راهنيَّة التصوُّف : مقاربة نثرو- سوسيولوجيَّة للأجيال الروحيَّة في العالم الإسلامي
د. جعفر نجم نصر
راهنيَّة التصوُّف : مقاربة نثرو- سوسيولوجيَّة للأجيال الروحيَّة في العالم الإسلامي
د. جعفر نجم نصر
مقدِّمة:
مع التحوُّلات العالميَّة المتسارعة، وتحت وطأة موجات الحداثة العاتية، وتمدُّد ظاهرة العولمة بكلِّ أذرُعها وأنماطها، تغيَّرت أشياء كثيرة داخل العالم الإسلاميِّ. وكان يُعتقد للوهلة الأولى أنَّ أهل التصوُّف والعرفان بمنأى من هذهِ التغيُّرات لكونهم يمتلكون نظاماً معرفيَّاً وأخلاقيَّاً متماسكاً يحول دونها، أو على أقل تقدير يحوزون على تقنيَّات أو وسائل تمكِّنهم من التكيف معها، لكنهم في الواقع واجهوا جيلاً شبابيَّاً يحمل ذهنيَّة متِّصلة بكلِّ هذهِ التحوُّلات، بل مثَّلت ذهنيَّتهم مرآة عاكسة لها على صعد عدَّة. إنَّه جيل مفارق مبتعد عن الروحانيَّات المتعارف عليها، بل وناقم على بعضها، وهذا الأمر جعل من راهنيَّة التصوُّف والعرفان أمراً داخلاً في سياقات الخطاب الفلسفيِّ لمواجهة خطاب اجتماعيٍّ جديد.
يأتي بحثنا هذا كمحاولة أوَّليَّة للوقوف على ماهيَّة الأزمة الجيليَّة التي نعتقد بوجودها ضمن مدارات العالم الإسلاميِّ الراهنة.
____________________________________________________
*أستاذ أنثروبولوجيا الدين وعلم اجتماع الدين/ الجامعة المستنصريَّة- العراق.
1- الأجيال الروحيَّة/ مدخل تأسيسيّْ:
مرَّ التصوُّف والعرفان في العالم الإسلاميِّ بمراحل تاريخيَّة متفاوتة على مدى قرون خلت، وهذا الأمر أنشأ أجيالاً متواصلة من المتصوِّفة والعرفاء على مستوى الخطِّ الثاني من الأتباع والمريدين أو المتعلِّمين، وقد اختلفت صيروراتهم وتحوُّلاتهم من بيئة اجتماعيَّة إسلاميَّة إلى أخرى، ولكنهم ظلُّوا رغم ذلك ضمن ثوابت روحيَّة ضمن دائرة ميراث صوفيٍّ/عرفانيٍّ لا يستغنون عنه في سيرهم وسلوكهم.
من البديهيِّ أنَّ الطُّرق الصوفيَّة متعدِّدة ومختلفة وتعيش في مجتمعات متباينة، ولكن رغم ذلك توجد وحدة موضوعيَّة، تجمعها في كثير من معالمها الروحيَّة، ولعلَّ الأمر في شمال أفريقيا واضح بنحوٍ جليٍّ بطبيعة الحال، وكذلك الأمر على صعيد ورثة مدرسة الحكمة المتعالية في المشرق.
بيد أنَّ هذا الأمر لم يستقرّ على نهج واحد أو رؤية أحاديَّة، وهذا أمر طبيعيٌّ في عالم التصوُّف والعرفان، ولكنَّهُ مختلف في المجتمع الإنسانيِّ والتحوُّلات والتحدِّيات المتتالية التي واجهته، وعليه ظهرت أجيال دينيَّة مختلفة، ولعلَّ هذا محل النظر والاهتمام، لأنَّ الاتجاه التقليديَّ المعروف يمسك بزمام الأمور، قبالة جيل دينيٍّ/روحيٍّ بدأ يفلت من الدائرة الروحيَّة الأم، وبدأ يأخذ مداراً روحيَّاً جديداً.
لقد قدم لنا علماء الاجتماع رؤية نظريَّة وميدانيَّة تأسيسيَّة لفهم التفاوت الدينيِّ أو الروحيِّ بين الأجيال في ظلِّ تحوُّلات مجتمعيَّة هائلة كما سنبيِّن لاحقاً.
يرى ويد كلارك روف: أنَّ مفاتيح استيعاب (مفهوم الأجيال) وتقديره أن نعترف بأنَّ الناس يرون العالم ويستجيبون له بصورة مختلفة تماماً عن غيرهم الأكبر سناً، لكن علينا أن ندرك أيضاً أن رؤاهم واستجاباتهم المميِّزة ليست مجرَّد رؤى مشخَّصة وغريبة في تفرُّدها، بل مشتركة على نحو واسع مع الآخرين من ذوي الأعمار والتجربة الاجتماعيَّة المشابهة. ذلك أنَّ الأبعاد الاجتماعيَّة الرأسيَّة منها والأفقيَّة تدخل في غمار تشكيل وعي الجيل بوصفها صيغة واحدة (gestalt) لتجارب الحياة تجسَّدت في ما يتعلَّق بصيغة أخرى. وإذا تصوَّرنا المفهوم عن جيل معيَّن بهذهِ الكيفيَّة، فإنه يصير متضمناً عمليَّة معقَّدة وإبداعيَّة من الشكل الثقافيِّ – الاجتماعيّْ([1]).
صحيح أنَّ ثمَّة تداخلاً ثقافيَّاً بين الأجيال، ولكن لكلِّ جيل خصوصيَّته الثقافيَّة التي لا ترتبط بالذهنيَّة المعرفيَّة المحمولة فحسب، بل بالآليَّات النفسيَّة/السيكولوجيَّة للتعاطي أو التعامل مع سائر القضايا، وعلى رأسها هنا بطبيعة الحال المسألة الدينيَّة أو الروحيَّة.
هنالك شخصيَّتان في القرن العشرين كانتا مؤثِّرتين تأثيراً خاصَّاً في تشكيل نظريَّة الجيل الحديثة، هما: خوسيه أورتيغا إي غاسيت (Jose Ortegay Gasset) الفيلسوف الإسباني، وكارل مانهايم، السوسيولوجي الألماني، وقد كتب الأول أنَّ: الجيل هو أسلوب وجود متكامل، أو إذا فضلت القول، هو طريقة في العيش، ترسخ نفسها عند الأفراد بطريقة لا تُمحى ([2]).
وحول مسألة الذهنيَّات أو العقليات، أراد البحث في آليَّات تبدُّل عقول الأجيال الجديدة المغايرة للعقليَّة الأم داخل المجتمع، وفي هذا قال رووف: انصبَّ تشديد أورتيغا على تبديل (العقليات) ضمن المجتمع؛ وكذلك على قوَّة الروابط التي تربط بين أعضاء يتشاركون رؤية عالميَّة خاصَّة. وفي الفترات (التراكميَّة) تأتي هذهِ التبديلات محدودة، ومن ثمَّ يشعر جيل جديد بنفسه إلى درجة ملحوظة بوصفهِ جيلاً مع جيل سابق، ثمَّ تأتي الفترات (السجاليَّة) عندما يكون هناك مثلما صاغها خوليان مارياس (Julian Marias) أحد أتباع أورتيغا، (أجيال صراع، تطيح بما هو قديم وتنشئ اشياء جديدة)([3]).
هاتان المنظومتان الثقافيَّتان تشيران إلى تصادم بين جيل ماضويٍّ وحداثويٍّ، محافظ/تقليديٍّ، وجيل متجدِّد/متفتح، وإن كانت هذه المصطلحات مخادعة بطبيعة الحال وتنتمي إلى حقل عالم الحداثة وانزياحاته الثقافيَّة المتعدِّدة، الذي حاول الاستيلاء على كلِّ شيء داخل المجتمعات الإنسانيَّة، إذ من يقول إنَّ أصحاب النزعة الماضويَّة متورِّطون في النزعة التقليديَّة والتي ينظر إليها نظرة إزدرائية؟ ومن يقول إنَّ الحداثيين هم متجدِّدون عقلانيون كما يجب ان يطلقوا على أنفسهم؟ أنَّ المعايير التي تخضع للمركزيَّة الغربيَّة مواربة ومخادعة، التي تمارس إقصاءً دائماً للتراث أياً يكُن، فما بالك بالتراث الروحيّْ!؟.
مهما كانت درجة التميُّز، فإنَّ أورتيغا ينظر إلى كلِّ جيل لاحق على أنَّه ذو تأثير في تشكيل مجتمع جديد. وهو هنا لا يشدِّد على حفنة من القادة المؤثِّرين ولا ببساطة على الكتلة العظيمة من أتباعهم، بل يتصوَّر بالأحرى المجتمع بوصفهِ تشكُّلاً اجتماعيَّاً متكرِّراً ينتج من تسوية ديناميَّة بين الكتلة والفرد، وهذهِ الديناميَّة المجتمعيَّة بوصفها المصدر الرئيس هي المسؤولة عن حركات التطوُّر التاريخيّْ. وللتبسيط يمكن القول أنَّه يرى الطاقة ناشئة من تفاعل فئة عمريَّة واحدة جديدة من القادة والجماهير، وهذهِ الطاقة الجديدة تحدِّد اتِّجاه التغيُّرات التي تشمل المجتمع كلَّه([4]).
في هذا السياق، كان لعالم الاجتماع البارز كارل مانهايم أطروحات ذات شأن معرفيٍّ كبير ينبغي التوقُّف عند أبرزها، ولاسيَّما أنَّه حاول أن يجمع بين المقاربات الوضعيَّة لمشكلة الأجيال وبين المقاربات الرومانسيَّة، أي بين الجمع بين التعبيرات الوصفيَّة لجيل ضمن مفهوم خطيٍّ للزمن، التي سعت إليها المقاربات الوضعيَّة، وبين الفهم الذاتيِّ للزمن، ساعياً لالتقاط روح العصر بالنسبة إلى جيل معيَّن.
لقد كان هدف مانهايم الربط أو الجمع بين أفضل ما في المقاربتين: بالاعتراف بالخبرة الذاتيَّة للجيل، وأيضاً بفرض نظام تجريبيٍّ على الكيفيَّة التي تشكَّلت بها أصوات خاصَّة بالجيل، وجرى التعبير عنها واكتسبت صعوداً بين الجيل،…، ولهذا اقترح: أنَّ الطابع الأخلاقيَّ والثقافيَّ لعصر ما ليس صوتاً منفرداً، ولكن على العكس، يمكن أن نفهمه مجموعة مؤتلفة من الأصوات أو تآلف “تحويلي” هذا التآلف يتكوَّن من أصوات منفصلة تعبِّر عن الوحدات الموجودة داخل الجيل([5]).
اعتماداً على التقليد الوضعيِّ، يبدأ مانهايم بفكرة أنَّ الجيل يتشكل ببساطة بنحو تصويريٍّ بواسطة تماثل موقع عدد من الأفراد داخل كُلِّ اجتماعيٍّ، على هذا النحو، يكون الانتقال من جيل إلى جيل عمليَّة مستمرَّة، مع ظهور مشاركين جدد وانسحاب متواصل لمشاركين سابقين. ولقد كرَّس بعض الانتباه إلى الآليَّات الاجتماعيَّة والعائليَّة التي تضمن استمراريَّة الثقافة في سياق مثل هذا التدفُّق والتجدُّد الأساسيّْ ([6]).
ويرى مانهايم أنَّ الأجيال في حالة تفاعل مستمرٍّ، يركِّزون على التفاوض بشأن الحاضر ولكي نحقِّق ما يُطلق عليه “سلسلة أجيال مستمرَّة”، فإنَّ أنواع الاتصالات التي تحدث بين الأجيال لا تسير في اتجاه واحد، من الأكبر إلى الأصغر سناً. وهو يشير إلى ضرورة الانتقال المستمر للتغيُّر الثقافيِّ ملاحظاً أنَّ: مجاراة الشباب للعصر… تتوقَّف على كونهم أقرب إلى مشكلات الزمن الحاضر… وفي حقيقة أنَّهم على إدراك تامٍّ بعملية عدم الاستقرار ولكلٍّ منهم موقفه منها، كلُّ هذا بينما الجيل الأكبر سناً يتشبَّث بإعادة التوجيه التي كانت مسرحاً لشبابهم… فالمعلِّم لا يقوم بتعليم تلاميذه فحسب، ولكن التلاميذ يعلِّمون المعلم أيضاً([7]).
بطبيعة الحال، لا يمكن فهم هذهِ التأطيرات النظريَّة الخاصَّة بمسألة (الأجيال) من دون إعادة موضَعة هذا التفاوت الثقافيِّ بينهم ضمن دائرة السياقات المجتمعيَّة برمَّتها والتحوُّلات أو التغيُّرات المتعدِّدة التي طالتها، إذ إنَّ هذا الأمر سيبيِّن لنا كيف أنَّ الجيل السابق يظلُّ محافظاً ومدافعاً عن منظومة ثقافيَّة أو دينيَّة معيَّنة، وكيف أنَّ الجيل الناشئ (جيل الشباب) سيكون أكثر عرضة للاستجابة لهذهِ التغيُّرات والتماهي معها، وهذا الأمر ينطبق كليَّاً على الأجيال الروحيَّة أو الأجيال المتديِّنة في كلِّ العصور وبحسب خصوصيَّة كلِّ التغيُّرات الاجتماعيَّة التي تطرأ عليها.
ثانياً: التحوُّلات الاجتماعيَّة والفرز الدينيُّ للأجيال – الأزمة الأولى:
ينبغي التوقُّف عند جملة التحوُّلات الاجتماعيَّة الهائلة التي جرت في العالم أجمع، والتي تركت آثارها على العالم الإسلاميِّ وأجياله الروحيَّة، والتي يمكن تكثيف التعامل معها على النحو الآتي:
أولاً: أصبحت المجتمعات في العالم الاسلامي تعيش ثقافة استهلاكية لا حد لها، فضلاً عن طغيان الفردانية لدى أجيالها الشبابية الجديدة، وهذا ما انعكس على العرفان والتصوف بأن أصبحا يمثلان حدثٌ غريب أو نشاز امام عالم الماديات المهيمن هذا، تحت مظلة الحداثة والعولمة.
أذ ان بديمومة مشروع الحداثة الذي لم يتوقف حدثت أمورا كثيرة، تجسدت في انهيارات لروابط اجتماعية وقيمية انعكست على المستوى العقلاني لأنشطته الاجتماعية وعلى المستوى النفسي في الوقت عينه، وعن ذلك يقول زيجمونت بومان: مع ذلك، ثمة سمتان تجعلان حالنا – حال حداثتنا- مختلفاً وجيداً: فأما السمة الاولى فتتمثل في الانهيار التدريجي والتدهور السريع للوهم الذي اتسم به صدر الحداثة، أي انهيار الايمان بأن ثمة نهاية للطريق الذي نسير فيه، وغاية كبرى للتغير التاريخي يمكن تحقيقها، وحالة من الكمال يمكن الوصول اليها غداً أو العام القادم أو الالفية القادمة، ومجتمعاً صالحاً، ومجتمعاً عادلاً، ومجتمعاً خالياً من الصراع في جميع جوانبه المتعددة أو بعضها، وتوازناً ثابتاً بين العرض والطلب، وأشباعاً للحاجات كافة،…([8]).
أن بومان يشير هنا إلى تسويق الوهم الذي استشرى في كل مفاصل الحياة، الذي غدا عنصراً مهيمناً يفتح الامل بلا نهاية على أشياء كثيرة، مما يجعل الافراد أمام اللهاث الدائم نحو الغد بعده مالكاً أو صانعاً للأفضل، ولكن هذا اللهاث وتسويق الوهم هو الذي فتح شهية المجتمعات نحو الاستهلاك الدائم والمستمر.
أما التغير الرئيس الثاني: فيتمثل (بحسب رأيه) في نزع الضوابط الحاكمة وخصخصة الواجبات والمهام التحديثية، فما كان بالامس مهمة يؤديها العقل البشري، باعتباره الملكة الجمعية للبشرية والملكية الجمعية لها قد تشرذم (اتخذ طابعاً فردياً) وأسند إلى امتلاك الشجاعة الفردية وقدرة الاحتمال الفردية، وترك لقدرة الافراد على تصريف الامور والموارد يديرونها الافراد([9]).
عندما انهارت رؤية المجتمع في طريق سيره، وظل شغوفاً في السعي نحو اللانهائيات من الشؤون المادية، فأن هذا الأمر يعني ضمناً بحسب ما نفهم من بومان، ان المجتمع فقد القدرة على ان يمتلك الوصاية القيمية أو الاخلاقية على الافراد لأنه هو ذاته فقد البوصلة الموصولة للسكينة والطمأنينة والاستقرار، وأمام هذا الأمر كان الافراد يقفون أمام هذهِ التحولات والانهيارات وهم لا يملكون الادوات الكافية للمواجهة، وهذا ما سنلاحظه بجلاء في اطروحات عالم الاجتماع الفرنسي جيل ليبوفتسكي.
إذ يرى ان الغرب يحكمهم منطق ما اصطلح عليه: بـ(عملية الشخصنة) وهي تعد شكلاً جديداً لتنظيم المجتمع وتوجهه وتدبير سلوكيات افراده، وهي تحيل إلى امرين متقابلين احدهما سالب: يشير إلى التشقق الذي أصاب التنشئة الاجتماعية الانضباطية، والاخر موجب يميل إلى تشكيل مجتمع مرن قائم على الاعلام وإثارة الحاجات، والجنس، وتقديس الطبيعي وروح الدعاية، ومن نتائج ذلك:
تصاعدت حدة التمركز على الذات.
اللامبالاة بالمصلحة العامة.
غلبة الفردي على الكوني.
النفسي على الايديولوجي([10]).
فالفردانية الحداثوية بالنسبة له كانت متمثلة بـ: مجمل التغيرات والتحديات التي جلبتها ودافعت عنها بشراسة الثورة الحداثية، وهي وجه من وجه سيرورة علمانية أوسع قادت إلى ظهور مجتمعات ديمقراطية تأسست على سيادة الفرد والشعب، وعلى التحرر من الخضوع للآلهة والهرميات المتوارثة وسطوة التقاليد انها امتداد ثقافي لسيرورات نظام سياسي تشكلت ملامحه من القرن الثامن عشر الميلادي([11]).
أما الثورة الفردانية الثانية لديه، فهي تشكلت منذ ستينيات القرن العشرين، وهي فسحت المجال أمام ظهور فردانية جديدة تكاد تقطع ما سابقتها تتميز بكونها متعية ونفسية، وتجعل التحقق الذاتي أهم غاية في الحياة، مما أدى إلى اندحار المشاريع المجتمعية الكبرى، وتآكل الهويات الاجتماعية والمعايير الاكراهية، وإلى تقديس حرية التصرف في الذات على مستوى الاسرة والدين والجنس والرياضة والموضة والانخراط السياسي والنقابي([12]).
