الدراسات والبحوث

دراسة العوالِم الاجتماعيَّة في علم الاجتماع (الظواهر من منظور الحكمة المتعالية)

حميد بارسانيا‍ - مهدي سلطاني

 دراسة العوالِم الاجتماعيَّة في علم الاجتماع

(الظواهر من منظور الحكمة المتعالية)

 

حميد بارسانيا‍

مهدي سلطاني

     

الملخَّص:

تندرج الحكمة المتعالية في قائمة التراث الإسلاميِّ بما لها من دلالات ولوازم كثيرة لبناء فلسفة العلوم الاجتماعيَّة، والتي يمكن عن طريقها تحقيق تغييرات فيها من خلال طرح استفسارات عن جنس هذه الفلسفة، وعرضها على هذا النظام الحكمي لكي يتسنَّى لنا معرفة دلالاته ولوازمه وفق مباني الحكمة المتعالية.

الأسلوب الذي اتَّبعه الباحثان في هذه المقالة هو التحليل المبرهن، حيث ترى الحكمة المتعالية أنَّ الوجود يتعدَّى فهم الإنسان، والعالم الاجتماعي أيضاً هو نفسه سماء المعنى الذي يحصل عليه هذا الإنسان بواسطة الحركة الجوهريَّة في رحاب اتِّحاد العلم والعالم والمعلوم، وهذا الإطار في المعنى إذا ما اتَّحد مع النظام المعنويِّ التوحيديِّ، فسيفضي إلى تحقُّق المجتمع الفاضل، وإلاَّ فإنَّ المجتمعات غير الفاضلة هي التي سوف تدخل التاريخ.

 

الكلمات المفتاحيَّة:

العوالم الاجتماعيَّة، علم الاجتماع الظاهراتيَّة، الحكمة المتعالية، النظريَّة الاجتماعيَّة الصدرائيَّة.

«العالَم الاجتماعيُّ» مفهوم من مفاهيم علم اجتماع الظواهر إلى جانب مفاهيم أخرى مثل عالم الحياة. ولفظة «العالَم» تشير إلى المعرفة والتجربة العقليَّة (Wagner, 1970, p. 323)، ما يعني أنَّه  يتمتَّع بهوية معرفية. وهو مصطلح للعالَم الذي يتقوَّم ويبتني على أساس وجود الإنسان وأفعاله (Lawson & Garrod, 2001, p. 231)، إذ يُطلق على التجارب العقليَّة الناشئة في العلاقات الاجتماعيَّة والأفعال البشريَّة.

كذلك تشير لفظة «العالَم الحي» إلى أفعال الناس اليوميَّة في المجتمع (ibid, p. 137)، وتحكي التوقُّعات والمهارات العمليَّة الكامنة لدى البشر قبل أيِّ نوع من المواجهة الواعية أو النظريَّة مع العالم (إدغار وآخرون، 1388، ص289). على هذا، تسمَّى التجارب العقليَّة المشتركة بين أبناء البشر -إذا لوحظت قبل أيِّ تعقُّل نظريٍّ- بـ«عالَم الحياة».

كان ابن سينا أول من طَرحَ عبارةَ «الحكمة المتعالية»، وبعد ذلك تحوَّلت إلى منهجيَّة فلسفيَّة على يد كبار الفلاسفة. ويعدُّ ملاَّ صدرا الشيرازي من المبدعين والمستكملين لهذا النهج الفلسفيِّ (ملا صدرا، 1375، ص3-المقدِّمة). وتعتبر هذه الحكمة موسوعة كاملة للفلسفة يميِّزها عن الأنظمة الفلسفيَّة المشَّائيَّة والإشراقيَّة طرحُ مسألة «أصالة الوجود واعتباريَّة الماهيَّة» فيها، واتِّكاؤها الخاصُّ على هذه المسألة في حلِّ كثير من المعضلات الفلسفيَّة (عبوديت، 1389، ج1، ص57).

يحاول ملاَّ صدرا أن ينسِّق أبحاثه الفلسفيَّة على مدار أصالة الوجود، ونحن في هذه الدراسة نستخدم -إلى جانب مسألة أصالة الوجود- مفاهيم أخرى مثل الحركة الجوهريَّة، واتِّحاد العلم والعالِم والمعلوم للوصول إلى هدفنا، لكن نضرب صفحاً عن توضيح هذه المفاهيم الصدرائيَّة حذراً من الإطناب، ونُرجع الراغبين في معرفة هذه المفاهيم وفهمها العميق إلى مصادر الحكمة المتعالية.

إنَّ الهدف الأساس من هذه المقالة هو تَعداد دلالات ولوازم فلسفة العلوم الاجتماعيَّة للحكمة المتعالية، ولبلوغ هذا الهدف نحتاج إلى دراسة مباني وافتراضات العلوم الاجتماعيَّة في فلسفتها. وفي هذا السياق، تمكَّن «شوتز» من تمييز هذه المباني والافتراضات بصورة جيِّدة، إذ حاول تدقيق المعاني الاجتماعيَّة في علم الظواهر، وبعبارة أخرى، اعتبر المعاني والتجارب العقليَّة مبتنية على أساس المجتمع. وهو بصدد طرح هذه المسألة على أساس التحليل العميق والدقيق من آليَّات تكوُّن وتقوُّم «المعنى» (Shuatz, 1967). وهذه النقطة صالحة لدراسة مناسبات الإنسان والعوالم الاجتماعيَّة من منظور الحكمة المتعالية.

لقد طرح شوتز استفساراته على النحو التوالي:

أ) اتِّجاه العلوم الاجتماعيَّة.

ب) آليَّة تكوُّن المعنى.

ج) التفهُّم.

د) كيفيَّة إلحاق الفاعل المعنى إلى الفعل.

ه) كيفيَّة تفهُّم سلوك الآخرين. (ibid, pp. 13-17).

وفي ما يأتي، ندرس رؤية الحكمة المتعالية بهذا الشأن.

 

اتِّجاه العلوم الاجتماعيَّة من منظور الحكمة المتعالية:

عرف المفكِّرون اتِّجاهات شتَّى للعلوم الاجتماعيَّة، وسبب كلِّ هذا الاختلاف يكمن في أُسُسهم المنهجيَّة. فـ«التفسيريَّة» (أصالة التفسير) من الاتِّجاهات التي برزت على هذا الصعيد، وهي رؤية تعتبر المواضيع والظواهر الاجتماعيَّة ظواهر ذوات نيَّة، أي: صادرة من إرادة حرَّة ومقصودة عند فاعليها، وترى أنَّ معرفة الآخرين تعني معرفة معنى ما يصدر منهم من الأفعال والظواهر، وفهم هذه المعاني هو العلم بها في صياغة اللغة التي يستخدمونها (في،؟؟؟ 1383، ص176). أمَّا الحكمة المتعالية فتذهب إلى الاتِّجاه التفسيريِّ للعلوم الاجتماعيَّة، لأنَّ التفسيريَّة تمتاز بمواصفات يصدِّق بها علمُ الإنسان المقبول في الحكمة المتعالية، حيث ترى أنَّ الإنسان ذو وعيٍ وقصدٍ يسبقان جميع أفعاله وتصرُّفاته. إذاً، تكون مواضيع العلوم الاجتماعيَّة ظواهر ذات نيَّة.

لكن البحث يقع في التبيين، أو تبيين الدواعي، وطرح في علم الظواهر. فالحكمة المتعالية تتكلَّم عن العلَّة الغائيَّة (أي: الداعي) في الأفعال والتصرُّفات البشريَّة، ثم تُرجِعها إلى العلَّة الفاعليَّة، فتخضع لتبيين الدواعي في الساحة البشريَّة. لكن بما أنَّها تقسم الوجود إلى قسمين حقيقيٍّ واعتباريٍّ تقبل للوجودات الاعتباريَّة حظّاً من الواقع متناسباً مع تلك الوجودات بحيث تتبعها نتائج حقيقيَّة. ويمكننا طرح بعض الأشكال من التبيين بملاحظة هذه المسائل الحقيقيَّة.

من هنا، تطرح الحكمة المتعالية نوعين من التبيين:

أوَّلاً: تبيين الدواعي على صعيد العلل التي سبَّبت الفعل والتصرُّف البشري.

ثانياً: تبيين النتائج الحقيقيَّة والاعتباريَّة التي تترتَّب على تلك الأفعال والتصرُّفات البشريَّة.

 

آليَّة تكوُّن المعنى وإلحاقه بالتصرُّف من منظور الحكمة المتعالية:

اشتقَّت لفظة «المعنى» من كلمة «meimen» الألمانيَّة بمعنى الحفظ في الذهن، إذاً معنى فعل أو نصٍّ أو علاقة أو ما شابهها هو الذي يلاحظه الكاتب عند تكوينه أو القيام به، وبعبارة أخرى هو الذي يريد الكاتب إظهارَه أو تنفيذه بهذا الفعل (المصدر، ص209). وقد ميَّز شوتز بين «المعنى العينيِّ» و«المعنى الذهنيِّ»، لأنَّه كان يعتقد أنَّ «المعنى الذهنيَّ» هو الذي ينسبه الفاعل إلى تجاربه وتصرُّفاته، في حين أنَّ «المعنى العينيَّ» هو الذي ينسبه المشاهد إلى تصرُّف شخص آخر (Wagner, 1970, p. 320). وإذا كان شوتز يحاول دراسة آليَّات تكوُّن هذين النوعين من المعنى، فنحن في هذه المقالة ندرس آليَّات تكوُّن الإدراك والمعاني من منظور الحكمة المتعالية.

