العرفان الإسلاميُّ وقدراته في بناء الحضارة
العرفان الإسلاميُّ وقدراته في بناء الحضارة
يد الله يزدن بناه
مقدِّمة:
يحاول هذا المقال مراجعة قدرات العرفان الإسلاميِّ في بناء الحضارة، مع تعزيز الأدب الوصفيِّ لتحديد أهمِّيَّته في نظامها المتناغم. ولهذه الغاية، تم توفير الموادِّ الأساسيَّة اللاَّزمة للتحليل من خلال أدائه التاريخيِّ، ومن تعاليم العرفان النظريِّ والعرفان العمليّْ. وقد اتَّضحت المساهمة الأساسيَّة للعرفان النظريِّ أي “الأسماء الإلهيَّة والنکاح الإسمائيَّ”، واعتبرت المساهمة الرئيسيَّة للعرفان العمليِّ هي “البعد والقرب من الله سبحانه”. وباستخدام هذه المفاهيم تمَّ تقديم وصف للحضارة الإسلاميَّة المنشودة.
كذلك اعتُبر المكان الرئيسيُّ للعرفان في هندسة الحضارة الإسلاميَّة مرغوباً فیه، نظراً لنفوره من الدنیا، وبناءً على تحليل جذوره الإسلاميَّة، وکذلك تعلیمه النهائيِّ، أي البقاء بعد الفناء، وعناصر أخرى مثل المساعدة، والخلافة بالسیف، والجمع المتلائم بين الروح والجسد.
من وجهة نظر أخرى، تمَّ توضيح العرفان من خلال توفير أربعة عناصر، هي: الروحانيَّة، والعقلانيَّة الروحيَّة الخاصَّة في نظام متوافق، ونموذج متفوِّق من الشريعة، وطريقة خاصَّة لفهم النصوص الدينيَّة (التأویل)، سيكون لها مساهمات عديدة في سلَّة الحضارة الإسلاميَّة.
لكن الإجابة على السؤال عن أسباب عدم تحقيق الحضارة المنشودة، رغم وجود النتائج الإيجابيَّة السابقة، اتَّضحت في عدم وجود توسُّع ثقافيٍّ للتعاليم الإسلاميَّة، وعدم ارتباط الأفكار بالموضوعيَّة، والأفكار الفرديَّة الحادَّة في فهم النصوص الدينيَّة.
تعريف إجماليٌّ للعرفان:
يُنظَر إلى الحضارة في بعض الأحيان على أنَّها أمر ذهنيٌّ وشكل من أشكال الفاعل العارف في المجال الأوسع، لكن الحضارة، في مقالتنا هذه، هي بمنزلة أمر أبعد من الثقافة حيث يُنظَر إليها كحاضر عينيّْ. فهي «الإفرازات والحصول العينيُّ للثقافة الموسَّعة التي تُشرف على واقع الحياة». وهي مبنيّة على أساس الثقافة، لكنَّ الثقافات غير الغنيَّة وغير الموسَّعة التي ليس لها أيُّ حضور سوى في المجالات القليلة من الحياة الاجتماعيَّة، فليس لها القدرة على صنع الحضارة، منطلق هذا التعريف هو أن أيَّ فكرة، حتى العبثيَّة، يمكن توسيعها ولكن ما أکثر الأفكار التي لا يتمُّ توسيعها على الإطلاق. وبالتالي، فإنَّ الثقافة القائمة على فكرة معيَّنة يجب أن تكون متطوِّرة بشكل جيِّد، بل يجب أن تنظر إلى واقع الحياة حتى تكون قادرة على بناء حضارة وعلی الوصول إلى موقف حضاريّْ. وحتى الثقافة، وبغضِّ النظر عن التوسُّع، فليس بالضرورة أن تمتلك الهُويَّة الحضاريَّة، بل عندما تتجسَّد هذه الثقافة فإنَّها ستحظى بالعينيَّة في كلِّ مكان في المجتمع، وستكتسب جميع المختصَّات الاجتماعيَّة الحقيقيَّة، وعندئذٍ ستتحوَّل إلى حضارة. من الواضح أنَّ التسوية النهائيَّة لمثل هذه التعريفات تعتمدُ على مناقشة مباحث فلسفیَّة والأمریَّة نفسها خصوصاً حول وجود المجتمع والثقافة والحضارة وحتی التأریخ، وتلقائیَّاً مع هذه الخطة سیتمُّ التجاوز عن الانطباعات الاعتباریَّة بسهولة.
بالاستناد إلى هذا التعريف، فإنَّ سبب تعدُّد الحضارات يعود إلى تعدُّد الثقافات التي يمكن مشاهدتها فيها والاحتجاج بها باعتبار أنَّ كلَّاً من الحضارة والثقافة ظاهرتان إنسانيَّتان بامتياز، بمعنى أنَّ الإنسان يمتلك وجوداً شعوريَّاً وإراديَّاً. ولذلك، نرى أنَّ رائحة المعنى الشعوريِّ والإراديِّ تفوح في كلِّ جوانب أفعاله الفرديَّة والجماعيَّة، فمع اختلاف المعاني القائمة على أساس تفاوت الإدراكات والإرادات، لا مناص من الاعتراف بإمكان وجود أنواع للثقافة والحضارة[1] .
في الواقع، كما في مجال الفرد يمكننا التحدُّث عن المعنى ثمَّ الفعل الذي يمثِّل تجسيد المعنى الداخليِّ الكامن للإنسان، کذلك في المجال الاجتماعي يمكننا التحدُّث عن الثقافة في مقابل المعنى في المجال الفرديِّ، وتجسيد هذه الثقافة في جميع شئون الحياة كحضارة مقابل العمل الفرديِّ بكلِّ أبعاده. مع تذكير بالغ الأهميَّة بأنَّ الحضارة يمكن تصويرها في أكبر السطوح الاجتماعيَّة في حياة الإنسان، ولا یمکن اعتبار أيِّ مجتمع صغير حضارة متجسِّدة حسب علاقات محدودة وإنجازات محدودة، رغم أنَّ هذه المجتمعات الصغيرة قد يكون لديها القدرة على التوسُّع إلى حدِّ الحضارة العظيمة، کما تمتَّعت المدينة النبويَّة بقدرة ثقافيَّة غنيَّة جدَّاً حتى بشکل النواتج الموضوعيَّة، وهذه المدينة، وإن كانت محدودة، في عمليَّة سريعة للغاية، انتشرت في جميع أنحاء العالم.
من المفيد القول أنَّ ظهور العرفان في تاريخ الإسلام أدَّى إلى حدوث تقلُّبات ومنتجات مختلفة؛ وبشکل عام، تبدأ نقطة انطلاقه من السَّعي للوصول إلى الحقِّ تعالى، ونَيل القرب منه بشكل نزيه، وهو سعي ينشأ في باطن الإنسان ويشمل جميع جوانبه الوجوديَّة لكي يتمكَّن من اجتياز المجالات الدنيا والدخول إلى المجالات الباطنة المتعالية. ويتجلَّى هذا السَّعي الذي يُسمَّى بالسلوك بشكل حضوريٍّ وليس مفهوميَّاً، ويكون حاصل هذا السَّعي هو المواجهة مع الحقائق الباطنة بما فيها المراحل الداخليَّة للإنسان، وصولاً إلى الحقائق الباطنة لكلِّ العالم والوجود. وأمَّا نتيجة هذا التراكم الحاصل لتلك المُخرجات في التجربة العرفانيَّة فتنقسم إلى فرعين رئيسين: علم باسم العرفان العمليِّ الذي يصف مراحل وانضباطات السلوك الداخليِّ ويجمع الموانع والتَّرتُّب في المراحل؛ ثمَّ العرفان النظريِّ الذي يصف نتائج العارفين من سلسلة مراتب الوجود من أعلى مراتبه حتى أدنى مرتبة فيه. وأمَّا العرفان فيمتلك مُخرجات أخرى من حيث مكانته الاجتماعيَّة كالتأثير الذي يخلِّفه في الفنِّ والأدب والعمارة والعلاقات السوقيَّة. وعلى سبيل المثال، يمكن ذكر نوع من الأدب يسمَّى العرفان الأدبيّْ.
الأمر الأوَّل: قدرات العرفان الوصفيَّة للحضارة:
قبل الفحص عن القدرات الموضوعیَّة للعرفان حول الحضارة، يجب الإجابة عن هذا السؤال: ما هو سبب أهميَّة المناقشة حول القدرات الوصفيَّة للعرفان؟
بعبارة أخرى، يمكن القول أنَّه إذا ساعد العرفان على إنشاء حضارة وقيادتها فسوف یجد موقفاً يمكن الدفاع عنه في ما يتعلَّق بالحضارة، وإلاَّ فإنَّ القدرة على وصف الظاهرة لا یهمُّ إلاَّ قلیلاً.
ردَّاً على ذلك، تجدر الإشارة إلى جملة ملاحظات:
– أوَّلاً: أنَّ الأدب واللُّغة الوصفيَّة والتحليليَّة لمسألة كبيرة تسمَّى الحضارة صغيرة جدَّاً لدرجة أنَّه إذا قدرت العلوم المختلفة مثل العرفان أن توفِّر جزءاً من اللُّغة العلميَّة المطلوبة فیرجی أن تکون مواجهة الحضارة مواجهة علميَّة ومدروسة وإلاَّ فإنه سيكون هدفاً خیالیَّاً بعيد المنال وغير قابل للتحقيق.
– ثانياً: العرفان كعلم لديه القدرة على حلِّ العقد المعرفيَّة. وإذا كانت لديه قدرة جيِّدة على وصف الحضارة يكون قد أعطى في الواقع إضافة قيِّمة للغاية لمجموعة العلوم التي تصف الحضارة؛ وإذا توافق الوصف مع حقیقة الواقع يعطي قوَّة قاهرة للفكر والمواجهة البشرية عندما يقابل الظواهر الموصوفة.
عند البحث في قدرة العرفان على وصف الحضارة ينبغي أوَّلاً الالتفات والتركيز على العلوم الناتجة من العرفان، ونعني بذلك علم العرفان العمليِّ وعلم العرفان النظريِّ؛ فكلٌّ منهما ينظر إلى الحضارة والثقافة ويحلِّلهما بمنظاريْن مختلفيْن.
العرفان النظريُّ عادة ما يُفسِّر أيَّ ظاهرة مُحقَّقة بأسماء إلهيَّة وكذلك النكاح والحكومة، وحتى الظواهر التي تمتاز بنوع من عدم المطلوبيَّة الشرعيَّة فإنَّه يقوم بتفسيرها بهذا المنظار. والسبب في هذا هو أنَّه يجعل من الحقِّ تعالى متن الوجود وأمَّا غيره فيعتبره ظهوراً وتجلِّياً للحقِّ سبحانه، ولهذا نراه يتحدَّث عن تجلِّي الذَّات في الأسماء والصفات عند وصفه لمراحل تجلِّي الحقِّ في مرآة الكثرات الخَلقيَّة. ثمَّ يتطرَّق في المراحل اللاَّحقة إلى سائر المخلوقات باعتبارها تجلِّيات لتلك الأسماء والصفات الإلهيَّة.
أمَّا العرفان العمليُّ فيفسِّر الظواهر الثقافيَّة والحضاريَّة بل وكلُّ أمر آخر بميزان التقرُّب والبُعد عن الحقِّ تعالى، والسبب في هذا النمط من التفسير هو أنَّه يُعدُّ نوعاً من أنواع السبيل، والسبيل، كما هو معروف ترتبط هويَّته وتعيِّنه بالمقصد، ولهذا، ولمَّا كان المقصد في العرفان النظريِّ ليس سوى الحقِّ تعالى وأنَّ كلَّ سعي أو أمر إنسانيٍّ هو نوع من أنواع السير في ذلك السبيل، فإنَّ تقييم الطرق بل ووصف هوية السُّبُل مرتبط بمقدار التقرُّب والبُعد الذي يحصل عليه المرء من ذلك المقصد.
بناءً على ذلك، فإنَّ القُرب من الله تعالى والبُعد عنه هو المعيار الأساسيُّ للأوصاف في العرفان العمليِّ، ويسري ذلك أيضاً في موضوع الحضارة. فعلى سبيل المثال، يمكن اعتبار الحضارات السائرة على طريق الحقِّ مظهر اسم (الهادي) وتوضيحها مع دولة ذلك الاسم، والحضارات السائرة في طريق الباطل تُعتبر مظهر اسم (المُضِلّ) للحقِّ تعالى.
وبالاستناد إلى هذا النموذج يمكننا اعتبار أفق الحضارة الإسلاميَّة العالية والمطلوبة حضارة يكون فيها اسم (الله) جامعاً ومصدراً لسائر الأسماء الأخرى، وأنَّه هو صاحب الدولة، ويكون أساسها ورأسها قاعدة للتقرُّب إلى ساحة الله تعالى، أي أنَّها حضارة توحيديَّة خالصة توحيديَّة في الظهور والتحقُّق وتوحيديَّة في دعوتها.
بصرف النظر عن المباحث العلميَّة، يمكن للعارف السالك أيضاً أن يدَّعي وصف الحضارات والثقافات بناءً على شهوده لأنَّه يمكن لحاظ باطن وملکوت لکلِّ ظاهرة لها تحقُّق، والأمرنفسه يمكن للعارف أن يشهد باطن أيِّ ظاهرة من هذا القبيل شرط أن يكون لديه القوى اللاَّزمة، وشهوده هو کذلك رؤیة الجانب الملکوتيِّ أي الأسماء والصفات التي تشكِّل الظاهرة.
النقطة المهمة في هذا السياق هي أنَّ الأوصاف الحکمیَّة والعرفانیة الأخرى التي يمكن تطبيقها على الظواهر المحقَّقة، ويمكن تطبيقها أيضاً على الحضارة والثقافة من خلال الخروج من افتراض إعتباریَّتهما. مثلاً، يمكن التحدُّث عن مسألتي الحرکة الجوهریَّة واتحاد العمل والعامل الصدرائیَّتین في وصف تطوُّرات حضارة؛ مع ملاحظة أنَّ الحركة الجوهریَّة واتحاد العمل والعامل ليس لهما أیَّة دلالة على اشتداد الحضارة وتقدُّمها من حيث السعادة؛ بل یمکن توقُّع وصف هلاك حضارة من هذه الطرق لأنَّ الإنسان والمجتمع البشريَّ وبالتالي الحضارة، بأفعالهم، يغيِّرون أنفسهم دائماً، ويصنعون أنفسهم ، سواء كانوا يتجهون نحو التعالي أم نحو الضلال.
بالطبع تسود الأحكام والقوانين والسُّنَن الإلهيَّة في كلِّ هذه الأمور والضلال على أيِّ مستوى وفي أيِّ مجال سیهلك نفسه وسيؤدِّي إلى الانحطاط والدمار (إن الباطل کان زهوقا) (القرآن الكريم، 17، 81 ؛ المرجع نفسه، 13 ، 17).
الأمر الثاني: قدرات العرفان في الحضارة:
في هذا المجال یُثار أحياناً أنَّ العرفان بطبيعته لا يمكن أن يكون له قدرة حضاريَّة، وبالتالي عند بحثنا في القدرات الحضاريَّة للعرفان لا بدَّ أوَّلاً من شرح ما إذا كان العرفان الإسلاميُّ في الأساس وبحسب طبيعته يمتلك القدرة الحضاريَّة أم لا، ثمَّ الخوض في قدراته الحضاريَّة. من هنا سنتناول هذا البحث من جهتيْن:
أولاً: العرفان الزاهد في الدنيا بحسب ادِّعاء البعض وقدرته على صنع الحضارة.
ثانياً: ما هو شكل القدرات الافتراضيَّة للعرفان الإسلاميِّ لصنع الحضارة الإسلاميَّة الجديدة؟
أوَّلاً: كيف يمكن للعرفان الزاهد في الدنيا صنع الحضارة؟
لقد أثيرت أسئلة وشكوك حول ما إذا كان العرفان يمكن أن يكون لديه القدرة على تحقيق الحضارة أم لا؟ يقولون: بما أنَّ العرفان يتَّصف بسمة داخليَّة وباطنيَّة فإنَّه قائم على أساس التعاليم مثل التركيز على الآخرة والزهد والرِّضا والاعتزال وما شابه ذلك، وأنَّ مثل هذا النوع من العرفان لا يمكننا أن نتوقَّع منه صنع الحضارة لأنَّ كلَّ حضارة تمتلك بشكل أو بآخر مَيلاً نحو الدنيا، وأنَّه مع الإعراض عن الدنيا وعدم التركيز عليها، يصعب تكوين أيِّ دنيا مطلقاً.
ربما يمكن اعتبار هذا الإشكال أساساً بسبب الاستئناس الذهنيِّ وملاحظة أنواع العرفان التي لها جوهرة العزلة تماماً. بعبارات أخرى وفي الظروف التي يتحقَّق فيها ظهور أنواع من العرفان ومنها ما كان زاهداً تماماً في الدنيا وأمورها، فإنَّ مثل هذا الحكم يمكن أن يصدق على مثل هذا النوع من العرفان بشكل كامل، إلاَّ أنَّه لا يصحُّ تعميم ذلك الحكم. وأقلُّ ما يمكن قوله هو أنَّ العرفان الإسلاميَّ لا يمتلك قاعدة سوى الإسلام بناءً على الكثير من التحليلات والتقارير الأخيرة (التي أُجريت من قِبل ماسینیون، 1374: 3-4؛ همو، 12-13؛ نیکلسون، 1372: 56؛ کربن، 1377: 14-17؛ نویا، 1373: 10-11)، ولعدم إعراض الإسلام عن الدنيا وشؤونها فإنَّه لا يمكن وصف هذا العرفان بهذا الشكل. حتى بشكل عام، يمكننا القول أنَّ أنواع العرفان الدينيَّة – بمعنى الديانات الإبراهيميَّة – مهما كانت إنعزالیَّة عن الدنیا ولکن بسبب الطبيعة الأساسيَّة للدين الإلهيِّ، لابدَّ لها من جانب دنيويٍّ ولا يمكنها أن تمحو نطاق الظاهر وتدبیر الدنیا تماماً.
وفق كلِّ التقارير المعروفة، لم يكن باستطاعة العرفان الإسلاميِّ تجنُّب التأثُّر بالاهتمام بالدنيا والتأسِّي بالرَّسول الأعظم (صَلّى الله عليه وآله وسلَّم) في صيرورته التأريخيَّة لأنَّه نقطة أوجه كما أنَّ الأدب العرفاني يصفه بأنّه (الخاتم).
بمعنى آخر، في موقف يشير فيه فلاسفة مثل صدرا إلى النبيِّ (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم) باعتباره العقل الكلَّ، وبالنتیجه تُعتبر كلُّ كلمة من هذا المصدر الرفيع المستوى كلاماً نهائيَّاً وخالياً من الأخطاء – فضلاً عن الاعتبار العرفانيِّ الذي یری مکانة حضرته حتی الصقع الربوبيِّ- والنتیجة اللاَّبدیَّة هي طاعة العارف للشريعة بنسبة المئة بالمئة؛ تلك الشریعة التي لم تترك الدنیا على أيِّ حال. ويمكننا الإتيان بالعديد من الشواهد حول وجود مثل الفكر، منها:
– بعد ظهور فكرة (الفناء) مباشرة في العرفان الإسلاميِّ تمَّ طرح مسألة (البقاء بعد الفناء) باعتبارها المرحلة الأكمل للفناء. وفي إرشاداته لمولانا جلال الدين يعمد شمس التبريزي إلى إجراء مقايسة بين مقالة بعضهم (سبحانه ما أعظم شأني)، وبين تركيز النبيِّ الأعظم (صَلّى الله عليه وآله وسلّم) وتوجُّهه للعبودية، ويشير ههُنا إلى وجود مقام هو أكمل وأتمُّ من مقام الفناء.
إنَّ المعنى الواضح لمسألة (البقاء بعد الفناء) كذلك ليس سوى العيش بين ظهراني الخلق بالوصف الحقَّانيّْ. هذا بصرف النَّظر عن الحديث حول تلقِّي العباد وإمدادهم في الرحلة الرابعة من رحلات العرفان، بل والاختلاط بالخَلق بالحقِّ، وأنَّ تلك الرحلة هي امتداد ضروريٌّ للرحلات المعنويَّة الأخرى للإنسان. ولتوضيح هذه الفكرة فإنَّ بعض العارفين وشُرَّاح العرفان يصرِّحون بأنَّه إذا كان الأنبياء في صراع مع أنفسهم في جانب ما فإنَّ جميع الناس قد تحوَّلوا إلى نفسٍ واحدة وساحة واحدة للصراع. بملاحظة أنَّ النظر إلى الأنبياء ومواقفهم وتحرُّكاتهم أمر خطير للغاية بالنسبة إلى العارفین استناداً إلی القرآن الکریم، من المهمِّ تذكُّر هذه النقطة المهمَّة في التحليل أعلاه، وعندما يثبِّت العرفان المانح للكمال فكرة كماله في الاهتمام بالدنيا وأهل الدنيا باسم البقاء بعد الفناء، وتلقِّي العباد في رحلته الرابعة، عندئذٍ لا يمكن القول بأنهَّ زاهد في الدنيا.
من الواضح أنَّ هذا التحليل معناه نسيان وجود الأفكار المتوسِّطة والساذجة الأوليَّة في العرفان التأريخيِّ أو وجود السالكين الزاهدين في الدنيا، وقد تمَّ شرح هذه الظواهر بشكل جيِّد من قبل العديد من علماء العرفان. فعلى سبيل المثال، إنَّ وجود هؤلاء السالكين الزاهدين في الدنيا الذين لم يحصلوا سوى على صفة الفناء يعود إلى قدرتهم الضعيفة ونقصهم، لذلك لا يمكن اتِّهام نصِّ العرفان الإسلاميِّ بالفرار من الدنیا. وفي مقابل ذلك، يصرِّح محيي الدين ابن عربي والقونوي وفناري – وهم روَّاد الفكر العرفانيِّ النظريِّ – بالخلافة بالسيف، (حكومة من الله) (ابن عربی، 1946، 1: 164؛ همو، 2: 307؛ ابن عربی، 1994، 2: 336؛ قونوی، 1381، 271؛ فناری، 2010، 130) أي، الحكومة من قِبل الله في النظرة العرفانيَّة، ويضعون ذلك على قمَّة المقامات العرفانيَّة، ممَّا يعني أنَّ الكمال النهائيَّ للأولياء والرُّسل بعد الولاية والنبوَّة والرسالة يكمن في الحكومة والزعامة الاجتماعيَّة بالتنصيب الإلهيّْ.
ورغم إطنابه في الحديث عن خلافة سيِّدنا آدم (عليه السَّلام) ومعناها بشكل واسع، لكنَّ ابن عربي يرى أنَّ خلافته (عَليه السّلام) هي خلافة من نوع آخر بالاستناد إلى الآية الشريفة: }فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ{ (سورة صٓ، الآية ٢٦)، بعبارة أخرى؛ لقد اعتبر أوَّلاً أنَّ أموراً مثل النبوَّة والرِّسالة والخلافة بالسيف ترجع إلى المرتبة الباطنيَّة للولایة، واعتبر ثانيًا أنَّ الرِّسالة هي الشأن الاجتماعيُّ الإبلاغيُّ للوليِّ الإلهيِّ وبسبب قوَّة ولایته، واعتبر ثالثاً ما هو أقوى ممَّا يعتبره نتيجة قوَّة التوحيد والولاية هو الحكم والخلافة بالسیف للوليِّ الإلهيّْ. وعلى هذا الأساس، فهو يعتبر بعض الآيات القرآنيَّة مثل قوله تعالى: }وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ{ (سورة آل عمران، الآية ١٥٩) تتحدَّث بشأن الخلافة بالسيف وليس بشأن نبوَّة رسول الله (صَلّى الله عليه وآله وسلّم) أو رسالته (ابن عربی، 1994، 14: 593)، وذلك لعدم وجود سبيل إلى المشورة في تلك الشؤون حيث يكون كلُّ شيء بأمر الحقِّ تعالى.
كانت قوة هذه الأفكار حتى قبل ابن عربي،وكانت السيرة العمليَّة المعروفة والجارية للكثير من العارفين، بل وحتى النمط السلوكيّ للعديد من النِّحَل العرفانيَّة، تتمحور حول مساعدة العباد والخَلق. لم تكن فکرة نادرة أن يخدم السالك لعباد الله فحسب بل كان أيضاً ممارسة شائعة وجاریة. والأكثر إثارة للاهتمام أنَّه حتى النصائح السلوکيَّة أثناء العزلة منظَّمة بطريقة لا تسمح للسالك بقطع الاتصال مع الجسد الاجتماعيّْ. فعلى سبيل المثال، يعدُّ الحضور في جلسات الذكر والولاية، بالإضافة إلى المشاركة في الجمعة والتجمُّعات، أمراً مؤکَّداً أيضاً في مثل هذه الفترة.
إضافة إلى ما ذكرناه أعلاه، تحدّث ابن عربي عن نظرة العارفين إلى الظاهر وعلاقته مع الباطن، فإذا كانت العلاقة بين الظاهر والباطن للبينونة كاملة، واعتبرنا العارف باطنيَّاً، فإنَّ اهتمامه بالظاهر يلزمه أدلَّة مستقلَّة، لكنَّ التأمُّل في الأفكار العرفانيَّة واضح تماماً، وأنَّ الظاهر يُعدُّ مرتبة من مراتب الباطن، والفارق المذكور ليس مرئيَّاً أصلاً. وخلافاً لآراء المشَّائين الذين يعتبرون الروح المجرَّدة هي حقيقة النَّفس، وأنَّ تعلُّق الجسد بها هو عارض بشكل أو بآخر، يصوِّر لنا صدر المتألِّهين النَّفس بأنَّها حقيقة تمتلك شؤوناً من أعلى المراتب إلى أدناها وهي المرتبة الجسديَّة، مستلهماً ذلك من الآراء العرفانيَّة. على هذا الأساس، فإنَّ تدبير الجسد يُعدُّ تدبيراً للنَّفس وليس لأدوات النَّفس ووسائلها. والجدير بالذِّكر أنَّ الملَّا صدرا نفسه يستنتج من ذلك ضرورة الاهتمام بالسياسات والتدابير الدنيويَّة (صدرالمتألِّهین، 1360، 361-366). إنَّ فهم العارفین للقلب، الذي ينعكس في العديد من المؤلَّفات، يتَّفق بوضوح مع انطباع كهذا کهويَّة واحدة ممزوجة من أعلى المستويات أي الروح حتی النفس الحیوانیَّة المکوَّنة في المادَّة.
خلاصة القول أنَّه عندما يُفهم الجسد والروح على أنَّهما شيئان في العرض، تظهر مشكلة تقدُّم بعضهما علی البعض الآخر، لكن في الرؤیة الطوليَّة لا توجد مشكلة من هذا القبيل. ولعلَّ ما يؤكِّد هذه النظرة اعتبار الجسد كمصداق للرَّحم وضرورة الصلة والاهتمام به وعدم الإعراض عنه، وهو أمر تمَّ توضيحه تماماً في كتاب “مصباح الأنس” (فناری، 2010، 126). في الوقت نفسه، يبدأ السلوك نحو الباطن من الظاهر، وبعبارة أخرى، المظهر له تدخُّل خطير في السلوك، كما تمَّ اعتبار الوصول إلى الباطن كتوقُّف عند (المحو) باعتباره مرتبة أدنى من (المحو بعد المحو)، ثمَّ الرجوع مجدَّداً من الباطن إلى الظاهر والتدبير والاهتمام بالظاهر.
من الناحية التاريخيَّة، لا يوجد تعارض بين العرفان والتوجُّه الإجتماعيِّ، بل هناك مرافقة وانسجام. وثمَّة الكثير من الشواهد يمكن تقديمها لتأييد تحقُّق مثل هذه الأفكار في أصل تأريخ العرفان. على سبيل المثال، كان للإنسان الحافي الزاهد للغاية تأثير كبير في قرارات الحاكم الجائر في بغداد آنذاك. بمعنى آخر، لم يمنع الزهد تأثيره الاجتماعيَّ. وفي باب الزهد، وكون الإمام علي (عليه السَّلام) أسوة حسنة لأغلب الفِرق الصوفيَّة، تشير الدلائل إلى أنَّ الصوفيَّ والعارف في الزمن الماضي لم يكن يرى أيَّ تهافت بين الزهد والحضور الاجتماعيِّ المكثَّف، وفي نموذج (سربداران – الفدائيُّون) وأمثال الشيخ حسن الجوري المؤسِّس للاتِّجاهات العرفانيَّة الجادّة[2]، فإنَّهم لم يَروا أيَّ تعارض بين النظرة التوحيديَّة والنضال الاجتماعيّْ. بالطبع، لم يُلاحظ بشكل عام وجود عارف في المشهد الاجتماعيِّ ثمَّ أفاد بأنني قد دمرت خصوصيَّتي وسلوكي بهذا الوجود الاجتماعيِّ، ولیته لم يحدث ذلك! وهذا يتناقض مع الصورة التي يميل العلمانيون إلى تصويرها من العرفان، ویعرفونه تعدُّديَّاً ومتسامحاً إلى درجة عدم وجود أيِّ موقف ضدَّ معارضي الدين[3]. وتُظهر المواقف الواضحة للشيوخ العارفین في القضایا الحسَّاسة الاجتماعيَّة والتاريخيَّة اختلافهم العمليَّة والنظريَّة مع المناهج المحايدة ولو کانت تحت ذريعة التعدُّدیة. فعلى سبيل المثال، كان ابن عربي نفسه من الداعمين الكبار لمحاربة المسيحيين الصليبيين خلال الحروب الصليبيَّة[4].
بالطبع، لقد رأينا أنَّ البعض قد ساوى عمليَّاً بين مفهومَي “السعادة الوجوديَّة” و”السعادة السلوكيَّة” من خلال الخلط بينهما. وقد حملوا حكم العارف في قضیَّة “السعادة الوجوديَّة” على “السعادة السلوكيَّة”، واستنتجوا أنَّ العارفین یقولون بصحَّة عقیدة الجمیع ، ومع القليل من الدقَّة في الإختلاف بين هاتین المسئلتین يتم الكشف عن بطلان مثل هذا الإستنتاج (أميني نجاد ، 1390 ، 553-559).
يجدر القول أنَّ العارف صارم وصعب جداً في معرفة مکانة الحق، ومعياره حضرة الرسول الخاتم صلَّی الله علیه و آله و سلَّم. لكن مدى تسامحه العمليِّ هو سيرة الرسول الكريم، والتي تختلف بطبيعة الحال عن المناهج الکلامیَّة التي طوال التاريخ أدت بسرعة إلى الرفض والإنكار والتكفير. ومع ذلك، وبغضِّ النظر عن مبدأ الفكر، هناك اختلافات وظيفيَّة واضحة بين العارفین، وهو أمر طبيعيٌّ مثل الاختلافات نفسها بين الفقهاء المسلمين، وبين فقهاء الشيعة أيضاً. أي أنَّ مبدأ الفکر هو نفسه كما سبق، ولكن نظراً للإختلافات في المزاج الشخصيِّ ونقاط الترکیز المختلفة، يمكن الإعتراف باختلافاتهم في السیرة، بيد أنَّ الخلاف في سیرة الفقهاء لم يؤدِّ إلى إنكار أساس وحدة فكرهم.
مع التفاصيل المعلنة، يتَّضح أنَّ مشکلة العرفان القائمة على الانحرافات عن نظام الدنیا، وبالتالي عدم القدرة على بناء الحضارة، ليس لها معنى.
ثانياً- القدرات الافتراضيَّة للعرفان في تأسيس الحضارة الإسلاميَّة الجديدة:
سنركِّز في هذا الجزء من مقالتنا على أمريْن اثنيْن، هما: الدور الرئيس للعرفان في تأسيس الحضارة الإسلاميَّة، ودور العرفان بين العناصر المؤسسة للحضارة:
أ) الدور الرئيس للعرفان في تأسيس الحضارة الإسلاميَّة:
بما أنَّ الإسلام دين توحيديٌّ، وحتى العديد من المفكِّرين غير المسلمين[5] يعتبرون نقطة اختلافه التوحید، لكن بناءً على آراء أمثال العلاَّمة الطباطبائي، يمكننا القول أنَّ جميع القواعد والتعاليم الإسلاميَّة في الأجزاء المختلفة متفرِّعة من التوحيد وراجعة إلیه (الطباطبائي ، 1371 ، 10: 135). وبطبيعة الحال، يمكن بسهولة الاعتراف بأنَّ ظهور هذا الدين في الأفق الحضاريِّ لیس إلاَّ المحاکاة والدعوة التوحیدیَّة الدائمة.
مع ذلك، فإنَّ المكانة المركزيَّة للعرفان في تنظيم مثل هذه الحضارة حین المقارنة بالعلوم الإسلاميَّة الأخرى واضحة تماماً، لأنَّ العرفان سواءً من الجانب النظريِّ أم العمليِّ، يحاول توسیع عقيدة التوحيد حيث يُعرَّف السلوك بأنَّه التقرُّب إلی الله.
تنعكس نتيجة هذا السیر في العرفان النظريِّ كظهور الحقِّ المتعالي في جميع مظاهر الخلق والوجود في العقيدة القويَّة جدَّاً أي “الوحدة الشخصيَّة في الوجود”. وعليه، فإذا كان الإسلام يدور حول محور التوحيد وانعكاساته، وكان العرفان يعتبر نفسه قائماً على أساس التوحيد وظاهره، فإنَّ الحضارة الإسلاميَّة ستتقبَّل مركزيَّة العرفان ودوره المحوريِّ بشكل جيِّد ذلك أنَّ الكثير من الآراء التوحيديَّة واضحة وبائنة في منظومة العلوم والتراث العرفانيّْ. والأكثر صراحة من ذلك هو أنَّ بالإمكان إيجاد التوحيد الإسلاميِّ في مصاف الحضارة من منظار الفكر الكلاميِّ، إلاَّ أنَّه لا يمكننا إيجاد مثل هذه الأفكار بهذا العمق والغنى المطلوب والراقي الذي نجده في تعاليم الدين والقرآن لأنَّ الوجهة الأساسيَّة للكلام الموجود والتأريخيِّ هي وجهة جدليَّة وأحياناً مبنيَّة على أساس العقل العرفيِّ، وثمَّة بَون شاسع بينه وبين العقل الدينيِّ المدرَّب والمعمَّق، لدرجة أنَّه حتى لو استخدم العقل التبیینيُّ الذي يسعى لشرح كلِّ موضوع وقضيَّة بشكل مستقلٍّ، فإنَّه لم یخرج من نطاق الفكر الجدليِّ لأنَّ التبیین الذي لا يتماشى مع الأفكار الدينيَّة سيجلب نوعاً من التناقض الخفيِّ في الخلفيَّة، وسيكون الحدُّ الأقصى من التنسیق مطابقاً لرؤیة الناظر بشکل مجمل. ومن ثمَّ فإنَّ التركيز على العقل الناظر إلی الأمر الذي يسعى لوصف الواقع كما هو، مهمٌّ جدَّاً وأساسيّْ. حتى مشاهد المعارك المتعدِّدة، التي يبدو أنَّها تدور حول الفاعليَّة والأفعال البشريَّة، تتمُّ مراجعتها في القرآن بنظرة توحيديَّة، ولا يمكن توقُّع تفسير مثل هذا الأمر إلاَّ من خلال المعرفة العرفانیَّة.
ب) دور العرفان بين العناصر المؤسِّسة للحضارة:
بالتفاصيل السابقة، يجب الآن شرح العناصر، بما فيها العرفان، والتي يمكن أن تتکوَّن الحضارة الإسلاميَّة من خلال تأليفها وتنسیقها. ثمَّة أسئلة تُطرح في هذا المجال، منها: هل العرفان بالنمط المذکور ظهر وتجلَّی في نموذج الحضارة الإسلامیَّة السابقة إم لا؟ وماذا يمكن أن تكون النسبة بين الحضارة المنشودة والحضارة الإسلامیَّة السابقة؟ وما هو الدور الذي سيلعبه العرفان في هذا المجال؟
في ما يتعلَّق بالسؤال الأول یجب الانتباه إلى أنَّه إذا كان من المُقرَّر أن تلتزم الحضارة الإسلاميَّة في الحقيقة بوصفها فلا بدَّ لها من أن تكتسب مكوِّناتها الخاصَّة من الإسلام، وهي مكوِّنات تضمن استمرارها وبقاءها بروح إسلاميَّة وعندما تفقدها فلن يكون بالإمكان تسميتها بهذا الاسم.
يبدو هذا في الإسلام بالمعنى العام – وليس بمعنی الأحکام والنسك فحسب – وقد اجتمعت بعض الأمور الأساسيَّة فيه، وهي أمور ليست موجودة بشكل عرضيٍّ وتركيب اعتباريٍّ، بل هي في الحقيقة مؤلَّف خاصٌّ منسوج بعضه ببعض، وهذه الأمور هي المعنويَّات والعقلانيَّة والشَّرع بمعناه الخاصِّ (الدين من وجهة النظر إلی أحكامه). بعبارة أخرى، يشمل الدين بالمعنى العام هذه المجالات الثلاثة، وأيُّ فصل بين هذه الأمور والعناصر سيؤدِّي عمليَّاً إلى الانحطاط أو ظهور الناقص. على سبيل المثال، في محاولات السلفيين المعاصرين بل في الوهابيَّة يظهر هذا الانحراف بوضوح – بالإضافة إلى عيوب أخرى- بسبب التركيز المفرط على بعض الجوانب الظاهریَّة للدين. والأكثر إثارة للإنتباه هو أنَّ الحركة الفكريَّة غير الدينيَّة في إيران، رغم الحضور القويِّ لنوع معيَّن من العقلانيَّة الشيعيَّة، حاولت إعادة قراءة الدين بتفسير نقليٍّ كامل ومساواة الدين بالنصوص الدينيَّة فحسب[6]. ويمكننا ملاحظة مثل هذه المشاعر العرفانيَّة للمسلمين في هذا الاعوجاج وذلك في نَقد الزهد الجافِّ والعنيف في بعض الأحداث الاجتماعيَّة من تاريخنا. وقد انتقد الشيخ الرئيس ابن سينا هذا النوع من الزهد في النمط التاسع من كتابه (الإشارات) وتعرَّض له بشكل جادّْ. (ابن سینا، 1375، 144). ما تمَّ التعبير عنه في لغة الأساتذة والشيوخ المعاصرين بـ ” القرآن والعرفان و البرهان لا ینفصلون عن بعضهم البعض” (حسن زاده الآملي، 1379، کل الکتاب). وأمَّا ما جاء على لسان الماضين من أهل المعنى والتأكيد على الرَّبط بين العناصر الثلاثة المذكورة (الشريعة والطريقة والحقيقة)، فيشير إلى هذا المطلب، الذي هو في الفترة الثالثة من الفترات المتعدِّدة للعرفان النظريِّ، كما يمكننا مشاهدة هذا المعنى أيضاً في فكر الملاَّ صدرا حيث استطاع بيان هذا الانسجام والتوافق إلى حدٍّ كبير. (یزدان پناه، 1388، 60-58).
من المهمِّ الانتباه إلى هذه الثلاثية من بُعد آخر، فالأمور الثلاثة المذكورة أعلاه مرتبطة مع الأمر نفسه، وأخذ تلك الأمور معاً بعين الاعتبار يُصاحبه نوع من التداوب الأسلوبيِّ في الوصول إلى الواقع. ولا بدَّ من القول أنَّ مجرَّد وضع تلك الأمور جنباً إلى جنب لا يمكنه إيجاد التوافق المطلوب، بل یمکننا أیضاً، بالإضافة إلى الآراء التي تؤدِّي إلى حذف شيء أو شيئين من الأمور المذكورة أعلاه، الرجوع إلى الآراء والتفاسیر التي تحافظ على جميع الأمور الثلاثة، وتنشئ علاقة مختلفة بينها. على سبيل المثال، يجب التأكيد على العقلانيَّة بحيث يؤدِّي ذلك إلى إضعاف المعنويَّة هو من الأخطار التي يمكن أن تُهدِّد مجامعنا الفكريَّة الحاليَّة، بينما يبدو للعيان أنَّ النموذج المطلوب هو أن تكون العقلانيَّة في قلب المعنويَّة، ثمَّ البحث عن أوجهما في معين الشريعة. كذلك بالمقارنة مع تيار الفكر التقليديِّ، رغم أن نوعاً من الروحانيَّة قد أصبح جادَّاً إلاَّ أن العقلانيَّة والشريعة – مع تأكيدهم على لزوم التشريع والالتزام بالدين – تقلَّصت إلى حدٍّ كبير عن الموقف المطلوب، كما يمكن القول أنَّ عقلانيَّة هذه المدرسة بعيدة كلَّ البعد عن العقلانيَّة الصدرائیَّة. وأمّا الوجه الآخر لنسبة الانسجام هذه فهو عودة العقلانيَّة مع المعنويَّة المتعاظمة إلى التراب والدنيا والجسد والتجربة. كما في مثال الإمام الخميني (ره) يمكن رؤية الجمع بين العناصر الثلاثة المذكورة مع التجلِّي الدنیويِّ إلى حدِّ تدبیر وإدارة حكومة، بل إلى حدِّ حركة تاريخيَّة بنَّاءة لحضارة[7].
من الواضح أنَّ سیطرة التوافق المطلوب من تلك الأمور الأربعة (أي، العناصر الثلاثة المذكورة إضافة إلى تجلّيها ومُخرجاتها الدنيويَّة)، يقع على عاتق الفضاء الفكريِّ والفهم العلميِّ الذي أن يكون صانعاً للحضارة، ویظهر نتيجة تتماشى مع الأغراض الدينيَّة. مثلاً، في الفقه الذي لیس فیه اهتمام بالروحانيَّة أو في علم الأصول الذي تضاءلت العقلانيَّة فیه، فإنَّ الحديث عن التوجُّه نحو آفاق الحضارة الإسلاميَّة المنشودة لا طائل من ورائه.
حتى في الجانب الفرديِّ لا يستطيع الفقيه الذي – على سبيل المثال – لا ينتبه للواقع الخارجيِّ الدنیويِّ، أن يقدِّم عملاً جديراً ومتوقَّعاً وأیضاً تشخيصه الموضوعيُّ سیکون بطريقة خاصَّة. ويمكننا الإشارة إلى العديد من المُخرجات من هذه التوليفة في الحضارة الإسلاميَّة الماضية والتي تحاكي روح الدين الإسلاميِّ بمعناه العامِّ. ومن الأمثلة البارزة على هذه التوليفة مركزيَّة المسجد في المدينة، والملابس التي لا نجد فيها صفة إظهار معالم الجسد أو تعكس التكبُّر.
بالطبع، يمكن إحصاء عناصر أخرى بالإضافة إلى الثلاثية المشار إلیها، ولكن يبدو أنَّ الأخری يمكن استخلاصها من قلب الأمور المذكورة أعلاه عن طريق التحليل، وهي على سبيل المثال، الآراء الفنيَّة والأحاسیس والعواطف الإنسانيَّة المناسبة لمثل هذا الجوِّ، أيضاً يمكن استخلاصها من الثلاثيَّة نفسها.
إنَّ سبب التأكيد على الثلاثيَّة المذكورة هو أنَّها تتمتَّع من موقع أصاليٍّ ونفس الأمريِّ الذي يتجلَّى أخیراً في الدين بمعناه العام. وتنعكس روحها في العلوم الإسلاميَّة المختلفة، كما في الفلسفة الإسلاميَّة في نوع النظرة إلى الرَّسول والديانة الغالبیَّة، وأن یکون النبيُّ هو العقل الکلّ، هو ترجمة جيِّدة لهذه الروح في جوٍّ عقلانيّْ.
إنَّ السرّ في بقاء كلِّ أمر يتشكَّل على أساس هذه الروح أيضاً يكمن في أنَّ هذه الأمور المتوافقة والمنسجمة في الواقع هي التي تشكِّل صورة الحقيقة، وأنَّ أيَّ أمر آخر أو توليفة أخرى تكون باطلة بحسب النسبة التي تفصلها عن تلك الحقيقة.
وفي مقام تحليل الحضارات كذلك، يمكن الإشارة إلى بعض الحضارات التي نشاهدها بشكل (تآكل باطنيٍّ) والمصاحب للتناقضات الداخليَّة، رغم اتِّصافها ببعض التوسُّع، وبعبارات أخرى، فإنَّها باطلة وإن بالمقياس الحضاريِّ لقدرة الظهور، وهذه القوَّة ناجمة عن النسبة والاستمداد اللذيْن تكتسبهما من الحقِّ، لكنَّها، بسبب بطلانها من حيث الدوام والبقاء، مُعرَّضة لمشكلة الأزمات الداخليَّة، أو للزهوق بالتعبير القرآنيّْ (طباطبایی، 1371، 13: 177).
أمَّا الانجاز العرفانيُّ لتحقيق الأمور الثلاثة (أو الأمور الأربعة)، فيمكن ملاحظته في النقاط التالية:
أوَّلاً: أنَّ العرفان ظاهرة تُعنى بالمعنويَّة التي تهتمُّ بالمجال الباطنيِّ بشكل جادٍّ، وإن من خلال اهتمامها بالظاهر. وبناءً على هذا، فإنَّ العرفان هو نوع من التحقُّق وظهور مَنويَّات الدين في ساحة المعنويَّة مع تجربته التاريخيَّة. وتكمن أهميَّة ذلك في كون نقَّاد العرفان المسلمين ليس لديهم خيار سوى الاعتراف بأنَّ الكثير من العلاقات الأخلاقيَّة للمجتمع الإسلاميِّ من الماضي إلى الحاضر قد تمَّت تغذيتها من خلال وجهات نظر وأساليب عرفانیَّة.
إضافة إلی ذلك، يُعتبر تكوُّن حضارة ما في أحضان المعنويَّة العميقة هو شرط بقائها وحاجتها الأساسيَّة، وبإمكان العرفان من هذه الناحية أن يكون العون الأكبر في مجال صنع الحضارة الإسلاميَّة المعنويَّة. ويحظى ضمان المعنويَّة بأهميَّة كبيرة بحيث تسعى الحضارة الغربيَّة الحاليَّة إلى إصلاح وتعويض تهافتاتها الداخليَّة من خلال حقن شكل من أشكال الأخلاق والمعنويَّة إلى جسد حضارتها الميِّت، أو في الأقلِّ الحؤول دون أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، والدليل على ذلك هو الحديث عن الأخلاق الحرفيَّة، والأخلاق الرياضيَّة، والأخلاق الطبيَّة، وما شابه ذلك، والذي أصبح الیوم منتشراً في کلِّ مکان، واعتبر بمثابة عمل منفصل بعد تحقيق مجالات الحضارة، ومع ذلك فإنَّ نتاج أُسُس الفكر الغربيِّ حول الحضارة والأخلاق والروحانيَّة سيكون علمانيَّاً والذي بالنظر إلی واقع هذه الأمور يمكن الاعتراف بأنَّه لم يكن لديه حقيقة الأخلاق والروحانيَّة بل صورة وشبح منها.
علی هذا الأساس، فإنَّ تکوُّن حضارة على أساس الروحانیَّة العميقة هو شرط للبقاء وحاجة أساسيَّة له، ويمكن أن يكون العرفان في هذا الصدد بمثابة مساعد رائع جدَّاً في مجال بناء حضارة روحيَّة إسلاميَّة.
ثانياً: رغم عدم اهتمام العارفين في العصور الأولى بالمنزلة العقلانيَّة لآرائهم وفرضيَّاتهم، فقد تشكَّل نوع من التعامل الثنائيِّ مع مرور الزمن بين العرفان والفلسفة الإسلاميَّة، وكانت نتيجة ذلك ولادة نوع من العقلانيَّة المعنويَّة الخاصَّة التي تعاظمت في شخصيَّة صدر المتألِّهين، كما أنَّ إنجازات العارفين الفلسفيَّة الكلاميَّة تتَّصف بالعقلانيَّة كذلك.
ثالثاً: قدَّم العرفان نموذجاً من المحوريَّة التشريعيَّة والاهتمام الجادِّ والاتِّباع الكامل للتعاليم الدينيَّة.
رابعاً: يقدِّم أسلوب الفهم الدينيُّ المتأثِّر باتِّجاهات العارفين تحت عنوان (التأويل)، يقدِّم طاقة كبيرة للخوض والبحث المتعدِّد في معاني النصوص الدينيَّة بل وفي حقائق العالم ومنها العالم الإنسانيُّ كالثقافة والحضارة. في شرح هذه الميزة، وخلافاً للمقالة الشائعة عن التأويل التي تصوِّره بأنَّه أخذ المعنى المُخالف للظاهر من النصوص، فإنَّ التأويل العرفانيَّ يصرُّ على التحفُّظ على ظاهر النصوص الدينيَّة، وفي الوقت نفسه يعمد إلى أخذ مثل تلك المعاني من النصوص بالاستناد إلى إمكان الحصول على المعاني الطوليَّة والعرْضيَّة في الكلمات والجُمل. في أجواء الظواهر الموضوعيَّة کذلك يتلقَّى العارف معانيَ خاصَّة من الأحداث الخارجيَّة بالنظر إلی علاقتها مع ألأحداث الباطنیَّة. وعلى هذا الأساس يمكننا الادِّعاء أنَّه، ومن خلال الاستمداد من الأسلوب التأويليِّ كأحد الإنجازات العرفانيَّة وليس بعنوان طريقة تقتصر على العارف وحده، بل يمكن استخدامها كطريقة یمکن إثباتها بعقلانیَّة، من قبل المألوفین مع هذه الطریقة يمكن الحصول على نوع من التأويل الحضاريِّ من نوع (الجري)[8] لفهم روح الحضارات، وخصوصاً الحضارة الإسلاميَّة الماضية، وأحياناً أخذ النموذج المطلوب لصناعة الحضارة.
وهكذا، وبواسطة (الجري الحضاريِّ)، يمكن الوصول من خلال المسائل الحضاريَّة الجزئيَّة ولا سيَّما الحضارة الإسلاميَّة الماضية، إلى روح تلك المسائل والمعاني الموجودة في خلفيَّتها، ثمَّ حملها على المورد الجزئيِّ الحالي وبحسب الظروف. وقد ظهر بعض أعمال الفقهاء في عملهم الاستنباطيِّ على أساس هذا الجري الجزئيِّ أيضاً، وعلى سبيل المثال، فإنَّ قيام فقيه ما بتعميم حكم حليَّة أمر ما بمصداق خاصٍّ في الماضي على مصداق حاليٍّ من دون أن يكون عنواناً لمورد من الموارد المنصوصة العلَّة، هو في الحقيقة نوع من الجري. فهذا الفقيه، وبالاستناد إلى روح القانون، قد ألغى الخصوصيَّات العصريَّة لمصداق القانون، ثمَّ قام بتطبيقه على المصداق الحالي. ومن خلال هذه النظرة يمكن استنباط الرأي الخاصِّ بالشكل الحالي من قلب (البيعة) على لسان الشارع المقدَّس بدقَّة عقليَّة كاملة. بالطبع لا يقتصر الجري على جري الجزئيِّ إلی الجزئيِّ بل يتمُّ أحياناً بتطبيق قاعدة على حالة معيَّنة والتي يمكن اعتبارها جري الکليِّ إلی الجزئيِّ.
ما سبق من القول عن میزة صدر المتألِّهين في التألیف المتناغم والدقيق للعناصر الثلاثة من العقلانيَّة والروحانيَّة والشريعة، ينبغي في الواقع اعتباره نجاحه في نوع من التعمُّق في روح الدین بمعناه العام.
لذلك يجب أيضًاً اعتبار إعادة قراءة هذه التلاؤم في العصر الحالي، وفي الظواهر الثقافيَّة والحضاريَّة الجزئيَّة والكليَّة بمثابة الجري. وعَبر النظرة الجزئيَّة فإنَّ بإمكان الباحث الخوض في بعض الظواهر مثل بناء المدن والغطاء والرياضة والعلاقات، وما شابه ذلك ممَّا كان في الحضارة الإسلاميَّة الماضية بالروح والأصول الكامنة في التجلِّيات الحضاريَّة، وبالاستعانة بهذه المعاني المتعاظمة يمكن الوصول إلى تخمينات قويَّة بشأن النتائج الحاليَّة لتلك الظاهرة ضمن إطار منسجم مع التعاليم الدينيَّة، على سبيل المثال، كانت الرياضة في الحضارة الماضية معروفة باحترام الكبار والسادة والروَّاد، ولذلك لا يمكن للرياضة في الحضارة الإسلاميَّة المطلوبة أن تخلو من هذه الميزات.
بطبيعة الحال، فإنَّ فرضيَّة هذا الرأي هي أنَّ إمكانيَّة إعادة بناء وإحياء الحضارة السابقة بمعنى إعادة إنشائها مستبعد، وإذا كان من المقرَّر أن تظهر الحضارة الإسلامیَّة في الوقت الحاضر فهي حضارة جديدة وإن کان لديها الكثير من المشترکات مع الحضارة الإسلاميَّة السابقة، ولکن لا يعتبر إعادة خلقه بأيِّ شكل من الأشكال. وفي الوقت نفسه، فإنَّ الحديث عن الحضارة الإسلاميَّة السابقة لا يعني تأیید كلِّ جوانبها ومظاهرها بل يمكن القول أنَّها کانت متمتِّعة بروح الإسلام الحقیقيِّ إلى درجة مناسبة وإن کانت بسبب الانحرافات التاريخيَّة بعیدة عن النقطة الإسلاميَّة المنشودة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ البحث عن ظهور حضارة إسلاميَّة جديدة لا ينبغي تفسیره بأنَّه لم یتمّ تحقیق أيِّ جزء من الحضارة والثقافة الإسلاميَّة في الوقت الحالي؛ بل إنَّ المواقف الذكيَّة التي تتَّخذها إيران الإسلاميَّة الآن بالنسبة إلی الحضارة الغربيَّة تظهر علامات وجود الدعام الدلاليَّة وحتى تجلِّيات الحضارة الإسلاميَّة في أذهان الإيرانيين وحياتهم. والدليل على ذلك أنَّهم لم یکونوا مقيَّدين أمام تصرُّفات الحضارة الغربيَّة ولو لم یتمتَّعوا من دعمات لتحوَّلوا في هاضمة الحضارة الغربيَّة بسهولة في جميع المجالات.
بعض أسباب عدم تحقُّق الحضارة الإسلاميَّة الحديثة رغم وجود العناصر المطلوبة:
تثير القضايا المذكورة أعلاه بشكل طبيعيٍّ هذا السؤال: إذا كان التراث العلميُّ، بما فيه التراث الإسلاميُّ العرفانيُّ، في متناول الید وبه یمکن الحصول علی روح التعاليم الإسلاميَّة، ومن خلال فهم الروح یتمُّ فتح طريق بناء الحضارة خصوصاً بطريقة ” الجري الحضاريِّ”، فلماذا لا يوجد نجاح كبير من الناحية العمليَّة في هذا المجال؟
للإجابة عن هذا السؤال المهمِّ، يمكننا إحصاء بعض النقاط، أبرزها:
١- فقدان الحكم المتناسب: يمكن للحكم السياسيِّ أن يكون قوَّة للبسط الكبير للحضارة، وفي حال غيابه بصرف النظر عن الموانع، تكون سرعته ضعيفة لأنَّ الحكم – بالتوافق مع التعاليم الدينيَّة – يمكِّن العلماء من المواجهة والمقاومة مع الساحة الاجتماعيَّة العينيَّة ومسائلها الكثيرة، وفي حال فقدان هذه القاعدة فإنَّ ذلك يعني عدم الاتِّصال الواسع مع المجتمع. تفسِّر ذلك جيِّداً حالة التطوُّرات الفقهيَّة الشيعيَّة في جزء كبير من التاريخ الشيعيِّ حيث نظر إلی المجالات الفرديَّة بسبب فقدان المكانة الاجتماعيَّة[9].
٢- البسط الضعيف للثقافة: ذكرنا أنَّ البسط الثقافيَّ شرط لازم لتحقُّق الحضارة، ويُقصَد به الإذعان لقبول الأفكار والعقائد الأساسيَّة التي هي وليدة الثقافة والحضارة. في الأقلِّ ينبغي لمجموعة النخبة في المجتمع أن تقوم باتِّصال مباشر مع تلك الآراء والأفكار، بينما نلاحظ في الظروف الحاليَّة أنَّ قسماً كبيراً من تراثنا الفكريِّ والعلميِّ لم يحظَ بالقبول المطلوب، بل لا نرى الحدَّ الأدنى من الاهتمام الجادِّ المطلوب للنَّقد وإعادة البناء في العديد من المحافل. والشاهد على ذلك هو نوع المناقشات التي تُرى أحياناً في وسط المسؤولين المتوسِّطین في البلاد. على سبيل المثال، هل يجب أن تتبع الحكومة الإسلاميَّة الحجاب رسميَّاً في النهاية أم تترك للناس حريَّة الاختيار؟ توضح هذه الأسئلة والشكوك الأوليَّة مستوى التعميم وتحويل التعاليم الدينيَّة إلى الثقافة.
في الحقيقة، نحن نريد تنظيم الحياة الفرديَّة والاجتماعيَّة وفقاً للإسلام ليست محلَّ خلاف كبير، ولكن بمجرَّد أن ندخل في التفاصيل، لا نجد إجماعات ثقافيَّة جدیرة.
٣- عدم توسُّع بعض الآراء المهمَّة والمصيريَّة: في المجال الفكريِّ كذلك لم تتَّسع بعض المجالات الحضاريَّة الجادَّة إلى المقدار المطلوب، على سبيل المثال، فإنَّه رغم طرح الفارابي للحكمة العمليَّة ظلَّ هذا النوع من النظرة إلى تأريخ تطوُّرات الفكر الإسلاميَّة عقيماً وغير فاعل. بالطبع، هذا لا يعني أنَّ رأس المال العلميِّ المتراكم يجب أن يعتبر عائقاً بالنسبة إلی وجهات النظر الحضاریَّة من خلال تحويل النقاط المحوريَّة للمفكِّرين إلى مجال الشؤون الميتافيزيقيَّة.
بل إنَّ التوسُّع في هذا المجال أيضاً يوفِّر رأس مال عميقاً للغاية لإعادة تجدید الأجزاء الأخرى وبقايا الأفكار الحضاريَّة.
بعبارة أخرى، الآن وقد ورثنا دعماً كبيراً من العقلانيَّة الروحيَّة في شتَّی القضايا، يمكن لهذا الإرث أن يعزِّز بشكل كبير قوَّة تقييم وبناء حضارة جديدة، لأنَّ القوى التحليليَّة العقلیَّة والفكريَّة يمكن أن تُرسي الأُسُس الراسخة للفكر والحضارة.
في نموذج الحضارة الغربيَّة إذا كان ديكارت يُعتبر مؤسِّساً لجزء من أُسُسها الأساسيَّة (کوبلستون، 1380ج 4: 11)، فیلاحظ بوضوح أيُّ زلزال أحدثت نقاط الضعف الفلسفيَّة والفكريَّة لهذا النوع من التفكير في أُسُس هذه الحضارة بعد فترة؛ بشکل، وفقاً لتحليل بعض المفكِّرين، لم يكن للشك الديكارتيِّ غير المستقر أي خيار سوى تجدید بنائه في شكل الشكِّ المستقرِّ الکانطيّْ. (بارسانیا 1379 ألف، 113).
الشك نفسه الذي لم يتخلَّ حتى الآن عن الفكر الغربيِّ، وأدخل جميع المدارس الفكريَّة الغربيَّة تقريباً في مآزقه غير القابلة للكسر. ومن هنا، فإنَّ عمق وجهات النظر العقلیَّة الإسلاميَّة لیس فقط لا يعيق آراء الحضارة بل هو أيضاً نوع من التأمين لإرساء أُسُس راسخة للحضارة الإسلاميَّة الجديدة.
قد یکون هناك إشكال آخر حول العقلانيَّة الإسلاميَّة وخصوصاً الفلسفة الإسلاميَّة والعرفان وذلك أنَّها لا تتنزَّل بأيِّ شكل من الأشكال من مکانتها المتعالیة البرج¬العاجیة أو مکانتها الماورائیَّة، ولا تملك أبداً القدرة على الاهتمام بنظام الحضارة الدنیائیَّة.
رداً على ذلك، یجدر ذکر الأمور التالية:
أوَّلاً: أنَّ كلَّ فكرة حتى أعلاها في أبراج الفكر العاجيَّة يمكن أن تمتدَّ حتى في مجال الحضارة. والسبب في ذلك هو ما مضی في البحث عن الهادفیَّة في الفعل والعمل الإنسانيِّ؛ يحدث كلُّ عمل فرديٍّ وجماعيٍّ للشخص بناءً على أفكار معيَّنة، ومع اختلاف عالم المعانيِّ والأفكار سيكون الاختلاف في الفعل أمراً محتوماً.
ثانياً: يجب الاعتراف بأنَّ بعض مجالات الفكر العقلانيِّ للمفكِّرين المسلمين مع قابليَّتها للتوسُّع بطبيعتها. کما أنَّ كلَّ فكرة من هذا القبيل- لكنها تحتاج إلى حلقات وسیطة ومتوسِّطة ورابطة تقرِّبها إلى مجال الموضوعيَّة الخارجيَّة. هذه الظاهرة هي نفسها ما يمكن وصفها بالمستويات المختلفة العلم من الأساسيَّة إلى التطبيقيَّة. بمعنى آخر، وفي الأجواء الحاليَّة للمجتمع الإسلاميِّ، إنَّ مشكلة عدم تشكيل بعض الدوائر الوسطى لإنتاج هي العلوم الوسيطة. لذلك، إذا استطعنا التحدُّث عن ظاهرة تسمَّى العمارة الحضاريَّة فیساعد في تشكيل مثل هذه الدوائر الوسيطة بشكل تبیین قوانین العلم أو أيِّ تدبیر آخر جزئيٍّ من هذه العمارة.
ثالثاً: كانت قوَّة الفکر الداعم للثورة الإسلاميَّة إلى حدٍّ استطاع تغيير العديد من المعادلات على المستوى العالميِّ، کما أنَّ مثل الاهتمام بقضية الدين في عالم اليوم يمكن اعتباره نتيجة ثقافيَّة وحضاريَّة لظهور هذه الثورة في إيران.
ولا شكَّ في أنَّ الثورة الإسلاميَّة كانت لها المظاهر الحضاریَّة الطبيعيَّة، أكانت کذلك في مکانة تدبیر الحضارة وعمارتها أم لا؟
يبدو أنَّه في الأجواء الحاليَّة انحصرت الاهتمامات الحضاریَّة في أصل الموضوع أي ضروة التوسُّع الحضاريِّ؛ لكن البحث عن العمارة الحضاريَّة، أو على الأقلِّ تسارع ظهور المخرجات الحضاريَّة للفكر الإسلاميِّ، لم تصل إلى أجواء ثقافة النخب، في حين أنَّ فقدان نهج حضاريٍّ لتقدُّم العلوم الإسلاميَّة واضح في غالبيَّة المفكِّرين الإسلاميين.
٤- الحاجة إلى حلقات الوصل العلميَّة بين المباني والعينيَّة: لا بدَّ من الاعتراف بأنَّ بعض مجالات الفكر العقلانيِّ للمُفكِّرين المسلمين، ورغم اتِّصافها بقابليَّة البسط الحضاريِّ من الناحية الذاتيَّة – كما هي الحال مع أيِّ فكرة أخرى – لكنَّها ما زالت بحاجة إلى حلقات وصل رابطة لكي تجعلها أقرب إلى ساحة العينيَّة الخارجيَّة. والواقع أنَّ هذه الظاهرة هي نفسها التي يمكن الإشارة إليها بالسطوح المختلفة للعلم بدءاً من السطوح الأساسيَّة، وانتهاءً بالسطوح التطبيقيَّة. وبعبارات أخرى، فإنَّ العلوم المتوسِّطة هي السبب في عدم تشكُّل بعض الحلقات الوسطيَّة المنتجة، ولهذا، فإذا كان بالإمكان الحديث عن ظاهرة باسم (العمارة الحضاريَّة) فإنَّ العون في تشكيل مثل تلك الحلقات الوسطيَّة في إطار وضع سياسة العلوم يُعدُّ جزءاً من تلك العمارة الحضاريَّة. ولو أنَّه من الممکن الإعتراف بأنَّ الأفكار الفرديَّة أيضاً يمكن أن يكون لها توسُّع اجتماعيٌّ وحضاريٌّ، ولکن المناقشة حول المقارنة وقوَّة الأفكار الفرديَّة على الأفكار الجماعيَّة يكون أكثر جدِّيَّة من حيث سرعة التطوُّر والاهتمام بالامتداد.
٥- سيطرة الاتِّجاهات الفرديَّة على الفهم والاستنباط: قد نلاحظ أحياناً في مجال المُفكِّرين المسلمين أنَّ الآراء الفرديَّة هي السائدة تماماً وكأنَّ الدين لا يملك أيَّ خطاب جماعيٍّ أبداً بحيث تمَّ نسيان حتى الخطابات الواضحة مثل قوله تعالى: }وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ{ (سورة آل عمران، الآية ١٠٤)، و}لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ{ (سورة الحديد، الآية ٢٥)، أو يتمُّ تفسيرها في إطار فرديٍّ بحت. لا شكَّ في أنَّ نتيجة مثل هذا الاتِّجاه بشكل طبيعيٍّ هو عدم الاهتمام الجادِّ بالمبادئ الفكريَّة الاجتماعيَّة للوصول إلى موقف حضاريّْ. ویبدو أن جزءاً من مجتمع النخبة والمفكِّرين قد یکون فی وشك الأخذ بهذا الاعتقاد.
ومن المهمِّ القول أنَّ هذا العامل يصبح بارزاً بشكل خاصٍّ عندما یلاحظ إلى تصوُّر بعض المفكِّرين الغربيين لمستقبل الحضارة الغربيَّة، حیث يعتبرون المواجهة الجادَّة بين الغرب والإسلام في مثل هذا المستقبل. فهم یرون الحضارة المنافسة لحضارتهم هي حضارة الإسلام وليس العديد من الحضارات الأخرى، وکما یظهر استعداد إحياء الإسلام على المستوى الحضاريِّ، کذلك تظهر مواجهة المنافس مع العالم الإسلاميِّ في الإفق نفسه.
خلاصة البحث:
يمكننا بيان التفاصيل الماضية بشأن قدرات العرفان الإسلاميِّ في صنع الحضارة على شكل نقاط، كالتالي:
١- يمتلك العرفان بفرعيْه النظريِّ والعمليِّ لساناً مبيناً في تقديم الوصف العلميِّ للحضارة؛ ففي المجال النظريِّ يفسِّر العرفان الحضارة بأسماء إلهيَّة وأحداث مختلفة بين تلك الأسماء، وفي المجال العمليِّ يتحدَّث العرفان بالعلاقة بين الحضارة والحقِّ تعالى ومقدار قربها وبعدها عنه سبحانه. وهذا ميزان يمتلك بحدِّ ذاته العبء القيميَّ الأكبر عند وصف حضارة ما.
٢- إنَّ العرفان الإسلاميَّ النابع من الإسلام نفسه وبالاستناد إلى المثل الأعلى له وهو الرسول الأعظم (صَلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد وصل أوج مساره العرفانيِّ، وبالاستناد إلى خصوصيَّة التعاليم الإسلاميَّة نفسها وسيرة حياة النبيِّ الكريم (صَلّى الله عليه وآله وسلَّم) فإنَّه لا يمكن لهذا العرفان أن يكون كارهاً للدنيا. وعلى هذا الأساس فإنَّ العرفان لم يتوقَّف عند فكرة (الفناء) أبداً في مسار بلوغه التاريخيِّ، بل استطاع الاهتمام بشكل خاصٍّ بالدنيا وتدبيرها كعنوان لعمله المحوريِّ والأساسيِّ في داخله وذلك من خلال طرح فكرة (البقاء بعد الفناء)، و(الرحلة الرابعة والتلقّي في هذه الرحلة)، و(الخلافة بالسيف) كشأن أسمى وتوحيد أرفع من مراتب الولاية السابقة. كما أنَّ الشواهد التاريخيَّة تشير بوضوح إلى أنَّ الكثير من العارفين كانت لهم مشاركات فاعلة في حياتهم. بل لم يشهد أيُّ عارف تناقضاً بين الاهتمام الجادِّ بالدنیا، حتى في قضيَّة مثل محاربة الكفرة وخصوم الأراضي الإسلاميَّة. وكلُّ ذلك هو نتيجة كون العارف قد نجح في الجمع الطوليِّ بين الظاهر والباطن على أساس الآراء العرفانيَّة حتى عدّ الظاهر مرتبة من مراتب الباطن.
٣- إذا اعتبرنا الإسلام ديناً توحيديَّاً في منشأه وفي ظهوراته، فإنَّ العرفان هو الذي يمتلك قدرة التقرير والتثبيت النهائيِّ لمثل هذه النظرة. ومن هنا فإنَّه لا بدَّ من اعتبار الحضارة التوحيديَّة المطلوبة في الإسلام حضارة عرفانيَّة بامتياز؛ ويمكننا القول بلسان العرفان النظريِّ: إنَّ الحضارة الإسلاميَّة المنشودة هي الحضارة التي تكون بمنزلة الظهور التامِّ لاسم الله الجامع.
٤- إذا اعتبرنا العناصر الثلاثة: الشريعة والعقلانيَّة والمعنويَّة ظهوراً لروح الإسلام فإنَّ العرفان هو الذي يضمن لنا النواة المركزيَّة للمعنويَّة الإسلاميَّة. كما توضح التجربة الموضوعيَّة للعالم الإسلاميِّ منذ البداية إلی الآن أنَّه حتى الأخلاق العامَّة للمجتمع الإسلاميِّ قد تغذَّت بالتعاليم العرفانیَّة. والسبب في ذلك أنَّ العرفان في حدِّ ذاته ظاهرة ناظرة إلی الروحانيَّة.
٥- إنَّ العرفان باعتباره أحد ضِلعيْن للعقلانيَّة والشريعة منسجم بشكل كامل، فقد أثبت في تجربته العلميَّة والعينيَّة بأنَّه يقبل الشريعة ويتعبَّد بها إلى حدٍّ كبير، وقد أوجدت العقلانيَّة في أحضان التجربة العرفانيَّة وبتفاعلها معها نموذجاً استثنائيَّاً باسم (العقلانيَّة الصدرائيَّة)، ولا نجد بديلاً عنها في الوضع الراهن.
٦- إنَّ الأسلوب العرفانيَّ في فهم النصوص والوجود باسم التأويل يمتلك كذلك القدرة في إيجاد النموذج والعمارة الخاصَّة بالحضارة، كما يمكن بواسطة (الجري) – وهو نوع من التأويل – القيام بإعادة بناء روح الحضارة الإسلاميَّة الماضية في الظروف الاجتماعيَّة الحاليَّة.
٧- رغم القدرات التي تمتلكها بعض العلوم كالعرفان الإسلاميِّ في وصف الحضارة الإسلاميَّة المطلوبة وتحقيقها إلاَّ أنَّ التركيز على إزالة موانع الحركة نحو الحضارة الإسلاميَّة هو أمر مستقلٌّ بذاته. إنَّ اتِّساع التوجُّه الحضاريِّ بين النخبة، ولا سيَّما في المجالات والفروع المختلفة للعلوم الإسلاميَّة، معناه الاهتمام بحلقات الوصل للعلم في إطار المسافة بين العلوم الأساسيَّة حتى التطبيق والاهتمام أيضاً بالكيان الجماعيِّ للتعاليم الإسلاميَّة وضرورة الاهتمام بعمارة الحضارة إلى جانب البحوث الحضاريَّة، وهي جانب من الملزومات في تلك الحركة. كلُّ هذه هي أمور ليست شائعة في الوقت الحاضر، ولم تتحوَّل إلى أمر عامٍّ وثقافيٍّ بل اقتصر الحديث عنها على بعض المحافل.
٨- إضافة إلى الملزومات أعلاه، فإنَّ تحقُق الحضارة الإسلاميَّة يحتاج إلى الاهتمام بكون الحضارة الغربيَّة مانعاً كبيراً من حيث الأجوبة الآنيَّة المتراكمة الموضوعة أمام الاحتياجات المختلفة، إلاَّ أنَّ مثل هذا الاهتمام لا ينبغي أن يكون مانعاً لعدم رؤية القدرات المتحقِّقة للثقافة الإسلاميَّة من قِبل الظواهر البارزة كالثورة الإسلاميَّة في مقابل الحضارة الغربيَّة. فالتجربة العينيَّة لتلك الثورة يمكنها أن تكون تجربة عظيمة لاستمرار الحركة في الأفق الحضاريِّ رغم التحدِّيات المفروضة من قِبل الحضارة الغربيَّة.
المصادر:
- القرآن الکریم.
- ابن سینا، حسین بن عبدالله،(1375)، الإشارات والتنبیهات، قم: نشرالبلاغة.
- ابن عربي، محيي الدین، (1946م)، فصوص الحکم، قاهره: دار إحياء الكتب العربيَّة.
- ابن عربي، محيي الدین، (1994م)، الفتوحات المكيَّة، عثمان یحیی(محقَّق/مصحَّح)، بیروت: دار إحياء التراث العربي.
- امینی نژاد، علی، حکمت عرفانی، (1390)، قم: معهد الإمام الخمينيِّ التربويِّ والبحثيِّ
- پارسانیا، حمید، (1379الف)، حدیث پیمانه: بحث عن الثورة الإسلاميَّة، الطبعة الرابعة، المطبوعات معارف.
- پارسانیا، حمید، (1379ب)، «عرفان، علیه تساهل و اباحه گری»، کتاب نقد، تابستان و پاییز، 14و15.
- پارسانیا، حمید، (1391)، جهان های اجتماعی، قم: کتاب فردا.
- جوادی آملی، عبدالله،(1376)، آوای توحید: رسالة الإمام الخميني سلام الله علیه إلی غورباتشوف وشرح الرسالة، تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(س).
- حلی، حسن بن یوسف بن مطهر، (1379)، کشف الیقین فی فضائل أمیرالمؤمنین، ترجمه حمیدرضا آژیر، تهران: وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامی.
- حسن زاده آملی، حسن، (1379)، قرآن وعرفان وبرهان از هم جدايى ندارند، تهران: مؤسسه مطالعاتى و تحقيقات فرهنگى.
- صدرالمتألِّهین، (1360)، الشواهد الربوبيَّة في المناهج السلوكيَّة، چاپ دوم، مشهد: المركز الجامعى للنشر.
- طباطبایی، سید محمد حسین، (1371)، المیزان فی تفسیر القرآن، چاپ دوم، قم: اسماعیلیان.
- طباطبایی، سید محمد حسین، (1387)، رسالت تشيع در دنياى امروز، چاپ دوم، قم: معهد بستان الکتاب
- عبداللّه بن لطف اللّه حافظ ابرو، (۱۳۸۰)، زبدة التواریخ، تهران: کمال حاج سیدجوادی.
- فناری، شمس الدین محمد حمزه، (2010م)، مصباح الأنس بين المعقول والمشهود، عاصم ابراهيم الكيالي(محقَّق/مصحَّح)، الطبعة الأولى، بیروت: دار الكتب العلميَّة.
- القونوی، صدرالدین، (1381)، إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن، سید جلال الدین آشتیانی(محقَّق/مصحَّح)، چاپ اول، قم: مكتب الدعوة الإسلاميّة.
- کاپلستون، فردریک، (1380)، تاريخ الفلسفة، المجلَّد الرابع: من ديكارت إلى ليبنيز، ترجمة سروش ومنشورات العلمیَّة والثقافیَّة (علمی و فرهنگی).
- کربن، هانری، (1377)، تاريخ الفلسفة الإسلاميَّة، ترجمه سیدجواد طباطبائی، الطبعة الثانية، تهران: کویر.
- ماسینیون، لویی،(1374)، سخن انا الحق و عرفان حلاج، ترجمه ضیاء الدین دهشیری، تهران: جامی.
- محمود الغراب، محمود، (1414ق)، الفقه عند الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، الطبعة الثانية، دمشق: دارالکاتب العربي.
- نویا، پل، (1373)، تفسیر قرآنی و زبان عرفانی، ترجمه اسماعیل سعادت، تهران: مرکز نشر دانشگاهی.
- نیکلسون، رنلد الین، (1372)، عرفان عارفان مسلمان، ترجمه اسدالله آزاد، الطبعة الثانية مشهد: جامعة فردوسي.
- واعظی، احمد، (1376)، تحول فهم دین: النقد المقتضب لنظريَّة القبض والبسط الإیدیولوجیین للشرع طهران: مؤسَّسة الثقافة للفکر المعاصر (اندیشه معاصر).
- یزدان پناه، سیدیدالله، (1388)، مبانی و اصول عرفان نظری، قم: معهد الإمام الخمينيِّ التربويِّ والبحثيْ.
[1]– ذكر بعض المفكِّرين هذا بأسماء عدَّة. فعلى سبيل المثال، تحدَّث حجَّة الإسلام بارسانيا عن عوالم اجتماعيَّة مختلفة. (پارسانیا، 1391، 143؛ همو، 1391، 156؛ همو، 1391، 177).
[2]– ثمَّة الكثير من الشواهد حول اتِّجاهات قائد (الفدائيين) العرفانيَّة، ومنها أنَّ مُعظم تلاميذه والذين كانوا حوله هم من الشيوخ والدراويش.
[3]– مقالة «عرفان، علیه تساهل و اباحه گری» حجة الإسلام حميد بارسانيا يوجه انتقادات عديدة لهذا الجهد.(پارسانیا، ب، 1379، 366-385).
[4]– كان لا يطيق الإقامة في بيت المقدس وزيارته وهو تحت نِير الاحتلال المسيحيِّ – كما جاء في عبارات الحادَّة في وصفهم بالكفّار – بل ولا يُجيز ذلك أبداً، ولا يعتبر أنَّ الساكنين هناك والزائرين من المسلمين.
[5]– على سبيل المثال، يمكننا أن نذكر إبراهيم (تيتوس) بوخاردت في كتاب “الفن المقدَّس” الذي في مقدِّمة بحثه حول الفن الإسلامي، يعتبر التركيز على التوحيد نقطة الاختلاف بين الإسلام والأديان الأخرى، حتى الأديان السماويَّة.
[6]– ولا يعني ذلك حب المثقَّفين والتزامهم بمضامين النصوص الدينيَّة بل هم -إما عن قصد أو عن غفلة بسبب الافتراض الذهنيِّ الثابت لدیهم- اعتبروا أنَّ الدين مساوٍ للنصِّ الدينيِّ، ثمَّ من خلال حمل سمات مثل الصامت على هذه النصوص، أو باستخدام بعض الأساليب الخاصَّة للتفسير الغربيِّ، فقد حملوا النتائج المقصودة لدیهم على دينهم الإبداعي.
[7]– سماحة آية الله جوادي الآملي، في تعليقه على الرسالة التاريخيَّة للإمام الخمينيِّ (ره) إلى غورباتشوف، لم یبیِّن تفوُّق حضرته علی أسلافه الصالحین في نظريَّة ولاية الفقيه، أو في الشمول العلميِّ وما شابه، بل في الجمع بين الظاهر والباطن متأسِّیاً بالأئمة المعصومین (علیهم السلام).
[8]– «جَرْی» في اللُّغة يعني الجري والسيلان وهو مُقتبس من الروايات التي تشير إلى دوام القرآن الكريم وخلود آياته كهذا التعبير الروائيّ: «لِلْقُرْآنِ تَأْوِيلٌ يَجْرِي كَمَا يَجْرِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَكَمَا تَجْرِي الشَّمْسُ وَ الْقَمَر». والجري هو اصطلاح استُعمل لأوَّل مرَّة في تفسیر (المیزان). وفي بعض التفاسير المتقدِّمة يمكن ملاحظة الاصطلاح المذكور متناثراً في صفحاتها، وبالاستناد إلى الروايات يمكننا القول بأنَّ (الجري) مُستَعمَل في مجال التأويل ويمكن البحث فيه ضمن الإطار المذكور.
[9]– خلال الفترة الصفويَّة، عندما كان هناك بسط ید نسبيٍّ للفقهاء وكانت الساحة الاجتماعيَّة تقبل إلى حدٍّ ما التدخُّلات الاجتماعيَّة من جانب فقهاء الشيعة، ظهر عدد كبير من رسائل صلاة الجمعة لأنَّ هؤلاء الفقهاء خرجوا من العزلة الفرديَّة بسبب الظروف الحکومیَّة. بطبيعة الحال يمكن توقُّع العديد من الانفتاحات المتعلِّقة بالمجالات الاجتماعیَّة من الفقه في ظلِّ ظروف ما بعد الثورة الإسلاميَّة.