لكن ما سبب ذلك بنظره يرى ليبوفتسكي: انها ثورة الحياة اليومية متجسدة في عملية الشخصنة التي غرزت الهوية الشخصية وطالت جميع مناحي الحياة، ومنحت الفرد الحق المطلق لأن يكوّن لنفسه بالصورة التي يريد، دافعة إياه بذلك إلى اقصى حدود النرجسية([13]).
ثانياً: بعد اليأس والتجريب في ظل هذه الثقافة الاستهلاكية، وفي ظل ضياع البوصلة المعرفية الروحية والاخلاقية للجيل الجديد (جيل الحداثة والعولمة)، الذي كان يبحث عن متنفسا أو ملجأ للقلق الوجودي وحالة الفراغ المعنوي والروحي الذي يعيشونه مما دفعهم نحو البحث أو السعي حثيثاً نحو عالم روحي، ولكن هذه المرة ليس الارتماء في احضان التصوف والعرفان الاسلامي، انما في احضان الموجات الروحية الوافدة من الغرب، والتي هي روحانية/مشرقية أعيد تمثلها ومن ثم إنتاجها داخل المنظومة الغربية، من تقنيات روحية تأملية أو تذوقية للروحانية البوذية والتاوية، فضلاً عن ما يعرف بعالم الطاقة ونحو ذلك وهذا الأمر قاد في المآل النهائي بطبيعة الحال إلى التعالي على الميراث الروحي الاسلامي والابتعاد عنه بنحو أو بآخر، ولكن الأمر الخطير في ذلك كله هو وجود موجات روحية ممأسسة تصب في مصلحة استعمارية جديدة.
وهذا التدين الشبابي مختلفٌ جذرياً عن التدين الشعبي، وهو ايضاً مختلفٌ عن التدين الفردي كما عرفه التنوير الأوروبي، الذي يرى ان الدين بالأساس هو وعي اخلاقي (Ethos) يلزمه وجود (حرية) أو (عدم قسر) في اتخاذ الخيارات الدينية وينحصر في الحيز الخاص، فالتدين الشبابي نمط تدين منتشر في الحيز العام، ومنفلت من قبضة المؤسسات الاجتماعية([14]).
لقد انتبه باحث في تاريخ الاديان إلى نمط التدين الجديد الذي نتحدث عنه، ورصد علاقة تشكله بالتأثير المتصاعد للعولمة ولاسيما عبر أهم ادواتها (وسائل الاعلام التفاعلية/التقنية)، حيث تتأسس علاقة استهلاكية بالدين على وفق تسمية الباحث الفرنسي باتريك ميشيل، وهي علاقة يتعامل فيها المشاهد مع الدين بشكل استهلاكي فيختار من منه العرض الديني المناسب له من خلال مقايسيه الخاصة، بحيث يختار من الدين المساحة أو الفضاء أو الحيز المريح وغير الاجباري بعيداً عن أي نظام قيمي يحمل في طياته الإجبار… وفق هذهِ العلاقة الاستهلاكية بالدين سيكون للفرد/المشاهد إمكانية رفض هذا العرض الديني في حال عدم قبوله ليبحث عن عرض ديني أكثر قبولاً([15]).
ان هذا التدين الشبابي الذي يعبر عن روح الجيل الجديد بوصفه نتاج موجات الحداثة المتتابعة وتمظهرات ظاهرة العولمة المتعددة، كان على فوق هذهِ النزعة الاستهلاكية المتسارعة التي شملت الدين ضمن سياقات وسائل الاعلام التفاعلي والحيز المتاح له، كان عرضة في كثير من الاحيان لعرض دينيا/روحيا جديدا، ظاهره الحرية الدينية في البحث عن القيم الروحية العالمية أو الكونية، وباطنه وصاية قيمية كونية لقوى مهيمنة جديدة.
ان هذهِ الهيمنة الجديدة يصطلح عليها بـ(الدبلوماسية الروحية) ”Spirtual Diplomacy والتي تستخدمها مؤسسات غربية وصهيونية بعينها لأجل إشاعة الدين الابراهيمي الذي يتجاوز الخلافات العقائدية، والتركيز الدائم على العلاقة المفتوحة مع “اليهودية العالمية” بشتى عناوينها([16]).
وأهم مبادئها: الصوفية هي مسار روحي لا دين لها، التصوف يسلب الحدود التي تقسم الأديان المختلفة، الوصول إلى المشترك الروحي بين الاديان، وحدة المثل الدينية، الحج المشترك بين الثقافات الصوفية ليس لها دور عبادة ولا تعترف بالمدن المقدسة، الصوفية تؤكد وحدة المعرفة الدينية (بخاصة اليهودية) بوصفها تتساوى مع الماسونية الجديدة، التوجيه الفردي الروحي، المساواة بين الجميع،…الخ ([17]).
ثالثاً: أن قوة وهيمنة الاسلام الفقهي الذي ارتمى الكثير من المتحمسين له في احضان السلفية الاسلامية، كان بمثابة إحدى العلامات الفارقة على التوجهات الدينية الاخرى أو النقيضة للمسألة التي تقدم ذكرها (لأولئك الذين يبحثون عن الروحانية بمصادر غربية حصراً)، وهذا يعني اننا امام جيلا أعيد توجيهه لاحقاً نحو العنف والجهادية الاسلامية تحت عنوان أو ذريعة أنه إسلام السلف الصالح، والذي يمثل مرتكزا للاسلام الاصيل، الذي يمكن ان يواجه الحداثة الغربية!!.
رابعاً: أمام كل هذا التفاوت بين الاجيال يقف جيل العرفانيين والصوفيين الذين ما زالوا يمثلون ورثة (الاسلام الطرقي)، الطرق الصوفية المغاربية أو في شمال افريقيا وبعض ورثة مدارس العرفان في المشرق، ذات الخطاب الفلسفي والتي تتحول عبر صيرورته الحياتية/المعاشية إلى خطاب اجتماعي عبر تجسيداته وممارساته الاجتماعية المتنوعة داخل المجتمع.
على وفق ما تقدم ذكره نحن أذن ازاء أزمة جيلية حقيقية ينبغي لفت الانتباه إليها، والتي تمثلت في أربعة اجيال هي:
1- جيل متماهي مع الغرب وحداثته بنحو المماثلة والمطابقة الكلية.
2- جيل يعيش الروحانية الوافدة ظناً منه انها الملاذ والخلاص الديني للازمات الذاتية والموضوعية.
3- جيل يعتقد أن الاصولية/ السلفية هي الهوية والذاكرة التي يمكن من خلالها مواجهة سائر التحديات، بل ومواجهة الغرب بشتى السبل.
4- جيل عرفاني وصوفي يعيش عزلته وغربته في ظل عالم ما عادَ يعبأ كثيراً بالمنطق الروحي الخالص.
أمام هذهِ الازمة الجيلية الحقيقية نحتاج إلى منظوران فلسفيان واجتماعيان يستطيعان ان يقدما الحلول والمعالجات بين حدين مهمين هما:
(1) الازاحة واعادة انتاج الخطابين الفلسفي والاجتماعي.
(2) ملئ الفراغ السريع لمواجهة الازمة الجيلية بنحو متبصر وحاذق.
ولا شك في أن التصوف بصيغه الطرقية، أي كما يبدو في الطرق الصوفية اليوم يختلف اختلافاً بيناً عن التصوف النظري الفلسفي كما صاغهُ أقطاب التصوف الاسلامي، ولعل التحول المهم في الفكر الصوفي يتمثل في بداية مأسسته منذُ أن أصبح التصوف مجموعة من الطقوس المكوّنة من الأذكار والأوراد الدورية التي تقام في الزوايا، أي عندما أصبحت الزاوية المؤسسة الثقافية الاجتماعية الوحيدة التي تعبر عن التصوف، حينها تشكل لون ثقافي جديد في الحقل الثقافي الاسلامي اكتسب استقلاليته عن التصوف الفلسفي، من ناحية، وعن الدين الرسمي من ناحية اخرى، وأصبح يكتسح مجالات الثقافة الشعبية في بعض الاقاليم الاسلامية، بخاصة في منطقة المغرب الغربي، حيث يعتبر من أهم التعبيرات عن الدين الشعبي، بل ومكوناً جوهرياً للهوية المغاربية([18]).
وعلى الرغم من ان هذا الاسلام الطرقي (كما يرى الباحث التونسي حسن مرزوقي) يمثل بصيغته الشعبية مرحلة مأسسة للتصوف الفلسفي وتسييج حدوده المعرفية وينهض في بنية خطابه الديني على العقل القياسي نفسه الذي يشّد العقل البياني والعقل العرفاني، وانه مكّن الخطاب الطرقي (بحسب رأيه) من الإنسجام مع بنية الثقافة العربية الاسلامية، وإن بدأ في ظاهر الخطاب مختلفاً، فإنه يتماهى مع البنية العميقة للتفكير الإسلامي ([19]).
إلا أنه تعرض لإنتقادات كبيرة وواسعة وعلى مدى قرون خلت، ومن عدة جوانب، قال بذلك عدة شخصيات معرفية، كان من ضمنهم الكثير من المتصوفة أنفسهم، ولو توقفنا عند انموذج لذلك عبر ذكر بعض آراء المتصوف عبد الواحد يحيى (رينيه غينون) لنجد البرهنة على ذلك.
فتحت حديثه عن الارتباط بسلسلة التربية الروحية، يرى ان السالك يعتمد على أمرين لا انفصال بينهما استعداداته الذاتية، وضرورة انضمامه لطريقة صوفية لأجل استكمال شروط سيره وسلوكه، فالاخفاق في تطوره الروحي يقع جراء: ضعف كفاءات المريد، أي ضيق الاستعدادات التي يحملها في ذاتها وهي التي لا يقوم مقامها أي بديل خارجي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أيضاً حالة الضمور والانحطاط التي آلت إليها في الوقت الراهن بعض التنظيمات التربوية (كالطرق الصوفية) فأمست لا توفر ركيزة كافية لنيل التربية الروحية الفعلية، بل حتى الشعور بوجودها عند من لهم أهلية لها، مع أنه لا يزال بإمكانها توفير الانتساب الظاهري للطريق…([20]).
بل يقوم شارحاً وجازماً: عموماً، يمكن القول بأن في عصر مثل عصرنا، هذهِ الحالة لم تمس شاذة، وإنما صارت دائماً تقريباً هي العادية في وجهة النظر التراثية، ففي العالم الاسلامي مثلا أمست جل الطرق الصوفية طرق انتساب وتبرك، والنادر منها يوفر التجربة الكاملة والتحقق الفعلي([21]).
بل هو يذهب بنحو موسع للحديث عن شيوخ التربية الروحية الحقيقيون والمزيفون، إذ هو يعول كثيراً على من يساعد المريد على الجهد الذي يقوم به لنيل أي درجة من درجات التحقق الروحي، ولكنه يتوقف ملياً عند شيوخ الطرق أو مدعي العرفان المزيفين ليقول: والأمر الأصعب، خاصة في عصرنا، ليس هو الحصول على انخراط في تنظيم روحي، بل يتم هذا احياناً بسهولة مفرطة (نريد الاشارة إلى ان بعض هذهِ التنظيمات قد أمست مفتوحة بإفراط، مما يشكل دائماً سبباً لإنحطاطها)، وإنما هو العثور على شيخ تربية كفء، أي بإمكانه حقاً القيام بوظيفة القدوة في السلوك الروحي،…، فلابدّ من الحذر الشديد من هؤلاء المتشيخين المزيفين، الذين لا يمكن لهم سوى الزج بمن يستهوونهم في الظلال؟…. ([22]).
فالانتساب الظاهري للطرق الصوفية من قبل بعض الافراد أفضى للخروج منها في كثير من الاحيان لعدم توافر لدى بعضها شيخ مربي/عارف، ولعل هذا الأمر وغيره، ولاسيما انشغالهم بالاحتفالات الدينية أو الطقوس الاحتفالية المفرطة والتي تحدث عنها عبد الواحد يحيى كذلك([23]). ناقداً إياها، تمثل أحدى الأسباب التي دفعت ببعض ابناء الجيل الشبابي الجديد، ترك مسألة الانضمام للطرق الصوفية من جهة، وعدم السعي تماماً نحو البحث عن شيخ مربي، لأن الروحانيات الجديدة أو التصوف العالمي الوافد يرى ان ذلك الأمر لم يعد ضرورياً وقد عفى عليه الزمن!.
ثالثاً: الخطاب الفلسفي للتصوف والعرفان وتفاعل الاجيال: (الأزمة الثانية):
أننا أزاء خطاب فلسفي نخبوي/عرفاني خاص بدوائر ضيقة للغاية تشتغل عليه كتابة وتحليلا وتدريساً، فضلاً عن منشغلين به على المستوى العملي والذي لا يرشح الا كتابات خاصة للتدليل وللإحاطة بالتجربة العرفانية/ الفردية، ولكنها تظل كذلك في دائرة التذوق النخبوي والانهمام الفردي الخاص للذين يولون العرفان اهمية في حياتهم الخاصة، ولكنها تظل ضمن دائرة اصطلاحية ومفاهيمية خاصة وليس بمقدور الجميع الحصول على مكنوناتها.
وإزاء هذا كله نحن ندور في دائرة واحدة مكررة وضيقة تحتكمُ للتجربة الفردانية تارة، والى الخطاب الفلسفي الخاص بها تارةً أخرى من دون أن تصل إلى مساحة أوسع، أو تدخل ضمن النسق الثقافي للجميع بل لا تعدو أن تكون لون ثقافي وفلسفي خاص ومنعزل، بل ومتعالي بعلو خطابه العرفاني.
ولعل هذا الأمر حاول الغربيون تداركه من جهة الفلسفة ذاتها، عبر تقديمها إلى جمهورا واسعا عبر تبسيطها وهذا ما حاول مفكرون وكتاب كثر الاشتغال عليه، اذ حاولوا ان يعزلوا الفلسفة من دائرتها النخبوية/الانعزالية بالضرورة لأنعزال مصطلحاتها وقضاياها عن الشأن الاجتماعي، ومن ثمّ تطويعها للشأن الاجتماعي بالقدر الميسر، وآخرون من فلاسفة تحدثوا عن ما يشار له احياناً بـ(الحكمة العملية) أو التداوي بالتفلسف التي أصبحت ضمن فضاءات الثقافة العربية كذلك، وهذا ما لمسناه بأعمال عربية خاصة.
أننا ندرك ان الأمر شاق وصعب للغاية من جهة الفلسفة ذاتها، فكيف يمكن ان يكون الأمر من جهة العرفان النظري على اقل تقدير ان لم نذهب نحو العرفان العملي، ولكن ما يدعونا إلى ذلك ويلح بنحوٍ جلي، هو أشكالية (النخبوية العرفانية) من جهة وخطابها الفلسفي (الصعب) ومن جهة أخرى التحديات المجتمعية الهائلة التي تدفع بنا للبحث عن عرفان نظري وتصوف اسلامي يكون بمثابة هو الواجهة الجديدة للإسلام الذي نبحث عنه ونريدهُ ونسعى إلى تقديمه.
ولعل التساؤل الابرز الذي نطرحه هنا: كيف نستطيع أن نعيد تقديم الاسلام من منظور عرفاني وصوفي بعيداً عن النسقية الفلسفية التي سورتها بعيداً عن الجمهور والذائقة الفردية العامة والوالهة نحو البحث عن طريق توحيدي خالص (بلحاظ إننا ازاء منظومة روحية ليس بمقدور الجميع التعامل معها، إذ لا يملك الجميع نفس الاستعدادات أو القابليات) ؟ .
يمكن ان تتمظهر الاشكالات خول الخطاب الفلسفي للعرفان النظري حصراً (إذ التصوف الطرقي له جمهوره العام بنحو ما في الكثير من بلدان العالم الاسلامي وهذا بخلاف العرفان خصوصاً على وجه أدق)، والاشكالات هي:
1- أن العرفان يمتلك مناخاً ثقافياً أرحب للقبول من التصوف على المستوى النظري والعملي، وذلك جراء الحمولات السلبية التي لحقت بالاخير، ولكن على الرغم من ذلك فأن مأساة العرفان تمكن في تعالي خطابه الفلسفي وصعوبته على افراد كثر منهم المتعلمون كذلك .
2- خصوصية التجربة الفردية للعارف، وكيف يمكن ان تكون متماهية مع الشأن الاجتماعي، أي كيف يمكن تحويل نتاجاتها إلى تجربة جماعية بعيداً عن الصياغة الايديولوجية، بل تقديمها كخطاب معرفي ذو لون ثقافي خاص يمكن الاشتغال عليه من دون انغلاقية.
3- يجب مواجهة الطعون التي لحقت بالعرفان واعادة تقديم منظومة معرفية مبينة للمغالطات الموجودة عبر الرد عليها ، أمثال ما قال به (على سبيل المثال لا للحصر) علي شريعتي في كتابه ثالوث العرفان والذي اتهم العارف بالعطالة وأنشغاله بنفسه فحسب إذ قال: إن العرفان يوجه في الإنسان مشاعر معنوية وقيماً متعالية ونفسية وروحيّة تنمّي وجوده وروحه وتكملها، ولكنه يجعل الفرد غافلاً وغير مكترث ببعض الكوارث التي تجري حوله، الأمر أشبه ما يكون برجلٍ منعزل في خلوته الروحانية والمعنوية، حيث وصل سدرة المنتهى محلقاً في معراجٍ معنوي عظيم، ولكنه لا يعلم شيئاً عما يجري خلف جدار معزلهِ، ولا يدري بالظلم والكوارث والفقر والرذيلة والجهل والفساد وانحطاط الانسان، أي إنه قطع علاقته تماماً بواقعه وبيئته، ولهذا تتحول هذهِ النجاة وهذا الفلاح الافتراضي إلى نوعٍ من الأنانية والإعجاب بالنفس([24]).
ومثلما فعل محمد عابد الجابري كذلك الذي قال: العرفان،…، وهو في جانب منه موقف من العالم، موقف نفسي وفكري ووجودي، لا بل موقف عام من العالم يشمل الحياة والسلوك والمصير، والطابع العام الذي يسهم هذا الموقف هو الانزواء والهروب من العالم والتشكي من وضعية الانسان فيه وبالتالي الجنوح إلى تضخيم الفردية والذاتية، تضخيم (العارف) لـ(أنا)([25]) فهو بحسب رأيه: يشعر بنفسه غريباً في عالم يراه غريباً عنه تماماً، فيتجه إلى تمييز نفسه عن هذا العالم، إلى الانفصال عنه والقطيعة معه([26]).
وقبالة هذه الاراء نجد تصورات ومواقف اخرى مغايرة كليا ، ترى بأن المتصوفة والعرفاء هم الوحيدون المعول عليهم لأحداث نهضة معرفية/روحية وتوجيه أو تربية المجتمع تربية روحية، على الرغم من كل هذهِ الانتقادات، بل هم يتقدمون على أدوار الكثير من الفقهاء المسلمين، إزاء هذا يعلن المفكر الباكستاني محمد إقبال إن مصير شعب من الشعوب لا يتوقف على النظام الذي يحرص الفقيه على حمايته وتركيزه بقدر ما يتوقف على قيمة الافراد وقوتهم ضمن ذلك المجتمع، بهذا يبعث الصراع القديم الذي لم يُحسم في التاريخ الاسلامي إلّا بالعنف والإقصاء: الصراع بين الفقهاء والمتصوفة. لا يخفي محمد إقبال تأييده لهؤلاء وإعراضه عن اولئك، هؤلاء يستطيعون إيقاظ المسلمين من سباتهم الروحي وتوجيههم إلى المعنى العميق للوحي الإلهي([27]).
وهذا الأمر يحتاج إلى تبيان الوظائف الاجتماعية للعارف وللطرق الصوفية التي ضجت بها كتابات العلوم الاجتماعية من جهة ، ومن جهة اخرى فان انسحابية العارف كما يرى محمد اقبال انما هي انسحابية وقتية ثم العودة للزمن الاجتماعي والمعايشة الكاملة له بكل اعبائه ومشاكله.
4- نحن بحاجة إلى تقديم النماذج العرفانية بطريقة جديدة، اذ المشهور هو أما ان تقدم بطريقة فلسفية عالية وأما تقدم بطريقة شعبوية، وهاتان الطريقتان بها خطأ فادح وكبير، فالطريقة الفلسفية ستظل تدور في فلك المقولات الفلسفية البعيدة عن متناول الفكر اليومي/ المعاش، والطريقة الشعبوية ستظل تدور في فلك الاوراد والاذكار والرغبة بأظهار العارف مغيّر العالم ويحدث المعاجز والكرامات(*) وهذا الأمر رفضهُ العرفاء والمتصوفة أنفسهم إلا ما رشح عنهم لغايات أخلاقية وتهذيبية.
وهذا الأمر يعني اننا ازاء حالة مشوهة من نسخة يطلق عليها بـ(الاسلام الشعبي) تناولها المستشرقون والانثروبولوجيون بنحوٍ سلبيٍ على الرغم من وظائفيته الاجتماعية المتعددة في الريف والواحات والصحاري ولكنه نموذج سلبي مشوه من جهة تقديم العرفاء بوصفهم معالجون روحانيون فحسب، من دون ذكر وظائفهم المعرفية العالية.
وهذا الأمر يرتبط كذلك بالأعياد والاحتفالات الشعبية التي قدم حسن حنفي النقد لها عندما تحدث عن الحالات السلبية للتصوف ليس في مصر (الموالد) وحسب، بل في العالم الاسلامي، إذ قال: فالطرق تحولت إلى موالد شعبية دينية في المولد النبوي، وإحياء المناسبات الدينية، رأس السنة الهجرية، وليلة النصف من شعبان، وليلة القدر وليالي رمضان، يلتف حولها الجمهور ويشارك فيها الكبار والصغار وتباع الحلوى، وتُطلق الألعاب النارية، وتُقام مسابقات ألعاب القوى، وتنصب الأراجيح….، لا فرق بين الديني والدنيوي، بين النخبة والجماهير، ويتنصب مشايخ الطرق، ويترأسون المسيرات الشعبية([28]).
إذ أصبح التصوف ضمن دائرة (روحانية السوق) أو ما اصطلح عليه بعضهم بـ(إسلام السوق)(**)، وهذا يعني أن المتصوفة والعرفاء بوصفهم شخصيات حية او بوصفهم مراقد دينية اصبحوا ضمن دائرة (السياحة الدينية) ليس إلا، وهذا الأمر لطالما آضر بالعرفاء والمتصوفة وفي كل بلدان العالم الاسلامي كما أحسب.
5- نحن لدينا معارف بل منظومة عرفانية متكاملة كميراث وكأنتاج مراحلي هائل، وليس هو المشكلة، انما المشكلة في وسائل أو تقنيات تقديمه إلى الناس أو المجتمع، وكيف يمكن ان يصبح جزء من المنظومة الثقافية / التداولية، هو الأمر الاهم كما أحسب، وهذا يعني أننا ازاء أزمة الخطاب الفلسفي ذاته وصعوبته من جهة، ومن جهة منطق الابتسارات لتجارب العرفاء والمتاجرة بها عبر نسخ متدينة لم يرغبوا بها.
6- نحن بحاجة إلى إعادة تقديم صلات العرفان والتصوف بالفقه الاسلامي، من زاوية الايضاح الاوسع لطبيعة هذه الصلات، وذلك لأن الموجود الان في العالم الاسلامي هو النسخة الخاصة بما نستطيع ان نصطلح عليه بـ(الاسلام الفقهي) بنسخته السلفية المتشددة التي ابتلعت الاسلام برمته وسائر ميراثه الحضاري وصادرته
فنحن بحاجة إلى تفصيلا مبينا لتلك الصلات بين التصوف والعرفان والشريعة ولعل مدخلها هو الثلاثية الجوهرية (الشريعة، الطريقة، الحقيقة) ويشرح العرفاء العلاقة بين هذه العناصر الثلاث المهمة بأنّ من يسعى للوصول إلى مقام قرب الحقّ تعالى لابد له أولاً من ان يبدأ بأتباع أحكام الشريعة، وبهذا يصل إلى منزلة الطريقة ويتمكن من خلال السير والسلوك في الطريقة والعمل بمقتضياتها من الوصول إلى منزلة الحقيقة وأن يشاهد التوحيد في عمق عالم الوجود. ويؤكد أهل المعرفة على انه لا معنى من أن يخطو الانسان في عالم الطريقة والسير والسلوك من دون الالتزام بإطاعة الشريعة، ولن يكون ذلك منه سوى اتباع لهوى النفس، لأن التقرب إلى الحق تعالى لا يتحقق من خلال مخالفة الاوامر والنواهي الإلهية. ومن جهة أخرى إذا لم يتبع الانسان الشريعة فإنه لن يتمكن من الانتقال إلى عالم الطريقة ولن يتمكن من الوصول إلى الحقيقة ولو وصل إلى حقيقة من غير الطريقة فلن يكون ذلك سوى الانانية والإلحاد([29]).
ولعل انشغال الخطاب الفلسفي العرفاني بتقديم منظومته وتطويرها جعلته يخفق في بعض المجتمعات في بيان حدود الصلات والتداخلات مع (الشريعة) (التي أوضحناها انفا) أزاء انشغال تلك الطرق الصوفية بـ(الطريقة) . وبين الحدين تمظهرت الحقيقة بخطاب فرداني خاص لم يضبط أو يسيطر على العلاقة مع الفقه من جهة ولا مع الطريقة من جهة أخرى.
رابعاً: الأزمة الجيلية وانماط الاحتواء: تفصيلات المواجهة
لكي نقدم خلاصة نهائية للأزمة الجيلية وجب أن نتوقف عند ما نستطيع ان نصطلح عليه بـ(ملئ الفراغ) ونقصد به ان الاجيال الراهنة تعاني من ازمات مركبة، وهذه المسألة من جهة علاقتها بالتصوف والعرفان يتطلب اجراء رؤية استطلاعية للرهان الروحي القائم في العالم الاسلامي لأجل الكشف عن البوابات أو المفاتيح الثقافية والاجتماعية التي يمكن من خلالها صياغة خطاب اجتماعي يواجه الازمات الروحية التي يعاني منها (الجيل الشبابي) المعاصر، وهذا الأمر يستدعي وضع قضايا اساسية محل النظر لأجل استيعاب (ملئ الفراغ) الذي نجمَ عن أزمة الحداثة والنزعة الاستهلاكية (العولمية) من جهة، والاحباط الروحي ازاء اخفاق الخطاب الفلسفي والديني للطرق الصوفية من جهة أخرى، فضلاً عن الإحاطة بتيارات الروحانية التي يقدم الكثير من الشباب على الانتماء لها أو التأثر بها بنحو أو بآخر، وسيكون حديثنا بالنحو الاتي:
(1) الموت السريري للحداثة ومنطق ما بعد الحداثة :
ان الحداثة التي تعلي من شان العقل وحده وتسيد الإنسان على الطبيعة، بعد اقصاء الجانب القدسي، ان لم يكن انكاره بنحوٍ جلي بجعل الانسان هو صاحب المركزية الوجودية، قبالة (مركزية الإله) وصلت بها ذروة النشاطات الغائية والتواصلية والسلطوية إلى ان تحصر الفرد الذي رسخت (فردانيته) و(تفرده)!! ضمن اجراءات فنية وتنفيذية أوجزها بعض الباحثين بالمسائل الآتية:
1- حصر رغبات الفرد الفكرية والحياتية اقتصاداً واجتماعاً وسياسة في قنوات مضبوطة وبطرق متعددة كالسرعة مثلاً، وبذلك اصبحنا ضحايا التجديد الدائم والمفرط على كل الاصعدة الحياتية، مما سلب منا الزمن الهادئ والطمأنينة.
2- قولبة الرغبات الطبيعية للإنسان وإخضاعها إلى متطلبات الربح والسوق، وخلق رغبات متغيرة دائماً، مما جعلنا كائنات استهلاكية فحسب.
3- تعرية الفرد وحصاره اجتماعياً عن طريق كشف الهوية، بحيث اصبح يُعرف من خلال سلسلة من الارقام وحصيلة من البطاقات المختلفة والمتكاثرة، ومن ثم اصبحنا ذواتاً رقمية ضمن العالم المالي والافتراضي ([30]).
أن السمة الاساسية للحداثة تكمن فيما يلي: جعل الكائن البشري مستقلاً كلياً بذاته، لقد أصبح أساس ذاته وغاية بحد ذاته، منفصلاً عن كل تعال إلهي يعلو عليه أو يتجاوزه، وقد أصبحت النزعة الفردية والحرية، بعد أن دعمتا بالتقدم التكنولوجي العلمي، البداية والنهاية لمبادئ الحياة الحديثة، ونلاحظ أن المجتمعات الغربية وكل المجتمعات الاخرى التي تغلغلت فيها عن طريق الحداثة بشكل أو بآخر تستمر في التغذي من هذه القيم، محاولة ان تفرضها على العالم كله.
كان نيتشه أول من دق جرس الإنذار محذراً من مخاطر الحداثة حيث اعتبرها مرضاً، وأنحطاطاً بلا حل ولا غفران، ونلاحظ أنه منذ بداية القرن العشرين فإن الكثير من المبدعين الغربيين (من فلاسفة، وفنانين، وكتاب) ما عادوا يحملون اوهاماً حول مقدرة أوربا على إعادة تسليح نفسها نفسانياً بواسطة وسائلها الخاصة.
ازاء الانتقادات المتلاحقة كان هنالك عصر آخر بدأ يظهر أنه عصر (ما بعد الحداثة) الذي يشير إلى إنهيار الانظمة الشكلانية للفكر، والدين، والمجتمع وكذلك نهاية اليقينات القطعية، بل وحتى قبل ذلك كان نيتشة قد اكتشف أنه لم يبق أمامنا الا منظورات، أو تخمينات ليس لها أساس راسخ في كائن مطلق، والواقع ان (التقدم) التكنولوجي أو العلمي، راح يولد أيضاً تقدماً في الشك والارتياب واللايقين، وكذلك يولد ازدياداً وتقدماً للقلق المرتبط بهِ([31]).
إننا أزاء انقلاب جذري على العقل وبالضبط على العقل التنويري، فلم تعد تؤمن بما تسميه أوهام العقلانية: المعرفية والاخلاقية والانسانية، حيث كفّت عن الاعتقاد بأن العلم هو الوجه الوحيد للحقيقة، وبأن الماهية ثابتة وسارية في جوف الموجودات، وبأن البرهان قادر على الوقوف على نظام كل الاشياء، وبأن المعرفة يمكن ان تكون موضوعية والخير يمكن ان يكون مطلقاً لا نسبية فيه ولا خلاف بشأنه، موازاة لذلك، نادت (ما بعد الحداثة) إلى اعادة النظر في الوسائل المعرفية التي كانت يقصيها العقل، كالخيال والاسطورة، وعملت على الغاء الازدواجيات التي كان يقوم عليها الفكر الاستدلالي، كالازدواجية في الصورة والاصل، بين الذات والاعراض، وبين المبدأ والاثر([32]) .
وهنا يطل العقل العرفاني، بل الفكر الصوفي برمته الذي يمتلك الفضاء الارحب لتلك الطمأنينة واليقين، فضلاً عن امتلاكه الادوات الموازية لعصر لما بعد الحداثة، أمثال (الخيال الصوفي) و(اللغة الرمزية) ونحو ذلك، وهو بذلك النحو ممكن ان يكون المالك لأدوات ملئ الفراغ لما أفضت إليه الحداثة من نهاية وسحق كامل لكينونة الانسان وبحثه عن المطلق في حياته اليومية تحت وطأة العقل الاداتي والنزعة الاستهلاكية، والاستلاب الكامل لإنسانيته([33]).
وعلى هذهِ القاعدة ذاتها من التفكك المادي أو الاخلاقي تبدو الروحانيات اليوم صحيحة ومشروعة وضرورية، فإذا كان العالم الظاهري لم يعد ذا معنى، فإننا امام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون الواقع محصوراً بهذا الادراك، الشيء الذي يعني موت الله والانسان في آنٍ معاً (بين عصري الحداثة وما بعد الحداثة)، أو ان المعنى موجود في (مكان آخر)، أي فيما وراء إدراكاتنا الحسية، بمعنى أنه يتوضح في الحقيقة الكبرى المخيفة، أي حقيقة المتصوفة العليا كما يرى الباحثيونس جوفروا.
إذ كانت الحداثة تفرض نفسها كنمط ثقافي أوحد عبر أدوات عدة كـ(العولمة)، فإن ما بعد الحداثة تقدم نفسها كنمط ثقافي حر يمكن للآخر تمثله وينفلت من عقال كل اليقينات، ولعل هذين النمطين كلاهما يفضيان إلى الفوضى القيمية داخل العالم، فبين الحداثة التي تتسيد العالم عبر ترسيخ (المركزية الغربية)، وبين ما بعد الحداثة التي تخلط الثقافات برؤية مبتسرة وفارغة، كان العالم بحاجة إلى نمط ثقافي لا يتسيد قهريا ولا يفرض نفسه، وفي الوقت عينه لا يقصي طريق اليقينات عن الانسان المعاصر، ان نمط العرفان الاسلامي والفكر الصوفي اللذين يمكن لهما ان يعبرا بالإنسانية صوب إعادة اكتشاف الوجود والكينونة في آن واحد يمثلان إحدى الوسائل الروحية لملئ الفراغ للأجيال الشبابية وأزمتها الروحية الخانقة.
(2) التدين الفردي كظاهرة دينية:
جراء جملة التحولات البنيوية داخل العالم الاسلامي أطلت ظاهرة جديدة للغاية، وهي ظاهرة التدين الفردي الذي يشير إلى مجموعة الاعتقادات الروحية/المركبة والمأخوذة من اتجاهات أو مذاهب روحية مختلفة ، ولعل التصوف كان احداها، ولكن الأمر الخطير في هذا التدين أنه يقوم على مبدأ احادي جوهري وهو الحرية الدينية ومن ثم حرية الاختيار في نوع الاعتقاد وطبيعته وخصوصيته ومصادره، رافعاً شعار أوحد هو ان الصلة بين الفرد وخالقه لا تحتاج إلى مظلات معرفية/دينية متوارثه.
وأثر هذا الأمر ذهب الكثير من الجيل المعاصر من الشباب الذي يشعر بقلق وجودي روحي وأخلاقي هذا المذهب، ولعل العنصر الابرز الذي ساعدهم على تحقيق مراميهم هي المدونات والصفحات الالكترونيات التي لديها مساحة واسعة في نشر وتقديم كل ما هو فريد وغريب في المجال الروحي بمعزلٍ تام عن الخطوط الروحية والدينية الاصلية والمعرفة.
أننا ازاء جيلا دينيا جديدا – متعطشا إلى معارفا روحية خاصة إذ بعد أن سحبته الحداثة ومظاهر الغرب المختلفة الفكرية والتقنية عن عوالمه التقليدية/القديمة، وجد نفسه معلقاً بين الارض والسماء بدون حاضنة أو بديل روحي ممكن للحداثة المفرطة والسائلة كما وصفها (زيجمونت بومان) تستطيع ان تقدم له بديل أو اجوبة عن قلقه الوجودي وسعيه الحثيث نحو المطلق.
لقد تقدم الحديث عن معنى تغيير الاجيال الروحية أو الدينية، وصلة ذلك بعملية التحولات التي جرت وتجري داخل المجتمعات كافة، ومن ضمنها مجتمعات العالم الاسلامي، وهذا ما ينعكس بموضوعة التدين نفسه وخصوصيته لدى هذهِ الاجيال.
ففي حين يتم التركيز إعلامياً على توجه الشباب نحو التطرف و(الارهاب) لا ينبغي ان نغفل عن أنماط التدين الجديدة الاخرى التي تبرز على الساحة اليوم، فالتغيرات المعاصرة التي تحدث على مستوى التدين الشبابي نحو ما يمكن ان نسميه بـ(التدين الفردي). وسبب اتجاهه نحو ذلك هو وجود أزمة تدين يواجهها الشباب في علاقتهم مع الحالة الدينية العامة، ويتصف بالفردية لعدة أسباب أبرزها:
- أنه يتشكل بالاستقلال عن أنماط التدين الجماعية السائدة، كالسلفية والحركية والصوفية التقليدية.
- أنه يسعى إلى الاستقلال عن التدين الاجتماعي الذي نشأ عليه الفرد، ويعمل على مساءلة القيم والعادات الاجتماعية بإستمرار عن طريق البحث عن إجابات أكثر استقلالية وأكثر تلبية لحاجات فردانية.
- أنه يُعلى عن أزمة ثقة بالخطاب الديني، في مقابل اتجاهه نحو أشكال أخرى من المعرفة، إما عن طريق التفاعل مع الانتاج المعرفي الغربي، أو البحث عن مصادر روحانية أو تشكيل الافكار بناءً على حاجات الفرد نفسه([34]).
قدم غلوك منذُ سنوات تعريفاً للتدين، غير أن عديد المسائل بانت قابلة للنقاش وأخرى ما عادت مقنعة أبداً، مقارنة بما كان شائعاً بين الدارسين إبان ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ممن حاولوا ترجمة التحديد المفاهيمي لغلوك في أنماط تحليل تجريبية، ذات طابع اجتماعي وديني مختلفة عما يسود في أمريكا أو في البلدان الاسكندنافية، ورغم التأملات النقدية التي أتاحتها الابحاث التجريبية، لا يزال من المجدي والى اليوم الاستئناس بمقترح غلوك، يميز الباحث خمسة مستويات، أو خمسة عوامل تسمح بتحديد التدين، وهي: الاعتقاد – الممارسة الشعائرية – المعرفة – التجربة – الانتماء([35]) .
وازاء هذه الفردانية الشبابية الجديدة وجدنا هذه الخمسة مستويات قد اعتراها تغيير كبير ضرب جوهر المنظومة المحمولة التي كانت موجودة في السابق، بمعنى نحن الان أزاء منظومة اعتقادية جديدة جرت معها سائر المستويات الاخرى ، ولقد كان ظهور المجتمع الشبكي إلى جانب تحولات اخرى أحدى العوامل الاساسية التي أدت إلى ظهور أنماط أو صيغ روحية مختلفة يحملها بعض أبناء الجيل الجديد.
إذ تمثل مواقع التواصل الاجتماعية تجسيداً للنمط الاجتماعي الفرداني، فالمساحات التي يقدمها الانترنت تطرح ما يسميه دارين بارني بالمجتمع الشبكي، حيث تمثل الشبكة حالة ترابط بين نقاط متباينة (يطلق عليها عقد) متصلة بروابط متباعدة ومتداخلة، بحيث يمكن ان تكون هذه النقاط أشخاصاً أو مؤسسات([36]).
ومثلما بينت دراسة حمزة ياسين في المجتمع الأردني أن هنالك اربعة أنماط من التدين الفردي وعلى النحو الآتي نوضحها:
- النمط الأول: وهو والنمط الذي أستقر على تدينه الجديد وأفراده مرتاحون مع الحالة التي وصل إليها، من خلال تصورهم الفرداني الجديد.
- النمط الثاني: وهو النمط الذي ما زال يعيش حالة قلق ولم يحدد خياراته الدينية بشكل كامل، إذ يعيشون حالة تقلب وقلق دائمان.
- النمط الثالث: وهو النمط الذي وصل إلى حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث بملائمة خياراته للدين بسبب شعوره بالتعب من البحث المستمر، إن أفراد هذا النمط لا يمتلكون تصورات خاصة وواضحة عن تدينهم الجديد.
- النمط الرابع: هو النمط الذي يتبنى اختيار الفصل بين حياته الشخصية والفكرية والاجتماعية وبين الدين، إذ اصبح الدين حاضراً في قضايا جزئية وبسيطة للغاية([37]).
ان التحولات المتسارعة في العالم وبقوة زخم الفردانية نفسها أنعكست على المتصوفة أنفسهم، من أبناء الجيل الروحي الجديد، إذ اصبح لدينا جيلين: جيل تقليدي/ صوفي معروف بثوابته ومواريثه الروحية/ الطرقية المتعارف عليها:
- علاقة الشيخ بالمريد.
- مدارات السير والسلوك المعروفة نحو الله تعالى.
- العلاقة مع النبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) بوصفه مظهرالانسان الكامل الاوحد وانه الشيخ الباطني الموجه.
- صورة الثواب والعقاب التي تتطابق مع لدى أهل الشريعة.
ولكن كل هذهِ القضايا والمفاهيم انقلبت رأساً على عقب في عصر الجيل الروحي الجديد، وهذا ما حصل على سبيل المثال في المجتمع الاردني (على سبيل المثال )، وكأن حال التحول أصبح مماثل لبيت الشعري الشهير:
أما الخيام فانها كخيامهم
وارى نساء الحي غير نسائه
أننا إزاء معاهد ومراكز روحية جديدة أخذت بالانتشار وبالتالي فهي تمارس كما مارس المجتمع الشبكي من تأثير من إعادة انتاج الفهم الروحي، وتقديم التصوف بقوالبا وصيغا جديدة، معتمدة على فكرة محورية هي بالأصل فكرة صوفية ولكن تم تحريفها وهي: ( كل إنسان قادر على التواصل مع الله)، وهؤلاء الروحانيون الجدد يؤمنون بمبدأ الـ onnesوهو ترجمة أجنبية لمصطلح وحدة الوجود والذي هو بذاته مختلف عليه في معناه لدى عدة طرق صوفية!! ([38]).
فمنظورهم عن:
الله تعالى: هي كسر المسمّيات الاسرية، والذهاب نحو الحب بنحو مفتوح.
(2) النبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم): إعادة إكتشافه من خلال ترك السنة النبوية، ولكنه مثال وانموذج أعلى لديهم.
(3) العلاقة مع الانبياء والقديسين: إنهم حاضرون وممكن التواصل معهم روحياً.
(4) الثوب والعقاب: المتصوفون الجدد والجيل الروحاني الجديد هذا يقوم على العلاقة بينهم وبين الله من جهة الجمال والحب، ولا ينظرون لمسألة العقاب، نظرة دينية متعارف عليها([39]).
إننا أزاء جيل جديد دمج الموروث الصوفي القديم بعالم التقنيات الروحيةالشرقية المعروفة من تأمل وروحانيات، مع ما يعرف بعلم الطاقة، ومن ثمّ فنحن ازاء جيل روحي متمايز بنحوٍ كبير عن الاجيال الصوفية والعرفانية الموجودة والمستمرة في المشرق والمغرب، ولعل جوهرها قائم على التحرر من الطرقية الكلاسيكية بشكل نهائي، فلا يوجد شيخ لديهم، وبإمكان المريد حسبما يرون ان يسلك بلا مربي موجه.
ولهذا وجب التقدم نحو هذا الجيل برؤية صوفية وعرفانية مستوعبة كافة التحديات الراهنة، وفهم دقيق لمشكلات هذا الجيل الروحية ،فضلا عن وجود اجابات مقنعة لكافة الاشكالات التي يحملونها ازاء التصوف والعرفان ، ولعل من مقدمات وأسس التواصل مع هذا الجيل هو استمرارية الدرسات الاستطلاعية الميدانية للوقوف بعمق ودقة على منظومته العقدية والروحية الجديدة من جهة ، فضلا عن التركيز على السياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لوعيهم الروحي هذا من جهة اخرى.
(3)الروحانية المزيفة وانقاذ الميراث الروحي:
تصاعدت وتيرة حديث صناع القرار في الساحة الغربية عن التصوف بشكل جلي مباشرة بعد منعطف اعتداءات 11 سبتمبر 2001، حيث تم تسليط الأضواء على مفاهيم ومشاريع السلفية أو (الوهابية) و(الجهادية) وتطور الأمر إلى نقد التدين الاسلامي الحركي، في نسخته القتالية، مقابل الانتصار لخيار (الإسلام التقليدي) أو الاسلام الطرقي.
كان علينا انتظار ثلاث سنوات بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، حتى نعاين صدور تقارير أمريكية تدعو إلى تشجيع الطرق الصوفية، ونتحدث عن تقريرين شهيرين صدرا عن مركز (راند) للدراسات، وجاء الأول تحت عنوان (الإسلام المدني الديمقراطي)، وصدر سنة 2004، حيث تعامل التقرير مع (الإسلاميين التقليديين والصوفيين) على أنهم يشكلون الغالبية العظمى من سكان العالم الاسلامي، وهم يعبرون عن الاسلام المحافظ، ويؤكدون على المذاهب الاربعة في فهمهم للإسلام.
أما التقرير الثاني، ولا يقل أهمية عن الأول، فجاء تحت عنوان: بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الاسلامي، ولو أن التقرير أفرد مساحة أقل للصوفية، واعتبر المعتدلين هم من يقومون بتقديس أئتمهم أو شيوخهم ويأخذون بالإسلام التقليدي دون التفسير الدقيق وغير الوسيط للقرآن والحديث يعني أنهم يفتقرون إلى واسطة دوماً ويصلون في القبور ويقدمون نذورهم ويؤدون الكثير من الامور التي يمقتها الوهابيون([40]).
لعل الباحثة المصرية هبة جمال الدين محمد العزب كفتنا موؤنة الحديث بتفاصيل موسعة، عبر كتابها الذي صدر مؤخرا والموسوم (الدبلوماسية الروحية والمشترك الابراهيمي : المخطط الاستعماري الجديد ) اذ اشارت وبتفاصيل مهمة وموثقة عن المشروع الامريكي الذي انطلق منذ عام 1990 ومن ثم توسع واصبح ركنا اساسيا من ضمن المؤسسات الحكومية الامريكية وبرعاية مباشرة لوزارة الخارجية الامريكية منذ عام 2013 ، والذي يسعى عبر التصوف وبث أسس المشتركات الابراهيمية كمدخل لتحقيق السلام الديني العالمي ونبذ العنف والارهاب وتحقيق تقارب بين الاديان (بحسب دعواه !!) ، عبر صناعة ديانة ديانة عالمية جديدة تتأخذ من التصوف جسرا للعبور لاجل انتاج مواطنة عولمية / روحية هذه المرة (وتقدمت الإشارة إلى ذلك).
ان الرعاية الامريكية والاسرائيلية واضحة لهذا المشروع عبر القيادات اليهودية للجمعيات الصوفية العالمية التي أخذت تتواصل وتخترق الطرق والجمعيات الصوفية في العالم الاسلامي ، من اجل توليد او انتاج خطاب صوفي جديد مبني على الصهر الثقافي والروحي تحت مظلة المشتركات الابراهيمية ، وهي في المآل النهائي تصنع اجيالا شبابية جديدة مفصولة عن منظومتها الروحية الاسلامية ، من اجل تطويعها في المستقبل نحو الرضوخ لعقيدة السلم العالمي، التي اولى منطلقاتها قبول الاخر الصهيوني ، وقبول الاخر الصوفي ذو العقيدة المشوهة والمتناقضة تماما مع الروح القرآنية/ التوحيدية.
أننا والحال هذه نجد من المهم ملئ الفراغ والتصدي لهذه المشاريع ، عبر اطلاق مشروعا اسلاميا لانتاج خطابا صوفيا وعرفانيا يجمع بين حقائق التوحيد واصوله ويستوعب متغيرات العصر ويحاول تقديم نموذجا اسلاميا معرفيا ، قبالة هذا الخطاب الديني الايديولوجي الامريكي المزيف الذي يتأخذ من اصول التوحيد الابراهيمي وطرق التصوف جسرا لتزييف جوهر الاسلام من جهة ، وصناعة وعيا دينيا خانعا من جهة اخرى.
المصادر:
- أحميدة النيفر، النص الديني والتراث الاسلامي: قراءة نقدية، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2004.
- إريك يونس جوفروا، المستقبل للإسلام الروحاني، ت: هاشم صالح، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2016.
- باتريك هايني، إسلام السوق، ت: عومرية سلطاني، مدار الابحاث والنشر، القاهرة، ط3، 2020.
- جولي ماكليود، ريتشيل طوسون، بحث التغير الاجتماعي: المقاربات الكيفية، ت: سحر توفيق، مراجعة: محمود الكردي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2014.
- جيل ليبوفتسكي، عصر الفراغ: الفردانية المعاصرة وتحولات ما بعد الحداثة، ت: حافظ إدوخراز، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، 2018.
- حسن حنفي، من الفناء إلى البقاء: محاولة لإعادة بناء علوم التصوف، الجزء الثاني: الوعي الذاتي، المدار الإسلامي، بيروت، ط1، 2009.
- حسن مرزوقي، الاسلام الطرقي ومستويات التأصيل، مجلة عمران، الدوحة، العدد(2)، خريف 2012.
- حمزة ياسين، التغير في التدين الشبابي: ميول روحانية فردية، ورقة عمل ضمن كتاب: (الصوفية اليوم: قراءات معاصرة في مجتمع التصوف ونماذجه)، تحرير: محمد ابو رمان، مؤسسة فريدريش ايبرت، عمان، 2020.
- زيجمونت بومان، الحداثة السائلة، ت: حجاج ابو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط2، 2017.
- سابينواكفيغا، إنزو باتشي، علم الاجتماع الديني: الاشكالات والسياقات، ت: عز الدين عناية، دار كلمة، أبو ظبي، ط1، 2011.
- عبد الواحد يحيى، التربية والتحقق الروحي: تصحيح المفاهيم، ترجمة وتعليق: عبد الباقي مفتاح، عالم الكتب الحديث، إربد، الاردن، 2014.
- عبد الواحد يحيى، نظرات في التربية الروحية، ت: عبد الباقي مفتاح، عالم الكتب الحديث، إربد، الاردن، 2014.
- علي شريعتي، ثالوث العرفان والمساواة والحرية، ت: حسن الصراف، دار الرافدين، بيروت، ط1، 2017.
- فتحي التريكي، رشيدة التريكي، فلسفة الحداثة، مركز الانماء القومي، بيروت، 1992.
- محمد المصباحي، نعم ولا: الفكر المنفتح عند أبن عربي، الدار العربية للعلوم ناشرون، ومنشورات الاختلاف، بيروت، الجزائر، ط1، 2013.
- محمد عابد الجابري،ـ بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية للنظم المعرفية في الثقافة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط9، 2009.
- هاني عواد، التدين الشبابي بوصفه نمطاً منفلتاً من المؤسسة الايديولوجية، مجلة عمران، الدوحة، ع(2)، خريف 2012.
- هبة جمال الدين محمد العزب، الدبلوماسية الروحية والمشترك الابراهيمي، المخطط الاستعماري للقرن الجديد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2021.
- ويد كلارك روف، الاجيال والدين، مقالة في كتاب: المرجع في سوسيولوجيا الدين، كتاب أكسفورد، المجلد الثاني (بيتر كلارك) محرراً، ت: ربيع وهبة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2020.
- يد الله يزدان بناه، العرفان النظري: مبادئه وأصوله، ترجمة: علي عباس الموسوي، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ط2، 2016.
([1]) ويد كلارك روف، الأجيال والدين، مقالة في كتاب: المرجع في سوسيولوجيا الدين، كتاب أكسفورد، المجلَّد الثاني (بيتر كلارك) محرّراً، ت: ربيع وهبة، الشبكة العربيَّة للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2020، ص925-926.
([2]) ويد كلارك روف، الاجيال والدين، مصدر سابق ، ص931.
([4]) ويد كلارك روف، الأجيال والدين، مصدر سابق، ص931.
([5]) جولي ماكليود، ريتشيل طوسون، بحث التغير الاجتماعي: المقاربات الكيفيَّة، ت: سحر توفيق، مراجعة: محمود الكردي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2014، ص217.
([6]) جولي ماكليود، ريتشيل طوسون، بحث التغير الاجتماعي ، مصدر سابق، ص217.
([8]) زيجمونت بومان ، الحداثة السائلة ، ت: حجاج ابو جبر ، الشبكة العربية للابحاث والنشر ، بيروت ،ط2، 2017، ص74-75.
([10]) جيل ليبوفتسكي، عصر الفراغ: الفردانية المعاصرة وتحولات ما بعد الحداثة، ت: حافظ إدوخراز، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، 2018، ص8-9.
([12]) جيل ليبوفتسكي، عصر الفراغ، مصدر سابق، ص224-229.
([14]) هاني عواد، التدين الشبابي بوصفه نمطاً منفلتاً من المؤسسة الايديولوجية، مجلة عمران، الدوحة، ع(2)، تصدر عن: المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات ، خريف 2012، ص77.
([16]) ينظر تفاصيل أكثر: هبة جمال الدين محمد العزب، الدبلوماسية الروحية والمشترك الابراهيمي:المخطط الاستعماري للقرن الجديد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2021، ص29.
([17]) ينظر تفاصيل أكثر: المصدر السابق نفسه، ص71-75.
([18]) حسن مرزوقي، الاسلام الطرقي ومستويات التأصيل، مجلة عمران، الدوحة، العدد(2)، تصدر عن: المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات ، خريف 2012، ص15-16.
([19]) حسن مروزوقي، المصدر السابق نفسه، ص17.
([20]) عبد الواحد يحيى، التربية والتحقق الروحي: تصحيح المفاهيم، ترجمة وتعليق: عبد الباقي مفتاح، عالم الكتب الحديث، إربد، الاردن، 2014، ص31.
([21]) المصدر السابق نفسه، هامش، ص31.
([22]) عبد الواحد يحيى، التربية والتحقق الروحي، مصدر سابق، ص117-118.
([23]) ينظر تفاصيل أكثر: المصدر نفسه، ص71-76.
([24]) علي شريعتي، ثالوث العرفان والمساواة والحرية، ت: حسن الصراف، دار الرافدين، بيروت، ط1، 2017، ص93.
([25]) محمد عابد الجابري،ـ بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية للنظم المعرفية في الثقافة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط9، 2009، ص255.
([27]) ينظر: أحميدة النيفر، النص الديني والتراث الاسلامي، قراءة نقدية، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2004، ص84.
(*) لتفاصيل اكثر ينظر موقف عبد الواحد يحيى من ذلك الباب واحد وعشرون (حول الخوارق النفسانية المزعومة) من كتابه: نظرات في التربية الروحية، ت: عبد الباقي مفتاح، عالم الكتب الحديث، إربد، الاردن، 2014، ص135-139.
([28]) حسن حنفي، من الفناء إلى البقاء: محاولة لإعادة بناء علوم التصوف، الجزء الثاني: الوعي الذاتي، المدار الإسلامي، بيروت، ط1، 2009، ص696-970.
(**) مصطلح تحليلي يستند أساساً إلى فكرة الربط بين أنماط معينة من التدين الاسلامي والأسس الفلسفية للسوق مثل النزعة الفردانية ، والانفتاح، وأولية الشأن الخاص على العام المرتبط بالدولة والشبكة، والعولمة، ونزعة الاستهلاك، والتخلي عن السرديات الأيديولوجية الكبرى…الخ. ينظر تفاصيل أكثر: باتريك هايني، إسلام السوق، ت: عومرية سلطاني، مدار الابحاث والنشر، القاهرة، ط3، 2020، ص26-29.
([29]) يد الله يزدان بناه، العرفان النظري: مبادئه وأصوله، ترجمة: علي عباس الموسوي، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ط2، 2016، ص84.
([30]) ينظر تفاصيل ذلك: فتحي التريكي، رشيدة التريكي، فلسفة الحداثة، مركز الانماء القومي، بيروت، 1992، ص19-20.
([31]) لتفاصيل اكثر ينظر: إريك يونس جوفروا، المستقبل للإسلام الروحاني، ت: هاشم صالح، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2016، ص180-181.
([32]) لتفاصيل اكثر ينظر: محمد المصباحي، نعم ولا: الفكر المنفتح عند أبن عربي، الدار العربية للعلوم، ناشرون، ومنشورات الاختلاف، بيروت، الجزائر، ط1، 2013، ص29-30.
([33]) ينظر: إريك يونس جوفروا، المصدر نفسه، ص182.
([34]) حمزة ياسين، التغير في التدين الشبابي: ميول روحانية فردية، ورقة عمل ضمن كتاب: (الصوفية اليوم: قراءات معاصرة في مجتمع التصوف ونماذجه)، تحرير: محمد ابو رمان، مؤسسة فريدريش ايبرت، عمان، 2020، ص263-264.
([35]) سابينواكفيغا، إنزو باتشي، علم الاجتماع الديني: الاشكالات والسياقات، ت: عز الدين عناية، دار كلمة، أبو ظبي، ط1، 2011، ص69-70.
([36]) ينظر: حمزة ياسين، المصدر نفسه، ص272.
([37]) ينظر: المصدر نفسه، ص279.
([38]) محمد معاذ المصالحة، المتصوفون الجدد: رحلة البحث عن الروحانيات والسكينة، ورقة عمل في كتاب (الصوفية اليوم)، مصدر سابق، ص286-287.
([39]) ينظر: المصدر السابق نفسه، ص291-293.
([40]) منتصر حمادة، الربيع العربي وتحولات الخطاب الصوفي في المغرب، ورقة عمل في كتاب (الصوفية اليوم)، مصدر سابق، ص133-134.