تعتقد الحكمة المتعالية أنَّ الإنسان لا يحصل لديه أيُّ معنى ذهنيٍّ -تصوُّراً كان أو تصديقاً- ما دام هو في متن شهود الواقع، فأوَّل نتيجة لشهود كهذه على صعيد المفاهيم والمعاني الذهنيَّة هي «مفهوم الوجود». ثمَّ يشاهد الإنسان حقيقة وجوده الخاصِّ بالعلم الحضوريِّ، وتجد معنى وجوده الجزئيِّ في الذهن، ومن هنا ينتزع معنى «الوجود» الكلّيِّ، ويطلق عنوان «المفهوم» على هذا المعنى الحصوليّْ (جوادي آملي، 1384، ص121). وسندرس الجهة الاجتماعية لهذا البحث في ما يلي.

تشير الحكمة المتعالية إلى نوعين من الإدراك والمعاني، هما: الإدراك الحقيقيُّ، والإدراك الاعتباريّْ. الأول هو انكشافات وانعكاسات ذهنيَّة للواقع، بينما الثاني هو افتراضات صنعها الذهن لرفع الحاجات الحياتيَّة وتمتاز بكونها موضوعة وتابعة للاتفاق، وبكونها فرضيَّة واعتباريَّة (مطهري، 1387، ج6، ص372)، وأمرها هو الصنع والوضع الصادر من الإنسان.

إنَّ الإدراكات الحقيقيَّة ليست تابعة لحاجات الكائن الحيِّ الطبيعيَّة وعوامل خاصَّة في بيئة عيشه، فلا تتغيَّر بتغيُّر الحاجات الطبيعيَّة والعوامل البيئيَّة، في حين أنَّ الإدراكات الاعتباريَّة تابعة للحاجات الحياتيَّة والعوامل البيئيَّة الخاصة، فتتغيَّر بتغيُّرها. فضلاً عن ذلك، أنَّ الإدراكات الحقيقيَّة ليست قابلة للتطوُّر والنشوء والرقيِّ، بينما الادراكات الاعتباريَّة تسلك سيراً متكاملاً ونشوءاً ورقيَّاً. على ما ذكرنا من الفروق، يجب التمييز بينهما وجوباً تاماً، وعدم هذا التمييز ضارٌّ وخطِر جدَّاً، إذ نرى جمعاً غفيراً من العلماء أرهقهم عدمُ هذا التمييز، فمنهم من قاسَ بعض الاعتباريَّات بالحقيقيَّات وبحث في الاعتباريَّات بالمناهج العقليَّة الخاصَّة بالحقيقيات، ومنهم من عمَّم حصيلة دراساته في الاعتباريَّات للحقيقيَّات وزعم الحقيقيَّات مفاهيم نسبيَّة متغيِّرة تابعة للحاجات الطبيعيَّة كالاعتباريَّات (مطهري، 1387، ج6، ص372).

لكن لا يفوتنا الانتباه إلى أنَّ في علم الظواهر تندرج الإدراكات الحقيقيَّة في ذيل الإدراكات الاعتباريَّة، بمعنى أنَّها تفقد معناها ومفهومها وتلتحق بها، وسبب هذا الأمر يكمن في كيفيَّة رؤية علم الظواهر والحكمة المتعالية إلى «سلَّم أفلاطون»، حيث يعتقد هذا الفيلسوف أنَّ شهود المُثُل نتيجة صعود الإنسان من سلّم الحقائق، ودلالات ولوازم قبول هذا السلّم بشكل عموديٍّ في الحكمة المتعالية هي أنَّ ثمَّة واقعاً وراء الفهم والمعرفة البشريَّة.

من هنا، نواصل دراسة آليَّة تكون المعنى وإلحاق المعنى إلى التصرُّف بتمييز المعاني الحقيقيَّة والاعتباريَّة، وندرس أحكام وعلاقات كلٍّ منهما بتفاصيلها، لكن في حدود هذه المقالة.

1- المعاني والإدراكات الحقيقيَّة:

يرتبط نوع الإدراكات والتجارب والمعاني الذهنيَّة عن الكون بمدى سعة وجود الإنسان، وبعبارة أخرى من منظور الحكمة المتعالية يتمكَّن الإنسان مِن معرفة وفهم مراتب مِن الكون على قدر سعته الوجوديَّة التي تمَّ تنشيطها. إذاً، تعتقد الحكمة المتعالية أنَّ الكون ذو سِعات ومراتب مختلفة يمكن لكلِّ واحد من أبناء البشر أن يحصل على معرفتها  بقدر سعته.

وقد عبَّر ملاَّ صدرا عن ذلك بالقول أنَّ الأشياء المحسوسة المادِّيَّة تحكي الحقيقة القيوميَّة حكايةً ضعيفة بعيدة، وذلك بسبب كثرة حُجُبها، لكن الأشياء فوق مرتبة المادَّة -سواء كانت برزخيَّة أم عقليَّة- لها حكايتها الأقوى بالقياس إلى الأشياء المحسوسة. أما بالنسبة إلى كيفيَّة علم الإنسان بحقائق الأشياء فإنَّنا نشاهد تحليلات مختلفة، ولكن الحكمة المتعالية تعتقد أنَّ الإنسان -وبقدر سعته الوجوديَّة- وصل إلى متن الواقع وتوسَّع في دائرة المعاني الموجودة لديه على أساس هذا الوصول، والعلم بالعلَّة يُنتج العلمَ بالمعلول، فيعلم الإنسان حقائقَ الأشياء بعد الفناء في الله والوصول الإلهيِّ، لا كإفاضة صورة من الشيء في قلب الإنسان العالِم، ولا كالنظر إلى الشيء المعلوم في مرآة الحقِّ، بل كالنظر إلى حقيقة الشيء في الموطن الخاصِّ بذلك الشيء. وعليه، تذهب نفسُ العالم نحوَ المعلوم، وتدرك حقيقتَه كما هي، وعلى أساس هذا التفسير يحدُث شهود الأشياء في مواطنها الخاصَّة بها بواسطة شهود علَّتها، فمع أنَّ لكلِّ شيء في موطن الطبيعة، وفوق ذلك في موطن البرزخ، وفوقهما في الخزائن الإلهيَّة، وقبل هذه كلِّها في علم الحقِّ الذاتيِّ، وجوداً بسيطاً جامعاً إلهيَّاً، وجميع هذه الوجودات في مواطنها أمر واحد مشكَّك، إلاَّ أنَّ مفهومها وماهيَّتها واحدة متشابهة تعرضها الكثرةُ بالعرَض وبتبع الوجود (جوادي آملي، 1384، صص269-279).

من هنا، فإنَّ إدراكاً حقيقيَّاً كهذا -وهو موجود في كلِّ من مواطن الطبيعة والمثال والخزائن الإلهيَّة وعلم الحقِّ الذاتيِّ بوجود بسيط وجامع إلهيِّ- يكون بالحضور والشهود، وحكم كلٍّ منهما ممتاز عن الآخر، و«المعنى» هو ذلك الوجود الذي يقع في مراتب الكون المختلفة بصورة تشكيكيَّة بحمل الحقيقة والرقيقة، ويدركه الإنسان ببركة اتِّحاد العلم والعالم والمعلوم.

لا بدَّ من القول أنَّ الحكمةُ المتعالية ترى وجودَ الأشياء الذهني تابعاً لكونِ العلم وظلّاً له، فما يرتسم في صفحة النفس ليس إلاَّ وجوداً واحداً وهو وجود العلم، والإنسان ينالُ وجودَ العلم في سَيره الجوهريِّ حيث ذلك الوجود الخارجيُّ (أي وجود العلم) يُظهر المعلوم في ظلِّ كونه، لأنَّ هذا الوجود ظاهر في ذاته ومُظهر للمعلوم. مثال ذلك شجرةٌ واقعة في الخارج لها وجود وماهيَّة، وماهيَّتها في الخارج موجودة بالوجود الخارجيِّ للشجرة، وعلاوةً على ذلك يتحقّق ظلّها المخروطيُّ أيضاً تحت هذا الوجود من دون أن يكون له وجود حقيقيّْ (جوادي آملي، 1417ق، ج4، ص153).

كذلك الماهيَّة والمفاهيم الماهويَّة ما دامت مقترنة في الخارج بالعوارض المادِّيَّة المستقلَّة عن النفس فهي أمر جزئيٌّ محسوسٌّ، أمَّا بعد ذلك، فإذا أحسَّت بها النفسُ المدرِكة تحصل صورةُ ذلك المحسوس بالذات المدرَكةُ لدى النفس، وتبقى الصورة المحسوسة -بعد غياب المادَّة الخارجيَّة المحسوسة بالعرَض- عند النفس في صياغة صورة متخيَّلة، ثمَّ توجَد صورة الماهيَّة المعقولة للنفس بالتجريد والتقشير -على أساس رأي المشَّائيين- أو بالسير والسلوك -على أساس رأي ملاَّ صدرا-. إذاً، لا تحصل صورة الماهيَّة المعقولة إلاَّ بنشاطات النفس وتصرُّفاتها، ولا يمكن للماهيَّة المجرَّدة أن يكون لها وجود ممتاز ومميَّز عن وجود النفس التي جرَّدتها، بل وجودها في نفسها وجود للنفس أيضاً (المصدر، ص154).

من المفيد القول أنَّ للصور العلميَّة في جميع مراتبها الحسِّيَّة والخياليَّة والعقليَّة تجرُّداً وثباتاً وليست هي قابلة للتغيُّر والتطوُّر أو الزيادة والنقصان، بل ينالها الإنسان بسيره الجوهريّْ. على سبيل المثال، إذا تصوَّر الإنسان خطاً بطول متر واحد في ذهنه وقسمه إلى قسمين، فإنَّه لا ينقسم  إلى القسمين في الحقيقة، لأنَّ الخط ذا المتر الواحد حاضرٌ في الذهن قبل التقسيم، وحين التقسيم، وحتى بعده، لكنَّ النفس هي المبدعة والمنشئة لصور حسِّيَّة وخياليَّة حاضرة لدى النفس ذاتها، فهذه الفئة من الصور فعل النفس وتصرُّفها ومصدرها هو النفس، لكن النفس مَظهرٌ بالنسبة إلى الصور العقليَّة (المصدر، ص155). وتتَّحد النفس البشريَّة بحركتها الجوهريَّة مع الصور المختلفة في مراتب شتَّى، حيث تكون في مراحل رشدها مَصدراً لبعض الصور ومَظهراً لبعض آخر.

أمَّا في المراتب العليا التي تُدرك النفس الحقائقَ العقليَّة المجرَّدة بالعلم الشهوديِّ والحضوريِّ وبصورة صافية من قريب وليست مبهمة مغبَّرة، فإنَّها تزول مظهريَّته لتلك الحقائق وبالتالي المفاهيم والقضايا الحادثة في هذه المرتبة، وتنظر إلى الحقيقة الشاملة العقليَّة في متن الواقع بدلاً من التصوُّر والتصديق اللذين هما من مواصفات العلم الحصوليّْ (المصدر، صص155-156)، فيحدث الإدراك الكليُّ للماهيَّات الأصليَّة عن طريق الإفاضة الإشراقيَّة والاتحاديَّة التي تحصل عن طريق النفس مع الأفراد المجرَّدة لتلك الماهيَّات. ويحصل إدراك الماهيَّات العدميَّة الفاقدة للأفراد المجرَّدة والمادِّيَّة معاً بتبع إدراك الحقائق الأصليَّة. ويجدر القول أنَّ الأفراد المجرَّدة للماهيَّات حقائق قائمة ومتشخِّصة بذاتها ولم تتكوَّن في العلاقات بين الأذهان، فيجب أن يكون الإدراك الحاصل من الاتحاد معها موجباً للوعي والمعرفة بحقيقة متشخِّصة غير كليَّة، لكن النفس، وبسبب تعلُّقها بالأمور الجسمانيَّة والاشتغالات الطبيعيَّة تضعف وتنتقص في إدراكها، ولا يمكنها المشاهدة التامَّة للحقائق العقليَّة وتلقِّيها بصورة كاملة، وإنَّما تحصل لديها مشاهدة ضعيفة ولحاظ ناقص بالنسبة إلى تلك الحقائق، وذلك كما لو شاهدت العين شيئاً بعيداً في الجو المغبَّر، أو شاهد إنسان بعين ضعيفة إنساناً آخر واحتمل أنَّه زيد أو بكر أو غيرهما. فالمُثُل العقلانيَّة والأفراد المجرِّدة للماهيَّات هي مثل ذلك تماماً، تُفضي مشاهدتها من بعيد إلى الكليَّة والاشتراك والعموم في المفاهيم الحاصلة، لأنَّ صفات الكليَّة والإبهام من نتائج ضعف المعقول، سواء كان هذا الضعف بسبب قصور وجود المدرَك أم بسبب الوهن والفتور في إدراك المدرِكين (المصدر، ص158).

كما قلنا سابقاً، إنَّ إدراك النفس العلميَّ هو إدراكٌ حضوريٌّ قبل الوجود الظلِّيِّ، أي الوجود الذهنيَّ وتكوُّن المفاهيم. والعلم الحضوريُّ يجلب معه المعلومَ الحضوريَّ الذي له تجرُّد خياليٌّ أو عقلانيٌّ، ونحن أيضاً نسلك في عالم المثال والخيال عند إدراك الأمور المادِّيَّة وليس للظروف المادِّيَّة دور في هذا الإدراك إلاَّ تمهيد الأرضيَّة المناسبة لانتقالنا وتحوُّلنا إلى ذلك العالم. إذاً، عندما نواجه الكون لأول مرَّة -مثلاً في أول مواجهة مع شيء يدعى «الحجر»- ينشأ إدراك حضوريٌّ بواسطة الشهود الحسِّيِّ التجريبيِّ، ويتكوَّن الوجودُ الذهنيُّ للحجر في ظلِّ حضور كهذا، وكما نعلم فإن هذا العلم بالحجر يتمتّع بوجود وماهية غير الوجود الظلي للحجر وماهيته، ولا ننسى أنَّ الماهيَّة بالوجود الذهنيِّ للحجر هي الماهيَّة نفسها بالوجود الخارجيِّ للحجر، ومع أنَّ الوجود الذهنيَّ للحجر لا يتمتَّع بآثار الوجود المادِّيِّ الخارجيِّ للحجر لكن له وجوده الظليُّ الخاص. بعد هذه المرحلة، يستخدمون الكلمات والألفاظ في المجتمعات البشريَّة للتسهيل ونقل المعاني والمفاهيم الذهنيَّة، فيضعون لفظة «الحجر» لمفهوم الحجر، وهذا الوضع تابع للعقود الاجتماعيَّة. إذاً، عندما تتَّصل قوة الخيال بالوجود الواقعيِّ اتصالاً وجوديَّاً تصنع صورةً من ذلك الواقع (أي الحجر) وتستودعها الذاكرة، ثمَّ يخطو الإنسان خطوة أخرى فيصطلح على لفظة «الحجر» في العلاقات الاجتماعيَّة لهذه الصورة الحاصلة أو يعلم بهذا الوضع والعقد، كما وُضعت لفظة «الهاتف النقَّال» في أوَّل وهلة وانتقلت إلى الآخرين (الطباطبائي، بلا تاريخ، صص16-36).

الجدير بالذكر أنَّ هذه المسألة صادقة أيضاً في الأمور النفسانيَّة. فبعد حضور ذات المعلوم عند العالم يُعثر على وحدة في كثرة المعاني الحاصلة لدى الإنسان من وجود واحد. على سبيل المثال، نحن ندرك مِن وجود «سعدي الشيرازي» أوصافَه المختلفة کكاتب «گلستان» مرَّة، وكاتب «بوستان» مرَّة أخرى، وكان «إدموند هوسرل» في ظاهراتيَّة يبحث عن وحدة كهذه، لكنه يتابعها من طريق آخر.

وعليه، يكمن سرُّ التفاوت بين الحكمة المتعالية وعلم الظواهر -وبالتالي علم الاجتماع الناشئ من هذين الاتِّجاهين- في المعاني والإدراكات الحقيقيَّة، لكن يمكن تصوير سماوات معنويَّة متنوِّعة ليس بعضها مصطنعة من جانب البشر ودواعيه حتى نقترب من «المدينة الفاضلة» للفارابي، ومن جهة أخرى، يحظى تحطيم أولياء الله لبعض البنى الاجتماعية بمبنى مشيَّد. فملاَّ صدرا لا يرتضي القول أنَّ جميع المعاني تبتني على أساس التصرُّفات والعلاقات الاجتماعيَّة، بل يوجد بعض هذه المعاني في أفق آخر من الكون، ويمكن البشرَ إدراكُه على مدى سعته الوجوديَّة المنشَّطة.

إلى ذلك، توضح الحكمة المتعالية آليَّة تكوُّن إدراكات حقيقيَّة من نوع آخر، لكن نترك البحث عنها لمجالها، ونتناول هنا بالدراسة الاعتباريَّات والمعاني الناشئة قبل الاجتماع وبعده.

  1. المعاني والإدراكات الاعتباريَّة:

قسمت الحكمة المتعالية الوجود إلى نوعين: «حقيقيٍّ» و«اعتباريٍّ»، وهكذا نجحت في إدراج الوجود الاعتباريِّ في أقسام الوجود، ونفس أمر هذا الوجود الاعتباريِّ هو نفس اعتبارِ معتبِره، لكن «يجب الالتفات إلى أنَّ الموجود الاعتباريَّ ولو كان له حظٌّ من الحقيقة، لكن الآثار المترتبة عليه كالامتياز، والوحدة، وتناسب العموم والخصوص، وسائر الأحكام الوجوديَّة متناسبة مع نفس الوجود الاعتباريِّ، ليس أكثر» (جوادي آملي، 1387، ج1، ص188). ينبغي معرفة أنَّه ليس للمعاني الاعتباريَّة واقعيَّة وراء الذهن، لكن الذهن لم يخلقها ولم يكوّنها من دون الاستعانة من الخارج، بل يصنع الذهنُ المعانيَ الاعتباريَّة بالاستمداد من المعاني الحقيقيَّة، ويعطي حدَّ الأمور الخارجيَّة للأمور التي تفقد ذلك الحدَّ، ويُلصق المعاني الحقيقيَّة في محلٍّ ليس فيه ذلك المعنى (الطباطبائي، 1387، صص50-51).

