الدراسات والبحوث

الفــرق بين الأحــوال والمقـامـات

الفــرق بين الأحــوال والمقـامـات

 

الأحوال مواهب والمقامات مكاسب .. الإمام القشيري

الحال هو ما يرد علي القلب من غير تعمد ولا اجتلاب وقيل هو تغير الاوصاف علي العبد ، وقال الخركوشي في تعريف الحال ( نازلة تنزل العبد في الخير فيصفو له في حال ووقته.

تعريفها: الاحوال والمقامات هي درجات ( مراحل ) هذا التطور أو الترقي الروحي ، استنادا الى تقرير القرآن أن الوجود الإنساني ينبغى أن يكون في صعود دائم عبر درجات ﴿ يرفع الله الدين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾، ﴿ ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ﴾، وهذه الدرجات بعضها ذو طابع ذاتى هي الأحوال ، وبعضها ذو طابع موضوعى هي المقامات . فالأحوال تمثل الدرجات الذاتية لهذا الترقي الروحى ، متمثله في الأنماط الانفعاليه والمعرفيه التي تجى كمحصله لالتزام الإنسان بمجموعه من القواعد التي تحدد للإنسان ما ينبغى أن يكون عليه وجدانه وتفكيره. بينما المقامات تمثل درجاته الموضوعية متمثله فى الانماط السلوكيه التى تجى كمحصله لالتزام الإنسان بمجموعه القواعد التي تحدد له ماينبغى أن يكون عليه سلوكه.

وقال الكاشاني في كتابه اصطلاحات الصوفيه : ” الحال ما يرد علي القلب بمحض الموهبة من غير تعمد ولا إجتلاب كحزن أو خوف أو بسط أو قبض أو شوق, ويزول بظهور صفات النفس سواء يعقبه المثل أو لا فإذا دام وصار ملكا يسمي مقاما “

والاحوال هي : ” المواهب الفائضة علي العبد من ربه إما واردة عليه ميراثا للعمل الصالح المزكي للنفس المصفي للقلب ، واما نازلة من الحق امتنانا محضا وإنما سميت احوال لتحول العبد بها من الرسوم الخلقية ودركات العبد الي الصفات الحقية ودرجات القرب وذلك هو معني الترقي “

وقال الغزالي رحمه الله : ” والحال منزلة العبد في الحين فيصفوا له في الوقت حاله ووقته ” وقيل : هو ما يتحول فيه العبد ويتغير مما يرد علي قلبه ، فاذا صفا تارة وتغير اخري قيل له الحال.

وقال الهجويري في كتابه كشف المحجوب : ” والحال وارد علي الوقت يزينه مثل الروح للجسد ، والوقت لا محال يحتاج الي الحال ، لان صفاء الوقت يكون بالحال وقيامه به “.

وقد قيل ان الحال : سكوت اللسان في فنون البيان فلسان صاحب الحال ساكت في بيان حاله ، ومعاملته ناطقة بتحقق حاله ، ولهذا السبب قال أحد الشيوخ : ” السؤال عن الحال محال إذ العبارة عن الحال محال لان الحال فناء المقال ، والحال عبارة عن فضل الله ولطفه الي قلب العبد دون ان يكون لمجاهداته تعلق به لان المقام من جملة الاعمال ، والحال من الافضال والمقام من جملة المكاسب والحال من جملة المواهب.

ويقول الشريف الجرجاني في كتاب التعريفات: ” الحال في اللغة نهاية الماضي وبداية المستقبل والحال عند أهل الحق معني يرد علي القلب من غير تصنع ولا اجتلاب ولا اكتساب من طرب او حزن او قبض او بسط او هيئة ويزول بظهور صفات النفس سواء يعقبه المثل أم لا ، فاذا دام وصار ملكا يسمي مقاما فالاحوال مواهب والمقامات مكاسب والاحوال تأتي من عين الوجود ، والمقامات تحصل ببذل المجهود “ .

وقال ابو نصر في كتاب اللمع :المراقبة ، والقرب ، والمحبة والخوف ، والرجاء ، والشوق ، والانس والاطمئنان ، والمشاهدة واليقين.

الفــرق بين الأحــوال والمقـامـات
تعتبر الأحوال والمقامات عند الصوفية طريق موصل إلى معرفة الله عزوجل، وقد وصفها ابن خلدون في مقدمته بالغاية المطلوبة للسعادة، يقول: “ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة”

ويتفق الصوفية مع ابن خلدون في رأيه بأن الترقي في المقامات ينتهي بصاحبه إلى توحيد الله تعالى ومعرفته، وطالما وصل صاحب المقام إلى هذا فإنه يكون قد تحقق له غاية السعادة والأمن والسلام مع نفسه ومع غيره .

وكما اتفق رجال الصوفية على أن الأحوال والمقامات طريق موصل إلى الله تعالى ومعرفته، نجدهم قد اختلفوا في عدد هذه الأحوال والمقامات، كما اختلفوا في ترتيبها، وفي حقيقة الأمر نجد أن كل سالك يصف لنا على حدة منازل سيره وحال سلوكه الذي سلكه في الوصول إلى الله تعالى، وعلى الرغم من هذا الاختلاف فيما بينهم فإنهم يقررون “أن الأحوال مواهب والمقامات مكاسب، والأحوال تأتى من الوجود نفسه، والمقامات تحصل ببذل المجهود“.

والحال عند القاشاني هو “ما يرد على القلب بمحض الموهبة من غير تعمل كحزن، أو خوف، أو بسط، أو قبض، أو شوق، أو ذوق يزول بظهور صفات النفس، سواء أعقبه المِثل أولاً، فإذا دام وصارا ملكًا يُسمى مقامًا(3).” فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب”.

كما حُكي عن إمام العارفين وسيد الطائفة الجنيد (رحمه الله)، أنه قال:” الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم”.

أما الحال في اصطلاح أهل الطريقة كما يقول الواسطي (رحمه الله) فيطلق على “ما قام بالقلوب من المواهب الإلهية والجذبات القدسية فيقال حال الخوف، حال الشوق، حال الرجاء … وأمثال ذلك، ويسمى في عرف أهل الزمان خوارق العادات حالاً أيضًا“.

وهو أيضًا “ما أقام العبد به دين الله في قلبه وجوارحه مثل التعظيم لله تعالى والحب له، والمكاشفة بجلاله وإكرامه وعظمه شأنه، والحياء منه الموجب لاستقامة الظاهر وصفاء الباطن … “.

والمقام عند الطوسي (رحمه الله)” معناه مقام العبد بين يدي الله عز وجل، فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع إلى الله عز وجل، وقال الله تعالى ” ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ” – ” وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ“.

أو هو “ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب، مما يتوصل إليه بنوع تصرف، ويتحقق بضرب تطلب، ومقاساة تكلف، فمقام كل واحد في موضع إقامته عند ذلك”.
كما يشترط القشيري على العبد “أن لا يرتقى من مقام إلى مقام آخر ما لم يستوف أحكام هذا المقام، فإن من لا قناعة له لا يصح له التوكل، ومن لا توكل له لا يصح له التسليم، ومن لا توبة له لا تصح له الإنابة، ومن لا ورع له لا يصح له الزهد”
كما لا يصح –في رأى القشيري- “منازلة مقام إلا بشهود إقامة الله تعالى إياه بذلك المقام؛ ليصح بناء أمره على قاعدة صحيحة“.

وقد جعل الإمام الواسطي للأحوال والمقامات علامات منها:” ما وافق كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وجذب إلى الله، واتصل بالله، وآثرهما قربًا من الله، وعبد الله بذلك الحال، فاتصلت عبودية العابد بذلك الحال بالله، وكان الله عز وجل هو المعبود به والمعظم فيه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو الداعي إليه والعابد له فيه، وكان العبد هو الذليل الفقير الراجع إلى مولاه بالافتقار والالتجاء إليه، كما أنها تُزهِّد صاحبها في الفاني وتُرغِّبه في الباقي، وتُغِّيبه عن الخلق وعمَّا في أيديهم فيتصل غناه بالله وفقره إليه وينفصل عن العالم وعن الأشياء مما سوى الله تعالى “.


الفرق بين الحال والمقـام:

اتفقت معظم كتب التصوف على أن:
“1- الحــال: معنى يَردُ على القلب من غير تعمد ولا اكتساب.
المقــام: ما يقام فيه العبد ويتحقق بالعبادات والمجاهدات والمكاشفات.
2- الحــال: تبطن فيه المكاسب وتظهر المواهب.
المقــام : تبطن فيه المواهب وتظهر المكاسب.
3- الحـال : سُمِّي حالاً لتحوله .
المقــام : سُمِّي مقامًا لثبوته واستقراره .
4- الحـال : من المواجيـد .
المقــام : طرق لهذه المواجيد.
5- صاحب الحال : مترقٍّ عن حاله .
صاحب المقام : متمكن في مقامه .
6- الحال مثل: الطرب، والحزن، والبسط، والقبض، والمراقبة، والقرب …
المقام مثل: اليقظة، والتوبة، والورع، والزهد، والفقر، والرضا …”.

ولكن هل التزم الواسطي في تناوله للمقامات والأحوال بهذا التصور وهذه التفرقة؟ إن استقراء ما كتبه الواسطي في هذا المجال يدل على أنه لم يفصل بين المقامات والأحوال فصلاً واضحًا، ولم يذكر بينهما فروقًا، وساقهما جميعًا في كتبه مع بعضهما، وربما يرجع ذلك إلى أمرين:
أولاً: الفرق التقليدي بين المقام والحال، والمتمثل في أن المقام يُنال بالمجاهدة والكسب، والحال يحصل بالوهب عند الواسطي غير موجود؛ فكل ما ذكره من مقامات وأحوال يعتمد على الوهب الإلهي والتوفيق من عنده سبحانه وتعالى للعبد.

ثانيًا: إن الشيء بعينه قد يكون حالاً ثم يصير مقامًا أو العكس، فربما ترك الواسطي التفرقة بين المقامات والأحوال لذاتية التجربة التي يمر بها السالك وخصوصيتها، ونحا منحى عمليًّا في بيان هذه الدرجات بالشرح والتحليل.

_______________

*نقلاً عن موقع ” التصوف الإسلامي”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى