺪﺕ ﻟﺪﻳﻪ ﻭﻋﻴًﺎ ﻋﻤﻴﻘًﺎ ﺩﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍلإﺭﺗﻘﺎﺀ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻀﻼﻝ ﻭﺍﻟﺮﺫﻳﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ، ﺳﻼﺣﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻋﻘﻠﻪ، ﺑﻪ ﻧﻘﺪ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺑﻪ ﺃﻋﺎﺩ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻭﺑﻪ ﺑﻨﻰ ﺍﻟﻤﺠﻤﺘﻊ ﺍﻟﺒﺪﻳﻞ . فتجليات ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ،حيث ﺣﻀﺮ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﺳﻮﺍﺀ ﺍﻹﻣﺘﺎﻉ ﻭﺍﻟﻤﺆﺍﻧﺴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﺴﺎﺕ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻭﺗﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﻐﻠﺘﻪ ﺳﻮﺍﺀ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺃﻭ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻤﺠﻤﺘﻊ. وفي ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ حيث كان ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﻟﻴﺲ ﺗﻔﻜﻴﺮًﺍ ﻧﻈﺮﻳًﺎ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﻋﻤﻠﻲ ﻭﺍﻗﻌﻲ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻳﻨﺔ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻣﺎﺩﺓ ﺑﺤﺚ ﻏﺎﻳﺘﻪ ﺗﺸﺨﻴﺺ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻭﺗﺤﺪﻳﺪ ﺳﺒﻞ ﺍﻟﻌﻼﺝ ﺇﻳﻤﺎﻧًﺎ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ ﺑﺎﻷﺳﺒﺎﺏ “ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻧﻘﻄﻊ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻧﻘﻄﻊ ﺍﻟﻌﺮﺽ”، ﻭﺗﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺑﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺋﺲ ﻭﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺣﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﻗﻲ “ﻭﺍﺻﺤﺐ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺑﺸﺪﺓ ﺍﻟﺘﻮﻗﻲ ﻛﻤﺎ ﺗﺼﺤﺐ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﺍﻟﻀﺎﺭﻱ ﻭﺍﻷﻓﻌﻰ ﺍﻟﻘﺎﺗﻠﺔ” ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺣﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻔﻜﺮ ﻓﻲ:
ــ ﺃ ــ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﺴﺎﺋﺲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻷﻣﺜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ:
ـــ ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ “ﺍﻓﺰﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻻﺳﺘﺨﺎﺭﺓ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﻘﺎة ﺑﺎلإﺳﺘﺸﺎﺭﺓ”.
ـــ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺩ ﻣﻨﻪ ﻫﻮ “ﺃﻓﻘﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻮﺳﺮ”.
ـــ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻷﻥ “ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻭﻫﺐ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻷﺣﺪ ﺇﻻ ﻭﻗﺪ ﺃﺟﻼﻩ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭﺩﻋﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ”.
ـــ ﺍلإﻋﺘﺒﺎﺭ ﺑﺎﻟﺴﻠﻒ ﻭﺍلإﻗﺘﺪﺍﺀ ﺑﻪ ﻷﻥ “ﺗﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﻤﺘﺄﺧﺮﻳﻦ” ﻭﺗﺼﺪﻯ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﻟﻼﻣﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻨﻘﺪ:
ـــ ﻏﻠﺒﺔ ﺍﻷﻫﻮﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ “ﺃﻣﻮﺭﻫﻢ ﺗﺠﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ”.
ـــ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﺍﻟﻐﻠﻄﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻬﺬﺍ “ﺍﻟﺼﺎﺣﺐ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺩ” ﻗﺘﻞ ﺧﻠﻘًﺎ ﻭﺃﻫﻠﻚ ﻧﺎﺳًﺎ ﻭﻧﻔﻰ ﺃﻣﺔ ﻧﺨﻮﺓ ﻭﺗﻌﻨﺘًﺎ ﻭﺗﺠﺒﺮًﺍ ﻭﺯﻫﻮًﺍ.
ـــ ﺍلإﺳﺘﻬﺘﺎﺭ ﻭﺍﻟﻼﻣﺒﺎﻻﺓ ﻓﻲ ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﺴﺎﺳﺔ ﻛﺎﻷﻣﻴﺮ ﻋﺰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺮﺝ ﻟﻠﺼﻴﺪ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺮﻭﻡ “ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻳﺘﻘﺪ ﻧﺎﺭًﺍ ﺑﺎﻟﺴﺆﺍﻝ” ﻭﺃﻟﺢ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﺪﺑﺮ ﻭﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ “ﺇﺫﺍ ﻋﺮﻑ ﻋﻴﻮﺑًﺎ ﺍﺳﺘﻄﺐ ﻟﻬﺎ ﺑﻌﻘﻠﻪ ﻭﺗﻮﻟﻰ ﺗﺪﺑﻴرﻫﺎ ﺑﺮﺃﻳﻪ”.
ـــ ﺇﻗﺼﺎﺀ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺴﻤﺎﻉ ﺇﻟﻴﻬﺎ رغم ﺃﻥ ” ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﻭﺩﻳﻌﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ”.
ﺇﻟﺤﺎﺡ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺟﺎﺀ ﺑﺴﺒﺐ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﺃﻧﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﺼﺮ ﻭﺃﻧﻬﺎ “ﻣﻬﻤﺔ ﺻﻌﺒﺔ” ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻟﻌﺒﺔ ﺧﻄﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﻤﺎﺭﺳﻬﺎ ﻭﻣﻦ ﻳﺘﻠﻘﺎﻫﺎ ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺬﻱ “ﻣﻦ ﺣﺮﻣﻪ ﻓﻬﻮ ﺃﻧﻘﺺ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﻘﻴﺮ”.
ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﺟﺮﻱﺀ ﻷﻧﻪ ﺗﺼﺪﻯ ﻟﻠﺤﺎﺷﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﺔ ﻭﺗﺼﺪﻯ ﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓﻜﺸﻒ ﻏﻔﻠﺘﻬﻢ ﻭﺻﻮﺭ ﺍﺳﺘﻬﺘﺎﺭﻫﻢ ﻭﻛﺸﻒ ﺍﻓﺘﻘﺎﺭﻫﻢ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺼﺎﺣﺐ “ﻣﻐﻠﻮﺏ ﺑﺤﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺮﺃﺱ” ﻭﻟﻴﺲ ” ﺑﺠﻴﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ”.[xi]
التوحيدي في فلسفة السياسة
كان التوحيدي إسلامي الإتجاه، وكان فـي ثورته عارمًا وفي حدته يبدو إلى الإتجاه الأول أقرب، ولكن نظرته إلى الواقع، وآلامه النفسية، ومحاصرة الواقع له أيضًا كانـت مـن أهـم الأسباب التي جعلت منه مفكرًا مـن الإتجـاه الثالث ربما بسبب نظرته إلى الواقع في حدود الممكن المتاح . وإذا كانت حياته وظروفه عاملًا أساسيًا في توجهاته السياسية إلا أنه لـم يخـن ضميره العلمي.[xii]
إن الخطاب الفلسفي عند أبي حيان التوحيدي يعالج قضايا الإنسان والثقافة والدين والتربية من منظور سياسي، ففي کتابه أخلاق الوزيرين يتبنى الفيلسوف الحديث من خلال المواقف الفعلية التي حدثت معه عن الرؤية الأخلاقية للسياسة، التي يتعين على الحکام أن يتحلوا بها، فأبو حيان تبنى المفارقة الفلسفية في الترسيخ لمفهوم السياسة والأخلاق من خلال کتابه، فالموقف السياسي والحدث الواقعي هو الذي ينتج القيمة الفلسفية السياسية في رؤية الفيلسوف أبي حيان.
كذلك بات واضحًا عن تقارب الفکر السياسي عند أبي حيان مع الفلسفات الحديثة والمعاصرة في النهج السياسي وظهر ذلك في مبحث شروط الرياسة أو العقد الاجتماعي في الفکر الإسلامي، وفکرة المواطنة في القرن الرابع الهجري، وأن أبا حيان بنى منهجه النقدي على المعايشة، ونقد الأوضاع القائمة، بهدف السعي في إصلاحها، متبنيًا رؤية معتدلة في النقد.[xiii]
وفيما يتعلق بالأحوال السياسية رأينا التوحيدي يطيل في إبراز التوتر السياسي والفساد السياســي الذين ســادا المجتمع آنذاك، ومن مظاهر التوتر السياسي إنعدام الأمن الخارجي، وظهر ذلك في حديث التوحيدي عن ثورة الروم وهجومهم علی البلاد الإسلامية في سنة ٣٦٢ق.[xiv]
القرن الرابع الهجري بين مقابسات التوحيدي وتحديات المجتمع ومشاكله:
كي يذهب إلى إغترابه بعد أن عاش نهضة القرن الرابع الهجري في إحتواء الثقافات والإنفتاح على المجتمعات ويدعو الى التعايش بعد سقوط الإلتفاف المجتمعي في مستنقع الصراعات الإجتماعية، ليكون الفيلسوف الأول الذي تحدث عن مشكلة الإغتراب، هذا يعني أن أبي حيان التوحيدي قد واجه عالم الصراعات مواجهة كبيرة واخذ ذلك منه جهدًا جعله يستلقي آخر المطاف ليرتاح قليلًا، وهذا إن دل على شيء فهو نشوة المنتصر الذي قاوم عادات مجتمعية لم تكن سوية فعمل على تعديلها للوصول الى مبدأ التعايش السلمي، حيث قال: إن السقوط في الغفلة سقوط للذات في قبضة الزمن، يستنفذ سنوات العمر بلا جدوى، حيث تفيق الذات فجأة على النهاية المحتومة…[xv]
ويبدو لنا أن عالم التوحيدي لا يعرف الحدود المصطنعة التي نعرفها اليوم، كما يبدو أن الثقافة الإسلامية ممثلة باللغة العربية قد ألغت الحواجز النفسية والعرقية والدينية لدى مثقف ذلك العصر، الذي بدا لنا منفتحًا على الثقافات الأخرى، ها هو ذا التوحدي يصف لنا كتابه (البصائر والذخائر) فيقول: «حوي من الذهن لواقحه، ومن العقل قرائحه، ومن العلم غنائمه… ومن التجربة أعيانها، ومن الأمم ودائعها، ومن الحكمة فرائدها، ومن الأخلاق محاسنها، ومن العرب بيانها ومن الفرس سياستها، ومن اليونان دقائقها”.[xvi]
الإنهيار الاقتصادي:
لم يكن حال الأوضاع الإقتصادية أقل ضررًا من غيرها من الأزمات التي عانى منها القرن الرابع الهجري، فقد تأثرت الأحوال الإقتصادية لدى العديد من الناس المتمثلة بالغلاء الفـاحش الذي أصاب بغداد سنة (334هـ)[xvii] وخصوصًا عندما صارت الطبقات الإجتماعية متفاوتة، فانقسم المجتمع العباسي من الناحية الإقتصادية خلال القرن الرابع الهجري إلى ثلاث طبقات:
-طبقة العامة وتشمل الفلاحين وأهل الحرف، والصناعة، والباعة المتجولين.
-الطبقة الوسطى وتشمل عامة التجار والموظفين وأصحاب الملكيات الصغيرة من الأراضي.
– الطبقة الخاصة وعلى رأسها الخليفة وعائلته وأقرباؤه ويدخل فيها كبار الموظفين ،كالوزراء ورؤساء الكتاب وكبار التجار[xviii]، فكان لهذا الأمر وقعًا سلبيًا على عامة الناس ومنهم أبي حيان الذي تأثرت أحواله، فكان لا بد من خلال خريطة الحل التي عمل عليها لإنقاذ مجتمعه ان يكون هناك حيزًا كبيرًا للنهضة الإقتصادية. فقام بثورة على الحكام ودعاهم الى الإلتزام بالقيم الدينية والأخلاقية والعمل على العدالة والمساواة بين الناس.
فقال: “ومن حقوق الرعية علـى الحـاكم تـدبير أمورهم في العمل والعيش، وتـوفير فـرص العمل، والمال اللازم للمعاش لمن يعجزعـن العمل، بل وكذلك الإرشاد والتوجيه لمن كـان مترفًا وكذلك فعل الخليفة فيما يروي التوحيدي إذ أمر وزيره بتدبير العمل لمن يـصلح لـه، ووصل من كان محتاجًا وعاجزًا عن العمل من بيت المال، ومن كان مترفًا غير محتاج ينعمـه ويلاطفه، ويخبرنا التوحيدي أنه لما تـم ذلـك عادت الحال ترف بالسلامة العامة، والعافيـة التامة”[xix].
وبينمــا کانت الخاصة تملك المال الوفير، وتعيش عيشــة الــترف والنعيم، کان أکثر الشعب بائسًا فقيرًا لا يستطيع توفير قوت يومه، وکانت لذلك نتائج إجتماعية واضحة.
إذن هناك تماثل واضح بين ما صوره التوحيدي من تباين بين الأغنياء والفقراء وما صورته الکتب التي تحدثت عن القرن الرابع الهجري وهذا التماثل يعطي کتاب الإمتاع والمؤانسة قيمة وثائقية لا شك فيها. ومن خصائص العصر الإجتماعي من خلال الإمتاع والمؤانسة إنعدام الأمن ونقتصر في تأييــد ذلك علی ما أصاب الناس بمدينة بغداد في ذلك العصر، فقد: «خلت المنازل ببغداد من أهلها، وصاروا يطلبون من يسکن الدار بأجرة يتعطّاها ليحفظها، وقد أغلقت عدة حمامات ومساجد.»[xx]
ﻛﺸﻒ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﺎﺷﻴﺔ ﺍلإﻧﺘﻬﺎﺯﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﻠﻚ ﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺓ ﻭﻻ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ “إﺳﺘﻼﺏ ﺩﺭﻫﻢ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺯﻳﻔًﺎ” ﻭﺣﺼﺮ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻓﻴﻬﺎ.
ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ: “ﻭﻣﻨﺎﺑﻊ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﻣﻨﺎﺑﺖ ﺍﻟﺘﻐﻠﻴﻂ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺷﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﻻ إﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ” ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺷﻴﺔ ﺗﺠﺮﺩﺕ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻬﻲ “ﺳﺒﺎﻉ ﺿﺎﺭﻳﺔ ﻭﻛﻼﺏ ﻋﺎﻭﻳﺔ ﻭﻋﻘﺎﺭﺏ ﻟﺴﺎﻋﺔ ﻭﺃﻓﺎﻉ ﻧﻬﺎﺷﺔ”.
ﻭﻓﻜﺮ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﻓﻲ ﺣﺎﺷﻴﺔ ﺑﺪﻳﻠﺔ ﺭﺁﻫﺎ ﻓﻲ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ “ﺍﻟﻨﺼﺎﺋﺢ ﺍﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻭﺍﻟﺒﻼﻏﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺪﻳﺔ”.[xxi]
تدهور القيم والاختلاف الطبقي والعرقي:
من المسائل التي شغلت التوحيدي مسألة الإختلاف الطبقي والعرقي لأنه يؤمن أن “الإختلاف إذا عرض خفي موضع الإتفاق” ففكر في الشعوبية والتفاضل بين الأمم فرد على الجيهاني في هجومه على العرب (محاججة طريفة في بنائها وفي الحجج التي اعتمدها التوحيدي) وإلى جانب ذلك عمل التوحيدي على :
ـــ الدعوة إلى التآلف الحضاري والتعايش السلمي بين الأجناس.
ــ الدعوة إلى مجتمع الأخوة والتعاون لا مجتمع الشعوبية والتناحر والتكفير والإقصاء.
ـــ الإقرار بمزايا كل الأجناس: الفرس: السياسة / العرب: البيان والكرم والوفاء / الزنج: الصبر / الروم: العلم والحكمة / الترك: الشجاعة
وهكذا فالتوحيدي هو فيلسوف الإنسان فدعا إلى الصداقة والالتفاف حول صفة هي الإنسانية.[xxii] فنسمع صوت التوحيدي معقبًا على هذه الحكمة “لقد صدقت الفرس في هذا، والأمم كلّها شركاء في العقول، وإن اختلفوا في اللغات، ولا أحد قد يطمح إلى الكمال، ويطاول إلى الفضل، إلاّ وهو يعلم أنّ الحرص يسلب الحياء، والعُجب يجلب المقت، واتباع الهوى يورث الفضيحة، والتّواني يكسب الندامة”.
يلفت نظرنا نسبة هذا القول الحكيم للفرس عامة، ليؤكد أنّ الإختلاف اللغوي لا يعني تباينًا في العقول، فالشعوب جميعًا تملك الحكمة لأنها تملك العقل.
يجب أن نعود هنا إلی واقع المجتمع الإسلامي في القرن الرابع الهجري لنفهم موقف أبي حيان الخاص، يقول أحمد أمين واصفًا حالة المجتمع آنذاك: “أُصيب العالم الاسلامي بانقسام کبير حتی کأنّه عقد إنفرط أو صخرة تفتتت”. تعبر هذه الجملة صادق التعبير عن حالة العالم الإســلامي آنذاك، وهي حالة من الانقسام العام سياسيًا واجتماعيًاوفکريًا.[xxiii]
الفتن المحلية والخطر الأجنبي:
لقد أدان التوحيدي الطغيان واعتبره باب الكفر الذي هو خسران العاجلة والآجلـة. وهو يدين الظلم وقد ذاق مرارتـه، وقـد وجد أصحاب الفضل في أشد الإحتياج، بينمـا التوافه ينعمون في الرفاهية، فالإحساس بالظلم، وسخافة الأوضاع الإجتماعية كلها تشكل عاملًا هامًا في توجهات التوحيـدي الـسياسية، وقـد صور إستبداد الحاكم وغـروره، وغطرسـته عندما يضيق بالرعية عندما تـذكره، وتـذكر أحواله وتتبع أسراره، حتى يغضب ويفكر فـي أن يلجأ إلى التنكيل، ظنًا منه أن في ذلك هيبة له ولسلطانه، فيحدثنا أن الوزير قد حدثه عـن غضبه من العامة، لخوضها في سيرته وسلوكه، فقد قال الوزير “قـد واالله ضـاق صـدري بالغيظ لما يبلغني عن العامة عن خوضها في حديثنا وذكرها أمورنـا، وتتبعهـا لأسـرارنا وتنقيرها عن مكنون أحوالنا، ومكتـوم شـأننا، وما أدري ما أصنع بها، وإني لأهم في الوقـت بعد الوقت بقطع ألسنة وأيد وأرجـلٍ، وتنكيـل للتغير الكامل ومن الجذور، فهو ثورة، وقلـب موقف ثوري يرفض هذا الظلـم، ويـدعو للنظام كله، وأسسه الإقتصادية، والإجتماعيـة، فإن كانت هناك طبقة خاصة هي السائدة، دعـا إلى سيادة الشعب وملكيته، وأكد علـى حريـة المجموع مقابل حرية الفـرد شـبه المطلقـة لأصحاب الطبقة أو الطبقات المميزة.[xxiv]
إن ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﺘّﻤﺎﺳﻚ ﺃﺿﻌﻒ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻓﺘﺢ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻟﻠﻐﺰﻭ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ (ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺮﻭﻡ ) وراح ﻓﻜﺮ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﻓﻲ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍﻷﻋﺎﺟﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻭﻣﺎ ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺿﺮﺏ ﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ “ﺃﻳﻦ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﻭﺍﻹﻣﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﺎﻃﻘﺔ” “ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺖ ﻋﺠﻤًﺎ ﻛﺴﺮﻭﻳﺔ ﻭﻗﻴﺼﺮﻳﺔ وأيضًا ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺘﻄﺎﺣﻦ “ﺃﺭﻯ ﻭﺍﺣﺪًﺍ ﻓﻲ ﻓﺘﻞ ﺣﺒﻞ ﻭﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺣﻔﺮ ﺑﺌﺮ ﻭﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺩﺱ ﺣﻴﻠﺔ”… ﻭﺷﻐﻠﺘﻪ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﺿﺤﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻫﻮ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ “ﺧﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﻴﻦ” ﻭﻣﻦ “ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻮﺳﻌﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺳﻌﺘﻬﻢ ﻭﺗﺄﻣﻞ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ﻓﺄﺩﺭﻙ”:
ـــ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭﺗﻔﻜﻚ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ “ﺇﺫ ﻻ ﺻﺪﻳﻖ ﻭﻻ ﻣﻦ ﻳﺘﺸﺒﻪ ﺑﺎﻟﺼﺪﻳﻖ”.
ـــ ﻏﻼﺀ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ و”ﺗﻌﺬﺭ ﺍﻟﻜﺴﺐ ﻭﺗﻬﺘﻚ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻌﻴﺎﻝ” ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﺭﺑﻄﻪ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ.
ـــ ﺗﺤﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ “ﻋﺒﻴﺪ ﺍﻟﺪﺭﻫﻢ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺪﺭﻫﻢ”.
ـــ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﻌﻘﻠﻪ ﺇﺫ “ﺭﻛﺐ ﻛﻞ ﻫﻮﺍﻩ ﻭﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﻋﻘﺒﺎﻩ”.
ـــ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻮﻝ ﺧﺮﺍﺏ “ﻭﺟﺪﺕ ﻓﺮﺻﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺐ ﻭﺍﻟﻐﺎﺭﺓ” ﻭﻗﺘﻞ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﻭﺩﻓﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺮﻭﺏ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻼﻣﺒﺎﻻﺓ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ.
ـــ ﻓﺴﺎﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺣﺆﻭﻝ ﺍﻟﺰﻣﻦ.
ـــ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﻭﻫﻲ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺳﺒﺒﻬﺎ ﺗﺼﺪﻉ ﺍﻟﺘﻤﺎﺳﻚ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺳﺒﺒﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺠﺎﺋﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻞ : ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻄﺎﺭ ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺭﻳﻦ.
إن ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﻠﺢ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﺪﺍﺭﻙ ﻭﺍﻹﺻﻼﺡ ﻭﺍﻟﺴﻤﻮ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺃﻓﻀﻞ.[xxv]
جيل “المقابسات” جيل اللامركزية الثقافية:
»… إني نقلت هذا الكتاب والدنيا في عيني مسودّة، وأبواب الخير دوني منسدّة، لثقل المؤونة ولقلة المعونة، وفقد المؤنس، وعثار القدم بعد القدم، وانتشار الحال بعد الحال. هذا، مع ضعف الركن واشتعال الشيب وخمود النار وسوء الجزع، وأفول شمس الحياة، وسقوط نجم العمر، وقلة حصول الزاد، وقرب يوم الرحيل… وهذا كله جرى في مجالس مختلفة من مشايخ الوقت بمدينة السلام«.
ترد هذه العبارات لأبي حيان التوحيدي في مطلع المقابسة الحادية والتسعين من كتابه “المقابسات”. وهي عبارات إستند إليها عدد كبير من الباحثين في حياة “فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة”هذا للاستنتاج بأنه وضع “المقابسات”خلال مرحلة متقدمة من حياته، حيث يمكن اعتبار الكتاب واحداً من آخر كتبه، واعتبار ما فيه نوعًا من تلخيص لأفكاره الأخلاقية والفلسفية والأدبية.
ومع هذا فإن المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، إذ يذكر في كتابه “المثقفون في الحضارة العربية”، أن “المقابسات” قد يتخذ أهميته من كونه يرسم صورة لجيل يجسم “نموذج المثقفين الذين يستهلكون الثقافة ويروّجونها، ولكن من دون الإرتباط بقضية بعينها… إنه جيل “المقابسات”جيل اللامركزية الثقافية التي تعكس اللامركزية السياسية”. ومن هنا يركز الجابري على كون القرن الرابع الهجري، الذي يصف “المقابسات” الحياة الثقافية فيه بأنه “بحق، عصر اللامركزية”،”عصر إمرة الأمراء”و “الدولة المستقلة”. وكان عصرًا خاليًا من أي مشروع ثقافي أو سياسي للدولة ككل، حيث أصبحت كل إمارة، بل صار كل ذي جاه وسلطان “يزين مجلسه”بالعلماء والكتاب والأدباء والشعراء. فظهرت فئة من المستهلكين للثقافة الآخذين من هنا وهناك، المتقابسين والحريصين على المشاركة في كل علم والإدلاء فيه بدلو خلال المناقشات والمقابسات التي كانت تزخر بها المجالس الثقافية. وكان من بين هؤلاء المنطقي والمتفلسف والمتكلم والفقيه والنحوي والأديب والكاتب، وكانت مشاركتهم في شتى المعارف والفنون خالية من أي مجهود إبداعي إلا نادرًا في رأي الجابري. ومع هذا لا يفوت هذا الأخير أن يذكر أن موضوعات المقابسات تطاول أمورًا في غاية الأهمية مثل تطهير النفس باجتناب شهوات الجسد وعلم النجوم والفلك والنحو والفقه والأخلاق والناموس الإلهي والزمان والمكان والألفاظ والمعاني وكتمان السر والحياة والموت واللاهوت والإنشاء والكلام الجيد والعلة والمعلول والصداقة والنوم وما إلى ذلك.
والحال أن هذا كله يجعل من “المقابسات”، إن لم يكن كتابًا في الفلسفة الخالصة، نوعًا من التلخيص للمستوى الفكري الذي كان سائدًا خلال العقود الأخيرة من حياة التوحيدي، طالما أن هذا الأخير يذكر في ثنايا كتابه، أسماء عدد كبير من “المثقفين” الذين شاركوا في النقاشات، من السامري إلى المصري ومن القوفي والصوفي وغلام زحل، إلى ابن عبدان والحراني، وصولًا إلى أبي سعيد السيرافي وأبي بشر متى (وهما اللذان تجابها في تلك المناظرة الشهيرة التي نجدها في كتاب آخر للتوحيدي هو الإمتاع والمؤانسة)، مرورًا بأبي الحسن العامري، وخصوصًا جماعة علماء الإسماعيلية الذين كانوا يروّجون لأفكارهم تحت اسم جامع هو “إخوان الصفا” والذين كان التوحيدي أول من تحدث عن وجودهم وأفكارهم معتبرًا إياهم “جماعة تآلفت بالعشرة وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة فوضعوا بينهم مذهبًجا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى النور… وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال…«. [xxvi]
ان التوحيدي يرسم صورة لجيل يجسم نموذج المثقفين الذين يستهلكون الثقافة ويروجونها ولكن من دون الإرتباط بأية قضية معينة من قضاياها، انه جيل المقابسات، جيل اللامركزية الثقافية التي تعكس نوعًا من اللامركزية السياسية… [xxvii]
ثانيا: أهم المرتكزات الفكرية في نهضة المجتمع نحو التعايش السلمي عند أبي حيان التوحيدي
الانفتاح العقلي:
الانفتاح على الثقافات المتنوعة (دينية، فلسفية، علمية، تصوفية)، بكافة تلوناتها (العربية واليونانية والفارسية…) جعلت منه مثقفًا موسوعيًا منفتحًا على الآخر، خاصة أنه إبن الثقافة الإسلامية ممثلة باللغة العربية حيث ألغت الحواجز النفسية والعرقية والدينية لدى مثقف ذلك العصر[xxviii] وابن ثقافة علمية تجعل العقل رائدًا أساسيًا للإنسان، دون نفي لقيمة الحدس والطبع.[xxix]
وكان أبو حيّان التوحيدي وقتها كوكب عصره الساطع بتلك المَعارِف والعلوم التي أَثَّرت بدَورها على مُجمل مَسار الحضارة البشريّة المُعاصِرة وتطوّرها، فكانت، مثلاً المُمهِّد الرئيس لحضارة الغرب التي انفجرت في القرنَين التاسع عشر والعشرين.[xxx]
إنَّ القارئ لأدب أبي حيّان التّوحيدي لَيجد أنّه صورةٌ نابضة عن التّسامح والمواجهة المثمرة مع الآخر، فهو يعبّرعن روح كونية تشمل تلاقحًا ثقافيًّا وحوارًا فكريّا بين مختلف الحضارات والثقافات والهويّات، إنّه تجلّ حقيقيّ من تجلّيات حوار الحضارات، الذي لا ينطوي “على منظور فردي المنزع، بل على منظور جمعي، منظور مشاركة” كما أقر روجي جارودي في حديثه عن خصائص الحوار الحضاريّ وأفقه.
لقد صَانَ التّوحيديّ في كتبه عامّة وكتابيه “المقابسات”، و”الإمتاع والمؤانسة” خاصّة جُملةً من النُّصوصِ الأدبيّةِ المهمَّة التي تؤرّخُ لبعضِ القَضَايَا المفصليَّةِ في تاريخ الحضارةِ العربيَّة، على نحو ما يقدّم صورةً عن البيئةِ الفكريَّةِ والثقافيةِ التي تحكّمت في العقلِ العربيِّ وجعلته يهتمُّ بمسائلَ وقضايا وليدةِ هذه البيئةِ. وقد انبثقتْ مسألةُ التّواصل والتّفاعل بين الحضارات، من مساربِ هذهِ البيئةِ التي بَصَمَها “التّفاعلُ الذي تمَّ بين الأجناسِ والثقافاتِ المختلفةِ الرّاجعةِ إلى الشُّعوبِ المكوّنة للإمبراطوريّةِ العبَّاسيةِ، أو إلى الشعوبِ المجاورةِ لها، أو الَّتي لها بها صلة ولو كانتْ بعيدةً، مثل بلادِ الصِّين والشرقِ الأقصى”.
في هذهِ الأجواءِ الثقافيَّة نشطَ الإنشغال بعقد أواصر التّحليل والتقاطع بين الأبعاد الحضارية المختلفة، وقد انْخَرَطَ أبو حيّان التَّوحيدي في هذه الأجواءِ وأسهمَ، بنصيبٍ غير منقوصٍ، في معالجةِ كثيرٍ من القضايا الحافّة بهذه الإشكالية، وقد عالجها التّوحيدي في أجناس أدبية متعددة، أبرزها المناظرة.
ويُعبّر هذا النّوع الخطابي عن رؤية أدبية فنّية قائمة على إتاحة الفضاء الرّحيب لتدبير قضايا الخلاف، ومناقشة الآخر، ومساءلته والإنفتاح على ثقافته وهُويته، حيث أن أبا حيان التوحيديّ كان يسعى إلى تأسيس ثقافة تؤمن بالتّعايش مع الحضارات المختلفة والإستفادة من ثقافتها وعلومها وقيمها وأدواتها ومعارفها، ونثره ونصوصه تكشف بوضوح “دعوته إلى التكامل المعرفي في عصره”.[xxxi]
الحوار مع الآخر:
إن الحوار مع الآخر تقليد حضاري تبنته ومارسته جميع الحضارات في كل العصور، وهو لا ينفي الاختلاف إذ الاختلاف قيمة حضارية تقتضي تقبل الآخر بصورته المختلفة عن الأنا، والإقرار بحريته الدينية والسياسية والفكرية والعمل على ضمان هذا الحق والتضحية في سبيل تحقيقه. وهنا يُطرح عدة تساؤلات والتي تمثلت في: السؤال الأول: كيف نظر أبو حيان إلى حضارة وثقافة العرب؟. السؤال الثاني: كيف نظر أبو حيان إلي حضارات الأمم السابقة؟ أمن خلال الموازنة بينهما وبين حضارات وثقافات الأمم الأخرى كالحضارة الفارسية على سبيل المثال؟. السؤال الثالث: هل تم كشف ذلك الحوار الخاص من خلال ما تركه؟. وأوضح المقال أن أبو الحيان حاول أن يتحلى بشيء من الموضوعية حين أشار إلى التمازج الثقافي والحضاري وأن الحضارات تأخذ برقاب بعضها كما يكمل بعضها بعضاً.[xxxii]
هناك سمة أخرى تكمل الموضوعية، التي لحظناها لدى التوحيدي، هي الإهتمام بالحوار مع الآخر، سواء أكان أستاذًا أو صديقًا متّفقًا معه في الرؤية الفكرية أم مختلفًا، وقد وجدنا معظم مؤلفاته تقوم على هذا الحوار ( «الهوامل والشوامل»، «المقابسات»، «الإمتاع والمؤانسة»…) نقل لنا عبرها جملة الحوارات التي كانت تحدث في مجالس العلماء ومجالس الوزراء، فتعرفنا على الغني المعرفي الذي ساد في القرن الرابع الهجري، كما تعرفنا على آداب الحوار في ذلك العصر، حيث يتاح للرأي المعارض فرصة التعبير عن نفسه، يكفي أن نذكر مثالًا على ذلك الليلة الثامنة، حيث دار الحوار بين متي بن يونس وأبي سعيد السيرافي، نجد أن متي يقول مدافعًا عن اليونان «إنهم بين الأمم أصحاب عناية بالحكمة والبحث عن ظاهر العالم وباطنه… وبفضل عنايتهم ظهر ما ظهر… من أنواع العلم وأصناف الصنائع، ولم نجد هذا لغيرهم، فيقول له أبو سعيد السيرافي: أخطأت وتعصبت وملت مع الهوى، فإن علم العالم مبثوث في العالم بين جميع من في العالم… كانوا كغيرهم يصيبون في أشياء ويخطئون في أشياء… وليس واضع المنطق يونان بأسرها، إنما هو رجل منهم، وقد أخذ عن قبله، كما أخذ عنه من بعده، وليس هو حجّة في هذا الخلق الكثير والجم الغفير.
نلمس هنا، عبر صوت السيرافي، أسس الحوار مع الآخر، إذ يبين أخطاء محاوره (التعصب، تنزيه اليونانيين عن الخطأ، الرؤية المحدودة…) ليؤكد أن العلم ليس ملكًا لأمّة دون أمّة، وإنما هو جهد مشترك بين من تقدموا ومن تأخروا، وبذلك علل أفكاره ووضح رؤيته المغايرة للآخر بلغة علمية.
إن إيمانه بالحوار أدى به إلى إفساح المجال للآراء المختلفة بالظهور في كتبه، كما أفضى به إلى التسامح الفكري، مما يعني سماع الآخر المخالف وعدم نفيه، بل تقديم وجهة نظره المخالفة، لأنه شريك في صنع الحضارة كما هو شريك بالإنسانية.
وبذلك جعل التوحيدي الحوار مع الآخر والإنفتاح عليه أساسًا حضاريًا، بفضله تنهض العقول وتتهذب النفوس، وهنا ينتبه إلى الأثر اللغوي الذي يتركه الحوار لدى الإنسان، إنه يرقى بمقدرته اللغوية. .[xxxiii]
المشاركة والفكر التبادلي:
هناك أمر يهم التوحيدي وهو الحرية الفكرية، التي يريد من الإنسان أن ينطلق منها في تعامله مع أفكار الآخرين، حتى إنه يطلب من المتلقي (في «البصائر والذخائر» ) أن يتناول كتابه برؤية نقدية حرة «فكن أيدك اللّه شاكرًا لصواب ما يمرّ بك في هذا الكتاب، محاذرًا في خطأ ما يلوح لك، واعمل بحكم الحرية وعصبية الإنسانية، في نشر جميل أنت أولى بنشره، وستر قبيح أنت أحق بستره[xxxiv]
إن فكر التوحيدي قد تضمن مرتكزات معرفية هامة للفكر التبادلي المعاصر، وذلك من خلال إبراز معالجة التوحيدي لدينامية وبناء العلاقات الإجتماعية وبشكل خاص علاقة الصداقة، وتشدد الدراسة الراهنة على أن هذا الطرح يمثل إطارًا نظريًا تكميليًا للنظرية التبادلية المعاصرة التي تجاهلت التبادل في العلاقات الحميمة والقرابية والصداقية وركزت على التبادل المنفعي في النظام الرأسمالي فقط، معتبرة ما يخرج عن ضوابط هذا التبادل لا يعد تبادلًا إجتماعيًا
وأن فكر التوحيدي السابق زمنيًا على الفكر التبادلي، قد اتخذ من التبادل الإجتماعي ركيزة معرفية أساسية لفهم وتفسير الحياة الإجتماعية، وخاصية مميزة للإجتماع الإنساني كما بينت الدراسة أن التوحيدي يعالج بوضوح تحول العلاقة التبادلية إلى علاقة صادقة، ويضع للعلاقة التبادلية معايير وضوابط، وكذلك فقد تقدم التوحيدي على الفكر التبادلي باقتراحه نمطًا مثاليًا للعلاقة التبادلية ذو محددات منهجية، وبالاضافة إلى توضيحه كيفية إنبثاق الصراع الإجتماعي من قلب العملية التبادلية[xxxv].
العصبية الانسانية والمساواة:
يرفض أبو حيان التوحيدي الوهن الفكري الذي بدأ يشيع في عصره على شكل عصبية لعرق أو مذهب، مما يخلق هوة بين الإنسان وبين روح الإسلام، وأيضا العصبية التي بدأت تنتشر بين علماء عصره “فإنه قد دبّ فيهم داء الحمية، واستولي عليهم فساد العصبية حتى صار الغي متبوعاً والرشد مقموعاً..”.[xxxvi] لذلك كان حريصًا على تبيان معالم العصبية وتعريفها للناس، عبر استخدام العبارة البسيطة والدقيقة، إنها تجسد انحرافًا عن الحقّ، يقول في «البصائر والذخائر» معرفًا العصبية «أن يرى الرجل شرار قومه خيرًا من خيار قوم آخرين.[xxxvii]
فيبتكر التوحيدي مصطلحًا دقيقًا «عصبية الإنسانية» التي هي رديف «الحرية» وقد وجدناه يحرض المتلقي لامتلاكها فيستطيع عندئذٍ أن يقبل ما يفيده ويرفض ما لا يفيد، وهو يدعوه إلى هذه الممارسة النقدية الحرة فيما يكتبه التوحيدي نفسه.
إذًا، العصبية الإنسانية تعني انفتاحًا على الإنسان بغض النظر عن جنسه، وعن دينه ومذهبه، كما تعني ارتقاء في الفكر وابتعادًا عن الإنغلاق والخوف من النقد.
إن ما يؤسس هذه العصبية الإنسانية هو نفسه ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات أي «العقل» وخصائصه من «التمييز» و«الرؤية» أي المحاكمة المنطقية وسعة الأفق، وكلما اتسعت هذه الصفات لديه كان أكثر إنسانية.[xxxviii]
من منطلق العصبية الإنسانية كان الحوار لديه أداة أساسية نالت مكانة رفيعة، إذ بفضله ترتقي النفوس وتتطور العقول وتنطلق الألسنة معبرة عن الأفكار والعواطف «النفوس تتقادح، والعقول تتلاقح، والألسنة تتفاتح» فقد كان ومايزال الأداة المعرفية التي بفضلها يرقي عقل الإنسان وتتهذب روحه.[xxxix]
وبناء على ذلك لن نستغرب الموضوعية التي شهدناها لدى التوحيدي في نظرته للآخر، حتى في كتابه الذي يحمل عنوانًا ذا دلالة غير موضوعية «مثالب الوزيرين» والذي يوحي لنا باهتمام التوحيدي بجانب واحد من صفات الوزيرين هو المساوئ، لكننا ندهش حين نجده يذكر محاسنهما، في عدة مواضع من الكتاب، فيقول مثلًا إن لهما «فضائل لم يثلهما فيها أحد في زمانهما ولا كبير ممن تقدمهما، فإن الفائدة المطلوبة في أمرهما وشرح حديثهما تأديب النفس واجتلاب الأنس، وإصلاح الخلق.[xl]
البعد الديني والفلسفي للتعايش السلمي:
من المعروف عن العرب في الجاهلية افتخارها بالنسب، فجاء الإسلام ليحل التقوى محل هذا النسب في أهم دستور له (القرآن الكريم) ويتضح لنا من خلال شرح التوحيدي وتعقيبه أنه لا يمكن أن يمدح المرء بما لا يد له فيه (النسب) وإنما المدح أو الذم يكون بتقوى الإنسان الذي يتجلى بالعمل، ولا يكون بالقول فقط.
وقد أظهر لنا التوحيدي (في «البصائر والذخائر» في المجلد الثاني والجزء الثاني) قوة تأثير الروح الإسلامية في عصر إتّسم حكامه بالعداء للموالي (العصر الأموي) .
يبدو لنا أن إنشاء علاقات إنسانية متوازنة أحد أهم شواغله الفلسفية، لهذا ألّف كتابًا في «الصداقة والصديق» كما سأل في كتابه «الهوامل والشوامل» مسكويه : ما السبب في تصافي شخصين لا تشابه بينهما في الصورة (العرق) ولا تجاور بينهما في الدار (الوطن) كواحد من فرغانة وآخر من تاهرت؟
فيجيبه مسكويه : هناك سبب جوهري يتعلّق بما هو أصيل وطبيعي كاتفاق النفسين بالمزاج، وهناك سبب عرضي (المودة، المنفعة، اللذة، الأمل، الصناعات، الأغراض، المذاهب والآراء، العصبيات).
يلفت النظر هذا التفريق بين السبب الجوهري لتقارب الناس الذي يعتمد الجانب النفسي (اتفاق المزاج) هو الجانب الأصيل في العلاقات الإجتماعية، في حين يعد الأسباب الأخرى أسباباً عرضية !! لهذا يمكن أن تنشأ صداقة بين أشخاص يختلفون في الآراء والعصبيات فالمهم هو إتفاق المزاج، وحسن الخلق، لذلك بدا مشغولًا بما يعتري الناس من قبيح الأخلاق. فلاحظنا أنه يثير أسئلة تعين على التواصل الإنساني، وتضع يدها علي معوقات هذا التواصل، فيطرح التساؤل التالي : لِمَ ذمّ الإنسان ما لم ينله؟ … ولعل ذلك عادي الناس ما جهلوا ! لِمَ لم يحبوه ويطلبوه ويفقهوه، حتى تزول العداوة، ويحصل الشرف، ويكمل الجمال، ويحقّ القول بالثناء، ويصدق الخير على الحقّ؟[xli]
التآلف والتمازج الحضاري:
يلاحظ أن التوحيدي رصد لنا بداية التمازج الحضاري، مع بداية الإسلام، فالصداقة التي جمعت سلمان الفارسي وأبي الدرداء تتيح لهذا الأخير أن يذهب لخطبة امرأة من قريش لصديقه «فذكر سلمان وسابقته في الإسلام وفضله، فقالوا : أما سلمان فما نزوجه، ولكن إن أردت أنت زوجناك، فتزوجها أبو الدرداء، فلما خرج قال: يا أخي قد صنعت شيئا وأنا أستحي منك وأخبره، فقال سلمان: أنا أحقّ أن أستحي منك أخطب امرأة كتبها اللّه لك.
إستمرت هذه العلاقات الإنسانية إلى عصر التوحيدي، فقد حدثنا في كتابه «الصداقة والصديق» عن صداقات قامت رغم اختلاف البلدان والمهنة (الصداقة بين العالم أبي سليمان من سجستان وبين القاضي ابن سيار) وعن صداقة قامت رغم اختلاف البلد والمذهب (صداقة المنصوري وابن عبدك) وحين سئل المنصوري عن أسباب هذه الصداقة، قال وجدته كما قال الشاعر :
لهُ خَلائقُ بيضٌ لا يُغيِّرُها صرفُ الزمانِ كما لا يصدأُ الذهبُ
إن الصداقة لا تعترف بالوحدة المكانية أو الفكرية أو المهنية، فقد تنشأ بين الناس رغم اختلاف بلدانهم ومذاهبهم الدينية أو الفكرية أو أعمالهم، المهم أن يكون هناك أساس روحي يجمع الصديقين، ويتجلى هذا الأساس عبر الخلق الرفيع.
إلى جانب الروح الدينية، التي تؤسس الأخلاق رفيعة تتوحد بفضلها النفوس المؤمنة، كانت اللغة العربية أبرز مظاهر التمازج الحضاري، في القرن الرابع الهجري، بين العرب والفرس، وغيرهم من الأقوام، فقد كانت لغة عالمية، تشمل الفنون والعلوم المختلفة، لم تكن أهميتها، في ذلك العصر، تنبع من الموقع السياسي للعرب، فقد باتت مقاليد الأمور في يد الفرس، وإنما اكتسبت أهميتها من كونها لغة الدين الإسلامي، الذي أصبح يشكل هوية الشعوب سواء منها العربية أم الأعجمية.[xlii]
يصف أبو حيان نبض الحياة الإجتماعية في عصره، فرصد اليومي والمعاش بجميع تجلياته وأنماطه، كما استطاع التوحيدي في كتاب البصائر والذ خائر أن ينقل لنا مظاهر الإمتزاج الحضاري بين العرب والفرس، والذي كان في أرقى تجلياته امتزاجًا لغويًا، كما أن كتاب المقابسات له أهميته الخاصة إذ تجلمت فيه النزعة المنفتحة على الثقافات الأخرى. هذا الإنفتاح الذي يطلعنا على صورة حية لذاك التسامح والود بين خليط من الأجناس يختلفون في الثقافة والدين ويتلاقون في جملة مفاهيم عامة، حول الإنسان وهمومه ومشاكله، وقد كتب التوحيدي إن الإنسان “إنطلاقًا من السؤال الذي سأله لمسكويه في كتاب الشوامل والهوامل عن ماهية النفس أي ان الإنسان أصبح مشكلة بالنسبة لنا، كيف نفهمه ونحلل تصرفاته وندرك”، أشكل عليه الإنسان بواعثه؟[xliii]
استطاع التوحيدي أن ينقل لنا مظاهر الإمتزاج الحضاري بين العرب والفرس بفعل الهجرة والتزاوج، والذي كان في أرقى تجلياته امتزاجًا لغويًا، حيث ينقل لنا بعض مظاهر الوفاق والصراع الثقافي الاجتماعي الخفي بين العرب والفرس، إذ يبدو أن العربي مثلا، يفخر على غيره يقول الشعر… وهكذا استطاع التوحيدي ان يقدم صورة إجتماعية وثقافية حية، يستجلي المرء عبرها صورة للتمازج الحضاري بين العرب والفرس في القرن الرابع الهجري، حيث أعطى العرب فيه غيرهم من الأمم، ولم يستنكفوا من الأخذ من الآخر.[xliv]
نلاحظ التمازج الثقافي بين البلاد الإسلامية، فعندما ينبغ عالم في خراسان يقرن إسمه بعالم نبغ في بغداد في زمن مضى هو الجاحظ! حتى عناوين المكتب نجدها متشابهة، إذ يقال إن للجاحظ كتابًا في نظم القرآن مازال مفقودًا. نعم أنّ علاقة التوحيدي بأبي سعيد السيرافي علاقة نادرة تجتمع فيها الصداقة بالعلم، منحه أروع الصفات العلمية والإنسانية «عالم العالم، وشيخ الدنيا، ومقنع أهل الأرض» لذلك يصف علاقته به قائلاً : «وأما سيدي أبو سعيد (السيرافي) فواللّه إني لأجد به وجدًا أتهم به نفسي،… وإني أرى حديثه آنق من المنى إذا أدركت، ومن الدنيا إذا ملكت، وإن تمازجًا بالعقل، والروح، والرأي، والتدبير، والنظر، والإرادة، والإختيار، والعادة ليزيد على حال توأمين تراكضا في رحم، وتراضعا من ثدي، ونوغيا في مهد، وما أخوفني أن يؤتي من جهتي، وإن عاقبته موصولة بعاقبتي، لأني مأمنه وهو مأمني، وما أكثر ما يؤتي الإنسان من مأمن إننا أمام تلميذ يجل أستاذه ويحبه أعظم الحب، يرى حديثه أجمل ما في الدنيا، كما أننا أمام صديق يمتزج روحيًا وعقليًا مع صديقه يبلغ هذا التمازج أقصاه حين يشبه علاقته به بعلاقة التوأم بأخيه، فيجعلها أقوى من رابطة الدم في أنصع تجلياتها (التوأم).[xlv]
الاقرار بمزايا كل الأجناس:
سنحاول أن نتلمس بعض معالم فلسفة التوحيدي الإنسانية، لكونها على صلة وثيقة ببحثنا عن صورة الآخر الذي هو إنسان قد يختلف عن التوحيدي وعن ثقافته لكنه يلتقي معه في جملة مفاهيم عامة، سنحاول أن نلقي عليها الضوء إنطلاقًا من السؤال الفلسفي الهام الذي سأله التوحيدي لمسكويه عن ماهية النفس فإن الإنسان قد أشكل عليه الإنسان! فيحدد له أهم معالمه وما يشكل هويته : العقل، فالنفس إذا عقلت العقل صارت هي هو، إذ من شأن المعقول والعاقل أن يكونا شيئًا واحدًا لا فرق بينهما.[xlvi]
“إن لكل أمة فضائل ورذائل، ولكل قوم محاسن ومساوئ، ولكل طائفة من الناس في صناعتها وحلّها وعقدها كمال وتقصير». والتوحيدي يريد بهذه العبارة أن يطمئن الوزير إلى قلة إحتفاله بالفوارق العنصرية والخلافات الجنسية، فلا فرق بين فارسيّ وعربيّ، ولا موضع لتفضيل إنسان على آخر لأصله أو نشأته أو وراثته! والتوحيدي يضيف إلى هذا أن الفضائل المأثورة، التي تنسب في العادة إلى كل أمة من الأمم المشهورة «ليست لكل واحد من أفرادها، بل هي الشائعة بينها، ومن جملتها من هو عار من جميعها، وموسوم بأضدادها… (بدليل أن) الفرس لا تخلو من جاهل بالسياسة، خال من الأدب، داخل في الرعاع والهمج، كما أن العرب لا تخلو من جبان جاهل طياش بخيل عييّ .[xlvii]
االتسامح الاسلامي:
إنَّ القارئ لأدب أبي حيّان التّوحيدي لَيجد أنّه صورةٌ نابضةٌ عن التّسامح والمواجهة المثمرة مع الآخر، فهو يعبّر عن روح كونية تشمل تلاقحًا ثقافيًّا وحوارًا فكريًّا بين مختلف الحضارات والثقافات والهُويّات، إنّه تجلّ حقيقيّ من تجلّيات حوار الحضارات، الذي لا ينطوي “على منظور فردي المنزع، بل على منظور جمعي، منظور مشاركة” كما أقر روجي جارودي في حديثه عن خصائص الحوار الحضاريّ وأفقه.[xlviii]
يقوم المنهج الذي يؤسس نظرة التوحيدي للآخر على الفكر الإسلامي، أي على الإيمان والأخوّة والتسامح بين الناس جميعًا، وقد بدا لنا التوحيدي معنيًا بتجسيد هذا الفكر، فقد أورد لنا مثلًا قول راشد بن أبي الحمد الحسني «السبب أولي من النسب، والسبب هو التقوى، وبها تظهر الكرامة، قال تعالى «إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم » … إن النسب لا يمدح به ولا يثاب عليه، وإنما هو كالطول في الطويل، والقصر في القصير… وإنما المدح والذم، والثواب والعقاب راجعة إلى الفعل[xlix]
إن التسامح الإسلامي لم يكن نتيجة الحاجة إلى المعيشة المشتركة فقط، كما يرى متز، وإنما نتيجة الانفتاح على الآخر والاعتراف بدينه، والإهتمام بحقوقه، وقد ذكر لنا التوحيدي (في الجزء الثالث من البصائر والذخائر) أن الخليفة عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه) لما استخلف بيّن للناس أن الإسلام بُني على أربع خصال: تقوى اللّه في جمع المال من أبواب حله… والثانية : أعرف للمهاجرين حقهم وأقربهم… والثالثة : الأنصار الذين آووا… والرابعة : أهل الذمة، أفي لهم بعهدهم، وأقاتل من ورائهم، ولا أكلفهم إلاّ طاقتهم.[l]
الالتزام الأخلاقي :
إن التوحيدي اهتم بالفكر الأخلاقي من الزاوية العقلية، لأنه كان يسجل احترامه للعقل، ومن هنا كان احترامه للفلسفة والفلاسفة، باعتبارهما إحدى طرق الوصول إلى الحقيقة. وقد عبَّر عن تأثره بالفكر الأخلاقي الأفلاطوني عندما ربط بين قوى النفس وعلاقتها بالأخلاق، وعبَّر عن الجانب الإيجابي وخاصة عند اهتمامه بالمواقف الأخلاقية وربطه بين الأخلاق والدين والعمل، كما ربط بين الخَلَق والخُلق، معتبرًا أن من الأخلاق ماهو فطري فلا يمكن تغييره، ومنها ماهو متكسب فيمكن تقويمه، وأشار إلى أهمية العامل الاقتصادي وتأثيرها على أخلاق الأفراد، وأوضح العلاقة بين العقل والأخلاق، واعتبر أن الفعل غير الخلقي يدل على فساد العقل، فالدين والعقل في نهاية المطاف يمثلان مصدري الفكر الأخلاقي عند التوحيدي.[li]
يبين لنا حقيقة إنسانية أن هذه الفضائل التي تتمتع بها أمة ما «ليست لكل واحد من أفرادها، بل هي الشائعة بينها، ثم في جملتها من هو عار منها جميعها» فهو يوضح لنا أن التباين لا يكون بين الأمم فقط، بل ينسحب على الأفراد في كل أمة، وبذلك يرفض تعميم المكارم أو الرذائل على جميع الناس، ويشير إلى وجود قرابة خفية بين الأفراد من جميع الأمم الذين ينتهجون مكارم الأخلاق، كما تنشأ قرابة بين اولئك الذين يتّبعون الرذائل ![lii]
إذا أردنا تحليل مواقف المؤلّف في الإمتاع والمؤانسة فإنّنا نقول: إن المواقف التي ّاتخذها أبو حيان التوحيدي ّ من مختلف قضايا عصره، تعبر عمومًا عن عدم رضاه بالواقع السائد في المجتمع وعن تربصه بالعصر قيمًا بديلة ً وحسنة لتخلف القيم الفاسدة.[liii]
وعندما يكتب التوحيدي في الأخلاق فهو يستفيد ويجمع بين النظر والتأمل العقلي والمعرفي، وبين الخبرة المتصلة بالواقع الحي المعيش كشأنه في تناوله لشتى الموضوعات الأخرى، فهو يستند في تدليله على صحة آرائه بالجانبين سواء أكان ذلك على لسانه أو منسوبًا لغيره.
وإذا نظرنا في فكر التوحيدي، وجدنا أنه قد اهتم بالأخلاق اهتمامًا بالغًا، وليس أدل على ذلك من تناوله لهذه المشكلة في معظم كتبه، حتى حظيت بأجزاء كبيرة منها، هذا بالإضافة إلى أنه في كتابه “رسالة في الأخلاق”، ربما كان يريد أن يبلور آراءه المتفرقة في بنية فكرية واحدة، والدليل على ذلك قوله: (وفي الأخلاق كلام واسع على غير ما وجدت كثيرًا من الحكماء يطيلون الخوض فيه، ويعوضون المرام منه بتأليف محرف عن المنهج المألوف ولو ساعد نشاط، والتأم عتاد، وقيض معين، وزال الهم بتعذر القوت لعلنا كنا نحرر في الأخلاق رسالة، واسطة بين الطويلة والقصيرة، يستفاد منها ما وضح لنا بالمشاهدة والعيان وبالنظر والاستنباط، ولكن دون ذلك أرق ثقيل، وعوق طويل، والله المستعان) .[liv]
التعددية في الفكر والمنهج:
أكد لنا التوحيدي، على لسان موريس اليوناني، مبدأ التعددية في الفكر والمنهج”إني لأعجب من ناس يقولون : كان ينبغي أن يكون الناس على رأي واحد، ومنهاج واحد، وهذا لا يستقيم، ولا يقع به نظام”.[lv]
كان توجه ابو حيان التوحيدي في منهجه الفلسفي الى المنهج الواقعي القائم على النقد والتحليل،الذي من الممكن أن يحقق الخير المشترك للجميع، والذي يقوم على التجربة الحقيقية والمعايشة، فمنهجه لا يصدر الأحكام الا من خلال الرؤية والمعايشة، لأنها تخلق التساؤلات الفكرية والفلسفية، التي تنتج الخطاب المستهدف من النص ومن الخطاب الفلسفي.
لقد سعى الخطاب الفلسفي لأبي حيان الى رفغ حجاب الجهل من خلال رصد الواقع بكل تفاصيله، وبنى عليه رؤية تضم الخير للجميع، وتسعى الى تعددية الرؤية، ونبذ كل محاولات الإستبداد والهيمنة والتهميش، لذلك ففي خطابه في كتاب أخلاق الوزيرين، سعى الى خلق التفكير العاقل العادل في الادارة السياسية.[lvi]
ان الصــورة العامة التي قدمها لنا التوحيدي عن الحياة الفکرية، من خلال کتاب الإمتاع والمؤانسة التي تبرز تعدد المشاغل الفکرية في القرن الرابــع من العلوم اللغوية إلی الفلســفة، إلی علوم الديــن والأدب وغيرها، وإن نظرة بسـيطة إلی کتب تاريـخ الأدب تجعلنا نقف علی حرکة فکرية نشــيطة في القرن الرابع الهجري، أخذت فيها کل ّ المعارف حظها من الاهتمام والتطور. فقد تجاوزت الدراسات اللغوية العراق لتصل إلی مصر والأندلس[lvii].
الحرية المذهبية:
ابو حيان التوحيدي كان قد أسس في عصره لأسلوب الحوار عبر فكرة المناظرة بوصفها شكلًا من أشكال التواصل المبني على التعارض لأجل بناء معرفي وادبي، بعيداً عن الإقصاء والتزمت. فكتابه الإمتاع والمؤانسة، على سبيل المثال، يُعد رؤية رصينة لخلق أدبية فنية قائمة على إتاحة الفضاء الرحيب لتدبير قضايا عالقة وساخنة في عصره، إذ كان وقتها النزاع قائمًا بين شعوب وملل الدولة العباسية، وقد أسهم هذا الإختلاف بين مكونات تلك الدولة فى تأجيج التعصب والعنصريات ونعرة الأجناس، وانعكست جميعها في الصراعات والسجالات على ميادين الإبداع الإنساني، وساهمت هذه الحالة المجتمعية والسياسية بشكل كبير بانخراط المثقفين في مناقشة هذه القضايا، واهمها العنصرية والشعوبية، كتفضيل الأعاجم على العرب، أو حتى العكس. من هنا كانت منطلقات الأنسنة في الإسلام، والتي لم تستمر طويلًا كنزعة فكرية وتوجه فلسفي يفسر جزءًا من تخلفنا الحضاري المعاصر.
ليس سهلا علينا أن نعي محنتنا ما لم ندرك أننا شعوب عشقت العيش وحيدة بنمطية الاعتقاد بأن – الغير – يجب أن يعزل أو يجتث لكونه مخالفا، وأنه يشكل خطرًا غازيًا، فلا من سبيل إلا مواجهته بمفهوم الغلبة وغنائم متاعه، وهذه هى لغة الانحطاط المعاصرة. لقد باتت العودة للتوحيدي كإنساني ضرورية في مناهجنا التعلمية على الاقل، عسى أن تأتينا أجيال أفضل منا تعي أولويات الحوار، وآداب المعاصرة، وفنون العيش المشترك في “وطن للجميع، والدين لله”.[lviii] وكان قد فسر أبوحيان في الإمتاع والمؤانسة ّ انعدام الأمن يعود الى التعصب المذهبي[lix]،فهو كان يرتبط بالناس برباط عقلي بعيدا عن الرباط المذهبي أو الديني، ودرس على مجموعة من العلماء فلم يكن متعصبًا في اختياره لمذهب الأستاذ كما أنه عرف جملة من الناس كانوا منه في موقع الصديق والزميل والحميم وكانوا مختلفي المذاهب والأديان، ولذلك وجب استبعاد كل التفسيرات المذهبية والطائفية في تحليل شخصية التوحيدي لأن مثل هذا الاتجاه ترفضه النزعة العقلية لأبي حيان وفي مؤلفاته.
الشورى والديمقراطية:
لقد اختار التوحيدي أن يقوم بدوره السياسي، ودوره في التغيير لا عن طريق توجيه العامة، ولكن عن طريق توجيه الحاكم ونصحه أحياناً بإعطاء تصوره للعلاقة الصحيحة بين الحاكم والرعية ونتائجها السياسية المحمودة للطرفين، أوعن طريق النقد لسلوك الحاكم وثلبه، أو الإ ثنين معاً. وإذا كان في هذا الموقف نوع من الأخذ باتجاه معتدل يريد الإصلاح، وإحداث نوع من التوفيق، أو ربما قصد بهذا التغير إحداث التوازن بالاحتكام إلى الإيديولوجية التي تقوم عليها الدولة الإسلامية، … وقد أكد أبـو حيـان التوحيدي مفهوم الشورى والديموقراطية بمفهومها الإسلامي .حيث يعد مفهوم الشورى أحد المفاهيم الأساسية المتصلة بالنظام السياسي للدولة الإسلامية . وطبيعة العلاقة بين الشورى والديمقراطية تتحدد من خلال اتجاهين: الأول: يرى بأن هناك صلة جـوار وقرابـة بـين الديمقراطية والشورى في ثلاثة عناصر رئيسية هي : التمثيل، والتكليف، والحق في المعارضة.، والثاني يراهما مختلطين إلى حد الافتـراق علـى أساس اختلاف مرجعيتهما، فالشورى تستند إلى مرجعية الشريعة بينما الديمقراطية تستند إلـى العلمانية . ولكن التوحيدي وقـد أدرك الواقـع السياسي لعصره، فقد كان يتعامـل معـه فـي حدود الممكن المتاح أمامه، لا المستحيل[lx].
ويؤكد التوحيدي أهمية الشورى ومن ذلـك .ما يقصه فيقول “إن قال بعض الأوائل اجعل سرك إلى واحد، ومشورتك إلى ألف[lxi]، وذلك بعدما تلاشى مبدأ الشورى مع الدولة العباسية، فكان للتوحيدي أن يشير الى مبدأ الشورى المفقود، والى ضرورته، وأراد من خلال ما عرضه فيما يخص الشورى التأكيد على أن الحاكم مهما بلغ من قوة وحكمة لا بد أن يكون له مستشارون، يعملون لمصلحة الدولة، لا لمصلجة صاحب السلطة.[lxii]
المواطنة والمعايشة في بناء العقد الاحتماعي:
بعد انعدام الموضوعية والحيادية وغياب فكرة المواطنة في الدولة الاسلامية والتي تسببت بنشوء الصراعات والثورات والقمع والاستبداد، وكان عصر ابي حيان عائمًا بهذه المشاكل والصراعات المذهبية، لذلك فإنه أشار، إن تعصب الحاكم لمذهب معين أدى الى غياب المواطنة وشعور المواطن في وطنه بالاغتراب. وافتقاد المواطنون التمتع بحقوقهم وواجباتهم وممارستها، لذلك فإن القانون أو الشريعة يحققوا للمواطنين المساواة داخل المجتمعات التي تعتمد مبدأ المواطنة من خلال الإستناد إلى حكم القانون في دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم لا لسبب اللون أو الدين أو النوع.، فكانت دعوة التوحيدي الدائمة الى بناء المواطنة في فكر المواطنين للتمسك بالانتماء لهذا الوطن.
بدا تقارب الفکر السياسي عند أبي حيان مع الفلسفات الحديثة والمعاصرة في النهج السياسي ومفهوم الرياسة أو العقد الاجتماعي في الفکر الإسلامي، وفکرة المواطنة . لذلك فإن أبا حيان بنى منهجه النقدي على المعايشة، ونقد الأوضاع القائمة، بهدف السعي في إصلاحها، متبنيًا رؤية معتدلة في النقد. وذلك بهدف انتاج رؤية نقدية لا تقبل الشك أو النقض.
لهذا كان لا بد من إظهار عناصر التلاقي الفكري بين أبي حيان التوحيدي والنظريات الفلسفية الحديثة المتمثلة في أفكار المواطنة وحقوق المواطن، فهي لم تكن غائبة عن رؤية فلاسفة المسلمين في القرن الرابع الهحري . فمن واقع تجربة ابي حيان أن غياب ما يسمى بالعقد الإجتماعي، يؤدي الى إستبداد تام وتعال ممقوت. فغياب التعاقد خلق بين الحاكم والمحكوم حالة من التأله والاستبداد والتي كانت عاملًا في غياب التقدم الحضاري. فالرياسة تعني أن يكون باب الرئيس مفتوحًا، ومجلسه مغشيًا، وو…. ففي الدولة الاسلامية في ذلك العصر فقد المواطنون أو الرعية حقوقهم المهمة وممارستها في تلك البقعة الجغرافية والتي تعرف في وقتنا الحالي بالدولة القومية الحديثة، التي تستند الى حكم القانون، في دولة المواطنة، وهذا ما يشير إليه أبي حيان من غيابه في تلك الفترة الزمنية في القرن الرابع الهجري، فكان يرسم الى بناء دولة المواطنة [lxiii].
[i] محمد فوزي الجبر، آراء أبي حيان التوحيدي في السياسة، مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات – المجلد السابع – العدد الأول.
عمار النعمة،ابو حيان التوحيدي … سيرة حياة وابداع، مجلة الثورة، يومية سياسية، الاربعاء 26/2/2014.[ii]
[iii] مجموعة من الباحثين لموقع المرسال، السيرة الذاتية للفيلسوف أبو حيان التوحيدي ،المرسال،08 أبريل 2017 .
[iv] سمر الفوالجة، موقع ثمانية https://thmanyah.com/2029، 10 سبتمبر، 2019
[v] ماجدة حمود، صورة الآخر لدي أبي حيان التوحيدي ،مجله آفاق الحضارة الاسلامية، شماره 12
6 عمار النعمة،ابو حيان التوحيدي … سيرة حياة وابداع، مجلة الثورة، يومية سياسية، الاربعاء 26/2/،2014
[vii] إيمان محمد محمد عمران، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع – کلية التربية – جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية، الرؤية الفلسفية والنقد السياسي في فلسفة أبي حيان التوحيدي کتاب أخلاق الوزيرين نموذجًا، المقالة 4، المجلد 33، العدد 2، الربيع 2021، الصفحة 83-132 ،
[viii] عمار النعمة،ابو حيان التوحيدي … سيرة حياة وابداع، مجلة الثورة، يومية سياسية، الاربعاء 26/2/،2014
[ix] عمار النعمة،ابو حيان التوحيدي … سيرة حياة وابداع، مجلة الثورة، يومية سياسية، الاربعاء 26/2/،2014
[x] أبو حيان التوحيدي «الصداقة والصديق» تحقيق وتعليق، د. إبراهيم الكيلاني، دار الفكر، دمشق، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط 2، 1998، مقدمة المحقق، ص 78 79.
[xi] تلخيص موجز ﺍﻟﻤﻨﺰﻉ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻋﻨﺪ ﺃﺑﻲ ﺣﻴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ، 17 نوفمبر 2017،https://yawmiyatmorahiktn.blogspot.com/
[xii] عباس محمود العقاد، الديمقراطية في الإسلام، مؤسسة الهنداوي سنة 2014، الطبعة الأولى 1952، ص 37.
[xiii] إيمان محمد محمد عمران، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع – کلية التربية – جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية، الرؤية الفلسفية والنقد السياسي في فلسفة أبي حيان التوحيدي کتاب أخلاق الوزيرين نموذجًا، المقالة 4، المجلد 33، العدد 2، الربيع 2021، الصفحة 83-132 ،
[xiv] مهدي عابدي جزيني، تحليل مواقف أبي حيان التوحيدي في کتاب «الإمتاع والمؤانسة» (ومقارنته بغيره من المصادر القديمة والجديدة)، إضاءات نقدية (فصلية محكمة)، السنة الثانية – العدد السابع – خريف ١٣٩١ش/ أيلول٢۰١٢م.
[xv] هالة أحمد فؤاد، التوحيدي الغفلة والانتباه، دراسة للاسلام والثقافة والفنون، بغداد، ظ1، 2015، ص 27.
[xvi] أبو حيان التوحيدي «البصائر والذخائر» مجلد (3) جزء (2)، تحقيق د. إبراهيم كيلاني، دار أطلس، دمشق، دون تاريخ، ص 12.
[xvii] التنوخي، المحسن بن علي، نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، تحقيق: عبـود الـشالجي،بيروت، دار صادر، 1995م، 1/352
[xviii] المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، مروج الذهب ومعادن الجـوهر، تحقيـق محمد محيي الدين،مصر، المكتبة النجارية الكبرى،ط4، 1965 ،4/ 336 .
[xix] أبـو حيـان التوحيدي، الإمتـاع والمؤانـسة، ج3، ص .86-85
[xx] إيمان محمد محمد عمران، الرؤية الفلسفية والنقد السياسي في فلسفة أبي حيان التوحيدي کتاب أخلاق الوزيرين نموذجًا،قسم الفلسفة وعلم الاجتماع – کلية التربية – جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية، المقالة 4، المجلد 33، العدد 2، الربيع 2021، الصفحة 83-132 ،
[xxi] لخيص موجز ﺍﻟﻤﻨﺰﻉ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻋﻨﺪ ﺃﺑﻲ ﺣﻴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ، 17 نوفمبر 2017،https://yawmiyatmorahiktn.blogspot.com/
[xxii] المنزع العقلي عند أبي حيان التوحيدي، 5 April 2019 ، https://www.facebook.com/baclettrestunisie
[xxiii] إيمان محمد محمد عمران، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع – کلية التربية – جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية، الرؤية الفلسفية والنقد السياسي في فلسفة أبي حيان التوحيدي کتاب أخلاق الوزيرين نموذجًا، المقالة 4، المجلد 33، العدد 2، الربيع 2021، الصفحة 115،
[xxiv] محمد فوزي الجبر، آراء أبي حيان التوحيدي في السياسة آراء أبي حيان التوحيدي في السياسة، مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات – المجلد السابع – ال عدد الأول. ص 16
[xxv] تلخيص موجز ﺍﻟﻤﻨﺰﻉ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻋﻨﺪ ﺃﺑﻲ ﺣﻴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ، 17 نوفمبر 2017،https://yawmiyatmorahiktn.blogspot.com/
[xxvi] ابراهيم العريس، مقابسات التوحيدي أو جيل اللامركزية الثقافية،25/2/2014،جريدة الحياة اللندنية عدد 1510
[xxvii] محمد عابد الجابري، ابو حيان التوحيدي صورة لحياة ثقافية بغدادية في القرن الرابع، 13/10/2005، البيان، ص 2.
[xxviii] عصام براهم،تأملات أنثروبولوجية في كتابات أبو حيان التوحيدي، مجلة انثروبولوجية الأديان، 15/7/2015، ص 78-89.
[xxix] ماجدة حمود صورة الآخر لدي أبي حيان التوحيدي ،: مجله آفاق الحضارة الاسلامية، شماره 12
[xxx] أحمد فرحات،علّامة عصره وفهّامة زمانه،، مؤسسة الفكر العربي،30 تموز 2020.
[xxxi] كريم الطيبي، قضيّة حوار الحضارات عند أبي حيان التّوحيدي؟! شمولٌ في الرؤية وعمقٌ في التفكير، ،الرافد : مجلة الكترونية ثقافية شاملة. SEP 06 2020
[xxxii] لزهر، مساعدية ،أبو حيان التوحيدي وموضوع حوار الثقافات والحضارات،، 2016/ مارس ، الجزائر،دار النشر: جامعة زيان عاشور بالجلفة – مخبر جمع دراسة وتحقيق مخطوطات المنطقة وغيرها. mandumah.com/Record/742604، مجلة التراث، عدد الصفحات 24-29.
[xxxiii] عمار النعمة،ابو حيان التوحيدي … سيرة حياة وابداع، مجلة الثورة، يومية سياسية، الاربعاء 26/2/،2014
[xxxiv] أبو حيان التوحيدي «الإمتاع والمؤانسة» (ج 1، ج 2، ج 3) تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، دون تاريخ،ص15
[xxxv] نايف البنوي ومحمد الحوراني ،إرهاصات نظرية التبادل الاجتماعي في فكر أبي حيان التوحيدي، مجلة العلوم الانسانية،1/12/2008، http://revue.umc.edu.dz/index.php/h/article/view/776
[xxxvi] أبو حيان التوحيدي «مثالب الوزيرين» تحقيق د. إبراهيم كيلاني، دارالفكر، دمشق، 1961، المقدمة، ص 10.
[xxxvii] أبو حيان التوحيدي «الإمتاع والمؤانسة» (ج 1، ج 2، ج 3) تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، دون تاريخ،ص15
[xxxviii] أبو حيان التوحيدي «مثالب الوزيرين» تحقيق د. إبراهيم كيلاني، دارالفكر، دمشق، 1961، المقدمة، ص 10.
[xxxix] عمار النعمة،ابو حيان التوحيدي … سيرة حياة وابداع، مجلة الثورة، يومية سياسية، الاربعاء 26/2/،2014
[xl] أبو حيان التوحيدي «مثالب الوزيرين» تحقيق د. إبراهيم كيلاني، دارالفكر، دمشق، 1961، المقدمة، ص 10.
[xli] أبو حيان التوحيدي ومسكويه «الهوامل والشوامل» تحقيق أحمد أمين والسيد أحمد صفر، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1951، ص 2 3.
[xlii] عمار النعمة،ابو حيان التوحيدي … سيرة حياة وابداع، مجلة الثورة، يومية سياسية، الاربعاء 26/2/،2014
[xliii] عصام براهم،تأملات أنثروبولوجية في كتابات أبو حيان التوحيدي، مجلة انثروبولوجية الأديان، 15/7/2015، ص 78-89.
[xliv] عصام براهم،تأملات أنثروبولوجية في كتابات أبو حيان التوحيدي، مجلة انثروبولوجية الأديان، 15/7/2015، ص 78-89.
[xlv] عمار النعمة،ابو حيان التوحيدي … سيرة حياة وابداع، مجلة الثورة، يومية سياسية، الاربعاء 26/2/،2014
[xlvi] BAc Lettres Tunisie، المنزع العقلي عند أبي حيان التوحيدي،5 April 2019 .
[xlvii] أبو حيان التوحيدي، علي بن محمد بن العباس (المتوفى: نحو 400هـ)، الإمتاع والمؤانسة، المكتبة العنصرية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1424 هـ.
[xlviii] كريم الطيبي،قضيّة حوار الحضارات عند أبي حيان التّوحيدي؟!شمولٌ في الرؤية وعمقٌ في التفكير، مجلة الرافد، 6 ايلول 2020،
[xlix] أبو حيان التوحيدي، « البصائر والذخائر»، المجلد (3)، الجزء (2)، تحقيق د. إبراهيم كيلاني، دار أطلس، دمشق، دون تاريخ، المجلد (1)، ص 173
[l] ماجدة حمود، صورة الآخر لدي أبي حيان التوحيدي ، مجله آفاق الحضارة الاسلامية، شماره 12.
[li] د.محمد فوزي الجبر، الفكر الأخلاقي عند أبي حيان التوحيدي- تحـــليل ونقــــــد-، https://educ.ahlamontada.com/t2937-topic، 2010-12-06,.
[lii] عمار النعمة،ابو حيان التوحيدي … سيرة حياة وابداع، مجلة الثورة، يومية سياسية، الاربعاء 26/2/،2014
[liii] إيمان محمد محمد عمران، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع – کلية التربية – جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية، الرؤية الفلسفية والنقد السياسي في فلسفة أبي حيان التوحيدي کتاب أخلاق الوزيرين نموذجًا، المقالة 4، المجلد 33، العدد 2، الربيع 2021، الصفحة 143
[liv] د.محمد فوزي الجبر، الفكر الأخلاقي عند أبي حيان التوحيدي- تحـــليل ونقــــــد-، https://educ.ahlamontada.com/t2937-topic، 2010-12-06,.
[lv] أبو حيان التوحيدي «الإمتاع والمؤانسة» (ج 1، ج 2، ج 3) تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، دون تاريخ،ص15
[lvi] إيمان محمد محمد عمران، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع – کلية التربية – جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية، الرؤية الفلسفية والنقد السياسي في فلسفة أبي حيان التوحيدي کتاب أخلاق الوزيرين نموذجًا، المقالة 4، المجلد 33، العدد 2، الربيع 2021، الصفحة 91-92.
[lvii] إيمان محمد محمد عمران، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع – کلية التربية – جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية، الرؤية الفلسفية والنقد السياسي في فلسفة أبي حيان التوحيدي کتاب أخلاق الوزيرين نموذجًا، المقالة 4، المجلد 33، العدد 2، الربيع 2021، الصفحة 141
[lviii] رافد علي، تمازج الفضائل، مجلة الوسط، الخميس 30 يونيو 2022.
الخميس 30 يونيو 2022
[lix] إيمان محمد محمد عمران، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع – کلية التربية – جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية، الرؤية الفلسفية والنقد السياسي في فلسفة أبي حيان التوحيدي کتاب أخلاق الوزيرين نموذجًا، المقالة 4، المجلد 33، العدد 2، الربيع 2021، الصفحة 83-132 ،
[lx] محمد فوزي الجبر، آراء أبي حيان التوحيدي في السياسة، مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات – المجلد السابع – العدد الأول، ص 3.
[lxi] التوحيدي، أبو حيان، البـصائر والـذخائر، ج1، تحقيق أحمد أمين، ص 63 ،التوحيدي، أبو حيان، مثالب الوزيرين، ص 239..
[lxii] إيمان محمد محمد عمران، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع – کلية التربية – جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية، الرؤية الفلسفية والنقد السياسي في فلسفة أبي حيان التوحيدي کتاب أخلاق الوزيرين نموذجًا، المقالة 4، المجلد 33، العدد 2، الربيع 2021، الصفحة 118.
[lxiii] إيمان محمد محمد عمران، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع – کلية التربية – جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية، الرؤية الفلسفية والنقد السياسي في فلسفة أبي حيان التوحيدي کتاب أخلاق الوزيرين نموذجًا، المقالة 4، المجلد 33، العدد 2، الربيع 2021، الصفحة 115