الاحتفاء بالأثر والآثار في التصوّف الإسلاميّ
خالد محمَّد عبده
المستخلَص:
يقارب البحث موضوع الأثر في الأدبيّات الصوفيّة، ويحاول إلقاء الضوء على استخدام مفردة الأثر ومشتقّاتها في التراث الصوفيّ، ويؤصّل لذلك من كتب الصوفيّة الأوائل، وبصورة خاصّة الحارث المحاسبيّ (ت 857\243)، ومَن خلفه من أعلام التصوّف كأبي نصر السرّاج (ت 988\378)، والقشيريّ (ت 1072\465)، وغيرهما. ثمّ يشير إلى تطوّر المفردة وارتباطها بالسياحة الصوفيّة، ويستشهد على ذلك بأبي سالم العيّاشيّ (ت 1679\1090) من صوفيّة المغرب؛ إذ ارتبطت أعماله بسياحاته في البلدان ومعاينته للآثار على مستوى الأماكن والمقامات والتراث المخطوط.
المقدّمة:
سرد الحارث المحاسبيّ (ت 243/857) رحلة بحثه المضني عن العلماء العاملين الذين يستعين بهم على النجاة، ووصف حاله وأحوالهم، بعدما أنعم الله عليه بلقائهم؛ وممّا قاله: ”فعظُمت مصيبتي لفقد الأولياء الأتقياء، وخشيتُ بغتة الموت أن يفجأني على اضطراب من عمري، لاختلاف الأمّة، فانكمشتُ في طلب عالِم لم أجد لي من معرفته بدًّا، ولم أُقَصِّر في الاحتِياط، ولا في النصح، فقيّض لي الرؤوف بعباده قومًا وجدت فيهم دلائل التقوى وأعلامَ الورع، وإيثارَ الآخرة على الدنيا […] يُحَبِّبُون اللهَ تعالى إلى العبيد بذكرهم أياديه وإحسانه.“1 فعل ذلك أكثر من صوفيّ مسترجعًا اللحظات الماضية من سجلّات الذاكرة الشخصيّة والجماعيّة، في عبارات موحية وألفاظ منتقاة للقصّ، توقفنا على تحقّق الشخصيّة الصوفيّة عن طريق تتبّعها للآثار رحلةً وهجرة ومجاورة. ومن هؤلاء الصوفيّة أبو سالم العيّاشيّ (ت 1090/1679) الرحّالة الصوفيّ الذي ظلّ مشروع كتابته لرحلة جامعة لمختلف الفوائد هدفًا يخامر فكره شطرًا من الزمان، بعد أن ارتحل أوّل رحلة مشرقيّة إلى الديار المقدّسة. تحاول هذه المقالة أن تقدّم مقاربةً لمفهوم الأثر في التراث الصوفيّ وارتباطه بالسياحة الصوفيّة، وتستشهد بنموذج من صوفيّة المغرب هو أبو سالم العيّاشيّ صاحب اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر، محاولةً الإجابة عن سؤال: ما هي الآثار التي احتفى بها الصوفيّ في رحلاته؟
الأثر في اللغة والقرآن الكريم
تدور مشتقّات الأثر على معانٍ ثلاثة هي: ”تقديم الشيء، وذكر الشيء، ورسم الشيء الباقي“؛ فيُقال: اِفعَلْ هذا آثِرًا، أي: اِفعَلْهُ مُؤْثِرًا له على غيره. ويُقال: أَثَرتَ الحديث: إذا ذكرتَه عن غيرك، وحديث مأثور. والأَثَر: ما بقي من رسم الشيء. وآثَرَه: أكرمه. وآثَرَ شيئًا على شيء: فضّله. والأَثَرَة والأُثْرة والاِسْتِئْثار: الانفراد بالشيء.2 ومن معاني الأثر في القرآن التفضيل وتقديم الشيء لأهمّيّته (الإيثار) كما في قوله تعالى: ﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ (النازعات، 38) وقوله: ﴿ويُؤْثِرون على أنفسهم ولو كان بهم خَصاصة﴾ (الحشر، 9)؛ ومعنى ما يبقى سُنّةً من الأعمال، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ (يس، 12)؛ وكذلك ما يُخلَّف من علامات مثل قوله تعالى: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ (طه، 96)؛ وكذلك بمعنى الاقتداء والاقتفاء، مثل قوله تعالى: ﴿قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ﴾ (طه، 84) وقوله تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾ (الزخرف، 22)؛ وكذلك بمعنى ”رسم الشيء الباقي“ كما في قوله تعالى: ﴿فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الروم، 50)؛ وكذلك بمعنى الدليل والبيّنة والإنسان ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (الأحقاف، 4).
الأثر والآثار عند الصوفيّة
استعمل الصوفيّة الأثر بمعنى العمل التعبّدي الذي ينبغي ألّا يُظهره المتعبّد حتّى لا يقع في الرياء، ويظهر ذلك بوضوح في نصائح المحاسبيّ للمريدين؛ إذ يقول: ”وأَخْفِ أَثَرَكَ ما استطعت.“3 كما استعمل المحاسبيّ الأثر وجمعه للأسباب التي تُتّخذ للقيام بالأعمال، وذلك في معرض كلامه عن السيّئات وما يتعلّق بها من أسباب؛ إذ يقول: ”وتُكتبُ الآثار في طلب تلك الأعمال [السيّئة] آثارَ طلبِ سيّئات، لأنّ الأَثَر في طلب السيّئة سيّئة.“4 كما استعمله أيضًا في سياق النصائح التي يسديها للمريد، فنَبَّهه على عدم الاطمئنان إلى الأعمال، وذلك من جملة قوله: ”وكن من وَعدِ الله على يقين، ومن آثارك في وجل.“5 كما نصح المحاسبيّ المريد بالاقتداء بالعارفين، وباتّهام النفس عند الزلل، فيقول: ”فاطلب آثار مَن زاده العلم خشية، والعملُ بصيرة، والعقل معرفة، فإنْ حَجَبَكَ عن مِنهاجهم فَقْدُ الأَدَب، فارجع بالذمّ على نفسك، ولن يخفى على أهل العلم صفة المخلِصين. واعلم أنّ في كلّ فكرة أدَبًا، وفي كلّ إشارة علمًا؛ وإنّما يميّز ذلك مَن فهم عن الله عزّ وجلّ مُرادَه، وجنى فوائد اليقين من خطابه.“6
يصف المحاسبيّ مجاهدة النفس في سياق حديثه عن حمل النفس على قطع أسباب معاصيها حتّى تتخلّى عمّا تبقّى لها من تلك الأسباب فيقول: ”فلمّا قطعَتْ بعض أسبابها واستبدلت بها أضدادها، من صاحبٍ مرشد بدلًا من الصاحب المُغوي، ومن تيقّظٍ وتذكُّر بعد سهو وغفلة […]، والنظرِ في العلم مِن آثار نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم، وآداب الصالحين بعده، بعد كثرة الخوض […]، اجتمعت أنوار ذلك في قلبه، واستنارت مواريث الطاعة في عقله، وأيّده الله تعالى بمعونته.“7
يشتدّ المحاسبيّ على نفسه في التوبيخ والتأنيب، ويوجّهها إلى العكوف على طَرْق باب التوبة والالتجاء إلى ربّها؛ وممّا يخاطبها به طالبًا أن يرى آثار رحمة ربّه قوله: ”فنادي [يا نفس] ربّك بصوت محزون من قلب محتدم مغموم، وأسبلي الدموع واستغيثي استغاثة المكروب، فقولي يا ربّ، هذا مقام المتضرّع المسكين، البائس الفقير، الهالك الغريق، فعجِّلْ إغاثتي وفَرَجي وأرني آثار رحمتك، وأذقني بَرد عفوك ومغفرتك […] فبَدِّلْ أحوالي واقلب همّتي وحوِّلْ لذّتي حتّى يصير ذلك في صدق معاملتك وحلاوة مناجاتك وراحة الثقة بك.“8
الإيثار
استعمل المحاسبيّ هذه الصيغة بمعنى التفضيل، كما في اللغة، وذلك لموضوعاتٍ منها النافع ومنها الضارّ: الإيثار النافع ومنه تفضيل ما أراد اللهُ تعالى على مراد النفس؛ يقول المحاسبيّ عن العبد المطيع: ”وقد آثر اللّه عزّ وجلّ على هوى نفسه.“9 وعن المحاسبيّ أيضًا تبادل التفضيل بين العبد وربّه أيضًا، ويشير المحاسبيّ إلى ذلك بقوله: ”واعلم أنّ من آثر الله آثره.“10 ويفضّل الحارث للمريد تقديم الغنيّ على الفقير، في الزيارة مثلًا، إذا تعلّق الأمر بالاستزادة من الدين أو العلم، وذلك في قوله: ”تستفيد منه [أي من الغنيّ] علمًا تنتفع به في دينك، فآثرته بالإتيان تريد اللهَ عزّ وجلّ بذلك، ولا تعتقد بذلك طلب دنياه، فهو أولى حينئذٍ أن تؤثره بالبرّ والإتيان، إلّا أن تعلم من الفقير تجوّعًا أو عُريًّا فتبدأ بمواساته حينئذ.“11
وللإيثار ثمرة عظيمة يوضحها المحاسبيّ في أثناء سؤال المريد شيخَه عن اجتماع المحبّة والخوف في قلب المحبّ لله سبحانه، فيصف له الشيخ ما يشعر به هذا المحبّ ويكابده، وممّا يقول عنه:
قد اتّخذه وكيلًا في جميع أحواله، راضيًا بفضله، شاكرًا لآلائه ونعمائه، موقنًا بعظمته وكبريائه، راضيًا غير مُختار، يتوقّع مواقع القدَر من الجبّار، قد أخرج من قلبه التَّملُّك والاختيار لنفسه، لموضع الثقة منه بربّه، وحسن الظنّ بسيّده، فأَلِف القلب محبّته، واشتاق إلى رؤيته، فألهمه علمًا من علمه، وعرّفه ما لم يكن يعرف، فعن الله سبحانه أخذَ علمه، وبأمر الله عزّ وجلّ أَدّبَ نفسه، حتّى طهرت له أخلاقه، وغابت مساويه، وظهرت محاسنه، لمّا آثر ربّه على محبّة نفسه، فتمّت عليه من الله النعمة في الدنيا والآخرة.12
ومن مظاهر الإيثار النافع أعمال الصحابة الكرام، ويوبّخ المحاسبيّ مَن يجمع المال مُدّعيًا أنّ بعض الصحابة كانوا أغنياء، ويبيّن الفارق بين أعمال الصحابة وأعمال غيرهم، ويتجلّى ذلك في كون الصحابة آثروا على أنفسهم كثيرًا، وممّا يخاطبه به قوله:
وتزعم أنّك جمعت المال فقد جمعَتْه الصحابة، كأنّك أشبهتَ السلف وفِعلَهم! ويحك، إنّ هذا من قياس إبليس، ومِن فُتياه لأوليائه؛ وفَضْل الصحابة بأموالٍ أرادوها للتعفّف والبذل في سبيل الله، فكسبوا حلالًا وأكلوا طيّبًا وأنفقوا قصدًا وقدّموا فضلًا ولم يمنعوا منها حقًّا ولم يبخلوا بها، لكنّهم جادوا واللهِ بأكثرها، وجاد بعضهم بجميعها، وفي الشدّة آثروا على أنفسهم كثيرًا؛ فبالله أكذلك أنت؟ والله إنّك لبعيد الشبَه بالقوم.13
أمّا الإيثار الضارّ فهو إيثار الدنيا على الآخرة، يقول الحارث مجيبًا عن سؤال المريد عن الغِرّة: ”إنّ الغرّة غِرّتان: غِرّة بالدنيا عن الآخرة، وغرّة بالله عزّ وجلّ وبالآخرة؛ فأمّا الغِرّة بالدنيا على الآخرة فإيثار الدنيا والاشتغال بها عن الآخرة.“14 ومنه إيثار اللذّة العابرة على العبادة، ويقول المحاسبيّ عن فاعل ذلك: ”فآثرَ إصابة لذّته على طاعة مولاه […] وكذلك لو قال له مولاه: إذا عملت كذا وكذا محكمًا تامًّا أعطيتك ألف دينار، وإن أفسدته لم أعطك شيئًا وضربتك ألف سوط؛ فتَرَك إحكامه للذّةٍ شغلته، وأفسده على عمد للذّةٍ آثرها لا ينالها إلّا بفساد ذلك العمل، فآثرها وهو يعلم أنّ العمل يفسد.“15
وفي سياق تأكيد المحاسبيّ لمريده أنّ الله تعالى هو المستحِقّ للثناء، وأنّ ركون العبد إلى مدائح الناس خسارة كبرى، يقول: ”ويحك! لقد عظُمتْ مصيبتُك إذا استبدلتَ بمدحة الملك الأعلى، ورضِيتَ بتزكية العبيد الأذِلّاء، وآثرتَ الرفعة في الدنيا على الدرجات العلى، وانحططتَ عن العُلُوِّ عند الله إلى السفلى.“16
الأثرة
يستعمل المحاسبيّ هذه الصيغة اللغويّة (الأَثَرَة أو الأُثْرة) في التعبير عن التفضيل، إمّا للنافع أو للضارّ. فتكون الأثرة نافعةً كما في جواب المحاسبيّ مريدَه عمّا ينبغي التفكّر فيه للتقرّب إلى الله عزّ وجلّ: ”الفكرة ضُروب، فضربٌ منها الإنابة إليه والفِكر في إنعامه […] ثمّ فكرة الموازنة بين الأعمال، فيوازن بين الشيئين، فينظر إلى أوزنهما؛ وفكرة في الأثرة لله على جميع أمره؛ وفكرة في التعظيم لله.“17 ويتحدّث عن الإيثار، فيقول: ”والناس في الأثرة على وجهين: فمُؤْثر بعد أخذ القوت والبُلغة. ومُؤُثر على نفسه وإن كان به خَصاصة، فهذا الذي سلا عن الدنيا وبانَ عن أهلها.“18 وتكون الأثرة ضارّةً إذا كانت بمعنى حبّ الدنيا وتفضيلها، كما في حديث الحارث عن الرياء يقول: ”إنّ العبد لم يزل منذ هو ناشئ إلى أن يبلغ أشدّه طالبًا للدنيا والأثرة لها في أعمال الرياء المحض.“19
المؤثِر
استعمل المحاسبيّ اسم الفاعل من الإيثار في معنى تفضيل محبّة الله سبحانه على النفس، بقوله: ”فهذا المُراقِبُ لربّه والمُؤثِر لمحبّته على محبّة نفسه.“20 وفي سياق حضّ الشيخ مريدَه على الإعراض عن جمع المال والتهالك على الدنيا، يوبّخه لادّعائه الاقتداء ببعض الأغنياء من السلف دون أن يصل إلى درجاتهم من التقوى؛ وممّا يقوله موبِّخًا له وساخرًا منه:
ويحك، تَدَبّر ما سمعت؛ وبعد، فإن زعمت أنّك في مثل خِيَار السلف قَنِعٌ بالقوت، زاهد في الحلال، بَذُولٌ لمالك، مُؤْثِرٌ على نفسك، لا تخشى الفقر، ولا تدّخر لغد، مبغِض للتكاثر والغنى، راض بالفقر والبلاء؛ قد حاسبت نفسك في الدنيا، وأحسمت أمورك كلّها على ما وافق رضوان الله عزّ وجل، لن تُوقَف للمساءلة، ولا يُحاسَب مثلُك من المتّقين، وإنّما تجمع المال الحلال للبذل في سبيل الله.21
يتحدّث المحاسبيّ عن بحثه المضني عمّن يأخذ بيده إلى برّ النجاة، قبل أن يعثر على بغيته، فيقول:
فطلبتُ معرفة الفرائض والسنن عند العلماء في الآثار، فرأيت اجتماعًا واختلافًا، ووجدت جميعهم مجتمعين على أنّ علم الفرائض والسنن عند العلماء بالله وأمره، الفقهاء عن الله، العاملين برضوانه، الورعين عن محارمه، المُتأَسِّين برسوله عليه الصلاة والسلام، والمُؤْثِرين الآخرة على الدنيا، أولئك المتمسّكون بأمر الله وسنن المرسلين؛ فالتمستُ من بين الأمّة هذا الصنف المجتمَع عليهم والموصوفين بآثارهم، واقتبست من علمهم، فرأيتهم أقلّ من القليل.22
تطوّر مفهوم الأثر
تحوّل مفهوم الأثر في مرحلة لاحقة – كغيره من الألفاظ والمصطلحات الصوفيّة – إلى مفهوم غامض أو مشكل يحتاج إلى بيان. فأدرجه السرّاج الطوسيّ (ت 378/988) وغيره من أعلام التصوّف ضمن باب البيان عن المشكلات، فالأثر عنده علامة لباقي شيء قد زال، ومن مُنع من النظر استأنس بالأثر، ومن فقد الأثر وعدِمه فعليه بالذكر. ويستشهد الطوسيّ في هذا السياق بقول القائل:
ويُتبعه ببيت من الشعر نال حظًّا وفيرًا في الذيوع والانتشار حتّى وقتنا الراهن، فكثيرًا ما خُتمت به نسخ المخطوطات الإسلاميّة، والصوفيّة منها بشكل خاصّ، كما هو وارد في أعمال شمس الدين أبي ثابت محمّد بن عبد الملك الديلميّ (ت 589/1193)، ويُنقش البيت على جدران بعض الزوايا الصوفيّة في المغرب، وهو:
وممّا يتصل بمفهوم الأثر والآثار الرسمُ والمحو والطمس والمحق؛ أمّا الرسم فهو ما رُسم به ظاهر الخلق برسم العلم والخلق، ويُمحى هذا الأثر بإظهار سلطان الحقّ عليه.24 ويُروى عن الجنيد (ت 297/910) أنّه سُئل عن رجل غاب اسمه وذهب وصفه وامتحت رسومه فلا رسم له، فقال: نعم، عند مشاهدته قيام الحقّ له بنفسه لنفسه في ملكه، فيكون ذلك معنى قوله ”امتحى رسومه،“25 أي علمه وفعله المضاف إليه بنظره إلى قيام اللّه له في قيامه؛26 والمحو ذهاب الشيء حتّى لا يبقى له أثر؛ والطمس ذهاب الشيء مع بقاء أثره، والمحق أتمّ من المحو27 ومن دخل عندهم في حال الاشتياق هام فيه حتّى لا يُرى له أثر ولا قرار28 فالأسرار معتقة رقّ الأغيار من الآثار والأطلال، ومن هنا قال ابن خفيف الشيرازيّ (ت 371/981): ”إنّ الآثار لا يجوز عليها البقاء“29 فمن شاهد جريان القدرة في تصاريف الأحكام فني عن حسبان الحدثان من الخلق، فإذا فني عن توهّم الآثار من الأغيار بقي بصفات الحقّ.30
الإنسان هو الأثر
جاءت نظرة المتصوّفة للأثر أوسع من اقتصارها على ما بقي من الرسم، من شواهد القبور أو الأطلال المهدّمة أو المزارات المقدّسة، فلم تقتصر عنايتهم بهذه الآثار وحدها، بل كان هناك أثر أجدر بالاهتمام والرعاية، ألا وهو الإنسان. فالإنسان نقطة الفلك لمدار الوجود وثمرة شجرة الكون ونواتها المغروسة في الأرض، ومَثَل الإنسان كمثل مدينة ”أُسّست وأُتقنت من أشياء مختلفة، ثمّ أُحكمت بجمعها المؤلّفة، فشُيّدت عمارتها، وحُصّن سورها، وخُطّت شوارعها، وقُسّمت محالّها، ورُتّبت منازلها، ومُلئت خزائنها، وسُكنت دورها، وسُلكت طرقها، وأُجريت أنهارها، وفُتحت أسواقها، واشتغلت صنّاعها، وقعّدت تجاربها، ودبّرَها ملِكُها، وخدَمَها أهلُها، وأطاعَها جندها.“31
فللإنسان المدينة كما صوّره ابن قضيب البان (ت 573/1177) تقسيم، بيوت وخزائن وصنّاع متعاونون على إحكام البناء، وُكِّل لحفظ مدينته حرّاس يحفظون أركانها. وللمدينة سكّان هم قبائل من الملائكة والجنّ، ولها أركان هي العناصر وأمّهات العالم الحسّيّ من نار وهواء وماء وأرض، ولها طبقات عشر تبدأ من الرأس محلّ المعاني الحكميّة والقوى الذاتيّة وتنتهي بالقدمين، ولها شوارع وطرقات. والقبائل الساكنة للمدينة الإنسانيّة هي النفوس الثلاث الشهوانيّة والغضبيّة والملكيّة، والأخيرة تنشأ عنها المعارف الإلهيّة. وللمدينة رئيس هو صورة نورانيّة – أقدم صورة في المدينة – وهو العقل وله كرامة في بَرّ الوجود وبحر الشهود، وله وزيران هما الفهم والنطق، وهما اليتيمان في المدينة وكنزهما من المعارف لا ينضب.32 والخلاصة الجامعة في هذا على حدّ وصف ابن عربيّ (ت 638/1240) أنّ الإنسان ”المخلوق على صورة الرحمن هو النسخة الكاملة والمدينة الفاضلة.“33
السياحة الصوفيّة طلبًا للأثر مكانًا وإنسانًا
استعرضنا في ما سبق حضور مفهوم الأثر والآثار في المدوّنة الصوفيّة بشكل موجز، ورأينا كيف مُنحت اللفظة معاني عديدة استند فيها الصوفيّة إلى الاشتقاق اللغويّ والشاهد الشعريّ، فلم تتوقّف اللفظة عند معنى ما تبقّى من المكان رسمًا أو طللًا، بل أضحت تُستخدم في صياغة اعتقاداتهم وأذواقهم عصرًا بعد عصر. وحافظ المريدون على التمثّل بما قاله أعلام الصوفيّة عن الأثر والآثار، فنقشوا على جدرانهم عبارات تدلّ على إيمانهم بروحانيّة المكان، ونسخوا من آثار المؤلّفين الصوفيّة العديد من النسخ ليتوارث الأتباع حكمة من سبقوا ويعملوا بها، فإذا غاب الأشخاص استأنسوا بآثارهم، وارتاحوا إلى مواطنهم، ورغبوا في الدرس على مواطئ أقدامهم ولو بعد زمن، ولو قطعوا في سبيل ذلك الأرض طولًا وعرضًا. فالسياحة والسفر تكسبان المريد علمًا وذوقًا، لذا وجدنا في مصنّفاتهم بابًا معقودًا للحديث عن السفر وفوائد رجاله، يحضّون فيه على الرحلة، ومن ذلك ما رُوي عن ذي النون المصريّ (ت 245/860): ”سافرتُ سفرةً فجئتُ بعلمٍ يعرفه الخاصّ والعامّ، ثمّ سافرتُ ثانيةً فجئت بعلمٍ يعرفه الخاصّ وينكره العامّ، ثمّ سافرت الثالثة فجئتُ بعلم ينكره العامّ والخاصّ، وصرتُ به وحيدًا فريدًا شريدًا طريدًا.“34 فمريد الحقّ ومحبّ الطريق ليس يهدأ من السياحة والطلب، ويجسّد حاله قول ابن مرحوم الصوفيّ حينما سُئل ”فيمَ لذّتك؟ قال: في سياحة البلاد وطيّ البوادي وحضور النادي ومنافرة الأضداد.“35 ولعلّ ذلك ما جعل الكلاباذيّ (ت 390/990) يصف الصوفيّة بأنّهم ”قوم قد تركوا الدنيا فخرجوا عن الأوطان وهجروا الأخدان وساحوا في البلاد وأجاعوا الأكباد.“36 ويستنبط ابن عجيبة من قصّة موسى والعبد الصالح ما يفيد بأنّ ”السياحة في أقطار الأرض مطلوبة عند الصوفيّة في بداية المريد، وفيها فوائد، منها زيارة الإخوان، والمذاكرة معهم، وهي ركن في الطريق، ومنها نفع عباد الله، إن كان أهلًا لتذكيرهم، ومنها تأسيس باطنه وتشحيذ معرفته، ففي كلّ يوم يلقى تجلّيًا جديدًا، وتلوينًا غريبًا، يحتاج معه إلى معرفة كبيرة وصبر جديد، فالمريد كالماء، إذا طال مُكثه في مكانه أنتنَ وتغيَّر، وإذا جرى عذب وصفا.“37
رحلة صوفيّ باحث عن الآثار
يقول أبو سالم عبد الله بن محمّد بن أبي بكر بن يوسف العيّاشيّ:
الحمد لله الذي قرن ممدوح السفر بممدوح الظفر وحثّ عليه في طلب السعادة، فقال تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ﴾ (التوبة، 122)، فيا سعادة من نفر إلى الله مع ذلك النفر ولم يملّ السُّرى، في الليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر، فذنب المجاهل والموامئ عنده دائمًا مغتفر، وأرواح المعاطن إذا أثيرت الركائب أطيب لديه من المسك الأذفر، لا يصدّه عن طيبة نضارة العيش الأخضر، ولا ازورار المحبوب الأصفر، ولا يفلّ حدّ عزمه اعتراض العدوّ الأزرق، ولو كان من بني الأصفر، فالموت الأحمر دون مرماه أشهى من الثريد الأعفر.38
وينتمي العيّاشيّ إلى أسرة تربّت في ربوع الزوايا الصوفيّة وكان لها دور كبير في إشعاعها العلميّ؛ إذ أسّس والده محمّد بن أبي بكر العيّاشي إحدى زوايا الأطلس الشرقيّ التي عُرفت فيما بعد بالزاوية العيّاشية أو زاوية سيدي حمزة جنوب مدينة ميدلت، والعيّاشيّ نسبة إلى قبيلة آيت عَيَّاش من برابر صنهاجة،39 وقد تركت عائلته بصمتها في تاريخ المنطقة بزاويتها وعلمائها على امتداد قرن وبتوفير الأمن والغذاء ونشر العلم والتوعية الدينيّة.40
طلب العيّاشيّ آثار مَن زاده العلمُ خشية، والعملُ بصيرة، والعقلُ معرفة، فقد آمن بأنّ في كلّ فكرة أدبًا، وفي كلّ إشارة علمًا وعن طريق رحلاته العلميّة شرقًا وغربًا حقّق الله له مراده، واتّصل بالعلماء الأكابر، وسجّل فوائدهم وعلومهم، فكتب بواجب الإحساس والإحسان ليضعنا أمام سلوك رجل حسنت مشاركته، وشيخ تميّز ذوقه الصوفيّ وحسّه الإنسانيّ، رجل سخّر قلمه السيّال للارتقاء بالتراث الإسلاميّ المكتوب تأليفًا وانتساخًا وحيازة، ووعى دور الزاوية الصوفيّة مركزًا للتنوير والتوعية، ومكانًا لتربية القلوب على محاسن الأخلاق، فنقل أهدافها من بساطة المعقل الدينيّ للوعظ إلى فضائل الموئل العلميّ والمدرسة التربويّة41 فاستحقّ ما وصف به بأنّه ”أحد من أحيا اللهُ بهم طريق الرواية بعد أن كانت شمسها على أطراف النخيل، وجدّد في فنون الأثر كلّ رسم محيل.“
قام العيّاشيّ برحلاتٍ ثلاث جاب فيها العالم الإسلاميّ، وقد أسهمت رحلاته في تكوينه العلميّ والروحيّ، فمكّنته من الاتّصال بأقطاب التصوّف في القرن الحادي عشر الهجريّ، ومن أبرز من اتّصل بهم نقيب الوفائيّة بمصر، أبو اللطف الوفائيّ، الذي قال عنه: ”ألبسني الخرقة وكنّاني بأبي سالم وقال لي: سالم إن شاء الله في الدنيا والآخرة.“42 وفي مكّة أخذ عن محمّد باعلوي الحضرميّ اليمنيّ ووقف على أسانيده العالية في لبس الخرقة، والتي تنتهي إلى سيدي أبي مدين الغوث، كما أخذ عن عبد الرحمن المكناسيّ، والشيخ صفيّ الدين القشاشيّ. وفي بيت المقدس أخذ عن عمر العلميّ. وشيوخ أبي سالم في علوم الشريعة والحقيقة كثيرون، منهم من استوعبه في رحلته ومعجمه، ومنهم من أشار إليه من ترجموا له. فقد كان حريصًا على الاتّصال بشيوخ العلم والتصوّف، فلم يكن ليتوانى عن لقاء كلّ من سمع بعلمه وتقواه. ولعلّ أكثر الشيوخ تأثيرًا في شخصيّته، وأعظمهم حبًّا إلى نفسه والده محمّد بن أبي بكر العيّاشيّ وعبد القادر الفاسيّ وعيسى الثعالبيّ وإبراهيم الكورانيّ، وقد بلغ عدد شيوخه أزيد من خمسة وستيّن شيخًا، أجازه أغلبهم. والعيّاشيّ في هذا التلقّي لم يكن مجرّد ملقَّن، بل كان مجادلًا ومشاركًا على نحو ما نلمسه في علاقته بإبراهيم بن حسن الكورانيّ كما يظهر في مؤلّف العيّاشيّ الحكم بالعدل والإنصاف الرافع للخلاف فيما وقع بين بعض فقهاء سجلماسة من الاختلاف.43
وقد أكسبت الرحلات أبا سالم العيّاشيّ ذوقًا صوفيًّا عاليًا بدا في ملاحظاته العلميّة ومعالجاته للمسائل الاجتماعيّة وأشعاره التي خصّصها لمدح المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. وقد حرص العيّاشيّ في رحلاته على زيارة مقامات الأولياء والتعرّف إلى آثارهم والوقوف عند الزوايا والربط والخانقاوات، وكان مشغولًا بإيراد أخبار الزهّاد والعبّاد وذكر كراماتهم والتعريف بمكانتهم الروحيّة والاجتماعيّة، متمثّلًا أخلاق بيئته الصوفيّة التي درج أهلها على محبّة الصالحين.44 ووقف طويلًا أمام مقام النبيّ في المدينة ورأى أنّه من آل بيته الكرام، فمن زار مقام المصطفى لا يكون ضيفًا بل هو في وطنه بصحبة آل بيته، يقول: ”نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممّن كانت المدينة وطنه حسًّا ومعنى، ونال من جميع الآفات الدينيّة والدنيويّة سلامةً وأمنًا آمين.“45 ويقول: ”يا رسول الله إنّ هؤلاء إخواننا نسبًا ودينًا، وقد علم الله ما بيننا وبينهم من الألفة والمودّة، وما حملنا على فراقهم طلب دنيا ولا جاه بل حبّ مجاورتك، ولا طافت أنفسهم بتخلّفنا عنهم أيضًا إلّا لإجلال قدرك، فهم في كفالتك يا رسول الله حتّى يصلوا إلى أهليهم سالمين غانمين.“46
كان من حسن حظّ العيّاشيّ أنّ أعماله قد لفتت أنظار كثير من العلماء والصوفيّة في عصره، فكتب عنه محمّد بن حمزة الثغر الباسم في جملة من كلام أبي سالم، وعبد الله بن عمر بن عبد الكريم الإحياء والانتعاش في تراجم سادات زاوية أعياش، كما كتب عنه الباحثون المعاصرون، وآخر ما صدر احتفاءً بأعماله كتاب الزهر الباسم في الاحتفاء بأبي سالم، وهو مجموع أبحاث عن ”العلّامة الأديب أبي سالم العيّاشيّ بمناسبة مرور أربعة قرون على ولادته (1037هـ/ 1627م)“ تناولت بأربعة فصول عصره وشخصيّته، والخطاب الصوفيّ، والخطاب الأدبيّ، والخطابينِ اللغويّ والنقديّ في كتاباته. إلّا أنّه من الواجب علينا التنبيه إلى جهود الأستاذة نفيسة الذهبيّ التي ظلّت وفيّة للعمل على إظهار آثار العيّاشيّ والكتابة عنها بعلميّة فحقّقت اقتفاء الأثر وتنبيه ذوي الهمم العالية وفي كتابها الأخير تجلّيات من دفاتر التاريخ جمعت كلّ ما كتبته في الأعوام الماضية عن العيّاشيّ وزاويته الصوفيّة العلميّة في الفصل الأوّل من الكتاب تحت عنوان ”إشراقات من الحركة الصوفيّة“ في مائة صفحة. هذا وقد شاركها اهتمامها العلميّ بالعيّاشيّ وآثاره الأستاذ محمّد بنصر العلويّ الذي أنجز أطروحته الجامعيّة ”أبو سالم العيّاشيّ شاعرًا في فاس“ عام 1998، والأستاذ محمّد الزاهيّ الذي حقّق للعيّاشي إتحاف الأخلّاء بإجازات المشايخ الأجلّاء عام 1999.
اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر
وصف عبد الحيّ الكتّانيّ كتاب العيّاشيّ اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر بأنّه ”ثبت حلو السياق، جيّد الأسانيد، نفيس الاختبار، لا ألطف منه في إثبات المغاربة بعد فهرس ابن غازي.“ وقال عنه أبو عبد الله محمّد المكّيّ في الروض الزاهر: ”من أراد أن يعرف قدر مبلغ أبي سالم في العلم فليطّلع على كتابه اقتفاء الأثر والرحلة يجد بحرًا لا ساحل له.“47 وقد تتبّع العيّاشيّ في كتابه أسانيد شيوخه في كلّ العلوم التي حصّلها والكتب التي تلقّاها عنهم بتسلسل متّصل بقصد توثيق أصوله العلميّة، لذا أتى اقتفاء الأثر برنامجًا وثبتًا ومعجمًا موثِّقًا لطرائق انتقال العلوم الإسلاميّة وكاشفًا عن الحياة الفكريّة والأحوال الاجتماعيّة وحافظًا لما فُقد من آثار وأخبار عن العلماء المسلمين في المشرق والمغرب، فقد جاء على أثرهم متعلّلًا بالوقوف على رسمٍ قد درس، مريدًا الاقتفاء بسبيل العلماء والاقتداء بدليلهم.
ألّف العيّاشيّ كتابه بناء على طلب أحد أقرانه ومعاصريه أن يُجيزه بما صحّ له تحمّله من رواية وسماع وقراءة وإجازة ومناولة ووجادة ومصافحة ومُشابكة ولُبسة ومسلسلات بأنواع طرقها في سائر العلوم من حديث وفقه وأدب وتفسير وتصوّف وفروع وأصول، وسائر العلوم الإسلاميّة والأحوال العرفانيّة.48
وخصّص العيّاشيّ في كتابه قسمًا أوّلًا لتراجم الشيوخ، وقسمًا ثانيًا للمرويّات بأسانيدها الموصولة من طرق مغربيّة أو مشرقيّة. وقد رتّب شيوخه مبتدئًا بوالده، ثمّ قدّم بقيّة الشيوخ حسب مكان الالتقاء بهم، وبذلك ترجم لشيوخه المغاربة، ثمّ الشيوخ الذين أخذ عنهم بمصر، وبعدهم شيوخه بالحرمين الشريفين، وقسّم حديثه عن هؤلاء الشيوخ على أساس درجة الانتفاع بهم، وملازمته لكلّ واحد منهم في الدرس والرواية أو في التربية والتبرّك الصوفيّ، وعلى هذا الأساس صنّفهم فئتين، فئة مثّلت الشيوخ والأساتذة، وفئة ثانية ممّن تبرّك بهم وانتسب إليهم. أمّا القسم الثاني من اقتفاء الأثر فقد خصّصه للمقروءات والمرويّات بأسانيدها المتّصلة، وختم بذكر بعض الإنشادات لإعطاء المادّة الأدبيّة نصيبًا، ثمّ ذكر سلسلة الفقه المالكيّ، موصولة بأسانيد مغربيّة. ثمّ ختم بسياق كتاب النادريّات من الأحاديث العشاريّات للسيوطيّ (ت 911/1505).49
كتب أبو سالم بعد ما سمع ورأى واتّسع له المجال ”للقاء الرجال ومذاكرة الإخوان في كلّ أوان ومحاضرة الأدباء“ فسجّل فوائده بروح العالم المشارك، وكان في أجوبته معلنًا رأيه في صراحة إزاء ما يواجه المجتمع من مشكلات، ولم يتخلّ عن واجبات العالم في مواجهة الأوهام والجهل وسوء الفهم، محافظًا على روابط الصلات بين أبناء المجتمع الإسلاميّ.
المراجع:
الحارث المحاسبيّ، الوصايا، تحقيق عبد القادر أحمد عطا (بيروت: دار الكتب العلميّة، 1986)، 62–63.
ابن فارس، مقاييس اللغة (بيروت: دار الكتب العلميّة، 2000)، 1: 53.
الحارث المحاسبيّ، رسالة المسترشدين، تحقيق عبد الفتّاح أبو غدّة (القاهرة: دار السلام، 1988)، 151.
الحارث المحاسبيّ، كتاب الخلوة، تحقيق إغناطيوس عبده خليفة (بيروت: المطبعة الكاثوليكيّة، 1954)، 468.
الحارث المحاسبيّ، رسالة المسترشدين، 132.
المصدر نفسه، 101–102.
الحارث المحاسبيّ، الوصايا، 337–338.
الحارث المحاسبيّ، معاتبة النفس، تحقيق محمّد عبد القادر عطا (القاهرة: دار الاعتصام، 1986)، 60.
الحارث المحاسبيّ، الرعاية، تحقيق مارغريت سميث (بيروت: دار الورّاق، 2014)، 283.
الحارث المحاسبيّ، رسالة المسترشدين، 88.
الحارث المحاسبيّ، الرعاية، 277.
الحارث المحاسبيّ، الوصايا، 310.
المصدر نفسه، 80.
الحارث المحاسبيّ، الرعاية، 389.
المصدر نفسه، 399–400.
الحارث المحاسبيّ، الوصايا، 182.
الحارث المحاسبيّ، المسائل، تحقيق محمّد عبد القادر عطا (القاهرة: عالم الكتب، 1969)، 48.
الحارث المحاسبيّ، شرح المعرفة وبذل النصيحة، تحقيق صالح أحمد الشامي (دمشق: دار القلم؛ بيروت: الدار الشاميّة، 1993)، 81.
الحارث المحاسبيّ، الخلوة، 51.
الحارث المحاسبيّ، المسائل، 129.
الحارث المحاسبيّ، الوصايا، 90.
المصدر نفسه، 62.
أبو نصر السرّاج، اللمع في التصوّف، تحقيق عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور (مصر: دار الكتب الحديثة، 1960)، 432.
المصدر نفسه، 427.
Abū l-Ḥasan al-Sīrjānī, Sufism, Black and White: A Critical Edition of Kitāb al-Bayāḍ wa-l-Sawād, ed. Bilal Orfali and Nada Saab (Leiden, Boston: Brill, 2012), 57.
سعاد الحكيم، تاج العارفين الجنيد البغداديّ: الأعمال الكاملة (القاهرة: دار الشروق، 2007)، 124.
الخركوشيّ، تهذيب الأسرار، تحقيق بسّام محمّد بارود (أبوظبي: المجمع الثقافيّ، 1999)، 437، 463.
أبو القاسم القشيريّ، الرسالة القشيريّة، تحقيق عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف (القاهرة: مؤسّسة دار الشعب، 1989)، 523.
المصدر نفسه، 170.
المصدر نفسه، 149.
عبد الرحمن بدوي، الإنسان الكامل في الإسلام (الكويت: وكالة المطبوعات، 1976)، 141.
المصدر نفسه، 142–143.
ابن عربيّ، الفتوحات المكّيّة، تحقيق عثمان يحيى (القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1992)، 4: 298.
Al-Sīrjānī, Sufism, Black and White, 245–246.
المصدر نفسه، 247.
الكلاباذيّ، التعرّف لمذهب أهل التصوّف (بيروت: المكتبة العلميّة، 1980)، 21.
ابن عجيبة الحسنيّ، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، تحقيق أحمد عبد الله القرشيّ (القاهرة: طبع على نفقة حسن عبّاس زكي، 1419هـ)، 3: 309.
أبو سالم العيّاشيّ، الرحلة العيّاشيّة، تحقيق سعيد الفاضليّ وسليمان القرشيّ (أبو ظبي: دار السويديّ للنشر والتوزيع، 2006)، 49.
السلاويّ، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق جعفر الناصري ومحمّد الناصري (الدار البيضاء: دار الكتاب، د.ت.)، 3: 37.
أبو سالم العيّاشيّ، إتحاف الأخلّاء بإجازات المشايخ الأجلّاء، تحقيق محمّد الزاهي (بيروت: دار الغرب الإسلاميّ، 1999)، 11.
نفيسة الذهبي، رسالة أبي سالم العيّاشيّ الصوفيّ المستنير تنبيه ذوي الهمم العالية على الزهد في الدنيا الفانية (الرباط: الجمعيّة المغربيّة للبحث التاريخيّ، 2016)، 263–277.
أبو سالم العيّاشيّ، اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر، تحقيق نفيسة الذهبي (الدار البيضاء: منشورات كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة، 1996)، 156.
عبد الله بنصر العلويّ، أبو سالم العيّاشيّ المتصوّف الأديب (المملكة المغربيّة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة، 1998)، 100.
نفيسة الذهبيّ، ”من ملامح التصوّف المغربيّ في القرن 11هـ/17م الخلق الصوفيّ عند أبي سالم العيّاشيّ،“ المناهل 38 (1989)، 337.
أبو سالم العيّاشيّ، الرحلة العيّاشيّة، 673.
المصدر نفسه، 374.
عبد الحيّ الكتّاني، فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، تحقيق إحسان عبّاس (بيروت: دار الغرب الإسلاميّ، 1982)، 587.
أبو سالم العيّاشي، اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر، 101–103.
المصدر نفسه، 75؛ عبد الحيّ الكتّاني، فهرس الفهارس، 587.
________________________
*نقلًا عن” المركز: مجلة الدراسات العربية