تنبغي الإشارة إلى أنَّ المفاهيم والمعاني الذهنيَّة الاعتباريَّة تُتَّخذ من المفاهيم الحقيقيَّة، وبعبارة أخرى يجب على كلِّ موجود ينفّذ شؤونه بالإدراك والتفكير أن تكون لديه صور إدراكيَّة لأفعاله باقتضاء قواه الفعَّالة، وبما أنّ أفعاله تتعلَّق بالمادَّة يجب أن يمتلك ذلك الموجود التصوُّرَ العلميَّ للموادِّ المتعلِّقة بأفعاله ويعلم علاقاته معها. فالإنسان يدرك أولاً المتعلِّق المادِّيَّ لفعله بصورة مميَّزة، ثمَّ يقوم بفعله الذي يعتبر نوعاً من التصرُّف في المادَّة، وتنتج قواه الفعَّالة أحاسيس باطنيَّة؛ بمعنى آخر يحبُّ الإنسان القيام بأفعال قواه كما يبغض الحوادث والواردات التي لا تتلاءم مع قواه، أو يحبُّ الأفعال المقابلة لهذه ويتطلَّبها، فينسب صوَرَه الإدراكيَّة الإحساسيَّة إلى الفعل وإلى المادَّة وإلى نفسه، كما أنَّ الطفل يمسك بجميع ما يجده في بداية حياته ويذوقه، ثم يتعلَّم أن يأكل المأكول ويترك ما لا يؤكل، ثمَّ يطلق عليها عناوين «الإرادة» و«المُراد» و«المُريد»، ويميِّز المأكول بالاختبار والتجربة، ويدرك أحياناً أنَّ ما في يده ليس قابلاً للأكل، فآنذاك يطلق عناوين «الأكل» و«المأكول» و«الآكل» على الفعل والمادَّة ونفسه. يعطي الطفل هذا المعنى لتصرُّفه أنَّه «ينبغي أن آكل هذا المأكول» في حين كان يقول سابقاً: «ينبغي أن أريد هذا المراد». إذاً، مفهوم «ينبغي» هو النسبة القائمة بين القوَّة الفعالة وأثرها، وهذه النسبة ولو كانت حقيقيَّة واقعيَّة إلاَّ أنَّ الإنسان لا يضعها بين القوَّة الفعَّالة وأثرها الخارجيِّ المباشر، بل يضعها دائماً بين نفسه وبين الصورة العلميَّة الإحساسيَّة التي كان يتملَّكها عند تحقُّق الأثر ونشاط القوة. على سبيل المثال، عندما يريد الإنسان الأكل لا يضع هذه النسبة أولاً ومباشرةً في ما بين نفسه والأفعال الوحيدة الصادرة من عضلات اليد والشفتين والشدقين واللسان والحلق وسائر الأعضاء في الجهاز الهضميِّ عند تناول الطعام، بل يذكر الشبع إذا ما يكون جائعاً، ثم يضع نسبة الضرورة في ما بينه وبين الإحساس الباطنيِّ كالشبع، أو اللَّذة، أو الحالة الملائمة في الشبع، ويطلب صورة إحساسه الباطنيِّ، ويزعم نفسَه «الطالب» وتلك الصورةَ «المطلوب». إذاً، في مثال «الأكل»، الفكرة التي تتجلَّى قبل كلِّ شيء هي أنه «ينبغي تحقيق هذا المطلوب وهو الشبع»، فرفع نسبة «ينبغي» مِن بين القوَّة الفعَّالة والحركة التي هي نتيجتها ووضعها بين الإنسان والشبع، أو بين الطالب والمطلوب كما هو واضح، وهذا نفسه نوع اعتبار يتَّصف بصفة الوجوب تبعاً للشبع بعد ما كان فاقداً لهذه الصفة، فكان الصفة (الوجوب واللُّزوم) متعلقاً في الحقيقة بتلك الحركة الخاصَّة التي هي أثر ونتيجة القوَّة الفعَّالة، واتَّصفت المادَّة التي هي متعلِّق الفعل بصفة الوجوب واللُّزوم بصورة اعتباريَّة. إذاً، عندما ينشِّط الإنسان قواه الفعَّالة يضع عدداً كبيراً من هذه النسبة «ينبغي» في غير موضعها الحقيقيِّ، كما يعطي صفة الوجوب واللُّزوم لأمور كثيرة فاقدة لهذه الصفة بحسب الحقيقة، فينتج مجموعةً من المفاهيم والأفكار الاعتباريَّة بواسطة تنشيط قواه الفعَّالة، ثم يُلحق هذه المفاهيم والمعاني بتصرُّفاته (مطهري، 1387، ج6، صص413-430)، وتدرَك هذه المعاني بواسطة العقل النظريِّ والحوزة المعرفيَّة لوجود الإنسان، كما تُنسَب بواسطته، ثم تنفَّذ بواسطة العقل العمليِّ والحوزة التنفيذيَّة لهذا الوجود.

لا يخفى علينا أنَّ العقل العمليَّ لا يتكوَّن في خلاء، بل يستمر في عمله ذيل العقل النظريِّ، فالمفاهيم الحاصلة من العقل النظريِّ هي ممهِّدة وعلَّة معدَّة للعقل العمليِّ، ويشرع العقل العمليُّ ببناء الأحكام بالاتِّكاء على حوزة العقل النظريِّ وفي بيئته. ومما يجدر ذكره أنَّ بعض المفكِّرين يذهب بالعقل النظريِّ إلى الحسِّيَّة (أصالة الحسّْ)، كما يذهب بعض آخر إلى العقليَّة (أصالة العقل) ويذهب فريق ثالث إلى النقليَّة (أصالة النقل)، لكن العقل النظريَّ في الحكمة المتعالية هو نفس «القوَّة العلاَّمة» التي تحصل منه إدراكات مثل التصوُّر والتصديق واعتقاد الحقِّ والباطل بالنسبة إلى ما أدركته، والعقل العمليُّ هو «القوَّة العَمَّالة» التي تنفِّذ أفعال وتصرُّفات مثل الصناعات البشريَّة (ملاَّ صدرا، 1363، ص515، ص199).

يتَّضح ممَّا سبق أنَّ المعتبِر يُعطي حدَّ الأمور الحقيقة لما ليس واجداً لذلك الحدِّ للوصول إلى هدف وغاية منشودة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يوجد ملاك لاعتبار كهذا؟ يعتقد الأستاذ مطهري أنَّ لَغويَّة وعدم لغويَّة الاعتبار ملاكٌ يمكن على أساسه اختبارُ الاعتبارات البشريَّة، ويردف قائلاً: «لكن يجب لحاظ مواصفات المعتبِر، مثلاً إذا كان الاعتبار خياليَّاً أو وهميَّاً يجب لحاظ المصالح والأهداف عند قوَّة الوهم [أو قوَّة الخيال]، وإذا كان الاعتبار عقليَّاً فلا بدَّ من النظر إلى مصالح قوَّة العقل وأهدافها… لكن لا فرق من هذه الجهة أنَّ كلَّ شخص أو شيء أو فرد أو فئة إذا اعتبر شيئاً فعنده غاية وهدف من هذا الاعتبار يرمي للوصول إليه… فالمقياس الوحيد للسير والسلوك الفرديين في الاعتباريَّات هو مقياس اللَغويَّة وعدم اللَغويَّة» (مطهري، 1387، ج6، ص402). نتيجة هذا الكلام أنَّ في دائرة أهداف الإنسان تقع اعتبارات مختلفة، إذا لاحظ الإنسان أهدافه متناسبة مع العقلين النظريِّ والعمليِّ متَّجهاً نحو الحقِّ ثمَّ يسلك لفهم الحقيقة بعقل هو مرآة للواقع، فبالتالي تختلف اعتباريَّاته من اعتباريَّات أولئك الذين نسَّقوا أهدافهم بالإعراض عن الحقِّ والاعوجاج فيه، إذاً تتشكَّل سماءان اثنتان في المعنى بالنظرة الكليَّة، والحاصل أنَّ الخير والشر -وهما صفتان اعتباريَّتان تُعتبَران بواسطة التلاؤم أو عدم التلاؤم مع القوَّة المدركة- إذا اعتُبِرا متناسبين مع قوَّة الوهم في أفق النفس الحيوانيَّة يكونان مختلفين اختلافاً أساسيَّاً مع الاعتبار الذي يعتبره الوهم في رحاب العقلين النظريِّ والعمليِّ في أفق النفس الإنسانيَّة، وبالتالي، فإنَّ الهياكل الحاصلة في ظلِّ هذه الاعتبارات تكون مختلفة، فالبعض الذي يتناسب مع اعتبارات الوهم الصرف ويهدف إلى إرضاء الميول والآمال الشهويَّة يصير كأضغاث أحلام يضيِّق الخناق على البشر مثل «القفص الحديديِّ» لفيبر، والبعض الآخر الذي يتناسب مع العقل النظريِّ ليس يوصل الإنسان بالأوج الأعلى فحسب بل يوجب أيضاً نزول البركات من السماوات والأرض في التعامل مع الكون (الأعراف: 69)، وتجلب هذه الهياكل أفراحاً غير زائلة لأنَّ أفقها متناسبٌ مع الفطرة الإلهيَّة لدى البشر.

 

معرفة «الذات» وفهمها:

إنَّ كيفيَّة فهم ومعرفة «أنا» أو «الذات» هي إحدى المسائل المطروحة لعلم الظواهر. وتعتقد الحكمة المتعالية -إلى جانب الحكمتين المشَّائيَّة والإشراقيَّة- أنَّ معرفتنا وعلمنا بـ«الذات» حضوريٌّ مغاير للعلم الحصوليِّ والمفهوميِّ، لكن من الضروريِّ هنا أن نميِّز بين العلم الحضوريِّ بـ«أنا» والعلم الحصوليِّ به. «إنَّ النفس في بداية تكوُّن وحدوثها لا تعلم أيَّ شيء بالعلم الحصوليِّ وليس لديها أيُّ تصوُّر من الأشياء في الذهن، حتى من ذاتها وحالاتها النفسانيَّة، بل ليس لديها ذهن من أساس، لأنَّ عالَم الذهن ليس إلاَّ عالَم صور الأشياء لدى النفس، فبما أنَّ النفس لا تمتلك أيَّة صورة من أيِّ شيء في البداية فلا تمتلك ذهناً… لكن مع أنَّها في البداية لا تعلم شيئاً بالعلم الحصوليِّ إلاَّ أنَّها تجد ذاتها وما تمتلكه من القوى النفسانيَّة بالعلم الحضوريِّ منذ بداية تكوُّنها وحدوثها، لأنَّ ملاك العلم الحصوليِّ هو نشاطات وتصويرات قوَّة الخيال، في حين أنَّ ملاك العلم الحضوريِّ  هو تجرُّد وجود الشيء من المادَّة ومواصفاتها. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الطفل، وإلى فترةٍ من الزمن، ليس لديه أيُّ تصوُّر عن أيِّ شيء، حتى عن ذاته وحالات ذاته، لكنَّه يجد واقعيَّته وواقعيَّة جوعه ولذَّته وألمه وإرادته [بالعلم الحضوريِّ]» (مطهري، 1387، ج6، صص273-274). لكن هذا الوجدان من «الذات» جزئيٌّ يتغاير مع معنى ومفهوم «الذات»، والنقطة الجديرة بالالتفات أنَّ قوَّة الخيال -وفي ضمن العلم الحضوريِّ بـ«الذات»- تقوم بتصويرات من العلم الحضوريِّ لكي يتسنَّى تصوُّر من «الذات» ومن اللَّذَّة والألم والإرادة، وللإنسان في علاقاته الاجتماعيَّة انعكاسات وردَّات فعل على تصرُّفات الآخرين تنتج في العلاقات الثنائيَّة، وتُنشئ أحاسيسَ من اللَّذَّة والألم في الذات قد تؤثِّر على إحساس الشخص بذاته، لكنها لا تُسبِّب فقدانَ العلم الحضوريِّ بـ«الذات» -وهو علم جزئيٌّ- أو رؤية الذات في مرآة الآخرين.

 

تكوُّن «عالم الحياة» وتفهُّم «الآخر»:

يحضر الإنسان بفضل الحركة الجوهريَّة في مراتب وجوديَّة مختلفة، فالعلاقات الاجتماعيَّة وسائر العوامل الجسمانيَّة والذهنيَّة إنَّما هي علل إعداديَّة تسبِّب تحوُّلَ النفس بواسطة الحركة الجوهريَّة في جسمها وقبولَها الصورَ المختلفة واحدة تلو أخرى. وكما أشرنا سابقاً، فإنَّ الثقافة والمجتمع هما الصور المعنويَّة النازلة نفسها التي تكوَّنت في أفق الأفعال والتصرُّفات البشريَّة. وعليه، يُحدث أبناء البشر -الذين يحصلون على صور مختلفة بفضل الحركة الجوهريَّة- اعوجاجاتٍ في الفهم والمعرفة في خيالهم المتَّصل، وذلك بسبب التعلُّق بهذه الصور الحاصلة عندهم، أو إيقاع اعوجاجٍ في سماء المعنى التوحيديَّة، وينضمُّ إليهم أشخاص آخرون بالاتِّصال والاتِّحاد الوجوديِّ في الخيال المتَّصل، وينظرون إلى الكون من نافذة مشتركة، فينتجون «عالم الحياة» بهذه الصورة. بعبارة أخرى، «إنَّ النفس البشريَّة وللطافتها تكون بصورة الشيء الذي تقبل إليه، فعندما ينوي هذا الإنسان شخصاً آخر يتَّحد «أنا» عند هذا الشخص -وهو هويَّته- مع «أنا» عند الشخص الآخر بحكم اتِّحاد العلم والعالم والمعلوم» (حسن زاده آملي، 1375، ص123). فعلى أساس هذا الاتِّحاد يحدث اتِّصال واتِّحاد وجوديٌّ بين مجموعة من البشر، ويتكوَّن «عالم الحياة»، ويتحقَّق عالم الحياة في أفق النفس الإنسانيَّة والتي هي مجرَّدة غير مادِّيَّة. ويمكن أن تصوَّر نظريَّة «تشارلز كولي» بعنوان «معرفة النفس في مرآة الآخرين» (looking glass-self) من آليَّة اتِّحاد العلم والعالم والمعلوم، ولو أنَّ هذه الآليَّة تختلف مع آليَّة كولي اختلافاً أساسيَّاً جوهريَّاً. ولا ننسى أنَّ العلم الحضوريَّ بالذات بواسطة هذا الاتِّحاد علم جزئيٌّ فلا يناقض شهود نفس الإنسان بذاته والذي تعتقده الحكمة المتعالية.

عندما ندرس العلاقات الاجتماعيَّة بصورة أدقَّ -كما يشير إليه شوتز أيضاً- نشاهد أنَّ «أنا» أتشارك مع «الآخر» في علاقات أربع، فإنَّ المعاني الاعتباريَّة المتحقَّقة في الذهن بواسطة الأهداف تبرز عبر التصرُّفات والرموز اللُغويَّة. إذاً، يمكن فهم الدواعي والأهداف الكامنة لدى الإنسان بواسطة هذه الرُّموز، وبالتالي أجد علاقات «أنا» مع «الآخر» في العلاقة المباشرة ووجهاً بوجه بدايةً بواسطة الشهود الحسِّيِّ والحركات والإشارات واللُّغة المنطوق بها عند «الآخر»، فالحركات والإشارات واللُّغة المنطوق بها ولغة الجسد عند «الآخر» آلة موضوعة لإعداد مقدِّمة حتى أتَّحد وأتَّصل «أنا» مع تلك المعاني المجرَّدة في الخيال المتَّصل لدى «الآخر» ويمكنني تفهُّمه عبر اتِّحاد المدرِك مع المدرَك. وتتبدَّل هذه المعاني المجرَّدة بالأفعال والتصرُّفات بواسطة هؤلاء الأشخاص وتشكِّل الهياكل الاجتماعيَّة، وفي الاتِّصال والاتِّحاد الوجوديِّ تقوم قوَّة الخيال بالتصوير وتنشئ صوراً تنتقل إلى الآخرين عبر اللُّغة حتى تعدُّ مقدِّمة لتوسيع هذا الاتِّحاد والاتِّصال في زواياه المختلفة، وبالتالي يمكنني الوقوف على المحبَّات أو الأحزان الكامنة لديه والتعاطف معه بالاتِّحاد والاتِّصال الوجوديّْ. هذا التعاطف علاقة وجوديَّة مختلفة عن التعاطف النفسيِّ من منظور «هيوم» والتعاطف في مفهوم الظواهر.

هذه العلاقة المباشرة عينها توجد أيضاً في العلاقات الاجتماعيَّة غير المباشرة، لكنَّها ليست بواسطة الشهود الحسِّيِّ، بل هذا هو الشهود الخياليُّ الذي يصنع هذه العلاقة. فبما أنَّ الوجود الخياليَّ أعلى مرتبةً من الوجود الحسِّيِّ يصنعه خيالُ «أنا» حتى يمهِّد الاتِّحاد والاتِّصال الوجوديّ التعامليّ في مرتبة أعلى من الشهود الحسِّيِّ لكي يمكنني التواصل والترابط مع أسلافي وأخلافي وأدخل في الإقليم الاجتماعيِّ للأسلاف والأخلاف. طبعاً، لا يقوم أبناء البشر كلُّهم بإحضار هذه المسألة بصورة واحدة، بل يرتبط هذا بضعف أو قوَّة خيالهم، لكنَّ النقطة الجديرة بالذكر أنَّه إذا كان هذا الاتِّحاد والاتِّصال الوجوديُّ الواقع في الخيال المتَّصل مطابقاً لما يوجد في الخيال المنفصل فعالم الحياة الذي يتكوَّن هو نفسه المدينة الفاضلة عند الفارابي، أمَّا في غير هذه الصورة -أي عدم مطابقة الخيال المتَّصل مع الخيال المنفصل- فتتشكَّل صور متنوِّعة من مدن غير فاضلة.

لا بدَّ من القول أنَّ الإنسان يتَّحد في علاقاته الاجتماعيَّة المباشرة ووجهاً لوجه مع فئة من المعاني وذلك عبر الحركات والإشارات واللُّغة الموضوعة التي تمهِّد الأرضيَّة للشهودَين الحسِّيِّ والخياليِّ. وهذه المعاني الناشئة تحت ظلِّ هذين الشهودين تُظهَر إلى بعضها بواسطة الوضع والاتفاقات اللُّغويَّة حتى تستمرَّ العلاقات بين البشر، وتستمرَّ هذه الآليَّة إلى نقطة نهاية التعامل والعلاقة.

 

العوالم الاجتماعيَّة من منظور الحكمة المتعالية:

عرفنا ممَّا سبق أنَّ للعوالم الاجتماعية هويَّات معنويَّة، ومن جهة أخرى، تتَّخذ الحكمة المتعالية تفسيراً تجاه العلوم الاجتماعيَّة، وتعتبر الظواهر الاجتماعيَّة أحداثاً ذات معنى، فبالتالي تقبل الهويَّات المعنويَّة للعوالم الاجتماعيَّة. لكن الذي يميزها عن مدارس فلسفيَّة أخرى كعلم الظواهر هو موطن ثبوت المعنى، أو بعبارة أخرى موطن تحقُّق سماء المعنى، فيجب البحث عن نقطة التحوُّل في كيفيَّة النظر إلى سلَّم أفلاطون الذي جعله هوسرل -كبعض الفلاسفة الآخرين- بصورة أفقيَّة، واعتبر المثل الأفلاطونيَّة موضوعةً في العلاقات الاجتماعيَّة والثنائيَّة، وتبعه شوتز في هذه المسألة حيث بحث عن أساس المعنى والتفهُّم في علاقات اجتماعيَّة كهذه.

أمَّا الحكمة المتعالية فتقبل سلَّم أفلاطون بصورته العموديَّة، و«ترى أنَّ الواقع والكون واجدٌ لعوالم ثلاثة في الطول بحيث يكون كل واحد ظلَّاً للعالم أعلاه، بل ظهوراً وتجلِّياً له، وهذه العوالم الثلاثة هي الطبيعة والبرزخ والعقل، ولو أنَّ مجموعها تحكي صور الأسماء الإلهيَّة» (بارسانيا، 1373، ص23). وكذلك الإنسان واجد لهذه العوالم الثلاثة كمثال من العالم كله، ويسلكها واحداً تلو آخر بفضل الحركة الجوهريَّة. لكن لا يخفى على المتأمِّل أنَّ هذه الطاقة للسير في العوالم ولو كانت موجودة في جميع أفراد البشر إلاَّ أنَّ كلَّ واحد يجتاز هذا المسار أو بعضه بقدر همَّته وإرادته، فتكون معرفته وفهمه من الكون طبقاً لهمَّته وقدراته. إذاً، لا يمكن التسوية بين فهم إنسان لم يعبر أفق الخيال وفهم أشخاص آخرين قد تمكَّنوا من اقتحام حوزة العقل، كما ليس الذين نجحوا في تنشيط قوى عقولهم النظريَّة والعمليَّة في مرتبة وجوديَّة واحدة. يحكي الواقع والكون صورَ الأسماء الإلهيَّة ويصعد الإنسان هذه العوالم على مدى همَّته وقدراته، فالكون والواقع موجود بغضِّ النظر عن فهم الإنسان له، ولا يرتبط بالفهم والعلاقات الاجتماعيَّة بين أبناء البشر، إذ ليس أساسه في علاقات كهذه.

في هذا الإطار، يعتقد ملاَّ صدرا أنَّ «جميع الموجودات عند أهل الحقيقة والحكمة الإلهيَّة المتعالية -عقلاً كان أو نفساً أو صورةً نوعيَّة- من مراتب أضواء النور الحقيقيِّ وتجلِّيات الوجود القيوميِّ الإلهيّْ‏» (ملاَّ صدرا، 1981م، ج2، ص291)، وحاصل انتساب كهذا هو إرجاع جميع الكائنات إلى كون واحد حيث يكون ما سواه آيةً وظهوراً لتلك الحقيقة القيوميَّة (بارسانيا، 1373، ص22).

إنَّ تفسير العلماء والفلاسفة عن المعاني الحاضرة في أذهان أفراد البشر ترتبط بمبانيهم ومبادئهم العلميَّة المختلفة، فبعضهم يعتبر المعاني متشكِّلة ومصنوعة من العلاقات الاجتماعيَّة، وبعض آخر يعتبرها ظهوراً ومرآةً للحق، أمَّا الحكمة المتعالية فتعتقد أنَّ كلَّ شيء في عالم الوجود يُرى بكامله –أي: بظاهره وباطنه وأوَّله وآخره- اللهَ سبحانه وتعالى. وعليه، فإنَّ بعض المعاني تجلِّيات لصفة «الإضلال» لدى الله تعالى وبعضها مرآة لصفة «الهداية»، وهذه المباحث في قوس النزول، أمَّا في قوس الصعود فيجب القول أنَّ المعرفة الحضوريَّة الشهوديَّة التي يجدها الإنسان في أوَّل وهلة، وبعدها تسيَّر ركبَ العلوم الحصوليَّة والمعاني الذهنيَّة هي تنقسم –وعلى أساس الشهود- إلى قسمين: شهود جزئيٍّ مشهودُه أمر جزئيٌّ، وشهود كلِّيٍّ مشهودُه أمر كلِّيٌّ، فالشهود الجزئيُّ كالمفهوم الجزئيِّ لا يهدي المُشاهدَ إلى أمر وراه. لذا، لا يمكن الذي يشاهد نفسه بالشهود الجزئيِّ أن يعرف نفسه إلاَّ في تلك المرتبة وليست لديه قدرة على أن يعرف هل هذا الإدراك نتيجة تلقين فكر أو حصيلة تحقيق، لأنَّ الإنسان ما دام موجوداً في متن شهود جزئيٍّ فلا يدرك شيئاً عدا مشهوده الجزئيِّ، فهو كإنسان يحلم رؤيا من دون أن يستطيع معرفة هل هذه الرؤيا صادقة أو من جنس أضغاث الأحلام. أمَّا كليَّة المشهود في الشهود الكلِّيِّ شيء غير كليَّة المفهوم، لأنَّه لا مجال للمفهوم في مقام الشهود، فالمشاهِد الذي يشاهد المشهود الكلِّيَّ يشاهد في الواقع حقيقةَ المبدأ والمعاد وحقيقة الوحي والرسالة، وسائر قواه تابعة لروحه العظيمة وقلبه المبسوط وتشهده قواه جميعاً تحت رعاية ورقابة روحه وقلبه، فالعقل يستوعب المعاني الكليَّة استيعاباً تامَّاً، كما تدرك الواهمة ما ينزل فيها بصورة جيِّدة وتصوِّر المتخيَّلة كما يجب أن تصوَّر، وتشاهد قوَّة الخيال ما تجلَّى لديه في أتمَّ ما يكون. إذاً، كلُّ ما يشاهَد في هذه الحالة – في النوم كان أو في اليقظة- يكون صادقاً مطابقاً للواقع، ويصبح صاحبُ شهود كهذا ميزاناً لمشاهدات الآخرين، ويصير فهمه لصونه من الخطأ معياراً لفهم سائر الفاهمين (جوادي آملي، 1384، صص279-283). والنقطة المهمة أنَّ الآخرين أيضاً يحصلون على قدرة اقتحام الخيال المنفصل بعدما اتَّحدوا في خياله المتِّصل، إذ استطاع أبناء البشر أن يفهموا ويدركوا المعاني الذهنيَّة عند بعضهم البعض بفضل الاتِّحاد الذي يحدثون في الخيال المتَّصل ويتمكَّنون من إقامة علاقات اجتماعيَّة عبر هذا الاتصال الوجوديّْ. لكن لا ننسى أنَّ الرموز البشريَّة والهياكل الاجتماعيَّة من مقدِّمات هذا الاتِّحاد والاتِّصال الوجوديِّ ومن مُعِدَّاته. وبعبارة أخرى يُحدث أبناء البشر اتِّحاداً على أساس اتِّحاد العلم والعالم والمعلوم، ثم يدركون المعاني الذهنيَّة عند بعضهم البعض من قِبل هذا الاتِّحاد.

يمتلك كلُّ واحد من أبناء مجتمع شهودات حسِّيَّة في سَيرهم الجوهريِّ قد تكوَّنت في رحابها مفاهيم ذهنيَّة، ثمَّ يصنع الإنسان بواسطة خياله صوراً ورسوماً معنويَّةً من تلكم الشهودات ويدَّخرونها في الخيال، لكنهم، بفضل الاشتراك الذي يُنشئونه في المعرفة والدواعي، يتمكَّنون من إنشاء ثقافات فرعيَّة متنوِّعة، وهذه الثقافات والثقافات الفرعيَّة هي سماوات معنى قد برزت بواسطة البعض في أعمالهم وتصرُّفاتهم.

في هذا السياق، يرى الفارابي أنَّ هذه سماوات المعنى إذا تطابقت مع الخيال المنفصل تتكوَّن الثقافة والمدينة الفاضلة، وأمَّا في غير هذه الصورة فتتشكَّل مجتمعات غير فاضلة متناسبة مع المعرفة والدواعي. فالنتيجة أنَّ ما تجده النفس على صعيدها البرزخيِّ والمثال المتَّصل أو تصير واجدة له إذا كان مقترناً بالمثال المنفصل فهو صادق، وإذا كان منسَّقاً مع تصرُّفات النفس المختلَقة فهو من زمرة أضغاث الأحلام، ويكون حكاية كاذبة عن الواقع (جوادي آملي، 1417ق، ج4، ص168).

النقطة الأخرى التي ينبغي طرحها هي أنَّ التمثُّلات التي تحصل على إثر الاتِّصال أو الاتِّحاد وبعبارة أدقّْ، على إثر الفناء في المبادئ العالية هي في الحقيقة شؤون كثيرة لحقيقة واحدة قد ظهرت في تلكمُ التمثُّلات. إذاً، يتَّجه التمثُّل في كنه ذاته نحو تلك الوحدة التي هي أصله وحقيقته، ولذلك يمكن الوقوف على الوحدة التي هي محكي ذلك التمثُّل عبر التمثُّل، وتوفِّر تلك الوحدة التي هي مبدأ الكثرات انتظاماً وتناسقاً لجميع الكثرات المظهرة لها، لكن وبعد إضعاف إرادة الوحدة تتدخَّل الكثرات بأقصى صورة ممكنة، ويصل الأمر إلى أن لا يشاهَد في المكاشفة أثرٌ ولا خبر من الوحدة، وهذه هي أضغاث الأحلام التي تظهر فيها كثرات عدَّة في عرض بعضها، ويبتعد الإنسان من حقيقة ذاته بعد ابتعاده من ذلك الواحد الذي هو عين الوحدة حيث تتغيَّر مكاشفاته ومشاهداته وتمثُّلاته. ففي البداية – وعندما يقترب من الحقِّ- يشاهد الله تعالى قائماً بالربوبيَّة أينما يولّي وجهه، لكنه، بعد بدء انحرافه واعوجاجه المقارن بمشاهدة نوع من الاستقلال والأصالة للملائكة وبقية الموجودات، تحدث الفُرقة بين ما يشاهده وما هو متحقّق في الخارج. وبما أنَّ عالم الطبيعة بنفسه ظلّ وظهور لحقائق مرتسمة في الخيال المنفصل فتؤدِّي مفارقته عن الخيال المنفصل إلى مفارقته عن الطبيعة أيضاً. وأخيراً، وبعد إنكاره للوحدة الحقيقية، يقع في مركز الكثرة المحضة ويعتبرها وحدة، وهذه هي الأسطورة الحديثة بعنوان «الإنسانيَّة / أصالة الإنسان» التي تجد مجالاً لعرض نفسها في نهاية تاريخ الشرك والابتعاد عن الله سبحانه وتعالى. (بارسانيا، 1373، صص43-73).

تبدأ أصالة الإنسان في أول مسارها بـ«أنا»، وتصل في علوم الظواهر إلى «نحن» حيث يجب إيجاد أساس كلِّ شيء حتى الله تعالى في هذا «نحن». من هنا، تبرز سماوات المعنى المختلفة والمتنوِّعة والتي تكوَّنت بالمطابقة مع المثال المنفصل أو بالإعوجاج عنه في صياغة الثقافة في التصرُّفات والأفعال البشريَّة، ولكلِّ واحدة من سماوات المعنى تلك مواصفاتها الخاصَّة والتي تفضي إلى ملازمات ثقافيَّة وحضاريَّة خاصَّة.

وينبغي ألاَّ ننسى أنَّ سماوات المعنى هذه تتمتَّع بوجود محيط على الذين استسلموا لها، وتجلب لهم اتِّحاداً وجوديَّاً. إذاً، تصبح كالروح الواحدة والعالم الواحد لنفوس متعدِّدة قد اتصلت بها اتصالاً وجوديَّاً. وسماء المعنى هذه هي المجتمع نفسه الذي ليس له وجود مغاير لآحاد أبنائه فيتَّحد معهم في تركيب اتحاد، وأبناؤه في حكم مادَّة قد اتَّحدت مع هذه السماء عبر المعرفة والعمل. لكن سماوات المعنى هذه تتمتَّع بوجود مجرَّد روحانيٍّ يوحِّد آحاده من البشر في هذا الأفق.

ونلفت هنا إلى أنَّ آحاد البشر لا يفقدون إراداتهم الحرَّة في اتحاد كهذا، بل ينشطونها في رحاب هذه السماء وفي استخدامها لها، ولا تتنافى هذه النقطة مع اختيار الإنسان وعامليَّته، إذ لا تضمحلُّ آحاد البشر بعد الاتِّحاد مع سماء المعنى، بل يمكنهم الرجوع والإعراض عن تلك الصور. تُنشئ سماوات المعنى هذه، بعد دخولها في حوزة الحياة والثقافة للبشر، هياكلَ وعلاقات بحيث تكون متفرِّعة على حضورها، وتعود الهياكل والتي لها وجود ربطيٌّ وتعلُّقيٌّ صرف إلى وجود هذه السماوات، فلا يمكن إرجاع وجودها مع تلك الهياكل. (بارسانيا، 1391، صص117-119).

قد تكون سماء المعنى التي دخلت في إقليم الحياة البشريَّة وجوداً ذهنيَّاً لشخص واحد بحيث تمكَّن منها فرد واحد من آحاد البشر، كما تكون واجدة لهويَّة اجتماعيَّة بين الأذهان، وقد دخلت أفق البشريَّة الاجتماعيِّ (بارسانيا، 1391، ص128). هذا مثل النظام المعنويِّ التوحيديِّ الذي اتَّصل به النبيُّ الأعظم –صلَّى الله عليه وآله- ولم يستشمَّ منه الآخرون شيئاً، فإذا دخل ذلك النظام في الحوزة الاجتماعيَّة بين الأذهان رافقه في هذا الدرب أشخاص آخرون أيضاً.

تتبلور سماء المعنى بصورة رمزيَّة على الصعيد البشريِّ حيث تختل الأنظمة الاجتماعيَّة من دون تكوُّن تلكم الرموز، ولا ننسى أنَّ أهميَّة بعض الرموز على مدى أهميَّة المعنى الذي تحكيه، ويمكن تغيُّرها في الظروف المختلفة على أصعدة متنوِّعة، لكن ذلك لا يوجب تغيُّر العالم الاجتماعيِّ ما لم تقترن بالتغيُّر في السطوح الاجتماعيَّة العميقة (بارسانيا، 1391، ص131).

ممَّا تقدَّم، يمكننا استنتاج أنَّ البحث عن أصعدة الشهود المختلفة وسعات الإنسان المتنوِّعة ولو أنَّها أبحاث سماويَّة بعيدة عن أجواء علم الاجتماع لكن لا يمكن تحطيم الأنظمة الموجودة – كما كان يفعل الأنبياء عليهم السلام- من دون هذه السعات والأهليَّات.

عرفنا أن المعاني تتنزَّل في سمائها المعنويَّة عبر التصرُّفات البشريَّة وتصنع الثقافة المتناسبة معها، لكن الإنسان الذي هو «جسمانيَّة الحدوث» في حركتها الجوهريَّة يبدأ سيره ويسلك هذه الطريق على قدر فهمه وهمَّته، فيسعى في هذا الطريق -عندما يكون في حدِّ الحيوانيَّة ولم تنشَّط القوَّة العاقلة لديه بعد- أن يستخدم ويستثمر الآخرين الذين هم في جواره، لأنَّه ما دام مقيَّداً بالطبع وتابعاً للشهوة والغضب فلا يفكر إلاَّ في استخدام الآخرين واستعبادهم واستثمارهم. وهذا الإنسان يؤسَر عقلُه وفطرته إضافة على خياله ووهمه، كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «كم من عقل أسير تحت هوى أمير» (نهج البلاغة، ح221). ربما يمكن تطبيق هذه الرؤية على نظريَّة التضادِّ، لكن الحل الوحيد لاجتياز روح الاستخدام والاستثمار هو تنشيط العقلَين النظريِّ والعمليِّ، ولو أنَّ هذا الحل يغاير وصفة «ماركس».

عندما يجتاز الإنسان حدَّ الحيوانيَّة، ويصل إلى مرحلة التعقُّل، يدرك وجودَه الضئيل وغنى ربِّه والعبوديَّة التي تنبغي له، ثم ينظِّم فعله على أساس هذا الإدراك، وبعد سلطة العقل على تصرُّفاته ينتظم شهوته وغضبه أيضاً بنظام عقلانيٍّ بل إلهيٍّ، وهذه هي النقطة التي تنشأ فيها الحضارة، لأنَّه لا بقاء ولا قرار للحياة الاجتماعيَّة إلاَّ بالتعاون والتعاضد، وما يحدث تحت روح الاستثمار ليس مجتمعاً بل هي كثرات لا تتمتَّع بهويَّة واحدة، إذ عرفنا أنَّ الهوية الواحدة تنشأ في أحضان تنشيط العقل والقوى العقليَّة، وتحدث الحضارة أيضاً بفضل ظهور العقل والفطرة في التصرُّفات البشريَّة، وهذا معنى أنَّ «الإنسان حضارة بالفطرة» (جوادي آملي، 1386، صص383-395). تعتقد الحكمة المتعالية – وبواسطة تسمية الإنسان نوعاً متوسِّطاً- أنَّ الحضارة بالفطرة لونٌ من العوالم الاجتماعيَّة يظهر في رحاب تنشيط العقل والفطرة، وهنالك عوالم اجتماعيَّة أخرى تنشأ على حسب معارف الإنسان والدواعي الكامنة لديه. ويمكنها أن تختبر قيم العقل والنقل وتناقشها إذ تعتبرهما عقلين كاشفين عن الواقع، كما يمكنها تنويع القيم الاجتماعيَّة والعوالم الاجتماعيَّة بواسطة الحكم فيهما. لكن هذه الحكمة وبفضل المباني المتوفِّرة لديها تستطيع أن تحكم على مجتمعات وعوالم اجتماعيَّة كهذه، في حين أنَّ علم الظواهر لا يتمكَّن من الدخول في هذه الأبحاث، وبسب هذا الفقدان لم يقدر علم الاجتماع الظواهر على أن يقدِّم محاضرات وتحليلات على هذا المستوى.

إنَّ نوعاً من العوالم الاجتماعيَّة والذي يُعرف بالمدينة الفاضلة هو نفسه الحضارة بالفطرة التي تتشكَّل بتنشيط العقل والفطرة، لكن هناك مجتمعات أخرى مثل المجتمع الضالِّ والمجتمع الفاسق والمجتمع الجاهل، وتتكثَّر هذه المجتمعات بحسب المعارف والدواعي، ومع أنَّ الفارابي قد أحصى بعض هذه المجتمعات وعدَّ مواصفاتها إلاَّ أنَّه يمكننا الإشارة إلى أنواع وأقسام أخرى من هذه المجتمعات.

 

النظريَّة الاجتماعيَّة الصدرائيَّة:

بالنظر إلى مجموع ما مرَّ بنا، يمكننا أن نقترب من نظريَّة ملاَّ صدرا الاجتماعيَّة. فالحكمة المتعالية تعتقد أنَّ النظام المعنويَّ التوحيديَّ هو النظام الوحيد الذي يمكن الوصول إليه بالعقل المرآتيِّ وبتنشيط قوى العقلين النظريِّ والعمليِّ في رحاب اتِّحاد العلم والعالم والمعلوم وبفضل حركة الإنسان الجوهريَّة، وهناك أنظمة معنويَّة أخرى تتكوَّن في أفق خيال الإنسان المتَّصل بانحراف من ذلك النظام المعنويِّ التوحيديّْ.

ولا بدَّ من القول أنَّ الأنظمة المعنويَّة هي نفسها سماوات المعنى التي تشكِّل الهياكل والرموز والعلاقات البشريَّة بعد التنزُّل في الأفعال والتصرُّفات الإنسانيَّة. وتلعب هذه الهياكل والرموز البشريَّة دوراً إعداديَّاً لحوق أفراد البشر بالأنظمة المعنويَّة، فلا يمكن للنفس الوصول إلى هذه الأنظمة المعنويَّة من دون تلك المعدَّات في قوس الصعود (مطهري، 1387، ج13، ص123).

إنَّ الوليد وبسبب ولادته في عالم اجتماعيٍّ يقع في أثناء هياكل اجتماعيَّة ورموز بشريَّة توفِّر قواه المعرفيَّة والحركيَّة متناسبة مع سماء المعنى تلك وتنشِّطها، ما يدعى على لسان علماء الاجتماع بـ«التنشئة الاجتماعيَّة» (socialization). لكن هذا الوليد نفسه يمتلك أهليَّة وجوديَّة بعنوان الفطرة تدلُّه على النظام المعنويِّ التوحيديِّ، وتبتليه بتوتُّرات نفسيَّة في ما إذا احتجبت فطرته حتى يتمكَّن من خرق النظام المعنويِّ الموجود فيه واجتيازه، ويحضر تحت النظام المعنويِّ التوحيدي، لأن الإنسان هذا يطيق الجواز من نظام معنوي إلى نظام معنوي آخر، كما يمكنه الاستسلام لنظام معنويٍّ غير توحيديٍّ حتى يورِّطه في مغبَّة «بل هم أضل». (الأعراف: 179).

علينا ألاَّ ننسى أنَّ الأنظمة المعنويَّة غير التوحيديَّة قد تكون متكثِّرة متنوِّعة بتكثُّر أنواع المعرفات والدواعي، وتوفُّر الرموز والهياكل الحاضرة إعداداتٍ للإنسان الاجتماعيِّ حتى يعثر تحتها على فهم تصرُّفات الآخر، ويتمكَّن عبر هذا الطريق من تلبية حاجاته الدنيويَّة والأخرويَّة، لكن إعداداً كهذا يكون للوصول إلى اتِّحاد المدرِك مع المدرَك حتى يقدر على فهم المعاني الذهنيَّة لدى الآخر، والنتيجة أنَّ أفراد البشر وباستسلامهم للنظام المعنويِّ يعبِّدون طريق تكوين «عالم الحياة»، ومِن ثَمّ يشكِّلون تحته الرموز والهياكل الاجتماعيَّة البشريَّة أو يعيدون إنتاجها، ثمَّ تتكوَّن اللغة حتى يعبَّد طريق هذه التنشئة الاجتماعيَّة.

 

 

النتيجة:

تعترف الحكمة المتعالية بسلَّم أفلاطون كما هو بصورة عموديَّة، إذاً تعتقد أنَّ الكون والواقع واجد لعوالم ثلاثة هي: عالم الطبيعة، وعالم البرزخ، وعالم العقل، في طول بعضها البعض، ولكل واحد ظلٌّ بل ظهور للعالَم فوقَه، وكذلك الإنسان، فهو أيضاً واجد للعوالم الثلاثة يسلكها واحداً تلو آخر بفضل الحركة الجوهريَّة، فإمَّا أن يحصل على النظام المعنويِّ التوحيديِّ ويُنظِّم هياكله الاجتماعيَّة في رحابه، وإمَّا أن يُعرض عنه ويُنشئ سماء معنى أخرى، ويحقِّق علاقاته الاجتماعيَّة. ترى الحكمة المتعالية أنَّ المعاني تتشكَّل في الخيال الإنسانيِّ المتَّصل، وبما أنَّ خيال الإنسان المتَّصل يمتاز بتجرُّد برزخيٍّ يمكن للآخرين أن يتَّحدوا معه بكونهم في أفق واحد مع هذه المعاني -سواء كانت اعتباريَّة أم حقيقيَّة من ناحية المعرفة والإدراك والدواعي، وبالتالي يشكِّلون المجتمع البشريَّ بالتحاق أشخاص آخرين.

وكذلك تحدث كيفيَّة تلقِّي ومعرفة الآخرين من المعاني الاعتباريَّة والحقيقيَّة لـ«أنا» في هذه الساحة، فإذا انطبق الخيال المتَّصل على الخيال المنفصل تنشأ المدينة الفاضلة، وإلاَّ -وبالاعوجاج الحاصل في فهم الإنسان ومعرفته وغاياته المنشودة- تنشأ مدن ومجتمعات غير فاضلة متناسبة لمعارف ذلك الإنسان ودواعيه الخاصَّة.

لا ريب في أنَّنا ندرك علاقات «أنا» مع «الآخر» في التعامل المباشر ووجهاً بوجهٍ بداية بواسطة الشهود الحسِّيِّ والحركات والإشارات واللُّغة المنطوقة لدى «الآخر»، إذ تُعَدُّ حركاته وإشاراته ولغاته المنطوقة والجسديَّة آلة موضوعة لتوفِّر بسببها المعاني الحاصلة في خيال «الآخر» المتَّصل مقدمةً وإعداداً لكي يتَّحد «أنا» مع تلك المعاني المجرَّدة في خيال «الآخر» المتصل اتِّحاداً واتِّصالاً وجوديَّاً، وتنبسط تلك المعاني عبر هذا الاتِّحاد بواسطة «أنا» و«الآخرون»، ثمَّ يتكوَّن «عالم الحياة» بفضل اتحاد واتصال وجوديٍّ كهذا بين أشخاص عديدين. ثم تتحوَّل هذه المعاني المجرَّدة إلى أفعال وتصرُّفات بواسطة هؤلاء الأشخاص، وتشكِّل الوجود الاعتباريّْ. وأمَّا قوَّة الخيال فهي تقوم بالتصوير وتنشئ صوراً في ضمن هذا الاتِّحاد والاتِّصال الوجوديِّ، وتنتقل هذه الصور عبر اللُّغة حتى تكون مقدِّمة وإعداداً لبسط هذا الاتِّحاد والاتِّصال في زوايا مختلفة، فيمكنني هكذا أن أعرف محبَّاته وآلامه، ثم أتعاطف معه وأمتلك اتِّحاداً واتِّصالاً وجوديَّاً معه. يكون هذا التعاطف رابطة وجوديَّة غير التعاطف النفسيِّ لدى «هيوم» والتعاطف في الظاهريَّات. هذه العلاقة المباشرة في العلاقات الاجتماعيَّة يمكن أن تكون غير مباشرة أيضاً، لكن ليس بواسطة الشهود الحسِّي، بل هذا هو الشهود الخياليُّ الذي ينشئ هذه العلاقة، وبما أنَّ وجود الخيال أعلى مرتبةً من وجود الحسِّ فيصنع خيال «أنا»، وبفضل ذلك الاتِّحاد والاتِّصال الوجوديِّ تعاملاً في مستوى أعلى من الشهود الحسِّيّْ.

 

المصادر:

– إدغار، أندور وآخرون (1388)، مفاهيم كليدي در نظريه فرهنگي (فارسية، أي: المفاهيم الأساسية في النظرية الثقافية)، ترجمة ناصر الدين علي تقويان، طهران، معهد التخطيط الاجتماعي والدراسات الثقافيَّة ومعهد البحوث الثقافيَّة والاجتماعيَّة.

– بارسانيا، حميد (1373)، نماد وأسطوره در عرصه توحيد وشرك (فارسيَّة، أي: الرمز والأسطورة على صعيد التوحيد والشرك)، قم، إسراء.

– (1391)، جهان هاى اجتماعي (فارسيَّة، أي: العوالم الاجتماعيَّة)، قم، كتاب فردا.

– حسن زاده آملي، حسن (1375)، نصوص الحكم على فصوص الحكم، طهران، رجاء.

– جوادي آملي، عبد الله (1417ق)، رحيق مختوم: شرح حكمت متعاليه (فارسيَّة)، بتنظيم حميد بارسانيا، قم، إسراء.

– (1384)، معرفت شناسي در قرآن (فارسيَّة، أي: علم المعرفة في القرآن)، بتنظيم حميد بارسانيا، قم، إسراء.

– (1386)، شريعت در آينه معرفت (فارسيَّة، أي: الشريعة في مرآة المعرفة)، بتنظيم حميد بارسانيا، قم، إسراء.

– (1387)، عين نضاخ (تحرير تمهيد القواعد)، بتنظيم حميد بارسانيا، قم، إسراء.

– الطباطبائي، سيد محمد حسين (بلا تأريخ)، حاشية الكفاية، قم، مؤسَّسة نشر الأفكار والآثار للعلاَّمة الطباطبائي.

– (1387)، انسان از آغاز تا انجام (فارسيَّة، أي: الإنسان قبل الدنيا وفي الدنيا وبعد الدنيا)، بترجمة صادق لاريجاني، قم، مؤسَّسة بوستان كتاب.

– عبوديت، عبد الرسول (1389)، درآمدي بر نظام حكمت صدرايي (فارسيَّة، أي: تمهيد لنظام الحكمة الصدرائيَّة)، قم، مؤسَّسة الإمام الخميني للتعليم والدراسة.

– في، برايان (1383)، پارادايم شناسي در علوم إنساني (فارسيَّة، أي: معرفة الحوزات الفكريَّة في العلوم الإنسانيَّة)، بترجمة مرتضى مرديها، طهران، معهد الدراسات الإستراتيجيَّة.

– ملاَّ صدرا (1375)، مجموعة الرسائل الفلسفيَّة، بتحقيق حامد ناجي إصفهاني، طهران، حكمت.

– (1981م)، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليَّة الأربعة، بيروت، دار إحياء التراث.

– (1363)، مفاتيح الغيب، طهران، الدراسات الثقافيَّة.

– (1360)، الشواهد الربوبيَّة في المناهج السلوكيَّة، مشهد، المركز الجامعي للنشر.

– مطهري، مرتضى (1387)، موسوعة الآثار، طهران، صدرا.

-Wagner, Helmut R. (1970), Alfred Shutz on phenmenology and social relations, University of Chicago.

-Lawson, Tony & Garrod, Jon (2001), Dictionary of Sociology, series editor: Lan Marcouse, Fitzory Dearborn, London, Chicago.

-Shutz, Alfred (1967), The Phenomenology of The Social World. Tr. by George Walsh, Northwestern University, USA.

 

 

 

 

.

[1]– أستاذ مشارك في جامعة باقر العلوم – إيران.

[2]– دارس في المستوى الرابع لفلسفة العلوم الاجتماعيَّة – مؤسَّسة الإمام الرضا للدراسات العليا الحوزويَّة- قم.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى