تأثير التصوُّف الاسلامي في بلدان آسيا الوسطى على التصوُّف في مصر
د. رفعت عبد الله
أستاذ اللغة والأدب الفارسي والطاجيكي والمخطوطات الإسلامية
في كلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة قناة السويس – الإسماعيلية.
مقدِّمة:
تعتبر منطقة آسيا الوسطى إحدى المراكز الرئيسة لانتشار الصوفية في العالم الإسلامي. ولقد لعبت الصوفية في منطقة آسيا الوسطى دوراً مهماً في مقاومة الاستعمار القيصري والسوفييتي.
أهم الطرق في آسيا الوسطى هي(1):
النقشبندية ومركزها بخارى في أوزبكستان ونشأت في القرن الرابع عشر الميلادي.
الكبراوية ومنتشرة في عدة مناطق في تركمانستان، وقد نشأت في القرن الثاني عشر الميلادي.
الياسوية ومركزها في مدينة ياسي (تركستان حالياً) في جنوب كازخستان، ونشأت في القرن الثاني عشر الميلادي.
القادرية ومركزها وادي فرغانة.
والفروق بين الطرق وبعضها بعضاً قليلة الوضوح، فممارسات الطقوس متداخلة ومتشابهة.
وتعتبر الطريقة النقشبندية أهم الطرق الصوفية في المنطقة، ولقد أسسها محمد بن بهاء الدين نقشبند (1317- 1389م) في بخارى في وسط ثقافي ناطق بالفارسية.
وترجع أسباب انتشارها إلى(2):
1- – القدرة على التأقلم والتغير حسبما تقتضي الظروف السياسية والاجتماعية، كما أنها تتأقلم لغوياً حسب الموقع الجغرافي الذي توجد فيه، ففي آسيا الوسطى تتعامل بالفارسية الشائعة خاصة في طاجيكستان، وفي القوقاز تتعامل باللغات الثلاث المعروفة، الفارسية والتركية والعربية.
2 – – اللامركزية الواسعة التي تسمح بقيام خلايا حرة الحركة لا ترتبط بمركز وإن اشتركت معه في شعائره وطقوسه. وعادة ما يرسل شيخ الطريقة خلفاء له يقومون بعملية التبليغ في المناطق النائية عن المركز كنواب يحملون صفته ويورثونها لأبنائهم. وهو ما يجعل انتشار الطريقة في هذه المناطق البعيدة عن المركز أشبه بالأغصان المستدقة الطول البالغة البعد عن جذع الشجرة الأصلي، وهكذا من جديد حتى تنتشر الطريقة (3).
3 – – تلفظ النقشبندية أصحاب الأفكار الثورية وتمنع اندماجهم معها، في الوقت الذي تمزج داخلها عديداً من الطرق الصوفية الأخرى (كالياسوية والكبراوية). وتتسم النقشبندية بنظام مانع في الانتساب لعضويتها يخضع المريدين الجدد إلى مراجعة، وفي كثير من الأحيان تكون تغذية الانتساب للطريقة على مستوى القبيلة والعشيرة، بما يحقق معرفة جيدة بتوجهات وميول المنتسبين الجدد.
4 – – انشغلت النقشبندية في مراحل تاريخية مختلفة بمقاومة الأعداء الخارجيين كالبوذيين والقياصرة والسوفييت، لكنها لم تخض في أي فترة تاريخية حرباً على المستوى المحلي بينها وبين غيرها من الفرق والمذاهب الإسلامية.
5 – – تختلف النقشندية عن غيرها من باقي الحركات الصوفية في تحفظها على دور المرأة، إذ لا تسمح بوجود خلايا ومجموعات صوفية نسائية أو وجود حلقات مشتركة للذكر والمناجاة كما تنهج إلى ذلك بعض الطرق الصوفية، كالطريقة الياسوية.
6 – – تتجاوز النقشبندية البعد العرقي في المرجعيات الدينية، فالمريد الطاجيكي يمكن أن يكون شيخه أوزبكياً، والعكس صحيح بغض النظر عن بعد المسافات الجغرافية التي تحول بينهما، كما تشترك النقشبندية مع غيرها من الطرق في إعلاء قيمة الأضرحة وزيارات الموتى من شيوخ الطريقة.
مركزية شديدة: وللمقارنة مع ثاني أكبر الحركات تأثيراً في تاريخ المنطقة، فإن الطريقة القادرية تتسم بمركزية شديدة وهرمية في قيادة الحركة بطريقة تضمن توريث زعامة الطريقة من عائلة واحدة، وهو ما يحد من انتشارها بين القبائل الأخرى التي قد لا ترضى بزعامة بعيدة عنها جغرافياً وإن اقتربت بالطقوس والممارسات.
وقد تمكنت النقشبندية من عبور مساحات جغرافية واسعة، فوصلت بشيوخ أنديجان ونامانجان في وادي فرغانة إلى تركستان الشرقية في غربي الصين اليوم، فتغلبت على ما قبلها من موروثات صوفية، وصارت الطريقة الأكثر تأثيراً ببين مسلمي الأيجور في الإقليم. وقد لعبت في هذا الإقليم الدور الذي لعبته في القوقاز حينما حملت هم الدفاع عن استقلال الإقليم ضد الطمع الاستعماري، وهو ما جعلها منذ القرن التاسع عشر في نظر السلطات الصينية حركة إسلامية سياسية استوجبت القمع، فتم اعتقال شيوخها وقتل شيخ الطريقة النقشبندية يعقوب بك خواجة في عام 1878م وبدأ دور الصوفية في الوهن منذ ذلك التاريخ، إلى أن عاد إليها شيوخ الصوفية من فرغانة فراراً من البطش السوفييتي بعد انكسار ثورة البسماتشي الشعبية في عشرينيات القرن العشرين، وذلك قبل أن تتحول الصين إلى الشيوعية وتنتهج تجاه الصوفية ذات النهج السوفيتي فتدفعها إلى الهروب تحت الأرض.
وهكذا فإنه على خلاف الاعتقاد بأن الصوفية لا تمارس السياسة، إلا أن هناك مستويين لعبت خلالهما الصوفية دوراً سياسياً:
المستوى الأول: في الصراع مع الاستعمار وهو دور في سياسة المقاومة حققت به دوراً إيجابياً في الحركة التحريرية في المنطقة.
المستوى الثاني: المشاركة السياسة الداخلية، وهو دور محدود قام به أفراد متصوفون أكثر مما قامت به جماعات صوفية بأكملها. ولعل أوضح الأمثلة على ذلك التعاون بين حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان ومفتى البلاد القاضي تورجان زاده الصوفي الأصل، الذي كان الرجل الثاني في قيادة الحزب، وذلك قبل أن تحدث بينهما القطيعة في عام 1997 بسبب قناعة تورجان زاده بالمشاركة مع السلطة بدرجة أكبر من قناعة الحزب.[ لاحظ التناقض في الدور للصوفية التي يزعم أنها قاومت الاستعمار مع الدور الذي لعبته في قضية الشيشان والمطلوب القيام به الآن من محاربة الإسلام الأصولي بتعبيرهم، نحن لا ننكر أدوار مشرفة لبعض المجموعات الصوفية في التاريخ العام لكن هذا ليس بسبب المبادئ الصوفية، بل بسبب نقصان هذه المبادئ الصوفية عند هذه المجموعات، ولذلك حين تتعمق هذه المجموعات أكثر في التصوف تتخلى عن مصالح المسلمين وتسير في ركاب الغزاة!! الراصد ] غير أن أهم الأدوار السياسية للصوفية في آسيا الوسطى هي محل نقاش في العامين الأخيرين، ومن بين هذه النقاشات ما تهتم به بعض مراكز الأبحاث ودعم اتخاذ القرار. وكان أشهر هذه الأبحاث ما قدمه مركز نيكسون في مارس من عام 2004 في ندوة (4) بحثت في كيفية استفادة واشنطن من الحركات الصوفية.
الطريقة النقشبندية هى واحدة من كبرى الطوائف الصوفية الكبيرة فى العالم الإسلامي، والتى تنتسب إلى محمد بهاء الدين شاه نقشبند واشتق اسمها منه، ومن ثم عرفت به الطريقة النقشبندية، وهى الطريقة الوحيدة التى تدّعى تتبع السلسلة الروحية المباشرة مع النبى محمد «صلي الله عليه وسلم» من خلال أبوبكر الصديق، وبذلك تكون تلك الطريقة مرتبطة بطريق غير مباشر بسيدنا على عن طريق جعفر الصادق. تختلف بقية الطرق عن تلك الطريقة بأن سلسلتها خلال سيدنا علي.
مرت النقشبندية بمراحل كثيرة عبر تطورها التاريخي، وثمة علاقات ربطتها بغيرها من الطرق الصوفية، وكذا التيارات الروحية التى انتشرت فى البلاد الإسلامية، ومن الممكن أن نطلق على المرحلة الأولى فى تاريخ النقشبندية مرحلة النشأة والتطور أو اليسوية والنقشبندية، فهناك علاقة وثيقة بين الطريقتين ليس من حيث الطقوس والمراسم فحسب، بل العقائد والأوراد والأذكار كذلك. ولكل مرحلة تاريخية مرت بها النقشبندية، ميزة خاصة، وصبغتها بصبغة خاصة عبر التاريخ الإسلامى.
وتتكون كلمة «النقشبندية» من مقطعين: «النقش» أى الكتابة، و«بند» أى القلب، وهو ما يعنى أن مرادف الكلمة هو «النقش على القلب»، ويقول محمد النقشبندى أحد مريدى الطريقة النقشبندية فى مصر إن المشايخ الذين أسسوا الطريقة قصدوا تلك التسمية، لأن النقش على القلب لا يمكن أن يمحوه شيء أبدًا. والنقش هنا، هو ذكر الله المفروض على قلوب الموحدين والمريدين، فهو يدوم ويقوى الجسد ويبرئ النفس من أسقامها.
ولم تحدد المرويات التاريخية أول من أطلق اسم «النقشبندية»، حتى شيخ الطريقة الحالى رفض ذكر اسم مؤسس بعينه، قائلًا إنها جاءت كثمرة لعمل أكثر من ٤٠ قطبًا، ساهم كل منهم بدور فى ترسيخ الطريقة ونشرها.
ونشأت «النقشبندية» فى القرن الأول الهجري، وتحديدًا عام ٩٠، ونشرها دعاتها فى آسيا خصوصا باكستان وأفغانستان وأذربيجان وعدد من دول القوقاز، وكان أول الدعاة الرحالة فى نشر الطريقة «قتادة» الذى عبر بوادى الحجاز إلى آسيا وحطم الأصنام، وقضى على كل وثنية صادفها فى طريقه.
وحسب تراث الطريقة فإن قتادة ورجاله لم يلتفتوا إلى غنائم فتوحاتهم، مما جعل أهالى تلك البلاد يستجيبون لدعوتهم، وتتميز النقشبندية بأنها أصل دون فروع، إذ استمرت طريقة واحدة كما بدأت، لم تتجزأ عنها طرق أخرى مثل الحامدية التى تضم ١٥ طريقة.
ويقول شيخ الطريقة محمد النقشبندى شيخ الطريقة الحالى فى مصر، إن عدد المنتسبين إلى النقشبندية يقارب مليونين فى مصر وحدها، ويضيف أن هناك ملايين المريدين فى العالم كله مثل أمريكا التى يوجد بها مقر للطريقة يخدمه الشيخ القباني، وهناك أيضا الشيخ هاشم عدنان فى العاصمة البريطانية لندن، ويؤكد أن الحكومة التركية بها العديد من الوزراء المنتمين للطريقة.
وليس للطريقة النقشبندية مقر رئيسى فى مصر، لكن كل محافظة بها مقر يخدمه نواب الشيخ، وينتظم المريدون فى حلقة ذكر أسبوعية، تتضمن ذكر الله والصلاة على رسوله الكريم وتلاوة القرآن كاملا.
وتنتقل الشياخة فى الطريقة النقشبندية عبر ما يسمى «السلسلة الذهبية»، وهى توصيف لفكرة توريث الشياخة للابن، أو الأخ ويحمل الشيخ لقب «الحفيد» باعتباره حفيدًا لكل مشايخ الطريقة الأقدمين.
والملاحظ لدينا أن النقشبندية تشبه إلى حد كبير الطريقة البكتاشية، حيث إن البكتاشية ضمت فى بنيتها عددا من الطرق الصوفية التى كانت على عهدها، أما النقشبندية فهى طريقة لها واقع خاص، حيث إننا من خلال اطلاعنا على المصادر التى تناولتها بالتحقيق ألفيناها طريقة صوفية تندمج كل حين مع طريقة أخرى مناظرة لها، وتعليقا على ما ورد الذكر بالقلب أم باللسان وأحيانا يكون بصوت جهورى، فلا بد للمريد أن يتخطى مشاعره للوصول إلى الحقائق الإلهية، لأنها تعيق هذا الوصول والسبيل الوحيد للنجاح فى هذا الطريق هو العبادة التى تبدأ بتنفيذ الأعمال والتكاليف الإسلامية بما يتناسب والشريعة الإسلامية.
وفيها يعبر الإنسان عن ذاته بإحساسه العميق الذى يتحقق له بانغلاقه على ذاته، وهو ما يؤدى إلى إيقاظ الحب الخالص الذى يجعله يصل إلى الله تعالى.
وفى زعمهم أن الانغلاق على النفس يحقق للمريد ثلاث مراحل فى رقيه الروحي: «ارتقاء فى قلب المريد، معرفة النفس وإدراك حقيقتها، والوصول إلى الله تعالى»، وثمة تأكيد على ما يعرف بالذكر الخفى فى الطريقة النقشبندية والتركيز على أن يكون الذكر بالقلب الذى يطلق عليه القلب الصنوبري، وعنده ما يسمى بالورد الخفى بعد صلاة الفجر، وزعموا أن اللائق بالمبتدئ الذكر الجهرى، فإذا ما ترقى إلى المقامات العلى فلزامًا عليه أن ينتقل منه إلى الذكر الخفى.
ومن ثم نفهم أن الذكر القلبى أكثر قيمة لديهم، حيث يتجه القلب نحو المصدر الحقيقى فى هذا الكون، مرتقيًا إلى هذه المنزلة بواسطة الذكر والعبادة الخاصة لله تعالى، فأصبح الذكر الأساسى الأول الذى سارت عليه اليسوية والنقشبندية من بعدها، وتلك دلالة أخرى على اتحاد فى الأخذ بالإلهام الربانى، وحقيقة الأمر أن كل من يطلع على المؤلفات الصوفية لأى طريقة كان يلحظ هذا المنهج العلمى فى مؤلفاتها لأن العلم فى نظر الصوفية ليس الذى يتلقاه المرء فى المدرسة، بل هو إلهام ربانى ومعرفة ذوقية يتلقاها السالك بعدما يرتقى بنفسه ويخلصها من أدرانها. وتسمو روحه عندئذ تشرق فى قلبه هذه المعرفة إلهامًا ونورًا من عند الله.
_______________________
*نقلًا عن موقع مجلة “الأسبوع” المصرية.
_______________________
المصادر والمراجع:
- Rein Taagepera “Expansion and Contraction Patterns of Large Polities: Context for Russia”، International Studies Quarterly Vol. 41، 475-504 (1997).
- Allen، Thomas T. – Culture and conquest in Mongol Eurasia، p.31-33^
- Allen، Thomas T. – Culture and conquest in Mongol -Eurasia، p.32 –
- -Sh.Tseyen-Oidov – Genghis bogdoos Ligden khutagt khurtel (khaad)، p. 8