فنون و آداب

نشأة وتطوُّر الأدب الصوفي في المغرب الأوسط

الطاهر بونابي

نشأة وتطوُّر الأدب الصوفي في المغرب الأوسط

الطاهر بونابي

كاتب من جامعة المسيلة- المغرب.

 

 

الأدب الصوفي هو الأدب الذي أنتجه الزهاد والصوفية بمختلف اتجاهاتها السنية والفلسفية ويبحث في النفس الإنسانية بعمق فلسفي يسعى لتطهير النفس والروح من حب الدنيا وزينتها وإدخال الطمأنينة إليها. ويطرح في اكمل صوره الفنية التجريدية كوامن النفس من حب وجمال وقيم أخلاقية ومعرفة. وفي مضمونه أيضا الخطوات التي يتدرجها السالك – المريد – في تطهير نفسه والبلوغ بها مرتبة الكشف.

كل ذلك يعكس الروح الدينية العالية عندهم وهو آما قصائد منظمة أم نثرا فنيا راقي البيان وأغراضه هي : الامتداح النبوية – رسائل الشوق إلى الأماكن المقدسة – الأحزاب والأوراد – التوسلات – الحكم – الرسائل الصوفية (المكاتبات السنية) – الحكايات الكرمية – شعر الزهد – شعر التصوف السني – شعر التصوف الفلسفي 1.

 

مقدمات الأدب الصوفي :

مثلما مهد لنشوء التصوف في المغرب الأوسط خلال القرن 6 هـ /12 م بحركة زهدية امتدت من القرن 3 هـ /9 م إلى القرن 6 هـ /12 م أنتجت التصوف بتيارات المتنوعة كان الأدب الزهدي أيضا قد سبق الأدب الصوفي من حيث الظهور وتعدد الأغراض. فقد برزت خيوطه الأولى في قصائد الشاعر بكر بن حماد بن سمك بن إسماعيل الزناتي التهرتي ت 295 هـ /909 م الذي تأثر في رحلاته إلى المشرق ورحلاته المتكررة إلى أفريقية (تونس) بشعرائها وعلمائها وصوفيتها.2

ومن أبرزهم بالقيروان الزاهد الفقيه سحنون بن حبيب التنوخي ت 240 هـ / 845 م فتجرع عنه منهجه القائم على الزهد في الدنيا والتبعد وفق الشريعة 3 لذا كانت أشعاره تتمحور حول محاسبة النفس والتذكير بالموت كقوله.

لقد جمحت نفسي فصدت أعرضت

فيا أسـفي مـن جـنح ليل يقودها

إلى مـشهد لابـد لي مـن شهوده

ستأكلـها الديدان في باطن الثرى  وقد مرقت نفسي وطال مروقها

وضوء نهـار لا يزال يسوقها

وجـرع المـوت سوف اذوقها

ويذهب عنها طيـبها وخلوقها4

وكذلك أشعاره في الزهد والتذكير بالموت قوله :

الموت أجحف بالدنيا فخـربها

فالان فابكوا فقد حق البكاء لكم

ماذا عسى تنفع الدنيا مجمعها  وفعلـنا فـعل قـوم يموتونا

فالحـاملون لعرش الله باكونا

لو كان جـمع فيها كنز قارونا5

وفي الجملة تعكس أشعاره تجربته الزهدية التي عبر فيها عما يختلج في نفسه والتي سمحت لنا بتصنيفه ضمن الزهد الوجداني الذاتي وقد دخلت المغرب الأوسط مع الزاهد قاسم بن عبد الرحمان التهارتي الذي تلقاها مباشرة عن شاعرها بالقيروان وعن طريقه انتشرت بحواضر المغرب الأوسط.6

 

أما المظهر الثاني لأدب الزهد في هذه المرحلة المبكرة فيعود إلى أواخر القرن الرابع للهجرة – 10 م عندما شارك الزاهد احمد بن نصر الداودي المسيلي ت 402 هـ / 1013 م من تلمسان 7 فقهاء القيروان بزعامة عبد الله بن أبي زيد القيرواني ت 389 هـ /999 م 8 في ردهم على الطائفة البكرية التي مثلها عبد الرحمان بن محمـد بن عبد الله البكـري ادعى رؤيـة الله في اليقظة 9 بتأليفه كتابا بعنوان “الرد على البكرية” اقتفى فيه اثر ابن أبي زيد القيرواني في الجدل حول إثبات كرامات الأولياء فكان هذا المصنف أول كتاب في الأدب الصوفي بالمغرب الأوسط لم ينكر فيه الداودي كرامات الأولياء إلا انه تبنى موقف ابن أبى زيد القيرواني في التشدد على التصوف المائل إلى الشعوذة.10

 

وفي ذات السياق ظهرت مناهج زهدية متفرقة ارتبط أصحابها في علاقاتهم الأدبية بحواضر العالم الإسلامي فبينما ارتبط أبو محمد بن عبد الله التاهرتي ت 313 هـ /905 م برباط سوسـة واختص بفلسفة زهدية فكـرتها المحبة والشرق 11 وثق احمد بن مخلوف المسيلي المعروف بالخياط ت 393 هـ /1003 م وعبد الله بن زياد الله الطبني ت 410 هـ /1011 م صلتهما بقرطبة فلتزم الأول منهجه العملي القائم على المرابطة 12 واختص الثاني في أدب التنسك في حين وسع أبو القاسم عبد الرحمان الهمذاني المعروف بالخراز والوهراني ت 411 هـ /1018 م 13من علاقاته بحكم رحلته العلمية التي استغرقت عشرين سنة وشملت بيئات الزهد والتصوف كالبصرة وبغداد والحجاز ومصر وخرسان ونيسأبور ثم الأندلس صنع من خلالها طريقة زهدية جمع فيها بين الالتزام بالسنة النبوية والانقباض والعلم 14 والورع والسخاء والمروءة.15

وكذلك استفاد احمد بن واضح من رحلاته إلى المشرق في القرن 5 هـ /11 م تعكسها تلك المناظرات التي خاضها مع فقهاء بجاية والتي تمثل أحد اوجه الجدال بين الفقه وأدب الزهد.16

 

وفي المقابل تلقى أدب الزهد بالمغرب الأوسط جرعة قوية على يد النزلاء من الزهاد الأندلسيين ببونة حيث أطر أبو عبد الملك مروان بن محمد الأندلسي ت 440 هـ /1048 م نشاطه الزهدي بتأسيسه لرباط درس فيه العلم وصنف فيه المصنفات 17 بينما اقتصر الزاهد علي بن محمد التدميري ت 347 هـ /958 م على التأليف في الفقه وأدب الزهد 18 وحتى نهاية النصف الأول من القرن 5 هـ /11 م كان أدب الزهد بالمغرب الأوسط يستمد أفكاره ومواضيعه من أدب الزهد والتصوف الذي عرفته مدينة القيروان قبل خرابها من طرف القبائل الهلالية سنة 449 هـ /1057 م وكذلك من قرطبة والبصرة وبغداد والحجاز وقد نتج عن هذا الارتباط ظهور على المستوى العملي تيارين زهديين يعتمد الأول منهج المجاهدة العملية من خلال المرابطة في الثغور والسواحل لحراستها من الخطر المسيحي وتيار ثاني التزم أصحابه الزهد في الدنيا والاعتكاف على المجاهدات والمكابدة على نشر العلم الذي يعد أدب الزهد أحد محاوره الرئيسة.

 

مصادر نشأة وتطور الأدب الصوفي :

الثابت من الناحية التاريخية أن أدب الزهد إلى غاية نهاية النصف الأول من القرن 6 هـ /12 م لم يكن يرقى في نصوصه المنظومة والنثرية إلى مستوى يسمح بإدراجه ضمن أدب التصوف إلا بعد أن شهد المغرب الأوسط خلال النصف الثاني من نفس القرن دخول مجموعة من المصنفات الصوفية المشرقية والأندلسية والمغربية في فترات زمنية يصعب ضبطها ضبطا دقيقا مع فقهاء والعلماء العائدين من المشرق أو بواسطة صوفية المغربين الأدنى والأقصى الذين استقر بهم المقام بحواضر المغرب الأوسط 19 أو مع الأندلسيين المهاجرين إلى بجاية وتلمسان بقصد تجديد أنفاس الرحلة ذهابا وإيابا أو بغرض الاستقرار وكان لهؤلاء دور بارز في شرح وتبسيط محتوياتها لجمهور الطلبة والمهتمين.20

 

ومن اكثر المصادر المشرقية والمغربية والأندلسية التي نهل منها أدب التصوف أفكاره. كتاب الرعاية لحقوق الله للحارث بن أسد المحاسبي ت 243 هـ /858 م وقوت القلوب لأبى طالب المكي ق 3 هـ /9 م والرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري ت 465 هـ /1072 م وإحياء علوم الدين لأبى حامد الغزالي ت 505 هـ /1111 م وهي مصنفات في التصوف السني تطرح الخطوات التي يقطعها السالك بواسطة المجاهدات للوصول إلى النجاة من عقاب الله كما حددها المحاسبي 21 وإلى تقويم النفس وتهذيبها عن طريق الإرادة والرياضة لبلوغ بها مرتبة الأنبياء والصديقين والصلحاء 22 ثم النزوع إلى الكشف عن عالم الغيب وهي مرحلة فراغ القلب عما سوى الله كما تبينها الرسالة القشيرية وإحياء علوم الدين.23

 

وقد أصبحت هذه المصنفات منذ النصف الثاني من القرن 5هـ /11 م متداولة بين القراء في حلقات الدرس بتلمسان وبجاية وقلعة بني حماد حيث كان الصوفي عبد السلام التونسي ت 486 هـ /1093 م يدرس برابطته بتلمسان رعاية المحاسبي 24 ويدعو في أوائل القرن السادس 12م إلى قراءة أحياء علوم الدين وقد افلح في تحسيس الوسط الفكري في تلمسان بأهمية الأحياء وقيمة أفكاره الصوفية وبهذه الطريقة شرع التلمسانيون في نسخ الأحياء وحفظه.25

 

وبقلعة بن حماد انتصب الصوفي أبو الفضل ابن النحوي 513 هـ /1119م مدرسا للإحياء واستنسخه في ثلاثين جزءا فإذا دخل شهر رمضان قرا كل يوم جزءا 26 ولشدة تمسكه بالإحياء نقل عنه قوله : (وددت أني لم أنظر في عمري سواه) 27 واستطاع أن يؤلف من حوله كوكبة من القلعيين ينهجون أفكاره الغزالية 28 وكذلك في بجاية التي حل بها أبو مدين شعيب ت 594 هـ /1189 م منذ 559 هـ /1163 م ومكث بها خمسة عشرة عاما جعل من الكتاب إحياء علوم الدين افضل كتب التذكير لديه وأكثرها قراءة في مجلس تذكيره كما درس الرسالة القشيرية واطلع الطلبة على رعاية المحاسبي.29

 

أما معاصره أبا علي الحسن بن علي المسيلي توفي أواخر القرن 6 هـ /12 م فقد نسج على منوال الأحياء كتاب (التفكر فيما تشتمل عليه السور والآيات من المبادئ والغايات) 30 أحاط فيه بالفقه والتصوف حتى لقب بأبي حامد الصغير وأضحى الكتاب متداولا بين البجائيين وغطى بشهرته شهرة الإحياء آن ذاك.31

وفي أواخر القرن 5 هـ /11 م وأوائل القرن 6 هـ /12 م هاجر من تلمسان وجزائر بني مزغنة كوكبة من الأطر الزهدية إلى الأندلس للتمدرس عن كبار صوفيتها إذ قصد كل من المحدث يوسف بن علي بن جعفر التلمساني والفقيه حجاج بن يوسف الجزائري إشبيلية. واخذوا به الإحياء عن القاضي أبي بكر بن العربي ت 543 هـ /1148 م 32 بينما قصد كل من الفقيه أبي الحسن بن أبي القنون ت 557 هـ /1162 م والزاهد أبى موسى عيسى بن حماد الأوربي ويعقوب بن حمود التلمساني مرسية. واخذوا بها عن القاضي أبي علي الصدفي (ت في النصف الأول من القرن 6 هـ) 33 وأخذوا عنه (آداب الصحبة للسلمي) و(رياض المتعلمين) و(حلية الأولياء) لأبي النعيم الأصفهاني 34 ولما عادوا إلى مواطنهم عملوا على نشرها بين الطلبة والمريدين.

 

كما شكلت مصنفات المغرب الأقصى أهمية كبيرة في بلورة أفكار الأدب الصوفي وصنع مخياله من خلال مؤلفات أبي محمد صالح الماجري ت 631 هـ /1234 م شيخ رباط أسفي التي دخلت بجاية وقلعة بني حماد مع الصوفي أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم السجلماسي ت في النصف الثاني من القرن 7هـ /13 م 35 وهي كتاب (بداية الهداية) 36 و(تلقين المريد) 37 وشرح المقصد الأسني في شرح أسمـاء الله الحسنى لأبي حامد الغزالي وشـرح الرسالـة القشيرية 38 فضلا عن كتاب (قطب العارفين ومقامات الأبرار والأصفياء الصديقين) لعبد الرحمان بن يوسف البجائي في النصف الثاني من القرن 6 هـ / 12 م 39 وإسهامات أبي زكريا يحي بن محجوبة القريشي السطيفي ت 673 هـ /1278 م من خلال كتابه شرح أسماء الله الحسنى.40

 

ويكاد دور صوفية المشرق الطارئين على المغرب الأوسط يكون بسيطا في جلب أو تبسيط مضامين المصنفات الصوفية إذا لم نعثر سوى على حضور الصوفي أبي محمد عبد الله الشريف الشامي وجهوده في التدريس كتاب الإرشاد لأبي المعالي ببجاية غضون القرن 7 هـ /13 م 41. في حين شكلت حركة هجرة صوفية الأندلس إلى المغرب الأوسط على مدار القرنين 6 و7 الهجري /12 و13 الميلاديين عاملا رئيسيا أدى إلى دخول المصنفات الصوفية ورواجها. فألف عبد الحق الإشبيلي ت 581 هـ /1185 م ببجاية مجموعة من المؤلفات الزهدية أبرزها كتاب (الزهد) وكتاب (الصلاة والتهجد) وكتاب (أشعار زهدية في أمور الآخرة) فضلا على كتابه (العاقبة في ذكر الموت) 42 وقد ضلت مؤلفات عبد الحق الإشبيلي خاصة كتابه العاقبة مصدرا زهديا نهل منه الصوفية واعتمدوه مرجعا في كتاباتهم حيث اعتمد عليه عبد الرحمان الثعالبي ت 875 هـ /1475 م في تاليف كتابه (العلوم الفاخرة).43

 

ولما اضطربت أوضاع الأندلس بفعل نشاط الثوار الطامعين في الحكم وتعاظم نشاط حركـة الاسترداد المسيحي التي بلغـت أوجها عام 633 هـ /1236 م بشرق الأندلس. 44 تقاطر أعلام الأندلس فرارا نحو بجاية وتلمسان وحملوا i معهم مصنفات التصوف فادخل أبو الحسن عبيد الله النفزي الشاطبي 642 هـ /1224 م مختصره على حلية الأولياء لأبي النعيم وعمل على تلقينه للطلبة. وكذلك درس أبو الحسن علي بن احمد المعروف بابن السراج الإشبيلي ت 675 هـ /1277 م قوت القلوب لأبي طالب المكي والإرشاد لأبي المعالي وبسط مضامينهما للطلبة 45 فضلا على تلقين أبي العباس احمد بن احمد المالقي ت 660 هـ / 1261 م للطلبة كتاب الإرشادات والتنبيهات لابن سينا هذا الكتاب الذي يتضمن فلسفة التصوف الإشرافي اصبح له قراء ببجاية.

 

ناهيك عن تلقين أبي العباس أحمـد بن عجـلان القيسي ت 675 هـ /1277 م لجمهور العامة طرق ومناهج الصوفية والصالحين 46 وتدريس أبي عبد الله محمد بن صالح الكناني الشاطبي ت 699 هـ /1300 م لعدد من المصنفات المشرقية والمغربية مثل كتاب (فضل قيام الليل) و(فضل تلاوة القران) للإمام بكر الأجري 47 واقتصار أبي جعفر احمد بن محمد المكتب في القرن 7 هـ على تدريس قوت القلوب 48 وإلى جانب هذا الدور قاموا بإدخال إنتاجهم الصوفي إلى بجاية وتلمسان ونجحوا في تشكيل اتجاهات صوفية لم تكن معروفة بالمرة في المغرب الأوسط فبالنسبة للصوفي محي الدين بن عربي ت 638 هـ / 1240 م الذي يصمم بعض الباحثين إدراج مؤلفاته ضمن قائمة المصنفات التي أدت دورا بارزا في نشاة اتجاه وحدة الوجود في المغرب الأوسط من منطلق تأليفه لكتاب (مواقع النجوم) بالمرية قبل دخوله بجاية 49 ومن زاوية تعليق فقيه بجاية أبو العباس احمد الغبريني عليها في قوله : (وفيها ما فيها فان قيظ الله من يسامح ويسهل ويتأول الخير سهل المرام ويسلك فيه سبيل الأفاضل الكرام. وان كان ممن ينظر بحسب الظاهر ولا يسامح في نظر ناظر فالأمر صعب والمرتقى وعر).50

 

أما تلمسان فنزل بها الزاهد أبو عبد الله بن عبد الرحمان التجيبي ت 610 هـ /1214 م منذ عام 574 هـ /1188 م وأثرى الأدب الصوفي بمؤلفات أبرزها كتاب (الأربعين في الفقر وفضله) وكتاب (الحب لله).

 

كان يدرسها على الطلبة والمريدين وفي مضمونها دعوات إلى ترغيب النفوس في ترك الدنيا وحب الله والإقبال على التصوف لما فيه من فضائل ومزايا مستعملا في تبليغ هذه الأهداف الروحية أسلوب الوعظ والتذكير على طريقة شيخه الزاهد عبد الحق الإشبيلي ت 581 هـ / 1185 م 51 كما أنتج أبو العيش محمد بن أبي زيد عبد الرحيم الخزرجي في نفس السياق أشعارا دعى فيها إلى القول بوحدة الوجود. 52 ووضع في نفس المضمار كتاب (شرح أسماء الله الحسنى) 53 وكذلك دعى عبد الرحمان الفازازي القرطبي أوائل القرن السابع الهجري في أشعاره الزهدية إلى ضرورة التشدد إزاء أهل البدع.54

 

وهناك من الصوفية من اضطرهم طبيعة المناخ الفكري السائد في الأندلس إلى مغادرتها نحو تلمسان ومن هؤلاء أبو إسحاق بن دهاق المعروف بابن المرأة ت 610 هـ / 1214 م مؤلف كتاب (شرح أسماء الله الحسنى) وشرح كتاب (محاسن المجالس) لأبي العباس بن العريف ت 536 هـ /1141 م. 55 وصاحب الصوفي أبو عبد الله الشوذي الحلوي ت أوائل القرن 7 هـ /13 م وكلاهما على الطريقة الشوذية في الوحدة المطلقة. 56 بالإضافة إلى أبي علي بن أحمد الحرالي ت 638 هـ /1239 م الذي دخل بجاية ومكث فيها زمنا غير معلوم 57 وألف خلالها عدة مصنفات (شمس مطالع القلوب وبدر طوالع الغيوب) وكتاب (صلاح العمل لانتظار الأجل) 58 وأذكار لحزبه كان يتلوه عقب صلاة الصبح وأشعار صوفية تجلي اتجاهه على طريقة السهروردي الإشرافية 59 وكذلك أدى وجود الصوفيين أبو محمد عبد الحق المعروف بابن سبعين ت 669 هـ / 1270 م وتلميذه أبو الحسن علي الششتري ت 668 هـ /1269 م في بجاية منذ سنة 624 هـ /1227 م إلى انتشار مؤلفاتهما وتواشيحهما وأشعارهما في الوحدة المطلقة بين نخبة من طلبة بجاية. 60 ومن أشهر مؤلفات ابن السبعين (بدء العارف) و(عقيدة المحقق المقرب الكاشف وطريق السالك المتبتل العاكف) وكتاب (لمحة الحروف) وكتاب (كنز المغرمين في الحروف والأوقاف) ورسائل عبارة عن نصائح صوفية، أما الششتري فقد ألف (المقاليد الوجودية والرسائل القدسية في توحيد العامة والخاصة) و(المراتب الأسمائية) و(ديوان شعر).61

 

وبعد هذا العرض لمصادر الأدب الصوفي بالمغرب الأوسط خلال القرنين السادس والسابع الهجريين /12 و13 الميلاديين يتضح أن كل محاولة لفهم نصوص الأدب الصوفي المنظوم والنثري بدون العودة إلى هذه المصادر هي محاولة يائسة لا يمكنها أن تؤدي إلى الوقوف على خصوصيات أدب التصوف بالمغرب الأوسط في العصر الوسيط. بل أن كل الأدب الصوفي الذي أنجز بعد نهاية القرن السابع الهجري /13 م حتى نهاية القرن التاسع الهجري /15 م استقى كل خصائصه وأفكاره من هذه المرحلة المتطورة من عمر أدب التصوف بالمغرب الأوسط.

 

أنواع الأدب الصوفي :

الرسائل الحجازية والأمداح النبوية وتعتبر من ذيول السيرة النبوية وهي البذور الأولى للشعر الديني كما أنها وثيقة الصلة بالزهد والتصوف بل أن بعض الباحثين اعتبروها من فنون الشعر التي أذاعها التصوف.

 

وكذلك الأحزاب والحكم والأوراد والحكاية الكرامية وشعر التوسلات والابتهالات والرسائل الإخوانية وشعر الزهد وشعر التصوف السني وشعر التصوف الفلسفي الذي تلون كثيرا بالفلسفة وحافظ على صورته الجمالية فضلا على أن القائلين به لم ينظموه على سبيل الصناعة الشعرية وإنما على سبيل الممارسة والاطلاع والشهود.

 

الهوامش:

1- حول مفهوم واسع للأدب الصوفي انظر، نور الهدى الشريف الكتاني : الأدب الصوفي في المغرب والأندلس في عصر الموحدين، أطروحة دكتوراه، جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، شعبة اللغة العربية وآدابها 2000/2001، ص 19 وما بعدها.

2- حول هذا الموضوع انظر، بونابي الطاهر: الحركة الصوفية في المغرب الأوسط خلال القرنين السادس والسابع الهجريين / 12 و13 الميلاديين، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، قسم التاريخ 1999-2000، ص 20 وما بعدها.

3- أبو عبيد الله البكري : المغرب في ذكر بلاد إفريقية، نشر مكتبة المثنى، بغداد، د.ت، ص68 ؛ أبو زيد عبد الرحمان الدباغ : معالم الإيمان في معرفة آهل القيروان، ج2، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور ومحمد منصور، مكتبة الخانجي، القاهرة 1972، ص 281 ؛ محمد بن محمد بن مخلوف : شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، ط 1، دار الكتاب العربي، لبنان 1349 هـ، ص 72

4- ابن مخلوف : المصدر نفسه، ص 72

5- سليمان بن عبد الله الباروني : الأزهار الرياضة في أئمة وملوك الإباضية، القسم الأول مطبعة الأزهار البارونية، د.ت، ص 72

6- الدباغ : معالم الإيمان، ج 2، ص 283 ومابعدها ؛ الباروني : المصدر السابق، ص 72

7- أبو القاسم خلف بن بشكوال : كتاب الصلة، القسم الأول الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966، ص 84

8- عبد الرحمان الثعالبي : كتاب الجامع، مخطوط زاوية طولقة، ورقة 59 ؛ أبو القاسم الحفناوي : تعريف الخلف برجال السلف، ج2، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر 1991، ص 429 – 430.

9- الهادي روجي إدريس : الدولة الصنهاجية، ج2، ترجمة حمادي الساحلي، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1992، ص 337

10- أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي : ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة اعلام مذهب مالك تحقيق احمد بكير محمود، ج2، منشورات دار الحياة ودار مكتبة الفكر بيروت 1967، ص 337 ؛ الهادي روجي إدريس : المرجع السابق، ج2، ص 336.

11- أبو عبد الله بن محمد المالكي : رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهادهم ونساكهم وسير من اخبارهم وفضائلهم، ج2، تحقيق البشير البكوش، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1401 هـ /1981 م، ص 182 وما بعدها.

12- عياض : المدارك، ج4، ص 628.

13- المالكي : المصدر السابق، ج2، ص 182 وما بعدها.

14- عياض : المدارك، ج4، ص 690 ؛ ابن صعد الأندلسي : روضة النسرين في التعريف بالأشياخ الأربعة المتأخرين، مخطوط المكتبة الوطنية الجزائر، رقم 2596، ورقة 342.

15- عياض : المدارك، ج4، ص 533.

16- من اشهر مناظراته تلك التي تبارى فيها مع الفقيه ابن الشقاق عياض : نفسه، ج4، ص ص 445 – 446.

17- نفسه، ج4، ص 710 ؛ برهان الدين بن فرحون : الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب، مطبعة السعادة، مصر 1329 هـ /1913، ص 345.

18- عياض : المدارك، ج3، ص 354 – 355.

19- عن نشاط صوفية المغربيين الأدنى والأقصى في المغرب الأوسط انظر. ابن الزيات التادلي : التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي تحقيق أدولف فور مطبوعات إفريقيا الشمالية، 1958 ص 78 – 79.

20- حول نشاط الصوفية الأندلسيين في بجاية وتلمسان، انظر، أبو العباس احمد الغبريني : عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء من المائة السابعة ببجاية، تحقيق رابح بونار، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1981، ص 145 وما بعدها ؛ وكذلك انظر، أبو زكريا يحيى بن خلدون : بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد، ج1، تقديم وتحقيق عبد الحميد حاجيات، المكتبة الوطنية، الجزائر 1981، ص 109 وما بعدها.

21- الرعاية : تحقيق عبد القادر احمد عطا، ط2، القاهرة 1970، ص 52 – 105 ؛ عبد الرحمان بن خلدون : شفاء السائل لتهذيب المسائل، نشر الأب أغناطيوس عبده، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، د.ت، ص 34 – 43.

22- ابن خلدون : نفسه، ص 34 وما بعدها.

23- أبو حامد الغزالي : إحياء علوم الدين، ج3، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت 1986، ص 82 – 83.

24- ابن الزيات : التشوف، ص 92 – 93.

25- نفسه، ص 158.

26- نفسه، ص 73.

27- احمد بن محمد ابن القاضي : جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام بمدينة فاس، طبعة حجرية 1891، ص 346.

28- حول طلبة ابن النحوي انظر، محمد بن عبد الملك بن الأبار : التكملة لكتاب الصلة، ج2، عزت العطار، مطبعة السعادة، مصر 1953، ص 676 – 677.

29- ابن الزيات : التشوف، ص 58 وما بعدها.

30- احمد بابا التمبكتي : نيل الابتهاج بتطريز الديباج، مطبعة السعادة، مصر 1329 هـ، ص 104.

31- الغبريني : المصدر السابق، ص 67.

32- يحي ابن خلدون : المصدر السابق، ج1، ص 114.

33- الغبريني : المصدر السابق، ص 215 ؛ يحيى ابن خلدون : المصدر السابق، ج1، ص 100 – 101.

34- احمد بن محمد المقري : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت 1988، ص 91 – 92 ؛ اشتهر أبو علي الصدفي بتدريسه لهذه المصنفات للطلبة خاصة كتاب آداب الصحبة ببطحاء بلنسية سنة 495 هـ، 1101م. عمر بن حمادي : الفقهاء في عصر المرابطين، شهادة التعمق في البحث كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ص 427.

35- الغبريني : المصدر السابق، ص 132.

36- ابن القنفذ القسنطيني : أنس الفقير وعز الحقير، نشر أودولف فور ومحمد الفاسي، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، الرباط 1956، ص 63.

37- حسب الباديسي، فإن أبا محمد صالح ألف كتاب تلقين المريد نقلا عن كتب صوفية. المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف، تحقيق سعيد أعراب، ط2، المطبعة الملكية ،1993، ص 102.

38- ابن القنفذ : المصدر السابق، ص 63.

39- عادل نويهض : معجم أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر، مؤسسة نويهض الثقافية للتاليف والترجمة، ط2، بيروت 1980، ص 36.

40- الغبريني : المصدر السابق، ص 120.

41- عنوان الدراية، ص 177.

42- ابن مخلوف : شجرة النور الزكية، ص 156.

43- العلوم الفاخرة في نظر أمور الآخرة، ج1، تحقيق محمد بن مصطفى بن خوجة، طبع احمد بن مراد التركي، د.ت، ص 6 – 7.

44- ابن خلدون : العبر، ج6، ص 359.

45- الغبريني :عنوان الدراية، ص 176 وما بعدها.

46- نفسه، ص 116 وما بعدها.

47- أبو عبد الله محمد العبدري : الرحلة، تحقيق محمد الفاسي، الرباط 1968، ص 28.

48- الغبريني : عنوان الدراية، ص 321.

49- المقري : نفح الطيب، ج2، ص ،176.

50- عنوان الدراية، ص 158 – 159.

51- ابن الأبار : المصدر السابق، ج2 /579 ؛ ابن مخلوف : شجرة النور الزكية، ص 173

52- يحيى ابن خلدون : بغية الرواد، ج1، ص 103 – 104.

53- عبد الله محمد بن مرزوق الخطيب : المجموع ،نسخة مصورة عن مخطوط الخزانة العامة، الرباط، رقم 20، ورقة 13.

54- التنبكتي : نيل الابتهاج، ص 163.

55- يحيى بن خلدون : المصدر السابق، ج1، ص 128.

56- ابن مخلوف : المصدر السابق، ص 173.

57- العبدري : المصدر السابق، ص 136 – 137.

58- حاجي خليفة : كشف الظنون، ج2، ص 1061 وما بعدها.

59- الغبريني : المصدر السابق، ص 157.

60- نفسه، ص 148.

61- المقري : نفح الطيب، ج2، ص 185 وما بعدها.

 

_____________________

*نقلًا عن موقع “منتديات ستار تايمز”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى