قراءة في كتاب “الفكر الصوفي عند الشيخين أحمد بامبا و الحاج مالك سي” للأستاذ الدكتور مختار جي
الحاج عبد الله أمبي
قراءة في كتاب “الفكر الصوفي عند الشيخين أحمد بامبا والحاج مالك سي” للأستاذ الدكتور مختار جي
الحاج عبد الله أمبي
باحث ومحلل سياسي في الجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا الأميركية فرع السنغال.
يعتبر كتاب الفكر الصوفي عند الشيخين أحمد بامبا والحاج مالك سي للأستاذ الدكتور محمد المختار جي، سياحة فكرية غنية عن التعريف حيث تناول مؤلفه الفكر الصوفي عند الشيخين المذكورين ودورهما في نشر الصوفية وتعاليمها في السنغال واصبح ظاهرة جماعية سوسيولوجية كما تطرق اليها المؤلف جملة وتفصيلا.
ويبدو أن التصوف الاسلامي بدأ منذ القرن السادس للهجرة يعرف جانباً آخر فتعددت الطرق الصوفية وأتباعها في كل أنحاء العالم وبالأخص انتشار بعضها في أفريقيا جنوب الصحراء، لاسيما في السنغال، وبات لها علاقة وثيقة بتاريخها وتقاليدها الثقافية والاجتماعية.
ولقد أفادنا المؤلف بأهمية بالغة في سبيل كشف النقاب عن مدى دور الدور الهام الذي بذلاه في انتشار أفكارهما الصوفية في نفوس المريدين، وغرس التربية الروحية كذخيرة وعتاد لدفع المضار وجلب المرغب، كما ساهما في بناء مجتمع واع. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف كانت علاقة المتصوفة بالاستعمار؟ وإلى أي مدى وصل نفوذ وتأثير الحركات الصوفية في البلاد؟
أولاً يحاول الأستاذ الدكتور محمد المختار جي كتابه دراسة ومعالجة موضوعية بلا انحياز أو تعصب طرقي، اتّباع المنهجية السليمة للبحث العلمي. وقد يتساءل البعض عند قراءة الكتاب: لماذا قدم الكاتب هذا الموضوع ؟ وللإجابة عليه نقول إن المؤرخين لم يتفقوا على تاريخ ميلادهما، وإن كان البعض الآخر يرى خلاف ذلك.
مهما يكن من أمر، فالمؤلف اعتمد على مصادر ومراجع على مستويات مختلفة بتسليط الضوء على الشيخين وأسرتيهما وتابعيهما وما يتعلق بالتصوف الإسلامي بصفة عامة وبالتصوف الإسلامي في السنغال بصفة خاصة، وأجاد بذكر مؤلفات الشيخ أحمد بامبا خصوصاً “مسالك الجنان في جمع ما فرقه الديماني في التصوف “، و”نهج قضاء الحاج” ، و”منور الصدور”، و”ملين الصدور”، و”جالبة البرور”، و”تزود الصغار” ، و”تزود الشبان”، وغيرها .
أما في مؤلفات الشيخ الحاج مالك فأتى الباحث في مقدمة ما رجعنا إليه كتب “إفحام المنكر الجاني”، و”فاكهة الطلاب”، و”كفاية الراغبين”، و”خلاص الذهب” وغيرها. وفي مصادر أسرتيهما اعتمد على ما يلي:
- “من الباقي القديم في سيرة الشيخ الخديم لنجله محمد البشير أمباكي”.
- مواهب الوهاب المالك في التعريف بالشيخ الحاج مالك سي لمحمد تابان”.
- “حياة الحاج مالك سي”.
- “أوضح المسالك في التعريف بحياة ومناقب الشيخ مالك للشيخ عبد العزيز سي”
هذا بالإضافة إلى مصادر ومراجع الباحثين من السنغاليين والأجانب مثل بول مارتي Paul Marty وفنساي مونتاي Vincent Monteil وفرنان ديمون Fernand Dumont .
تجدر الإشارة إلى أن تعامل الأستاذ محمد المختار جي مع تلك المصادر والمراجع كان موضوعيّاً، إذ لم نحمل النصوص ما ليس في قدرتها من المعاني، ولم نؤولها تأويلاً ولم نجذبها جذباً بل وضعناها نحن كباحثين في إطارها الطبيعي، لذا يتوجب على القارئ الاستفادة بالعلم والمعرفة.
في الفصل الأول عالج المؤلف جذور التصوُّف الإسلامي وتطوُّره ومعنى التصوف والخلاف حول كلمة “صوفي” فلم يقف عند حد تاريخها وأصلها وإنما جاوز ذلك إلى تحديد معانيهما رغم تعدد الأقوال وتباين الألفاظ لدى الصوفيين في شأن هذا التحديد. كما ذهب ابن خلدون إلى تعريفات نسبية تتناول جوانب الحياة الروحية كلٌّ بحسب التجربة التي مر بها والبواعث التي دفعته إلى التعبير عنها. وأيضاً أورد تعريف نيكلسون Nickelson للتصوف، ومجموعة كبيرة مما ورد في رسالة القشيري، وتذكرة الأولياء لفريد الدين عطار، وهلمَّ جرًّا ..من تأثيرات التصوف لدى العلماء خصوصاً الإمام أبا حامد الغزالي وتصوفه عند بلوغه الخمسين من عمره حيث رأى أنه يجب على المتصوف أن تكون جميع أعماله وتصرفاته موزونة بميزان الشرع، ويقرر أن الخارج على الشرع لا يؤبه له حتى ولو مشى على الماء أو طار في الهواء.
وتعتبر كتبه “إحياء علوم الدين” و”المنقذ من الضلال” و”منهاح العابدين” من أهم المؤلفات في الفكر الصوفي بما فيها من الكشف والزهد، حيث ترجم إلى لغات أجنبية عدة، أضف إليها ابن عربي وتصوفه في كتابيه “الفتوحات المكية” و” فصوص الحكم”. وقد أدى انتشار الطرق الصوفية في البلدان الاسلامية إلى الوقوف على مفهوم الطريقة عينها ومراحلها الرئيسية وما تتميز به من مبادئ وأركان كالمقامات والأحوال والذكر بين الشيخ والمريد.
في الفصل الثاني يتطرق الكاتب إلى أهم الطرق الصوفية في السنغال كالقادرية التي تعتبر أول طريقة دخلت غرب أفريقيا بصفة عامة، وفي السنغال بصفة خاصة، وكان أهلها يعتنقونها حتى مجيء الحاج عمر الفوتي تال التيجاني. ومعروف أن هذه الطريقة مرت إلى ما وراء الصحراء على أيدي مهاجرين منذ القرن 15عبر قناة توات بالجزائر، واتخذت “ولاتة” (Walata) أول مركز لها، وفي فاس نمت الطريقة التيجانية وكانت توجد فيها رباطات وزوايا عديدة، كما ساهمت بلاد شنقيط مساهمة كبيرة في أوسع نطاق نشر ها بفضل جهود الحاج عمر الفوتي الذي أخذها عن “سيدي مولود فال”، كما أخذ الحاج مالك العلم أيضاً عند هذه الجماعة. هذا، ويعتبر كتاب “جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض ابي العباس التيجاني” مرجعاً أساسياً للطريقة التيجانية وقد ألفه الحاج علي حرازم براده الفاسي وكان مما سمعه أو أملاه بأمر الشيخ نفسه.
التربية في الطريقة التيجانية:
في هذا المنحى، أوضح الكاتب أهمية التربية الروحية والأركان والعبادات مع الطهارة و…و ..زادت شعلتها في السنغال بصفة خاصة على يدي الشيخ الحاج عمر الفوتي تال (1864-1795) وزوايا وشعب في شتى أنحاء البلاد من أشهرها: تيواون ، كولاك، تيانبا، مدينة غوناس، الفرقة الحموية أو الحمائية.
الطريقة المريدية:
هذه الطريقة تأسست في نهاية القرن 19م على يدي الشيخ أحمد بامبا أمباكي المعروف بخادم الرسول، وهي تعتبر من أقوى الطرق الصوفية في البلاد، وتتميز بأنها تشكل كتلة واحدة لا تتجزأ. والمريدية من المريد ويعني “الطالب”، أما في الإصطلاح الصوفي فالمريد هو السالك الذي يريد الوصول إلى الحضرة الإلهية قبل كل شيء وينال بالتالي صفة الشيخ الروحي وهي طريقة أفريقية خالصة واعتقاداتها وسلوكياتها مبنية على الإيمان وتنفيذ الأوامر والخدمة وهذه أهم خصوصيات تلك الطريقة.
بالنسبة إلى امتداد نفوذ الطريقة في المجتمع السنغالي تجد جذور التصوف أو الإسلام الطرقي يحتل مركز الصدارة، ومازالت تمتد إلى وقتنا الحالي، مع أن نفوذ الشيخين ما انفك يزداد يوماً بعد يوم ويعود هذا إلى قوة تنظيم الطرق الصوفية في السنغال وانعدام بديل لها.
كما أن الأحزاب السياسية في البلاد تؤيدها وذلك خدمة لمصالحها الدنيوية والسياسية والفكرية، وقد نجحت الطرق الصوفية من زاوية في استقطاب المجتمع السنغالي وأثرت فيه على جميع الأصعدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
في الفصل الثالث ركز المؤلف على الفكر الصوفي عند الشيخين أحمد بامبا والحاج مالك سي جملة وتفصيلاً مروراً بالمحطات التي مرَّ بها كلاهما لمواجهة السلطات الاستعمارية لنشر الدعوة الإسلامية في كل أرجاء البلاد.
واستعرض الأستاذ الدكتور الباحث في الفصل الرابع الفكر الصوفي عند الحاج مالك سي وقرابته بالشيخ أحمد بامبا من جهة الجد، وأشهر مشايخه إجازاته بسلسلة مرتبة وحياته العلمية وأفكاره الصوفية في الجمع بين الحقيقة والشريعة، فهما عنصران متلازمان. وبناء على هذا، نرى أن لا فرق بين مذهب الصوفية ومذهب الفقهاء عند الحاج مالك سوى أن الصوفية يأخذون لأنفسهم بالأوثق في ما اختلف فيه، وهم مع الاجماع مهما أمكن، والتربية عنده تنبني على المحافظة على الصلوات الخمس مع الطهارة والمداومة على الورد ومواظبة الوظيفة وعمارة الأوقات والساعات بالصلاة على النبي.
في الفصل الخامس حاول المؤلف بدراسة مستفيضة المقاربة الفكرية بين الشيخين وأعمالهما الجليلة لخدمة الإسلام والمسلمين في السنغال.
مبادئ يتفق عليها الشيخان:
ثمة مبادئ متفق عليها بين الحاج مالك سي وأحمد بامبا، فيعتبران متصوِّفين تربَّيا ونشآ في مجتمع إسلامي صوفي بحت، بل وتخرَّجا من مدارس صوفية، علماً أن الإسلام في السنغال ذو طابع صوفي منذ قديم الزمان.
ولكن الشيخين يختلفان من حيث المشرب والمنهل، فنجد أحمد بامبا نشأ في أسرة صوفية قادرية لأن أباه كان قادرياً كما أن أكثر شيوخ الأوائل في السنغال كانوا قادريين. وعلى هذا الأساس، يروي لنا بول مارتي أن الورد البامبي لا يختلف من الورد القادري، وأن فكره الصوفي خلاصة لفكر عبد القادر الجيلاني، لذا تأثر أحمد بامبا كثيراً بمؤسس الطريقة القادرية، وتجلى ذلك بوضوح في مؤلفاته بمدحه وتوسله إليه في قصائده، بل وسمَّاه ولداً حباً له وتيمناً به.
أما الحاج مالك فقد تربى ونشأ في طريقة صوفية تجانية، كما أن خاله (ألفا) أو الفاهم مايورو ولي Alpha Mayoro Welé الذي أعطاه الورد كان مقدماً تيجانياً وكذلك عمه أحمد سي.
ورغم اختلاف المشرب الصوفي للشيخين ففقد التقيا في كثير من العناصر والمبادئ نذكر منها: الحقيقة والشريعة وفيه المقامات والأحوال كما قسم أهل التصوف هذه المراحل إلى مقامات وهي: التوبة والخوف والرجاء والورع والزهد والفقر والشكر والصبر والتوكل والرضا، وهذه كلها تتم بالرياضة الأخلاقية والدوام على الذكر ومجاهدة النفس الذكر واتخاذ الشيخ: يتفق أحمد بامبا والحاج مالك عليهما لأن الذكر ركن أساسي للوصول إلى أعلى المراتب، وجزء من الشريعة أو بالأحرى جزء من العبادة. ويرى الشيخان أن كل من يريد سلوك الطريق الصوفي لابد له من شيخ عارف يربيه ويرقيه باعتباره ضرورة.
مبادئ مختلف فيها الشيخان:
-الجانب الفكري: هناك العديد من الجوانب الفكرية التي يختلفان فيها، فالأول قائد ومؤسس لطريقة معينة وهي المريدية بينما الثاني فهو مقدم في الطريقة التيجانية أو خليفة لها.
الجانب التربوي: إن أساس التصوف هو التربية الروحية، ولكل شيخ طريقة صوفية ومنهج وفلسفة تربوية، فالتربية عند أحمد بامبا التي تعتمد على التلقين لا تكفي لتربية اتباعه، وقد سلك منهج العمل كمنهج تربوي يربي فيه مريديه.
أما التربية عند الحاج مالك فهي مراعاة الورد التيجاني وحلقات دراسية، ويقول في هذا الصدد إن الطريقة التيجانية لا أيخرج منها أحد إلا بارتكاب أحد الأمور التي ذكرها في اجوبته لأحمد بن محمد العلوي صاحب “روض الشمائل”، وهي: أخذ ورد على وردنا، زيارة الأولياء، وترك الورد.
____________________________________
تحية طيبة!
وبعد اشكركم جزيل الشكر على نشر هذا المقال لخدمة الدراسات الصوفية والعرفانية ،وذالك لتعم الفائدة.
والباحثين في المجال ذاته ودمتم في رعاية الله وحفظه
أدامك الله وسدد خطاك
دراسة نفيسة ما شاء الله، ولكن بول مارت ما كان يتصف بالموضوعية في منشوراته لذا لا أقبل كلما صب من مكتوبات. وشكراً